مجموعة مقالات المؤتمر العالمي

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 1

ص: 2

مجموعة مقالات المؤتمر العالمي

"آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية"

قم / 2014م

ارت

المجلد الثاني

ص: 3

اشارة

سرشناسه: کنگره جهانی جریان های افراطی و تکفیری از دیدگاه علمای اسلام (نخستین: 1393: قم) عنوان قراردادی: مجموعه مقالات کنگره جهانی جریان های افراطی و تکفیری از دیدگاه علمای اسلام. عربی عنوان و پدیدآور: مجموعة مقالات المؤتمر العالمي "آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية / على نفقة: المؤتمر العالمي آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية، باهتمام: الدكتور مهدي فرمانیان، مسؤول الترجمة: حسين صافي

مشخصات نشر: قم: دار الاعلام لمدرسة اهل البيت (ع)، 13 -

مشخصات ظاهری: ج.

شابک (ج. 2):

(1.V)

978-600-94845-5-3

شابک (دوره): (

V.SET)

978-600-94845-3-9

وضعیت فهرست نویسی: فييا

یادداشت: فهرست نویسی بر اساس جلد دوم: 1393

یادداشت: کتابنامه

موضوع: تكفير - مقاله ها و خطابه ها

موضوع: سلفيه - عقاید - مقاله ها و خطابه ها

موضوع: وهابيه - عقاید - مقاله ها و خطابه ها موضوع: مجتهدان و علما - نظریه درباره تكفير - مقاله ها و خطابه ها

موضوع: تروریسم - کشورهای اسلامی - مقاله ها و خطابه ها

شناسه افزوده: فرمانیان، مهدی، 1352-، گردآورنده

شناسه افزوده: صافی، حسین، 1340-، مترجم

رده بندی کنگره: 1393 3043 م 9 ک /

BP225/3

رده بندی دیویی:

297/4643

شماره کتابشناسی: 932974643

المؤتمر العالمي «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرفة والتكفيرية» قم، شارع الشهداء، ناصية زقاق 22، رقم البناية 618 هاتف: 37862161-025 البريد الالكتروني:

info@makhateraltakfir.com

الموقع الالكتروني:

WWW.makhateraltakfir.com

کنگره جهانی جریان های افراطی و تکفیری از دیدگاه علمای اسلام

المؤتمر العالمي آراء علماء الاسلام في التيارات المتطرفة والتكفيرية

-The World Congress on

Extremist and Takfiri Movements in the Islamic Scholars' View

مجموعة مقالات المؤتمر العالمي "آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية"

المجلد الثاني

بطلب من: المؤتمر العالمي "آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية" باهتمام:

الدكتور مهدي فرمانیان

الناشر:

دار الإعلام لمدرسة اهل البيت علیهم السلام

مسؤول الترجمة: حسین صافي

الإخراج الفني: سید حسین موسوي باکزاد

تصميع الغلاف: محمد مهدی اسعدي

المشرف على الطباعة: سید محمد موسوي

الطبعة: الأولى، 1435ه

قم، شارع الشهيد فاطمي، زقاق 2، الفرع الأول، رقم البناية 31

الكمية: 500 نسخة

هاتف: 37740729 - 025

طبع و تجليد: سلیمان زاده

البريد الألكتروني:

info@darolelam.ir

السعر: 250000 ریال

عنوان الموقع:

darolelam.ir

جميع الحقوق محفوظة للمؤتمر

ص: 4

أعضاء اللجان العلمية للمؤتمر العالمي

«آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية"

رئيس المؤتمر: سماحة المرجع الديني الشيخ ناصر مکارم الشيرازي (دام ظله) المشرف العلمي للمؤتمر: سماحة المرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني (دام ظله) رئيس الهيئة المنظّمة للمؤتمر ومعاون المشرف العلمي: الدكتور مهدي علي زاده موسوي رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر: الدكتور مهدي فرمانیان المسؤول التنفيذي في اللجنة العلمية: محمد علي موحدي پور مسؤول مكتب اللجنة العلمية: محمد مهدي عمادي مسؤول الترجمة: حسين صافي فريق المترجمين: محمد حسين حکمت، عباس صافي، رعد الحجاج، داخل الحمداني، محمد عبد الرزاق، جعفر الحكيم، محمد المجتبی، یاسر الخير و، عبد الرزاق الجابري، أحمد المنصوري

لجنة النسابية

مدير اللجنة: الدكتور مهدي فرمانیان سكرتير اللجنة: محمد حسن بهشتي أعضاء الهيئة العلمية في اللجنة:

اسد علي زاده الدكتور الله اكبري مهدی بیشوایي الدكتور جباري

جبرئيلي الدكتور لطف الله جلالي الدكتور داداش نجاد الاستاذ علي اصغر رضواني

ص: 5

محمد طاهر رفيعي الاستاذ قاسم صفري (جوادي) حمیدرضا مطهري الدكتور ملک مکان نکزاد محمدهادي يوسفي غروي

لجنة جذور الفكر التكفيري

مدير اللجنة: آية الله حسيني قزويني سكرتير اللجنة: حبيب عباسي أعضاء الهيئة العلمية في اللجنة:

محمد جواد ابو القاسمي الاستاذ رضا البطاط فلاح الدوخي

حسین رجبي اكبر روستائي آية الله نجم الدین طبسي محمدجعفر طبسي محمد یزداني

اللجنة السياسية

مدير اللجنة: الدكتور منصور میر احمدي سكرتير اللجنة: مختار شیخ حسيني أعضاء الهيئة العلمية في اللجنة:

الدكتور شهروز ابراهیمی الدكتور محمد پزشكي الدكتور حسين بوراحمدي

ص: 6

الدكتور مسعود بورفرد الدكتور محمد علي حسيني زاده الدكتور صادق حقیقت الدكتور رضا خراساني الدكتور محمد ستوده الدكتور كاظم سید باقري الدكتور محمود شفيعي الدكتور عبدالوهاب فراتي الدكتور ناصر قربان نیا الدكتورة نجمه کیخا الدكتور شريف لک زایي الدكتور عنایت الله یزداني الدكتور یزداني مقدم

لجنة الخلاص من أزمة التكفير

مدير اللجنة: الدكتور حسن بيكي سكرتير اللجنة: الدكتور جواد اميني أعضاء الهيئة العلمية في اللجنة:

الدكتور اکبر استركي الدكتور سیامک باقري الدكتور هادي جمشیدیان الدكتور حمید رضا حاتمي الدكتور علي رضا خراشادي زاده محمد رضا خسروي الدكتور محمود رضا شمس دولت آبادي محمد حسن دهقان

ص: 7

حمید رحمتي بهرام رضايي محمود زرین ماه عباس عظیمی کیا مجید فقیه الدكتور ضياء الدين قاضي زاده علي رضا كیقبادي علي محمد رضايي احمد مزيناني مهدي مزيناني

الدكتور عبدالله هندیاني مسؤول القسم الدولي: محمود وزیري مسؤل القسم التنفيذي: محمد علي موسوي نسب مسؤول اللجنة الثقافية - الدعائية: علي مولائي مسؤول لجنة وسائل الإعلام: ابو الفضل صالحي

ص: 8

فهرس المحتويات

***

كلمة سماحة المرجع الديني الشيخ ناصر مکارم الشيرازي (دام ظله الوارف)...11

مقدمة المشرف العلمي سماحة المرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني (دام ظله)...13

توطئة...17

المقالات

الفصل الأول

نسابية التيارات المتطرّفة و التكفيرية

ماهية التيارات التكفيرية وأهداف تأسيسها و أسباب الشداد شوكتها في العقد الأخير...23

مهدي فرمانیان / أحمد المنصوري

حركة جهيمان العتيبي والإخوان المسلمون السعودية والسلفية الجهادية...51

ياسر القزويني الحائري / عباس صافي

أسباب نشوء التيارات التكفيرية في أفغانستان وشبه القارة الهندية...95

محمّد طاهر رفيعيّ / ياسر الخيرو

الاتّجاه السلفي في تونس و آفاقه المستقبلية...139

عناية الله اليزداني، مصطفى القاسمي / محمّد حسین حکمت

ذرائع جيش الصحابة حول تكفير وإباحة دماء الشيعة، نقدٌ وتحليل...175

علي ملاّ موسى الميبدي / محمّد حسین حکمت

الفصل الثاني

سبر عقائد التيارات التكفيرية

الوهابية و تكفير المسلمين، دراسةٌ نقدية...199

مهدي پیشوائي / محمّد حسین حکمت

أصول منهجية السلفية...227

أبو الفضل الغفّاريّ / جعفر الحكيم

ص: 9

أوجه الشبه بين الوهابيين التكفيريين والخوارج وحكمهما...253

محمد جواد حاجي قاسمي / حسین صافي

تاریخ تطور فكرة تقليد المذاهب من وجهة نظر السلفيين التكفيريين و تكفيرهم للمذاهب الأربعة...299

أكبر روستائي / عباس صافي

الإسلام دين السلام والمحبة والرأفة والرحمة...327

علي جان محمدي (قره باغي) / عباس صافي

الفصل الثالث

التيارات المتطرفة والتكفيرية والسياسة

التيار التكفيري وسياسة العنف...375

منصور مير أحمدي، علي اکبر ولدبیگی / حسین صافي

تشكيلة الحكومة في الفكر السلفي التكفيري...421

محمد إسماعيل نباتیان / رعد الحجاج

الأسس الفكرية لمعادة الغرب للدين الاسلامي "السياسات الغربية و التيارات التكفيرية"...457

ا. د. ستار جبار الجابري

داعش والعنف الصارخ مزيج من تفسير غير عقلاني للدين وتقنيات حديثة...475

محمود شفيعي / عباس صافي

دور القوى الدولية في نمو التيارات التكفيرية و انتشارها وانعكاسات ذلك على العالم الإسلامي...519

مختار شیخ حسيني، محمد جواد خليلي / ياسر الخيرو

الأثر العكسي للارهاب على الدول الراعية له مقاربة تحليلية...545

د. محمد هاشم البطاط

الفصل الرابع

سبل الخلاص والتصدّي للتيارات التكفيرية

سبل الخروج من لعبة الربح و الخسارة في التصدي للتطرف الإسلامي في الشرق الأوسط...565

حسین بوراحمدي، حامد اسفندياري / رعد الحجاج

ص: 10

كلمة سماحة المرجع الديني الشيخ ناصر مکارم الشيرازي (دام ظله الوارف)

الرئيس الأعلى للمؤتمر:

لا غرو أنّ عصرنا هو عصر الوقائع المريرة و المعقدة و الفتن الخطيرة التي تعصف بالإسلام

و المسلمین و تستقي من مؤامرات أعداء الإسلام الأجانب بالتواطؤ مع منافقي الداخل.

إنّ فتنة التكفيريين و المتطرّفينلهي من أعظم الفتن التي ابتُلينا بها، و التي ظهرت لنا في

الآونة الأخيرة في صورة الجماعة المسماة «داعش» و أخواتها.

فمن أين أطلّت علينا فتنة التكفير هذه؟ و كيف نشأت و ترعرعت؟ و ما هي أسباب انتشارها؟ و أنّي السبيل لإطفاء نائرتها؟ يحتاج كلّ من هذه الأسئلة إلى بحث مفصّل و دقیق، و يقيناً أنّ الخطط السياسية و العسكرية، مهما كانت ذات مصداقية، فلن تكون، بمفردها، فعالة في دفع هذه الفتن. إذ لا بد لكبار علماء الإسلام أن يهبّوا لاقتلاع جذور هذا الفكر المنحرف بالموعظة الحسنة و المنطق السليم، ليحولوا دون انجذاب الشباب نحوه.

من هذا المنطلق، اتُّخذ القرار و بمساعدة نخبة من العلماء الواعين و المشفقين من جميع المذاهب الإسلامية لعقد مؤتمر عالمي تحت عنوان «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة و التكفيرية» ليتدارسوا خلاله الموضوع بعمق و دقّة، و يضعوا نتائج دراساتهم و أبحاثهم في متناول الجميع، أملاً في توعية الرأي العام الإسلامي و إطفاء نار هذه الفتنة العمياء. وهذا الذي بين يديك عزيزي القارئ هو جانب من تلك الدراسات.

«رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ»

قم - الحوزة العلمية ناصر مکارم الشيرازي ذو الحجه 1435 ه

ص: 11

ص: 12

مقدمة المشرف العلمي سماحة المرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني (دام ظله)

جذور ظاهرة التكفير والدوافع وراء عقد مؤتمر «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرفة والتكفيرية»

الإيمان والكفر مفهومان متضايفان، فعندما نذكر أحدهما يتداعى الثاني إلى ذهننا، ويطلق

على هذه الحالة في الفلسفة «التضايف».

إنّ مصطلح «الإيمان» يعني التصديق والاعتقاد، ولفظ «الكفر» يقصد به الستر وأحياناً يفيد الإنكار، وبحسب ما اصطلح عليه المتكلمون فإنّ المقصود بالإيمان هو التصديق بنبوة النبي وبرسالته. أما «الكفر» فيراد به تجاهل دعوة هذا النبي وتكذيبه.

ولا شك في أنّ دعوة معلمي السماء تشي أنّه في كل عصر بُعث فيه الأنبياء وجاؤوا

بالأدلة والبراهين التي تؤكّد على صدق دعوتهم، انشطرت مجتمعاتهم إلى فئتين: فئة آمنت بالدعوة وأخرى كفرت بها، فالذين آمن بالدعوة وصدّقها يسمى «مؤمنا» والذي قلب ظهر المجن لها وكذّب بها يقال له «کافر».

ومن المعلوم أنّ منهج جميع الأنبياء في الدعوة إلى الأصول واحد، ولا يوجد أي اختلاف بينهم، ففي جميع الدعوات كان أفراد الفئة المؤمنة إنّما يؤمنون بالله الخالق المدبر والحكيم الذي لا معبود سواه، ويصدّقون رسالة نبيّ عصرهم بكل جوارحهم.

وحين قضت إرادة الله تعالى ببعث النبي الخاتم صلی الله علیه و آله وسلم كانت علامة إيمان الناس بالدعوة

النطق بعبارتين تفصحان عن الإيمان الذي في مكنونهم، أعني، كل من كان ينطق بالشهادتين «لا اله الا الله محمد رسول الله»، أفراداً أو جماعات، كان يدخل في حظيرة الإسلام، وينفصل عن دائرة الكفر.

من جهة أخرى، فإنّ الإقرار بكلمة الإخلاص - التي تنطوي على سلب الألوهية من كل موجود إلا الله - تتضمن الإقرار بثلاثة أنواع للتوحيد: 1. توحيد الخالقية، 2. توحيد التدبير،

3. توحيد العبادة. لأن هذه الأنواع الثلاثة هي من خصوصيات إله العالمين لا خلائقه.

ص: 13

ناهيك عن أنّ الأساس الذي تقوم عليه أيّ دعوة إلهية هو الإيمان بالآخرة، طبعاً الإقرار بالحياة الأخروية كما التوحيد والرسالة، يعدّ من العناصر الإيجابية في الإيمان الذي يستکنه أعماق كلمة الإخلاص.

لو رجعنا إلى السيرة النبوية المعطرة سوف نطالع صفحة باسم «عام الوفود» وهو العام الذي تقاطرت فيه الوفود على المدينة من كل حدب وصوب، زرافات ووحدانا، لتبايع الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم، ولتستظل بخيمة الإسلام من خلال النطق بالعبارتين المذكورتين اللتين تختزلان الإيمان الحقيقي. وفي هذا الشأن نزلت سورة النصر المباركة لتصدح بالآيات الكريمة «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا».

إذن مفتاح دخول هذه الأفواج في الإسلام كان النطق بالشهادتين فحسب، ولم تكن ثمة مسائل کلامية أو فقهية تشترط قبول إسلامهم. مثلاً، لم يكن هؤلاء يُساءَلوا عن مكان الله أو رؤيته في يوم البعث أو خلق القرآن وقدمه، وغير ذلك من الأسئلة، وإنّما إيمانهم الكلي برسالة خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وسلم كان يغنيهم عن كل هذه المسائل. كما لم يُساءَلوا عن مسألة جواز التوسل بالأنبياء والأولياء أو الصلاة إلى جانب القبور أو زيارة قبور الأولياء.

في العصر الراهن، ثمّة فرقة متطرّفة وجاهلة بأصول الشريعة المحمدية وقواعدها، صارت تحتكر الإسلام والإيمان، فتعتبر فئة قليلة هي المؤمنة وسائر المسلمين كفارا ومهدوري الدم. وتعود جذور هذا النمط من التكفير إلى عصر ابن تيمية (ت 728ه) والوهابيين المتطرّفين من بعده، بل إنّ الوهابيين ذهبوا في تطرّفهم إلى مديات أبعد، ذلك أنّ ابن تيمية كان في أغلب الأحيان يستخدم كلمة البدعة، بينما الفرقة الوهابية استعاضت عنها بكلمة الكفر، فأصبح معيار التكفير عندها هو مخالفة أفكارها في المسائل المذكورة آنفاً.

وتعارض هذه الفرقة بشدّة بناء أضرحة الأنبياء وأولياء الله وتعتبر ذلك من مظاهر عبادة

الأوثان!! بينما شهد الإسلام عبر تاريخه الطويل بناء أضرحة الأنبياء والمحافظة عليها في فلسطين والأردن والشام والعراق، وكان المسلمون يأتون إلى زيارتها أفواجاً أفواجا، ولم يخرج علينا أحد ليصف هذا العمل بأنّه مخالف للتوحيد.

ص: 14

وحتى عندما فتح الخليفة عمر بن الخطاب بیت المقدس لم يأمر أبداً بهدم تلک

المزارات و المقامات المقدسة، وإنّما واصل نهج الماضين في المحافظة عليها وتزيينها.

وطيلة الفترة التي تلت رحلة النبي الأكرم سلی الله علیه و آله وسلم كان جميع الموحّدين يتوسّلون بمقام النبي الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم ليشفع لهم في قضاء حوائجهم، غير أن هذه الفرقة تساوي بين هذا التوسل وبين توسل المشركين بالأصنام، في حين أنّ جوهر كل منهما متمایز عن الآخر والمسافة بينهما كالمسافة بين الأرض والسماء

التكفير العنيف

كان التكفير عند أسلاف هذه الفرقة بالقلم واللسان، لكنّه أخذ طابعاً عنيفاً في عهد الوهابيين المتطرّفين، حيث كان أتباعهم يغيرون على القرى والقصبات والقرى المحيطة

بمنطقة «نجد» وينهبون ما أمكنهم وبذلك أصبحت لديهم قوة مالية كبيرة.

وللاطلاع على الجرائم التي ارتكبها مؤسّسوا هذه الفرقة ومن جاء بعدهم ينصح بمراجعة مصدرين معتبرين في تاريخ الوهابية هما: «تاریخ ابن غنام» و «تاریخ ابن بشر»، وقد صدرا منذ فترة وأصبحا موضع اهتمام العلماء والمفكرين. وأخيراً، لا نريد الإطالة في هذا المقام، لذا، سوف نختم كلمتنا بهذا البيت الشعري:

شرح این هجران و این خون جگر *** این زمان بگذار تا وقت دگر

(دع سرد قصة هذا الهجران وهذا الزمان وهذه المصائب لوقت آخر)

يشار إلى أنّه بعد احتلال أفغانستان من قبل الجيش الأحمر السوفيتي اتُخذ قرار بتوظيف الروح الجهادية للشباب المسلم في المنطقة لدحر قوى الكفر وطرد الأعداء من الأراضي الإسلامية، فكان قراراً رائعاً وفيه مرضاة الله، بيد أنّ عدم وجود عالم ورع وقيادة واعية بأصول الجهاد في أوساط هؤلاء الجهاديين لتقودهم وفق النهج السليم، حرفت هؤلاء المقاتلين باتجاه آخر، فتأثر بعضهم بالأفكار الوهابية وراحوا يكفّرون جميع البلدان الإسلامية وشعوبها.

ولسوء الطالع، انطلقت هذه الحملة أولاً ضدّ دول المقاومة والممانعة الصامدة بوجه الصهاينة، وبدلاً من تحرير القدس، راح هؤلاء يدمرون البنى التحتية في سورية والعراق. وقد بلغ عنفهم وإرهابهم ضدّ الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة والأبرياء مبلغاً شاهت معه

ص: 15

صورة الإسلام في العالم، ولم يعد في الغرب من يتعاطف مع هذا الدين، فأين الأعمال المروعة لهذه الجماعات من كلمات الوحي الإلهي حين يقول الباري عزوجل: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ». (آل عمران: 159) ويقول النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم في حديث شریف: «إنّ الرفقَ لا يكونُ في شيء إلّا زانه، ولايُنزَعُ مِن شيء إلّا شانه».

في ظل هذه الظروف المفجعة، قررت المرجعية الرشيدة في الحوزة العلمية بقم عقد مؤتمر عالمي تحت عنوان: «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرفة والتكفيرية» وذلك لتسليط الضوء على هذه الفرقة وما يترتب على أعمالها من نتائج و عواقب وخيمة، وفي هذا الإطارتم توجيه نداء إلى العلماء والباحثين في العالم الإسلامي من أجل سبر جذور التكفير وتعرية جوهره الشرير، والسبل الكفيلة بالخلاص من هذا الوضع. وقد لاقى النداء استجابة

طيبة من لدن العلماء انعكس في إرسال العديد من الآثار إلى الأمانة العامة للمؤتمر، وكانت مضامین معظمها على درجة عالية من الجودة والقيمة، وبناءً عليه قرّرت الأمانة المذكورة أن تأخذ على عاتقها طبع ونشر هذه الآثار ووضعها في متناول أصحاب الرأي وضيوف المؤتمر الأعزاء من داخل البلاد وخارجها، لتكون خطوة على طريق الحؤول دون استفحال خطر هذه الغدة السرطانية المدمرة وانتشار هذا الفايروس المرعب.

في الختام، لا يسعني إلا أن أثني على الجهود المضنية لأعضاء الأمانة العامة المحترمين الذين واصلوا الليل بالنهار، وأقدر عالياً ما بذلوه خلال الفترة الماضية، كما وأشكر جميع الذين ساهموا في خلق هذه الأجواء الروحانية والعلمية.

قم - جعفر السبحانی ذوالقعده 1435ه

ص: 16

توطئة

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» (البقرة: 208)

لقد شهد الإسلام في محطات كثيرة من تاريخه اقتتالاً بين المسلمين، ولكن عدا الخوارج والتيارات التكفيرية، من النادر أن تجد فرقة إسلامية في القرون الأخيرة قامت بتكفير سائر المسلمين واستحلّت دماء أهل القبلة وأموالهم وأعراضهم. لقد سجّل الخوارج أنّهم كانوا في طليعة المكفِّرين للمسلمين، حيث سفک التيار التكفيري في القرون الثلاثة الأخيرة، بدعوى التوحيد، دماء الكثير من المسلمين ودمّر العديد من الأماكن والآثار الإسلامية المقدسة التي تجسّد الهوية الحضارية للمسلمين.

وعلى الرغم من الجهود الحثيثة لكبار العلماء المسلمين في مواجهة التكفير، لكنّنا، وللأسف، نشهد في العصر الراهن تنامي التيارات التكفيرية وانتشارها في كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي. تيارات ارتكبت من الجرائم والمجازر ما ليس له نظير في التاريخ الإسلامي. حزّ الرقاب وإشعال الحرائق والتمثيل بالجثث وانتهاك الأعراض ونهب الأموال وتدمير الأبنية المقدسة، وغيرها من الجرائم تمثّل جانباً من الأعمال المروّعة التي ترتكبها هذه الجماعات باسم الإسلام.

على صعيد آخر، فإنّ إغتيال كبار علماء المسلمين، وتهديم البقاع المقدسة التي ترمز إلى الهوية الإسلامية، وارتكاب أفظع الأعمال المحرّمة باسم الإسلام مثل جهاد النكاح... إلخ كلّها طعنات أصابت الجسد الإسلامي في الصميم

إنّنا إذا ما تأملنا خريطة البلدان الإسلامية سنجد آثار خطوات هذه الجماعات في جميع البلاد الإسلامية تقريباً، وهي من قبيل: جبهة النصرة، داعش، تنظیم القاعدة، جند العدل، حزب التحرير في آسيا، جماعة بوكو حرام في نيجيريا، حركة الشباب الصومالية،

ص: 17

جماعة أنصار السنّة وأنصار الشريعة في أفريقيا وغيرها من الجماعات المتعددة، والتي تؤشّر بمجموعها وجود أزمة كبرى في العالم الإسلامي.

أمّا ما هي الأسباب والعوامل التي آلت إلى هذه الوضعية فذلك يستدعي منّا بحوثاً

ودراسات معمقة سوف ننوّه إليها بالتفصيل في مجموعة المقالات، ولكن إجمالاً نقول أنّه لا ينبغي هنا التغاضي عن دور الغرب في مشروع الإسلاموفوبيا، وبالتبع، محاربة الإسلام. ذلك أنه ارتأى، في ظل النمو السريع للإسلام في العالم، أن يشتغل على مشروع الإسلام ضدّ الإسلام، و أن يعمل عبر مساندة الجماعات المتطرفة وتوظيف الاختلافات الطائفية والمذهبية، على تحریک بعض الجماعات المنبثقة من رحم الإسلام لإضعاف قوة المسلمين وقدراتهم، وليرسم في المقابل صورة مشوّهة عن المسلمين أمام أنظار العالم.

كما أنّ القراءات المنحرفة والضالة لبعض المفاهيم مثل التوحيد والشرك والإيمان

والكفر والبدع وأمثال ذلك دفعت المسلمين إلى مستنقع التكفير.

ومع ذلك، يبدو أن الجرائم وأعمال التدمير التي ترتكبها التيارات التكفيرية من السعة والصلف بحيث أحدثت موجة من الاشمئزاز والإدانة لهذه الممارسات في العالم الإسلامي.

وبناءً عليه، فإنّ التصدّي العلمي و التنويري لهذا التيار يضع على عاتق العلماء والمفكرين مسؤولية سبر جذور هذه الظاهرة واجتراح الحلول اللازمة للفكاك منها، من هنا انبرى المؤتمر الدولي «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرفة و التكفيرية» بحسب إمكاناته وبإشراف وتوجيه کریمین من لدن سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمی مکارم الشيرازي «دام ظله الوارف» إلى توظيف الطاقات العلمية في العالم الإسلامي من أجل التصدّي لظاهرة التكفير. وقد تشكّلت لهذا الغرض أربع لجان علمية هي كالتالي:

1. نسابية التيارات التكفيرية 2. سبر عقائد التيارات التكفيرية 3. التيارات التكفيرية والسياسة 4. سبل الخلاص والتصدّي للتيارات التكفيرية.

ص: 18

يتناول المحور الأول نسابية التيارات التكفيرية، وتبحث اللجنة المعنية في منطلقات

التكفير ومنابعه وأمثلته على مدى التاريخ الإسلامي.

يخوض المحور الثاني في جذور الضلالات العقدية والقراءات التكفيرية للمعتقدات الإسلامية. هنا تبحث اللجنة المعنية في نقد أصول ومعتقدات هذه الجماعات والتيارات، وتسبر ضلالاتها و انحرافها عن العقيدة الإسلامية.

أما المحور الثالث فيعالج الأسباب السياسية وراء تنامي التيارات التكفيرية وانتشارها،

و تحلیل تبعيّتها وعمالتها وأهدافها.

وفي المحور الرابع مقترحات ببعض الحلول السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية

للخلاص من ظاهرة التكفير.

ولا بدّ من التذكير بأنّ مجموعة المقالات التي بين أيدينا هي حصيلة ما جادت به

قريحة العلماء ومفكري العالم الإسلامي حول المحاور المذكورة أعلاه.

مضافاً إلى ذلك، ثمّة بحوث مستقلة تقدّم بها بعض الباحثين تهدف إلى إثراء المؤتمر

وإغنائه، وهي كما يلي: 1. التكفير من منظار علماء الإسلام: يستعرض

هذا البحث آراء كبار علماء المذاهب و الفرق الإسلامية حول رفض التكفير، وتشمل آراء علماء القرون السابقة والمعاصرة حول حرمة تكفير أهل القبلة.

2. هدم المزارات الإسلامية في البلدان العربية: يسلّط البحث الضوء على السجل الأسود للتيارات التكفيرية في تهديم الأماكن المقدسة والحضارية في العالم الإسلامي، وهو موثق بصور المزارات قبل الهدم وبعده.

3. فتاوى التيارات التكفيرية في جواز قتل المسلمين: أحياناً تصدر عن التيارات التكفيرية، بسبب انحرافها وضلالها، فتاوى لا تنسجم مع أيّ من القواعد الفقهية، وتتنافى تماماً مع التعاليم الإسلامية، وقد جمع هذا الكتاب الفتاوى التكفيرية لتلك التيارات.

4. ببليوغرافيا التكفير: إذا ما ألقينا نظرة على المصنّفات والكتب المدونّة في موضوع التكفير سنجد أنّ الحصيلة جمهرة كبيرة من الآثار العلمية. هذه الببليوغرافيا تقدّم سرداً وصفياً لهذه الآثار في موضوع التكفير والردّ عليه.

ص: 19

5. الوهابية المتطرّفة: موسوعة نقدية: ثمّة في الفكر الوهابي تيارات تعتبر المسلمين كفاراً، وتجمع هذه الموسوعة النقدية باقة من مصنّفات العلماء المسلمين في نقد مبادئ وأسس هذا التيار منذ ظهوره وحتى اليوم.

في الختام، يلزمنا التنويه إلى أنّ كل ما من شأنه إثراء مجموعة المقالات وكذا البحوث المستقلة الخاصة بالمؤتمر الدولي «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية» يعود الفضل فيه إلى الإشراف العلمي لسماحة آية الله العظمی جعفر سبحاني (أدام الله ظله) وتوجيهاته السديدة المصوّبة التي فتحت مغاليق المسائل أمام اللجان العلمية في المؤتمر وكانت عوناً لها على إنجاز مهمّتها.

كما لا يفوتنا أن نشيد بالدور المضني الذي اضطلع به حجة الإسلام والمسلمين الدكتور فرمانیان - مسؤول اللجان العلمية - من خلال المتابعة الحثيثة والتنظيم الدقيق للمقالات، بمعيّة مسؤولي اللجان المحترمين: حجة الإسلام قزويني وحجة الإسلام میر أحمدي وحجة الإسلام فرمانیان وسعادة الدكتور أميني، فلهم منا جزيل الشكر والعرفان.

وأخيراً، نأمل أن تثمر الجهود المباركة لمراجع الدين العظام وعلماء الإسلام عن التقريب بين أجزاء العالم الإسلامي والوحدة بين أوصاله، واجتثاث فتنة التكفير من ربوعه إن شاء الله.

رئيس الهيئة ونائب المشرف العلمي للمؤتمر السيد مهدی علی زاده الموسوی

ذوالقعده 1435ه

ص: 20

الفصل الأول: نسابيّة التيارات المتطرّفة والتكفيرية

ص: 21

ص: 22

ماهيّة التيّارات التكفيريّة وأهداف تأسيسها و أسباب اشداد شوكتها في العقد الأخير

تأليف: مهدي فرمانیان(1)

ترجمة: أحمد المنصوري

نبذة:

مع نفوذ الثقافة الغربيّة إلى العالم الإسلامي، و انهيار الإمبراطورية العثمانية في عام 1925م، بذل أهل السنة جهوداً كثيرة لأجل إحياء الخلافة الإسلامية من جديد و في هذا الصدد تشكّلت في العالم الإسلاميّ العديد منالجماعات و الأحزاب؛ منها: حركة الخلافة في الهند، و الإخوان المسلمون في مصر، و المجموعات الجهادية في نصف القرن الأخير، حيث سعت بأجمعها إلى إعادة إحياء الخلافة الإسلامية و حاولت تحقيقها. لكنّ وجود الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 م و هجومهم العسكري على المنطقة، لم يقض

على مسألة الإرهاب في المنطقة،

بل تسبّب فيازدياد المجموعات التكفيريّة، ليس فقط في العالم الإسلامي، بل أدّى إليظهورها و امتدادها إلى العالم الغربي أيضاً.

للأسف، فإنّتواجد الولايات المتحدة في المنطقة أدّى - سواء كان عمداً أو سهواً - إلى

نموّ التيّارات التكفيريّة، و أصبح الهدف التي حشدت أمريكا جيشها أصبح ضدها.

الكلمات المفتاحية: الوهابية، جيش الصحابة، القاعدة، أمريكا، الجهاد

ص: 23


1- أستاذ مساعد و عميد كلية المذاهب الإسلامية في جامعة الأديان و المذاهب في مدينة قم المقدسة

المقدّمة:

إن دخول الثقافة الغربية في العالم الإسلامي و انهيار الإمبراطورية العثمانية انعكسانعکاساًقوياً في العالم الإسلامي، و تسبّب في أن تصبح مسألة الخلافة من أهم المسائل التي تشغل أذهان أهل السنة من المسلمين و فكرهم في المئة سنة الماضية، و لأجل هذه القضية ألّف المفكرون الإسلاميّون مئات الكتب في هذا المجال و تأسست

عشرات الأحزاب و المجموعات السياسية في هذا الخصوص.

وكل هذا حدث بسبب غياب الخلافة الإسلامية، و انغماس العالم الإسلامي في الثقافة

الغربية و لم يكن هناك بصيص من الأمل.

فاعتبر عدد من مفكري أهل السنّة المصريين و بعض المهتميّن بالقضايا الدينيّة أنّ الحل الوحيد للنجاة من هذا الوضع المؤسف و المؤلم هو الرجوع إلى السلف(1). فهذه المجموعة التي حملت هموم الدين؛ عملت على صدّ الفكر الغربي و منعه من أن يلقي بظلاله على أساسيّات المسلمين و مرتكزاتهم؛ فرأت أنّ المخرج الوحيد من هذه المعضلات هو العودة إلى نهج السلف؛ فسمّوا أنفسهم بالسلفيّة. و قد طُرحت فكرة العودة إلى السلف لأول مرة في مصر فكان محمد عبده، و عبد الرحمن الكواكبي، و محب الدين الخطيب، و الشيخ محمد رشید رضا من روّاد دعاة العودة إلى نهج السلف. غير أنّ الوهّابيّة استغلّت هذا الشعار و سمّوا أنفسهم بالسلفيّة أيضاً، و نشروا و روّجوا أفكار ابن تيميّة على أنّها هي الفكر السلفيّ. و على هذا النحو، انخدع بعض المستضعفين فكريّاً من المسلمين، و وقعوا في فخّ أفكار ابن تيميّة، و روّجوا العنف و التكفير المستوحى من أفكاره(2).

لقد تمسّكت هذه المجموعة بفتاوی ابن تيميّة، بقصد إحياء الخلافة الإسلاميّة أو على أقل تقدير تشكيل الحكومة الإسلامية(3)، كما كرّسوا في بعض الأحيان فكر التكفير في

ص: 24


1- حيث تشكلت ثلاثة تيارات معروفة في العالم الإسلامي و هي فيما يلي: المتشددون (الأصوليون أو السلفيّون)، الإصلاحيون (الجمع بين الحاضر و الماضي)، المثقفون (الذين يتقبّلون أغلب أسس الغرب و يفسرون الدين على ضوء ثقافة الحداثة)؛ و بما أن هذه المقالة مختصة بالتيّارات التفكيريّة لم تذكر باقي التيارات
2- راجع: رمضان البوطي، السلفيّة بدعة أم مذهب، ص 248 فصاعداً
3- راجع: كتاب الخلافة و الإمامة العظمى السيد محمد رشيد رضا، جميع الكتاب

العالم الإسلامي من خلال إصدار الحكم بالجهاد(1)، و بناءً على هذا؛ يمكن لنا الجزم بأنّ جميع التيّارات التكفيريّة قد خرجت من صميم الأفكار السلفيّة، كما أنّ جميع السلفيّيّن واقعون تحت تأثير فكر ابن تيميّة. و بعبارة أخرى: إن العالم الإسلاميّ في وقتنا الحاضر، يواجه ظاهرة خطيرة باسم ابن تيميّة الذي يروّج العنف و يفتي بتكفير باقي المسلمين باستخدامه اسم السلف و السلفيّة.

و في هذا المضمار؛ يسعى هذا المقال إلى استعراض بیان قصير عن ماهيّة التيّارات التكفيريّة، و أسباب تزایدها و انتشارها، كما يتناول عدم نجاح أمريكا في هجومها بقصد القضاء على التكفيريّين، و فشلها الذريع في الاقتراب من تحقيق هدفها؛ بل و ارتداد جميع ذلك على نحرها، حيث أضحت القواعد الجماهيريّة الداعمة للسلفيّة ضعف ما كانت عليه.

طبيعة التيارات التكفيريّة

نظراً إلى أن جميع التيّارات التكفيريّة قد خرجت من رحم السلفيّة؛ فإنّ معرفة هذه التيّارات من دون معرفة الفكر السلفيّ غير ممكنة، وبما أنّ جميع أفكار السلفيّة مرتبطة بنحو تامّبآراء و أفكار ابن تيميّة؛ لذلك وجب علينا أولاً معرفة أفكار ابن تيميّة، و من ثم الخوض في الحديث عن التيّارات التكفيريّة.

ابن تيميّة قائد التكفيرييّن على الاطلاق: إنّ قائد جميع التيّارات التكفيريّة على

الاطلاق هو ابن تيميّة بلا منازع، فلولا ابن تيميّة لما كان للسلفيّة و التكفيريّة أيّ وجود.

ولد ابن تيميّة في عام 664 ه في أسرة حنبليّة - من أصحاب الحديث، فكبر و ترعرع في كنف أسرة كانت منذ القدم تخالف المتكلّمين و الفلاسفة و العرفاء و الصوفيّة، فتاريخ أصحاب الحديث مملوء بالنزاعات و التشاجر مع الأشاعرة و الصوفيّة(2). و بناءً على هذا، لم تكن مخالفة ابن تيميّة لهم أمراً جديداً؛ بل إنّ الجديد في الأمر هو

ص: 25


1- راجع: محمد عبد السلام فرج، الفريضة الغائبة، جميع الكتاب
2- راجع: يوسف القرضاوي، الصحوة الإسلامية، ص 201

اجتهادات ابن تيميّة الجديدة، حيث أسّس مدرسة السلف من خلال تضييقه لمفهوم كلمة السلف، و ما جاء به من تفسير الحديث خير القرون.

لقد اعتبر ابن تيميّة بواسطة توسيع مفهوم العبادة، الكثير من عقائد المسلمين و اعمالهم مصاديق للشرك؛ خصوصاً قضية احترام القبور.(1) كما استخدم مئات المرات بل آلاف المرات في آثاره و مؤلفاته مفردات تسبّب في تداعي التكفير إلى أذهان القارئین، و طبقاً لبحث عن المفردات في قرص مدمج (سي دي) لمجموعة أعمال ابن تيميّة، وجدنا أنّه استخدم في آثاره 917 مرة لفظکافر، 892 مرة لفظ يقتل، 829 مرة لفظ المرتد، و 219 مرة لفظ يستتاب، 97 مرة لفظ "وجبت توبته، و إلا قتل" و من المؤكّد أنّنا كنّا سنجد ألفاظ أكثر ممّا أوردنا أعلاه، لو تمّ البحث و الفحص في آثاره يدوياً(2).

وأعتقد ابن تيميّة بأنّه هو المجتهد المطلق، و ذلك من خلال تحریم تقليد أئمة المذاهب الأربعة، بفتحه باب الاجتهاد، بل الأمرّ من ذلك أنّه أفتى بكفر و ارتداد كلّ من يقلد الأئمّة الأربعة(3).

وقد أدّى هذا الأمر في وقتنا الحاضر، إلى أن يعتقد أتباعه بحرمة التقليد، و أن يظهر أفراد مثل أسامة بن لادن و الزرقاوي؛ اللذين لا يفقهان و لا يعلمان من الإسلام شيئاً، إلا أنّهما يفتیان بكلّ بساطة بالكفر و القتل و الاغتيال. و إضافة إلى تحريمه التقليد؛ فقد أفتى بفتاوی شاذة أخرى؛ و التي تسبّبت في إيجاد التفرقة في عالمنا اليوم؛ منها مواجهة غازان

ص: 26


1- راجع: ابن تيميّة، کتاب زيارة القبور، جميع الكتاب. نفس المؤلّف، قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة، جميع الكتاب
2- راجع: عبد الحكيم أبو اللوز، الحركات السلفيّة في المغرب، ص 113، مركز دراسات الوحدة العربية، 2009. رسالة دكتوراه جامعة المغرب. حيث حصل المؤلّف على هذه الإحصائيّات من خلال بحثه في قرص آثار ابن تيميّة، و لقد اعتمد في بحثه على مجرد البحث عن مفردة، بناءً على هذا يمكن القول بأنّه لو بحث موضوعيّاً حسب المعاني؛ لوجد إحصاءات هذه المفاهيم أكثر بكثير ممّا ذكرناه. و الجدير بالذكر أنّ التناقضات في آراء ابن تيميّة وصلت حدّاً من الكثرة أن أعتمد على فتاواه كلا الفريقين، التكفيريّون و مناهضو التكفيريّين، فكلّ منهما يعدّه من أعلام مجموعته. راجع: أبو ذر نصر الأصفهاني، ببليوغرافيا التكفير، مجموعة آثار مؤتمر آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة و التكفيريّة. هذا الكتاب يغصّ بالأدلة الداعمة للفكر التكفيري و المناهضة له، و كلّ من مجموعتي الأدلّة مستند إلى فتاوى ابن تيميّة
3- مجموع فتاوى ابن تيميّة، ج 4، ص 124. أيضاً راجع: حسین توانا، مقالة «الاجتهاد و التقليد من وجهة نظر ابن تيميّة»، مؤسسة دار الاعلام المدرسة اهل البيت (ع)

خان حاكم المغول الذي كان قد أسلم غير أنّ سياساته كانت تتعارض مع الفكر السياسي لأهل السنة و الجماعة، فأصبحت هذه الفتوى في يومنا هذا، حجّة بيد التيّارات الجهاديّة المنحرفة لمواجهة حكّام البلدان الإسلاميّة و اغتيال المعارضين(1)، و بعبارة أخرى؛ فإنّ أوّل شخص أفتى بجواز الجهاد على حكام المسلمين هو ابن تيميّة؛ و الجهاديّون التكفيريّون اليوم يقتلون المسلمين مستدلين و متمسّكين بفتاوی ابن تيميّة الجهاديّة.

تشریح مفهوم السلفيّة: عندما يستخدم لفظ السلفيّة في أيامنا هذه، ما هو المقصود

منه، و إلى أيّ معنى من المعاني يشير؟

السلف في اللغة بمعنى القدماء و الأسلاف(2)، بعبارة أخرى كلمة السلف تطلق على الأشخاص الذين يشاركوننا في الدين و الفكر، و الآن ليسوا على قيد الحياة بل كانوا يعيشون في الماضي، لكنّها في اصطلاح ابن تيميّة و أتباعه تدلّ على معنى الرجوع إلى فهم الصحابة، و التابعين، و العلماء المقبولين عند أصحاب الحديث في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام، و القول بأفضلية فهمهم و أفكارهم(3).

حسب قول واضع و مبدع اصطلاح السلفيّة؛ أي ابن تيميّة: فإنّ السلفيّة بمعنى القرون الماضية الفاضلة في فهم الكتاب و السنة، و أن نعدّ فهم من عاشفي تلك الحقبة الزمنية للكتاب و السنة هو أفضل من فهم الخلف ففهم السلف هو فهم الصحابة و التابعين و تابعي التابعين و العلماء الذين يحظون بمقبوليّة عند أصحاب الأثر و أصحاب الحديث و فهم الخلف یعنی فهم الأشاعرة، و الماتريديّة، و الفلاسفة، و العرفاء.

لذا من وجهة نظر ابن تيميّة أن فهم الأشاعرة، و الماتريدية، و الفلاسفة، و العرفاء، و

الصوفية، فهم منحرف، و فيه البدع و الضلال، و بعيد عن الحق و هو باطل(4).

ص: 27


1- راجع: محمد عبدالسلام فرج (قائد مجموعة الجهاد المصرية)، الفريضة الغائبة، ص 21. في هذا الكتاب يستند على فتاوى ابن تيميّة، و يقول بوجوب محاربة جميع الحكام المسلمين
2- لسان العرب، ج 6، ص 330 - 331؛ المعجم الوسيط، ج 1، تحت مادة السلف
3- راجع: مهدي فرمانیان، درسنامه فرق و مذاهب کلامی اهل سنت (کتاب الفرق و المذاهب الكلاميّة عند أهل السنة)، ص 269 - 285؛ علي الله بداشتي، بررسی و نقد آرای سلفیه درباره توحید (دراسة و نقد آراء السلفيّة حول مسألة التوحيد)، ص 35 - 73، بحث بسيط في باب المعنى الاصطلاحي لمفهوم السلفيّة
4- مجموع فتاوى ابن تيميّة، ج 4، ص 126؛ ابن تيميّة، الفتاوى الحمويّة الكبرى، ص 43

فمن وجهة نظر ابن تيميّة؛ كلّ من يعتقد أنّ فهم أصحاب الحديث في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام في باب صفات الله تعالى، أفضل من فهم القرون التالية (القرن الرابع) فصاعداً فهو سلفيّ و مذهبه السلفيّة. و دلیل ابن تيميّة على ذلك هو اربع روایات عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم و التي وردت في صحيح البخاري، بمحتوی و دلالة متقاربة، يقول النبيّ صلی الله علیه و آۀه وسلم: "خير القرون قرني ثم يلوني ثم يلوني"(1)، و جاء في بعض الروايات أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم قال ما معناه (لا خير في ما بعد القرون الثلاثة)(2)، فيستند ابن تيميّة بمفردة الخير في هذه الرواية - والتي هي عامّة و مطلقة - في القول بأنّ كلّ ما هو موجود في القرون الثلاثة الأولى هو أفضل من باقي القرون وسمّى هذه القرون بالقرون الفاضلة(3)، فالفهم الصحيح للدين بل أنّ أصحّ فهم لهبحسب وجهة نظر ابن تيميّة و أتباعه و على أساس ما اعتمده منالرواية المذكورة؛ هو فهم علماء القرون الأولى، و يجب على كلّ مسلم الرجوع إلى فهم السلف الصالح، لأن هؤلاء القدماء فهموا و أدركوا الإسلام أفضل من باقي الناس، وبما أنّ ابن تيميّة سالك درب أصحاب الحدیث؛ فقد حدّ الفهم و صادره بمطلوبه من هذه الروايات، و من خلال التمسك بما استنتجه منها، فجعل من الفهم الظاهري، و مناهضة التأويل و العقل، الذي يقول به أصحاب الحديث هو المشار إليه في هذه المجموعة من الروايات.

ولكن في يومنا هذا، لا يتوافق مفهوم السلفيّة في العالم الإسلامي مع تعریف ابن تيميّة، أي أن السلفيّة في العالم الإسلامي يعتقدون بالعقائد التكفيريّة لابن تيميّة أكثر مما يعتقدون بأفضلية فهم السلف الصالح، لذا فمن الأفضل أن نعتبر التيّارات السلفيّة في العالم الإسلامي على أنّها تیّارات و حرکات ابن تيميّة بدلاً من أن نظنّ أنّها سلفيّة بمعنى القول بأفضلية فهم السلف، و ذلك لأن أكثر التيّارات السلفيّة المهمّة في عصرنا الحاضر تسمّي نفسها سلفيّةً من دون أخذ التعريف الذي قدمه ابن تيميّة من مصطلح السلفيّة بعين الاعتبار و من دون الالتفاته أساساً، و بناءً على هذا، لا يمكن لنا أن نعتبر هؤلاء سلفيةً بحسب التعريف الدقيق لمعنى السلفيّة، بل أنّهم سمّوا بالسلفيّة لأنّهم يعتقدون بجميع أو

ص: 28


1- صحيح البخاري، حدیث 473. ابن تيميّة، مجموع الفتاوی، ج 4، ص 346
2- صحيح البخاري، حدیث 4365
3- مجموع فتاوى ابن تيميّة، ج 4، ص 321

ببعض ما جاء به ابن تيميّة من معتقدات و آراء، و على هذا وجب أن نسمّيهم بتيّارات ابن تيميّة بدلاً من التّيارات السلفيّة.

تاريخ السلفيّة

لقد كان الاعتناء بآراء السلف و حتّى قبل ظهور ابن تيميّة في القرن الثامن، موجوداً بعنوان أنّه أحد الأساليب الفكريّة لأهل الحديث المنتهجة لدى محدّثي أهل السنة، فلقد كان جمع من كبار أصحاب الحدیث مقيّدين بعدم العدول عن أفكار السلف. و يمكن لنا أن نعدّ الفقهاء المتمسّكين بالأثر من أهل المدينة في القرن الأول و الثاني للهجرة هم

طليعة الفكر السلفيّ في القرون التي سبقت أحمد بن حنبل. و أنّ أحمد بن حنبل كان ملتزماً بأن يبني فكره حسب أيديولوجية و فكر أصحاب الأثر من أهل المدينة و يحاول ألا يعدل عنها قدر المستطاع.

أمّا في زمن المحدّثين من القرن الثالث و حتّى القرن الثامن، لميكن للسلفيّة معنغير المعنى اللغويّ لها؛ أي التمسّك بأفكار الماضين، و هذا التمسّك لم يكن مقيداً بزمن

خاصّ، و لم يستد لّأيّ من المحدّثين برواية خير القرون. و على هذا الأساس كان عدد

الأشخاص الواقعين داخل دائرة مفهوم السلفيّة يزداد يوماً بعد يوم(1).

السلفيّة بمثابة إحدى الفرق الإسلاميّة:

مع ظهور ابن تيميّة و استدلاله بحديث خیر القرون، تمّ تقييد الحقبة الزمنية للسلف بالقرون الفاضلة (القرن الأول حتى الثالث) فتغيّر المفهوم الدلالي للسلفيّة من المعنى اللغويّ إلى المعنى الاصطلاحيّ. وبحسب هذه الرؤية؛ أصبح فهم السلف الصحابة، و التابعين، و تابعي التابعين، و الأئمة الأربعة) المتمسّك بالظاهر، أفضل من فهم (الأشاعرة و الماتريديّة) الملتزم بالتأويل. ولم تكن السلفيّة في تلك الحقبة الزمنيّة منهجاً، بل أصبحت بمثابة فرقة في مقابل الأشاعرة و أصحاب الحديث و الماتريدية شيئاً فشيئاً، حيث كانت تؤسّس جميع

ص: 29


1- مهدي فرمانیان، آشنائی با فرق تسنن، درس سلفيه (التعرف على فرق أهل السنة، درس السلفيّة)، المؤلّف السابق، مقاله گرایش های فکری سلفیه در جهان معاصر، مجله مشکات (مقالة الاتجاهات الفكرية للسلفيّة في عالمنا المعاصر)، مجلة مشكات، ع 104

هذه التغييرات على يد ابن تيميّة، و تحدّث ابن تيميّة لأول مرة عن فرقة باسم السلفيّة في كتابه الفتاوى الحمويّة الكبرى، و هكذا تأسست فرقة باسم السلفيّة في العالم الإسلامي(1). فمن خلال دراسة و مراجعة كتب الملل و النحل، من قبيل: مقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعري، و الفرق بين الفرق للبغداديّ، و الفصل لابن حزم، و الملل و النحل للشهرستاني و غيرها من الآثار يمكن لنا الوصول إلى هذه النتيجة؛ ألا و هي أنّ جميع الكتّاب و الباحثين لم يذكروا فرقة باسم السلفيّة فيما ذكروه عن الفرق الإسلامية.

والجدير بالذكر أنّ الدكتور يوسف القرضاوي، و الذي يُعدّ من أوتاد و أركان الفكر السلفيّ يصرح في كتابه (الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد) أن كلمة السلفيّة کلمة جديدة و دخلت حديثاً في كتب العالم الإسلامي، و فيما يلي نص قوله:

وتعبير السلفيّين تعبير حديث لا أدري متي شاع استعماله بالضبط، و قد كان من قبل يطلق عليأهل الحديث أو أهل الأثر أو علبالحنابلة الذين تبنّواتّجاه أهل الحديث، في مقابلة أهل الكلام في العقائد و أهل الرأي في الفقه، و کم جرت بين الحنابلة و غيرهم من الأشعرية و الماتريدية من خلافات و معارك نظرية و

احياناً، على مر التاريخ»(2)

إنّرؤية يوسف القرضاوي في هذا الصدد دقيقة و مطابقة للوقع، و ذلك لأنّأحداً لم يطّلع على فرقة السلفيّة بعد القرن الثامن أي بعد أن ذهبت أفكار ابن تيميّة إلى الهاوية و أطلق هذا اللفظبعد انمحاقه لأول مرة في شمال افريقيا، عن طريق محب الدين الخطيب و محمد رشيد رضا. و أن الوهّابيّة استغلت هذا الاسم خلال الثمانين السنة المنصرمة و سمّت نفسها و فرقتها السلفيّة. و ربّما لهذا السبب أنّ كاتب مدخل (سلفيّة) في موسوعة الإسلام (encyclopedia of Islam) طبعة لندن، قد أطلق اسم السلفيّة على التيّارات السلفيّة في شمال أفريقيا و لم يطلقها على الوهّابيّة(3).

ص: 30


1- ابن تيميّة، الفتاوى الحمويّة الكبرى، ص 34 - 40
2- الصحوة الإسلامية من المراهقة الى الرشد، ص 201
3- راجع: موسوعة الإسلام، ج 9، ص 976 - 987

التيّارات التكفيريّة في عصرنا الحاضر

تأسّست في الثلاثين عام الماضية تيّارات تكفيريّة متعدّدة و متنوعّة في البلدان الإسلاميّة، و يذكر السيد دکمجيان في كتابه (جنبش های اسلامی در جهان عرب) الحركات الإسلامية في العالم العربي؛ نحو مئة مجموعة من هذه التيّارات و التي تنطوي تحت ثلاثة تيّاراتتكفيريّة رئيسة و هي:

أ. الوهّابيّة.

ب. جیش الصحابة و طالبان.

پت. السلفيّة الجهادية (القاعدة) .

أغلب هذه المجموعات و على حسب مقتضیات و ظروف الزمن قد التحقتبالسلفيّة الجهادية (القاعدة)، و إن كانوا في ما سبق من تيّارات أخرى أو أنّهم في بعض الأحيان لم يكونوا من التيّارات السلفيّة، إلا أنّهمانضموا إلى هذا التيّار.

وبناءً على هذا؛ فإنّ أهمّ حركة في التيّارات السلفيّة هي حركة السلفيّة الجهاديّة و التي

تعتقد بوجوب الجهاد و هناك مئات المجموعات مرتبطة بها.

الوهّابيّة و تكفير المسلمين

ترى الوهّابيّة - متأثّرةً في ذلك بما ذهب إليه ابن تيميّة - أنّ المسلمين مشرکون بأسرهم بالشرك الجلي و كفار بالكفر الأكبر، و ذلك لأنّهم يتوسّلون بأرواحالعظماء و يمجّدون قبور الأولياء، حيث يعتقدون أن الشرك الموجود الآن و المتمثّل في ما ذكرناه هو أكبر و أكثر انتشاراً من الشرك الذي كان موجوداً في زمن الرسول صلی الله علیه و آۀه وسلم، و على هذا يجب على المسلمين اعتناقالإسلام مجدداً من خلال نطق الشهادتين و التبري من آبائهم و أجدادهم، و إلا يحكم بهدر دمائهم و لا حرمة لأرواحهم و أموالهم، و إن امتنعوا عن قبول الإسلام مجدداً، وجب قتلهم و أخذ أموالهم و أولادهم و نسائهم بعنوان سبايا حرب(1).

ص: 31


1- لمزيد من التوسّع في هذا المجال، راجع: المؤلّفات المتعدّدة التي كتبت في نقد الوهّابيّة؛ مثل: کشف الارتياب تأليف السيد محسن الأمين؛ آیین وهابیت (الديانة الوهّابيّة) تأليف آية الله السبحاني؛ رویکرد عقلانی به باورهای وهابیت (المناهج العقليّة على معتقدات الوهّابيّة) تأليف الأستاذ نجم الدين الطبسي؛ وهابیت (الوهّابيّة) تأليف فقيهي؛ پاسخ به شبهات وهابیت و سلفی گری (الرد على شبهات الوهّابيّة و السلفيّة) تأليف الأستاذ علي أصغر رضواني، و غيرها من الآثار المرتبطة بهذا المجال

حيث يرى الوهّابيّة أنّ جميع المليار و خمسمئة مليون مسلم - ما عدا من يشاركهم بالمذهب و الطريقة - كفار و مهدورو الدم، كما يعتبرون أنّ السلفيّين من الإخوان المسلمین و طالبان من أهل البدعة و يجب عليهم الرجوع عنها(1).

ومن خلال قراءة تاريخ الوهّابيّة يمكنك أن تستنتج أنّ هذه الفرقة لم ترحم حتى من شاركهم بمذهبهم و آرائهم، و إنّأغلب ضحاياها و قتلاها في الفترة الأولى من تاريخها و الذين سفكت دماؤهمبفتاوی محمد بن عبد الوهاب، هم الحنابلة من أهل السنة و الذين كان اتجاههم أتجاه أصحاب الحديث(2) فإنّ هذه الحالة، أي تكفير المسلمين نجدها تتبلور بوضوح تامّ في آثار و مؤلّفات محمد بن عبد الوهاب و كذلك فيما نشاهده الآن في سلوك الوهّابيّة و أتباعها؛ و فيما يلي نشير إلى بعضها:

إن محمد بن عبد الوهاب يذكر في كتابه (رسالة نواقض الإسلام) عشرة أمور ينتقض

الإسلام بها و يفتي بكفر من يفعلها؛ و هي:

أولاً: الشرك في عبادة الله، و على سبيل المثال قضيّة الذبح لغير الله؛ حيث كان يعتقد بأنّ هذا النوع من الشرك يشمل أغلب المسلمين؛ لأنّهم يذبحون الذبيحة لا لوجه الله! و الواقع هو أنّ جميع المسلمين ينذرون النذور لوجه الله و لكنّهم قد يهدون ثواب هذا النذر إلى ولي من أولياء الله.

ثانياً: التوسّل؛ أي: أن يجعل المرء شخصاً آخر واسطة بينه و بين الله سبحانه و تعالی، يعتقد محمد بن عبد الوهاب أنّ من يجعل بينه و بين الله تعالی و اسطة و يتوسّل به و يطلب منه الشفاعة، کافر و مشرك بإجماع علماء المسلمين! طبعاً مقصود محمد بن عبد

ص: 32


1- راجع: أضواء السلفيّة عند جماعة الإخوان، جميع الكتاب و مقدمة ربيع المدخلي له. و في هذا المجال يمكن مراجعة آثار ربيع المدخلي أحد علماء و كبار الوهّابيّة الذي يعتقد بكفر جميع المسلمين أو يعتقد على أقل التقادير بأنّهم أصحاب بدع
2- راجع: تاریخ ابن غنام، و کتاب المجد في تاريخ النجد اللذين تمّ تأليفهما بيد شخصين من الوهّابيّين التابعين و المعاصرين لمحمد بن عبد الوهاب

الوهاب من الإجماع المذكور غير واضح، فهل يقصد رأي علماء المسلمين أم رأيه هو فقط؟! حيث أنّنا لا نجد إجماعاً أو اتفاقاً عند الفقهاء بتكفير المسلمين بسبب طلبهم الشفاعة من أولياء الله، بل أن القول بجوازها و عدم تكفير فاعلها أشهر من رأي محمد بن عبد الوهاب بعشرات الأضعاف.

ثالثاً: کفر من لا يكفر المشرکین؛ يعتقد محمد بن عبد الوهاب أنّ الشخص الذي لا يكفّر المشركين أو يتردّد في الحكم بكفرهم أو يربصحة عقيدتهم هو كافر مثلهم! فمثلاً من يتردّد في الحكم بكفر من يتوسّل برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فهو كافر أيضاً ...

ثامناً: إن مساعدة المشرکین و موالاتهم ضد المسلمين، تعدّ كفراً. و الظاهر أنّ محمّد

بن عبد الوهاب يقصد بقوله الكافرين، المسلمين غير الوهابيّين، و على وجه الخصوص المتصوفة و الشيعة الذين يتوسّلون برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم! ...... فنجده في جميع هذه الحالات كان يقصد المسلمين و حسب.(1)

كما كتب ابن بشر - وهو أحد الكتّاب الوهابيّين - حول تصرفات هذه الفرقة في

هجومهم على كربلاء؛ ما يلي:

عندما بدأ العام 1216 للهجرة، أرسل عبد العزيز جيشاً كبيراً تم حشده من المناطق المحيطة بنجد و جنوب الحجاز، و أراد أن يسيطر به على أرض كربلاء. دخل هذا الجيش على أهل مدينة كربلاء، و قتل أغلبهم في الأسواق و المنازل و هدم القبة المبنية على قبر الحسين علیه السلام و أغار على ما في الضريح و المناطق القريبة منه. و أخذوا الأشياء المرصعة بالزمرد، و الياقوت، و المجوهرات و غيرها من الأشياء الأخرى التي لم يكن يمكن احصاؤها. و لم يبقوا هناك طويلاً، حيث تركوا المكان

ظهراً محمّلين بكلّ تلك الثروات، و قد قتلوا ما يقارب الألفين شخصاً

من أهل مدينة كربلاء.(2)

حول موضوع هجوم الوهابيّين على الطائف يكتب جميل صدقي الزهاوي ما يلي:

ص: 33


1- راجع : محمد بن عبدالوهاب، مجموعة الرسائل، رسالة نواقض الإسلام، ج 1، ص 231 - 243
2- راجع: عنوان المجد في تاريخ النجد، ج 1، ص 257 و 258

من أقلح أفعال الوهابيّين أنهم عندما دخلوا مدينة الطائف قاموا بقتل الناس في مجازر جماعية، و لم يرحموا صغيراً ولا كبيراً، و قتلوا الجميع بالسيوف و الحراب من دون مبالاة، حتى انهم ذبحوا الأطفال الرضع و هم على صدور أمهاتهم. و كذلك قتلوا مجموعة كانت منكبة على تعلم القرآن، و عندما اقتادوا جميع من في المنازل الى

خارجها و الى خانات القوافل و المساجد و من ثم قتلوهم جميعا. و قتلوا حتى من كانوا راکعین او ساجدين في المساجد، إلى درجة أنه لم يتبقَّ على قيد الحياة إلا عشرون شخصا قليلاً... و قد قتلوهم بالطريقة الآتية، في اليوم الأول قاموا بقتل مجموعة، و في اليومين الثاني و الثالث منحوا الناس الأمان من باب المكر و الخديعة، و من ثم دخلوا عليهم و أخذوا أسلحتهم منهم و قتلوا الجميع، و منحوا مجموعة أخرى الأمان حتى وصلت الى وادي «وجّ» و من ثم تركوهم في البرد عراة من دون أي ملابس و سطو على أموالهم، نقودهم، ثروتهم و أثاث منازلهم. حتى انهم رموا الكتب على الأرض في الشوارع و في الأسواق، و كانت الرياح تُقلّب صفحاتها؛ مجموعة الكتب هذه تضمنت مصاحف شريفة، و نسخ من كتب البخاري و مسلم و باقي كتب الحديث و الفقه و العلوم الأخرى و التي بلغ عددها آلاف المجلدات. بقيت هذه الكتب على الأرض لعدة أيام، و كانوا يطؤون الكتب خلال سيرهم، و لم يجرؤ أحد على حمل ورقة من هذه الكتب كي لا تداس بالأقدام. و من ثم قاموا بهدم المنازل و تسويتها بالأرض. هذه التصرفات المفجعة وقعت في عام 1217 للهجرة.(1)

ص: 34


1- الزهاوي، جميل صدقي، الفجر الصادق في الرد علي الفرقة الوهابية المارقة، ص 19 - 20؛ و كذلك راجع: علي أصغر رضواني، وهابیان را بهتر بشناسیم (لنتعرّف على الوهابيين أكثر)، ص 31؛ سید محسن الأمين، كشف الإرتياب، ص 47 - 55

ه لقد تمّ تطبيق فتاوی محمد بن عبد الوهاب تلك بعينها عن طريق المساعدات السياسية التي حصل عليها من آل سعود في العهد الأول لظهور الوهّابيّة، و أدّت الى قتل الكثير من المسلمين. كما ظلتّ ذات هذه السيرة و الطريقة، هي نهج و أسلوبالوهّابيّة في العصر الحاضر، و هذا ما نراه في مؤلّفات ابن باز، و ابن عثيمين، و ابن جبرین؛ و هم من كبار علماء الوهابيّة في العقدين الأخيرين، غير أنّ ظروف العصر و المكان لم تعد تسمح لهم بتطبيق نفس تلك الأساليب، فنقلوا الأفكار التكفيريّة إلى خارج المملكة السعودية، و أصبحوا يصدّرون الفكر التكفيريّ في المجتمعات الأخرى، و يستغلّونه عند الحاجة كما هو الحال في القضيّة السوريّة.

جیش الصحابة و تكفير الشيعة

ترتبط الخلفيّة الفكريّة لجيش الصحابة بتيّار الديوبنديّة الفكريّ(1). حيث ظهر شخص يدعی شاه ولي الله الدهلوي يحمل أفكار ابن تيمية، في الهند إبّان القرن الثاني عشر الهجريّ. و قام ولي الله الدهلوي من خلال التوفيق بين التصوّف و الماتريديّة و السلفيّة و موالفتها مع بعضها البعض بإنشاء مدرسة فكريّة عرفت لاحقاً باسم المدرسة الديوبنديّة.

ولا يمكن مطلقاً أن نعتبر الديوبنديّة ذات نهج سلفيّ أو أنّها إحدى التيّارات السلفيّة؛ و ذلك لأنّها لا تؤمن أبداً بأرجحية فهم السلف على فهم الخلف، بيد أنّها عُدّت تیّاراً سلفيّاً تسامحاً و نظراً إلى اعتقادها ببعض أفكار ابن تيميّة التكفيريّة.

تم تأسيس تیّار جیش الصحابة التكفيريّ عام 1985م في باكستان، وهو يقوم بتكفير الشيعة و لا يتعرّض لغيرهم. و ذلك لأنّ علماء الديوبنديّة لا يؤمنون بتكفير المسلمين، كما أنّ الشاه ولي الله الدهلوي و على الرغم من اعتباره بعض تصرفات المسلمين كفراً، و لكنّه على خلاف الوهابيّة لم يعتبر أنّ مرتكبي هذه التصرفّات من المسلمين قد كفروا بسبب ارتكابهم لها، بل يشدّد في التأكيد على كونهم مسلمين، و لكنّ بعض فتاوی علماء

ص: 35


1- للتعرّف على الديوبندية، راجع: مهدي فرمانیان، مقاله دیوبندیه (مقال الديوبندية)، مجلة طلوع، العدد 13. على زادة موسوي، مکتب دیوبند (مدرسة دیوبند). محمد طاهر رفيعي، نقد و بررسی اندیشه هاي کلامي دیوبندیه (دراسة و تحليل الآراء الكلامية لمدرسة الديوبنديّة)، پایان نامه کارشناسي ارشد موسسه امام خميني

الديوبنديّة و التي تنصّ على تكفير الشيعة؛ قد أصبحت وثيقة الجيش الصحابة من أجل تكفير الشيعة و القيام بقتلهم.(1) وقد جاء في خطابات جيش الصحابة أنّ باكستان يجب أن تخلو من الطائفة الشيعيّة، و أنّهم يريدون باکستان خالية من الشيعة. و من هذا المنطلق كانوا يقومون بمهاجمة مواكب العزاء في أيام عزاء أبي عبد الله الحسين علیه السلام و قتل الشيعة.(2) و خلال العقود الثلاثة الأخيرة ظهرت في باكستان عدد من المجموعات المتطرّفة و التكفيريّة إلى جانب جيش الصحابة. و أهمّ هذه المجموعات التكفيريّة في باكستان هي: جيش جهنغوي العالمي، و عسكر طيبة، و جیش محمد، كما أنّ جيش جهنغوي هو أشدّ قسوة على الشيعة من غيره، و أكثرهم تطرفاً في التعامل معهم.(3)

يمكن القول بأنّ تصرّفات بعض الشيعة التي تتضمّن إهانة مقدّسات أهلّ السنة و رموزهم؛ هي من أسباب انتشار المجموعات التكفيريّة المعادية للشيعة في باكستان و البلدان الأخرى، من قبيل آراء المدعوّ «حسن اللهیاري» في القناة المسمّاة بأهل البيت، و آراء المدعوّ «یاسر الحبيب» في القناة المسمّاة فدك و التي تبثّ من لندن، و آراء المدعوّ «آية الله صادق الشيرازي» في قنوات فضائيّة عديدة. و قد قال سماحة قائد الثورة في هذا الخصوص: إن التشيّع الأمريكي و اللندني ليس بالتشيّع الحقيقي. هذا في إشارة من سماحته إلى القنوات الفضائيّة التي تبثّ برامجها من أمريكا و لندن؛ حيث أنّ أوضح الأمثلة عليها قناة أهل البيت التابعة للمدعوّ «اللهياري» و التي أوصلت الإهانات الى أقصى حدّ، ولم يتبقَّ شيعيّ أو سنيّ إلا وقد تعرّض للإهانة من هذه القناة. إن أفضل وصف لهذه القنوات هو: «طبول الحرب الطائفيّة» حيث إنّهم يقرعون طبول الحرب، غير آبهين بعواقبها.

السلفيّة الجهاديّة و انتشار العنف و القتل باسم الإسلام

ثالث تيّار هو تيّار السلفيّة الجهاديّة أهم التيّارات التكفيريّة، و الذي نتج عنه تنظیم

ص: 36


1- راجع: علي رضا میرزائي، مقال جيش الصحابة ممثل التطرف الديوبندي، مجلة سراج منیر، العدد 11
2- راجع : محمد طاهر رفيعي، نقد العقائد الكلامي الديوبندية و دراستها، الفصل الأخير
3- علي جمالي، افراط گرائی در پاکستان، فصل لشکر جهنگوی و طيبه (التطرف في باكستان، فصل جيش جهنغوي العالميّ و عسكر طيبة)

القاعدة و داعش. و يعود ظهور السلفيّة الجهاديّة إلى كتاب سيد قطب المسمّى (معالم في الطريق). حيثأوضح سيد قطب في كتابه هذا عدّة نقاط؛ من قبيل: أنّنا نعيش الآن عصر الجاهليّة في القرن العشرين، وهو أسوء من جاهلية عهد الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، و أنّنا يجب أن نقضي على هذه الجاهلية التي هي عين الثقافة الغربية. و إلى هذه النقطة لا يوجد إشكال في كلام سيد قطب، و لكن الأمر الثاني الذي طرحه في هذا الكتاب و الذي أثار الفوضى في العالم الإسلاميّ. هو قوله بأنّ كلّ من يرضى بهذه الجاهليّة فهو كافر، و أنّ جميع المدن الإسلاميّة مدن جاهليّة، و من هذا المنطلق؛ فإنّ جميع المسلمين يعدّون كافرين، و جميع المدن التي يعيشون فيها تُعد مدناً كافرةً. كما أوصى سيد قطب أتباعه بأن يهاجروا كما هاجر النبيّ من مكة الجاهليّة إلى المدينة المنورة، ليأسّسوا مدينة إسلاميّة، و من ثم يجاهدوا من أجل تشكيل حكومة إسلاميّة.(1)

عندها التحق بتيّار سيد قطب الفكريّ عدد من الشباب المتعصّبين و المتطرّفين في الإخوان المسلمين، و تمّ تأسيس مجموعات تكفيريّة كثيرة في مصر و البلدان العربية. و من أهم هذه المجموعات: جماعة المسلمين أو مجموعة التكفير و الهجرة بزعامة شكري مصطفی، و مجموعة الجهاد بزعامة محمد عبد السلام فرج. و محمد عبد السلام فرج هو مؤلّف کتاب يُعد من أكثر الكتب تأثيراً في نشر الفكر الجهاديّ بين الشباب المصري. فقد اعتبر عبد السلام فرج في كتابه الفريضة الغائبة؛ الجهاد فريضة قد نسيها المسلمون منذ قرون. و لذلك وجب عليهم أن يحيوها مرّة أخرى، كما اعتبر أنّ الجهاد واجب عينيّ على كل مسلم كما هي الصلاة، و يشمل ذلك النساء و الرجال، و قد عدّ جميع الحُكام المسلمین کافرین؛ و أعلن عن وجوب الجهاد ضدهم استناداً إلى الآية: «فمن يحكم بغير ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون». كما أوضح في كتابه هذا بأنّ الحرب و الجهاد ضد الأعداء الداخليّين؛ أي الحُكام المسلمين هو أهم من جهاد الأعداء الخارجيّين؛ أي الغرب و الاستكبار العالمي، طالما أنّنا لم نقض بعد على داعمي الفكر الغربي في الداخل؛ فلا معنى للمواجهة مع العدو الخارجي. و على هذا النحو ارتدّ جوّ معاداة الغرب إلى داخل

ص: 37


1- راجع: محمد مسجد جامعي، البنية السياسية للحكومة الإسلامية في التشيع و التسنن، ص 160 - 169

العالم الإسلاميّ؛ و تحول إلى حرب بين المسلمين(1). وقد وصف جیل کوبل في كتابه النبيّ و فرعون هذا الجوّ جيّداً و جسّمه، كما بيّن عن طريق إعداده تقريراً عن كتاب

(معالم الطريق) و توضيح أثره في انتشار السلفيّة الجهاديّة و شيوعها.(2)

لقد كانت حرب أفغانستان فرصة جيّدة للسلفيّة الجهاديّة. حيث هجم الاتحاد السوفييتي الكافر على بلد إسلاميّ، و أصبح الدفاع عن الإسلام و المسلمين واجباً وفقاً لفتاوى الجهاد الصادرة عن علماء الوهابيّة و أهل السنّة. حيث إنّ هذه الفتوى أدّت إلى ذهاب الكثير من السلفيّين الجهاديّين إلى أفغانستان، فانكبوا على الجهاد تحت مسمّى الأفغان العرب أو العرب الأفغان. فلقد ضاعفت فتاوی علماء الوهابية و الديوبندية في هذا المجال، رغبة هؤلاء الأشخاص، و هاجر أسامة بن لادن إلى أفغانستان بعد أن تعرّف على الدكتور عبد الله عزّام قائد الأفغان العرب بالإضافة إلى حكم الجهاد الذي أصدره علماء الوهابيّة، و هناك أصبح مساعداً لعبد الله عزام و أثبت وجوده.(3)

بعد انتهاء الحرب أفغانستان و اغتيال عبد الله عزّام على يد وكالة المخابرات الأمريكيّة، تفرق الأفغان العرب و هاجر أسامة بن لادن إلى السودان. و لكن في عام 1994م اجتمع السلفيّون الجهاديّون مرّة أخرى و اختاروا أسامة بن لادن قائداً لهم، و بهذا تأسس تنظيم القاعدة التكفيريّ في مدينة بيشاور الباكستانيّة، غير أنّ البعض اعتبر أنّ تأسيس تنظيم القاعدة يعود إلى عام 1988م؛ أي بعد انتهاء حرب أفغانستان، و لكن لا توجد أدلّة كافية لإثبات ذلك.(4) و بمجرّد تأسيس تنظيم القاعدة و الذي كان أهمّ أهدافه هو قتال أمريكا؛ تعرضت القواعد و السفارات الأمريكيّة في أفريقيا لهجمات صاروخية و انتحارية، و قُتل عشرات العسكريّين الأمريكان على يد تنظيم القاعدة. و أعلنت أمريكا تنظيم القاعدة تنظيماً إرهابياً بسبب هجومه على السفارات الأمريكيّة في كينيا و تنزانيا و

ص: 38


1- راجع: محمد عمارة، الفريضة الغائبة عرض و نقد، الكتاب بأكمله
2- تمت ترجمة هذا الكتاب من قبل الدكتور حميد أحمدي، و تم طبعه من قبل دار نشر کیهان
3- حول الأفغان العرب راجعوا كتاب أبو وليد المصري الذي يحمل عنوان «على سطح العالم» و مجموعة مقالات وحيد مجده (عشرون مقالة) في وكالة أنباء آواي أفغان
4- تمت كتابة الكثير من الكتب حول تنظيم القاعدة. منها الكتاب المفيد «القاعدة و أخواتها» و الذي تمّ تأليفه من قبل كميل الطويل، حيث التقى الكاتب مع أكثر من عشرين زعيماً من زعماء القاعدة ثم ألف هذا الكتاب

الهجوم على السفينة الأميركية في خليج عدن. و في ذلك الحين كانت طالبان قد ظهرت في أفغانستان و دعت أسامة بن لادن إلى المجيء إلى أفغانستان، فرحل أسامة بن لادن من السودان إلى أفغانستان. فطلبت أمريكا من طالبان تسليمها أسامة بن لادن باعتباره زعيم تنظيم إرهابيّ، و لكنها واجهت رفضاً من طالبان. ثم وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 و تم اتّهام تنظيم القاعدة بالهجوم على برجي التجارة العالميّة، فغزت أمريكا أفغانستان و من ثمّ قامت بغزو العراق بعد ذلك. و لم تتمكّن أمريكا من قتل أسامة بن لادن حتى عام 2010م. و ذلك لأنّ أسامة بن لادن كان يعيش في منطقة ابوت آباد العسكرية لمدة خمسة أعوام تحت حماية المخابرات العسكريّة الباكستانيّة، و لم يكن أحد يعلم بذلك. و حسب المعلومات المتوفّرة فإنّ أمريكا هاجمت منطقة أبوت آباد لیلاً في عام 2010م، و تمّ قتل أسامة بن لادن، و من بعده تزعم أيمن الظواهري تنظيم القاعدة و هو طبيب جرّاح مصري، و قائد مجموعة الجهاد المصرية.(1)

و مع تواجد أمريكا في الخليج الفارسي و غزوها للعراق، ظهرت مجموعة جديدة في العراق تحت قيادة أبي مصعب الزرقاوي. فوجّه الزرقاوي أغلب هجماته نحو الشيعة. و علل ذلك خلال خطاباته قائلاً: بما أنّ الشيعة الكفّار المشركين قد تعاونوا مع أمريكا الكافرة، و قاموا بقتل المسلمين، و يسعون إلى زرع الثقافة الجاهليّة في العراق، فإن أغلب هجماتنا يجب أن تستهدف الحكومة الشيعيّة في العراق، كي لا تتمكّن أمريكا من تحقيق أهدافها و لا يتمكّن الشيعة من الحصول على موطئ قدم في العراق.(2)

مع بدء الصحوة الإسلاميّة في البلدان الإسلاميّة و وقوع الأحداث في سوريا، أعلنت القاعدة عن تواجدها في سوريا تحت مسمّى جبهة النصرة، و طلبت من باقي أتباع القاعدة مساعدتها. فاتّجه تنظيم القاعدة العراقيّ بزعامة أبي بكر البغدادي نحو سوریا و قاتل ضدّ الحكومة السوريّة إلى جانب جبهة النصرة. إلا أنّ الخلافات الداخلية بين

ص: 39


1- في هذا المجال راجع: وكالة أنباء الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، و وكالات الأنباء الأخرى في زمن قتل أسامة بن لادن عام 2010م
2- راجع: كتاب سلفيه حال و آینده، بخش القاعده عراق (کتاب سلفية الحاضر و المستقبل، فصل القاعدة في العراق). لمؤلّف هذا المقال تحت الطبع

المجموعات المختلفة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا أدّت إلى عصيان أبي بكر البغدادي الأوامر محمد الجولاني زعيم القاعدة في سوريا، فأدّت هذه الخلافات إلى وقوع المعارك و القتل بين أعضاء جبهة النصرة و تنظيم القاعدة العراقيّ. تم نقل تقرير بما يجري إلى أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، فأمر بدوره أن يطيع أبو بكر البغدادي أوامر محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة، و لكنّ أبو بكر البغدادي تراجع عن مبايعته لأيمن الظواهري؛ و قام بتأسيس داعش (الدولة الإسلاميّة في العراق و الشام). فظهرت في تلك المرحلة مجموعة تكفيريّة جديدة أهمّ أهدافها تشكيل حكومة في العراق و الشام، و اعتبرت أنّ شيعة العراق و الشام هم أكبر معارض لها، و دخلت الحرب ضد الحكومتين السوريّة و العراقيّة.(1)

إن هذه التيّارات الثلاثة هي أهمّ التيّارات التكفيريّة في العالم الإسلاميّ، و كل تیّار منها انقسم بدوره إلى مئات المجموعات الأصغر حجماً، و ظهرت هذه المجموعات بأسماء مختلفة في كل بلد. كما أنّ الكثير من أفراد هذه المجموعات انتقلوا من مجموعة و انضموا إلى أخرى؛ ممّا أدى إلى صعوبة التفريق بين هذه المجموعات. فعلى سبيل المثال، تقاربت خلال الغزو الأمريكيّ لأفغانستان مجموعات جيش الصحابة و طالبان مع القاعدة، فكانت القاعدة تحصل على الدعم من الشباب المتطرفين في طالبان، بالإضافة إلى الشباب المتشدّدين في تيّار الإخوان المسلمين.

أسباب نشأة التيّارات السلفيّة

ربما يكون أهمّ سبب لنمو و انتشار الفكر السلفيّ هو غياب فكر إسلاميّ بديل في العالم الإسلاميّ. فبعد سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة أصبح أهل السنة يبحثون عن بديل للإمبراطوريّة العثمانيّة، وقد بذلوا الكثير من الجهود في هذا الصدد. من قبيل إقامة جيش الخلافة في الهند، و اقتراح رشيد رضا القائل بأنّ على المسلمين قبول خلافة حاکم قریشيّ زيديّ المذهب من اليمن، و تأسيس جمعيّة الإخوان المسلمين، و تكوّن حزب

ص: 40


1- راجع: المقال الشيّق و الرائع «جبهة النصرة لأهل الشام من التأسيس إلى الانقسام»، تأليف حمزة مصطفی مصطفی، مجلة الدراسات السياسية، مركز العربي للابحاث و دراسات السياسات، العدد 5 نوفمبر 2013

التحرير، فكلّ هذه الأحداث كانت من أجل تجديد الخلافة الإسلاميّة. و قد استعرض المرحوم حمید عنایت في كتابيه المشهورين في مجال العقيدة السياسية للمسلمين و مساعي مفكري أهل السنة و مصلحيهم من أجل إحياء الإمبراطورية الإسلاميّة، و بیّن بصورة شاملة ما قدّمه علماء أهل السنة في مجال الفكر السياسي إلى الوضع الحالي في العالم الإسلاميّ؛ و لكن مشاكل العالم الإسلاميّ و قضاياه كانت أكثر تعقيداً من أن يتمّ

حلها بهذه الأساليب، لذا باءت جميع جهود علماء أهل السنّة بالفشل و تحول بصيص

الأمل إلى ظلمة اليأس.

ما الذي يجب أن يفعله العالم الإسلاميّ الآن؟ ظهرت تيّارات فكرية مختلفة في العالم الإسلاميّ من أجل أن تعوّض تخلّف المسلمين و الإهانة التي تعرضوا لها، و لكن أيّاً من هذه التّيارات لم يحقّق شيئاً للعالم الإسلاميّ. و تيّار التحرّر الذي يقبل بأغلب أفكار الغرب و ثقافته، بدلاً من أن يفكر بحل للعالم الإسلاميّ، انجذب نحو الحداثة و آمن بمبادئ محوريّة الإنسان و قام بتفسير الإسلام وفقاً لما يصبّ في صالح الغرب. و أمّا التيّار الإصلاحي و من خلال اعتباره أنّ قضايا العالم الإسلاميّ في القضايا الفقهيّة لا غير؛ عملياً لم يحقّق شيئاً لمصلحة العالم الإسلاميّ، فاستمر العالم الإسلاميّ يطوي طريقه غائصاً في التخلّف أكثر من السابق.

وهنا استغلت مجموعات مثل الوهابيّة و السيد محمد رشيد رضا شعار العودة إلى السلف الذي أطلقه السيد جمال و محمد عبده و تردّد صداه في العالم، فجعلوه يصبّ في صالح العودة نحو السلف التفسيريّ لابن تيمية، و بدلاً من أن تدور عجلة العالم الإسلاميّ نحو الإصلاح الذي نادى به محمد عبده، دارت نحو ابن تيمية على يد رشید رضا تلميذ محمد عبده، و حصل ما كان يجب اجتناب حصوله، و وقع العالم الإسلاميّ في فخّ عد أفكار ابن تيميّة المخرج الوحيد من النفق المظلم.

في هذا الحين أدّت بعض القضايا السياسيّة و الفكريّة القائمة في العالم الإسلاميّ إلى مساعدة الوهابيّة في نشر فكر ابن تيميّة. اتجهت خمسة بلدان عربية مهمة أي مصر، سوريا، الأردن، العراق و ليبيا نحو المعسكر الشرقي، و انتشر التيّار اليساري في البلدان العربية. قامت السعودية بالتعاون مع شاه إيران و بدعم من أمريكا بتشكيل المؤتمر

ص: 41

الإسلاميّ؛ و ذلك من أجل منع انتشار التيّار اليساري في بلدان الشرق الأوسط، و منحت أمريكا السعودية الضوء الأخضر من أجل نشر الوهابيّة و الفكر السلفيّ في العالم الإسلاميّ، و بهذا صبّت السياسة التي اتخذتها أمريكا من أجل مواجهة الشيوعيّة في صالح الوهابيّة و أدّت إلى انتشار الفكر السلفيّ في العالم الإسلاميّ.(1)

و السبب الآخر في انتشار السلفيّة في العالم الإسلاميّ، هو شعار الرجوع إلى السلف. حيث إنّ أهل السنة يقدّسون كلمة السلف إلى درجة كبيرة، فهي تذكّرهم بعهد الخلافة و الصحابة وقمّة عظمة سلطان خلافتهم. و يرى أهل السنة أنّ هنالك شيئين مهمّين في مجال القدرة السياسيّة، الأول هو الإمبراطوريّة و سلطة الخلافة، و الثاني هو توسیع الأراضي الإسلاميّة و فتح بلاد الشرك، و تحويلها إلى بلاد التوحيد. فلا يهمّهم إن كان الحاكم عادلاً أو لا، بل المهمّ هو المحافظة على أبّهة و قدرة الخلافة. و لو كان الخليفة رمز صوريّاً أو دمية في يد الآخرين، فهذا غير مهم أبداً، و المهمّ هو قدرة الخلافة التي يجب أن تدوم. فإن كان قريشيّاً فهذا أفضل، و إن لم يكن كذلك فهذا غير مهمّ أيضاً، و يكفي أن تكون للإمبراطوريّة قوّة و قدرة و سطوة. و قد تجسّدت هذه القوّة بحسب رأي أهل السنّة في عهد الخلفاء الأربعة و من ثم في عهد بني أمية، أكثر ممّا تلى ذلك. و لهذا كانت العودة إلى السلف تعني عندهم العودة إلى عزّ و شموخ الماضي.(2)

والسبب الآخر لانتشار الفكر السلفيّ هو النظرة التوحيديّة للسلفيّين و التي تنسجم مع فكر أهل السنة. فإنّ جميع أهل السنة بمن فيهم الأشاعرة و الماتريدية و أصحاب الحديث، يؤمنون بنظرية خلق الأفعال و کسبها. أي أنّ جميع أهل السنة من غير المتصوفّة، يؤمنون بأنّ جميع الأفعال الاختياريّة لأولياء الله هي من خلق الله و إن العبد يكسبها. من هذا المنطلق؛ فإنّ النبيّ الذي لا يستطيع حتى خلق أفعاله الاختياريّة، لا يستطيع قطعاً أن يحيي ميتاً أو أن يشفي مريضاً. و من هذا المنطلق؛ فإنّ جميع مدارس أهل السنة يرون أنّ الآيات التي تنسب الخلق و الشفاء إلى أولياء الله، هي تعبيرات

ص: 42


1- راجع: حسن اسکندري، مقال نقش سازمان کنفرانس اسلامی در گسترش وهابیت «دور منظمة المؤتمر الإسلامي في نشر الوهابية»، مجلة سراج منیر، العدد 2
2- راجع: سلفيه بدعت یا مذهب (السلفية بدعة أم مذهب؟)، ص 247

مجازيّة لا حقيقيّة و أنّ آية «خلق كل شيء» هي الحاكمة على سائر آيات القرآن. لذلك فإنّ الاستغاثة بأرواح الأموات تعتبر عند أهل السنّة الذين يؤمنون بنظريّة الخلق و الكسب، أمراً تفوح منه رائحة الشرك، إلا المتصوفين الذين يؤمنون بالولاية التكوينيّة لأولياء الله.(1)

إنّ التوجّه القائل برفض جميع أنواع التوسّل بغير الله، أمر جذّاب لا للكثير من متحررّي و مثقّفي أهل السنّة فحسب، بل للمثقّفين الشيعة أيضاً، و نحن نرى هذه المقاربة عند أشخاص مثل محمد عبده الذي لم يجوّز هذا التوسّل و التضرّع؛ لا من باب اعتباره من مصاديق الشرك، بل بسبب اعتباره نوعاً من الخرافات، و يتفق في هذا مع الوهابيّة و السلفيّين. كما أنّ التفكير المنطقي المستمدّ من الغرب يشدّ ساعد الوهابيّة و السلفيّة في رفض هذه الأفكار، لا من باب الشرك بل من باب الخرافات. و قد يرفض المتحررون فكرياً و المثقفون مبدأ هدم القبور، و لكنّهم يرفضون أيضاً هذا النوع من توسّل عوام الناس بقبور أولياء الله. و بناءً على هذا الاعتقاد التاريخي القائل بخلق أفعال العباد و أيضاً أفكار تيّار التحرر أصبح الطريق ممهّداً للسلفيّة و سهّلت تقبل أفكارها بین المسلمين؛ إلا من كان متصوفاً، حيث تمنعه أبحاث الإنسان الكامل و الولاية التكوينيّة من قبول الأفكار السلفيّة. من هذا المنطلق، فإنّ عقليّة أهل السنة تحمل طاقة كامنة كبيرة تساعد على تقبّل الفكر السلفيّ، و لكن بشرط أن يكون بنهج ناعم و تدريجيّ و رافض للتكفير.

والسبب الآخر لانتشار السلفيّة و شيوعها و جود الفكر الأموي بين السلفيّين، وهو ما ألقي بظلاله على علوم أهل السنّة من تاريخ، و رجال، و حدیث، و فكر و کلام. ولو فارق تيّار التصوّف أهل السنة، فمن المؤكّد أنّ المناهج العثمانيّة هي التي ستسود بين أهل السنّة. إن التصرفّات الخاطئة التي يقوم بها بعض معارضي التقريب من الشيعة مثل آية الله الشيرازي و المرتبطين بهذا التيّار الفكري، من حيث توجيه الإهانات لمقدّسات أهل السنّة و رموزهم، قد كان لها أثر شديد في توسّع و انتشار الفكر العثمانيّ الأموي بين

ص: 43


1- راجع: مهدي فرمانیان، درسنامه فرق و مذاهب کلامی اهل سنت، درس اشاعره و ماتریدیه، نظریه کسب و نقدهای وارده به محتوای آن (درس الفرق و المذاهب الكلامية لأهل السنة. درس الأشاعرة و الماتريدية، نظرية الكسب و الانتقادات الموجّهة إليها

أهل السنة. كما إنّ انتشار الفكر الأمويّ أدّى إلى انتشار الفكر الناصبيّ في العالم الإسلاميّ، فنحن نرى علامات الناصبيّة في العالم. كما أنّ الصراع الشيعيّ السنيّ يمكن أن يؤثّر بقوّة في انتشار السلفيّة بين أهل السنّة.

كما أنّ الأمر الآخر الذي ساعد في انتشار السلفيّة هو تسلّم الشيعة مقاليد الحكم في إيران و من ثم في البلدان الأخرى. فالخلافة الإسلاميّة من وجهة نظر السنّة قد نالت قسطاً من الأهمية أكثر بكثير منه لدى الشيعة. فقد كان لأهل السنّة إمبراطوريّة و خلافة على مدى التاريخ. و اليوم يرى السنيّ أن الشيعي صاحب البدع قد استلم مقاليد الحكم، في حين أنّ أهل السنّة الذين هم أهل الحق لم يستطيعوا تسلّم مقاليد الحكم. فالمشكلة بالنسبة للسنة هي فكرة أنّ الله سبحانه و تعالى قد توقّف عن مناصرتهم و سلّم السلطة للشيعة الكفرة أهل البدع. فبحسب نظر أهل السنّة؛ يكمن السبب الرئيس في تخلّي الله تعالی عن أهل السنّة و عدم مناصرته إياهم، هو ابتعادهم عن الإيمان و العمل بسيرة السلف الصالح. لذلك فإنّ طريق الحلّ الوحيد المطروح أمامهم هو العودة إلى منهج السلف الصالح و الذي لم يذكره سوى السلفيّة و الذين هم بدورهم متأثّرون بشدّة بأفكار ابن تيميّة، فقد وقع الإيمان بطريق الحلّ هذا في أفئدة الكثير من الشباب.(1)

بعبارة أخرى، لقد تهيّأت جميع العوامل السياسيّة، الاجتماعيّة، التاريخيّة و الثقافيّة لتشارك في نشر الفكر السلفيّ في العالم الإسلاميّ، و من المحتمل جدّاً أن يزداد انتشار السلفيّة يوماً بعد يوم، إلا إذا ظهر تيّار معتدل من صميم أهل السنة و استلم زمام الأمور، فينقشع جو التكفير عن سماء العالم الإسلاميّ.

أسباب اشتداد شوكة التيّارات التكفيريّة في العقد الأخير

يعتبر وجود القوات الأمريكيّة في المنطقة خلال العقد الأخير من أهمّ أسباب اشتداد شوكة التيّارات التكفيريّة بلا أي شكّ أو تردّد. فوفقاً لأفكار سيد قطب، إنّ جميع مشاكلنا نابعة من جاهليّة القرن العشرين، و إنّ جاهليّة القرن العشرين ليست سوى الثقافة الغربيّة

ص: 44


1- راجع: سالم البهنساوي، نقد و بررسی اندیشه تکفیر (نقد و دراسة عقيدة التكفير)، ترجمة إلى الفارسية: سالم افسري، ص 165 - 198

الديمقراطية و محورية البشر.(1) و الآن و على طول عقد كامل قد جاءت أمريكا إلى المنطقة بكلّ ثقلها - حتى أنّها جلبت قواتها العسكريّة - من أجل أن تزرع هذه الثقافة في المنطقة. في وضع كهذا: ما هو واجب المسلم المتديّن الغيور؟ أليس هو خوض الحرب و الجهاد ضدّهم و ضدّ ما كان السبّب في ذلك و من يقدّم لهم المساعدة في المنطقة.

يعتبر تنظيم القاعدة أنّ آل سعود حالهم كحال باقي حُكّام العالم الإسلاميّ کافرون، و لا يفرقون بين آل سعود و غيرهم من الحّكام(2)، أمّا الحكومة الشيعيّة في العراق فقد تسلّمت مقاليد الحكم بمساعدة أمريكيّة معلنة، و يجب أن تتمّ معارضتها. ثانياً إنّ مقاليد الحكومة العراقيّة لطالما كانت في يد أهل السنّة و اليوم فتحت أمريكا بغداد بالتعاون مع الشيعة الكفّار المشركين مرة أخرى؛ كما حصل عندما هجم المغول على بغداد مصطحبين معهم الخواجة نصير الدين الطوسي الشيعي، و على كل مسلم أن لا يسمح بأن تحقّق هذه المعاهدة بين الشيعة و أمريكا أهدافها، لذلك على جميع المسلمين أن يقفوا بوجه هذه المعاهدة - وإن كانت بالعمليات الانتحاريّة - و ألا يسمحوا بتكرار التاريخ مرة أخرى.

فالتواجد الأمريكيّ في أفغانستان قد أدّى إلى أن يحسّ الكثير من شباب جماعة التبليغ و الذين كانوا منشغلين بالدعوة للمذهب الديوبندي فقط و لم يكونوا ممّن يهتمّ بالسياسة، بأنّ الدعوة لم تعد تستطيع أن تنقذ العالم الإسلاميّ من خطر السقوط، فانجذبوا إلى الجماعات التكفيريّة مرجّحين بذلك كفّة هذه التّيارات.

كما أن سقوط حكومة مُرسي في مصر قد أدّى بما مثّله من انتكاسة إلى أن تصبح الجماعات الجهاديّة أكثر إصراراً و عزماً، و أن تعتقد بأن السبيل الوحيد لإحقاق حقّها هو الجهاد و القتال المسلّح. فمن المؤكّد أن سقوط مرسي سيساعد في نشر أفكار السلفيّة الجهاديّة و المجموعات التكفيريّة. خصوصاً إذا ما وقعت هذه الأحداث في بلدان أخرى

ص: 45


1- راجع: معالم في الطريق، ص 143
2- راجع: كتاب السلفيّة الجاميّة، و الذي يقوم بنقد أفكار السلفية الجهاديّة حول آل سعود. كذلك رسالة أبي و ليد المصري الى الباحث الأسترالي حول القاعدة و جوابه فيما يتعلّق بحكام السعودية و إيران في الإنترنت

مثل تونس و ليبيا و تسلّم العلمانيّون زمام الأمور؛ فإن هذا سيساعد لا محالة في تعزيز قوّة التّيارات السلفيّة و اشتداد شوكتها.

كما تمثّل القضية السورية إحدى الأمور التي ساعدت على نشر الفكر التكفيريّ. فإنّ فتاوى الجهاد التي أصدرها أشخاص من أمثال الدكتور يوسف القرضاوي و الذي يعدّ بمثابة الزعيم الروحي للإخوان المسلمين و يعرف باسم فقيه الإخوان، قد دفعت بالكثير من الشباب المتطرفين من الإخوان المسلمين و من غير الإخوان المسلمين إلى أن يشدوا الرحال إلى سوريا و أن ينضمّوا إلى المجموعات التكفيريّة في سوريا، و بعد الخلاف الذي وقع بين داعش و جبهة النصرة، فإنّ مجموعة من هؤلاء الشباب تقاتل اليوم إلى جانب داعش ضد الحكومة العراقيّة، ولا يعلمون بأنهم قد دخلوا في أتون حرب طائفيّة و هم من خلالها يخدمون المصالح الأمريكيّة. و على هذا يمكن القول بضرس قاطع أنّ السبب الرئيس وراء ظهور التّيارات التكفيريّة في العقد الأخير هو التواجد الأمريكيّ في المنطقة، فكلّما أصبح هذا التواجد أكثر وضوحاً و كلّما أزيحت حكومات الإسلاميّين عن طريق ثورات عسكريّة؛ كما كان في مصر و الجزائر حيث تمّ بمساعدات أمريكيّة؛ فإن عدد التكفيريّين في العالم سوف يزداد.

خلاصة البحث:

من مجموعة الموضوعات التي تم استعراضها، نستنتج أنّ دخول الثقافة الغربيّة إلى البلدان الإسلاميّة و انهيار الإمبراطوريّة العثمانيّة، قد أدّى إلى ظهور تيّارات مختلفة من أجل تجديد أو إحياء الفكر السياسي لأهل السنّة في العالم الإسلاميّ، و أنّ التّيار السلفيّ في مصر هو أحد هذه التّيارات. إنّ الفكر السلفيّ الإصلاحي في مصر قد اقترب جداً من الفكر السلفيّ الوهابي و ذلك من خلال الأموال و المساعدات السعودية و السياسات الأمريكيّة المضادّة للاشتراكيّة، و لكن نتج من التّيار السلفيّ الإصلاحي كلّ من الإخوان المسلمين و التّيار السلفيّ الجهاديّ، و الذي اعتبر أن المسلمين جميعاً كافرون، و ذلك بسبب قبولهم لجاهليّة القرن العشرين أو صمتهم إزاءها. و بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 و الغزو الأمريكيّ لأفغانستان و العراق؛ استطاع هذا التّيار أن يحصل

ص: 46

على قاعدة شعبيّة أوسع، و التحق بهذا التّيار الفكري الكثير من الشباب من سائر أنحاء العالم و أرجاءه، فالتحقوا بتنظيم القاعدة و من ثم انضموا إلى داعش، كما أن التواجد الأمريكيّ و اسقاط حكومات الإسلاميّين في الجزائر و مصر هي من أهمّ أسباب انتشار الفكر التكفيريّ في العقد الأخير. كذلك أدّى التواجد الأمريكيّ في العراق إلى أن تستغل بعض الدول الخليجيّة التكفيريّين من أجل أن يقودوا الوسط نحو حرب شيعيّة سنّية، و أن يدفعوا داعش نحو الدخول في حرب ضدّ الشيعة، و هذا أمر يتطلب درجة من الذكاء و الانتباه من المسؤولين في التعامل مع هذه القضية و ما يتعلّق بها لكيلا يدخلوا في أتون حرب طائفية.

ص: 47

المصادر:

1. رمضان البوطي، محمد سعید: سلفيه بدعت یا مذهب (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي) نقد لأسس الوهابيّة، مع مقدّمة من كتابة الأستاذ واعظ زادة خراساني، ترجمه إلى الفارسيّة: الدكتور حسين صابري، مركز أبحاث العتبة الرضويّة المقدّسة، الطبعة الرابعة، مشهد، عام 2010.

2. البهنساوي، سالم: الحكم و قضية تكفير المسلم (الترجمة الفارسيّة: نقد و بررسی اندیشه تکفير) ترجمة سالم افسري، دار نشر احسان، طهران، الطبعة الأولى،

2009.

3. مصطفی مصطفی، حمزة، مقال «جبهة النصرة لأهل الشام من التأسيس

إلى الانقسام»، مجلة الدراسات السياسيّة، المركز العربي للأبحاث و دراسات السياسات، العدد د، نوفمبر 2013.

4. حسن اسکندري، مقال «نقش سازمان کنفرانس اسلامی در گسترش وهابیت» (دور منظمة المؤتمر الإسلاميّ في نشر الوهابية)، مجلة سراج منير، العدد 2، العام

الأول، مؤسسة دار الاعلام لمدرسة اهل البيت، 2010.

5. مسجد جامعي، محمد: زمینه های سیاسی حکومت اسلامی در تشیع و تسنن (البنية السياسيّة للحكومة الإسلاميّة في التشيّع و التسنّن)، دار نشر جامعة أديان و مذاهب، الطبعة الأولى، 2008.

6. عمارة، محمد: الفريضة الغائبة عرض

و نقد، دار نشر الدار البيضاء، القاهرة،

1433 للهجرة.

7. دکمجیان، هرایر، جنبش های اسلامی معاصر در جهان عرب، بررسی پدیده بنیاد گرائی اسلامی (الحركات الإسلاميّة المعاصرة في العالم العربيّ، دراسة ظاهرة التنظيمات الإسلاميّة)، ترجمة إلى الفارسيّة: الدكتور حميد أحمدي، دار النشر کیهان، طهران، الطبعة الخامسة، 2009.

ص: 48

8. ابو وليد المصري، حامد مصطفي: غوغائی بر بام جهان (ثرثرة فوق سقف

العالم) ترجمة إلى الفارسيّة: مرتضوي.

9. مجده، وحید: العرب الأفغان، سلسلة مقالاتها في وكالة أنباء آواي أفغانستان.

10. الطويل، كميل: القاعدة و أخواتها، ترجمة إلى الفارسيّة: محمد علي يوشي و

محمد رضا بلوردي، مؤسّسة اندیشه سازان نور، طهران، الطبعة الأولى، 2012

11. الزهاوي، جميل صدقي، الفجر الصادق في الرد على الفرقة الوهابية المارقة،

طبع بغداد، 2004 م.

12. رضواني، علي أصغر: لنتعرّف على الوهابيين أكثر، دلیل ما، قم، الطبعة الأولى، 2008.

13. فرمانیان، مهدي: مقاله «شبه قاره هند، دیوبندیه و رابطه آن با وهابیت» (شبه

القارّة الهنديّة، الديوبنديّة و علاقتهم بالوهابيّة)، مجلة طلوع، العدد 13، 2002 م.

14. علي زادة موسوي، سيد مهدي: مکتب دیوبند و جنبش

جماعة التبليغ (مدرسة دیوبند و حركة جماعة التبليغ)، مكتب الدعاية الإسلاميّة، قم، الطبعة الأولى، 2013.

15. رفيعي، محمد طاهر: نقد و بررسی اندیشه های کلامی دیوبندیه (نقد و دراسة الفكر الكلاميّ الديوبنديّ)، رسالة تخرج من مرحلة الماجستير، مؤسسة الإمام الخميني، 2011.

16. علي رضا میرزائي، مقال سپاه صحابه نماینده افراط گرائی دیوبندیه (جيش

الصحابة ممثّل التطرّف الديوبندي)، مجلة سراج منیر، العدد 11.

17. جمالي، جواد: التطرّف في باكستان المبادئ العمليّة و الرؤية، مؤسّسة اندیشه

سازان نور، طهران، الطبعة الأولى 2011.

18. فرمانیان، مهدي: آشنائی با فرق تسنن (التعرّف على فِرق أهل السنّة)، مرکز

إدارة الحوزة العلميّة في قم، الطبعة الثانية، 2009.

ص: 49

19. فرمانیان، مهدي: مقال «التوجهات الفكرية السلفيّة في العالم المعاصر»، مجلة

مشکات، العدد 104، عام 2009.

20. عبد السلام فرج، محمد: الفريضة الغائبة، بدون تاریخ نشر، بدون ناشر، مصر.

21. أبو اللوز، عبد الحكيم: الحركات السلفيّة في المغرب، مغرب، مركز دراسات

الوحدة العربيّة، 2009.

22. توانا، حسین: مقال «اجتهاد و تقلید از نگاه ابن تیمیه» (الاجتهاد و التقلید

حسب رؤية ابن تيميّة)، مؤسّسة دار الإعلام لمدرسة أهل البيت علیهم السلام.

23. فرمانیان، درسنامه فرق و مذاهب کلامی اهل سنت (درس الفرق و المذاهب الكلامية لأهل السنة)، مؤسّسة التعليميّة و البحثيّة للمذاهب الإسلاميّة، قم، الطبعة الأولى، 2011.

24. الله بداشتي، علي: بررسی و نقد آرای سلفیه درباره توحید از دیدگاه قرآن، سنت و برهان (دراسة آراء السلفيّة حول التوحید و نقدها من ناحية القرآن، السنة و البرهان)، دار نشر تحسين، قم، الطبعة الأولى، 2013.

ص: 50

حركة جهيمان العتيبي والإخوان المسلمون السعودية والسلفية الجهادية

تأليف: ياسر القزويني الحائري(1)

ترجمة: عباس صافي

نبذة:

في الأوّل من محرّم من عام (1400) للهجرة وقعت حادثة خطيرة استولى خلالها مجموعة من الأشخاص بقيادة جهيمان العتيبيّ على الحرم المكيّ الشريف تحت دعوی المهدوية واستمرّ احتلالهم للحرم حوالي أسبوعين حتى تمكّنت قوّات الأمن السعودية بدعم من القوات الأجنبية من قمع هذه الفئة بعد مواجهة مسلّحة دمويّة وقتل قياديّيها.

سنحاول في هذه المقالة تحديد العلاقة بين هذه الحادثة والحوادث الأخرى التي سبقتها وتَلَتها، ولأسباب عديدة منها دعوی المهدوية وأهداف حكومة آل سعود وغير ذلک، عُدّت هذه الحادثة منفصلة ووليدة الساعة فضلاً عن أنّها لم تخلّف أيّة آثار أو نتائج تُذكَر. كما تسعى المقالة إلى بيان العلاقة التاريخية والنظرية لتيار جهيمان العتيبيّ وحركة الإخوان المسلمين السعودية وأهل الحديث من جهة، وبين السلفية الجهادية وأحد أهمّ قادتها المدعو أبو محمّد المقدسيّ من جهة ثانية، بالإضافة إلى العلاقة بين هذا التيار وبين الجهاد في أفغانستان والتيار الإسلاميّ في الكويت وخاصّة جماعة عبد الله النفيسيّ. ونظراً للشواهد المختلفة يمكن أن نستنتج أنّ تيار العتيبيّ لم يكن وليد الساعة كما يدّعون كما أنّه لم يكن منفصل ومنعزل.

الكلمات المفتاحية: جهيمان العتيبيّ؛ السلفية الجهادية؛ المهدوية، الحرم المكيّ؛ التكفير.

ص: 51


1- عضو الهيئة العلمية في قسم التاريخ بجامعة طهران

المقدّمة:

في بداية القرن الهجري الجديد، أي في الأوّل من محرّم الحرام من عام (1400 ه) وقعت حادثة عجيبة وفريدة في المملكة العربية السعودية كُتب عنها الكثير حتى الآن، وعلى الرغم من ذلك ظلّ العديد من جوانب تلك الحادثة خفيّاً حتى هذه اللحظة.

«أيّها المسلمون! اعلموا أنّ جميع صفات المهدي الموعود تنطبق على الشخص الذي ستبايعونه وسيظهر أمامكم بعد لحظات بين الرّكن والمقام، إنّه موجود بیننا الآن وكذلك أخوكم جهيمان بن محمّد بن سيف العتيبيّ موجود معنا» هذا مقطع من الخطبة الشهيرة التي ألقاها فيصل العجميّ في المسجد الحرام في يوم الثلاثاء الأوّل من محرّم سنة 1400ه والموافق للعشرين من تشرين الثاني عام 1979 م على المصلّين.

كانت تلك بداية الاستيلاء على الحرم المكيّ الذي دام (15) يوماً من قبل جماعة يقودها شخص يُدعى جهيمان العتيبيّ وتحت دعوى المهدوية، وانتهت بمقتل مهديّ تلك الجماعة وهو محمّد بن عبد الله القحطانيّ في المسجد الحرام واستسلام جهيمان ثمّ إعدامه مع (62) شخصاً من رفاقه بعد مرور شهرين على تلك الحادثة وزُجّ بالآخرين في السجن(1). لكن يبقى السؤال الرئيسيّ والمسألة الأهمّ في تلك الحادثة هي: ما العلاقة بين حادثة الحرم المكيّ وبين ما يُعرف اليوم بالسلفية الجهادية؟

قبل الخوض في البحث يجدر بنا الإشارة إلى أنّ السلفية الجهادية تُقابل في الحقيقة السلفية العلمية أو التقليدية التي تُعرف بتمسّكها بظاهر النصّ الدينيّ وهي تأتمر بأوامر السلطة الحاكمة في الأمور والشؤون السياسية بشكل كامل وفقاً لمقولة طاعة وليّ الأمر، في حين تُمثّل عقيدة السلفية الجهادية خليطاً من التمسّك بالنصوص الدينية والظاهراتية

(أو النظرة السطحية) للسلفية العلمية فضلاً عن تأثّرها كذلك بالحركات الإسلامية السياسية حتى أصبحت اليوم معروفة بالسلفية الجهادية(2). لكنّ البعض ممّن ينتمي إلى

ص: 52


1- النقيدان، منصور، عيون على الحدود (1 - 2)، جهيمان بعد ثمانية وعشرين عاماً... نهاية أسطورة، الوقت (بحرین)، العدد 379، 16 صفر 1428 ه - 6 مارس 2007
2- المشوح، خالد، التيارات الدينية في السعودية، من السلفية إلى الجهادية «القاعدة» وما بينهما من تيارات، مرکز الدين والسياسة للدراسات والبحوث، الانتشار العربي، الرياض، بيروت، الطبعة الثانية، 2012، ص 29

السلفية الجهادية لا يقبل إطلاق هذا الاسم عليه بدعوى أنّه اسم أطلقته أجهزة المخابرات، ومهما يكن من أمر فإنّ مصطلح السلفية الجهادية يُراد به التيارات والحركات التي بدأت نشاطاتها في الثمانينات ومن أبرز وجوهها الفكرية أبو محمّد المقدسيّ وأبو قتادة الفلسطينيّ وأبو مصعب السوريّ وأيمن الظواهريّ وغيرهم، هذا على الرغم من أنّ الإرهاصات النظرية الأولى لهذه الحركة قد تبلورت في عقد الستينات حيث تأثّرت بآراء ومؤلّفات سيّد قطب وأبي الأعلى المودوديّ. ويُعتبر کتاب (معالم في الطريق) لسيد قطب المنشور الرئيسيّ الأول لجماعة السلفية الجهادية، واستمرّت الحركة في السبعينات مع صالح سرية ومحمد عبد السلام فرج والجماعة الإسلامية والجهاد في مصر. من ناحية أخرى ساهم عبد الله عزام من موقعه في أفغانستان في إرساء بعض الأصول التي تقوم عليها السلفية الجهادية إذ يعتقد رضوان السيد أنّ عزام هو أول من استخدم هذا المصطلح سنة 1987 بغرض

توحيد صفوف السلفيين العرب وغير العرب في أفغانستان إبان

خروج الروس منها(1).

وعلى أيّ حال يمكن تبيين أوجه العلاقة بين التيارين المذكورين، أي تيّار جهيمان العتيبيّ والسلفية الجهادية، الوجه الأول هو التباين و الذي تتجه صوبه معظم التحليلات عن قصد أو غير قصد، ونريد به أنّه لمّا كانت حركة جهيمان العتيبيّ وجماعته وحادثة احتلال المسجد الحرام حادثة منفصلة وعجيبة ووليدة ساعتها فهي إذاً لا علاقة لها بما قبلها وما بعدها من الأحداث وكأنّها وقعت دون سابق إنذار ثمّ انتهت بعد عدّة أيام دامية ولم يبق لها أيّ أثر على الإطلاق(2).

وأمّا الوجه الآخر الذي يمكن نسبته إلى حركة جهيمان والسلفية الجهادية هو وجود علاقة بين هذين التيارين وهذا ما تفترضه مقالتنا هذه، إذ إنّ الواقع يشير إلى عدم وجود

ص: 53


1- الحمادي، سمير، تأملات في مصطلح السلفية الجهادية، 8 - آذار / مارس 2014، موقع الإسلام المغربي: http://www.islammaghribi.com
2- يُعتبر تركي الحمد قائد التيار الليبرالي في المملكة العربية السعودية من المؤيّدين لهذا الرّأي كما صرّح بذلك في إحدى المقالات. (أنظر: الحمد، تركي، المجتمع السعودي يتخلص من هيمنة جهيمان الفكرية، عودة إلى التسامح، المجلة، السبت، 21 نوفمبر، 2009

أيّ تباین بین حادثة الاستيلاء على الحرم المكيّ وبين الظروف التي وُلدت في رحمها السلفية الجهادية، بل ويمكن كذلك اعتبار الحادثة المذكورة حلقة وَصل ومرحلة مهمة تكاملت خلالها مسيرة السلفية الجهادية المعروفة بشكلها الحاضر (ناهيك عن أنّ البعض يعتبر حادثة الاستيلاء على الحرم المكيّ تُمثّل ولادة جديدة للتيّار الوهابيّ)(1) رغم انزياح بعض أبعادها مثل المهدوية إلى الهامش بفعل تأثير المراحل اللاحقة من تبلور الخطاب السلفي الجهادي وبروز أبعاد غيرها مثل رفض شرعية الحكومات.

وجدير بالذكر أنّنا في هذه المقالة لا نزعم أنّ جذور السلفية الجهادية تكمن في حركة جهيمان ضمن علاقة خطية، بل نرى أنّ بروز الظروف المختلفة ذات العوامل المتعددة مرهون بالأحداث والآراء والأسباب القريبة والبعيدة وهي التي تؤدّي إلى ظهور حركات عديدة. وتقوم فرضية هذه المقالة على أنّ حركة جهيمان العتيبيّ شكّلت عنصراً مهمّاً لبلورة مناخ مناسب ترعرعت في كنفه السلفية الجهادية، وإنّها لعبت دوراً كبيراً في ذلك، بل ويمكن اعتبارها عاملاً رئيسياً أدّى إلى تكامل السلفية الجهادية فيما بعد.

الاستيلاء على المسجد الحرام من البداية إلى النهاية

تقول المصادر أنّ جهيمان العتيبيّ قام بعدّة رحلات إلى مختلف المناطق السعودية

خلال عام (1976م) بهدف نشر تعاليمه والترويج لآرائه، فتعرّف في مدينة الرياض

على محمد بن عبدالله القحطاني عندما كان يدرس الفقه والحقوق في جامعة الرياض، ومنذ ذلك الوقت ركّز جهيمان اهتمامه على العقيدة المهدوية وظهور المهديّ فجذب إليه محمد بن عبدالله القحطاني ما حدا بالأخير إلى ترك الدراسة. في عام 1978 بدأت السلطات السعودية بمراقبة أتباع الجهيمان فزجّت ببعضهم في السجون لكنّها عادت فأطلقت سراحهم لاحقاً بعد توسّط بعض مشايخهم، ما أتاح لجهيمان وجماعته فرصة جديدة للسفر إلى مختلف مناطق المملكة ونشر آرائه وأفكاره في كلّ تلك المناطق التي

ص: 54


1- أنظر : إبراهيم، فؤاد، السلفية الجهادية في السعودية، الطبعة الأولى، دار الساقي، بیروت، 2009، ص 68

زارها(1). بعد اشتداد دعوة جهيمان فكّرت الحكومة السعودية في اعتقاله ورفاقه ولكن سرعان ما انبرى بعض أتباعه ممّن لهم مناصب في الحكومة إلى تحذيره من نوايا الحكومة فتوجّه إلى الصحراء ليقضي عدّة أيام هناك وحتى لا يقع في قبضة السلطات(2). بعد مرور فترة قصيرة تمّ إطلاق سراح بعض رفاق جهيمان بفضل وساطة بعض الشيوخ الأمر الذي أدّى فيما بعد إلى استقطاب جهيمان لعدد آخر من الشباب والتحاقهم بدعوته(3). في عام (1979 م - 1399 ه) شاع حدیث بين أتباع جهيمان حول مسألة آخر الزّمان مفاده أنّ العالم يُشرف على نهايته ويمرّ بأخر أيّامه قبیل قيام الساعة وشيئاً فشيئاً اقتنع أصحاب جهيمان بالفعل أنّ هذه الأيام هي آخر أيام الزمان وأنّ الوقت قد حان لظهور المهدي الموعود، وساعدت الأحلام التي كانت تراود بعض أصحاب جهيمان والأحاديث التي كانوا يتداولونها فيما بينهم على ترسيخ اعتقادهم بفكرة المهدي الموعود(4)، وأخيراً اتّفقت الجماعة على اختيار محمد بن عبد الله القحطاني باعتباره المهدي المنتظر، وفي الأوّل من محرّم الحرام من عام (1400 ه) تمكّن أعضاء الجماعة من دخول المسجد الحرام حاملين بعض التوابيت التي أخفوا فيها أسلحتهم ثمّ عمدوا إلى إغلاق أبواب المسجد الحرام وبين الرّكن والمقام أخذوا البيعة لمحمد بن عبد الله القحطاني من أصحابه وبعض الأشخاص الذين كانوا متواجدين في المسجد. بعد ذلك

تُلیت مطالب الجماعة من قِبل ممثّلهم عبر مكبّرات الصوت و كما يلي:

1- إزالة كلّ مظهر من مظاهر الثقافة الغربية والأجنبية وإشاعة الثقافة الإسلامية وقطع

العلاقات مع الدول الغربية الاستعمارية.

2- القضاء على الحكم الملكي الوراثي وإعلان حكومة إسلامية بدلاً منه وتقديم

أفراد العائلة المالكة إلى المحاكمة ومصادرة أموالهم.

ص: 55


1- الخمار، رائد، احتلال الحرم المكي في الأول من محرم 1400 للهجرة، جهيمان يعلن أنّ القحطاني هو المهدي المنتظر، القبس (کویت)، 17 يناير 2010، 2 / صفر 1431، العدد 13160
2- الحزيمي، ناصر، ذكرياتي مع جهيمان العتيبي قائد المحتلين للمسجد الحرام، الإخوان المسلمون السلفيون في الخليج، مركز المسبار للدراسات والبحوث، الطبعة الثانية، دبي، 2011، ص 325
3- المصدر السابق، ص 328
4- المصدر السابق، ص 336

3- تكفير الملك خالد(1)

وأسرته بدعوى أنّهم لا يحكمون وفقاً للتعاليم والقيم

الإسلامية(2).

4- وقف

تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية وتخفيض إنتاجه إلى حدّ

الاكتفاء الذاتي وعدم هدر الثروات الوطنية.

5- طرد جميع الخبراء والمستشارين العسكريّين الأجانب(3).

ویری حمزة الحسن - المعارض الشيعيّ السعوديّ - أنّ السلطة الحاكمة كانت تسعى في بداية الأمر إلى اتّهام الجماعة التي احتلت المسجد الحرام بالتشيّع لكنّها اضطرّت في نهاية المطاف إلى الكشف عن هويّتها(4)، في الوقت الذي صرّح فيه أحمد عدنان، المثقف والكاتب الصحفيّ السعوديّ، في مقالته التي استند فيها إلى بعض الوثائق والمقابلات والمؤتمرات الصحفية التي عُقدت خلال الأحداث، صرّح بأنّ الحكومة السعودية نفت

ص: 56


1- خالد بن عبد العزيز هو رابع ملوك آل سعود، وُلد في ربيع الأول 1331 ه / 1912 م في الرياض وهو الإبن الخامس لعبد العزيز بن سعود. بعد اغتيال الملك فيصل في 25 من مارس عام 1975م على يَد ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز، تنازل محمد أكبر أولاد عبد العزيز عن الحكم برضاه إلى خالد فبايعه أفراد الأسرة المالكة فاختار خالد فهد بن عبد العزيز وليّاً للعهد بموافقة العائلة المالكة. توفّي الملك خالد في 1982 وتسلّم فهد بن عبد العزيز مقاليد الحكم من بعده. (مالكي، محمد، خالد بن عبد العزيز، موسوعة (دانشنامه جهان اسلام) http://www.encyclopaediaislamica.com/madkhal2.php?sid=6772
2- يُذكّر أنّ جهيمان العتيبي كان يُطالب بالإصلاح ولم يُكفّر الملك خالد وهو ما لا ينسجم مع التصريحات التي أدلى بها رفاقه في المسجد الحرام. وأمّا الحقيقة القائلة أنّ دعوة جماعة جهيمان لم تكن في بداية أمرها تدعو إلى تكفير الأسرة السعودية المالكة وما كان فكرها وإيديولوجيتها يتضمّنان سوى المطالبة بالإصلاح فقط وهو ما يتّضح من خلال المنشورات التي كان أفراد الجماعة يوزّعونها قبل الاستيلاء على المسجد الحرام، فهذه مسألة طبيعية إذ لو كانوا قد صرّحوا بذلك لكان موقف جماعة جهيمان حرجاً للغاية، بمعنى آخر، ربّما فضّلت هذه الجماعة اتّباع التقيّة قبل استيلائها على المسجد الحرام، لكن نستطيع القول وبالاستناد إلى آراء جهيمان ورفاقه بأنّ مرحلة ما قبل الدعوة إلى المهدي والمرحلة التي تَلتها هما مرحلتان منفصلتان وأنّهم ربما كانوا سيصرّحون في المرحلة اللاحقة بمسألة تكفير السلطة الحاكمة وإن لم يقولوا بذلك في المرحلة السابقة بالنظر إلى الظروف الجديدة
3- منظمة الثورة الإسلامية في جزيرة العرب، انتفاضة الكعبة (بداية قرن دامي)، ترجمة: شاکر کسرائي، منشورات (نور)، طهران، 1981م، ص 68
4- الحسن، حمزة، الشيعة في المملكة العربية السعودية، العهد السعودي، 1913 - 1991 م، الجزء الثاني، مؤسسة البقيع لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1413 - 1993، ص 384

على لسان وزیر دفاعها الأمير نايف وجود أيّ علاقة بين ما قامت به جماعة جهيمان وبين أيّ من دول المنطقة وخصوصاً الحكم الثوري في إيران وحتى أميركا(1). وفي تلک الأثناء، أصدرت هيئة العلماء السعوديين فتوى أوضحت فيها أنّ جماعة جهيمان هي فئة ضالّة عن الدين(2)، هذا في الوقت الذي كانت تحدث فيه بعض المناوشات المسلّحة في الأيام الثلاثة الأولى لاحتلال المسجد الحرام بين أفراد جهيمان وبين القنّاصين من قوات الأمن السعودية، ثم انقطعت أخبار محمّد بن عبد الله بعد ذلك بأيام قلائل واُشيع خبر مقتله، لكنّ جهيمان لم يذعن لذلك قائلاً أنّ المهدي لن يموت حتى يُتمّ رسالته(3)، وكانت قوات الأمن السعودية قد نشرت صوراً لجثة محمّد بن عبد الله تؤكّد مقتله إلّا أنّ البعض كان يقول أنّ تلك الصور مزيّفة وأنّ محمّد بن عبد الله لم يُقتل بعد(4).

هذا واستمرّت المناوشات بين جماعة العتيبيّ وقوات الأمن السعودية مدّة أسبوعين کاملین، نجحت بعدها هذه الأخيرة في التسلّل إلى باحة المسجد الحرام(5) وبمساعدة قوات فرنسية خاصة، مستخدمة جميع الوسائل المتاحة مثل قطع المياه والكهرباء عن المسجد الحرام والاستعانة بالأسلحة الثقيلة والمدافع والدبابات والطائرات المروحية(6)، وانتهت عملية الاستيلاء على المسجد الحرام نهاية دموية وألقي القبض على جهيمان العتيبيّ وجماعته، فاُعدِمَ الكثير منهم فيما سُجن البقية.

ص: 57


1- عدنان، أحمد، وثائق «جهيمان» استعادة أوراق منسية، قصة وفكر المحتلين للمسجد الحرام، أحمد منصور - ناصر الحزيمي - منصور النقيدان، مركز المسبار للدراسات والبحوث، الطبعة الأولى، فبراير (شباط) 2011، دبي، ص 14
2- النقيدان، منصور، السلفيون أهل الحديث (دراسة في فكر المحتلين للمسجد الحرام)، قضايا الإسلاميين في الخليج، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، الطبعة الثانية، 2011م، ص 78
3- الحزيمي، ناصر، ذكرياتي مع جهيمان العتيبي قائد المحتلين للمسجد الحرام، ص 346
4- منظمة الثورة الإسلامية في جزيرة العرب، انتفاضة الكعبة (بداية قرن دامي)، ترجمة: شاکر کسرائي، منشورات (نور)، طهران، 1981م، ص 77
5- منظمة الثورة الإسلامية في جزيرة العرب، انتفاضة الكعبة (بداية قرن دامي)، ترجمة: شاکر کسرائي، منشورات (نور)، طهران، 1981م، ص 97
6- لاكروا، ستيفان، زمن الصحوة (الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الترجمة باشراف: عبد الحقّ الزموري، الطبعة الأولی، بیروت، 2012م، ص 135

العلاقة بين حادثة الاستيلاء على الحرم المكيّ والأحداث السابقة واللاحقة

لا يمكن اعتبار حادثة الحرم المكيّ التي لم تستمرّ سوى أسبوعين فقط حادثة صغيرة وعابرة ذلك لأنّ الكثير من النقاط والزوايا المهمّة في هذه الحادثة ظلّت مخفيّة حتى اليوم ولم يُكشف عنها النقاب.

يُضاف إلى أنّها لم تأت من قبيل الصدفة أو وليدة الساعة كما يحلو للبعض أن يصوّرها وكأنّه لا تربطها بظروفها التاريخية أيّ علاقة على الإطلاق. يقول أحمد عدنان، المثقف والكاتب الصحفيّ السعوديّ:

«لا يمكن قراءة حادثة الحرم بمعزل عن أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية داخل المملكة والمحطات الإقليمية الكبرى في المنطقة وتأثيراتها على مختلف تيارات الإسلام السياسي، ولكن إذا كان إصرار الرواية الرسمية للحكومة السعودية على فصل الحادثة عن كلّ

هذه الأبعاد مقبولاً في ذلك الوقت، فإنّه اليوم لم يعد كذلک»(1).

هذه الرغبة في التعتيم على حادثة الاستيلاء على الحرم المكيّ هي التي أدّت إلى حجب وقائعها بنحوٍ ما، وتجاهل ترابطها بالحوادث والأجواء الفكرية السابقة لها واللاحقة، ولو أمعنّا النظر قليلاً فيما قام به جهيمان العتيبيّ ورفاقه من احتلالٍ للمسجد الحرام لأدركنا صعوبة فصل الحادثة عن ظرفها التاريخي.

الإخوان؛ نبذة تاريخية

تذكر الوثائق والمصادر أنّ الآباء الروحيين لجهيمان العتيبيّ ومُنظّرية الفكريين هم زعماء الجماعات البدوية «الإخوان» الذين كانوا يشكّلون الجزء الرئيسي والأهمّ من

ص: 58


1- عدنان، أحمد، وثائق «جهيمان» استعادة أوراق منسية، قصة وفكر المحتلين للمسجد الحرام، أحمد منصور - ناصر الحزيمي - منصور النقيدان، مركز المسبار للدراسات والبحوث، الطبعة الأولى، فبراير (شباط) 2011، دبي، ص 30

جیش آل سعود، ولكن بعد معارضتهم للملك عبد العزيز مؤسّس السلالة الحاكمة الثالثة لآل سعود، قضى عليهم قضاءً مُبرماً(1).

وهنا تبرز لدينا بعض الأسئلة من قبيل: من هم (الإخوان)؟ وما هي حقيقتهم؟ وما هي

الظروف الفكرية التي كانوا يعيشونها آنذاك؟

في الحقيقة إن جماعة الإخوان(2) كانوا يشكّلون العمود الفقريّ لجيش الملك عبد العزيز آل سعود، وهم جماعة من البدو سكنت منطقة نجد والمناطق المحيطة بها وكانت تدعم الملك عبد العزيز طبقاً لعقيدة الشورى الدينية. ولكن بعد أن استقرّ الحكم لآل سعود في عهد الملك عبد العزيز لم يستقرّ هيجان الإخوان وعادتهم على القتال المستمرّ ما شكّل معضلة كبرى وعقبة كأداء أمام الملك عبد العزيز وذلك لأنّهم لم يعتادوا الاستقرار في مكان واحد ما دفع بالملك عبد العزيز إلى وضع خطّة لتوطينهم في منطقة محددة على غرار الهجرة التي حدثت في زمن الرّسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم وبالفعل فقد تمّ إسكانهم في مجمّعات سكنية بُنيت لهذا الغرض وسميت (هَجر) إلّا أنّ ذلك لم يؤدِّ إلى ترك الإخوان لفكرة القتال والجهاد، وعلى الرغم من كلّ ما كان يملكه الملك عبد العزيز من قوّة وسلطان لكنّه لم يفلح في السيطرة التامة على تلك القبائل المقاتلة وزعمائها كما أنّه لم ينجح في إفشال خططهم في توظيف سلاح التطرّف الدينيّ لمواجهة الحكومة المركزية. وفي أواسط العشرينيات أعلن الإخوان المعارضون تمرّدهم العلني على حكم آل سعود فشنّوا الغارة تلو الأخرى على مناطق في العراق كانت تخضع للانتداب البريطاني، لكنّ عبد العزيز تمكّن في معركة (السبلة) عام (1929) من القضاء على الإخوان وفلولهم بقيادة فيصل الدويش وابن عميد سلطان بن بجاد وهما زعيما قبيلتَي

(المطير) و (العتيبة) وإخماد ثورتهم بوحشية ودموية(3).

ص: 59


1- حبيب، جون، الإخوان السعوديون في عقدین 1328ه - 1349 ه 1910 م - 1930 م، ترجمة: صبري محمد حسن، دار المريخ، الرياض، 1419 ه 1998 م، ص 227
2- لا ينبغي الخلط بين هذه الجماعة وجماعة الإخوان المسلمين المعروفة في مصر
3- العقاد، عباس محمود، مع عاهل الجزيرة العربية، منشورات المكتبة العصرية، صيدا - بیروت، بدون تأريخ، ص 33

وُلد جهيمان العتيبيّ في إحدى المجمعات السكنية للإخوان في (هجر) وهي (هجر ساجر) وقضى طفولته يرضع من فكر الإخوان(1) ذلك لأنّ أباه كان أحد رجال سلطان بن بجاد القائد الإخوانيّ المعروف الذي عارض حكم الملك عبد العزيز. وهكذا تربّی جهيمان وترعرع مع ذكريات الآباء الشامخة في الحروب وخيانة الملك عبد العزيز لهم حيث كان يرغب في تحويل إمارته إلى نموذج الدولة. الأمة، وهذا هو السبب الرئيسىّ على ما يبدو لمعارضة جهيمان لسلطة آل سعود الحاكمة(2). قبل أن يبدأ حركته المتطرفة

بعشرين سنة كان جهيمان العتيبيّ موظفاً عادياً في الحرس الوطني، لكنّه ترك عمله في أوائل السبعينات حيث كان قبل ذلك (في الستينات) قد أسس مع بعض الأشخاص منظمة الجماعة السلفية في المدينة بدعمٍ من عبد العزيز بن باز، لكنّ نشاطاته اقتصرت آنذاك على القرى والمناطق الموجودة في (هجر) والتي تم توطين البدو فيها قسراً، لا سیّما في غرب الجزيرة العربية وكانوا يسمّون مُعظم أعضاء تلك الجماعة بالإخوان(3).

الإخوان؛ التاريخ القبلي

كان جهيمان كآبائه من الإخوان إنساناً بدوياً يعتزّ بحياته البدوية ويفخر بها وتشير المصادر إلى أنّ مُعظم رفاقه كانوا من البدو أيضاً(4) وكان يشعر بفخر واعتزاز خاص تجاه قبيلته (العتيبة)(5) باعتبار دورها الفاعل والمؤثّر في نشوب حركة المعارضة الإخوانية ضدّ الملك عبد العزيز. وورد في مذكّرات بعض رفاق جهيمان أنّه لم يكن يقبل بسهولة الأحاديث المنسوبة إلى النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم، ولكن عندما كانت تُذكَر قبيلته في بعض تلک

ص: 60


1- النقيدان، منصور، عيون على الحدود (1 - 2)، جهيمان بعد ثمانية وعشرين عاماً... نهاية أسطورة، الوقت (البحرين)
2- لاكروا، ستيفان، زمن الصحوة (الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الترجمة باشراف: عبد الحقّ الزموري، الطبعة الأولى، بيروت، 2012 م، ص 126
3- النقيدان، منصور، السلفيون أهل الحديث (دراسة في فكر المحتلين للمسجد الحرام)، ص 40 و 41
4- لاكروا، ستيفان، زمن الصحوة (الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الترجمة باشراف: عبد الحقّ الزموري، الطبعة الأولی، بیروت، 2012م، ص 161
5- الحزيمي، ناصر، ذكرياتي مع جهيمان العتيبي قائد المحتلين للمسجد الحرام، ص 310

الأحاديث وتُسرَد بطولاتها كان يسلّم بصحّتها دونما جدل أو نقاش، ويسعى إلى نشرها ونقلها إلى الآخرين(1). ويمكن اعتبار روح البداوة هذه والانتماء القبلي والالتزام بمبادئها من أهمّ الميزات التي اتّصفت بها جماعة الإخوان على الرغم من أنّ النزعة القبلية في تلك الأيّام لم تكن بالأمر الغريب في جزيرة العرب، وإن كانت عملية التجديد والحداثة تهدّد هذه النزعة في الكثير من المجالات. إلّا أنّ هذه النظرة القبلية لم تحُل دون انتشار

حركة جهيمان خارج حدود جزيرة العرب لتتّخذ أبعاداً إقليمية واسعة، ويدلّ على ذلك أنّ معظم رفاق جهيمان ممّن شاركوا في الاستيلاء على الحرم المكيّ كانوا من غير السعوديين وهو نموذج مشابه لما سُمّي فيما بعد بالأفغان العرب في أفغانستان.

إعادة إنتاج خطاب ابن غنّام(2)

قد يُنظر إلى حركة جهيمان العتيبيّ کاستمرار للخطاب الذي تبنّاه الإخوان قبل ذلك وساروا عليه، وهو خطاب أطلق عليه كاتب المقال في موضع آخر اسم «خطاب ابن غنّام»(3). ويعتبر خطاب «ابن غنّام» - وهو أوّل مؤرّخ للوهابية - أنّ الفرقة الوهابية هي الأقليّة المسلمة الوحيدة الناجية والتي سوف تقوم بهداية الأكثرية المشركة. بحسب زعمهم - أو محاربتها. ثمّ انتقل هذا الخطاب إلى جماعة الإخوان الذين تبنّوه وساروا عليه، بيد أنّ الملك عبد العزيز بن عبد الرّحمن الذي كان يتوق إلى تأسيس نموذج الدولة. الأمة رفض هذه الأفكار والآراء المتطرّفة التي تلغي حدود الوطن، وكان يعلم في الوقت نفسه أنّ مثل هذه الآراء وفي غياب الوطن لا تهدف سوى إلى

ص: 61


1- الحزيمي، ناصر، أيام مع جهيمان، كنت مع «الجماعة السلفية المحتسبة»، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الثانية، بیروت، 2011 م، ص 39
2- حسین بن غنّام (أو ابن أبي بكر بن غنام) النجدي الأحسائي: مؤرخ مالكي المذهب وشاعر، وكان عالم الأحساء في عصره. ولد ونشأ في المبرّز (بالأحساء) وأقام بالدرعية عاصمة (آل سعود) الأولى وتوفي بها. له مصنفات منها (العقد الثمين في شرح أصول الدين - مخطوط) [ثم طُبع] صغير ألفه للأمير عبد العزيز ابن محمد بن سعود، توجد نسخة منه في المكتبة السعودية بالرياض، و (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام و تعداد غزوات ذوي الإسلام - مطبوع) جز آن في مجلد، يقف في حوادث سنة 1213 ه ويُسمى أيضاً (تاريخ نجد - مطبوع). (نقلاً عن: الأعلام للزركلي)
3- القزويني الحائري، ياسر، نگاهی به الگوهای تاریخ نویسی سعودی، پژوهشهای علوم تاریخی، السلسلة الخامسة، العدد 1، ربيع وصيف عام، 2013، ص 137 إلى 156

الجهاد والقتال، بينما لم يكن الملك عبد العزيز يفكّر، كما ذكرنا، سوى باستقرار مملکته و تشکیل ما يشبه الدولة. الأمة بعد أن استطاع توحيد البلاد وإنشاء ما عُرف اليوم بالمملكة العربية السعودية، لكنّ جماعة الإخوان التي لم تكن تُطق فكرة الاستقرار في وطن، كانت تهدف إلى الإغارة على الأماكن والمدن في العراق الشيعي الذي كان يرزح تحت الإمبراطورية البريطانية وقد أدّى هذا الأمر إلى بلوغ التحدّي بین الملك عبد العزيز وجماعة الإخوان ذروته. من ناحية أخرى يمكن القول أنّ الانتقادات التي وجّهها الإخوان إلى مسألة تعاون الملك عبد العزيز واتحاده مع الكفّار الإنجليز أدّت إلى إحداث أوّل تحوّل في خطاب (ابن غنّام) والذي استمرّ مع ربيبهم الروحي جهيمان العتيبيّ ثمّ تبنّاه تنظيم القاعدة فيما بعد، ما دفعهم إلى تكوين رؤية جديدة حيال (الآخرين) الذين أطلقوا عليهم اسم الأكثرية المسلمة المشركة، وفي عقد الثمانينات قاموا بإدراج (الإمبريالية) في خانة (الآخرين) - أي خانة الأكثرية المشركة - . وأدّت هذه المسألة ببعض الخبراء إلى اعتبار العلاقة القائمة بين حركة جهيمان والإخوان علاقة هامشية والتأكيد على أنّ حركة جهيمان إنّما هي ردّة فعل لما شهدته المملكة العربية السعودية في السبعينات سيّما بعد ما عُرِف بالطفرة النفطية(1) حيث كان المجتمع السعودي يسرع الخطى للتحوّل إلى مجتمع استهلاكيّ. وفي الحقيقة، إنّ أموال البترودولار الطائلة هي التي أدّت بالمجتمع السعودي إلى اجتياز حياة البداوة بسرعة(2) وصولاً إلى الحداثة والانفتاح على المحافل العالمية في ظلّ نظام رَيعيّ أتاح لفئة صغيرة جداً في المجتمع(3) بالسيطرة على الأموال الحاصلة

ص: 62


1- هيغهامر، توماس، لاكروا، ستيفان، حتى لا يعود جهيمان، حفريات إيديولوجية وملاحق وثائقية نادرة، إعداد وترجمة وتحقيق: حمد العيسى، منتدى المعارف، الطبعة الثالثة، بيروت، 2014 م، ص 57
2- Ménoret Pascal The Saudi enigma: a history World Book Publishing 2005 p153
3- الاقتصاد الريعي هو اعتماد الدولة على مصدر واحد للريع (الدخل) وهذا المصدر غالباً ما يكون مصدراً طبيعياً ليس بحاجة إلى آليات إنتاج معقدة سواء كانت فكرية أو مادية كمياه الأمطار والنفط والغاز، ففي الاقتصاد الريعي يكون الريع طبيعياً ليس بحاجة إلى عمليات إنتاج أو عمليات تصنيعية تحويلية كما في الدولة الاشتراكية التي تحتكر أدوات الإنتاج وتسمى الدولة التي تعتمد على الاقتصاد من خلال التعاريف التي طرحت من قبل بعض الباحثين

عن بيع البترول وإدارتها(1)، وهي حالة أفرزت الكثير من التناقضات داخل المجتمع السعوديّ وبخاصّة إيجاد طبقة من الأثرياء الحكوميين أو شبه الحكوميين تعتمد كلياً على الرّيع النفطيّ، وفي المقابل تعاني طبقة أخرى تشكّل أغلبية المجتمع العديد من المشاكل مثل دفع الإيجارات والمشاكل الاقتصادية الأخرى(2). من هنا يمكن فهم

حركة جهيمان في ظلّ هذه الأوضاع الجديدة للمجتمع السعودي والتي لم تخلُ أيضاً

من العديد من حالات الانتهاك للشريعة.

وفي الحقيقة إنّ المقاربات الحداثوية التي كان الملك عبد العزيز يرغب في تطبيقها

ومنها المقاربات الوطنية كانت تشكّل تحدّياً كبيراً للخطاب الغنّامي للإخوان فأدّت إلى تهميشهم، ولذلك فإنّ ردّة الفعل الصادرة من قِبل ورثة الخطاب المذكور كانت متوقّعة مع تعاظم الاتّجاه الحداثوي التجديدي في المملكة العربية السعودية وخاصّة في ضوء تزايد تدفّق العوائد النفطية في الستينات والسبعينات.

لقد استطاعت الاتّجاهات البدوية الغنّامية الممتزجة بالاتّجاهات الحديثة لبعض الأعضاء السابقين في التيارات المتطرفة المستلهمة من نموذج الإخوان المسلمين(3) جناح سيد قطب وجماعة التكفير والهجرة والتي كانت سائدة في مصر، استطاعت أن تخرج من دائرة التهميش لتجعل من حادثة الحرم المكيّ بداية عصر جدید ظلّ مستمراً حتى يومنا(4).

ص: 63


1- بن صنيتان، محمد، السعودية الدولة والمجتمع (محددات تكون الكيان السعودي)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2008 م، ص 51
2- الماجد، ولید بن محمد، أسوار الصمت، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولی، بیروت، 2012 م، ص 30
3- النقيدان، منصور، عيون على الحدود (2 - 2)، جهيمان بعد ثمانية وعشرين عاماً... نهاية أسطورة، الوقت (البحرين)، العدد 380، 17 صفر 1428 ه - 7 مارس 2007
4- تجدر الإشارة إلى أنّ الألباني الذي يُعد الأب الروحيّ لأهل الحديث الذين دخلوا في عصبة جهيمان كان قد انتقد بشدّة شخصيّتين من شخصيّات الإخوان المسلمين وهما سيد قطب بسبب ما ورد من آرائه في كتابه الموسوم (في ظلال القرآن) وحسن البنّا لتناقض بعض أفكاره وآرائه مع آراء الألباني نفسه فضلاً عن استخدامه لأسلوب النّقد المذكور مع الإخوان المسلمين كذلك متّهماً إيّاهم بالاستناد إلى السياسة عوضاً عن العقيدة. (لاكروا، ستيفان، ص 118) وتُعتبر معارضة الألباني للتدخّل في الشؤون السياسية إحدى نقاط الخلاف مع جهيمان. (لاکروا، ستيفان، ص 126)

الإمارة الإسلامية والدولة - الأمة

يرى فؤاد إبراهيم المعارض والباحث الشيعيّ السعوديّ أنّ هذا التقابل بین جماعة الإخوان وبين الملك عبد العزيز يشبه التقابل بين نظرية الإمارة الإسلامية ونظرية الحكم الوطني [الحديث]، ويعتقد أنّ حُلم (الإمارة الإسلامية) الذي كان يشغل أذهان الإخوان الأوائل تمّ إحياؤه على يد الإخوانيين الجدد بقيادة جهيمان العتيبيّ عام (1400 ه - / 1979 م) حيث اختار هو وجماعته مكّة المكرّمة كقاعدة أو عاصمة لإمارتهم الإسلامية. وأمّا الإخوان الجُدد الذين أطلق عليهم بن باز اسم (السلفية المحتسبة)(1) وكانوا يقومون بوظيفة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في المجتمع، فقد تراجعوا عن نهجهم وغيّروا وظيفتهم واستبدلوها بمشروع سياسيّ كبير تحت عنوان (إصلاح الدولة وتطبيق الشريعة) توّجوه بإقامة إمارة إسلامية، ويمكن رصد علائم هذه النظرية في رسالة كتبها جهيمان بعنوان (الإمارة والطاعة والبيعة) أشار فيها إلى الشروط اللازمة لطاعة الإمام منها تطبيق أمر الجهاد حيث تسقط طاعته إذا خالف هذا الأمر(2). ويعتقد فؤاد إبراهيم أنّ هذه النظرية لم تَزُل بزوال جهيمان ورفاقه بل ساعدت على ظهور جماعات سلفية جهادية أخرى وخاصة (تنظيم القاعدة)(3) الذي ما فتأ يذّكرنا في السنوات الأخيرة بإمارته الإسلامية أينما ولّى وجهه. طبعاً، يفضّل بعض الخبراء في شؤون الجماعات السلفية من أمثال خالد المشوح ربط حركة جهيمان بتيّار الإخوان السعوديّ بدلاً من التيار السلفيّ الجهاديّ. ويرى المشوح أنّه إذا أردنا تحديد بداية السلفية الجهادية فلا شكّ في أنّ الجهاد في أفغانستان يمثّل تلك البداية، حيث اختلطت الآراء السلفية غير السياسية بالآراء الإخوانية والقطبية [سيد قطب] السياسية. كما يعتقد أنّه بالنظر إلى رسائل جهيمان و انتقاداته للإخوان المسلمين بسبب تدخّلهم في السياسة، فإنّه لا مناص من نسبة تيّار جهيمان إلى تيّار السلفية التقليديّة غير السياسيّة(4)؛ إلّا أنّه لا يمكن الركون إلى تحليل خالد المشوح لمجرّد انتقاد جهيمان للإخوان المسلمين لدخولهم مُعترك السياسة وذلك لأنّ حركة

ص: 64


1- لاكروا، ستيفان، ص 123
2- ابراهيم، فؤاد، ص 27 و 28
3- المصدر السابق، ص 28
4- المشوح، خالد، ص 33 و 34

جهیمان نفسها كانت حركة سياسية بامتياز. من ناحية أخرى، يعتقد بعض الخبراء استناداً إلى عدد من الأدّلة والشواهد أنّ حركة جهيمان العتيبيّ مرتبطة بجماعة التكفير والهجرة في مصر(1) ما يعني ارتباط الحركة المذكورة بالتيار العامّ للسلفية الجهادية وإن كان لا يجوز استبعاد ارتباط

حركة جهيمان بحركة الإخوان السعودية والفوارق الواضحة الموجودة بين حركته وبين التيار

العام للسلفية الجهادية التالية، كما لا ينبغي لنا أن ننفي الطابع السياسي لتيّار الإخوان السعوديّ(2) وذلك لممارستهم العمل السياسي على الرغم من عدم التزامهم بقواعد السياسية المعاصرة ومنها موضوع الدولة - الأمة. والأغرب من ذلك اعتبار البعض أنّ جماعة الإخوان المسلمين في مصر مرتبطة ومتأثّرة بجماعة الإخوان السعودية وأنّ رشید رضا كان حلقة الوصل بين الجماعتين(3)، وفي هذه الحالة قد لا يبدو صحيحاً الفصل بين جماعة الإخوان السعودية وحركة وحركة جهيمان من جهة والسلفية الجهادية لتأثّرها بالإخوان من جهة ثانية. لكنّ القول الأوّل الذي طرحه الدكتور أبو الأسعاد وهو اعتبار رشيد رضا حلقة الوصل بين الإخوان السعوديين والإخوان المصريين لا يبدو دقيقاً لأنّة لا يقدّم أيّ دليل واضح على وجود مثل هذه العلاقة بل إنّ كلامه يشير في الغالب إلى وجود مثل تلك العلاقة بين الحركة الوهابية والمملكة العربية السعودية مع الإخوان بوساطة رشيد رضا وهذا يختلف عن الادّعاء بارتباطه بالإخوان السعوديين الذين كانوا يعارضون الملك عبد العزيز باستمرار. وثمّة رأي آخر يربط بنحوٍ ما بين العقيدة المهدوية وبين عدم تسييس حركة جهيمان أو بالعكس. واستناداً إلى هذا التحليل فإنّ جهيمان لم يكن يكفّر السلطة الحاكمة بالإضافة إلى أنّه لم يُجوّز القتال ضدّها أو محاربتها، شأنه في ذلك شأن السلفية التقليدية(4)، وهذا ما دفعه إلى اللجوء إلى العقيدة المهدوية لكي يبيّن أنّ ما قام به ضدّ السلطة ليس عملاً سياسياً بل هو حركة دينية، ومعلومٌ أنّ ذلك سيعود عليه بالتمجيد.

ص: 65


1- النقيدان، منصور، السلفيون أهل الحديث (دراسة في فكر المحتلين للمسجد الحرام)، ص 46
2- أبو الأسعاد، محمد، السعودية والإخوان المسلمون، مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان، القاهرة، 1995 م، ص 19
3- المصدر السابق، ص 29
4- هيغهامر، ص 60 نقلاً عن (الكواشف الجلية) للمقدسيّ

بشكل عامّ يمكن تلخيص آراء جهيمان العتيبي حول السلطة الحاكمة بالشكل التالي والقول بوجود علاقة وثيقة بين حركته وبين آراء الإخوان السابقين وطروحات القاعدة اللاحقة: كان جهيمان ورفاقه يرون أنّ آل سعود وبعد تركهم للجهاد سعوا إلى استغلال الدين من أجل تحقيق مآربهم وأغراضهم الدنيوية ورضوا بولاية المسيحيين (أي الأميركان) وأنّهم تسبّبوا في إشاعة الفساد والشرّ بين المسلمين كافّة. وأحياناً كانت هذه الآراء تقترن ببعض المفاهيم مثل خيانة آل سعود، وهو الاستدلال الذي تبنّاه الإخوان السعوديون السابقون بشأن الملك عبد العزيز وحُكمه، ويقول (روبرلت ليسي) أنّه نفس الاستدلال الذي تبنّاه (بن لادن) في أحداث الحادي عشر من سبتمبر - أيلول في الولايات المتحدة(1).

جهيمان وأهل الحديث

في عام (1977 م) بدأت الجماعة السلفية المحتسبة التي كان جهيمان عضواً بارزاً فيها بممارسة نشاطات جديدة فشرعت في توجيه الانتقادات لأفراد الأسرة المالكة السعودية واستهجان بذخهم وتبذيرهم، بل وكانت في بعض الأحيان تشكّك في شرعية حكمها. وقد أدّى موقف أعضاء الجماعة السلفية المحتسبة ورؤيتهم المتأصلة المتمثّلة في ترك أئمّة المذاهب الأربعة والأخذ بالروايات والأحاديث بشكل مستقلّ ومباشر دون وساطتهم، وهو موقف يستند إلى آراء محمّد ناصر الدين الألباني، أدّى موقفهم هذا إلى حدوث خلافات شديدة بينهم وبين القضاة والأئمة الدينيين الرسميين وغير الرّسميين(2). وُلد محمّد ناصر الدين الألباني في عام (1914 م) في ألبانيا وهاجر بصحبة أبيه إلى دمشق بسوريا ولمّا يبلغ الثامنة من عمره، حيث درس هناك الفقه الحنفي على والده، ثمّ حضر حلقات درس الحديث حتى أضحى أحد كبار علماء الحديث. في سنة (1960 م) بدأ الألباني بالتدريس في الجامعة الإسلامية بدعوة من رئيسها، لكنّه اعتُبِر شخص غير

ص: 66


1- ليسي، روبرت، المملكة من الداخل، تاريخ السعودية الحديث، نقله إلى العربية: خالد بن عبد الرحمن العوض، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، الطبعة الرابعة (أغسطس) 2011 م، ص 29 و 30
2- المصدر السابق، ص 48

مرغوب فيه بسبب انتقاداته الشديدة التي كان يوجّهها إلى الفقهاء، ثمّ توفي عام (1999 م)(1). ولم يستثنِ الألباني من انتقاداته حتى محمّد بن عبد الوهاب نفسه إذ كان يعتقد أنّه مجرّد سلفيّ لا أكثر، وأنّ بعض مؤلفاته ضعيفة وغير ذات قيمة(2). وبعد فترة من الزمن اختلف جهيمان مع قادة الجماعة السلفية المحتسبة حيث كان ينتقد بشدّة أسلوب الحياة السعودية الجديدة ويعارض أيّ مظهر من مظاهر المدنية أو التقدّم بما في ذلك مشاهدة التلفاز وحتى لعبة كرة القدم، وقد أدّى ذلك إلى انفصاله عن الجماعة ليشكّل مع بعض رفاقه السلفيين تنظيماً جديداً كان مُعظم أعضائه من قبيلة العُتَيبة(3). وعقد جهيمان عدداً من المؤتمرات انتقد فيها نأي الأئمة الدينيين عن الإسلام الصحيح بحسب تصوّره(4). وكانت جماعة الإخوان سبباً في زعزعة مرجعية الفقهاء الحنابلة في العربية السعوديّة وخلق التحدّي فيما بينهما وذلك بسبب انتمائها إلى مدرسة أهل الحديث ورفضها تقدیس فقه المذاهب الأربعة، والتأكيد على الرجوع المباشر إلى المصادر. وقد أحدثت الفتوى الشاذة التي صدرت عن أحد فقهاء جماعة الإخوان وهو (علي المزروعي) والتي جوّز فيها تناول الطعام والشراب في شهر رمضان المبارك بعد أذان الصّبح وذلك في بداية حادثة الاستيلاء على الحرم المكيّ، أحدثت ضجّة كبيرة فمُنِعَ على أثرها المزروعي من التدريس في المسجد الحرام فيما خضع العديد من أعضاء الجماعة للمراقبة الأمنية الشديدة(5). هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى أدّت إلى حدوث مواجهة مباشرة بين فقهاء الحنبلية وجماعة الإخوان السعودية، منها على سبيل المثال الامتناع عن ذكر عبارة

(الصلاة خير من النوم) في أذان الصّبح، واعتبار محراب المسجد بدعة، وجواز الصلاة بالنّعل، كلّ تلك المسائل ساهمت في إذكاء الخلاف وتشديده بين فقهاء الحنبلية وهذه

ص: 67


1- المصدر السابق، ص 41 و 42
2- لاكروا، ستیفان، ص 114 و 115
3- Miglietta, John P, American alliance policy in the Middle East, 1945 - 1992: Iran, Israel, and Saudi Arabia, Lexington Books, Oxford.2002, p276
4- الخمار، رائد، احتلال الحرم المكي في أول محرم 1400 ه جهيمان يعلن أنّ القحطاني هو المهدي المنتظر، القبس (الكويت)، 17 يناير 2010 م؛ 2 - صفر 1431 ه العدد 13160
5- الحزيمي، ناصر، ذكرياتي مع جهيمان العتيبي قائد المحتلين للمسجد الحرام، ص 320

الجماعة(1). وقبيل استيلاء جماعة جهيمان على الحرم المكيّ انشقّت الجماعة السلفية إلى فريقين، أحدهما معتدل بقيادة أبي بكر الجزائري، والثاني رادیکالي بقيادة جهيمان العتيبيّ(2). ويُذكر أنّ السبب في الخلاف الحاصل في الجماعة والذي أدّى إلى انشقاقها هو عمل بعض أعضائها كموظّفين في حكومة آل سعود وهو ما كان جهيمان يحرّمه(3). وخلال تلك الفترة شدّد جهيمان من انتقاداته للحكومة السعودية وشرعية حكم آل سعود، بل لم يستثن أحداً من حكّام الدول الإسلامية مدّعياً أنّ أيّاً منهم لم يحصل على بيعة الناس كما فعل الأصحاب مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(4).

وهكذا لم يسلم أحد من الانتقادات الشديدة والهجوم الناعم لهذه الجماعة الراديكالية، بدءاً بالعائلة المالكة السعودية ومروراً بعلماء الدين ومسؤولي المراكز الدينية في المملكة العربية السعودية وانتهاءً ببعض الجماعات الإسلامية ومنها الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ(5) والشيعة. على سبيل المثال كتب جهيمان عن الشيعة يقول: «هل سمعتم حتى الآن أنّ أحداً في الإسلام استلم الزكاة من الروافض أو خصّص لهم الإعانات واعتبرهم من الرعايا كما يجري التعامل معهم اليوم في الجنوب والأحساء؟»(6)، وتشير هذه الفقرة بوضوح إلى الجذور البدوية والإخوانية لجهيمان العتيبيّ. لقد تحدّثنا قبل هذا عن خطاب ابن غنّام وقلنا أنّ الإخوان السلفيين قد تبّنوه ما أجبر الملك عبد العزيز في النهاية على إقصائه. ومن أهمّ العناصر التي يتألّف منها خطاب ابن غنّام قوله أنّ الوهابيين هم المسلمون الحقيقيون فقط وأنّ بقيّة المسلمين وخصوصاً الشيعة خارجون عن دائرة

ص: 68


1- المصدر السابق، ص 321
2- النقيدان، منصور، السلفيون أهل الحديث (دراسة في فكر المحتلين للمسجد الحرام)، ص 59 و 60
3- الحزيمي، ناصر، ذكرياتي مع جهيمان العتيبي قائد المحتلين للمسجد الحرام، ص 322
4- النقيدان، منصور، السلفيون أهل الحديث (دراسة في فكر المحتلين للمسجد الحرام)، ص 62
5- تأسست (جماعة التبليغ) في شبه القارة الهندية بهدف نشر التقوى والهداية في تلك البلاد واستطاعت جذب الكثير من الأتباع والموالين لها في جزيرة العرب خلال السبعينيات من القرن المنصرم فتوسّعت بشكل مُلفت للنظر. وأمّا الفرق بين جماعة التبليغ في السعودية وجماعة التبليغ الأمّ في الهند هو تعصّب الجماعة السعودية والتزامها الصارم بالتعاليم الوهابية واعتبار الإيمان بالعقيدة الوهابية شرطاً للانتماء إليها. (لاكروا، ستيفان، ص 106)
6- النقيدان، منصور، السلفيون أهل الحديث (دراسة في فكر المحتلين للمسجد الحرام)، ص 66

الإسلام، وهو ما تؤكّده أيضاً الفقرة المذكورة من كلام جهيمان، كما ينتقد خطاب ابن غنّام اعتراف آل سعود بالأقلية الشيعية كمواطنين سعوديين وكجزء من مكونّات المجتمع السعوديّ. والمثير في الأمر أنّه على الرّغم من كلّ الكلام الذي ذكرنا، فإنّ المعارضين الشيعة في السعودية في تلك الأيام والذين كانوا يعملون في منظمة الثورة الإسلامية في جزيرة العرب أعربوا عن مساندتهم لجهيمان في قضية الاستيلاء على الحرم المكيّ

واعتبروه شهيداً(1).

جهيمان العتيبي وأبو محمّد المقدسيّ

إنّ حضور الشابّ عصام البرقاويّ (الملقّب بأبي محمّد المقدسيّ)(2) كواحد من المنظّرين المعاصرين للسلفية الجهادية والأب الروحيّ للإرهابيّ الأردنيّ المقبور (أبو مصعب الزّرقاويّ) الذي ترأس تنظیم القاعدة في بلاد الرافدين في العراق(3)، أقول إنّ حضور البرقاوي ضمن جماعة جهيمان(4) ومواصلة الأول لنهج الثاني يشير إلى وجود علاقة وثيقة بين حادثة الحرم المكيّ وبين ما نشهده في السنوات الأخيرة من نشاطات لتنظيم القاعدة أو السلفية الجهادية. يعتقد بعض الخبراء أنّ المقدسي هو الوريث الشرعيّ لآراء جهيمان وتعاليمه(5).

يعود أصل المقدسيّ إلى مدينة برقة من أعمال نابلس في فلسطين، وُلد لأبوين أردنيّين من أصل فلسطينيّ وترعرع في الكويت وهناك تأثّر بالجماعة السلفية المحتسبة وجهيمان

ص: 69


1- من فكر الشهيد جهيمان العتيبي، الثورة الإسلامية، العدد 39، شوال 1403 ه يوليو، 1983 م، ص 18.(قام مؤلّف المقالة بالبحث في الموضوع المذكور بالتفصيل وذلك في أطروحة الدكتوراه التي قدّمها بعنوان «جامعه شیعیان عربستان از 1960 تا 2010 میلادی»)
2- هو أبو محمد عاصم بن محمد بن طاهر الحافي العتيبي البرقاوي أو كما يلقب ب (أبو محمد المقدسي) أردني من أصل فلسطيني، يعتبر من أبرز منظّري تيار ما يُسمّى "السلفية الجهادية". اشتهر بسبب نشره لكتاب يكفّر الدولة السعودية؛ قامت السلطات الأردنية بسجنه مرات كثيرة بسبب آرائه واعتُبِر أستاذ أبي مصعب الزرقاوي عندما كانا في السجن
3- Jean - Charles Brisard with Damien Martinez, Zarqawi the new face of Al - Qaeda .polity Press, Cambridge 2005, P128,129
4- النقيدان، منصور، السلفيون أهل الحديث (دراسة في فكر المحتلين للمسجد الحرام)، ص 34
5- هيغهامر، ص 59

العتيبيّ، سافر المقدسيّ إلى أفغانستان إبّان فترة الجهاد ضد الروس ونشر في عام (1984 م) كتابه المعروف (ملّة إبراهيم) بالاستناد إلى آراء وفتاوی علماء الوهابية في القرن التاسع عشر(1)، حيثُ يُعدّ برأي البعض تحوّلاً في المسيرة الجهاديّة، فيما يرى البعض الآخر أنّه يمكن مقارنة كتاب المقدسيّ بكتاب (معالم في الطريق) لسيّد قطب من حيث أسلوب کتابته وتأثيره على آراء السلفية الجهادية(2) وأنّ رؤيته في تكفير الدّول والحكومات والإيمان بوجود مجتمعات جاهلية جديدة مأخوذ عن سيّد قطب وهو كما يدّعي البعض أمر مستحدث في الجماعة السلفية(3). في ثمانينات القرن العشرين استقرّ المقدسيّ في مدينة پیشاور في الباكستان، وفي النصف الثاني من نفس العقد اعتُبِر أحد المنظّرين للجهاد في أفغانستان(4). في منتصف التسعينات عاد إلى الأردن وسُجن فيها عدّة مرّات. يُعتبر المقدسي اليوم أحد الزعماء الرئيسيين في الجماعة الجهادية السلفية، ويُذكر أنّه كان يوقّع على بعض كتبه باسم (أبو محمد عصام بن طاهر البرقاوي الحافي العُتيبي المقدسيّ)(5) ما يدلّ على أنّ المقدسيّ كان متأثّراً بجهيمان العتيبيّ الذي كان ينتمي إلى قبيلة (العُتيبة). ويرى بعض الكُتّاب أنّ كتاب المقدسيّ (ملّة إبراهيم) هو حاشية على كتاب جهيمان(6). وفي الفترة التي كان مطارداً من قِبل السلطات السعودية، کتب جهيمان العتيبيّ رسالة موجزة بعنوان (رَفع

ص: 70


1- المملكة العربية السعودية: من هم الإسلاميون؟، 21 أيلول 2004 م، التقرير رقم 31 للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (الشرق الأوسط)، عمان / الرياض / بروکسل، ص 6
2- الذايدي، مشاري، أبو محمد المقدسي.. رحلة فكر يبذر التعصب ويحصد الدماء، الشرق الأوسط، الخميس 1 / جمادی الثاني 1426 ه 7 يوليو 2005 م، العدد 9718 http://www.aawsat.com/details.asp?issueno=9532article=310381
3- الغنامي، خالد، التكفير ملة واحدة، الوطن السعودية، الإثنين 14 مایو 2007 م، نقلاً عن: http://www.elaph.com/Web/NewsPapers/2007/5/233504.htm
4- المملكة العربية السعودية: من هم الإسلاميون؟، ص 6
5- الذايدي، مشاري، أبو محمد المقدسي.. رحلة فكر يبذر التعصّب ويحصد الدّماء، الشرق الأوسط، الخميس 1 / جمادی الثاني 1426 ه 7 يوليو 2005 م، العدد 9718
6- لقاء مع منصور النقيدان حول أبو محمد المقدسي أجراه الباحث الهولندي Joas Wagemakers مع منصور النقيدان لإعداد أطروحة حول أبو محمد المقدسي، بتاریخ 6 ديسمبر 2008 م. http://alnogaidan.com/joas - wagemakers - 6-2008/

الالتباس عن ملّة من جعله الله إماماً للنّاس) أكّد فيها على ضرورة الاقتداء بنموذج ملّة إبراهيم علیه السلام المذكور في القرآن الكريم(1) مُعتبراً أنّ الحكومة السعودية لا تشبه ذلك النموذج الإبراهيميّ ما دفعه إلى مطالبة رفاقه بالاستقالة من مناصبهم الحكومية بحجّة أنّ الحكومة لا تعمل وفقاً للشريعة الإسلامية. وقد واصل أبو محمّد المقدسيّ بعد ذلك اهتمامه بمبدأ ملّة إبراهيم، وألّف (ملّة إبراهيم) كتتمة لأفكار جهيمان(2)، إلّا أنّ المقدسيّ ذهب في كتابه المذكور إلى أبعد ممّا ذهب إليه العتيبيّ في آرائه حيث وصل إلى مرحلة الحكومات. ويعتبر بعض الخبراء أنّ حركة جهيمان أدّت إلى ظهور الجماعة الجهادية السلفية وأنّ هذه الحركة هي المرحلة الأولى لظهور تلك الجماعة(3). فيما يعتقد البعض الآخر أنّ البرقاويّ عمل على تضخيم النقاط الراديكالية الاستقطابية الموجودة في آراء جهيمان والتي تؤول بالنتيجة إلى تكفير الأنظمة(4). وأمّا منصور النقيدان - الخبير في شؤون السلفية الجهادية وأحد الأعضاء السابقين في الجماعات المتطرّفة - فقد ذهب بعيداً فيما يتعلّق بالعلاقة بين المقدسي وسيد قطب والسلفية الجهادية عندما قال أنّ سيّد قطب لم يكن له أيّ تأثير مباشر على التكفيريين أو الجهاديين بل كان تأثيره المباشر على أبي محمّد المقدسيّ، وقام الأخير بإدخال آراء سیّد قطب في إيديولوجية السلفية الجهادية(5)، على الرغم من أنّ بعض الشكوك تحوم حول هذا الزعم إلّا أنّ المقام يضيق لتفصيل البحث فيه. لكنّ المقدسيّ بطبيعة الحال كان قد صرّح في كتاب له بعنوان (الكواشف الجليّة في تكفير الدولة السعودية) أنّ جهيمان وعلى الرغم من كلّ ما قام به كان يعتبر بعض الحكومات ومنها الحكومة السعودية حكومات مسلمة ولم يصدر عنه أيّ تكفير بشأنها(6).

ص: 71


1- لاكروا، ستيفان، ص 131
2- Meijer, Roel, Global Salafísm: Islam's new religious movement, Columbia University Press, New York, 2009.p438
3- الذايدي، مشاري، ربع قرن على حركة جهيمان... ماذا بقي وماذا فني؟ (2/2)، الشرق الأوسط (لندن)، العدد 9220، 5 محرم 1425 ه 25 فبرایر 2004
4- لاكروا، ستيفان، ص 137
5- لقاء مع منصور النقيدان حول أبو محمد المقدسي
6- هيغهامر، ص 60

وبعد فشل حركة جهيمان في الحرم المكيّ انقسم تيار أهل الحديث إلى عدّة أقطاب ومحاور وكانت الجماعة التي تُسمّى أحياناً أهل الحديث الثوريين والاسم الذي تُعرف به رسمياً هو (أهل الحديث الرّفضيين) أو (الرّافضين) هي الوحيدة التي ظلّت وفية لأفكار

جهيمان ومؤمنة بآرائه عدا معتقداته في المهدوية. في الحقيقة لقد اعترفت هذه الجماعة التي سُمیت بالرّافضة بمشروعية حكم آل سعود ولهذا انفصلت عن المجتمع واعتزلته وفضّل بعض أفرادها السكن في البراري والاستقرار في الفلوات. وكانت هذه الجماعة ترفض أيّ نوع من التعامل مع الحكومة ما دفعها إلى مزاولة مهنة التجارة مستندة إلى أنّ الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم كان يزاولها. بعد ذلك انضمّ عضوان من أعضاء هذه الجماعة وهما (سعود العُتيبي) و (سعود القحطانيّ) إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (فرع العربية السعودية)(1)، وفي فترة التسعينات اعتنق الكثير منهم فكر أبي محمّد المقدسيّ لقربه من فکر جهيمان العُتيبي. ويُذكَر أنّ المقدسيّ وفي بداية تردّده على الجماعة السلفية المحتسبة بدأت تنتابه مشاعر الكراهية الشديدة تجاه آل سعود ما دفعه إلى تأليف كتابه المُسمّى (الكواشف الجليّة في تكفير الدولة السعودية) وفيه قارن المقدسيّ بين الوضع القائم في المملكة السعودية وبين مفهوم (ملّة إبراهيم) الذي كان أثيراً لدي جهيمان(2). وتجدر الإشارة إلى أنّ الكتاب المذكور لاقى رواجاً كبيرة داخل المملكة وترک تأثيرات كثيرة على التيارات السلفية المختلفة استمرّت حتى وقتنا الحاضر(3). في ربيع عام (1990 م) قام أبو محمّد المقدسي بزيارة منطقة (بريدة) في المملكة العربية السعودية والتقى بالأحياء الباقين بعد حادثة جهيمان(4).

ملّة إبراهيم

لا بأس هنا من إلقاء نظرة عابرة على مضمون كتابين مهمّين أحدهما (رفع الالتباس عن ملّة مَن جعله الله إماماً للناس) لجهيمان العتيبي والآخر (ملّة إبراهيم) لأبي محمّد المقدسيّ، ويتناول الكتابان موضوع (ملّة إبراهيم)، ثمّ نقارن بينهما.

ص: 72


1- لاكروا، ستيفان، ص 136
2- المصدر السابق، ص 137 و 138
3- النقيدان، منصور، المقدسي في بريدة، الإتحاد، الإثنين 3 / مارس 2014
4- المصدر السابق

مبدأ البراءة

يُعتبر موضوع البراءة من أهمّ المفاهيم التي يتضمّنها كلا الكتابين حيث ينتقد جهيمان العتيبي في رسالته التحفّظ الذي يُبديه البعض لا سيّما العلماء إزاء مبدأ البراءة من المشركين وخشيتهم من تطبيقه(1)، وأمّا المقدسيّ فيبدأ رسالته (ملّة إبراهيم) بفصل حول البراءة يعلن فيه صراحةً براءته من الطغاة والأنظمة الحاكمة الظالمة عبر التاريخ وكلّ من بدافع عنهم من العلماء(2). ويشير المقدسيّ في رسالته المذكورة إلى مسألة البراءة التي سمّاها جهيمان ب (التبرؤ من المشركين وإظهار عداوتهم والصدع بالحقّ)(3) بينما يعبّر في موضع آخر عن ارتباطه بالنبي إبراهيم علیه السلام وبملّة إبراهيم(4) تحت عبارة (الصدع بالتوحيد والبراءة من الشرك والتنديد)(5) مستنداً في ذلك إلى الآية الشريفة: «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ»(6). وهكذا، يردّ المقدسيّ على الانتقادات الموجّهة للطبعة الأولى من رسالته بالقول: «تفيد النصوص الكثيرة والصريحة بأنّ سيرة النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم وأصل دعوته كانت البراءة من الكفّار وأوثانهم الزائفة وشرائعهم الباطلة وهي عين سيرة النبي إبراهيم علیه السلام ...»(7) كما يستند المقدسيّ أيضاً إلى عدد آخر من الآيات القرآنية لتوثيق براءة إبراهيم علی السلام، منها قوله تعالى: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ»(8). ويبدو أنّ الهاجس الأكبر لكلتا الرسالتين هو التأكيد على براءة سيّدنا إبراهيم علیه السلام من المشركين من جهة، والتأكيد على

ص: 73


1- العتيبي، جهيمان بن محمد، رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماماً للناس، موقع منبر التوحيد والجهاد :http www.tawhed.ws //، ص 3
2- المقدسي، أبو محمد عاصم، ملّة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين وأساليب الطغاة في تمييعها وصرف الدعاة عنها، موقع منبر التوحيد والجهاد، http://www.tawhed.ws ص 1
3- العتيبي، رفع الالتباس، ص 3
4- المقدسي، ملة إبراهيم، ص 6
5- المقدسي، ملة إبراهيم، ص 8
6- سورة الممتحنة، الآية 4
7- المصدر السابق، ص 7
8- سورة الزخرف، الآيتان 26 و 27

وحدة السيرة والنهج ل«ملّة إبراهيم» والرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم من جهة أخرى، وكذا، انتقاد أولئك الذين يتحفّظون من تطبيق مبدأ البراءة لأسباب تتعلّق بمسؤوليتهم في الحكومة أو الخوف على أرواحهم وأموالهم أو حتى الخوف على المسلمين.

بعد المقدّمة نقرأ في كلتا الرسالتين فصلاً بعنوان (فصل في بيان ملة إبراهيم) يبيّن فيه الكاتبان معنى (ملّة إبراهيم) والمقصود بها، وتضمّ الرسالتان - رسالة جهيمان ورسالة المقدسيّ - معیارین لمفهوم (ملّة إبراهيم) هما: الإخلاص في العبادة والبراءة من الشّرك، فجهيمان يعبّر عن ذلك بقوله: «1- إخلاص العبادة لله وحده 2- التبرؤ من الشرك وأهله وإظهار العداوة لهم»(1) وأمّا المقدسيّ فيقول: «إخلاص العبادة لله وحده بكلّ ما تحويه كلمة العبادة من معانٍ والبراءة من الشرك وأهله»(2). ويستمرّ المقدسيّ في تفسيره للمعيارين مُقتبساً ذلك عن محمّد بن عبد الوهاب قائلاً:

«يقول الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: أصل دین الإسلام وقاعدته أمران: الأوّل الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من ترکه، الثاني الإنذار عن

الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله»(3).

ومن الأمور الأخرى التي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار عند مقارنة رسالتَي جهيمان والمقدسيّ تحديد من الذي ينبغي البراءة منه والتغليظ في مُعاداته، هل هم الكفار والمشركون المعروفون، أي غير المسلمين المحاربين أم إنّ المسلمين أيضاً مشمولون بهذا التصنيف؟ إجمالاً يمكن القول أنّ جهيمان والمقدسيّ قد أدخلا المسلمين كذلك في جماعة الكفار والمشركين، لكن من الواضح أنّ كلاً منهما لا يقدّم تعريفاً جامعاً و کاملاً عن هؤلاء، فعلى الرغم من كلام المقدسيّ عن أنواع الكفر والطوائف ومختلف الجماعات الكافرة إلّا أنّه في النهاية لا يُعطي تعريفاً دقيقاً لذلك(4)؛ بيد أنّ القاسم المشترك

ص: 74


1- العتيبي، رفع الالتباس، ص 5
2- المقدسي، ملة إبراهيم، ص 13 و 14
3- المصدر السابق، ص 14
4- المصدر السابق، ص 16

في الرسالتين هو انتقاد صاحبيهما للتعريف الذي قدّمه أقرانهما من الدّعاة حول الكفر والشّرك.

ويقسّم جهيمان العتيبي في رسالته الدّعاة الذين لم يُراعوا الأولوية في مسألة إطلاق الكفر والشرك إلى عدّة جماعات، الجماعة الأولى الدّعاة الذين يعتبرون أساس الدين محاربة القبوريين والصوفية وأهل البِدَع، والجماعة الثانية أولئك الذين يكرّرون ما قالته الجماعة الأولى إلّا أنّهم يتّصفون بشيء من التعصب الدينيّ الأعمى؛ وأمّا الجماعة الثالثة. بحسب رأي جهيمان - فهم الدّعاة الذين يكرّسون جهودهم لمواجهة الشيوعية والماركسية وإثبات وجود الله سبحانه والذين يصبّون جلّ اهتمامهم على اعتلاء المناصب الحكومية المهمّة للوصول إلى السلطة والقدرة. هذا بالإضافة إلى جماعات أخرى لم يأت جهيمان على ذكرها لجهلها على حدّ قوله. ويتابع جهيمان كلامه مؤكّداً على صحّة عقيدة هؤلاء الدّعاة حول الكفر والشّرك لكنّه ينتقدهم لعدم مُراعاتهم الأولويات، معتبراً أن عليهم الوقوف بوجه أصحاب السلطة الذين عملوا على تخريب الدين وهدم أركانه بدلاً من مواجهتهم للكفّار والمشركين أو المرتدّين الذين لا يملكون أيّ سلطة تُذكر(1).

ويتناول المقدسيّ كذلك هذه المسألة في الفصل الأوّل من رسالته، والملفت أنّه يأتي على ذكر جهيمان في هذا الفصل. وفي موضع آخر من رسالته يرى المقدسيّ أنّ الطواغيت أحياناً يقيمون للإسلام مؤتمرات كبرى ويتحدّثون عنه في الكتب والمجلات ويؤسسون له المعاهد والجامعات، لكنّه إسلام منحرف مقصوص الجناحين وبعيد كلّ البعد عن مسألة الموالاة والبراءة، وإظهار العداوة والحرب الأعداء الدين ومناهجهم الباطلة، ويواصل حديثه فيذكر العربية السعودية كمثال بارز على ذلك ويقول إننا نشاهد هذا بوضوح في الدولة المسمّاة «السعودية» التي تشجّع الناس على التوحيد ومطالعة كتب التوحيد وتسمح للعلماء بمحاربة القبور والصوفية والتوسّل بالأشجار والأحجار... وغير ذلك ممّا لا يُخشى ضرره أو يؤثّر سلباً على سياساتها الخارجية والداخلية...» ثمّ يُضيف

ص: 75


1- العتيبي، رفع الالتباس، ص 6 و 7

قائلاً: «وما دام هذا التوحيد المجزّأ الناقص بعيداً عن السلاطين وعروشهم الكافرة فإنّه يحظى بدعمهم ومباركتهم وتشجيعهم». وهنا يذكر المقدسي اسم جهيمان بقوله:

«وإلّا فأين كتابات جهيمان رحمه الله تعالى وأمثاله التي تجسّد التوحيد، لماذا لم تدعمها الحكومة وتشجّع الناس على مطالعتها، فإذا كان السبب هو تكفير الحكومة، فإنّ جهيمان لم يكفّرها في تلك الكتابات، أم أنّه توحيد يخالف أمزجة الطغاة وأهوائهم؟ توحید سیاسي يتناول ويتعرّض لمسألة الولاء والبراء والبيعة والإمارة؟ راجع كلامه في رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من رسائله السّبع فقد وجدته رحمه الله تعالی متبصّراً في هذه القضية»(1).

البراءة والهويّة

ومن المسائل الأخرى التي يمكن ملاحظتها في رسالة كلّ من جهيمان العتيبي وأبي محمّد المقدسيّ هي أنّ مسألة البراءة عندهم تُمثّل أمراً يتعلّق بالهويّة، أي إنّه عن طريق البراءة وإظهار العداوة لأعداء الله والكفّار والمشركين تتمايز الذات باعتبار ذلك ركناً من أركان الهوية؛ ويکتب جهيمان في موضع من رسالته قائلاً:

«إنّ من صفات الفرقة الناجية التي ذكرها النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم أنّها تُظهر الحقّ ولا تخفيه، والرسول صلی الله علیه و آله وسلم أيضاً مُظهراً لدعوته مجاهراً بدينه مصرّحاً بمُعاداة الكفّار والتبرّؤ منهم ... هذه هي ملّة إبراهيم علیه السلام ولذلك أوذي أصحابه واُخرِجوا من ديارهم... أمّا أنتم (وعاظ السلاطين والمحافظين) فستظلّون موظفين ودُعاة ومدرّسين وجنوداً وخبراء.. إلخ. فلو أنّكم أقمتم مبدأ العداوة وأجهرتم بالبراءة منهم لنبذوکم و آذوكم أشدّ الإيذاء وحرموكم من تقلّد المناصب، بل لأخرجوكم وقتلوا خياركم كما حصل للنبيّ صلی الله علیه و آله وسلم وأصحابه، فعلى ذلك قامت

ص: 76


1- المقدسي، ملة إبراهيم، ص 16

دعوتهم»(1). وفي كلام مُشابه يقول المقدسيّ: «وقد يظنّ ظان أنّ ملّة إبراهيم هذه تتحقّق في زماننا هذا بدراسة التوحيد ومعرفة أقسامه وأنواعه الثلاثة معرفة نظرية وحسب... مع السكوت عن أهل الباطل وعدم إعلان وإظهار البراءة من باطلهم. فلمثل هؤلاء نقول: لو أنّ إبراهيم اكتفى بالتوحيد النظري ولم يرد إلى التوحيد العملي ويتبرأ من

عقائد المشركين لَما ألقاه قومه في النار»(2).

وفي مواضع أخرى من رسالته يعتبر المقدسيّ أنّ ملّة إبراهيم تُمثّل أصل الدين منتقداً أولئك الذين يظنّون أنّ ملّة إبراهيم هي آخر مرحلة من مراحل الدين بقوله: «وها هنا شبهة يطرحها كثير من المتسرّعين، وهي قولهم إنّ ملّة إبراهيم هذه إنّما هي مرحلة أخيرة من مراحل الدعوة... بل ينبغي أن لا يبدأ إلّا بها لأنّ ذلك هو تماماً ما تحويه كلمة (لا إله إلّا الله) من النّفي والإثبات وهو أصل الدين وقطب الرّحى في دعوة الأنبياء والمرسلين»(3).

وفي مكان آخر يشير المقدسيّ في رسالته (ملّة إبراهيم) إلى موضوع خلق الهويّة لمسألة البراءة فيوجّه سؤاله إلى المنتقدین لمبدأ البراءة قائلاً:

«فيلزم هذه الدّعوات ولا بدّ التأسّي بنبيّها في اتّباع ملّة إبراهيم بتسفيه قدر هذه الدساتير وتلك القوانين وذكر نقائصها للناس وإبداء الكفر بها وإظهار وإعلان العداوة لها ودعوة الناس إلى ذلك... وإلّا فمتى يظهر الحقّ وكيف يعرف الناس دينهم حقّ المعرفة ويميزون الحقّ من الباطل والعدوّ من الوليّ»(4). ثمّ يستمرّ المقدسيّ في كلامه قائلاً: «ولعلّ الغالبية يتعذرون بمصلحة الدعوة وبالفتنة... وأيّ فتنة أعظم من كتمان التوحيد والتلبيس على الناس في دينهم وأيّ مصلحة أعظم من إقامة ملّة إبراهيم وإظهار الموالاة لدين الله والمعاداة للطواغيت التي تُعبد

ص: 77


1- العتيبي، رفع الالتباس، ص 12 و 13
2- المقدسي، ملة إبراهيم، ص 14 و 15
3- المصدر السابق، ص 21
4- المصدر السابق، ص 23

ویُدان لها من دون الله، وإذا لم يُبتل المسلمون لأجل ذلك وإذا لم

تقدّم التضحيات في سبيله فلأيّ شيء إذاً يكون البلاء؟»(1).

والخشية من الوقوع في الفتنة هي من العوامل التي تمنع الدعاة من إعلان العداوة وإظهار البراءة من المشركين والكافرين، وهو ما أكّد عليه المقدسيّ في السطور السابقة وكذلك جهيمان في رسالته(2).

البراءة والدّعوة

تكرّر الحديث مرات عديدة في كلتا الرسالتين عن الدّعوة والدّعاة وأولئك الذين يقومون بتبليغ التعاليم الدينية وتمّ نَقدهم بشدّة خصوصاً الدّعاة الذين يتحفّظون ويلتزمون الصّمت إزاء مسألة البراءة واتّهامهم بالارتباط بأنظمة الطاغوت وأنّ هدفهم الوحيد هو الحصول على المناصب الحكومية العليا. ولا ريب في أنّ تركيز الحديث على الدّعاة المحافظين الموالين لأنظمة الطاغوت يشير إلى أنّ انتقاد هؤلاء الدّعاة بل والهجوم عليهم بشدّة يُمثّل أهمّ الأهداف التي سعي مؤلّفا الرسالتين إلى تحقيقها وهو ما دفع جهيمان مثلاً إلى إفراد فصل کامل حول هذا الموضوع أسماه (فصل في بيان أن قيام الدين لا يكون بالمداهنة والسكوت بل بالصدع بالحق والصبر على الأذي)(3). وبدوره، لم يغفل المقدسيّ أيضاً عن الإشارة في الكثير من فصول رسالته إلى انتقاد أولئك الدّعاة والهجوم عليهم، ويمكن من خلال إلقاء نظرة عابرة على فهرست رسالته الاستنتاج أنّ المقدسيّ كسلفه جهيمان العتيبيّ كان قد وضع على رأس أهدافه مسألة انتقاد الدّعاة والمبلّغين الدينيين الذي اتّهمهم بموالاة الحكومة. ومن بين الموضوعات الأخرى التي تطرّق إليها المقدسيّ وأوردها في فهرس رسالته وتناول فيها الدّعاة أو أمر الدعوة بشكل مباشر هي: (هاوية مصلحة الدعوة أو خديعة إبليس)، (شبهة: أنّ ملة إبراهيم هذه تفضح الدعوة وتنافي السرية)، (أعظم نصر للدين

ص: 78


1- المصدر السابق
2- أنظر: العتيبي، رفع الالتباس، ص 8
3- المصدر السابق

إعلان ملة إبراهيم ولو لم تقم الدولة وأبيد الدعاة جميعاً فما الدولة الاسلامية إلّا وسيلة لإعلاء هذه الملة وإعلانها)، (إذا صدع بعض الدعاة بهذه الملة وأعلنوها، رُخّص لغيرهم ترك الصدع بها)، (الفرق بين مخادعة الكفار أثناء المواجهة لنصر الدين وبين انحرافات كثير من الدعاة)، (انحراف كثير من الدعاة في هذا الزمان عن ملة إبراهيم)، (العزلة خير وأفضل من الدعوة المنحرفة عن طريق المرسلین)، (العابد المعتزل خير من الداعية المداهن الملبس)، ( إلى المنحرفين عن دعوة المرسلين ممن يتشدّقون بكلام سيد قطب)، (الطغاة يتمنون أن ينحرف الدعاة عن ملة ابراهيم إلى المداهنة)، (محاولات الطغاة لحرف الدعاة عن هذه الطريق)، (البرلمانات ومجالس الأمة الشركية وجرّ الدعاة إليها)، (استغلال كثير من العلماء والدعاة واستغفالهم وتجنيدهم لمحاربة أعداء الطواغیت)، (إشغالهم في مؤسسات الضرار الحكومية کرابطة العالم الإسلامي ووزارات الأوقاف والمعاهد والإذاعات وهيئات الأمر

بالمعروف واستغلال ذلك لصالح الطغاة وحكوماتهم)، (متى يصحوا الدعاة؟؟؟ ومتى تنتهي الغفلات؟؟؟)(1).

وبالنظر إلى الموضوعات الواردة في فهرس رسالة المقدسيّ والتي تشكّل الجزء الأعظم منها، يمكن القول أنّ رسالة المقدسيّ لا تختلف كثيراً عن رسالة جهيمان من حيث أنّ هدفها الرئيسيّ هو نقد الدّعاة والمبلّغين، لا سيّما وأنّ المقدسيّ يشير في بداية رسالته وفي مواضع أخرى كثيرة منها إلى أنّ نظريته المتمثّلة في ملّة إبراهيم قد تعرّضت للنقد من قبل الدّعاة والمبلغين وعلماء الدين أكثر من غيرهم.

واستناداً إلى ما قلناه نستطيع الجزم أنّ نظرية (ملّة إبراهيم) للمقدسيّ قد تأثّرت كثيراً برسالة جهيمان خاصّة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تأخّرها الزمنيّ عن رسالة جهيمان والتأثير الذي خلّفه هذا الأخير على أبي محمّد المقدسيّ بالإضافة إلى الشبه الكبير الموجود بين نصّ الرسالتين، ما يدلّ على تأثير آراء جهيمان وأفكاره ونظريّاته على تیّار السلفية الجهادية في الوقت الحاضر.

ص: 79


1- المقدسي، ملة إبراهيم، ص 73 إلى 76

تأثیر جهيمان العتيبي على الكويت

ذكرنا قبل هذا أنّ أبي محمّد المقدسيّ تأثّر بآراء جهيمان أثناء لقائهما في الكويت حيث لاقت آراء جهيمان وأفكاره رواجاً وترحيباً كبيرين في الكويت. وجدير بالذكر أنّ منشورات (دار الطليعة) في الكويت ذات التوجهات اليسارية، قامت بطبع ونشر الرسائل المتعلقة بجماعة جهيمان مجاناً وذلك في الفترة التي سبقت حادثة الاستيلاء على الحرم المكيّ، ما ساعد على توسيع الدائرة الدعائية للجماعة بشكل آخر(1). وقد ورد في بعض الوثائق والمستندات التي نُشرت حديثاً عن وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) والمصادر الاستخباراتية الأخرى أنّ جهيمان العتيبيّ نفسه كان قد قضى فترة من الوقت في الكويت(2). والحقيقة إنّ بعض التيارات الإسلامية في الكويت أبدت دعمها ومساندتها لجهيمان و آرائه، ويمكننا الإشارة هنا إلى (عبد الله النفيسي) وهو شخصية معروفة في الكويت وسیاسيّ متقلّب المزاج(3)، كأحد أهمّ الشخصيات التي اجتذبتها شخصية جهيمان وأفكاره(4). والنفيسي حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من بريطانيا وكان يشغل منصب أستاذ في العلوم السياسية في جامعات الكويت، ويُعتبر شخصية مثيرة في أوساط نخب الفكر السياسي في دول الخليج، بالإضافة إلى أنّه عُرِف بتقلّب المزاج وتغيير مواقفه باستمرار من كونه يسارياً متصلّباً إلى اعتناقه أفكار التيارات الإسلامية وغير ذلك. ومن الأمور المثيرة للانتباه في تلك الفترة قيام التيارات اليسارية بالدعاية لآراء جهيمان والدّعوة إليها إذ يبدو أنّ العداء الذي كان مستفحلاً بين تلك التيارات وبين ما كانت تسمّيه «الرّجعية»، حيث كان حكم آل سعود يمثّل رمز الرجعية العربية والعدوّ الأكبر لانتشار المدّ اليساريّ في العالم العربي، قد انصبّ في صالح جهيمان باعتبار أنّ

ص: 80


1- النقيدان، منصور، السلفيون أهل الحديث (دراسة في فكر المحتلين للمسجد الحرام)، ص 64
2- المجلة، 21 نوفمبر 2009 م، http://www.majalla.com/arb/2009/11/article5511029
3- العميم، علي، عبد الله النفيسي: الرجل.. الفكرة.. التقلبات، المجلة (لندن)، العدد 1256، 3 - 2004/10/9 ، 19 - 25 شعبان 1425ه صص 19 - 31
4- النقيدان، منصور، أخوان المسلمون في الإمارات: التمدّد والانحسار، الإخوان المسلمون في الخليج، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، 2011، ص 58

الرجعية كانت العدو المشترك لهما، هذا على الرغم من أنّ البعض ينزع بنحوٍ ما إلى القول بأنّ العلاقة الوثيقة التي كانت تربط حركة جهيمان بالتيار اليساريّ الذي كانت تنتمي إليه

(دار الطليعة) إنّما نشأت بوساطة عبد الله النفيسيّ(1). وقد تحدّث الأخير عن حركة جهيمان العتيبيّ وتطرّق إلى أهميّتها قائلاً:

«إنّ جماعة تقدّر بمئات المواطنين تعمل بصمت لسنوات عديدة وتتدرّب على السلاح وتقوم بنشر مفاهيم آمنت بها وأفكار وعقائد ترسّخت في قلبها وتوزّع الكتب والنشرات على المواطنين في المدن المزدحمة والقرى النائية بل حتى في مضارب البادية في أعماق الصّحارى، ثمّ تتّخذ من الحرم الشريف قاعدة لها وتقاتل السلطة السياسية بقوّة السلاح لمدة نصف شهر، إنّ أمراً كهذا لا بدّ أن يكون نابعاً من جذور قويّة في بطن المجتمع ولا بدّ أنّه يمثّل هاجساً، وإنّه لِمن الابتذال أن نصف قضيّة هزّت الدنيا بأنّها هامشية و حمقاء. إنّ لهذه الظاهرة (جهيمان بن محمّد بن سيف العُتيبيّ وإخوته الأطهار الأبرار رحمهم الله وغفر لهم) والهواجس التي انطوت عليها جذوراً في القضايا الاجتماعية والدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية الواسعة وهي تمثّل قطاعاً عريضاً في المجتمع لكنّها تبلورت وتجسّدت في

هذه الفئة القليلة من الناس»(2). وهنا نلاحظ كيف يعتبر عبد الله النفيسيّ أنّ لحركة جهيمان جذوراً عميقة في القضايا الاجتماعية، وفي كتابه (عندما يحكم الإسلام) يشبّه عبد الله النفيسيّ جهيمان بسيّد قطب وأبي الأعلى المودوديّ والشوكانيّ وابن تيمية وابن قيّم الجوزية والماورديّ وغيرهم(3).

ص: 81


1- العميم، علي، عبد الله النفيسي: الرجل - الفكرة - التقلبات، سيرة غير تبجيلية، جداول للنشر والتوزيع، الطبعة الأولی، بیروت، 2012، ص 79
2- المصدر السابق، ص 128
3- «من دون أن أدخل في جدل مع تقريراته التي تعوزها بیّنات قويّة على ما يقول.. تعامل [النفيسي] مع جهيمان العتيبيّ بوصفه مرجعاً أصولياً وفقهياً مثله مثل آخرین تعامل معهم على هذا النحو کسيّد قطب وأبي الأعلى المودوديّ وعبد القادر عودة وعبد العزيز بن باز و سلیمان بن عبد الله بن محمّد بن عبد الوهاب والشوكانيّ وابن تيمية وابن قيّم الجوزية والماوردي... إلخ». (المصدر السابق، ص 128 و 129)

والجدير بالذكر أنّ عبد الله النفيسي بوصفه أحد المفكّرين الإخوانيين المقرّبين من فکر القاعدة يحظى بأتباع كثر لدرجة يرى البعض أنّه أصبح يتمتّع بشخصية كاريزماتية في بلدان الخليج العربية(1).

الجهاد في أفغانستان

ترتبط مسألة الجهاد في أفغانستان بحركة جهيمان العتيبي من وجوه عدّة منها حضور أتباعه في أفغانستان کأبي محمّد المقدسيّ، فالذين كانوا يساندون جهیمان ولو قلباً ذهبوا إلى أفغانستان بعد اندحار حرکته وفشلها لكي يُجرّبوا الجهاد هناک بشكل فعليّ. ويمكن الإشارة إلى عدد من أولئك الذين ذهبوا إلى أفغانستان مثل محمد أمير سلیمان صقر وهو أحد أعضاء الجماعة الإسلامية الذي سافر إلى السعودية وكان من المشاركين في عمليات جهيمان وبعد فشل عملية الاستيلاء على الحرم المكيّ التي دبّرها جهيمان وجماعته دخل السّجن ومكث فيه تسع سنوات، ثمّ بعد إطلاق سراحه سافر إلى (پیشاور) للمشاركة في العمليات الجهادية في أفغانستان(2). ويقول البعض أنّ (أسامة بن لادن) كان متأثّراً هو الآخر بجهيمان و آرائه وعمليّته في الاستيلاء على المسجد الحرام(3)، لكن لا يمكن تصوّر وجود علاقة عضوية بينهما بأيّ شكل من الأشكال لأنّ (بن لادن) كان شابّاً صغيراً في تلك الفترة وكان مُخالفاً لعملية جهيمان، لكنّه بعد سنوات عديدة وأثناء وجوده في أفغانستان اعتبر جهیمان مسلماً حقيقياً لم يرتكب أيّ ذنب يُذكر(4). ومهما يكن من أمر فإنّه لا يمكن إنكار

ص: 82


1- الرشيد، عبد الله، حكاية النفيسي "غير المبجل؛ وقلم العميم المدجج، المجلة، الجمعة، 2 مارس، 2012 http://www.majalla.com/arb/2012/03/article55232907
2- The Makkan Siege: In Defense of Juhaymān, p13 http://www.ahlu - sunnah.com/attachment.php?attachmentid=1667d=1280248308
3- Chalk,Peter.Encyclopedia of Terrorism.abc - clio, Santa Barbara, 2012, p121
4- دیاب، حازم، "التحول".. كيف دنّس المتمردون الحرم المكي.. وتضامن أسامة بن لادن معهم بعد ذلك؟ 4، شبكة الحرية الإخبارية http://www.hoorya.com/news/908239

وجود علاقة بين أسرة (بن لادن) وحادثة الاستيلاء على الحرم المكيّ فاستناداً إلى أقوال (محروس محمد بن لادن) أحد إخوة (أسامة بن لادن) فإنّه كان قد انجذب لآراء جهيمان وشارك في عملية الاستيلاء المذكورة، ولكن، مع استمرار عملية الاستيلاء ونظراً إلى أن شركة (بن لادن) كانت تتولّى في ذلك الوقت عمليات التوسعة في الحرم المكيّ فقد عمل محروس مع شركة (بن لادن) وتعاون مع قوّات الأمن ودعمها أثناء اقتحامها للحرم المكيّ وإنهائها لعملية الاستيلاء(1). وهناك الكثير من المسائل التي رافقت موضوع علاقة أسرة (بن لادن) بعملية الاستيلاء على المسجد الحرام لا يسعنا الإشارة إليها في هذه العجالة.

ولم تمض فترة طويلة على انتهاء عملية الاستيلاء على الحرم المكيّ حتى برزت مسألة احتلال أفغانستان على سطح الأحداث فكانت فرصة ذهبية لجميع أتباع جهيمان الأقربين والأبعدين ومنهم أبي محمّد المقدسيّ، للذهاب إلى أفغانستان وممارسة الجهاد

على حقيقته هناك. ومن هنا، كان للتحرّكات التي قامت بها الحكومة السعودية دوراً كبيراً بحيث لا يمكن فصلها عن حادثة الاستيلاء على الحرم المكيّ، إذ يرى البعض أنّ أسلوب الحكومة السعودية قد تغيّر بعد مقتل جهيمان العتيبيّ، لدرجة أنّ البعض قال

«نحن قتلنا جهيمان وصادرنا أفكاره»(2). والمقصود بهذا الكلام هو أنّ السلطات السعودية بدأت تهتمّ بشكل كبير بالتيارات الإسلامية بعد حادثة الحرم المكي بدلاً من قمعها أو اضطهاد أصحابها أو حتى التضييق عليها للحيلولة دون تكرارها، وكانت تدعم المؤسسات الدينية مالياً(3)، وكانت المسألة الأفغانية والاحتلال الروسيّ لأفغانستان أفضل فرصة للسعودية للتخلّص من الموالين لآراء جهيمان فقامت بتشجيعهم في كلّ أنحاء المملكة للذهاب إلى أفغانستان والجهاد فيها(4). وكانت حريّة انتقال الجهاديين السعوديين وذهابهم

ص: 83


1- Trofimov, Yaroslav, The Siege of Mecca: The 1979 Uprising at Islam's Holiest Shrine, Random House LLC,New York ,2008.p247
2- عدنان، أحمد، ص 32
3- المملكة العربية السعودية: من هم الإسلاميون؟، ص 3
4- Murad Makhmudov and Lee Jay Walker, Afghanistan, Iraq, Pakistan and Syria: Tokyo Times, US and Islamist policies creating daily instability, Modern NOVEMBER 6, 2012, https://islamicinquisition.wordpress.com/tag/juhayman - al - otaibi - and - islamism

وإيابهم وحريّة التبليغ في المملكة للجهاد في أفغانستان كبيرة وواسعة جداً بحيث لا يمكن مقارنتها بوضع الأفغان العرب في مصر أو سورية أو بعض الأقطار الإسلامية الأخرى، فلم تضع السلطات السعودية أيّ قيود أو مضايقات في طريق أولئك الجهاديين

على الإطلاق كما هو الحال مع سورية ومصر حيث لم يكن بإمكان الأفغان العرب في الدولتين الأخيرتين الرجوع إلى بلدانهم(1). وتجدر الإشارة إلى أنّ المنهج الذي اتّبعته السلطات السعودية مع التيارات المتطرّفة لم يقتصر على تلك الفترة (أي فترة الجهاد في أفغانستان) بل استمرّ إلى الفترات اللاحقة كذلك وخصوصاً بعد احتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين عام (2003م) وكذلك بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت في سورية وتعاظم قدرة الجماعات التكفيرية فيها، لكن لا ينبغي لأحد اعتبار الأسلوب الذي كانت السعودية تتّبعه تبسيطاً لآليات دعم الإرهاب والتطرّف المتّبعة من قبل هذه الدولة، بل إنّ هذا الدعم يدخل ضمن شبكة معقدة من العلاقات الثقافية والاجتماعية والفكرية والسياسية، لذا فإنّ دراستها ينطوي على أهمية قصوى.

سبب النظرة الأحادية إلى حركة جهيمان

قلّما اعتبر أحد حركة جهيمان العتيبي كإحدى مراحل السلفية الجهادية، ومعرفة سبب ذلك لا تبدو بالأمر الصعب، طبعاً هذا لا يعني أنّ أحداً لم يَقُم بدراسة هذه الحركة حتى الآن، بل على العكس، فقد انبرى في الفترة الأخيرة العديد من الكتّاب في السعودية وفي الغرب أيضاً إلى دراسة حركة جهيمان وحادثة الاستيلاء على الحرم المكي في إطار تاریخيّ وربطها بمجموعة من العلل وضمن سلسلة العليّة التاريخية، وليس كحادثة منفصلة عن غيرها من الأحداث، وهو ما لم يحصل في أوساط الباحثين الإيرانيين على الرغم من خوضهم في الموضوع بنحوٍ أو بآخر. على سبيل المثال، فقد تناول الدكتور حميد أحمدي أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، في كتاب صدر له مؤخّراً موضوع الحركة الإسلامية، وتحدّث بإيجاز عن حادثة الحرم المكي ذاكراً اسم جهيمان

ص: 84


1- المملكة العربية السعودية: من هم الإسلاميون؟، ص 4

إلى جانب الأسماء المعروفة الأخرى والمؤثّرة في عملية التحوّل الفكري في الإسلام السياسي السنّي فقال:

«لقد كان التأثير الذي تركته الآراء التاريخية السابقة لعدد من الفقهاء المتطرفين من أهل السنّة من أمثال أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن قیّم الجوزية كبيراً للغاية على الآراء الإيديولوجية لسيد قطب وعبد السلام فرج وجهيمان العتيبيّ وهو ما أدّى إلى التغيير والتحوّل الإيديولوجيّ

من الراديكالية الإسلامية نحو العنف المذهبيّ الوهابي»(1).

أمّا لماذا لم تلق مسألة جهيمان وتأثيرها على التطرّف الدينيّ اهتماماً كبيراً في بلدنا فيعود ذلك إلى عوامل عديدة منها: أنّنا نواجه أحياناً حالة من الفقر عندما نبحث في القضايا التفصيلية للتيارات الإسلامية، من ناحية أخرى قد يبدو لنا أنّ جهيمان وحركته كإحدى حلقات الوصل في مسيرة تبلور التطرّف الدينيّ تتعارض مع التصوّر الساذج بأنّ حكومة آل سعود تدعم مالياً التطرّف الديني بصورة أوتوماتيكية، إلّا أنّ هذا الكلام لا يعني نَفي دعم الحكومة السعودية للتطرّف الدينيّ، كما أنّ القول الثاني أيضاً لا يعني تأييد هذه المسألة بشكل كامل، بل المقصود أنّ هذا الدعم ليس دعماً بريئاً وساذجاً بل هو عملية معقّدة تتدخّل فيها الكثير من العوامل منها المؤسسات الخيرية والمساجد والمؤسسات الأهلية وكذلك العلاقات المختلفة بين الجماعات الجهادية وبين الأجنحة الفكرية والثقافية والسياسية المتعددة داخل المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يتطلّب القيام ببحوث جادة في هذا المجال لأنّ الحكومة في تلك البلاد ليست منسجمة وموحدة بل تتأثّر بالكثير من جماعات الضغط والاتّجاهات الإيديولوجية والثقافية والاجتماعية المختلفة بل وحتى الاتّجاهات الأسريّة وإلى جانب هذه العوامل فهي تضع في اعتبارها البراغماتية السياسية.

ولا يجب أن ننسى أنّنا لسنا الوحيدين الذين يعتقدون بفرادة حادثة جهيمان، وإنّما طابعها الأمني الذي أدّى إلى إخفاء الكثير من زواياها بالإضافة إلى نوع تلك الحادثة

ص: 85


1- أحمدي، حمید، جامعه شناسی سیاسی جنبش های اسلامی، جامعة الإمام الصادق علیه السلام، الطبعة الأولى، طهران، 2012 م، ص 100

سيّما الدعوة المهدوية التي تصدّرتها فضلاً عن رغبة السلطات الحاكمة في السعودية - كما ذكرنا نقلاً عن بعض الكتّاب السعوديين - كل هذه العوامل ساهمت في إيجاد نظرة في أنّ الحادثة منفصلة ومنعزلة عن جميع الظروف التي مهّدت إلى ظهور التطرّف الديني.

مهدوية جهيمان

يبدو أنّ ما يميّز جهيمان العتيبيّ عن غيره من القادة الدينيين المتطرّفين طريقة استغلاله للعقيدة المهدوية الأمر الذي أسدل ستاراً دون سائر الجوانب الأخرى للحادثة. ويُذكر أنّ الآراء المهدوية لجهيمان وُلِدت متأخّرة حيث ظهرت في عام (1987م)(1). ويقال أنّ استغلال مفهوم المهدوية كان نتيجة لعدد من الأسباب والعوامل في عقل جهيمان وأتباعه. أوّلها أنّ العقيدة المهدوية، وكما نعلم، لا تقتصر على الشيعة وحدهم بل هي فكرة يؤمن بها مُعظم المسلمين مع بعض الاختلافات. ومن الدّوافع التي حثّت جهيمان على الدّعوة إلى المهدوية اعتقاده أنّ الأئمّة يجب أن يكونوا من قريش وهو أمر متّفق عليه عند أهل السنّة جميعاً. استناداً إلى هذه القاعدة ونظراً لفساد أسرة آل سعود الحاكمة وقبولها بولاية المسيحيين استطاع جهيمان وضع شرعية حكم آل سعود على المحكّ سيّما وأنّها لا تنحدر من سلالة النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم(2). ومن جهة أخرى، ومع إطلالة القرن الهجري الخامس عشر (1400 ه) والإيمان بفكرة التجدّد المئويّة، أي ظهور مجدّد دینيّ على رأس كلّ قرن أو مئة عام وفقاً للأدبيات الإسلامية، وكذلك الإيمان باُزوف آخر الزّمان وظهور بعض العلامات على وقوع ذلك في جزيرة العرب بالذات ومنها اندحار هيبة أشراف الحجاز من آل سعود والعلامات الأخرى، كلّ ذلك أدّى إلى تعزيز عقيدة المهدوية لدى جهيمان وجماعته. وهذا يعني أنّنا من جهة بحاجة إلى حاكم قريشيّ ومن الجهة الأخرى فإنّ وقت آخر الزمان قد حان، ونتيجةُ هاتين المقدّمتين - من وجهة نظر

جهيمان وأتباعه - وقوع الاختيار على محمّد بن عبد الله القحطانيّ على أنّه المهدي

المنتظر لاعتقادهم أنّه من سلالة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ومن أشراف قريش.

ص: 86


1- لاكروا، ستیفان، ص 133
2- ليسي، روبرت، ص 30

ومن الناحية الأخرى يبدو أنّ التيارات أو الأفراد الذين يحاولون تخطئة حركة جهيمان يستندون في ذلك إلى العقائد المهدوية الخاصّة في تلك الحركة، وعلى العكس من ذلك، يحبّذ الممجّدون لتلك الحادثة وحركة جهيمان التقليل من ذِكر البعد المهدوي في الحركة، والتركيز في مقابل ذلك على بعدها النضالي المناهض لحكم آل سعود الذي يعتبرونه رجعياً وظالماً بالإضافة إلى التأكيد على مسألة محاربة الطغيان والاستبداد ومقارعة الاستعمار في فكر جهيمان.

وفي مقالة له بعنوان (ربع قرن على حركة جهيمان.. ماذا بقي وماذا فني؟)، تساءل الباحث السعوديّ في مسائل السلفية الجهادية قائلاً: «ويبقى التساؤل المضني: لماذا خرج

خروجاً مسلّحاً ومأساوياً وصادماً لمشاعر الملايين في الحرم المكي ما دام لا يتبنّى تكفير الحكومة؟» ثمّ يُجيب هو نفسه على هذا التساؤل فيقول: «الواضح، كما في التسجيلات التي بثّها التلفزيون السعودي حينها لحادثة الاقتحام وخُطَب الجماعة المصاحبة لها، أنّ الجماعة كانت تتوهّم أنّ معها المهدي المنتظر الذي جاء ذكره في بعض الآثار المنسوبة للنبي صلی الله علیه و آله وسلم، ومن هنا كان خروجه خروجاً ملحمياً ينتمي إلى عالم آخر الزمان والغيبيات الدينية، لا كما توهّم كثير من عُتاة اليسار العربي أنّها كانت ثورة (المناضل) جهيمان العتيبي الذي (انتفض لصالح البروليتاريا... الخ)!»(1). هذا في الوقت الذي تشير روایات منظمة الثورة الإسلامية في جزيرة العرب، وهي جماعة شيعية مُعارضة في شرق السعودية كانت تدعم حركة جهيمان في تلك الفترة وتدافع عنها في ضوء البيان الذي قُرئ من قِبل المتحدّث باسم الحركة في المسجد الحرام، يشير كلّ ذلك إلى أنّ جهيمان كان على الأقل يُكفّر الملك خالد وأسرته(2). لكنّنا لا ننوي هنا البحث في ما إذا كان جهيمان قد كفّر النظام السعوديّ بالفعل أم لا بل نقصد بذلك التركيز على أنّ عقيدة المهدوية التي طرحها جهيمان تُعتبر بنظر الباحثين في السلفية المقرّبين من النظام السعوديّ الفلسفة

الأصلية لحركة جهيمان.

ص: 87


1- الذايدي، مشاري، ربع قرن على حركة جهيمان.. ماذا بقي وماذا فني؟، (2/2)
2- قيام كعبة، ص 68

رغبة السلطة الحاكمة

سعت السلطة الحاكمة في السعودية وما زالت إلى اعتبار حركة جهيمان بكلّ تفاصيلها

وزواياها حركة عابرة وليدة لحظتها ومنقطعة عن أيّ ارتباطات تاريخية سابقة(1)، ولكن لا ينبغي أن نغفل حساسيّة الحادثة المذكورة لدى حكّام السعودية من الناحية الأمنية وهو الأمر الذي أدّى إلى تجاهل الكثير من أبعاد هذه المسألة، ومن الناحية الأخرى، وبالنظر إلى حالة الهيجان التي كانت سائدة آنذاك بسبب انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فإنّ اتّخاذ القرار بعدم اتّهام

حركة جهيمان بالعمالة لأيّ جهة خارجية (أي خارج حدود السعودية) لتحاشي فتح جبهة معادية في الخارج، كان قراراً حكيماً وعقلانياً بالفعل. كما أنّ بعض الأحداث التي كانت تجري في تلك الفترة ومنها احتلال أفغانستان وانطلاق حركة تطوّع الجماعات السلفية للجهاد هناك بعد مرور خمسة أسابيع على انتهاء حادثة الاستيلاء على الحرم المكيّ، ثمّ بدء الانتفاضة في شهر محرّم شرقي المملكة، كلّ هذه الأحداث قد استقطبت الاهتمام، لا سيّما أنّه بعد بروز مشكلة أفغانستان على الساحة الدولية وسياسة اللين التي اعتمدتها الحكومة السعودية إزاء الإسلاميين، فإنّ خيار نسیان حادثة جهيمان واعتبارها حادثة منفصلة كان أفضل بالنسبة للحكومة السعودية من اعتبار تلك الحادثة ذات جذور عميقة وتاريخية.

خلاصة البحث:

في الختام ينبغي لنا الإشارة إلى أنّه على الرّغم من عوامل كثيرة أدّت إلى اعتبار حادثة الحرم المكيّ التي قام بها جهيمان وجماعته حادثة منفصلة ومنعزلة، إلّا أنّه كانت لها تأثيرات على المناخ الحالي للجماعات السلفية الجهادية وذلك في ضوء الخلفية التاريخية والفكرية للحركة التي تعود إلى تيار الإخوان السعوديّ وأهل الحديث والتأثيرات المختلفة لبعض الأشخاص من أمثال أبي محمّد المقدسيّ والدكتور عبد الله النفيسيّ أو بواسطة انتقال بعض المفاهيم إلى المجاهدين في أفغانستان، الأمر الذي يدفعنا إلى عدم اعتبار حادثة جهيمان حادثة منعزلة ومنفصلة عن ظروفها بل ذات جذور عميقة وتفسيرها ضمن السلسلة العلية الخاصّة بتبلور السلفية الجهادية.

ص: 88


1- عدنان، أحمد، وثائق «جهيمان» استعادة أوراق منسية، ص 9

المصادر:

الکُتب

1. إبراهيم، فؤاد، السلفية الجهادية في السعودية، الطبعة الأولى، دار الساقي،

بیروت، 2009 م.

2. أبو الأسعاد، محمد، السعودية والإخوان المسلمون، مركز الدراسات

والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان، القاهرة، 1995 م.

3. أحمدي، حمید، جامعه شناسی سیاسی جنبش های اسلامی، جامعة الإمام

الصادق علیه السلام، الطبعة الأولى، طهران، 2012 م.

4. الإخوان المسلمون السلفيون في الخليج، مركز المسبار للدراسات والبحوث،

الطبعة الثانية، دبي، 2011 م.

5. بن صنيتان، محمد، السعودية الدولة والمجتمع (محددات تكون الكيان

السعودي)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2008 م.

6. حبيب، جون س، الإخوان السعوديون في عقدين 1328 ه. 1349 ه 1910 م - 1930 م، ترجمة: صبري محمد حسن، دار المريخ، الرياض، 1419 ه 1998 م.

7. الحزيمي، ناصر، أيام مع جهيمان، كنتُ مع «الجماعة السلفية المحتسبة»،

الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الثانية، بيروت، 2011 م.

8. الحسن، حمزة، الشيعة في المملكة العربية السعودية العهد السعودي 1913 - 1991 م، الجزء الثاني، مؤسسة البقيع لإحياء التراث، بدون مكان، الطبعة الأولى 1413 -

1993 م.

9. منظمة الثورة الإسلامية في جزيرة العرب، قیام کعبه (بداية القرن الدامية)،

ترجمة: شاکر کسرائي، منشورات (نور)، طهران، 1981 م، ص 68.

10. العتيبي، جهيمان بن محمد، رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماماً للناس،

منبر التوحيد والجهاد

http://www.tawhed.ws.

11. العقاد، عباس محمود، مع عاهل الجزيرة العربية، منشورات المكتبة العصرية،

صيدا - بیروت، بدون تاریخ.

ص: 89

12. العميم، علي، عبد الله النفيسي: الرجل - الفكرة - التقلبات، سيرة غير تبجيلية،

جداول للنشر والتوزيع، الطبعة الأولی، بیروت، 2012 م.

13. قضايا الإسلاميين في الخليج، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، الطبعة

الثانية، 2011 م.

14. لاكروا، ستيفان، زمن الصحوة (الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الترجمة بإشراف: عبد الحقّ الزموري، الطبعة الأولي، بیروت، 2012 م.

15. ليسي، روبرت، المملكة من الداخل، تاريخ السعودية الحديث، نقله إلي العربية: خالد بن عبد الرحمن العوض، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، الطبعة الرابطة (أغسطس) 2011 م.

16. الماجد، ولید بن محمد، أسوار الصمت، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة

الأولی، بیروت، 2012 م.

17. المشوح، خالد، التيارات الدينية في السعودية، من السلفية إلى الجهادية «القاعدة» وما بينهما من تيارات، مركز الدين والسياسة للدراسات والبحوث، الانتشار العربي، الرياض، بیروت، الطبعة الثانية، 2012 م.

18. المقدسي، أبو محمد عاصم، ملّة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين وأساليب

الطغاة في تمييعها وصرف الدعاة عنها، منبر التوحيد والجهاد

http://www.tawhed.ws.

19. المملكة العربية السعودية: من هم الإسلامويون؟، 21 أيلول 2004 م، التقرير

رقم 31 للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (الشرق الأوسط)، عمان / الرياض / بروکسل.

20. منصور، أحمد. الحزيمي، ناصر. النقيدان، منصور، قصة وفكر المحتلين للمسجد الحرام، مركز المسبار للدراسات والبحوث، الطبعة الأولى، فبراير (شباط)، دبي، 2011 م.

ص: 90

21. هيغهامر، توماس، لاكروا، ستيفان، حتى لا یعود جهیمان، حفریات إيديولوجية وملاحق وثائقية نادرة، إعداد وترجمة وتحقيق: حمد العيسى، منتدى المعارف، الطبعة الثالثة، بيروت، 2014 م.

22. , Moore, Michael, The Official Fahrenheit 9/11 Reader, Simon and Schuster, New York, London, Torento, Sydney, 2004.

23. Chalk.Peter.Encyclopedia of Terrorism,abc - clio, Santa Barbara, 2012.

24. Jean - charles Brisard with Damien martinez, Zarqawi the new face of Al-Qaeda ,polity Press, Cambridge 2005.

25. Meijer, Roel, Global Salafism: Islam's new religious movement, Columbia University Press, New York, 2009.

26. Ménoret, Pascal, The Saudi enigma: a history World Book Publishing,2005.

27. Miglietta, John P, American alliance policy in the Middle East, 1945 - 1992: Iran, Israel, and Saudi Arabia, Lexington Books, Oxford,2002.

28. Murad Makhmudov and Lee Jay Walker, Afghanistan, Iraq, Pakistan and Syria: US and Islamist policies creating daily instability, Modern Tokyo Times, NOVEMBER 6, 2012.

29. Trofimov, Yaroslav,The Siege of Mecca: The 1979 Uprising at Islam's Holiest Shrine,Random House LLC,New York,2008.

المقالات

1. الحمادي، سمير، تأملات في مصطلح السلفية الجهادية، 8 / آذار / مارس

http://www.islammaghribi.com

2014 م، موقع اسلام مغربی: /

ص: 91

2. الحمد، تركي، المجتمع السعودي يتخلص من هيمنة جهيمان الفكرية، عودة إلى التسامح، المجلة، السبت، 21 نوفمبر، 2009

http://www.majalla.com/arb/2009/11/article5510936.

3. الخمار، رائد، احتلال الحرم المكي في أول محرم 1400 ه

جهيمان يعلن أنّ القحطاني هو المهدي المنتظر، القبس (کویت)، 17 يناير 2010 ,12 صفر 1431، العدد

13160.

4. دیاب، حازم، "التحول". كيف

دنّس المتمردون الحرم المكي.. وتضامن

أسامة بن لادن معهم بعد ذلك؟ 4، شبكة الحرية الإخبارية

http://www.hoorya.com/news/9082391.

5. الذايدي، مشاري، أبو محمد المقدسي.. رحلة فكر يبذر التعصب ويحصد الدماء،

الشرق الأوسط، الخميس 1 / جمادی الثاني 1426 ه، 7 يوليو 2005 العدد 9718

http: //www.aawsat.com/details.asp?issueno=9532article=310381.Uy - nQfmSyNO

6. الذايدي، مشاري، ربع قرن على حركة جهيمان.. ماذا بقي وماذا فني؟ (2/2)،

الشرق الأوسط (لندن)، العدد 9220، 5 محرم 1425 ه؛ 25 فبراير 2004.

7. الرشيد، عبد الله، حكاية النفيسي "غير المبجل". وقلم العميم المدجج،

المجلة، الجمعة، 2 مارس، 2012

http://www.majalla.com/arb/2012/03/article55232907

8. العميم، علي، عبد الله النفيسي: الرجل.. الفكرة.. التقلبات، المجلة، العدد 1256،

3- 2004/10/9

، 19 - 25 شعبان 1425 ه صص 19 - 31. 9. الغنامي، خالد، التكفير ملة واحدة، الوطن السعودية، الإثنين 14 مایو 2007 نقلاً

عن:

http://www.elaph.com/Web/NewsPapers/2007/5/233504.htm.

ص: 92

10. القزويني الحائري، ياسر، نگاهی به الگوهای

تاریخ نویسی سعودی، پژوهشهای علوم تاریخی، السلسلة 5، العدد 1، ربيع وصيف 2013، ص 137 إلى 156.

11. لقاء مع منصور النقيدان حول أبو محمد المقدسي، لقاء أجراه الباحث الهولندي Joas Wagemakers مع منصور النقيدان لإعداد أطروحة حول أبو

محمد المقدسي، بتاریخ 6 ديسمبر 2008

http://alnogaidan.com/joas - wagemakers - 6 - 2008/

12. المالكي، محمد، خالد بن عبد العزيز، موسوعة جهان اسلام

http: //www.encyclopaediaislamica.com/madkhal2.php?sid=6772).

13. من فكر الشهيد جهيمان العتيبي، الثورة الإسلامية، العدد 39، شوال 1403، يوليو،

1983.

14. النقيدان، منصور، المقدسي في بريدة الاتحاد، الإثنين 03 مارس 2014

http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=77766

15. النقيدان، منصور، عيون على الحدود (2 - 2)، جهيمان بعد ثمانية وعشرين عاماً.. نهاية أسطورة، الوقت (البحرين)، العدد 380، 17 صفر 1428 ه - 7 مارس 2007.

16. النقيدان، منصور، عيون على الحدود (1 - 2)، جهيمان بعد ثمانية وعشرين

عاماً.. نهاية أسطورة، الوقت (البحرين)، العدد 379، 16 صفر 1428 ه - 6 مارس 2007.

17. The Makkan Siege: In Defense of Juhaymān, p13 http: //www.ahlu-sunnah.com/attachment.php?attachmentid=1667d =V1280248308, https: //islamicinquisition.wordpress.com/tag/juhayman - al - otaibi - and - islamisr/

ص: 93

ص: 94

أسباب نشوء التيّارات التكفيريّة في أفغانستان وشبه القارّة الهنديّة

تأليف: محمّد طاهر رفيعيّ(1)

ترجمة: ياسر الخيرو

نبذة:

شهد العالم الإسلاميّ في القرنين المنصرمين - ولا سيّما خلال العقود الأخيرة الماضية - نشوء و انتشار تیّارات مختلفة لها أفكار متنوّعة. و إنّ التطرّف التكفيريّ هو من أسوء الظواهر و أخطرها التي برزت خلال هذا العصر، في حين أنّ تكفير الآخرين و إزهاق أرواحهم بلا سبب، أمر يخالف المبادئ الإسلاميّة، ولا يقبل به أئمة الدين و العلماء المسلمون العظام. و لذلك، يحظى اكتشاف أسباب نشوء و انتشار تيّارات كهذه في المنطقة، بأهمّيّة كبيرة. يسعى هذا المقال إلى التعريف بالتيّارات التكفيريّة و المتطرّفة في أفغانستان و شبه القارّة الهنديّة، و دراسة أسباب نشوئها و انتشارها؛ خصوصاً أنّنا نشهد في هذه الفترة ازدياداً في الخلافات العقائديّة، و تطوّراً للمدارس الدينيّة، و كذلك، تصاعداً كبيراً للهجمات الخارجيّة، ممّا لا يمكن إنكار دور هذه الأمور في نشوء التيّارات التكفيريّة و تعزيزها.

الكلمات المفتاحية: التكفير، التكفيريّ، التطرّف، التيّار، شبه القارّة الهنديّة، أفغانستان

ص: 95


1- المرحلة الرابعة في جامعة المصطفى وماجستير دراسات دينية في مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحوث

المقدّمة:

بعد تمدّد الإسلام و وصوله إلى أفغانستان (في القرن الأوّل) و شبه القارّة الهنديّة (منذ القرن الرابع فصاعداً)، عاش المسلمون في هذه المناطق - و لقرون عديدة - في سلام و هدوء نسبيّين، و حظي غير المسلمين بحياة شبه مستقرّة تحت حكم المسلمين. و في غضون ذلك، ساعد نشر المذهب الحنفيّ، و المدرسة الماتريديّة الكلاميّة، و العرفان، و التصوّف على تعاطي أهل السنّة مع أصحاب المذاهب الأخرى، و كذا مع الفِرَق غير المسلمة في المنطقة أكثر فأكثر. و لكن إقرار حُكم الإسلام و اعتناق مذهب معيّن، خاصّةً في الهند - أرض الألف ديانة، و التي كانت قد اُضيفت إليها فِرَق إسلاميّة مختلفة - لم يكونا ليحصلا من دون أعمال عنف دينيّة و طائفيّة؛ حيث كان الحكّام الإسلاميّون - في بعض الأحيان - يمارسون العنف و يضعون الكثير من العراقيل أمام غير المسلمين و أتباع المذاهب الأخرى(1). فأدّى هذا الأمر إلى خلق مشاكل متزايدة في مستقبل المسلمين، إلى أن أسفر ذلك في القرون التالية - مع تواجد الاستعمار البريطانيّ في شبه القارّة الهنديّة منذ عام 1707 للميلاد، و بالتزامن مع زوال الحكومة الإسلاميّة المغوليّة - أسفر عن مواجهة مباشرة بين غير المسلمين ولا سيّما الهندوس و السيخ في الهند، و بين المسلمين. إنّ الدعم البريطانيّ للهندوس، بالإضافة إلى أنشطة أخرى معادية للإسلام، تسبّب بطرد المسلمين من الدوائر الحكوميّة، و فصلهم عن المشهد السياسيّ، فأصبحت

ص: 96


1- في إطار ذكره لفتوحات السلطان محمود غزنويّ ودورها في نشر الإسلام يعتبر جواهر لال نهرو أنّه كانا حاكماً شرساً وسفّاكاً، أكثر من كونه سلطاناً فاتحاً وسياسيّاً، وكلّ ما كان يسعى إليه هو توسيع أراضيه عبر فتح مناطق جديدة. ويكتب: «كان محمود الغزنويّ أكبر مخرّب وناهب عرفته الهند، وقد عُرف باسم بطل الإسلام في الحرب مع «الكفّار الوثنيّين»، وكان لديه جيش هندوسيّ بقيادة قائد هندوسيّ يُدعى «تيلك». أخذ محمود هذا الجيش الهندوسيّ معه إلى غزنین، واستخدمه للقضاء على تمرّد المسلمين. ولهذا، فإنّ ما كان يحظى بأهمّيّة كبيرة لدى محمود ويعدّ موضوعاً وهدفاً هو الفتح والانتصار، لا تحقيق الأهداف الدينيّة. في الهند، كان يقتل من يُطلق عليهم اسم «الوثنّيين»، من خلال الاستعانة بجنوده المسلمين، وكذلك في آسيا الوسطى، كان يقتل المسلمين الذين هم إخوته في الدين، بواسطة جنوده الهندوس ويقضي عليهم. (المؤلّف نفسه، نگاهی به تاریخ جهان، ترجمة: محمود تفضّليّ، ج 1، صص 416 و 417؛ راجع: المؤلّف نفسه، كشف هند، ترجمة المؤلّف نفسه، ج 1، ص 377.)

نشاطاتهم الاجتماعيّة محدودة جدّاً.(1) و على أثر هذه التطوّرات، بدأ المسلمون، و من خلال تنظيم انتفاضات عديدة، بتشكيل أحزاب سياسيّة مختلفة، و تطوير المدارس الدينيّة، كفاحاً ضدّ الاستعمار البريطانيّ، و كذلك السيخ، ممّا أدّى ذلك في النهاية، إلى انفصال شبه القارّة الهنديّة و تأسیس دولة باكستان الإسلاميّة المستقلّة. و لكن، انتشار المدارس الدينيّة و الاختلافات الفكريّة بين المسلمين خلال نضالهم ضدّ الاستعمار، و تصاعد ذلك بعد استقلال باكستان، بعث كلّ ذلك على ظهور مدارس و جماعات مختلفة بين أهل السنّة؛ منها: مدرسة الديوبنديّة، و البريلويّة، و جماعة المودوديّ الإسلاميّة، و جمعيّة أهل الحديث. إنّ احتدام الخلافات الفكريّة و العقائديّة بين التيّارات المذكورة، إلى جانب التطوّرات اللاحقة؛ مثل تصاعد شدّة الخلاف بين الهند و باکستان حول منطقة کشمير المتنازع عليها، و انفصال بنغلاديش عن باكستان، و عدم تحقيق الأهداف التي كان الإسلاميّون يسعون إليها من خلال استقلال باكستان، بشكل كامل، و انتصار الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة (1989 م)، و عدوان الجيش الأحمر السوفييتيّ على أفغانستان، و بداية الجهاد ضد الشيوعيّة (1979 - 1988 م)، و الحروب الأهليّة بين القوّات الجهاديّة في أفغانستان (1987 م فما بعد)، و ظهور حركة طالبان (1992 م) و القاعدة (خلال فترة الجهاد و عهد طالبان)، و بدء حرب المجتمع الدوليّ بزعامة الولايات المتّحدة الأمريكيّة ضدّ هاتين المجموعتين (2001 م)، أدّت هذه العوامل إلى انتشار التطرّف، و نتيجةً لذلك، نشأت و تعزّزت الجماعات المتطرّفة الجديدة؛ مثل: جيش الصحابة، و جيش جِهنکوي، و جيش طيّبة، و جماعات طالبان المختلفة في أفغانستان وباكستان، و القاعدة و بعض الجماعات الأخرى، و التي غالباً ما تحمل نفس الأيديولوجيا و تعمل في مجالات مختلفة.

ص: 97


1- راجع: نهرو، نگاهی به تاریخ جهان، المصدر نفسه، ص 458، النمر، عبد المنعم، تاريخ الإسلام في الهند، صص 560 - 565؛ صافي الكلبايكانيّ، محمّد قاسم، سفرنامه ی پاکستان، ص 31؛ عبد الوهّاب خليل الرحمن، الدعوة السلفيّة في شبه القارّة الهنديّة وأثرها في مقاومة الانحراف الدينيّ، صص 363 - 367. لمزيد من المعلومات عن كيفيّة نشوء هذه الجماعات وأنشطتها وعلاقاتها مع بعضها البعض، راجع: صافي، المصدر نفسه، صفحات مختلفة؛ عارفيّ، محمّد أكرم، جنبش اسلامی پاکستان، صفحات مختلفة؛ رفيعيّ، محمّد طاهر، نقد و بررسی اندیشه های کالامی دیوبندیّه، الفصلان الأوّل والتاسع

المقال الذي بين يديك، يسعى إضافةً إلى التعرّف على أهمّ الجماعات التكفيريّة

و المتطرّفة المعاصرة في أفغانستان و شبه القارّة الهنديّة، إلى دراسة دوافعها و عوامل تعزيزها، و ذلك بأسلوب وصفيّ مبنيّ على تحليل تطوّرات المنطقة و وفقاً للمعلومات المكتبيّة.

وأمّا السبب وراء التأكيد على التسمية المركّبة المتمثّلة ب «شبه القارّة الهنديّة و أفغانستان»، فيعود لما يجمع بين أهل السنّة و الجماعة في هاتين المنطقتين، و بین تطوّراتهما السياسيّة الاجتماعيّة خلال القرنين السابقين، من الارتباط الوثيق، لدرجة أنّ تيّارات أهل السنّة - و بغضّ النظر عن منشئها الحقيقيّ - لها نفوذ في كلتا المنطقتين.

أهمّ التيّارات التكفيريّة و المتطرّفة في المنطقة

كما سبق و ذكرنا، فإنّ التطوّرات السياسيّة الاجتماعيّة في شبه القارّة الهنديّة و أفغانستان خلال القرنين السابقين و خاصّةً خلال العقود الماضية، أدّت إلى ظهور تیّارات مختلفة ذات اتّجاهات متعددة بين المسلمين، بعضها معتدل و يطالب بالحرّيّة، و البعض الآخر منها متطرّف وطائفيّ. كان المتطرّفون، و بسبب فهمهم السطحيّ للنصوص الدينيّة، يبدّلون أجواء التلاحم و التلاقح الفكريّ بين المسلمين إلى العنف الدينيّ، في ظلّ تكفيرهم للآخرين. و لكنّ التيّارات المعتدلة، كانت تؤكّد على التعامل مع باقي المسلمين، و تنأى بنفسها عن الاتّجاهات التكفيريّة للجماعات المتطرّفة بشدّة. و في هذا الخضمّ، فإنّ البريلويّة هي من المدارس المعاصرة المهمّة، و قد تأسّست على يد أحمد رضا خان بریلويّ (1272 - 1340 ه) في مدينة راي بريلي الهنديّة، و كان هدفها في الأساس، محاربة أفكار التيّارات الأخرى، ولا سيّما الديوبنديّة.(1) تتّبع البريلويّة المدرسةَ الكلاميّة الماتريديّة، و المذهب الفقهيّ الحنفيّ، و طريقة تصوّف القادريّة و فروع أخرى في التصوّف. و لكن على الرغم من ذلك، فإنّ

ص: 98


1- راجع: مسعود أحمد، الشيخ أحمد رضا خان بریلويّ، صص 15 - 23 و 35 - 39، الجهنيّ، عبدالله، الموسوعة الميسّرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، ج 1، صص 302 و 303؛ دانشنامه ی ادب فارسی در شبه قارّه ی هند، ج 4، القسم الأوّل المدخل: أحمد رضا خان بریلويّ، صص 115 و 116؛ عبد الباقي، مصباح الله، المدارس الدينيّة الباكستانيّة، صص 59 و 60

التكفير - و للأسف - يمثّل إحدى الأدوات الرئيسيّة لأتباع البريلويّة في نقدهم لآراء الآخرين، و إنّهم بالإضافة إلى تكفير و تنسيق كلّ من ابن تيميّة و ابن عبد الوهّاب و أتباعهما الوهّابيّين،(1) يكفّرون الكثير من كبار الديوبنديّة متّهمين إيّاهم بالوهّابيّة(2) و أمور أخرى.(3) و على حدّ تعبير بعض المؤلّفين، كانت البريلويّة قد کونّت تيّاراً تكفيريّاً من أجل معارضة الديوبنديّة.(4) و كما يقول بعض أتباع الديوبنديّة، فإنّ التكفير كان في الأساس، الشغل الشاغل لأتباع البريلويّة، و بسبب راية التكفير التي رفعوها، كانت أسلحتهم مصوبّة نحو أغلب الأفراد.(5) إلى درجة أنّهم قاموا بتكفير جميع أتباع الديوبنديّة، وجمع غفير من أكابر شبه القارّة الهنديّة، و كذلك حكّام السعوديّة، و جميع مسلمي الحجاز و زوّار مكّة و المدينة؛(6) وقد عدوّا أتباعَ الديوبنديّة من الكفّار و المرتدّين و أشدّ المنافقين إلى جانب أتباع الوهّابيّة و البنجبيريّة و بعض

ص: 99


1- الجهنيّ، المصدر نفسه، ص 304؛ الحسنيّ الندويّ، محمّد رابع، رسائل الأعلام إلى أبي الحسن الندويّ، ص 44
2- أحمد رضا خان - مؤسّس البريلويّة - يوجّه انتقاداً لرشيد أحمد كنكوهيّ وخليل أحمد سهارنبوريّ ويكفّرهما، بسبب قيامهما بتأليف كتاب «المهنّد على المفنّد»، وقال بأنّ علماء الحرمين أيضاً قاموا بتكفير خليل أحمد وأقرانه بسبب اعتناقهم لهذه المعتقدات الوهّابيّة. (بریلويّ، الدولة المكّيّة بالمادّة الغيبيّة، صص 71 - 73.)
3- راجع: الندويّ، محمّد رابع، رسائل الأعلام، صص 44 و 45
4- راجع خالد محمود، مطالعه بریلویت (بالأرديّة)، ج 1، صص 272 - 278؛ حافظ عبدالحقّ، البيان الحق: تحریک آزادي مین اکابر دیوبند کا کردار اور بریلویت کا مکروه چهره، صص 18 - 20
5- راجع: مظاهريّ، نور محمّد، رضا خانیون کفر سازیان، صص 230 و 231. قال عبد الحي الحسنيّ في وصفه لأحمد رضا خان بریلويّ: كان متشدّداً في المسائل الفقهيّة والكلاميّة، متوسّعاً، مسارعاً في التكفير، قد حمل لواء التكفير والتفريق في الديار الهنديّة في العصر الأخير وتولّى كبره، وأصبح زعيم هذه الطائفة تنتصر له وتنتسب إليه وتحتجّ بأقواله، وكان لا يتسامح ولا يسمح بتأويل فيكفر من لا يوافقه على عقيدته وتحقيقه أو من يرى فيه انحرافاً عن مسلکه ومسلك آبائه، شديد المعارضة، دائم التعقيب لكل حركة إصلاحيّة. (إلهيّ، المفتي محمّد عاشق، بریلوی علماء ومشائخ کیلئي لمحه فکریه، صص 91 و 92.)
6- راجع: مظاهريّ، نور محمّد، رضاخانیون کفرسازیان، صص 125 - 182 و 214 - 274؛ کهمن، محمّد إلياس، فرقه بریلویت پاک وهند کا تحقیقی جائزه، صص 278 - 519؛ مدنيّ، سيّد حسين أحمد، الشهاب الثاقب على المستشرق الكاذب، صص 128 و 129؛ إحيائيّ، نجم الدين، زلزله در زلزله، ص 130 - 138، خالد محمود، شاه اسماعيل محدث دهلوی، ص 22؛ عثمانيّ، محمّد تقيّ، اکابر دیوبند کیاتھي؟، صص 33 - 36: خالد محمود، مطالعه بریلویت (بالأرديّة)، ج 7، صص 34 و 37

الجماعات الأخرى، و عدّوا ذبائحهم ميتة نجسة و محرّمة؛(1) واصمين علماء هم با «الأشقياء»، و «التعساء»، و «المرتدّين»، و «عديمي الدين»، و «منحرفي المذهب»، و

الخبثاء»، و «الفجّار»، و «الكفّار»، و «الملاحدة»، و «الكذّابين»، و «الضالّین»، و « الظلمة»، و «أهل النار»، و «طغمة الشيطان»، و «الملاعين»، و «الشياطين»، و « الزنادقة»، و «المكرة»، و «المعاندين للحقّ»، و «الخارجين عن الملّة»، و ما إلى ذلك.(2) و كذلك عدّ أحمد رضا خان كلّاً من محمّد قاسم النانوتويّ - مؤسّس الديوبنديّة - و أشرف علىّ التهانويّ كافرَين؛ الأوّل بتهمة إنكار خاتميّة الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم، و الثاني بتهمة إنكار علم النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم بالغيب، وقد وصفهما بصفات مهينة.(3) و في موضع آخر، أعلن نحو ثلاثمئة عالم بريلويّ فتوى يكفّرون فيها أتباع الديوبنديّة، و يعدّونهم مرتدّین، اشتمل نصّها على ما يلي:

إنّ الوهّابيّين الديوبنديّين، و بسبب إهانتهم لجميع أولياء الله و الأنبياء، و هتك حرماتهم، حتّى نبيّ الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم خصوصاً الذات الإلهيّة المقدّسة في عباداتهم، مرتدّون و کفّار دون شكّ، و إنّ كفرهم و ارتدادهم بلغ أعلى المراتب؛ و إذا شكّ أحد - ولو قليلاً - بكفرهم و ارتدادهم، فهو أيضاً کافر و مرتدّ. و يجب على المسلمين أن يبتعدوا عنهم ابتعاداً تامّاً. و أن لا يصلّوا خلفهم، بل حتّى أن لا يسمحوا لهم بالحضور في صفوفهم و في مساجدهم. و أن لا يأكلوا من ذبائحهم ولا يشار کوهم في أفراحهم و أحزانهم. و أن لا يسمحوا لهم بالدخول إلى مجالسهم و لا يعودوهم. و أن لا يشاركوا في دفنهم و تكفينهم، ولا يسمحوا بدفنهم في مقبرة المسلمين. و عليهم أن يتجنّبوهم بحذر شديد.(4)

على الرغم من أنّ أتباع الديوبنديّة هم من نقلوا الكثير من فتاوى التكفير هذه؛ و لكنّ

الكثير من إسناداتهم إلى المصادر البريلويّة مقبولة. ص: 100


1- راجع: فتحيّ، نثار أحمد خان، تهمت وهابیت اور علمائي دیوبند، صص 12 - 14 و 35
2- راجع: مدنيّ، الشهاب الثاقب على المستشرق الكاذب، صص 92 - 94
3- أحمد رضا خان بریلويّ، العقيدة في الإسلام، ص 21
4- تین سو علما کا متفقه فتوى [الفتوى المشتركة لثلاثمئة عالم]، نقلاً عن: عارفيّ، أكرم، جنبش اسلامی پاکستان، ص 166 و 167

إنّ الاختلافات - على وجه الإجمال - كثيرة بين أتباع الديوبنديّة و أتباع البريلويّة، و على الرغم من الجهود المكثّفة المبذولة من أجل تخفيف حدّة التوتّر و خلق التلاقح الفكريّ بينهم، لم يتحقَّق نجاح في هذا المجال(1) فإنّ خلافهم في البدع العمليّة قد انجرّ إلى خلافات سیاسيّة أيضاً، إلى درجة أنّ البريلويّة كانت تشكّ في أيّ وجهة نظر تؤكّدها الديوبنديّة، و ترفضها.(2) و سنأتي على ذكر بعض تفاصيل ذلك في موضوع «تأثير التدخّلات الأجنبيّة على انتشار الفكر التكفيريّ».

أمّا على الصعيد الآخر، فإنّ الديوبنديّة التي نشأت خلال محاربة المسلمين للاستعمار البريطانيّ،(3) قد أكّدت على الاعتدال و الوحدة بين المسلمين، و لذلك، فإنّ أتباعها يحتاطون في إصدار الحكم بالتكفير على المسلمين الآخرين بمن فيهم أتباع المدرسة البريلويّة، و يزعمون أنّهم لا يعتبرون أحداً كافراً أو مشركاً حتّى يثبت كفره.(4) لدرجة أنّهم يحذّرون أتباع البريلويّة و يذکّرونهم بعذاب القيامة، و يطلبون منهم التوقّف عن تكفير الآخرين، و يقولون بأنّه كيف يكون أتباع الديوبنديّة كفّاراً، و لم يكفّرهم أيّ تيّار أو فرد

ص: 101


1- راجع: خالد محمود، مطالعه بریلویت (بالأرديّة)، ج 8، صص 269 - 276
2- عبد الباقي، المدارس الدينيّة الباكستانيّة، ص 85
3- نشأت مدرسة «الديوبنديّة» في 15 محرّم 1283 هم خلال القتال ضدّ الاستعمار البريطانيّ، على أساس نوع من الفكر الكلاميّ الفقهيّ، وفي إطار الفقه الحنفيّ والكلام الماتريديّ الأشعريّ، متأثّرةً بأفكار الشاه وليّ الله دهلويّ وتصوّف أحمد سرهنديّ. يُعتبر كلّ من محمّد قاسم نانوتويّ، ومحمود حسن دیوبنديّ، وأشرف عليّ تهانويّ، وخليل أحمد سهارنبوريّ، وأنور شاہ کشمیريّ، وأشخاص آخرون، من كبار هذه المدرسة. حول تاریخ دیوبد والديوبنديّة، راجع: قاسميّ، محمّد طیّب، علماء دیوبند عقيدةً ومنهجاً، صص 225 و 226؛ المؤلّف نفسه، گزارش سفر به افغانستان، ترجمة: نذير أحمد سلاميّ، صص 30 - 32؛ طالب الرحمن، الديوبنديّة: :http تعريفها وعقائدها، ص 21 وصفحات أخرى؛ الجامعة الإسلاميّة دار العلوم دیوبند، الهند في س طور، //www.darululoom - deoband.com محمود حافظ عبد الربّ میرزا، ضوء على قصّة تأسیس جامعة دار العلوم / دیوبند (الهند)، الداعي، السنة 30، العددد 5، جمادى الأولى 1427 ه؛ عثمانيّ، محمّد تقيّ، أساس مذهب علماء دیوبند، موقع دار العلوم الإلكترونيّ؛ رفيعيّ، محمّد طاهر، نقد و بررسی اندیشه های کلامی دیوبندیّه، رسالة الماجستير ، صص 12 - 61
4- راجع: قرشيّ، محمّد إقبال معارف الأكابر، صص 256 و 257؛ الندويّ، معارف الاكابر بروایت حکیم الامت حضرت مولانا اشرف على الته انوی، صص 150 - 152

من الهنود.(1) فقال أشرف عليّ تهانويّ ردّاً على هذا السؤال: «أتباع البريلويّة يكفّرون أتباع الديوبنديّة، فهل تكفّرهم أنت أيضاً؟»: نحن لا نستطيع تكفير الآخرين لمجرّد أنّهم يكفّروننا؛ ذلك لأنّ:

تكفير المسلمين لا يخرج عن حالتين اثنتين: إمّا أن يكون بحقّ أو بغير حقّ. إذا لم نعتبر أحداً كافراً على الرغم من احتمال كونه كافراً، فإنّنا لم ترتكب إثماً؛ و لكن أعظم الذنوب هو أن نكفّر أشخاصاً في حين أنّهم ليسوا بكفّار... فلا يخرج أحد عن ملّة الإسلام بمجرّد الشبهة، و نحن نقوم بتبرير معتقداتهم و تأويلها، حتى لو كانت التأويلات بعيدة عن

الأذهان؛ إلّا إذا ثبت كفرهم، كما هو الحال في القاديانيّة.(2) ولكن في الوقت نفسه، و على الرغم من معارضة الكثير من علماء الديوبنديّة لتكفير المسلمين و قتلهم، فإنّ بعض أتباع الديوبنديّة؛ منهم: المولويّ سيّد محمّد مرتضی الديوبنديّ، وصف أحمد رضا خان بریلويّ بالكافر، و الدجّال، و الميتة الحاضرة، و الخارج عن الإسلام و غيرها من الصفات.(3) و قال بعض أعضاء جماعة «تبلیغ» الديوبنديّة في كلماتهم، بأنّ البريلويّة هم المشركون الحقيقيّون.(4)

كذلك - و للأسف - فإنّ أهمّ الجماعات التكفيريّة في شبه القارّة الهنديّة و أفغانستان؛

منها جيش الصحابة، و جيش جهنګوي العالميّ و غيرهما، تمّ تشكيلها من قبل أشخاص ينتمون للمدرسة الديوبنديّة، و من هذا المنطلق، يمكننا اعتبار الديوبنديّة منشأ أهمّ التيّارات التكفيريّة في المنطقة.

جیش الصحابة (سپاه صحابه) (SSP)(5) هو أحد الجماعات الطائفيّة المعاصرة الأكثر تطرّفاً ونفوذاً، وقد تمّ تأسيسه في 6 سبتمبر عام 1985 م على يد حق نواز جھنکوي

ص: 102


1- إلهيّ، المفتي محمّد عاشق، بریلوی علما و مشائخ کیلئي لمحه فکریه، صص 76 و 77
2- الندويّ، رحمة الله، أشرف عليّ التهانويّ حکيم الأمّة، صص 150 و 152
3- رسالة في ردّ: التكفير على الفحّاش الشهير، نقلاً عن: عارفيّ، أكرم، جنبش اسلامی پاکستان، صص 166 و 167
4- الملّاحيّ، يوسف، إصلاح وإنصاف لا هدم ولا اعتساف، موقع «جماعت تبلیغ» الإلكترونيّ: http://www.binatiih.com
5- Sipah -e - Sahaba Pakistan

(مواليد 1952 م)، - من المنتمين لجمعيّة علماء الإسلام في ديوبند - في مدينة جهنك(1) من توابع ولاية بنجاب الباكستانيّة، بهدف مواجهة النفوذ الإيرانيّ و معاداة الشيعة(2). و تُعدّ هذه الجماعة من أقوى الجماعات الطائفيّة و أكثرها نفوذاً،(3) إلى درجة أنّه يُقال بأنّ عدد أعضاء هذه الجماعة في كراتشي و بنجاب فقط، يبلغ ثلاثمئة ألف شخص.(4) إنّ صحيفة أعمال هذه الجماعة الإرهابيّة تحتوي على أعمال عنف كثيرة،(5) لا يسعنا ذكرها هنا، بل سنذكر أمثلة عليها بالتناسب مع الموضوع. و لكن، تصاعد نشاطات جيش الصحابة الطائفيّة أدّى في تسعينيّات القرن العشرين (1995 م) إلى تكوين تيّار آخر أكثر تطرّفاً يدعى جيش

جهنكوي العالميّ (LJ)(6).

جيش جهنګوي العالمي ( jhangvi (LJ - i - Lashkar

هو من أسوء الجماعات التكفيريّة، و الذي تمّ تأسيسه في تسعينيّات القرن الماضي، بعد اغتيال حق نواز جھنکوي - قائد جيش الصحابة - بواسطة ثلاثة من الأعضاء البارزين في جيش الصحابة؛ و هم «ریاض بسرا»، و «أكرم لاهوريّ»، و «مالك عشّاق». و اختيرت تسمية الجيش نسبةً لاسم «حق نواز جھنگوي».(7) و كان هدف الجيش الرئيسيّ مواصلة طريق جيش الصحابة في

ص: 103


1- Jhang
2- راجع: رب نواز ظاهر، نقوش جهنگوی، صص 15 و 56؛ مجموعة من المؤلّفين، کتاب آسيا (5)، ویژه ی مسائل پاکستان، صص 38 و 39 (هوامش الصفحة 29)، صص 187 و 188 و 299؛ جماليّ، جواد، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راه نما الشهريّة للدراسات السياسيّة: http://www.rah - nama.ir/fa/content/192
3- مجموعة من المؤلّفين، کتاب آسيا (5)، صص 38 و 39، صص 187 و 188 و 244
4- راجع: ناصريّ، عنایت الله، به بهانه ی نزدیک شدن گروه طالبان به پایتخت پاکستان و بررسی شبکهی تروریزم در آن کشور: http://www.afghanirca.com : شفيعيّ، نوذر، رادیکالیسم اسلامی در پاکستان: http://www.iranembassy.pk
5- راجع: جایگاه احزاب و گروه ها در پاکستان، مجلّة پاکستان ڈیلی، ترجمة: محمّد صرفيّ، صحيفة كيهان: السنة الرابعة والستّون، العدد 19215، 27 من أكتوبر 2009 م. عراقيّ، مهديّ، نقش احزاب و جنبش های اسلامی در صحنه ی سیاسی پاکستان: http://www.aftabir : شفيعيّ، المصدر نفسه
6- Lashkar -i - jhangvi
7- http://avapress.com/prtj8vei.uqehtzsffu.html

محاربة الشيعة، و قد يكون الفارق الوحيد بينهما هو أنّ جيش جهنكوي كان يميل إلى العنف أكثر، لدرجة أدّى ذلك إلى قطع علاقة أعظم طارق - قائد جيش الصحابة - معهم.(1) و على الرغم من اعتقاد البعض أنّه في ضوء وجود خلافات بين جيش جهنکوي العالميّ و جیش الصحابة، لكنّهما ظلّا متواصلان معاً، ولا تزال لهما علاقات وثيقة بعضهما مع البعض، و هما يتعاونان ضدّ الشيعة.(2)

ولكنّ الأهمّ من هذا و ذاك هو جماعة طالبان في أفغانستان وباكستان، و كذلك القاعدة، حيث إنّ تعاونهم مع باقي المتطرّفين أدّى إلى تعزيز التيّارات التكفيريّة في المنطقة. إنّ تنظیم طالبان أفغانستان الذي اُنشئ خلال الحروب الأهليّة بين الجماعات الجهاديّة الأفغانيّة، و انضمّ إلى صفوفه خرّيجو المدارس الدينيّة في باكستان و افغانستان،(3) على الرغم من أنّه يُعتبر جماعة متطرّفة أكثر منها تكفيريّة؛ و لكن ممارسته لأعمال عنف كثيرة ضدّ المعارضة، خاصّة الشيعة حين سيطرته على أفغانستان،(4) و كذلك صلته الدائمة بالتنظيمات الإرهابيّة التكفيريّة؛ مثل: جيش الصحابة، و جیش جهنکوي العالميّ و غيرهما، و دعمه الصارم لتنظيم القاعدة، و تشکیل فروع جديدة تكفيريّة تابعة له خاصّةً في باكستان - حيث سوف نتحدّث عنها بشكل أكثر تفصيلاً لاحقاً - كلّ هذا يدلّ على أنّ هنالك على الأقلّ، فروعاً لطالبان تؤمن بالتكفير، أو بتعبير أكثر تحفّظاً، يدلّ على نفوذ تیّارات تكفيريّة فيها.

جماعة «تحريك طالبان باكستان» و فروعها الثانوية؛ منها: تحريك نفاذ الشريعة المحمّديّة، و طالبان الملّا نذیر، و جماعة بيت الله محسود، و طالبان بنجاب و غيرها،(5)

ص: 104


1- http://www.asnoor.ir/Public/Articles/View Articles.aspx?Code=172551.27/9/1387
2- http://avapress.com/prtj8vei.uqehtzsffu.html
3- راجع: مجموعة من المؤلّفين، کتاب آسيا (5)، ویژه ی مسائل پاکستان، ص 55؛ حق جو، میر آقا، افغانستان و مداخلات خارجی، صص 170 و 171
4- راجع: کتاب آسيا (5)، المصدر نفسه، ص 234
5- راجع: عليّ خانيّ، عبد الله، کتاب امنیّت بین الملل (4)، صص 93 - 122

تُعتبر من أكثر فروع طالبان تطرّفاً، و التي تحمل اتّجاهات تكفيريّة في باكستان.(1)

هذه التنظيمات التي ظهرت في العقود الأخيرة من قبل الجماعات المقاتلة الموجودة في المناطق القَبَليّة في باكستان، و تضمّ عشرات الآلاف من القوّات المتطرّفة، و تشكيلها نوعاً من المناطق ذات الحكم الذاتيّ بقوانين خاصّة، تسبّبت بالكثير من المشاكل للشيعة، و كذلك للحكومة الباكستانيّة؛(2) حيث لم يستطع الجيش و الحكومة الباكستانيّان حتّى، أن يحقّقا نجاحاً في مواجهتها. كما أنّ شنّ الطائرات الأمريكيّة بدون طيّار هجماتٍ على المناطق الواقعة تحت سلطة طالبان، و مقتل عدد من قادتها، لم يمنعهم من السيطرة على تلك المناطق.

إضافةً إلى الجماعات آنفة الذكر، كانت ولا تزال هناك جماعات متطرّفة أخرى متأثّرة بهم، تنشط في شبه القارّة الهنديّة و أفغانستان، قد لا يكون توجّهها التكفيريّ بنفس شدّة توجّه جيش الصحابة و جيش جهنکوي العالميّ، أو قد لا يُتاح انتشار هذه الأفكار بينهم بشكل واسع. من بين هذه الجماعات، يمكننا أن نشير إلى «حركة الجهاد الإسلاميّ» و هي من الجماعات الجهاديّة الديوبنديّة، و التي تشكّلت خلال جهاد الشعب الأفغانيّ ضدّ الاتّحاد السوفييتيّ في عام 1980 للميلاد.(3) و التحق مؤسّسوها في البداية، بحركة ثورة المولويّ نصر الله منصور المتطرّفة في أفغانستان، و التي كان لها نفوذ كبير في ولاية بكتيا. و كذلك، كان لهم علاقات وثيقة مع الحزب الإسلاميّ، فرع یونس خالص و جلال الدين حقّانيّ، و كلاهما يحملان توجّهات سلفيّة وهّابيّة، و قد أصبح حقّانيّ أحد القادة رفيعي المستوى في طالبان.(4)

ص: 105


1- راجع: جماليّ، جواد، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راهنما الشهريّة للدراسات السياسيّة: http://www.rah - nama.ir/fa/content/192 دانش، ضیاء، کشته شدن محسود و تأثیر آن در امنیّت منطقه http://www.payam_aftab.com/fa/news/24990, http://hamshahrionline.ir/details/238040
2- راجع: عليّ خانيّ، کتاب امنیّت بین الملل (4)، صص 105 - 112
3- راجع: المصدر نفسه، ص 78
4- ناصريّ، عنایت الله، به بهانه ی نزدیک شدن گروه طالبان به پایتخت پاکستان و بررسی شبکه ی تروریزم در آن کشور: http://www.afghanirca.com

تأسّست منظّمة «حركة المجاهدين» باعتبارها جناحاً تفرّع من حركة الجهاد الإسلاميّ (HuJI)(1) على يد جمعيّة علماء الإسلام، فرع فضل الرحمن، بقيادة شخص يُدعى «أختر» في عام 1985 م و ما لبثت أن حصلت هذه المجموعة على دعم آي. إس. أي (وكالة المخابرات الباكستانيّة)، و وفّرت المخابرات الباكستانيّة، الإمكانيّات التعليميّة لهذه الجماعة في وزیرستان الجنوبيّة (باكستان) و ولاية خوست الأفغانيّة. هذه الجماعة، إضافةً إلى تورّطها في الحروب الطائفيّة، لها توجّهات معادية للهندوس و للأمريكان أكثر من أيّ شيء آخر، و لذلك، أسفر دعمها لطالبان و القاعدة، عن إدراجها في قائمة الجماعات الإرهابيّة و حظر نشاطاتها في نهايات عام 2001 م.(2) و لكن، قامت هذه الجماعة، و بالتحاقها بتنظيم القاعدة رسميّاً بعد ذلك الأمر، بتوسيع نشاطاتها في الدول الأخرى.(3) كما أنّ منظّمة «حركة المجاهدين العالميّة» التي هي فرع من فروع «حركة المجاهدين»، تحظى أيضاً بدعم القاعدة.(4)

جماعة جیش محمّد mohammad (JM) -e- Jaish

هي الأخرى من الجماعات الإرهابيّة الفاعلة و الحديثة نسبيّاً، تكوّنت في 31 كانون الثاني / يناير 2000 م، من قبل عدد من أعضاء «حركة الجهاد الإسلاميّ» الناقمين، بقيادة مولانا مسعود أظهر بدايةً في كراتشي، و هي منتشرة الآن في بهاولبور.(5) إنّ لجيش محمّد علاقات وثيقة بالجماعات المتطرّفة التابعة لجيش طيّبة، و جیش جهنکوي العالميّ، و جیش الصحابة، و طالبان و القاعدة، و إنّ جمعيّة علماء المسلمين، فرع فضل الرحمن (

F - JHI)، و المخابرات الباكستانيّة، و طالبان، و أسامة بن لادن، و بعض التنظيمات الأخرى يُعدّون من حماته السياسيّين، و الماليّين، و اللوجستّيين.(6) و لهذا التنظيم باعتباره جزءاً من شبكة

ص: 106


1- راجع: المصدر نفسه
2- راجع: عليّ خانيّ، کتاب امنیّت بین الملل (4)، صص 78 و 79 و 83
3- راجع: جماليّ، محمّد جواد، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راهنما الشهريّة للدراسات السياسيّة: http://www.rah - nama.ir/fa/content/192. المقال المشار إليه ينصّ على أنّ هذه المجموعة قد تشكّلت في عام 1992 م بقيادة قاري سيف الله
4- راجع: عليّ خانيّ، کتاب امنیّت بین الملل (4)، ص 83
5- راجع: جماليّ، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راهنما الشهريّة للدراسات السياسيّة
6- مجموعة من المؤلّفين، كتاب آسيا (5)، صص 186 و 187

الإسلاميّين المتطرّفين، مشاركة فاعلة في أعمال العنف الإرهابيّة في جامو و کشمير؛(1) و يؤمن باستقلال کشمیر و إضعاف الدولة الهنديّة، و يدافع عن نوع من الأيديولوجيا الداعية للإسلام، حيث يعادي الغرب، و اليهود، و الهند.(2) قائد هذا التنظيم يعتقد بأنّ المسلمين يجب أن لا يتوقّفوا عن النضال حتّى يقضوا على الهند و أمريكا.(3) و من هذا المنطلق، فإنّ هذا التنظيم الذي لم يكن راضياً عن سياسة الصمت و المصالحة الضمنية التي تنتهجها الحكومة الباكستانيّة مع الهند فيما يتعلق بقضية كشمير، مال إلى مواجهتها عسكريّاً.(4) حيث أنّ هذا التنظيم كان من ضمن المتّهمين بمحاولة اغتيال برویز مشرّف الفاشلة في نهايات عام 2003 م تمّ الحكم على عمر سعید شیخ، - قياديّ في جيش محمّد - بالإعدام أيضاً، بسبب قتل دانیال بيرل - الصحفيّ الغربيّ.(5)

وعلى الرغم من كون القاعدة و السلفيّة الجهاديّة تنتمي إلى التنظيمات المتطرّفة التكفيريّة العاملة على النطاق العالميّ؛ إلّا أنّ التطوّرات التي حصلت في أفغانستان خلال العقود الماضية، تعدّ المنشأ الحقيقيّ لها، و سوف نشرح ذلك أكثر في الصفحات القادمة، بما يتناسب مع الموضوع.

بصورة عامّة، فإنّ أهمّ التنظيمات المتطرّفة و التكفيريّة المعاصرة في شبه القارّة الهنديّة و أفغانستان، من حيث نوع نشاطاتها، و عوامل نشوئها، و علاقاتها مع بعضها البعض، و التي ظهرت خلال العقود الأخيرة على أثر المستجدّات السياسيّة الاجتماعيّة، يتمّ تقديمها ضمن الجدول أدناه، و سوف نذكر المزيد في الصفحات اللاحقة حول كلّ من هذه التيّارات:

ص: 107


1- راجع: المصدر نفسه، صص 41 و 253 و 254؛ شفيعيّ، نوذر، رادیکالیسم اسلامی در پاکستان: http://www.iranembassy.pk
2- المصدر نفسه
3- المصدر نفسه، صص 252 و 253
4- راجع: جماليّ، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راه نما الشهريّة للدراسات السياسيّة: http://www.rah - nama.ir/fa/content/192
5- عليّ خانيّ، کتاب آسيا (5)، ص 186 و 187

أهمّ التنظيمات المتطرّفة و

التكفيرية

الاتّجاه الفكريّ

التأسيس

المؤسّس

الزعيم

1 تحریک طالبان باكستان

الديوبنديّة

2006 م بيت الله محسود حکیم اللہ محسود

2 تحريك نفاذ الشريعة

المحمّديّة

الوهّابيّة السلفيّة

1992 م

صوفيّ محمّد

فضل الله

3 جيش الصحابة

الديوبنديّة

1985 م

حق نواز جھنکوي

محمّد أحمد لدھیانویّ

4 جیش جهنکوي العالميّ

الديوبنديّة الوهّابيّة

1996 م

ریاض بسرا

قاري ظفر

5 جيش طيّبة

الديوبنديّة و أهل الحديث

1989 م

حافظ محمّد سعيد

ضرار شاه

6 جیش محمّد

الديوبنديّة السلفيّة

2000 م

مسعود أظهر

مسعود أظهر

7 حركة المجاهدين

الديوبنديّة السلفيّة

1998 م

فضل الرحمن خليل

فضل الرحم

8 حركة الجهاد الإسلاميّ

الديوبنديّة السلفيّة

1992 م

قاری سیف الله

محمّد إلياس کشميريّ

9 طالبان أفغانستان

الديوبنديّة السلفيّة

1994 م

الملّا محمّد عمر

الملّا عمر

10 مجلس کویته

الديوبنديّة السلفيّة

2002 م

الملّا محمّد عمر

الملّا عمر

ص: 108

الموقع الجغرافيّ

الأهداف

التوجّهات

العلاقات الداخليّة

المناطق القَبَليّة في باکستان

الجهاد الدفاعيّ من أجل تشكيل الحكومة

معادية للحكومة و الشيعة

التعاون مع القاعدة و جيش جهنکوي العالميّ

وادی سوات

تنفيذ الشريعة الطالبانيّة

معادية لأمريكا، و الغرب، و الحكومة

التعاون مع طالبان و القاعدة

بنجاب و الولايات الأخرى

منع انتشار التشيّع السياسيّ

معادية للحكومة و الشيعة

التعاون مع تحريك طالبان و جيش جهنکوي العالميّ

أرجاء باكستان

الطائفيّة و تشكيل الحكومة

معادية للشيعة

على صلة بطالبان و القاعدة

بنجاب و کشمیر

تحریر کشمیر من السلطة الهنديّة

معادية للهند و أمريكا

على صلة بالقاعدة و غيرها

كراتشي و کشمير

استقلال کشمير وإضعاف السلطة الهنديّة

معادية للهند، و معادية للحكومة، و معادية لأمریکا

التعاون مع جیش الصحابة وجيش جهنکوي العالميّ

کشمير

إشاعة الجهاد الدوليّ

معادية للهند و معادية لأمریکا

على صلة بجیش محمّد و غیره

الهند، و باكستان، و بنغلاديش

الجهاد من أجل استقلال کشمیر

معادية للهند

التعاون مع القاعدة و طالبان

أفغانستان

تشكيل الحكومة الإسلاميّة

طائفيّة ومعادية للأحزاب الداخليّة المعارضة

على صلة بالقاعدة، و الأحزاب، التنظيمات الباكستانيّة

کویته و مناطق مختلفة من أفغانستان

تحرير أفغانستان من سلطة الأجانب

معادية لأمريكا، و الناتو، و الحكومة الأفغانيّة

على صلة بالقاعدة و التنظيمات الباكستانيّة

ص: 109

دور الخلافات الفكريّة و الدينيّة في انتشار التطرّف و التكفير

كان للخلافات الدينيّة و الفكريّة بين مسلمي شبه القارّة الهنديّة و أفغانستان، و لا سيّما الخلافات بين تيّارات من أهل السنّة و أتباع المذهب الشيعيّ، دور أساسيّ في تصعيد التطرّف و ظهور الجماعات التكفيريّة؛ و جذورها تعود غالباً إلى ظهور الوهّابيّة في شبه الجزيرة العربيّة. تسبّب التوجّه الوهّابيّ المتطرّف في البداية بظهور موجة من الكراهية و الاستنكار تجاه هذا التوجّه بین المسلمين خاصّةً في أفغانستان و شبه القارّة الهنديّة، إلى درجة أنّ الصلة بالوهّابيّة كانت تُعتبر جريمة، و حتّى أنّ البعض كان يحاول تكفير معارضيه بحجّة صلتهم بالوهّابيّة(1). و لكن من ناحية أخرى، فإنّ ظهور جماعات تتّفق في أفكارها مع الوهّابيّة في شبه القارّة الهنديّة و أفغانستان، أدّى إلى نشر العنف الطائفيّ تحت شعار قتال البدع و الخرافات من أجل التخلّص من المعارضين المتديّنين و

لا سيّما الشيعة، عن طريق تكفيرهم و اعتبارهم مشرکین. من ناحية الترتيب الزمنيّ، أحمد بن عرفان (1201 - 1246 ه. ق.) و شاه إسماعيل دهلويّ (1193 - 1246 ه. ق.) ينتميان إلى أوّل مجموعة اتُّهمت بالوهّابيّة؛ لأنّهما كانا قد وقعا تحت تأثير الفكر الوهّابيّ المتطرّف، أو على الأقلّ، كانا يفكّران بنفس الطريقة. خلال الفترة التي أفتى فيها عدد من علماء الهند بأنّ الحجّ غير واجب على مسلمي الهند بسبب سيطرة الوهّابيّة على الحجاز، قام أحمد عرفان و شاه إسماعيل، و من أجل محاربة الاستعمار و إلغاء هذه الفتوى عن عمد، و توجّها إلى الحجّ برفقة حشد كبير من الناس، و عادا بعد عامين من الإقامة في الحجاز (1237 - 1239 ه. ق.) إلى الهند. و تحديداً بعد هذا الرحلة، بدآ بمحاربة البريطانيّين و السيخ، و أصبحا أكثر صرامةً في محاربة البدع و الخرافات التي كانت في رأيهما تنتشر بين المسلمين. لقد سيطرا في البداية على مناطق من الهند (شمال الهند و غربها، و بيشاور، و المدن و القرى المجاورة لها)، و قاما بتشكيل حكومة مؤقّتة على أساس الشريعة الإسلاميّة، تحت شعار إعادة إحياء الخلافة الإسلاميّة، و راحا يطبقان القوانين الإسلاميّة وفقاً لانطباعاتهما المتطرّفة. و بعد ذلك، نفّذا ثورة «بالاکوت» الكبيرة و

ص: 110


1- راجع: النمر، عبد المنعم، تاريخ الإسلام في الهند، صص 531 و 532

الفاشلة في شمال غرب الهند في عام 1246 ه. ق. / 1831 م.، ضدّ السيخ و البريطانيّين؛ و لكن، اُحبطت ثورتهما بشدّة، لأسباب؛ منها: عدم تعاون بعض المسلمين معهما لاتّهامهم بالوهّابيّة، و قتل قادة الثورة و عدد كبير من مناصريهما.(1) يوافق أتباع أحمد و شاه إسماعيل على أنّ دعوتهم تتوافق مع دعوة محمّد بن عبد الوهّاب، ولم يكن هنالك اختلاف بينهم في نوع الدعوة و العقائد؛(2) و لكنّهم يعتبرون أنّ اتّهامهم بالارتباط بالوهّابيّة بالوهّابيّة من المؤامرات البريطانيّة(3)؛ ذلك لأنّ البريطانيّين، و باعتمادهم على أقوال الجماعة و تصرّفاتها، مارسوا الحيل و اتّهموا السيّد أحمد و أتباعه، بأنّهم ينتمون إلى الوهّابيّة؛ الأمر الذي كان الناس يستنكره كثيراً. و لذلك، امتنع الناس عن التعاون مع السيّد أحمد، و مهّدوا الطريق أمام القضاء عليه و فشل ثورته.(4)

وأمّا إصرارهما على محاربة ما كانا يسمّيانه خرافات و بدعاً،(5) جعل أتباعهما يعارضون كلّيّاً الشيعة و بعض الفرق الصوفيّة السنّيّة، لدرجة أنّهم، و بسبب اختلافهم عقائديّاً مع الشيعة و الطقوس الدينيّة الشيعيّة، يقدّمون قتال الشيعة على قتال السيخ.(6)

ص: 111


1- راجع: الندويّ، أبو الحسن، إذا هبّت ريح الإيمان، صص 15 و 17؛ المؤلّف نفسه، سیرت سید احمد شهید، صفحات مختلفة، المؤلّف نفسه، التفسير السياسيّ للإسلام، صص 113 - 116؛ المؤلّف نفسه، ربّانيّة لارهبانيّة، صص 64 - 67: الحسنيّ، عبد الحي، نزهة الخواطر، ج 7، ص 900؛ الندويّ، مسعود، تاريخ الدعوة الإسلاميّة في الهند، صص 166 - 176؛ دانشنامه ی ادب فارسی در شبه قارّه ی هند، ج 4، القسم الأوّل المدخل: أحمد راي بریلويّ، صص 112 - 115؛ الشنتناويّ، أحمد وإبراهيم زكيّ خورشید، دائرة المعارف الإسلاميّة، ج 1، ص 497
2- الندويّ، أبو الحسن من أعلام المسلمين ومشاهيرهم، ص 136؛ المؤلّف نفسه، إذا هبّت ريح الإيمان، ص 18؛ أبو المكرم بن عبد الجليل، الإمام محمّد بن عبدالوهّاب بين مؤيّديه ومعارضيه في شبه القارّة الهنديّة، صص 12 و 13، مقدّمة مباركفوريّ
3- الندويّ، من أعلام المسلمين ومشاهيرهم، صص 140 - 143؛ عبد الباقي، المدارس الدينيّة الباكستانيّة، صص 76 و 77؛ عليّ رضا عطّار، دین و سیاست، ص 318
4- النمر، عبد المنعم، تاريخ الإسلام في الهند، صص 531 و 532
5- أبو المكرم بن عبد الجليل، الإمام محمّد بن عبد الوهّاب بين مؤيّديه ومعارضيه في شبه القارّة الهنديّة، صص 12 و 13؛ کریمیّ، محمّد حمّاد، حضرت سید احمد شهيد رحمة الله علیه کی نمایاں دعوتی خدمات اور امتیازی خصوصیات، مجلّة دار العلوم الشهريّة، العدد 11، ذو الحجّة 1437 ه = نوفمبر 2011 م
6- دایرة المعارف بزرگ اسلامی، ج 7، المدخل: أحمد راي بریلويّ، ص 41

وبعد ذلك، أصبحت العلاقة مع الوهابيّة من أهمّ أدوات البريلويّة في تكفيرها للمعارضة

خاصّةً الوهّابيّين، و قد ذكرنا تفاصيل أكثر عن ذلك، خلال تعريف التيّارات التكفيريّة.

كذلك في العقود الأخيرة، اتّجهت أهمّ الجماعات التكفيريّة؛ مثل: جيش الصحابة، و جيش جهنکوي العالميّ و غيرهما، و التي تشكّلت على أيدي أشخاص مرتبطین بالمدرسة الديوبنديّة، و بسبب تأثّرها بالفكر الوهّابيّ و الجماعات المتطرّفة الأخرى، اتّجهت نحو اغتيال معارضيها و القضاء عليهم.(1) اُنشئ جيش الصحابة أصلاً من أجل الحيلولة دون النفوذ الإيرانيّ في باكستان(2) و معاداة الشيعة،(3) و مخالفة طقوسهم الدينيّة،(4) و ادّعاء الدفاع عن حرمة الصحابة و صونها(5). (6) حق نواز جھنکوي - قائد جيش الصحابة - كان شخصاً متعصّباً و معادياً للشيعة أيّما معاداة، إلى درجة أنّه كان يعدّ حبّ عليّ علیه السلام و بغض معاوية الجدار العازل بين الشيعة و أهل السنّة، و يرى أنّ سبّ الصحابة و إهانتهم جدار ثابت بين الشيعة و أهل السنّة.(7) ووصفه أتباعه بأنّه مجدّد العصر(8) و بأنّ ولادته هي إعلان لنهاية الشيعة.(9)

إنّ جيش الصحابة يسعى إلى أن تكون باکستان بلداً سنّيّاً بالكامل(10)، و قائماً على الخلافة الإسلاميّة الراشدة،(11) و أن تعتبر الحكومة المذهب الشيعيّ الرسميّ، أقليّةً غير مسلمة؛ لأنّهم

ص: 112


1- راجع: رب نواز ظاهر، نقوش جهنگوی، صص 17 و 18؛ صالح الوردانيّ، فِرَق أهل السنّة: جماعات الماضي وجماعات الحاضر، ص 223
2- راجع: جماليّ، جواد، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راهنما الشهريّة للدراسات السياسيّة: http://www.rah - nama.ir/fa/content/192
3- رب نواز ظاهر، نقوش جهنگوی، ص 56
4- المصدر نفسه، ص 40
5- المصدر نفسه، ص 15، مقدّمة عطف محمّد میانوالويّ
6- المصدر نفسه، ص 22
7- رب نواز، المصدر نفسه، صص 12 و 13
8- المصدر نفسه، صص 29 و 57 و 61
9- راجع: المصدر نفسه، صص 15 - 18
10- راجع: المصدر نفسه، صص 28 و 59 و 60
11- المصدر نفسه، ص 28

يؤمنون بأنّ السنّة يشكّلون 98٪ من أبناء الشعب الباكستانيّ، و أنّ الشيعة ليسوا سوى 2٪ منهم؛ فلا يحقّ إذن، لهذه الأقلّيّة أن تمثّل دوراً سياسيّاً في البلاد، عن طريق تشكيل الأحزاب و ما شابه.(1) و انطلاقاً من ذلك، نظّمت هذه الجماعة و فرعها العسكريّ - أي: جيش جهنکوي العالميّ - و كلاهما يُعدّان من أخطر الجماعات التكفيريّة في المنطقة، كفاحاً واسع النطاق ضدّ التحدّيات الشيعيّة المحتملة؛(2) حتّى أنّهما، بالإضافة إلى اغتيال الكثير من السياسيّين الباكستانيّين، يتحملّان المسؤوليّة الرئيسيّة عن قتل الكثير من الشيعة الباكستانيّين و المسؤولين و المواطنين الإيرانيّين.(3) فحسَب تصريح رحمن ملك - وزير الداخليّة الباكستانيّ - فإنّ 80٪ من العمليّات الإرهابيّة و الطائفيّة التي تحصل في مناطق مختلفة من باكستان، تقوم بها عناصر جماعة جيش جهنکوي العالميّ المتشدّدة و المتطرّفة.(4) إنّ أعمال العنف التي قامت بها جماعة جيش جهنکوي الإرهابيّة في المناطق الشيعيّة الباكستانيّة و قتل الشيعة الباكستانيّين المظلومين و الأبرياء، جعلت تسميةَ هذه الجماعة المتطرّفة و المخيفة تجري أكثر من أیّ وقت مضى، على الألسن.(5) هذه الجماعة بعد هجومها الإرهابيّ على الشيعة في فبراير عام 2013 م في مدينة كويته الباكستانيّة، و الذي أسفر عن مقتل وجرح أكثر من مئة شخص، أعلنت مسؤوليّتها عن الانفجار، و صرّحت في بيان رسميّ بأنّ «الشيعة كفرة، و قتل الشيعة واجب، سوف نطهّر باکستان من الأنجاس، باکستان تعني الأرض الطاهرة، ولا يحقّ للشيعة أن يعيشوا هنا. لدينا فتاوى مكتوبة بخطّ يد علمائنا تنصّ على أنّ الشيعة كفرة...»(6).

ص: 113


1- المصدر نفسه، صص 54 و 55
2- راجع: مجموعة من المؤلّفين، کتاب آسيا (5)، ویژه ی مسائل پاکستان، صص 38 و 39 و 187 و 188 و 244
3- راجع: المصدر نفسه، صص 39 و 40 و 189 و 190 و 245 و 249؛ واعظيّ، طيّبة، مناسبات راهبردی ایران و پاکستان، صص 160 و 161 و 166؛ جایگاه احزاب و گروه ها در پاکستان، مجلّة پاکستان دیلی، ترجمة محمّد صرفيّ، صحيفة کیهان: العدد 19215؛ عراقيّ، مهديّ، نقش احزاب و جنبش های اسلامی در صحنه ی سیاسی پاکستان: http://www.aftab.ir ، تاريخ التسجيل: 12 من فبراير 2008 م
4- //www.asnoor.ir/Public/Articles/ViewArticles.aspx?Code=219172, http: 24/12/1392
5- http://avapress.com/prtj8vei.uqehtzsffu.html
6- النصّ الأصليّ والكامل لرسالة جهنكوي باللغة الأرديّة وترجمتها إلى الفارسيّة، والتي تبدأ بقوله: «فقاتلوا أئمّة الكفر، شیعه کافر هي، شيعه واجب القتل هي»، وهي موجودة في الموقع الإلكترونيّ أدناه: www. http://hazarapix.jimdo.com...D8%.A7

وفي غضون ذلك، لا يمكننا أن نغضّ الطرف عن الدور الذي لعبته الكتب المعادية للشيعة و التي أصدرها علماء شبه القارّة الهنديّة، في تصاعد حدّة الخلافات الدينيّة، ممّا أدى إلى مواجهة أكثر بين المتطرّفين و الشيعة؛ لأنّه - و للأسف - قد تمّ تأليف كتب كثيرة خلال القرنين الماضيين، من قبل علماء التيّارات المختلفة، تعارض الشيعة و توجّه انتقادات لهم و تردّ معتقداتهم، حيث يُعدّ كتاب «التحفة الإثني عشريّة» للشاه عبد العزيز دهلويّ (1159 - 1239 ه) من أسوء أنواع هذه الكتب.

دور المدارس الدينيّة الباكستانيّة في تصاعد التطرّف

بصورة عامّة، يقسَّم النظام التعليميّ القائم في باكستان إلى ثلاثة أقسام، هي: الدينيّ، و

الحكوميّ، و الخاصّ.

- المدارس الدينيّة الباكستانيّة، و هي أشهر الأقسام الموجودة في النظام التعليميّ

في هذا البلد، و غالباً ما تتكوّن من الطلبة الذين ينتمون إلى أكثر فئات المجتمع فقراً.

- النظام التعليميّ الحكوميّ باللغة الأورديّة، حيث يدرس

فيها 60٪ من الأطفال المؤهّلين للدراسة. ينتمي أغلب تلاميذ المدارس الحكوميّة إلى الفئات الاجتماعيّة و الاقتصاديّة المتوسّطة، أو إلى طبقة أدنى منها بعض الشيء.

- لقد تخلّى عوائل الفئات الموسرة في باكستان عن النظام التعليميّ الحكوميّ، و صاروا يرسلون أولادهم إلى المدارس الخاصّة الناطقة باللغة الإنكليزيّة التي تقدّم نظاماً تعليميّاً بجودة ممتازة.

إنّ النظام التعليميّ الثلاثيّ، أدّى إلى ظهور اختلافات لافتة للنظر في وجهات النظر لتلاميذ هذه المدارس. ومن الأمثلة على ذلك أنّ تلاميذ المدارس الحكوميّة يتفاهمون مع أصحاب الأفكار المعارضة إلى حدّ كبير و عندهم ميول أقلّ إلى الأفكار الجهاديّة؛ مع ذلك، فإنّهم يتعاملون بمرونة أكثر حيال هذه الظاهرة، ممّا يفعل تلاميذ المدارس الخاصّة. كما أنّ الكثير منهم يثنون - لا محالة - على كلّ من أسامة بن لادن و صدّام حسین، بسبب توجّهاتهما المعادية للغرب.

ص: 114

تلاميذ المدارس الخاصّة لا يعترفون بنظائرهم في المدارس الحكوميّة، ولا يطيقون

القرويّين. و أغلبهم يعدّون تركيا الأنموذج المناسب بالنسبة لباكستان.

وفي غضون ذلك، ينظر تلاميذ المدارس الدينيّة إلى الجهاد بطريقة إيجابيّة؛ فإنّهم يتقبّلون وجهات نظر أسامة بن لادن بصورة أكبر، و يرون فيه البطل الذي سلّ سيفه بوجه الغرب الفاسد؛ و كذلك، ينظرون إلى أفغانستان الخاضعة لحكومة طالبان، و إلى إيران، على أنّهما بلدانِ مثاليّان، بسبب سياساتهما المعادية للغرب.(1)

إنّ تطوير المدارس الدينيّة، خاصّةً في باكستان، و في ظلّ تعاون بعض الحكّام مع الإسلاميّين، مهّدت أرضيّة ملائمة لتشكيل جماعات سياسيّة وعسكريّة مختلفة من بين خرّيجي المدارس، حيث بدأ جميعهم يسعون نحو هدف واحد (الدفاع عن الإسلام المطلوب لديهم)؛ و لكنّهم دخلوا ساحة الصراع بطرق مختلفة نسبيّاً.(2) على الرغم من أنّ المراكز الدينيّة الأساسيّة في الهند و باکستان قامت بتطوير نظامها التعليميّ، و جعلت تدريس العلوم الحديثة إلزاميّاً، إلى جانب تدريس العلوم الإسلاميّة(3)، لكنّ أغلب المدارس الدينيّة الباكستانيّة منعت تلاميذها من تعلّم العلوم الحديثة، و عدّت محاربةَ مراكز تدريس العلوم الحديثة من برامجها و واجباتها الأساسيّة. كما أنّه، في زمن حكم طالبان لأفغانستان، اُغلقت أغلب المدارس الحكوميّة، و خاصّة أنّه حُظرت البنات و النساء من الدراسة في المدارس الحكوميّة حظراً تامّاً. و هذا هو الحال الآن في المناطق التي تسيطر عليها طالبان في أفغانستان وباكستان.

ص: 115


1- راجع: عليّ خانيّ، عبد الله، کتاب امنیّت بین الملل (4) (ویژه ى القاعدة)، صص 112 - 117
2- راجع: عارفيّ، أكرم، جنبش اسلامی پاکستان، ص 81
3- قام منتدى فقه دار العلوم في ديوبند في تاريخ 8 - 9 من محرّم الحرام 1431 ه = 26 - 27 من ديسمبر عام 2009 م.، بعقد مؤتمر كبير بمشاركة المدارس التابعة لدار العلوم؛ منها مظاهر العلوم في سهارنبور، وندوة العلماء في لکهنو، وجامعة علیكرة الإسلاميّة. وفي هذا المؤتمر، بالإضافة إلى تأكيد أتباع الديوبنديّة على ضرورة الاهتمام بتدریس الفقه في المدارس الإسلاميّة بشكل جادّ، اعتبروا أنّه من الضروريّ في المدارس الدينيّة أن يهتمّوا بالمواضيع الجديدة، وكذلك تدريب متخصّصين من أجل استخلاص الأحكام في المواضيع المستحدثة. (راجع: قاسميّ، تنویر خالد، مجمع الفقه الإسلاميّ يعقد بمدينة دیوبند ندوة حول مناهج تدريس الفقه الإسلاميّ بالمدارس والجامعات الإسلاميّة في شبه القارّة الهنديّة، الداعي، السنة 34، العددان 4 و 5.)

ولكن من جانب آخر، فإنّ غياب نظام تعليميّ موحّد يتناسب مع ظروف العصر في المدارس الدينيّة، و إدارتها وفقاً للأهواء، بالإضافة إلى الخلافات الفكريّة بين التيّارات المختلفة، دفَعَ تلك المدارس نحو التطرّف الداخليّ و الدينيّ؛ لأنّ الهدف الرئيسيّ الذي يرنو إليه المديرون و الرؤساء و تلاميذ المدارس الدينيّة هو نشر ما يعتقدون بأنّه السلوك الإسلاميّ الأصيل. و لذلك، فإنّ أغلب هذه المدارس تعتبر أنّه من واجبها نشر الأيديولوجيا الإسلاميّة على الصعيد الداخليّ.(1) و للأسف، يُعدّ استخدام أداة تكفير الآخرين و تفسيقهم و ارتكاب أعمال عنف أكثر في ظلّ هذه الأفكار، من أسوء الأدوات التي يستخدمونها من أجل تحقيق أهدافهم. لهذا، و خلال العقود الثلاثة الماضية، كان معظم المتطرّفين التكفيريّين من خرّيجي المدارس الباكستانيّة أو المدارس المرتبطة بها. و بعض هؤلاء؛ من أمثال: جیش الصحابة و جيش جهنګوي العالميّ، أقبلوا باتّجاهاتهم الطائفيّة المتشدّدة، على نشاطات عسكريّة مروّعة؛ منها اغتيال الشيعة.(2)

بعد حادث 11 سبتمبر عام 2001 م، تمّ توجيه أغلب المدارس الدينيّة نحو معاداة الغرب. و على هذا الأساس، تُعدّ هذه المدارس حاليّاً، مصدراً للمشاعر المناهضة للغرب. جميع هذه المدارس تحارب الظواهر الاجتماعيّة و السياسيّة الغربيّة كافة، لدرجة أنّهم ينظرون إلى رياضة الكريكت على أنّها مؤامرة. كما أنّه وفي بدايات عام 2008 م، أدانت «وفاق المدارس العربيّة» التابعة للمدرسة الديوبنديّة، المحاولة من أجل إقامة مباريات الكريكت.(3)

ص: 116


1- راجع: جماليّ، جواد، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راه نما الشهريّة للدراسات السياسيّة: http://www.rah - nama.ir/fa/content/192
2- راجع: واعظيّ، مناسبات راهبردی ایران و پاکستان، ص 148
3- صمديّ، مهين السادات، مدارس: نیروی مهارناپذیر پاکستان، صحيفة ايران، العدد 4040، ص 19

في هذه الأثناء، ظهر نوع من الطالبانيّة الجديدة بين خريّجي المدارس، و عن طريق توفير المخابئ للمقاتلين الانتحاريّين القادمين من بلدان أجنبيّة، سعوا إلى زعزعة استقرار الحكومة الأفغانيّة الجديدة، و كذلك، محاربة باكستان و بلدان أخرى أيضاً.(1)

وعلى إثر هذه القضيّة، أجبرت الولايات المتّحدة الأمريكيّة و المجتمع الدوليّ، باکستانَ ضمن إطار مكافحة التطرّف الدينيّ، على أن تضع في رأس قائمة أولويّاتها، الضغطَ على المدارس الدينيّة في هذا البلد و أن تقوم بطرد الطلّاب الأجانب فيها.(2) في البداية، لم يكن الجنرال مشرّف - الرئيس الباكستانيّ آنذاك - يرضخ، و يقول بأنّ المدارس الدينيّة في تنظيمات غير حكوميّة واسعة تقوم بتدريس العلوم الدينيّة لأكثر من مليون تلميذ بالمجّان، و يجب أن لا نتصوّر أنّهم كلّهم، يخالفون القانون.(3) و لكن، بعد الهجوم الانتحاريّ في لندن، بتاريخ 7 من يوليو عام 2005 م، بلغت التهم الموجّهة إلى المدارس الدينيّة الباكستانيّة ذروتها، خاصّة أن أحد الانتحاريّين كان من أصول باكستانيّة و قد درس في إحدى المدارس الدينيّة في لاهور. فازدادت بعد هذا الهجوم، الضغوط الغربيّة على باكستان من أجل السيطرة على خريّجي المدارس الدينيّة، لدرجة أنّ القنصل الأمريكيّ في بشاور، قام بزيارة مباشرة لدار العلوم المركزيّة في بشاور، و اطّلع على تفاصيل عملها عن كثب. على أثر ازدياد الضغوط، اجتمع برويز مشرف في الخامس عشر من يوليو عام 2005 م في إسلام آباد بالمسؤولين الأمنيّين في الولايات الباكستانيّة الأربع، و طلب منهم القيام بإجراءات حاسمة و فوريّة ضدّ الإرهابيّين و مثيري الرعب. و على أثر ذلك، تصاعدت الضغوط على المدارس الدينيّة و تمّ إلقاء القبض على الكثير من الناشطين الدينيّين و اعتقالهم.(4)

ثمّ، بذلت حكومات الولايات الباكستانيّة، الكثير من الجهود من أجل تعديل النصوص التعليميّة في المدارس؛ و إن لم تحقّق نجاحاً يُذكر في ذلك المجال. و في بدايات يوليو

ص: 117


1- راجع: المصدر نفسه
2- بابائيّ نجاد، آزاده، آینده ی نامعلوم برای مدارس دینی پاکستان، صحيفة اعتماد ملّی، العدد 1448، ص 13
3- پیشینه و حال مدارس دینی پاکستان: www.aftab.ir
4- راجع: سعیديّ، أحمد، مدارس دینی و مسؤولیّت حکومت پاکستان: ghor.com - http://www.jame

2008 م أعلن آصف عليّ زرداريّ - زعيم حزب الشعب الباكستانيّ - في المؤتمر الدوليّ الثالث و العشرين للاشتراكيّين في مدينة أثينا، عن تحوّل المدارس إلى مخابئ للمتمرّدين في المناطق القَبَليّة الأفغانيّة و الباكستانيّة. في ذلك اليوم، جدّد زرداريّ وعدَ مشرّف بأنّ حكومته ستقوم بإعادة النظر في المناهج الدراسيّة، و تحذف أيّ نصّ يروّج للعنف.(1)

استنكرت أغلب الجماعات الدينيّة و الأحزاب السياسيّة خطة زرداريّ من أجل السيطرة على هذه المدارس. صرّح القاضي حسين أحمد - زعيم حزب الجماعة الإسلاميّ الباكستانيّ - بأنّ بيان آصف عليّ زرداريّ يعكس آراء رئيس الجمهوريّة مشرّف، و الذي تسعى باكستان من خلاله، إلى طمأنة الغرب أنّها متضامنة معه. حذّر حسين أحمد أحمد من أنّ زرداريّ و سائر القادة الباكستانيّين يجب أن يضعوا حدّاً للضجيج النفعيّ المفتعل ضدّ المدارس و الذي يستغلّ ما يُسمّى «باکستان: أرض الإرهابيّين».

وكذلك، فإنّ أغلب الأحزاب كانت معارضة لحزب الشعب بقيادة زرداريّ، وطلب المولويّون الباكستانيّون من الحكومة إدراج أسماء الطلّاب الأجانب، و الذين أغلبهم من الرعايا العرب المتطرّفين، في القائمة السوداء.(2)

تأثير التدخّلات الأجنبيّة على انتشار الفكر التكفيريّ

وفقاً للتقارير، فقد كان للاستعمار البريطانيّ في شبه القارّة الهنديّة منذ عام 1707 م إلى حوالي عام 1950 م، دور مباشر في تأجيج الكثير من الخلافات الفكريّة و الدينيّة بين المسلمين، لدرجة أنّ الجماعات المختلفة و لا سيّما الديوبنديّة و البريلويّة، كانت تعتبر أن تطرّف الطرف الآخر نابع من علاقته مع الاستعمار.(3) و قد قيل حول أتباع البريلويّة بأنّهم كانوا يعارضون - و بقوّة - أعمال الديوبنديّة المعادية للاستعمار في ظلّ حركة

ص: 118


1- صمديّ، مهين السادات، مدارس: نیروی مهارناپذیر پاکستان، صحيفة ایران، العدد 4040، ص 19
2- المصدر نفسه
3- راجع: خالد محمود، مطالعه بریلویت (بالأرديّة)، ج3، صص 358 - 368؛ مظاهريّ، نور محمّد، رضاخانیون کیکفر سازیان، ص 245 - 254؛ شاهوزهيّ، عبد الغنيّ، صراط المستقيم، صص 135 - 138

الخلافة، و حركة ترك موالاة الاستعمار، و كذلك حركة الرسائل الحريريّة محمود حسن دیوبنديّ لمواجهة الاستعمار، و بالمقابل، اتّهم أتباع الديوبنديّة، أتباعَ البريلويّة بالتعاون مع الاستعمار للنيل من الديوبنديّة، و ذلك بسبب معارضتهم لهم ولأسباب و أدلة أخرى(1)، و قالوا بأنّ أتباع البريلويّة حصلوا على رُخَص مختلفة من الاستعمار البريطانيّ، و على هذا الأساس، ينشرون أفكارهم بحرّيّة تامّة، و يكفّرون و يخطّئون غيرهم.(2) حسب ما قاله بعض المؤلّفين، فإنّ البريطانيّين كانوا من جهة، يشجّعون أتباع البريلويّة على اعتبار حكومة الحجاز و أتباع الديوبنديّة وهّابيّةً، ليحرّضوا بذلك، المسلمين ضدّهم، و من جهة أخرى، كانوا يشجّعون أتباع البريلويّة على عبادة القبور و القيام بأعمال خرافيّة أخرى، ليمهّدوا الطريق للمواجهة بين المسلمين الآخرين و بينهم.(3)

من ناحية أخرى، فإنّ الأنشطة الواسعة المضادّة للاستعمار التي قام بها علماء الديوبنديّة، لم تمنع معارضيهم من ذكر الكثير من الأدلّة التي تشير إلى ارتباطهم بالاستعمار. فهم يرون أنّ توجّهات الديوبنديّة المتطرّفة، غالباً ما تتّصل بالتدخّلات البريطانيّة في نصوصهم و أنشطتهم التعليميّة؛ و كان أتباع الديوبنديّة، بسبب علاقتهم مع البريطانيّين، يكفّرون و يفسّقون الجماعات المعارضة لهم؛ مثل: أهل الحديث، و الشيعة، و غيرهم، بتهمة ارتباطهم بالوهّابيّة أو إيمانهم بتجسيد الله - سبحانه و تعالى - أو انحصاره في مكان معيّن أو إيمانهم بجواز التقيّة و إهانة السلف الصالح، و كذلك، يحرّمون الزواج بهم أو تناول ذبائحهم، و باعتبارهم طغاةً، ينأون بأنفسهم عن التورّط في أعمال الشغب، فيعبّدون الطريق أمام البريطانيّين لقمعهم.(4)

بغضّ النظر عن صحّة هذه التهم أو بطلانها، فإنّ مجمل الآراء الآنفة الذكر من قبل التيّارات المختلفة، و اتّهام أحدهم للآخر، يشير إلى أنّ تصاعد التطرّف و نشر التكفير و التنسيق بين المسلمين أدّى إلى أن يعتبروا الاستعمار البريطانيّ أهمّ أسباب زرع الفتنة

ص: 119


1- راجع: خالد محمود، مطالعه بریلویت (بالأورديّة)، ج 3، صص 358 - 368
2- راجع. مظاهريّ، نور محمّد، رضاخانیوں کفر سازیاں، صص 245 - 254
3- راجع: خالد محمود، مطالعه بریلویت (بالأورديّة)، ج 5، صص 34 - 37
4- شاهوزهيّ، عبد الغنيّ، صراط المستقيم، ص 138

و الخلاف بين المسلمين. و هو غير مستبعد، حتّى ولو غضضنا الطرف عن الآراء السابقة الذكر.

إنّ الدور البريطانيّ واضح أيضاً في نشر الأفكار التكفيريّة و الجرائم المترتّبة على ذلك في أفغانستان. فقد حاولت بريطانيا، بعد سيطرتها على شبه القارّة الهنديّة عدّة مرّات أن تفرض سيطرتها على أفغانستان، و لكنها في كلّ مرّة تعرّضت لهزيمة ساحقة و اُجبرت على التراجع؛ إلى أن قرّرت أن تطبّق سياساتها الاستعماريّة عن طريق الحكّام الخونة. و في هذا الصدد، كانت حكومة «عبد الرحمن خان جبّار» (1880 - 1901 م) من أكثر الحكومات طائفيّةً، و التي ظهرت إلى حيّز الوجود بتعاون و تخطيط بحت من البريطانيّين. عبد الرحمن الذي كان رجلاً محبّاً للسلطة و من سلالة الملوك الأفاغنة السابقين، تولّی سلطة كابول عام 1880 م و تزامناً مع هزيمة البريطانيّين في عدّة مدن مهمّة في أفغانستان. و منذ ذلك الحين، بدأ البريطانيّون بمراسلته، و أسفر ذلك في نهاية المطاف، إلى إقامة صالات ودية مع البريطانيّين و تبعيّته الكاملة لهم(1) لدرجة أنّ البريطانيّين أعلنوا عن دورهم المباشر في تسلّم عبد الرحمن مقاليد الحكم، و الطريف أنّه لم يكن ينفي هذه العلاقة، بل يعدّ التعاون الثنائيّ أمراً عاديّاً.(2) ومن أجل أن يثبت البريطانيّون دعمهم الكامل لعبد الرحمن، كانوا يزوّدون الحكومة الأفغانيّة بكمّيّة لا بأس بها من الأسلحة و العتاد سنويّاً مقابل مبالغ ماليّة، و في عام 1885 م أهدى أحد القادة البريطانيّين إلى عبد الرحمن سیفاً مرصّعاً بالماس و الذهب تعظیماً و تکریماً له، فردّ عبد الرحمن قائلاً: «سأضرب أعناق أعداء حكومتي و أعداء حكومتكم بهذا السيف.» و من ثمّ، كان يعلن دوماً أنّه يستلم الأوامر من «الحاكم» (البريطانيّين)، و أيّ أمر يصدرونه، سيتمّ تنفيذه.(3) و ما حصل بعد هذه العلاقة غير المباركة و الدعم الشامل هو نشر النفاق و الخلافات القوميّة و الدينيّة التي كان وعاظ السلاطين من أهل السنّة يزيدونها حدّةً، يوماً بعد يوم. و بالتالي، أدّى ذلك إلى تصفية شاملة للقوميّات و المذاهب و لا سيّما الهزارة

ص: 120


1- فرهنك، میر محمّد صدّیق، افغانستان در پنج قرن اخیر، صص 390 - 392
2- راجع: أفشار، إيرج، تاریخ افغانستان: سفرنامه و خاطرات عبد الرحمن خان، صص 113 - 420
3- غرجستانيّ، محمّد عيسى، كلّه منارها در افغانستان، صص 52 و 53

الشيعة، و ربّما لا يكون التاريخ قد شهد مثيلاً لها. لدرجة أنّهم كانوا يبنون تلالاً من رؤوس القتلى؛ و من الأمثلة على ذلك أنّ عبد الرحمن، و عن طريق الدعم السياسيّ و العسكريّ البريطانيّ له، و بالاستناد إلى فتاوی علماء البلاط من أهل السنّة في ضرورة قتال الهزارة الشيعة، قام أخيراً و بعد ثلاث سنوات من الحرب على الشيعة في المناطق المركزيّة (1891 - 1893 م)، بهجمة كبيرة على تلك المناطق، و اجتاحها بقتل ونهب لا مثيل لهما في التاريخ، ونتيجةٌ لذلك، قُتل آلاف من الناس في مجازر كبيرة و بحجج واهية، و بیعت بنات الشيعة و نساؤهم وصغارهم في أسواق أفغانستان و شبه القارّة الهنديّة عبيداً و جواريَ إلى الهندوس، و السيخ، و النصارى، و غيرهم.(1) حتّى أنّ المسؤولين البريطانيّين صرّحوا بأنّه ما يقارب تسعة آلاف شخص من قوميّة الهزارة الشيعة تمّ بيعهم في سوق كابول فقط، باعتبارهم جواريَ و عبيداً خلال الفترة من شهر يوليو عام 1892 م و حتّى شهر يونيو عام 1894 م حتّى أنّ عبد الرحمن عندما سمع بانغماس مقاتليه في الملذّات بالمناطق المركزيّة، طلب منهم و بوقاحة شديدة، أن يختاروا عدداً من النساء و البنات من أجل إرسالهنّ إلى الحرملك.(2)

يعدّ أغلب المحلّلين أنّ توجّه عبد الرحمن هذا، ناتج عن عدائه للشيعة، و الذي كان يزداد نتيجةً لفتاوى علماء البلاط وفي ظلّ الدعم البريطانيّ الشامل، حيث ذكرت کتب التاريخ الأفغانيّ التفاصيل المؤلمة لتلك الأحداث بصورة كاملة، و لا يسعنا أن ندرسها أكثر في إطار هذا المقال القصير.(3)

وأمّا في عصرنا الحاليّ، فعلى الرغم من تشكيل جبهة دوليّة ضدّ «الإرهاب» بزعامة أمريكا وبريطانيا، و شنّ حرب واسعة النطاق على أفغانستان و بلاد أخرى، بحجّة محاربة التيّارات المتطرّفة و التكفيريّة، لم يُحقَّق نجاح في هذا المجال، بل ظهرت جماعات و أحزاب مختلفة في المنطقة تحت مسمّى الدفاع عن الدين و المذهب، و بدلاً

ص: 121


1- راجع: فرهنك، المصدر السابق، صص 402 و 403؛ غرجستانيّ، المصدر السابق، صص 217 - 234
2- راجع: فرهنك، المصدر نفسه، ص 403
3- لمزيد من المعلومات عن الجرائم والفظائع التي ارتكبها عبد الرحمن، راجع: كاتب، الملّا فيض محمّد، سراج التواریخ، ج 3، صص 193 - 453؛ غرجستان، المصدر السابق، صص 217 - 234

من أن يدخلوا في مواجهة مع أمريكا و الغرب، استهدفوا البلدان الإسلاميّة بأدوات التكفير و الإرهاب. و تشير الشواهد إلى أنّ الدول الغربيّة لا تسعى إلى القضاء على الجماعات التكفيريّة و المتطرّفة فحسب، بل إنّها تدعمها بطرق مختلفة. كما أنّ بعض التقارير تفيد أنّ دعم أمريكا و بعض البلدان العربيّة للجماعات التكفيريّة؛ مثل: جیش جهنکوي العالميّ و غيره، بلغ حداً بحيث أطلقت بعض المصادر الغربيّة على عدد من الدول العربيّة تسمية «الصرّاف الآليّ للإرهابيّين»، و الطريف أنّ وزارة الخارجيّة الأمريكيّة تعترف رسميّاً بالدعم المالي لهذه البلدان للتنظيمات الإرهابيّة؛ مثل: طالبان و جيش طيّبة في باكستان.(1) و بناءً على هذا، فإنّ البعض يعتقد أنّ الجماعات الإرهابيّة؛ مثل: جيش

جهنكوي العالميّ هي في الأساس، جزء من شبكة الإرهاب التابعة لأمريكا، و إسرائيل، و بعض البلدان العربيّة، و تحظى بدعمهم في إطار الإرهاب العالميّ.(2)

دور الحكومة و الأحزاب الإسلاميّة الباكستانيّة في تعزيز التيّارات التكفيريّة

وفقاً للتقارير، فإنّ الجماعات المتطرّفة المذكورة، لطالما حظيت بدعم من بعض المنظّمات الحكوميّة و الأحزاب و التيّارات السياسيّة الدينيّة الباكستانيّة و الأجانب المتعاونين معهم. و من الأمثلة على ذلك أنّ تیّار جیش الصحابة التكفيريّة كان قد اُنشئ بدعم من باكستان و بعض الدول الغربيّة و العربيّة من أجل مواجهة النفوذ الإيرانيّ في باكستان، و الحدّ من انتشار التشيّع.(3) ذلك لأنّه بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، شعرت بعض البلدان العربيّة و الغربيّة؛ منها: المملكة العربيّة السعوديّة و أمريكا بالخوف من انتشار الفكر الثوريّ الإسلاميّ الإيرانيّ بين شيعة باكستان و شيعة المناطق الأخرى، لا سيّما أنّه قد ظهرت تحرّكات أيضاً في إطار تشکيل أحزاب سياسيّة دينيّة، من قبل

ص: 122


1- راجع: طوني کار تالوتشي (Tony Cartalucc)، شبکه ی ترور آمریکا در پاکستان: http://www.rah - nama.ir/fa/content/682. D9%86
2- المصدر نفسه، ص 198
3- راجع: وردانيّ، فِرَق أهل السنّة: جماعات الماضي وجماعات الحاضر، ص 223؛ جماليّ، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راه نما الشهريّة للدراسات السياسيّة: http://www.rah - nama.ir/fa/content/192

الشيعة، و لذلك، فقد قاموا بتشكيل جيش الصحابة من أجل منع انتشار التشيّع.(1) إنّ هذه الجماعة و فرعها العسكريّ - أي: جيش جهنکوي العالميّ - كانا يعملان بحرّيّة لسنوات، بدعم من وكالات المخابرات و الأحزاب السياسيّة الباكستانيّة؛ و إن دفَعَ التطرّف الشديد لجيش الصحابة، الحكومةً الباكستانيّة إلى الإعلان عن حلّها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، و كذلك الإعلان عن أنّ نشاط أعضاء هذه الجماعة مخالف للقانون.(2) و الأعمال الإرهابيّة الواسعة التي قام بها جيش جهنکوي العالميّ ضدّ الناشطين، و الجماعات، و التيّارات المعارضة خاصّةً الشيعة، و المسؤولين الحكوميّين، و الأطبّاء، و التجّار، و المفكّرين الباكستانيّين، أدّت إلى إدراج اسم الجيش في قائمة المنظّمات الإرهابيّة(3)، حيث تمّ الإعلان عن عدم شرعيّة نشاط هذا الحزب في عام 2002 م بسبب مشاركته في عمليّات عسكريّة.(4)

وإنّ منظّمة «حركة المجاهدين» التي تأسّست في عام 1985 م من قبل جمعيّة علماء الإسلام، فرع فضل الرحمن، و بزعامة شخص اسمه «أختر»، سرعان ما حظيت بدعم من آي. إس. آي، و قد مدّت المخابرات الباكستانيّة هذه الجماعةً بإمكانيّات تعليميّة في وزیرستان الجنوبيّة (في باكستان) و ولاية خوست الأفغانيّة.(5) و كذلك، تُعدَ المخابرات الباكستانيّة، بالإضافة إلى طالبان و تنظيم القاعدة، الداعمين الأساسيّين ماليّاً و لوجستيّاً لجيش محمّد، المقرّب سياسيّاً من «جمعيّة علماء الإسلام، فرع فضل الرحمن» (

F - JHI)(6).

ص: 123


1- راجع: رب نواز ظاهر، نقوش جهنگوی، صص 15 و 56؛ مجموعة من المؤلّفين، كتاب آسيا (5)، ویژه ی مسائل پاکستان، صص 38 و 39 (هوامش الصفحة 29)، صص 187 و 188 و 244؛ جماليّ، جواد، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راه نما الشهريّة للدراسات السياسيّة: http://www.rah - nama.ir/fa/content/192
2- راجع: المصدر نفسه؛ فراهانیّ، أحمد، قتل رهبر گروه سپاه صحابه، صحيفة جام جم، العدد 2637، ص 6
3- http://avapress.com/prtj8vei.uqehtzsffu.html
4- http://www.asnoor.ir/Public/News/ViewNews.aspx?Code=806340,15/12/91
5- راجع: عليّ خانيّ، عبد الله، کتاب امنیّت بین الملل (4)، صص 78 و 79 و 83
6- مجموعة من المؤلّفين، کتاب آسيا (5)، ص 186 و 187

خلال فترة ظهور طالبان و سلطتها في أفغانستان، كانت الأحزاب السياسيّة الباكستانيّة إضافةً إلى الجيش و مخابرات الحكومة من حماتها الرئيسيّين. و من الأمثلة على ذلك أنّ مولانا فضل الرحمن و مولانا سمیع الحقّ - من زعماء جمعيّة علماء الإسلام - أرسلا الآلاف من طلّاب مدارسهما إلى أفغانستان، ليقاتلوا إلى جانب طالبان. و قد أصدرا عدّة فتاوى من أجل تحفيز عمليّة التحاق مقاتلي المدارس الدينيّة الباكستانيّة بطالبان الأفغانيّة.(1)

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر و سقوط طالبان، على الرغم من أنّ الحكومة

الباكستانيّة و بتغييرها لسياستها، توقّفت في الظاهر عن دعم طالبان، و التحقت بصفوف معارضيها، غير أنّ الأحزاب السياسيّة و كذلك المؤسّسات الحكوميّة المهمّة؛ مثل: الجيش و المخابرات الباكستانيّة، حافظت على علاقاتها الودّيّة مع طالبان. و كان الإسلاميّون الذين يكنّون احتراماً خاصّاً لطالبان، يوفّرون ملاذاً آمناً لقوّاتها الهاربة، و يدعون للملّا عمر، و يجلّون أعضاء طالبان الذين قُتلوا خلال الحرب مع الجبهة الشماليّة الموحّدة و أمريكا.(2) ومن الناحية السياسيّة، لطالما سعت عناصر الديوبنديّة من ذوي الأصول البشتونيّة العاملين في الحكومة الباكستانيّة، إلى تعزيز طالبان في الخفاء.(3)

بالرغم من تمتّع تنظيم القاعدة بالدعم المباشر من الأحزاب السياسيّة و المنظّمات الحكوميّة الباكستانيّة، احتفظت المنظّمات المذكورة أعلاه بتواصلها معه سرّيّاً، و ذلك بعد الهجوم الأمريكيّ على أفغانستان من أجل القضاء على تنظيم القاعدة؛ إلى درجة أنّ الأحزاب السياسيّة الباكستانيّة كانت تقدّس أسامة بن لادن باعتباره منقذاً و مجاهداً في سبيل الله.(4) و من هذا المنطلق، عارضوا و بشدّة، تعاون حكومة مشرّف مع أمريكا في الحرب على أفغانستان، و حذّروا من أيّ خطوة تُصبّ في هذا الاتّجاه.(5) و هذه الجماعات؛ منها: جمعيّة علماء الديوبنديّة و جيش الصحابة، و التي كانت قد استشاطت

ص: 124


1- اندیشمند، محمّد أكرم، ظهور پاکستان در همسایگی افغانستان، 6 من أكتوبر 2008 م. WWW.afghanistanhistory.net
2- راجع: محمّد حسن، خوشبو والاعقیده یعنی عقیدہ حیات النبي صلی الله علیه و آۀه وسلم، صص 117 و 118
3- راجع: سرافراز، محمّد، جنبش طالبان از ظهور تا افول صص 271 - 279
4- فدويّ، عبد القيّوم، اسامه بن لادن و ماجراها، ص 229
5- المصدر نفسه، ص 198

غضباً من مواقف مشرّف المعادية لابن لادن، خرجوا في مظاهرات حاشدة و لفترات طويلة.(1) وفي هذه المظاهرات، كانت صور أسامة بن لادن تُرفع، باعتباره مقاتلاً مسلماً مقدّساً.(2) وقد قال مَثَل خان دوران صافي - أحد أعضاء جمعيّة علماء پاکستان: «لا دین لمن يعتبر أسامة إرهابيّاً.»(3) و بالرغم من ذلك و وفقاً لما جاء في بعض التقارير، بعد تصاعد العمليّات الإرهابيّة التي يقوم بها المتطرّفون، ابتعدت الأحزاب السياسيّة إلى حدّ ما، عن المتطرّفين بسبب الضغوط الأمريكيّة و الغربيّة. كما أنّ مولانا فضل الرحمن - رئيس جمعيّة علماء الإسلام و الأمين التنفيذيّ ل«مجلس العمل المتّحد» - و خلال سفره إلى دلهي و کابول في عام 2003 م، فصَل «مجلس العمل المتّحد» علنيّاً عن الجماعات الجهاديّة في كشمير و مقاتلي طالبان العائدين مجدّداً في جنوب أفغانستان.(4) في تاريخ 10 أكتوبر عام 2013 م، أكّد كلّ من الرئيس الأفغانيّ كرزاي و فضل الرحمن خلال زيارته لكابول و التي دامت لثلاثة أيّام، على أهمّيّة مكافحة الإرهاب.(5) و كذلك، فإنّ مولانا فضل عليّ - من الزعماء الكبار لجمعيّة علماء الإسلام (فضل الرحمن) - كان قد قال في فبراير عام 2013 م بأنّ الإسلام يكره العنف؛ و الإسلام لا يقبل أبداً بالأعمال العنيفة، ولا سيّما ارتكاب المجازر بحقّ الأبرياء في المساجد و الشوارع و الأسواق، و إنّ هدم المدارس التعليميّة و المدارس الدينيّة يتعارض مع تعاليم الإسلام و الشريعة؛ و أولئك الذين يسلبون باکستان استقرارها، ينفّذون مطالب أعداء باكستان و الإسلام.(6)

ص: 125


1- المصدر نفسه، ص 190
2- راجع: فتح آباديّ، مهديّ عباس زاده، القاعده پس از 11 سپتامبر (با تأكيد بر عراق)، مجلّة سیاست الفصليّة، المجموعة 40، العدد 2، ص 159
3- صحيفة «وحدت» الناطقة باللغة البشتويّة، بشاور، 1999/09/02 م.؛ نقلاً عن: فدويّ، اسامه بن لادن و ماجراها، ص 69
4- راجع فرزین نیا، زیبا، سیاست خارجی پاکستان، صص 96 و 97
5- //avapress.com/vdcjymea.uqemvzsffu.html.19/7/1292;http: 5.http: //tolonews.com/fa/afghanistan/12276 - karzai - meets - with - mawlana - fazl - rahman,22/7/1392
6- http://centralasiaonline.com/fa/articles/caii/features/pakistan/main//feature - 2011/02/22

كان الحاجّ جلیل جان - الأمين الإعلاميّ للجمعيّة في المحافظة - قد أعرب عن إدانته لقتل الأبرياء و وصف ذلك بأنّه مخالف للإسلام، وقال: إنّ جمعيّة علماء الإسلام قد توقّفت مسبقاً عن دعم طالبان و هي تدین قتل الأبرياء.(1)

تأثیر تحالف المتطرّفين في تصاعد خطر التيّارات التكفيريّة

علاوةً على العوامل السابقة، فإنّ التعاون الواسع النطاق بين الجماعات المتطرّفة كان له دور كبير في ازدياد خطر التيّارات التكفيريّة. و إنّ أهمّ أنواع التعاون بينهم - و كما ذكرنا سابقاً - يعود إلى عهد الجهاد في أفغانستان، و بعد ذلك، إلى ظهور طالبان، حيث كانت حكومة طالبان المؤقّتة تُعدّ القدرة القصوى للقاعدة و سائر الجماعات المتطرّفة. و بعد سقوط طالبان، فإنّ أغلب الجماعات المتطرّفة، و التي كانت تتّفق مع تنظيم القاعدة في الكثير من التعاليم خاصّةً «مجاهدة الكفّار»، التحقت بجبهة أسامة بن لادن الدوليّة، و قامت بدعم بعضها البعض ماليّاً و عسكريّاً.(2) لدرجة أنّ هذا التحالف حوّل أسامة بن لادن إلى أكبر صديق و حامٍ لطالبان، و خلال السنوات الخمس الأولى من هذا التحالف، كانت القاعدة قد دعمت طالبانَ بأكثر من مئة مليون دولار.(3) إنّ التحاق الجماعات التكفيريّة بالقاعدة، قرَع ناقوس الخطر الذي كان المراقبون السياسيّون قد حذّروا منه مسبقاً.(4) كما أنّه بعد ذلك، انتشرت عمليّات تنظيم القاعدة في نطاق أوسع ممّا كانت عليه في ما مضى.(5) و بسبب عدم تمكّن تنظيم القاعدة من العمل مباشرةً في بعض المناطق لأسباب أمنيّة، و كذلك بسبب الكشف عن هويّة أعضائه، لجأ إلى هذه الجماعات من أجل تنفيذ

ص: 126


1- Ibid, - 2011/11/28
2- هوشنكيّ، حسين، وباکتجيّ، أحمد، بنیادگرایی و سلفیّه، ص 76؛ فتح آباديّ، القاعده پس از 11 سپتامبر (با تأكید و بر عراق)، ص 156
3- صحيفة انتخاب، 2001/10/13 م.، نقلاً عن: فدويّ، عبد القيوم، اسامه بن لادن و ماجراها، ص 195
4- راجع: فدويّ، المصدر نفسه، صص 40 و 41؛ جماليّ، جواد، آینده ی اسلام گرایی در پاکستان، مجلّة الدراسات الإستراتيجيّة للعالم الإسلاميّ الفصليّة، السنة الحادية عشرة، العدد 41، ص 8
5- راجع: محمّدیان، بنیادهای فکری القاعده، صص 77 - 89؛ عليّ خانيّ، کتاب امنیّت بین الملل (4)، (ویژه ی القاعده)، صص 246 - 250

هذه العمليّات.(1) في هذه البرهة، تمكّنت القاعدة من الحصول على المزيد من القواعد، و الشركاء، و الأتباع في أنحاء العالم خاصّةً في باكستان، عبر التعاون مع التيّارات المتطرّفة الموجودة في المنطقة.(2) و مع اتّساع رقعة أعمال الجماعات المتطرفّة المتحالفة بزعامة القاعدة، منذ عام 2010 م فما بعد، بدأت هذه الجماعات تشكّل خطراً جدّيّاً على باكستان، و أفغانستان، و البلدان العربيّة، و المجتمع الدوليّ.(3) لأنّهم وسّعوا رقعة نشاطاتهم بسرعة، عن طريق جذب افراد و جماعات جديدة، و ذلك على أساس المبادئ الكلاميّة للقاعدة في تعريف الكفر و الإيمان، و القتال و الجهاد، و على أثر ذلك، انتشرت القاعدة أكثر من أيّ وقت آخر، حيث نشهد الأن الكثير من الفروع و التنظيمات التابعة للقاعدة في بلدان مختلفة من شمال أفريقيا، و الشرق الأوسط، و جنوب آسيا، و يبلغ عدد مقاتلي كلّ منها الآلاف، بل و ربما عشرات الآلاف، و قد ينتمي المزيد من المقاتلين إلى تنظيم القاعدة في المستقبل، خلال التطوّرات المختلفة و تنتشر أهداف هذه الفروع و خططها على الصعيد العالميّ.(4)

في هذا الصدد، استطاعت طالبان باكستان، و بالتعاون مع جيش محمّد، و جيش طيّبة، و

حزب المجاهدين، و جیش الصحابة، و جیش جهنکوي العالميّ و غيرها، بالإضافة إلى المقاتلين العرب الأجانب و تنظیم القاعدة، و بدعم من «وكالة المخابرات الباكستانيّة» (ISI)، استطاعت في نوفمبر و سبتمبر عام 2009 م أن تنتزع مناطق فَتا(5)، ولا سيّما وزیرستان الشماليّة و الجنوبيّة من سلطة الحكومة الباكستانيّة و أن تخضعها لسلطتها الخاصّة.(6)

ص: 127


1- راجع: مجموعة من المؤلّفين، کتاب آسيا (5)، صص 39 و 40 و 189 و 190 و 245 و 249
2- محمّدیان، محمّد، بنیادهای فکری القاعده، صص 94 و 102؛ عليّ خانيّ، عبد الله، کتاب امنیّت بین الملل (4) صص 197 - 199؛ جماليّ، جواد، آینده ی اسلام گرایی در پاکستان، ص 7
3- راجع: فتح آباديّ، عبد الله، القاعدهپس از 11 سپتامبر، صص 154 و 155
4- خادم الشریف، ایران 2005/09/10 م.، نقلاً عن: مصلحيّ، محمّد، کالبد شکافی تفکّر وهّابیّت و القاعده، الموقع الإلكترونيّ لمركز وثائق الثورة الإسلاميّة: ،26 من سبتمبر 2012 م./556/ http://islamworld2020.persianblog.ir/post
5- المناطق القبليّة الخاضعة للإدارة الاتّحاديّة
6- راجع: مجموعة من المؤلّفين، كتاب آسيا (5)، ص 88

حسب رأي المسؤولين في إسلام آباد، فإنّ العلاقات بين بعض هذه الجماعات هو على مستوى عالٍ من التنسيق بحيث يتدرّب الأعضاء و يقاتلون إلى جانب بعضهم البعض(1) لدرجة أنّ الكثير من الجماعات المتطرّفة تعرّضت للملاحقة بسبب قيامها بعمليّات إرهابيّة و دعمها لتنظيم القاعدة، و أنّ البعض منهم وصل إلى حافّة الهاوية. و من الأمثلة على ذلك، أنّ دعم حركة المجاهدين و منظّمة «حركة المجاهدين العالميّة» - من فروع «حركة المجاهدين» - للقاعدة و طالبان، أدّى إلى حظر نشاطات هذه الجماعات في عام 2001 م.(2) كما أنّ أمریکا و منظّمة الأمم المتّحدة أدرجتا في أغسطس عام 2001 م المجموعةَ الأولى في قائمة المنظّمات الإرهابيّة بتهمة التعاون مع القاعدة.(3) و طُرح قبل ذلك، موضوع حظر نشاطات جيش الصحابة و جيش جهنګوي العالميِ، و إدراج أسمائهما في قائمة الجماعات الإرهابيّة. و إنّ إصرار طالبان أفغانستان على الدعم الشامل للقاعدة و بن لادن أدّى إلى سقوط حکومتهم، و عزل قادتهم عن المشهد السياسيّ في أفغانستان، و تحوُّلهم إلى جماعة إرهابيّة معارضة.

خلاصة البحث:

إنّ تكفير الآخرين من أجل تبرير قتالهم، ظاهرة نشأت في شبه القارّة الهنديّة و أفغانستان خلال القرنين الماضيين، و اطّردت خلال العقود الماضية. في حين أنّ تكفير الآخرين و إزهاق أرواحهم بلا سبب، أمر يخالف المبادئ الإسلاميّة، ولا يقبل به الزعماء الدينيّون و العلماء المسلمون العظام. و لكن، دراسة مجالات تكوين التيّارات التكفيريّة و المتطرّفة في المنطقة و انتشارها، تشير إلى أنّ تصاعد الخلافات الفكريّة و الدينيّة بين

ص: 128


1- راجع: المصدر نفسه؛ شفيعيّ، نوذر، رادیکالیسم اسلامی در پاکستان: http://www.iranembassy.pk جماليّ، جواد، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راه نما الشهريّة للدراسات السياسيّة: http://www.rah - nama.ir/fa/content/192
2- راجع: عليّ خانيّ، عبد الله، کتاب امنیّت بین الملل (4)، صص 78 و 79 و 83
3- راجع: جماليّ، افراطی گری در پاکستان، مجلّة راه نما الشهريّة للدراسات السياسيّة: http://www.rah - nama.ir/fa/content/192. يذكر المقال المشار إليه أنّ هذه المجموعة تأسّست في عام 1992 م بزعامة قاري سيف الله

المسلمين تحت تأثیر تسلّل الأفكار المتطرفّة و التطوّرات السياسيّة و الاجتماعيّة، باعثٌ على تشكيل فِرَق و جماعات مختلفة، مهّدت مساعي كلّ منها، إلى جانب تطوير مدارس دينيّة و تربية الشباب على انطباعاتها و توجّهاتها الخاصّة بها، مهّدت الأرضيّة لظهور جيل جديد من المتطرّفين في المنطقة. و في غضون ذلك، فإنّ الهجمة الواسعة النطاق على المنطقة من قبل الشرق و الغرب إضافةً إلى بعض المستجدّات المهمّة في العالم الإسلاميّ؛ منها: انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، عبّدت الطريق لدخول المتطرّفين ساحة القتال أكثر ممّا سبق. إنّ دعم المنظّمات الحكوميّة و الأحزاب الإسلاميّة للمتطرّفين، و كذلك تربية مجموعة منهم على أساس الفكر الوهّابيّ المتطرّف، أدّى إلى تصاعد أنشطة الجماعات المتطرّفة التي كانت تقدم على ارتكاب مجازر غاشمة بحقّ المسلمين و من خلال استخدامها لأدوات التكفير و التفسيق. وفي هذا الخضمّ، فإنّ ضغوط المجتمع الدوليّ بزعامة الولايات المتّحدة الأمريكيّة من أجل تقييد أنشطتهم و منع هجماتهم على الدول المجاورة، لم تَحُل دون تطرّفهم فحسب، بل إنّها مهّدت لتحالف كبير بين الجماعات المتطرّفة، إلى درجة أنّهم أخذوا بعد ذلك يوجّهون هجماتهم الإرهابيّة القائمة على تكفير الآخرين و تفسيقهم، إلى ما وراء حدود أفغانستان و شبه القارّة الهنديّة، و يتسبّبون بهجماتهم الفتّاكة، مجازر مروّعة في المنطقة و العالم يوميّاً.

ص: 129

المصادر:

أ) الكتب الفارسية و العربية:

1. أبو المكرم بن عبد الجليل، (جمادى الأولى 1421 ه)، دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بين مؤيديها و معارضيها في شبه القارة الهندية، الطبعة الثانية، الرياض، دار السلام للنشر و التوزيع.

2. أبو أسامة، طالب الرحمن، (1415 ه / 1995 م.)، الديوبندية: تعريفها عقائدها،

الطبعة الأولى، باكستان، دار الكتاب و السنة.

3. أفشار، إيرج، (2002 م)، تاريخ أفغانستان: سفرنامه و خاطرات عبد الرحمن

خان، طهران، ثامن الأئمة، الطبعة الأولى.

4. أنوشه، حسن (ناظر)، (2001 م)، دانش نامه ی ادب فارسی در شبه قاره ی هند، ج 4، القسم الأول إلى القسم الثالث، الطبعة الأولى، طهران، وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، الصيف.

5. بریلوي قادري، أحمد رضا خان، (1422 ه /1380 ه. ش. / 2002 م)، الدولة

المكية بالمادة الغيبية، تركيا، إسطنبول مكتبة الحقيقة.

6. ----------، (رجب 1425 ه / أغسطس 2004 م)، العقيدة في الإسلام، الترجمة إلى العربية و التحقيق و التعليق: منظر الإسلام الهندي، الطبعة الأولى، الهند، غوجارات، مركز أهل السنة بركات رضا.

7. الشنتناوي، أحمد و زكي خورشيد، إبراهيم، بدون تاريخ النشر، دائرة المعارف

الإسلامية، ج 1، بدون مكان النشر، دار الفكر. 8. مجموعة من المؤلفين، (مارس

2010 م)، کتاب آسيا (5) ویژه ی مسائل پاکستان، الإشراف و الإعداد: مؤسسة أبرار معاصر الثقافية للدراسات و البحوث الدولية، طهران.

ص: 130

9. مجموعة من المؤلفين، (2011 م)، العلاقات الإستراتيجية بين إيران و باکستان،

إعداد: طيبة واعظي، طهران: معهد الدراسات الإستراتيجية، الطبعة الأولى.

10. الجهني، مانع بن حماد (ناظر)، (1418 ه)، الموسوعة الميسرة في الأديان و

المذاهب و الأديان المعاصرة، ج 1، الطبعة الثالثة، الرياض، دار الندوة.

11. الحسني الندوي، أبو الحسن علي، (1406 ه / 1985 م)، إذا هبت ريح الإيمان،

بیروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة العاشرة.

12. ----------، بدون تاريخ النشر، التفسير السياسي للإسلام في مرآة كتابات

الأستاذ أبي الأعلى المودودي و الشهيد السيد قطب، مصر، دار آفاق الغد.

13. ----------، (1431 ه / 2010 م)، ربانية لا رهبانية، دمشق - بیروت، دار ابن

كثير، الطبعة الثانية.

14. ----------، (1423 ه / 2002 م)، من أعلام المسلمين و مشاهيرهم، إعداد:

السيد عبد الماجد الغوري، الطبعة الأولی، بیروت، دار ابن كثير.

15. الحسني الندوي، محمد الرابع، (1425 ه / 2004 م)، رسائل الأعلام إلى العلامة

أبي الحسن الندوي، دمشق - بیروت، دار ابن كثير، الطبعة الأولى.

16. الحسني، عبد الحي، (1420 ه/ 1999 م)، الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (المسمى ب «نزهة الخواطر و بهجة المسامع و النواظر»)، ج 7، بدون مكان النشر، دار ابن حزم، الطبعة الأولى.

17. حق جو، میر آقا، (2001 م)، افغانستان و مداخلات خارجی، قم، سبهر.

18. خلیل الرحمن، عبد الوهاب، (1406 - 1407 ه)، الدعوة السلفية في شبه القارة الهندية و أثرها في مقاومة الانحرافات الدينية، المملكة العربية السعودية، مكة المكرمة، جامعة أم القرى.

19. (1998 م.)، دایرة المعارف بزرگ اسلامی، ج 7، طهران، مركز الموسوعة

الإسلامية الكبرى، الطبعة الثانية.

ص: 131

20. رفيعي، محمد طاهر، (2011 م)، نقد و بررسی اندیشه های کلامی دیوبندیه،

رسالة الماجستير، مؤسسة الإمام الخميني (قدس سره الشريف) التعليمية و البحوثية.

21. سرافراز، محمد، (2011 م)، جنبش

طالبان از ظهور تا افول، الطبعة الأولى،

طهران، سروش.

22. شاهوزهي، المولوي عبد الغني، بدون تاريخ النشر، صراط المستقيم نقدی بر

فقه مقلدین، بدون مكان النشر، بدون اسم الناشر.

23. صافي الكلبايكاني، قاسم، (1987 م)، سفرنامهی پاکستان «نگرشی به تاریخ و

فرهنگ»، الطبعة الأولى، طهران، کلمه، شهر بهمن.

24. عارفي، محمد أكرم، (2003 م)، جنبش اسلامی پاکستان: بررسی عوامل

ناکامی در ایجاد نظام اسلامی، قم، بوستان کتاب.

25. عبد الباقي، مصباح الله، بدون تاريخ النشر، المدارس الدينية الباكستانية من

الجامعة الحقانية إلى المسجد الأحمر، الطبعة الأولى، القاهرة، مكتبة مدبولي.

26. عطار، علي رضا، (2002 م)، دین و سیاست: مورد هند، الطبعة الأولى، طهران،

وزارة الخارجية للطباعة و النشر.

27. علي خاني، عبد الله، (2009 م)، کتاب امنیت بین الملل (4) (ویژه ی القاعده)،

طهران، مؤسسة أبرار معاصر للدراسات و البحوث الدولية.

28. غرجستاني، محمد عیسی، (صيف

1993 م)، كله منارها در افغانستان، إعداد:

عزیز الله رحيمي، قم، اسماعیلیان.

29. فدوي، عبد القيوم، (ربيع 2002م)، اسامه بن لادن و ماجراها، الطبعة الأولى،

كابول، مفاخر.

30. فرزین نیا، زیبا، (1994 م)، بنغلاديش، الطبعة الأولى، طهران، وزارة الخارجية.

31. فرهنك، میر محمد صدیق، (1995 م)، افغانستان در پنج قرن اخير، الطبعة

الثانية، قم، وفائي.

ص: 132

32. قاسمي، محمد طیب، (2003 م)، گزارش

سفر افغانستان در پرتو پیوستگی های دینی و عرفانی دار العلوم دیوبند، ترجمة: نذير أحمد سلامي، تصحیح: علي بردبار جهان تیغ و غلام حسین جهان تیغ، الطبعة الأولى، قم، اهل بیت علیهم السلام، إعداد: «مؤسسة هفت اقليم شرق الثقافية» - زاهدان.

33. ----------، 1430 ه / 2009 م)، علماء دیوبند عقيدةً و منهجاً، الهند،

دیوبند، دار العلوم.

34. كاتب، الملا فيض محمد، (شتاء 1993 م)، قم، مؤسسة السيد جمال الدين

حسيني للنشر (حبل الله).

35. جيلاني، سيد ناظر أحسن، (ربيع 2005 م)، سیری در زندگی حضرت امام مولانا محمد قاسم نانوتوی، الترجمة و الاقتباس: صلاح الدين شهنوازي، الطبعة الأولى، زاهدان، صديقي.

36. محمودیان، محمد، (2011 م)، بنیادهای فکری القاعده (تأثیرات اندیشه ی

وهابی - سلفي)، الطبعة الأولى، طهران، جامعة الإمام الصادق علیه السلام.

37. مدني، حسين أحمد، (مایو 2004 م)، باكستان، الشهاب الثاقب على المستشرق

الكاذب، لاهور، دار الكتاب، الطبعة الثانية.

38. محمد مسعود أحمد، (1411 ه / 1991 م)، الشيخ أحمد رضا خان البريلوي و شيء من حياته و أفكاره و خدماته، باكستان، لاهور، مؤسسة رضا بالجامعة النظامية الرضوية.

39. الندوي، محمد رحمة الله، (1427 ه / 2006 م)، أشرف علي التهانوي حکیم

الأمة و شيخ مشايخ العصر في الهند، الطبعة الأولى، دمشق، دار القلم.

40. الندوي، مسعود، بدون تاريخ النشر، تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند، بیروت،

دار العربية.

41. النمر، عبد المنعم، (1401 ه / 1981 م)، تاريخ الإسلام في الهند، الطبعة الأولى،

بیروت، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع.

ص: 133

42. نهرو، جواهر لال (1982 م)، کشف هند، ج 1 و 2، ترجمة: محمود تفضلي،

الطبعة الثانية، طهران، مؤسسة أمير كبير للنشر.

43. نهرو، جواهر لال (1987 م)، نگاهی به تاریخ جهان، ج 1، ترجمة: محمود

تفضلي، الطبعة الثامنة، طهران، مؤسسة أمير کبير للنشر.

44. ورداني، صالح، (1424 ه)، فِرَق أهل السنة: جماعات الماضي و جماعات

الحاضر، قم، مركز الأبحاث العقائدية، الطبعة الأولى.

45. هوشنكي، حسين و أحمد باكتجي، (2011 م)، بنیادگرایی و سلفیه، طهران،

جامعة الإمام الصادق علیه السلام، الطبعة الأولى.

ب) الكتب الأردية

46. أحيائي، نجم الدين، (نوفمبر 2000 م = شعبان 1421 ه)، زلزله در زلزله،

باكستان، كراتشي، مكتبة اصلاح معاشره.

47. إلهي بلندشهري مدني، (1408 ه)، محمد عاشق، بریلوی علماء و مشائخ

کیلئي لمحه فکریه، باكستان، كراتشي، دار الاشاعت.

48. حافظ عبد الحق، بدون تاريخ النشر، البيان الحق: تحریک آزادی مین اکابر

دیوبند کا کردار اور بریلویت کا مکروه چهره (بالأردية)، بدون مكان النشر، مجلس شورى أهل الحق.

49. خالد محمود، (1986 م)، شاه اسماعیل محدث دهلوی، باكستان، لاهور، مکتبة

دار المعارف، الطبعة الرابعة.

50. ----------، (2004 م)، مطالعه بریلویت، ج 1، 3، 5، 7 و 8، الهند، دیوبند،

حافظي بُكدپو دیوبند.

51. رب نواز ظاهر، بدون تاريخ النشر، نقوش

جهنگوی، باكستان، كراتشي، مكتبة

خلافت راشده.

52. فتحي، نثار احمد خان، بدون تاريخ النشر، تهمت وهابیت اور علمائي دیوبند،

باكستان، كراتشي، مكتبة الشيخ.

ص: 134

53. قرشي، محمد إقبال، بدون تاريخ النشر، معارف الاكابر بروایت حکیم الامت

حضرت مولانا اشرف علی تھانوی، باكستان، لاهور، دائرة اسلاميات.

54. کھمن، محمد إلياس، بدون تاريخ النشر، فرقہ بریلویت پاک و هند کا

تحقیقی جائزه، باكستان، لاهور، سرغودها، مكتبة أهل السنة و الجماعة.

55. محمد حسن، (1431 ه. ق / 2010 م)، خوشبو والاعقیده یعنی عقیده حیات

النبي صلی الله علیه و آله وسلم، الهند، مكتبة الشهباز، الطبعة الأولى.

56. مدني، حسين أحمد، (مايو 2004 م)، باكستان، الشهاب الثاقب على المستشرق

الكاذب، لاهور، دار الكتاب، الطبعة الثانية.

57. مظاهري، نور محمد، (جمادى الأولى 1430 ه / مایو 2009 م)، رضاخانیوں کی

کفر سازیاں، باكستان، كراتشي، تحفظ نظریات دیوبند اکادمی.

ج) المقالات و المصادر المأخوذة من شبكة الإنترنت

58. آینده ی اسلام گرایی در پاکستان، (ربیع 2010 م)، مجلة الدراسات الإستراتيجية

للعالم الإسلامي الفصلية، السنة الحادية عشرة، العدد 41.

59. طوني کارتالوتشي (Tony Cartalucc)، شبکه ی ترور امریکا در پاکستان:

http://www.rah - nama.ir/fa/content/682.

60. جایگاه احزاب و گروه ها در پاکستان، (27 من أكتوبر 2008 م)، مجلة پاکستان ڈیلی، ترجمة: محمد صرفي، صحيفة کیهان: السنة الرابعة و الستون، العدد 19215.

61. اندیشمند، محمد أكرم، (27 أكتوبر 2008 م)، ظهور پاکستان در همسایگی

افغانستان:

afghanistanhistory.net

62. بابائي نجاد، آزاده، (

2007/07/22

م)، آینده ی نامعلوم برای مدارس دینی

پاکستان، صحيفة اعتماد ملی، العدد 1448. 63. پیشینه و حال مدارس دینی پاکستان:

www.aftab.ir.

64. الجامعة الإسلامية دار العلوم دیوبند، الهند في سطور:

ص: 135

http://www.darululoom - deoband.com,

65. جمالي، جواد، (ربيع 2010 م)، مستقبل التوجهات الإسلامية في باكستان،

مجلة الدراسات الإستراتيجية للعالم الإسلامي الفصلية، السنة الحادية عشرة، العدد 41.

66. ----------، افراطی گری در پاکستان، مجلة راه نما الشهرية للدراسات

السياسية:

http://www.rah - nama.ir/fa/content.

67. دانش، ضیاء، کشته شدن محسود و تأثیر آن در امنیت منطقه:

http://www.payam - aftab.com/fa/new.

68. رفيعي، محمد طاهر، (شتاء 2012 م)، بررسی رابطه ی عقاید دیوبندیه و

وهابیت، سراج المنير، العدد 4.

69. سعيدي، أحمد، مدارس دینی و مسؤولیت حکومت پاکستان:

http://www.jame - ghor.com.

70. شفيعي، نوذر، رادیکالیسم اسلامی در پاکستان:

http://www.iranembassy.pk.

71. صرفي، محمد (المترجم)، (27 من أكتوبر 2008 م)، جایگاه احزاب و گروه ها در

پاکستان، مجلة پاکستان ڈیلی، صحیفة کیهان: السنة الرابعة والستون، العدد 19215.

72. صمدي، مهین السادات، (

2008/10/04

م)، مدارس: نیروی مهارناپذیر

پاکستان، صحيفة ایران، العدد 4040.

73. عباس زاده فتح آبادي، مهدي، (صيف

2010 م)، «القاعده پس از 11 سپتامبر (با تأكيد بر عراق)، مجلة سیاست الفصلية، مجلة كلية الحقوق و العلوم السياسية، الدورة 40، العدد 2.

74. عثماني، محمد تقي، (سبتمبر - أكتوبر 2010 م)، اکابر دیوبند کیا تھی؟، مجلة

دار العلوم دیوبند الشهرية.

75. ----------، اساس مذهب علمای دیوبند، موقع دار العلوم الإلكتروني:

http://www.darululoom - deoband.com.

ص: 136

76. عراقي، مهدي، (12 من فبراير 2008 م)، نقش احزاب و جنبش های اسلامی

در صحنه ی سیاسی پاکستان:

و www.aftab.ir

//

http:

http: //avapress.com/prtj8vei.uqehtzsffu.html

77. فراهاني، أحمد، (

2009/08/18

م)، قتل رهبر گروه سپاه صحابه، صحيفة جام

جم، العدد 2637.

78. قاسمي، تنویر خالد، (ربيع الثاني - جمادى الأولى 1431 ه)، مجمع الفقه

الإسلامي يعقد بمدينة «دیوبند» ندوة حول مناهج تدريس الفقه الإسلامي بالمدارس و الجامعات الإسلامية في شبه القارة الهندية، الداعي، العددان 4 و 5، السنة 34.

79. کریمی، محمد حماد، (ذو الحجة 1432 ه / نوفمبر 2011 م)، حضرت سید احمد شهید رحمة الله علیه کی نمایاں دعوتی خدمات اور امتیازی خصوصیات، مجلة دار العلوم الشهرية، العدد 11.

80. ماریایانا و سکایا، الترجمة و الإعداد: ایران شرقی، مارس 2008 م:

http: //iransharghi.com/index.php?newsid=1891.

81. محمود حافظ عبد الرب میرزا، ضوء على قصة تأسيس

جامعة دار العلوم /

دیوبند (الهند)، الداعي، السنة 30، العدد 5، جمادى الأولى 1427.

82 مصلحي، محمد، (26 من سبتمبر 2012 م)، کالبدشکافی تفکر وهابیت و

القاعده، الموقع الإلكتروني لمركز وثائق الثورة الإسلامية:

http://islamworld2020.persianblog.ir/post.

83. الملاحي، يوسف، إصلاح وإنصاف لا هدم و لا اعتساف، موقع «جماعت

تبليغ» الإلكتروني:

http://www.binatiih.com.

84. ناصري، عنایت الله، به بهانه ی نزدیک شدن گروه طالبان به پایتخت پاکستان

و بررسی شبکه ی تروریزم در آن کشور:

http://www.afghanirca.comn

85. http://avapress.com/prtj8vei.uqehtzsffu.html.

ص: 137

86. http: licentralasiaonline.com/fa/articles/caii/features/pakistan/main//fea ture - 2011/02/22

87. http://hamshahrionline.ir/details/238040.

88. http://tolonews.com/fa/afghanistan/12276 - karzai – meets _with_ mawlana _ fazl - rahman,22/7/1392.

89. http: //www.afghanirca.com.

90. http://www.asnoor.ir/Public/News/ViewNews.aspx?Code.

91. http://www.darululoom - deoband.com. 92. http://www.hazarapix.jimdo.com...D8%A7.

ص: 138

الاتّجاه السلفي في تونس و آفاقه المستقبليّة

تأليف: عناية الله اليزداني(1)

تأليف: مصطفى القاسمي(2)

ترجمة: محمّد حسین حکمت

نبذة:

يمكن تقسيم التيّارات السلفيّة في تونس إلى ثلاثة أقسام: السلفيّة العلميّة، و السلفيّة

الحركيّة أو الإصلاحيّة، و السلفيّة الجهاديّة. و التيّار الجهادي بين هذه التيّارات يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلاميّة و تدوین القوانين طبقاً لأحكام الدين، و هو تيّار شديد التمسّك بالمذهب المالكي، و يكثر بين أفراده ذوو الميول الوهابيّة.

و تسعى حركة النهضة باعتبارها أهمّ التيّارات الإسلاميّة التونسيّة إلى ترسيخ مواقعها أمام منافسيها العلمانيّين من خلال جذب السلفيّين - و خصوصاً أنصار السلفيّة العلميّة - إلى صفوفها، لكنّها من الجهة الاُخرى، و بسبب ما تتعرّض له من الضغوط الدوليّة، لم تجد أمامها بدّاً من اتّخاذ مواقف حادّة في وجه بعض السلفيّين و خصوصاً الجهاديّين منهم.

و الجدير بالملاحظة أنّ المجتمع التونسي بثقافته المتسامحة يجد نفسه في تناقض حادّ مع التيّار السلفي. و مع الأخذ بنظر الاعتبار مزاج و ثقافة المجتمع التونسي فلا يمكن للناظر أن يتوقّع دوراً مهمّاً و أساسيّاً للتيّار السلفي الجهادي المتطرّف - الساعي إلى الخلافة الإسلاميّة بمواصفاتها الوهّابيّة - في مستقبل هذا البلد، إذ سينحصر دورها في الظهور كقوّة معرقلة بين الحين و الآخر. أمّا أنصار التيّار السلفي المعتدل و بالتعاون مع

ص: 139


1- اُستاذ العلاقات الدوليّة المساعد، قسم العلوم السياسيّة في جامعة أصفهان
2- طالب دكتوراه في العلاقات الدوليّة، قسم العلوم السياسيّة في جامعة أصفهان

باقي الأحزاب الإسلاميّة المعتدلة فسيكون لهم حضورٌ أكثر تأثيراً من حضور زملائهم

المتطرّفين.

الكلمات المفتاحية: السلفيّة، التيّارات السلفيّة، الأحزاب السلفيّة، النهضة، تونس.

المقدّمة:

تطلق (السلفيّة) في الاصطلاح على التيّار الفكريّ القائل بأنّ المسلمين إذا أرادوا استعادة اقتدارهم و عزّتهم السابقة فإنّ عليهم التمسّك بطريقة تفكير و قیم عظماء الدين من السلف.

و تمتدّ جذور هذا التفكير (السلفيّة) إلى تيّارٍ كان قد ظهر في النصف الأوّل من القرن الثالث الهجري، وهم الذين كان يطلق عليهم (أصحاب الحديث). و في هذا المجال اشتهر أحمد بن حنبل باعتباره رمزاً و زعيماً فكريّاً بارزاً لأصحاب الحديث و نال شهرةً و اسعة. و يزعم السلفيّون الذين ينتمي أغلبهم إلى الإمام أحمد بن حنبل مؤسّس المذهب الحنبلي أنّهم يتبعون في أعمالهم و أفعالهم و عقائدهم الدينيّة و المذهبيّة السلف الصالح، أي أصحاب رسول الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم و تابعيهم.

وفي أواخر القرن السابع و أوائل القرن الثامن قام أحمد بن تيميّة - و من ثمّ تلميذه ابن قيّم الجوزيّة - بإحياء هذه العقيدة الحنبليّة بنحوٍ متطرّف. و أخيراً جاء محمّد بن عبد الوهاب التيمي مستلهماً أفكار ابن تيميّة و تلميذه ابن قيّم الجوزيّة ليعيد مزاعم العودة إلى الإسلام الأصيل و الترويج لفكرة اتّباع السلف الصالح، فكان سبباً في دخول عنصر جدید إلى ساحة المنازعات الكلاميّة ممثّلاً في قراءته المتطرفّة غاية التطرّف.

و هنا لا بدّ من الاعتراف بأنّ السلفيّة كغيرها من التيّارات الاُخرى تضمّ في صفوفها

أطيافاً مختلفة تتنوّع بين المتطرّفين أنصار العنف و الإصلاحيّين و المعتدلين.

وقد أدّى و قوع سلسلةٍ من التطوّرات الاجتماعيّة و الاقتصاديّة في أواخر عقدَي السبعينات و الثمانينات من القرن الميلادي الماضي - کانتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، و نموّ الحركات الإسلاميّة - إلى نموّ و انتشار الاتّجاهات الإسلاميّة بمعناها العامّ، و الاتّجاهات الإسلاميّة السلفيّة الوهابيّة و الجهاديّة التكفيريّة بمعناها الخاصّ في شمال

ص: 140

أفريقيا في بداية العقد الثامن.

كما أدّى التضييق على جماعة الإخوان المسلمين في مصر و بقيّة دول الشمال الأفريقي، مضافاً إلى الهزائم المتوالية للجيوش العربيّة في حروبها مع إسرائيل، و سياسة الدول العربيّة في محاربة الفكر الثوري الإيراني، إلى توفير الأجواء و الظروف المناسبة للسلفيّين الوهابيّين و الجهاديّين التكفيريّين للتوسّع و الامتداد في شمال أفريقيا التي لم تكن تعرف حتّى ذلك الحين في أرجائها سوى إسلام الفقهاء و الإسلام السلفي الإخواني مع الأفكار الصوفيّة.

لم تكن هذه هي العوامل الوحيدة في نموّ و انتشار التطرّف الجهادي و التكفيري، إذ ساهمت في ذلك عوامل اُخرى أيضاً، منها: إعادة تشكيل الهويّة العربيّة التي تشوّهت بعد هزيمة الفكر القومي العربي، و نشوء الهويّات المعادية للغرب و الوطنيّة و المحلّيّة، و نشوء الطبقات الاجتماعيّة المختلفة و حدوث التشظّي الاجتماعي في المنطقة، و ظهور الأحياء المعزولة في المناطق الفقيرة المستعدّة لاحتضان التطرّف.

وقد تمكّن هذا التيّار أن يثبّت مواطئ أقدامٍ له في الواقع الاجتماعي التونسي في العقود الأخيرة من القرن العشرين، كما هو الحال في بقيّة الدول العربيّة في شمال أفريقيا. و منذ ذلك الحين تمكّنت الاتّجاهات السلفيّة من النموّ و توسيع قواعدها في الأوساط الاجتماعيّة و السياسيّة بوتيرةٍ متسارعة رغم كلّ ما بذله نظام زین العابدين بن علي من جهود للوقوف بوجه تقدّم السلفيّين.

و لمّا حدثت الثورات العربيّة و تمّ إطلاق سراح جميع سجناء الحركة و سجناء باقي الجماعات الإسلاميّة الاُخرى، و مع اتّساع أواصر التعاون و توحيد الجهود بين حركة النهضة و السلفيّين؛ شهدت الحركة السلفيّة في تونس نموّاً ملحوظاً.

و هنا تطرح الأسئلة التالية نفسها: ما هي التيّارات السلفيّة الموجودة في تونس؟ و ما

هو المستقبل الذي ينتظرها؟

و تقوم إجابة المقالة على السؤال الأوّل على فرضيّة إمكانيّة تقسيم الحركة السلفيّة في

تونس إلى ثلاث تيّارات أصليّة، هي: السلفيّة العلميّة، و الحركيّة، و الجهاديّة.

كما تتلخّص فرضيّة الإجابة على السؤال الثاني في أنّ تيّارين من تيّارات السلفيّة في

ص: 141

تونس - عدا السلفيّة الجهاديّة - سيكون لهما دورهما في تونس المستقبل جنباً إلى جنب التيّار الإسلاميّ المعتدل.

1- السلفيّة في تونس بين الماضي و الحاضر؛ دراسة مختصرة:

رغم أنّ التيّار السلفي الوهّابي بكافّة مفرداته - من نهجٍ و أفكار و مرجعيّة و تنظيم -

ليس ظاهرةً حديثة الظهور في العالم الإسلامي، بل إنّ الجهود لتسويق الفكر السلفي الوهّابي في تونس تعود إلى أوائل القرن التاسع عشر، حينما وجّه محمّد بن عبد الوهاب خطابه إلى الشعب التونسي في العام 1803 میلادي يدعوهم فيه إلى السلفيّة.

وقد ذكر المؤرّخ التونسي أحمد بن أبي الضيّاف (1802 - 1874 م) في القسم الثالث من كتاب «الإتحاف» هذه الدعوة، كما ذكر دعوة الملك التونسي (محمّد الأمين باي) علماء البلاد لبيان وجهات نظرهم تجاه هذه الدعوة، حيث كانت ردودهم تجاهها ردوداً سلبيّة تمثّلت برفضها رفضاً قاطعاً.

و يعود تاريخ تأسيس و ظهور التنظيمات السلفيّة في تونس بشكلها الصريح و الواضح إلى أوائل العقد التاسع من القرن الماضي. و قد كانت الأجواء الإسلاميّة التونسيّة تحت سيطرة و نفوذ الجماعات الإسلاميّة المعتدلة قبل اتّخاذ الدولة إجراءاتها المؤسفة تجاه السلفيّين المعتدلين في تونس و الذين كان من أبرزهم جماعة الإخوان المسلمين و حركة الاتّجاه الإسلامي التي غيّرت إسمها بعد ذلك إلى حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي.

أمّا بعد حصول النهضة الإسلاميّة العامّة في تونس نتيجة التأثير الكبير للثورة الإسلاميّة في إيران فقد قامت حكومة تلك البلاد بمحاربة الجماعات الإسلاميّة التونسيّة التي كان يغلب عليها طابع السلفيّة المعتدلة، حتّى آل الأمر من الناحية العمليّة إلى انعدام الوجود الرسمي لحركة النهضة و أكثر الجماعات الإسلاميّة المعتدلة طوال العقد التاسع.

و كانت نتيجة ذلك أن اُضيفت صفوف جديدة إلى طابور الشباب السلبيّ المنزوي على نفسه و المنعزل عن المجتمع و مؤسّساته المتعارفة، فأدّت هذه الزيادة الشديدة إلى تهيئة أجواء نموّ الجماعات المتطرّفة الجهاديّة و التكفيريّة نموّاً سرّيّاً.

أمّا أسباب التأخّر في ظهور الجماعات السلفيّة و انتشارها في تونس فيعود إلى

ص: 142

أسباب عديدة، منها:

1- وجود المؤسّسة العظيمة لجامع الزيتونة بما فيه من العلماء و الشيوخ الأشعريّون، و المكانة العالية و الراسخة لهذه المؤسّسة التي لا تسمح بوجود أيّ عقيدةٍ منافسةٍ لعقيدتها في التصوّف على الطريقة السنّيّة، و خصوصاً للفكر الوهّابي.

و هذه المكانة و الأصالة هي السبب في تقوية المعنويات العامّة للشعب التونسي و تمسّكه بثقافته و إسلامه المحلّي، تلك الثقافة التي جعلته يصمد أمام الأفكار و النظريّات الدخيلة التي تهدف إلى تغيير اُسلوب حياته و تفكيره الذي اعتاد عليه منذ مئات السنين.

2- انفراد تونس

منذ زمن بعيد جدّاً في تطبيق مشروع العصرنة المدنيّة بقيادة الحزب الدستوري و زعيمه الحبيب بورقيبة، و دخولها في صراعٍ مرير طويل مع الجماعات المتطرّفة و الرجعيّة، الأمر الذي يدفع باتّجاهٍ يتناقض مع ما يسعى له السلفيّون.

3- وقوع الحركة الإسلاميّة في تونس خلال مراحلها الثلاث (الجماعة الإسلاميّة 1969 - 1979، حركة الاتّجاه الإسلامي 1979 - 1989، و أخيراً حركة النهضة من 1989 و حتّى الآن) تحت تأثير مشروع العصرنة إلى حدٍّ ما. و هذه المسألة ساهمت أيضاً في تأخير ظهور التيّار السلفي في تونس.

4- التأثير الفكري لزعماء من أمثال عبد العزيز الثعالبي، طاهر و من بعده ابنه فاضل

بن عاشور، و كافّة مَن تلقّی بالقبول الأفكار الإسلاميّة المنفتحة (الوهيبي، 1392).

ا و على الرغم من التأخير في ظهور و انتشار السلفيّة في تونس، إلاّ أنّ انتشار الموجة الإسلاميّة - و زيادة نفوذها في أوساط شباب الطبقة المتوسّطة من سكّان المدن على الخصوص - أدّى إلى سيطرة التيّارات الإسلاميّة على تفكير الطبقات الاجتماعيّة لجميع البلدان العربيّة. و لم تشذّ تونس عن هذا الانتشار السريع لموجة الصحوة الإسلاميّة.

و عندما كانت موجة الحركات الإسلاميّة هي الغالبة في العالم العربي خلال عقدَي 1960 و 1970، لم تصل هذه الموجة إلى النسيج السياسي الاجتماعي في تونس إلاّ بعد عقدٍ من التأخير، و اكتسبت هويّتها باعتبارها حركة سياسيّة في عهدَي الحبيب بورقيبة و زین العابدين بن علي.

و هناك عوامل عديدة مكّنت من انتشار التيّار السلفي - و على الخصوص الوهّابي و

ص: 143

الجهادي - في تونس بعد تلك المدّة الطويلة من مقاومة الشعب التونسي و صدّه لهذا التيّار، من أهمّها:

أوّلها إنّ فكرة السلفيّة الجهاديّة بعد حرب أفغانستان اتّخذت لنفسها – بالتدريج - أبعاداً دوليّة تتجاوز حدود بعض البلدان العربيّة. و هذا التحوّل، اتخذ لنفسه شکلاً عمليّاً خصوصاً بعد تأسيس منظّمة القاعدة التي آلت على نفسها مجابهة الغرب عن طريق الحملات الواسعة و المؤثّرة كواقعة الحادي عشر من أيلول 2001.

و كانت حادثة الحادي عشر من أيلول و ما تلاها من احتلالٍ للبلدين المسلمين أفغانستان و العراق قد أثارت في السنين الاُولى موجة من الانجذاب إلى التيّارات السلفيّة المتطرّفة و التكفيريّة في البلدان العربيّة و من جملتها تونس.

أمّا العامل الثاني في الثورة فهو تكنولوجيا الاتّصالات التي لم تكتفٍ بتیسیر انتشار فكر السلفيّة و غيرها من الأفكار عن طريق شبكات التلفزيون الفضائيّة و الانترنيت، بل رفعت قدرة و قابليّة التنظيم لدى هذه التيّارات باستخدام تقنيّة الاتّصالات المتطوّرة. حيث وفّرت التقنية المتطوّرة للاتّصالات للتيارات السلفيّة إمكانيّة عرض مقولاتها على عددٍ أكبر من المخاطبين، الأمر الذي يعني من الناحية العمليّة الفرار من آثار القمع الحكومي و منع التواجد المادّي لهذه التيّارات في الكثير من البلدان و من بينها تونس.

و العامل الثالث - الذي تختصّ به تونس - و الذي يمكن مشاهدته في بعض الدول العربيّة الاُخرى أيضاً بمستويات مختلفة تتناسب و ظروف كلّ واحدةٍ من هذه الدول ألا و هو خروج القوى الإسلاميّة المعتدلة من الميدان نتيجةً لقمع حكومة زين العابدین بن علي، إضافةً إلى منع إحياء المناسبات الدينيّة، و بالمحصّلة السعي لترسيخ العلمانيّة و تثبيت اُسسها في المجتمع التونسي.

و قد أدّى هذا الأمر من جهة إلى خروج القوى الإسلاميّة المعتدلة من الميدان، ممّا أدّى إلى إيجاد شرخٍ بين أوساط المجتمع و المؤسّسة الدينيّة التقليديّة. كما أدّى من جهة اُخرى إلى انحراف الكثير من الشباب التونسي باتّجاه التيّارات المتطرّفة التي كانت ناشطة و فعّالة في القنوات الممنوعة تتحدّث فيها عن قباحة ظلم الحكومة و قيودها، فاستطاعت

ص: 144

بذلك جلب الأنظار إليها(1).

كما كان لأفول تيّار التنوير و الإصلاحات الاجتماعيّة و الدينيّة الذي دشّنه خير الدين و طاهر حدّاد و طاهر بن عاشور و غيرهم، و قطع كلّ نوعٍ من أنواع الحوار الفكري و تبادل الآراء حول المسائل الخاصّة بالحركة الإسلاميّة من قبل الحكومة دورة المهمّ في انتشار السلفيّة في تونس(2).

و كما أشرنا سابقاً فإنّ الحركة السلفيّة قد أرست معالم هويّتها باعتبارها حركةً سياسيّة في عهدَي الحبيب بورقيبة و زین العابدين بن علي. و قد جوبھت السياسات التغريبيّة لزين العابدين بن علي الرئيس السابق للجمهوريّة التونسيّة بردود فعلٍ شديدة من قبل الموجة الجديدة الاُصوليّة، مثلما جوبهت بنفس الردود من الإسلام السلفي في هذه البلاد، إلاّ أنّ النظرة العرفيّة التي كان ينظر بها القسم الكبير من المجتمع التونسي إلى السياسة أدّت إلى وقوف الجماعات الليبراليّة العرفيّة موقفاً سلبيّاً تجاه مسألة صعود الإسلاميّين إلى واجهة المسرح(3).

ركّز السلفيّون جميع قواهم و وقتهم في فترة حكم بن علي على العلوم الشرعيّة و المساجد، و لم يكن لهم كثير اهتمامٍ بالسياسة. و مع ذلك تعامل نظام بن علي - باعتباره نظاماً علمانيّاً - مع السلفيّين - باعتبارهم تیّاراً إسلاميّاً - بالوسائل القمعيّة، مستخدماً كلّ أدواته لقمع هذا التيّار و الوقوف في طريق نموّه. و كان هذا الأمر سبباً في دخول الآلاف من أعضاء التيّارات السلفيّة في سجون النظام التونسي السابق في السنين الأخيرة من حكومة بن علي.

و رغم ذلك لم تنجح تلك المجابهة و لا ذلك القمع بأي وجهٍ من الوجوه من تقليص تواجد و نشاط التيّار السلفي في تونس، بل كلّ ما استطاعته هو كبح جماح هذا النموّ و الاتّساع إلى حدٍّ ما.

و الواقع أنّ ما قام به النظام من دفع أهمّ التيّارات الإسلاميّة التونسيّة - أي حزب

ص: 145


1- المديني، 2012: 107
2- الوهيبي، 1392
3- تونس در مسير ثبات سیاسی، 1392

النهضة - إلى الهامش و حرمانه من قدرة التحرّك، و ما مرّت به كافّة التيّارات و الأحزاب السياسيّة من ظروف صعبة في ظلّ سياسة القمع و الاستبداد التي مارسها نظام بن علي، قد أخلت الأجواء للتيّار السلفي كي يستفيد من الفرص المتاحة أمامه المتمثّلة بالوسائل الدينيّة الخاصّة كالمساجد و المؤسّسات الخيريّة ليعمل على تقديم اُطروحاته و جذب الشباب التونسي، في حين لم تكن تلك الفرص متاحةً لغيره من سائر الأحزاب. و هكذا استمرّ تقدّم و نموّ السلفيّين حتّى وقوع ثورة الياسمين في العام 2011 م.

و مع وقوع تلك الثورة و فرار زین العابدين بن علي من تونس اتّسع المجال أمام نشاط التيّار السلفي كما اتّسع أمام غيره من سائر التيّارات و الأحزاب السياسيّة. و في فترة ما بعد الثورة دخل التيّار السلفي في معمعة الوضع الجديد حيناً و صارعه حيناً آخر مارّاً خلال ذلك بفترات تألّقٍ و ضمورٍ متتالية. و هذا الأمر يفصح عن ظهور مشارب سلفيّة مختلفة تمثّلها تيّارات تريد التفاعل مع النظام الجديد و دخول معترك الصراع السياسي و استخدام الوسائل السلميّة في هذا السبيل من جهة، و تريد تغيير الوضع السياسي الجديد في تونس مستخدمةً في سبيل ذلك جميع الوسائل بما فيها اغتيال المخالفين من جهةٍ

اُخرى.

النسيج الإنساني للتيّار السلفي في تونس:

إذا أردنا تحليل الأرقام والإحصاءات و النسب المئويّة لهذا الموضوع، فليس أمامنا سوى القبول بالاستفادة من المعلومات المستقاة من 1208 نموذجاً من السلفيّين من سنة 2007 إلى 2009.

الانتشار الجغرافي لأنصار التيّار السلفي في تونس من 2007 إلى 2009 المحافظة النسبة المئويّة

تونس

23/63

بنزرت

10877

مدنين

8/84

سيدي بوزيد

8/45

ص: 146

قبلي

6/02

المهديّة

5/56

سوسة

5/33

القصرين

4/98

القيروان

3/70

نابل

3/36

صفاقس

2/78

أكاف

2/20

بن عروس

1/73

سليانة

1/62

المنستير

1/27

تطاوين

1/15

أريانة

1/15

حبزوبة

1/15

بابس

0/92

توزر

0/81

باجة

0/69

المتولّدين في الخارج

0/69

الأغوان

0/11

أمّا من جهة الفئات العمريّة فيتوزّع هذا التيّار على الفئات التالية:

- من 19 إلى 24 سنة: حوالي 30 بالمائة.

- من 25 إلى 30 سنة: حوالي 48 بالمائة.

- من 31 إلى 37 سنة: حوالي 11 بالمائة.

و يندرج الباقي ضمن فئات عمريّة اُخرى.

و تفيد هذه الأرقام تشكيل العمّال 36 بالمائة من مجموع السلفيّين، في حين يشكّل

ص: 147

طلاّب الجامعات و المدارس 34 بالمائة، و التجّار 15 بالمائة، و الباقي أصحاب المشاغل المختلفة(1).

2- التيّارات و الأحزاب السلفيّة في تونس:

1/2- التيّارات السلفيّة في تونس:

تنقسم التيّارات السلفيّة في تونس إلى ثلاث مجاميع: السلفيّة العلميّة، و السلفيّة

الحركيّة، و السلفيّة الجهاديّة.

و تختلف بعض هذه التيّارات عن بعضها الآخر في أهدافها و مناهجها، بل - و هو الأهمّ - تختلف في بعض عقائدها الدينيّة. و أوجه الخلاف بينها هي مواقفها من الحاكم، و تصوّراتها عن نشاطاتها التنظيميّة، و آلية عملها.

فبعض منها يريد التعايش مع النظام، و بعضها يكتفي بالدعوة إلى الإصلاح، في حين يدعو بعضها إلى الجهاد. و تمثّل جامعة الزيتونة و مركز الدراسات الإسلاميّة التابع لها في مدينة القيروان أهمّ قواعد هذا التيّار و حصونه الفكريّة.

ويشكّل هذا التيّار أقلّيةً عند مقارنته بتيّار النخب الإسلاميّة العلمانيّة. و تفصيل هذا

المطلب يأتي في السطور التالية.

أ- السلفيّة العلميّة:

إحدى جماعات التيّار السلفي في تونس هي السلفيّة العلميّة. و هذه الجماعة مسالمة تكتفي بدعوة الناس و وعظهم. و ينطلق مبلّغو هذه الجماعة من منطلقات فقهيّة و عقائديّة، باذلين جهودهم لنيل العلوم الشرعيّة. و يتبع أفراد هذه الجماعة المراجع العلميّة للسلفيّة خارج البلاد كمصر مثلاً و المؤسّسة الدينيّة الوهّابيّة في السعوديّة على وجه الخصوص.

نشأ هذا التيّار في تونس مع عودة مجموعة من الطلاّب التونسيّين في الجامعة الإسلاميّة إلى تونس و سعيهم لنشر الأفكار العلميّة السلفيّة في أوساط الشباب، و سهّل

ص: 148


1- کریشان، 2012

وجود الشبكات الفضائيّة و شبكة الإنترنيت في تسريع انتشار هذه الأفكار(1).

تعتقد هذه الفئة من السلفيّين بحرمة الثورة على الحاكم، حتّى لو كان الحاكم ظالماً. و كان أغلب شيوخ هذه الجماعة يميلون إلى نظام بن علي الذي كان بدوره يتغاضى عن نشاطاتهم إلى حدٍّ ما.

ولم يقف مسلك السلفيّة العلميّة التونسيّة عند حدود المحافظة على نظام بن علي، بل إنّه نأى بنفسه - من الناحية العمليّة - بمسافةٍ معيّنة عن بقيّة التيّارات السلفيّة التونسيّة و العربيّة بتحريمه العمليّات الاستشهاديّة التي يقوم بها الفلسطينيّون ضدّ إسرائيل ناعتاً إيّاها بنعت الانتحار.

و من أبرز رموز التيّار السلفي العلمي هو كمال بن محمّد بن علي المرزوقي إضافةً

إلى الشيخ بشير بن حسن.

كانت نظرة السلفيّة العلميّة إلى النشاطات السياسيّة و الحزبيّة - بل حتّى الاجتماعيّة -

نظرةً سلبيّة، منطلقةً في ذلك من مقولة عدم قبول الإسلام للتحزّب و أنّ من تبعات التحزّب هو إيجاد الانشقاق في صفوف الاُمّة. و من هنا كان النشاط الحزبي في الإطار السياسي أو الأعمّ منه و بكافّة أشكاله نشاطاً مذموماً، بل احتقروا السياسّة باعتبارها أمراً منافياً للتقوی و عديم الجدوى. كما أنّهم يرون الديمقراطيّة خدعةً مضلّة و منهجاً منحرفاً يقود في النهاية إلى طريق مسدود بعد سلوکه طريقاً بعيداً عن الجادّة الموصلة للخلافة(2).

و على هذا الترتيب تكون السلفيّة العلميّة من خلال رفضها كلّ أشكال الثورة على الحكومة القائمة و الحاكم الذي تنظر إليه على أنّه (ولي الأمر) قد أنكرت شرعيّة أيّ حركةٍ تعمل للتغيير إذا حصلت خارج الإطارات القائمة. لا بل هي تستنكر كلّ أشكال النشاطات التي تقوم بها الأحزاب و الجمعيّات و المنظّمات ضمن الإطار القائم باعتبارها بدعةً مذمومة. إذاً، فالتغيير في رأي هذا التيّار يجب أن لا يتمّ على يد أفراد المجتمع(3).

و قد قصر هذا التيّار - بعد ابتعاده عن السياسة - نشاطه على النشاطات التعليميّة و

ص: 149


1- کریشان، 2012
2- Marks, 2013: 109
3- أحمدیان، 1393: 10

الاجتماعيّة عن طريق المدارس الدينيّة و الاتّحادات الإسلاميّة و المنظّمات الخيريّة و فِرَق الإمداد. و قد حدّدت السلفيّة العلميّة أهدافها بالتربية الدينيّة و التبليغ و الإرشاد، حتّى أنّها ربما اتّهمت في بعض الأوقات بوقوعها تحت تأثير (السلفيّة المدخليّة) التي تؤكّد تأكيداً شديداً على المصالحة و المماشاة مع الحكّام و منع الخروج عليهم(1).

و يبلغ عدد أفراد السلفيّة العلميّة حوالي العشرون ألف شخص يتواجد أكثرهم في

مدينَتي تونس و سوسة الواقعة على بعد 170 كيلومتراً عن العاصمة، و أكثر من نصف أنصار النهضة لديهم علاقات وثيقة مع السلفيّين العلميّين. كما أنّ أكثر أفراد هذه المجموعة اليوم هم من مؤيّدي حركة النهضة، و أشهر شيوخهم هو الشيخ بشير بن حسن الذي يتعاون حاليّاً مع النهضة، حتّى أنّه قال في إحدى خطبه: إنّ كلّ مَن يعارض هذه الحركة هو كافر(2).

اشتهر هذا التيّار في تونس، خصوصاً في أوساط الشباب الدارسين حتّى صار له مریدون کُثر اصطلح الناس على تسميتهم (السلفيّين) اختصاراً. و بقيت هذه الجماعة - خلافاً لسائر الجماعات الإسلاميّة، كالنهضة أو حزب التحریر - لم يتمّ تنظيمها في إطار جماعة أو حركة تنظيميّة و هرميّة منسجمة، بل بقوا على شكل جماعات متفرّقة، و كلّ جماعةٍ لها مسجدها و مرجعها الخاصّ بها.

ب- السلفيّة الحركيّة (الإصلاحيّة أو الحركيّة):

يشبه هذا التيّار من الناحية الفكريّة و العمليّة تيّار السلفيّة العلميّة إلى حدٍّ بعيد، و

تربطه صلة القرابة مع الفكر الإخواني.

و هذا التيّار الذي كان يحصر مطالبه بالإصلاح السياسي فقط، صار اليوم يطالب بالمشاركة العمليّة في النشاطات السياسيّة و تأسيس حزبٍ فکريّ سلفيّ يكون إطاراً لبيان وجهات نظره حول كيفيّة التعامل مع الحقائق السياسيّة و الاقتصاديّة و التربويّة.

و بعبارةٍ اُخرى إنّ هذا التيّار قد قبل الحياة السياسيّة الديمقراطيّة، و هو يعمل في إطارها، و يقبل بنتائج الانتخابات الحرّة باعتبارها وسيلةً لتداول السلطة بين النُخب

ص: 150


1- الشعيبي، 2012: 3
2- نظيف، 2014

المختلفة.

بدأ هذا التيّار السلفي نشاطه في العام 1988 بتأسيس الجبهة الإسلاميّة في تونس بزعامة محمّد علي الحراثي، عبد الله الحاجي و محمّد خوجة(1). و كانت بداية ظهور هذا التيّار و اشتهاره بعد عودة العديد من الشباب التونسي المجاهد من أفغانستان إلى تونس؛ إلاّ أنّ الجبهة الإسلاميّة التونسيّة كانت تضمّ في بداية ظهورها الكثير من السلفيّين وكان السلفيّون الجهاديّون من بينهم، الأمر الذي أدّى في نهاية المطاف إلى انفصال التيّارين عن بعضهما.

و من الواضح أنّ تيّار السلفيّة - سواء السياسيّة منها أم الحركيّة - بعد انفصاله و ابتعاده عن السلفيّين الجهاديّين قد تحرّك تدريجيّاً نحو القبول بقواعد اللعبة السياسيّة الرسميّة و العمل في إطارها.

و اقترب هذا التيّار في العصر الحالي من السلفيّة المصريّة، حتى صارت لهجة

خطاباته تحاكي لهجة خطاباتها.

و بعد حدوث ثورة الياسمين التونسيّة نشأت عدّة أحزاب سلفيّة من رحم هذه الحادثة، من أهمّها حزب الأصالة السلفي، حزب الإصلاح السلفي و حزب الرحمة السلفي و هذا النوع من السلفيّة لم يتقيّد بحدود النشاط الحزبي فقط، بل اتّجه نحو النشاط في إطار الجمعيّات الخيريّة و التعليميّة و غيرها أيضاً. و يوجد حاليّاً العشرات من الجمعيّات و الاتّحادات تمارس نشاطها تحت مظلّة هذا النوع من السلفيّة في تونس(2)، حيث تعمل جميعها تحت راية (الجبهة التونسيّة للجمعيّات الإسلاميّة) بزعامة الشيخ مختار الجبالي الذي يعدّ من أبرز و أشهر شيوخ السلفيّة في تونس.

و من الخصائص الاُخرى لهذا التيّار السلفي في تونس:

- اتّخاذ المذهب المالكي مبنىً شرعيّاً للحركة السلفيّة في تونس و قيامه على

الاعتقاد الصحيح بالكتاب و السنّة النبويّة.

- جواز العمل التنظيمي و الحزبي و عدم تناقضه مع القوانين الشرعيّة.

ص: 151


1- نظيف، 2012
2- اللحياني، 2012

- ضرورة و وجوب الدعوة للمشاركة السياسيّة بهدف تقليل الشرّ و إشاعة الخير و

الإحسان في البلد.

- وجوب تعريف الإسلام باعتباره اُسلوباً و طريقاً لحلّ مشاكل الناس في أنحاء

العالم و اختيار المنهج المتسامح و المعتدل البعيد عن العنف و التطرّف(1).

يكثر أنصار السلفيّة الحركيّة في صفوف الموظّفين الصغار، و رغم كثرة الشكوك و الأقاويل حول ميول هذا التيّار لاستخدام العنف في سبيل تحقيق التغييرات السياسيّة أو عدم إيمانه بهذا الاُسلوب، إلاّ أنّ قادته قد أعلنوا بصراحة سعيهم للتغيير السلمي.

ج- السلفيّة الجهاديّة:

هذه المجموعة هي أكثر المجاميع السلفيّة تطرّفاً، و على الضدّ من تيّار السلفيّة الحركي تدعو للثورة على الحاكم و إلى أنواع النشاطات الجماعيّة و من ضمنها العمليّات المسلّحة. و هذا النوع من السلفيّة كان منتشراً على مستوى المنطقة و لا يمكن حصر وجوده في بلدان معيّنة فقط. و على هذا المعنى تكون السلفيّة الجهاديّة تيّاراً عالميّاً تتحدّد ماهيّته و أهدافه من هذا البعد العالمي لأفعاله، تلك الأفعال التي كما يصفها قادة هذا التيّار بأنّها لمقابلة الهجمة الصليبيّة على البلاد الإسلاميّة وأنّها تهدف إلى محاربة المحتلّين و تحرير الأراضي الإسلاميّة من نفوذ و وجود الصليبيّين، خصوصاً بعد احتلال أفغانستان و العراق، حيث اتّضح البعد العالمي لأفعال هذا النوع من السلفيّة وضوحا كافيا و جرى التأكيد عليه على نطاقٍ و اسع.

بدأت هذه الجماعة اُولى نشاطاتها في تونس في العقد الثامن على يد مجموعة من الشباب الذين أقدموا على بعض العمليّات البسيطة البدائيّة كباكورة لنشاطاتهم. و قد قتل بعض المنفّذين لتلك العمليّات المذكورة في حين تمّ اعتقال البعض الآخر و هرب إلى خارج تونس بعضٌ آخر منهم الشيخ محمّد الأزرق الذي أصدر فتواه بالجهاد و مشروعيّة التمرّد على الحكومة و المؤسّسات الخاضعة لها. و قد هرب هذا الشخص بعد تنفيذه لهذه العمليّات إلى السعوديّة، إلاّ أنّ النظام السعودي اعتقله في أواسط الثمانينيّات و

ص: 152


1- فوزي، 1392: 120

سلّمه إلى جهاز الأمن التونسي حيث صدر عليه حكم بالإعدام.

و بدأت فكرة هذا التيّار - السلفيّة الجهاديّة في تونس - بالنموّ في العقد التاسع من القرن الماضي مع مجيء الشيخ الضرير الإدريسي من السعوديّة و بداية دروسه التعليميّة الدينيّة في محافظة سيدي بوزيد.

و قد ذهب البعض من عناصر هذا الجهاد في أواخر الثمانينيّات و بداية التسعينيّات

من القرن الماضي إلى أفغانستان بعد بضعة تجارب جهاديّة غير موفّقة، و سعي البعض منهم إلى تشكيل نواة لجماعة جهاديّة متّحدة كما فعل الليبيّون و الجزائريّون المقيمون في أفغانستان، إلاّ أنّ هذه المساعي انتهت بالفشل بسبب عدم وجود القيادات الكفوءة في صفوفها.

و بعد خروج الأفغان العرب من أفغانستان سنة 1992 ذهب الجهاديّون التونسيّون إلى السودان و حاولوا مرّةً اُخرى تأسيس الجماعة التي كانوا يطمحون لها، و كان الفشل حليفهم هذه المرّة أيضاً.

و بعد سيطرة طالبان على أفغانستان و مجيء الموجة الثانية من الأفغان العرب إلى هذه البلاد وصل العشرات من الجهاديّين التونسيّين إلى أفغانستان من البوسنة بعد مشاركتهم في الحرب مع صربيا و معارك الإبادة الجماعيّة في أواسط العقد التاسع، حيث تمكّنوا هذه المرّة من تأسيس قاعدة مستقلّة لهم هناك لكنّهم لم يتمكّنوا من توسيع هذه القاعدة للعودة إلى تونس للجهاد.

وفي العقد الأوّل من القرن الحادي و العشرين أبدى هذا التيّار قدرات مميّزة في

حشد الشباب التونسي و إرسالهم إلى (جبهات الجهاد) في أفغانستان و العراق(1).

و بعد حادثة الحادي عشر من أيلول و الهجوم الأمريكي على أفغانستان في كانون الأوّل 2001 شارکت قاعدة السلفييّن الجهاديّين التونسيّين أيضاً في الحرب على القوّات الأمريكيّة في جبهة هضبة (تورابورا) في جبال سليمان غرب جلال آباد، و قتل العشرات من أفرادها و تمّ أسر عدد منهم، و هكذا تهاوت تجربة الجهاديّين التونسيّين الوليدة في

ص: 153


1- أحمديان، 1393: 12

المختبرات الأفغانيّة.

و من الطبيعي أن يكون نظام زین العابدين بن علي على علمٍ بكلّ هذه المجريات و

أهدافها، و أن يقف موقفاً مناوئاً لها، حيث يقف وراء هذه المناوءة سببان رئيسيّان:

أوّلهما: الخوف من تنامي قوّة السلفيّة الجهاديّة في تونس و التأثير الذي يمكن لهذا التيّار الخطير أن يمثّله في وجه استمرار حكومة بن على، خاصّةً و أنّ السلفيّة الجهاديّة تختلف عن شقيقتها العلميّة في تجاوزها لنظريّة الطاعة و سعيها للمجابهة مع الأنظمة التي تعدّ موالية للغرب، و التي يعتبر نظام بن علي واحداً منها على أيّ حال.

و هكذا تمّ وضع قانون لمكافحة الإرهاب كخطوة اُولى، ثمّ بدأت محاكمة أعضاء هذا التيّار. و كانت نتيجة ذلك تأسيس منظّمة سرّيّة باسم (جند أسد بن الفرات) و دخول المجابهة مع القوّات الحكوميّة مرحلة جديدة سبقت قيام الثورة التونسيّة.

أمّا السبب الثاني في مجابهة نظام بن علي السلفيّة الجهاديّة فيتمثّل بسعيه لتصوير قمعه الداخلي ضدّ القوى المخالفة له تحت ستار الحرب ضدّ الإرهاب بالاتّحاد مع الولايات المتّحدة.

و بعبارةٍ أوضح نقول: إنّ نظام بن عليّ كان يوظّف الحرب على الإرهاب التي كانت تحتلّ المرتبة الاُولى في سلّم أولويّات الولايات المتّحدة في المنطقة و العالم في تلك الفترة لتبرير قمعه الداخلي. و هكذا اضطرّت بقايا هذا التيّار إلى الانضمام إلى التنظيمات الإقليميّة للقاعدة في المغرب العربي في ارتفاعات الجزائر.

بعد 14 كانون الثاني 2011 أعادت منظّمة القاعدة العالميّة و ذراعها الأقليمي في المغرب العربي الحياة إلى التيّار الجهادي التونسي مستفيدةً من أفكار القادة و الكوادر المدربّة و من توفير الدعم المالي. و كان الهدف من وراء إحياء هذه المجموعة يكمن في زعزعة استقرار المنطقة و المضيّ في تنفيذ برامجها في ساحات السياسة الدوليّة و تجنيد القوى الجديدة و تدريبها، و كذلك السعي لتقليل الضغوط المسلّطة على الجماعات المسلّحة في الجزائر وليبيا و تأسیس خطّ إمداد لوجستیکي لها(1).

ص: 154


1- کریشان، 2012

ولا يقبل السلفيّون الجهاديّون - الذين ينظرون إلى الجهاد باعتباره واجباً و تکليفاً - اعتبار الجهاد محدوداً بالحدود التونسيّة نظراً لما له من الأبعاد الدوليّة، إلى الحدّ الذي دفع الجهاديّين السلفيّين للمشاركة الفعّالة في الحرب الداخليّة في سوريا أيضاً.

يتواجد السلفيّون الجهاديّون في شمال العاصمة تونس في عدّة مدن، منها: بنزرت،

جندوبا، کاروان، المهديّة، سوسة، صفاقس، تزور و جربة مدنين.

و كان عدد الجهاديّين قبل الثورة التونسيّة يبلغ مئات الأفراد، أمّا الآن فيقدّر عددهم

بين السبعة آلاف و التسعة.

و تظهر خارطة أعمال العنف التي شهدتها تونس أنّ أغلب الأشخاص الذين كانت لهم يد في أعمال العنف هذه هم من سكّان المناطق التونسيّة النائية أو ضواحي المدن الكبرى في هذا البلد، و أغلبهم من العاطلين عن العمل، و أكثرهم سجناء سابقون(1).

ويشكّل شبّان المناطق الحدوديّة و الفقيرة و المحرومة في أطراف العاصمة و محافظات بنزرت و سيدي بوزيد و مدنين العناصر الأصليّة لهذا التيّار، و في هذه المناطق يتمّ جذب و تدريب القوّات من خلال تطميعهم بالجنّة و حور العين لإرسالهم إلى سوريا.

وطبقاً لاعترافات عدد من الشباب التونسي الذين سبق أن ذهبوا إلى سوريا للجهاد و عادوا إلى تونس بعد انکشاف حقيقة الادّعاءات الكاذبة للغرب و القاعدة، إنّ أكثرّية الشباب التونسي الذين ذهبوا إلى سوريا هم إمّا كانوا أغراراً أو عاطلين عن العمل.

و الواقع أنّ الفقر المالي و عدم الفهم الصحيح للإسلام يمثّلان العاملّين الرئيسيّين في وقوع الشباب التونسي ضحايا في يد المتاجرين القطريّين و السعوديّين الذين يقدّمونهم قرابين في المذبح السوري(2).

و الجماعة السلفيّة الجهاديّة كباقي الجماعات الإسلاميّة في مصر و غيرها، كسبت شعبيّتها في ظلّ مشکلات البلاد الاقتصاديّة عن طريق تقديم المساعدات للمناطق المحرومة، إذ تمکّنت بعد ذلك - و ضمن نشر أفكارها و معتقداتها أيضاً - من حشد المئات من الشباب التونسي تحت اسم الجهاد لكسب الحرب على سوريا.

ص: 155


1- السلفيّون في تونس، 2012
2- کریشان، 2012

و مع أخذ هذه الوضعيّة بنظر الاعتبار يغدو التأمّل في التفسير الاقتصادي لظاهرة السلفيّة الجهاديّة في تونس أمراً لا بدّ منه. و ليس من العجيب أن يكون أغلب الأفراد الذين سينتمون إلى السلفيّة الجهاديّة قادمين من محلاّت الفقراء الذين تشير الأرقام الاقتصاديّة إلى ارتفاع نسبة الفقر و البطالة في صفوف ساكنيها(1)، فهؤلاء الشباب العاطلين عن العمل الذين تربّوا في عائلات فقيرة هم العناصر الأصليّة الذين تتوفّر فيهم جميع الصفات و الشروط النفسيّة لتقبّل التفكير السلفي الجهادي، و هم الاحتياطي و الرصيد الاجتماعي لهذا التيّار، و المنفّذ لتوجيهات و أوامر المافيا السلفيّة الجهاديّة. فلو سألنا - على سبيل المثال - الشباب الذين هاجموا السفارة الأمريكيّة في تونس هل شاهدوا جميعهم الفيلم المسيء إلى شخصيّة و مقام الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم لاكتشفنا أنّ عدداً قليلاً منهم فقط شاهدوا هذا الفيلم، أمّا البقيّة فقد نفّذوا ما نقّذوا تنفيذا لأوامر زعمائهم و تحت تأثير عمليّات غسيل الدماغ(2).

إن هذه الجماعة لا تقبل أيّاً من الاختراعات الثقافيّة الجديدة كالصور الفوتوغرافيّة و الأفلام و الكتب و التقنيات الحديثة، لا بل أكثر من ذلك إنّهم هاجموا المعارض التي اُقيمت سابقاً لهذه الاختراعات بحجّة إهانتها للقيم الدينيّة.

و أهمّ الجماعات التي يمكن اعتبارها جزءاً من التيّار الجهادي هي أنصار الشريعة و تيّار اليقظة الإسلاميّة، و من زعماء هذا التيّار نصر الدين العلوي، و هو الذي صرّح بدعوته لارتداء الأكفان و الجهاد ضدّ الدولة و الملّة و أقطاب الكفر في تونس(3).

و بعد وقوع الثورة في تونس تمّ حشد و تنظيم التيّار الجهادي في إطار منظّمة أنصار الشريعة بزعامة أبو عياض التونسي، الذي صرّح في إحدى خطاباته بأنّ تونس موطن التبليغ و الدعوة لا الجهاد. أمّا الناطق باسم أنصار الشريعة سيف الدين الرايس فقد صرّح في أحد مؤتمراته الصحفيّة بقوله: «إنّنا لا نحتاج إلى إذن الدولة لتبليغ كلام الله»(4). أمّا

ص: 156


1- Marks, 2013:111
2- موسی، 2012
3- کریشان، 2012
4- Gartensteinm, 2014:9

الدولة فلا تكفّ عن اتّهام هذه المنظّمة بالتورّط في أعمال العنف و خصوصاً الهجوم على السفارة الأمريكيّة في أيلول 2012.

و كان التيّار الجهادي في فترة حكومة زين العابدين بن علي قد قام بعمليّات بارزة نقّذها أفراد أو مجموعات من أفراده في تونس، يمكن الإشارة - كنماذج لها - إلى تفجير الكنيس اليهودي في جزيرة جربة في نيسان 2002 و الاشتباك مع الجيش التونسي في الضاحية الجنوبيّة للعاصمة في سنة 2006.

و بعد هذه الأعمال اشتهرت منظّمة أنصار الشريعة و صارت معروفة في تونس، و

هاجمت السفارة الأمريكيّة في تونس

في أيلول 2012 بذريعة إهانة الغربيّين لرسول الإسلام. و كان زعيم هذه الجماعة الاُصوليّة مسجوناً في تونس من 2003 إلى 2011، ثمّ ذهب للقتال تحت لواء القاعدة في أفغانستان. و يقال إنّ هذه المنظّمة هي المسؤولة عن عمليّات اغتيال الشخصيّات التونسيّة البارزة من أمثال شكري بلعيد و محمّد البراهمي.

يمارس التيّار الجهادي نشاطاته تحت قيادة أربع زعماء مجموعات:

يقود المجموعة الاُولى منها سيف الله بن حسين (أبو عياض) الذي يرتبط بعلاقات

مع الشخصيّات السلفيّة التونسيّة كالشيخ خطيب الإدريسي.

و يقود المجموعة الثانية أبو أيّوب (سليم الفندري) الذي انشقّ عن الجماعة الاُولى،

و ينتشر أنصاره في العاصمة و بعض المحافظات التونسيّة. و ليس لهذه الجماعة فعّاليّات تنظيميّة منسجمة بسبب الخلافات الحادّة التي ظهرت في صفوف أفرادها بعد ثورة الصحوة الإسلاميّة في تونس.

و يقود أبو إسحاق المجموعة الثالثة، و هي جماعة صغيرة اقتربت في مواقفها من (التيّار السلفي العلمي) بعد ثورة الصحوة الإسلاميّة برفعها شعار (تونس أرض دعوة و

ليست أرض جهاد).

أمّا المجموعة الرابعة فهي مجموعة متطرّفة من الناحية الدينيّة، و تتميّز بتصرّفاتها و تنظیماتها الرهيبة جدّاً، و لا تظهر في وسائل الإعلام بأيّ شكلٍ من الإشكال، و لها صلات مع الجماعات السلفيّة المتطرّفة في الجزائر، و كان لها دور في حوادث (الروحيّة) في أيّار

ص: 157

2011، و بئر علي بن خليفة في شباط 2012، و فرنانة في كانون الأوّل 2012(1).

2/2- الأحزاب السلفيّة في تونس:

لوحظ بعد وقوع الثورة التونسيّة ظهور اتّجاهٍ بين السلفيّين التونسيّين للحصول على

الشرعيّة القانونيّة عن طريق تأسيس الأحزاب السياسيّة. و كانت نتيجة هذا الظهور تأسیس عددٍ من الأحزاب السلفيّة في الساحة السياسيّة و التي تعمل ضمن الاُطر القانونيّة و الرسميّة في نفس الوقت الذي تسعى فيه لتنفيذ برامجها بالطرق السلميّة.

و كان حزب الأصالة أوّل الأحزاب السلفيّة التي مارست نشاطاتها بعد تمكّنه من الحصول على إجازة تأسيسه في آذار 2012. و يقود هذا الحزب مولدي علي اُستاذ الحقوق الدوليّة و كان واحداً من الشخصيّات المطاردة في فترة بن علي.

و هذا الحزب من الأحزاب القريبة من حزب النور المصري و له ميول واضحة

بأولويّة الدعوة و التبليغ الديني في الميدان الاجتماعي.

أمّا الحزب الثاني فهو حزب الرحمة الذي حصل على إجازة التأسيس في تمّوز 2012 و بدأ ممارسة نشاطه الرسمي منذ ذلك الوقت. و زعيم هذا الحزب هو سعيد الجزائري أحد المنشقّين عن حزب النهضة.

و هذا الحزب - مثله مثل حزب الأصالة - يعمل على تطبيق الشريعة ضمن الاُطر

القانونيّة، مركّزاً نشاطه على المسائل الاجتماعيّة للطبقات الفقيرة و من بينها توفير فرص العمل و الصحّة العامّة و السكن و التعليم بصورة خاصّة.

أمّا الحزب الثالث فهو حزب جبهة الإصلاح، و قد نال الحزب الشرعيّة القانونيّة في أيّار 2012 م، و اتّسع نفوذه و زاد اعتباره عن الحزبين السابقين. و يقال إنّ هذا الحزب هو أقرب الأحزاب السلفيّة إلى حزب النهضة في اتّجاهاته. و تفيد التقارير أنّ هذا الحزب - الذي يرأسه محمّد خوجة - هو الوارث للجبهة الإسلاميّة للإصلاح في تونس، تلك الجبهة التي دعت إلى الكفاح المسلّح ضدّ النظام الحاكم في أواخر عقد الثمانينيّات من القرن الماضي.

ص: 158


1- المدینی، 2012: 107

و بعد حصول الثورة التونسيّة عقد الأعضاء الأصليّون لهذه الجبهة اجتماعاً مشتركاً مع الإخوان المسلمين التونسيّين أعلنوا فيه تخلّيهم عن العمل المسلّح و دخولهم في إطار الممارسات القانونيّة الموجودة في ظلّ تغيّر الظروف في تونس و سقوط النظام الاستبدادي و إطلاق الحرّيّات السياسيّة، و كانت ثمرة ذلك تأسيس الحزب و دخوله الرسمي في معترك العمل السياسي.

تمكّن هذا الحزب من جذب العديد من أعضاء حزب النهضة الناقمين على ممارسات قيادتهم، كما جذب إليه العديد من السلفيّين الجهاديّين و ضمّهم إلى صفوفه(1).

يسير هذا الحزب و کادره القيادي و أغلب أنصاره متّبعین خطي و أهداف و أساليب

حركة الاتّجاه الإسلامي(2).

و خلاصة الكلام إنّ هذا الحزب - كما يستفاد من تصريحات قادته - يسعى للوصول

إلى إرساء ديمقراطيّة إسلاميّة تمهّد لتطبيق الشريعة.

أمّا أشهر و أقوى الأحزاب السلفيّة في الفترة الحاليّة فهو حزب التحرير، إلاّ أنّه

يختلف اختلافاً شاسعاً عن بقيّة الأحزاب السلفيّة من جهة برنامجه و أهدافه.

و هذا الحزب يعدّ فرعاً من فروع حزب التحرير في سائر البلدان الإسلاميّة، و الذي تمّ تأسيسه في الأصل على يد مجموعة منشقّة من حركة الإخوان المسلمين في عقد الخمسينيّات من القرن الماضي، وهدفه إعادة الخلافة، و كذلك العمل على تطبيق حاكميّة الشريعة في الاُمّة الإسلاميّة تحت ظلّ حكومة الخلافة.

و كان تأسيس هذا الحزب في الأساس ردّاً على التحوّل في أهداف حركة الإخوان المسلمين و ميلهم التدريجي نحو العمل ضمن الاُطر الموجودة، و سعياً إلى إحياء موضوع الخلافة التي بدأت تفقد بريقها في الأدبيّات الإخوانيّة شيئاً فشيئاً.

بدأ هذا الحزب نشاطه في عقد الثمانينيّات، و كان عمله مقتصراً على مجموعة صغيرة

ص: 159


1- Merone, 2012
2- الاتّجاه الإسلامي هو الاسم السابق لحزب النهضة التونسي في عقد الثمانينيّات. و هذه الإشارة إلى اتّباع الحزب لأهداف و أساليب الاتّجاه الإسلامي، و التي طالما أشار إليها هذا الحزب، إنّما تحمل في ثناياها ما يفيد انحراف حزب النهضة عن أهدافه الأوّليّة، و أنّ حزب الإصلاح هو الذي يسعى لإحياء تلك الأهداف

غیر فعّالة في تلك الفترة التي تميّزت بقمع النظام الحاكم في تونس.

و لهذا الحزب قواعد شعبيّة لا بأس بها في بعض المناطق التونسيّة، خصوصاً في ضواحي العاصمة و في بعض المدن الواقعة في أطرافها أيضاً، حيث تفوق شعبيّته فيها حتّى شعبيّة حزب النهضة.

و كان لمواقف حزب التحرير المتطرّفة ضدّ مؤسّسات الدولة و معارضته للسلوكيّات الحاكمة فيها دورها في كسب العديد من الشباب و أنصار التيّارات السلفيّة الجهاديّة إلى صفوفه في السابق و في الفترة الحاليّة أيضاً. وهؤلاء الشباب يرون في حزب التحریر الحزب الوحيد المدافع عن الإسلام الصحيح و العامل على تطبيق أحكامه في تونس و سائر البلدان الإسلاميّة.

و الطريف أنّ حزب التحریر رغم عدم قبوله الواقع السياسي الموجود ولا الدولة الوطنيّة ولا الديمقراطيّة، إلاّ أنّه قدّم طلبات عديدة في الفترة التي تلت الثورة للحصول على الإجازة القانونيّة لممارسة نشاطاته العلنيّة، إلاّ أنّ كلّ هذه الطلبات تمّ رفضها في الفترة التي سبقت تشكيل الحكومة بقيادة حزب النهضة. لكنّ الحزب تمكّن في نهاية الأمر من خلال ممارسة ضغوطه على الحكومة المعروفة بحكومة الترويكا بزعامة حزب النهضة من الحصول على الاعتراف القانوني في تمّوز 2012 و ممارسة نشاطه الرسمي.

و ينأى حزب التحریر بنفسه عن سائر الأحزاب السلفيّة بصورة كاملة، و وفقاً لتصريحات قادته فإنّ بقيّة الأحزاب السلفيّة إمّا أنّها قريبة جدّاً من العربيّة السعوديّة بحيث تنفّذ التعليمات الواردة من تلك البلاد في تونس، أو أنّها تيّارات متطرّفة تدعو للعنف أسّست أحزاباً و دخلت في العمليّة السياسيّة الراهنة في تونس دخولاً تكتيكيّاً.

و كما يرى هذا الحزب فإنّ السلفيّة العلميّة في الوقت الحاضر تقع تحت التأثير التامّ للعربيّة السعوديّة التي تعمل على استغلال هذا التيّار الحرف التحرّكات الثوريّة بالاتّجاه الذي يقي المملكة و باقي بلدان شبه الجزيرة العربيّة من وصول هذه التحرّكات الثوريّة إليها.

و من ناحيةٍ ثانية يرى حزب التحرير أنّ السلفيّة الجهاديّة رغم تخلّيها عن العنف باعتباره أحد أركان ستراتيجيّتها الأساسيّة، إلاّ أنّها تعمل على تخريب السلفيّة الواقعيّة المتمثّلة بحزب النهضة مستفيدةً من أدوات العنف و أساليبه.

ص: 160

و من بين سائر الأحزاب السلفيّة التي ذكرناها يبدو حزب الإصلاح هو الأقرب إلى حزب النهضة و التيّار الإسلاميّ المعتدل، رغم ما يبديه حزب الإصلاح من الانتقادات إلى حزب النهضة.

أمّا حزبَي الرحمة و الأصالة فلا يبديان اهتماماً يذكر بالمسائل السياسيّة، و أغلب

همومهما هي تطبيق الإصلاحات الاجتماعيّة.

و الحزب الوحيد الذي هو بمثابة تيّار تغييري مخالف للوضع السياسي الموجود و له

موقعه في الساحة هو حزب التحریر، حيث يمتلك برنامجاً إيديولوجيّاً معيّناً يستهدف تأسيس الخلافة الإسلاميّة و العودة إلى سيرة السلف الصالح رافضاً الديمقراطيّة التونسيّة الوليدة. و هكذا يفرض حزب التحرير نفسه و يثبت وجوده الرسميّ في الساحة السياسيّة التونسيّة باعتباره قوّة مؤثّرة يشار لها بالبنان(1).

3- مواقف السلفيّين بعد الثورة في تونس:

دخلت تونس منذ سقوط نظام بن علي تدريجيّاً فترةً من العنف لعب التيّار السلفيّ فيها دوراً محوريّاً، و يمثّل اغتيال المخالفين السياسيّين - خصوصاً الشخصيّات العلمانيّة التونسيّة المشهورة - جانباً من هذه الممارسات العنيفة للتيّار السلفي. و كانت بداية هذه المسيرة اغتيال شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيّين الديمقراطيّين بعد تهديده عدّة مرّات من قبل السلفيّين ثمّ اغتياله في شباط 2013 م، و رغم عدم التعرّف على الشخص المسؤول عن هذا الاغتيال إلاّ أنّ كلّ القرائن تشير إلى أنّ السلفيّين كانوا هم المسؤولين الأصليّين عن هذا العمل.

و من مواقفهم الاُخرى سعيهم للقضاء على كلّ المظاهر الشيعيّة و ما يشير إلى أهل

البيت و أحفادهم علیهم السلام.

كما أسّسوا جمعيّة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لنشر الثقافة الدينيّة و الوقوف بوجه انتشار الثقافة الغربيّة، و تمكّنوا من تسجيلها رسميّاً تحت عنوان جمعيّة الوسط للتوعية و الإصلاح.

ص: 161


1- أحمدیان، 1393: 32

و قد جلب السلفّيون التونسيّون اهتمام المجتمع بهم قبل بدء نشاطاتهم الرسميّة في العهد الجديد و ذلك بنشاطاتهم غير الرسميّة و ممارساتهم الاجتماعيّة، و من ذلك هجومهم على المراكز الثقافيّة التي كانوا يرون عدم إسلاميّتها. مضافاً إلى غير ذلك من الأعمال التي قاموا بها خلال السنوات الثلاث الماضية و التي منها الهجمات على دور السينما و بعض القنوات التلفزيونيّة و محلاّت بعض أصحاب المهن و مقرّات الأحزاب العلمانيّة و محلاّت بيع المشروبات الروحيّة و الملاهي في المدن التونسيّة المختلفة.

و الواقع أنّنا يمكننا ترسیم سلسلة متصاعدة من الممارسات العنيفة من قبل السلفيّين في هذا البلد منذ وقوع الثورة و سقوط نظام بن علي. فمضافاً إلى ما أشرنا إليه من الهجمات، يلاحظ أنّ اصطدام السلفيّين مع مخالفيهم و سائر القوى قد تصاعد تدريجيّاً إلى مستوىّ لم يسبق له مثيل، و ذلك إدراكاً منهم لحقيقة أن تونس الجديدة - و خلافاً لتونس بن علي - تفتقر إلى قوّةٍ تستطيع الوقوف بوجه الوجود الفعّال للسلفيّين أو تستطيع قمعهم. و من أمثلة ذلك مواجهات السلفيّين مع القوى الأمنيّة في مدينة جندوبة في شباط 2012، و صراعها مع كافّة القوى على مستوى الجامعات و خارجها، و سعيها لاستبدال العلم التونسي بالعلم الأسود للجماعة السلفيّة، ممّا أدّى في كثيرٍ من الأحيان إلى مصادمات و إن كانت محدودة إلاّ أنّها تفصح عن التصاعد التدريجي للعنف من قبل التيّار السلفي(1).

في حزيران 2012 و نتيجةً لهجوم السلفيّين على معرض

الرسم المقام في العاصمة و الذي أدّى إلى مجابهات شديدة نسبيّاً اضطرّت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ لمدّة يومين و تطبيق قانون منع التجوّل.

و في شهر رمضان 2012 اتّسع نطاق المواجهات حيث اشتباك السلفيّون مع قوّات الأمن من جهة و مع أعضاء حركة النهضة من جهةٍ ثانية، ممّا أدّى إلى توتّر الأوضاع الأمنيّة.

وفي شهر أيلول من نفس العام خرجت تظاهرات واسعة نظّمها السلفيّون مقابل السفارة الأمريكيّة اعتراضاً على عرض أحد الأفلام على شبكة اليوتيوب، كما هجموا على

ص: 162


1- خالد، 2012

المدرسة الأمريكيّة المجاورة للسفارة و سلبوا ممتلكاتها.

وفي أواخر العام 2012 اتّجه الوضع نحو تشديد التوتّر و النزاعات الاجتماعيّة و الاتّجاه نحو الصراعات المذهبيّة. ففي تشرين الأوّل من ذلك العام كان الهجوم على الصوفيّين واحداً من الأعمال التي قام بها السلفيّون، و التي تكرّرت في مناطق مختلفة، ممّا يؤشّر نوايا جديدة لدى التيّار السلفي في تونس بعد الثورة تسعى إلى إشاعة الفوضى.

وفي العام 2012 اصطدمت مجموعة من السلفيّين مع القوّات العسكريّة قرب منطقة الحدود المشتركة التونسيّة الجزائريّة، و كانت نتيجة ذلك الاصطدام مقتل أحد الجنود التونسيّين. و أعقب ذلك مصادمات بين القوى الأمنيّة و العسكريّة التونسيّة مع السلفيّين في المدن و المناطق المختلفة لتلك البلاد، ممّا يثير مخاوف الاحتمالات المفتوحة على المجهول في آفاق المستقبل التونسي.

و يرى الكثير من المراقبين أنّ المنحى التصاعدي لأعمال العنف في تونس يعيد إلى الأذهان ظروف الجزائر في أواخر عقد الثمانينيّات من القرن الماضي و ما آلت إليه تلك الممارسات في النهاية من حربٍ داخليّة و خراب لا يزال الشعب الجزائري يعاني من آثاره حتّى اليوم.

و على الرغم من ذلك، فنحن نرى وجود اختلافات واضحة بين الحالتين المشار إليهما، حيث لا يرقى عدد القتلى ولا حجم المصادمات إلى ما كان عليه الحال في الجزائر في السنوات الأخيرة من عقد الثمانينيّات.

ومع أنّ الإنسان لا يسعه أن ينظر إلى جميع أعمال العنف التي وقعت في السنتين الأخيرتين باعتبارها مدفوعةً بنوایا واحدة و ضمن إطار واحد توجّهه ميول السلفيّين المنظّمة و المحدّدة الأهداف بدقّة؛ حيث اتّصفت العديد من المجابهات و أعمال العنف بكونها حالات فرديّة لا تحرّكها دوافع تنظيميّة؛ إلاّ أنّ الهجمات التي تمتّ على بعض المراكز الثقافيّة و الترفيهيّة في تونس كانت منظّمة تماماً و جاءت منسجمةً مع المقولات السلفيّة و في إطارها(1).

ص: 163


1- أحمديان، 1393: 20

ولم يكتفِ السلفيّون بنشاطاتهم في حدود المجتمع التونسي بل نشطوا في تجنيد و إرسال الشباب التونسي إلى سوريا. و قد أعلنت وزارة الداخليّة التونسيّة حتّى الآن عدّة مرّات عن تفکیکها شبكات لتجنيد الشباب و إرسالهم إلى سوريا، و أعلن وزير الداخليّة التونسي لطفي بن جدّو عن قيام وزارته بالحؤول دون سفر ثمانية آلاف تونسي إلى سوريا(1)، كما أكّد عدّة مرّات مسألة ما يعرف بجهاد النكاح و ذهاب الفتيات التونسيّات إلى سوريا لتأدية هذا النوع من الجهاد.

4- علاقة السلفيّين بحركة النهضة:

تعدّ العلاقة و العمل المشترك مع السلفيّة ركناً أساسيّاً من أركان السياسة الداخليّة لحركة النهضة في تونس، و قد ترسّخت العلاقات المميّزة بين هاتين المجموعتين بعد انتخابات 23 تشرين الأوّل 2011 و ازدادت متانتها.

أطلقت حركة النهضة يد السلفيّة العلميّة في مسألة تقوية المبادئ الدينيّة للجماهير في تونس لتعزيز مكانة الدين في الوسط الشعبي(2)؛ لاعتقادها بأنّ تقوية الدين في أوساط الشعب التونسي سوف يؤدّي إلى تعزيز مكانة حركة النهضة نفسها باعتبارها حركة دينيّة، إضافة إلى ما في إطلاق يد التيّار السلفي العلمي في ساحات العمل الجماهيري من تضعيفٍ للتيّار الجهاديّ المتطرّف.

و في هذا السياق اختار راشد الغنوشي أحد الأشخاص المقرّبين منه ليكون وزيراً للشؤون الدينيّة، و تمكّن من خلال ذلك من تسليم الكثير من المساجد إلى التيّار السلفي ليتولّى إدارتها. لكنّ بعض التصرّفات المتطرّفة حصلت من بعض السلفيّين إلى الحدّ الذي لم تجد معه وزارة الشؤون الدينيّة بدّاً من الوقوف بوجه التيّار المتطرّف، ممّا أدّى إلى وقوع بعض المجابهات بين الطرفين(3).

يعتقد الشيخ راشد الغنوشي أنّ السلفيّين هم أبناء هذا المجتمع، و كما أنّ بن علي لم يتمكّن من قمع التيّار المتطرّف بالقوّة المفرطة، فكذلك حركة النهضة لا يمكنها أن

ص: 164


1- الإرهابيّون التونسيّون الموجودون... 2014
2- Moniquet. 2013: 20
3- Boukhars, 2014: 19

تصطدم مع التيّار السلفي المتطرّف اصطداماً جدّيّاً. و على هذا يجب عدم التعامل مع السلفيّين بالأساليب الأمنيّة و البوليسيّة، بل يجب إقناعهم و ترغيبهم بالدخول في اللعبة السياسيّة و خوص معترك العمل السياسي(1).

وقد وجّه الهجوم على السفارة الأمريكيّة في تونس الذي نفّذته هذه المجموعة ضربةً شديدة إلى هذه المساعي، و أظهر الحكومة التونسيّة ضعيفةً أمام المجتمع الدولي. و ازدادت الضغوط على حركة النهضة باعتبارها الراعية للحركة السلفيّة في تونس بعد اغتيال شكري بلعيد و محمّد البراهمي من المعارضين اليساريّين للحكومة التونسيّة و التي قيل إنّ السلفيّين هم المسؤولون عنها(2).

إنّ حركة النهضة التي هيّأت في البداية ظروف العمل أمام السلفيّين في المساجد و المؤسّسات الدينيّة في تونس، صارت هي نفسها هدفاً لاتّهام السلفيّين لها بأنّها صارت علمانيّة أكثر من اللازم وأنّها لا تعمل على تطبيق الشريعة الإسلاميّة في المجتمع التونسي، بل إنّ السلفيّين في بعض الأحيان قد طردوا أئمّة الجماعات من حركة النهضة من المساجد، بل حصلت مصادمات أيضاً بين الدولة و السلفيّين.

بعد هذه التطوّرات وصف راشد الغنوشي السلفيّين المتطرّفين في بعض تصريحاته بأنّهم خوارج العصر(3). ومن هنا سعت حركة النهضة في السنة الأخيرة من سنوات إمساكها بالسلطة إلى إعادة النظر في طريقة تعاملها مع هذه الجماعة. و هكذا تكون حركة النهضة قد اضطرّت إلى تغيير ستراتيجيّتها، و بدأ اتّخاذ المواقف الحازمة بصورة جدّيّة بعد إعلان تصنيف أنصار الشريعة ضمن المنظّمات الإرهابيّة في العام 2013(4).

و الظاهر أنّ حركة النهضة تستهدف من سياستها التي تمثّلت بإطلاق يد السلفيّين في

البداية ثمّ الضغط عليهم و اعتقال بعض عناصرهم الأهداف التالية:

أ- أن تبيّن أنّ السلفيّين ليسوا هم الممثّلون للإسلام الواقعي في تونس.

ص: 165


1- Ghannouchi, October 10, 2012
2- Moniquet, 2013: 20
3- نظرة على الأحزاب الحاكمة في تونس، 1392: 28
4- Boukhars, 2014: 19

ب- أن ترعب القوى الخارجيّة الفرنسيّين و الأمريكان و غيرهم من السلفيّين، و أن تكسب دعم الغرب لحكومة الإسلاميّين المعتدلين في تونس؛ حيث إنّ 98 بالمائة من الشعب التونسي هم مسلمون، و إذا لم يقبل الغرب باستلام الإسلاميّين المعتدلين و حركة النهضة للحكم و حاولوا عرقلة مساعيهم و وضع العقبات أمامهم، فستقوی

احتمالات حضور الإسلاميّين المتطرّفين في المجتمع.

و من هذا الطريق كانت تريد الحصول على دعم اللاعبين الغربيّين المؤثّرين في

الساحة التونسيّة لتقوية مواقعها

ج- إنّ الغنوشي كان يسعى من فسح المجال أمام السلفيّين إلى جذب هؤلاء و إدخالهم في إحدى المعادلات السياسيّة، كي يتمكّن من خلال ذلك من السيطرة عليهم و الإمساك بزمامهم. و كانت حركة النهضة تسعى إلى جذب السلفيّين إلى صفوفها لتقوية موقعها في صراعها مع منافسيها العلمانيّين.

وقد لاحظنا دوماً أنّ الطيفين الآخرين من السلفيّة - أي السلفيّة العلميّة و الحركيّة،

باستثناء الجهاديّين - غالباً ما يصطفّون إلى جانب السلطة.

و كانت ميول الحلقة الاُولى من حركة النهضة تتّجه نحو تيّار السلفيّة العلميّة. و ينظر قادة النهضة إلى حركة السلفيّين باعتبارها حليفاً مأمولاً للأيّام الصعبة و فترة الانتخابات، ممّا يقوّي احتمال حماية حركة النهضة للحركة السلفيّة في الانتخابات القادمة في العام

2014 م.

5- مستقبل السلفيّة في تونس:

إنّ حقيقة وجود ثلاثة أطياف مختلفة للتيّار السلفي في تونس، و اختلاف هذه الأطياف في أهدافها و أساليبها، و الأهمّ اختلاف بعضها مع البعض الآخر في عقائدها الدينيّة؛ كلّ ذلك يدفع بالمراقب إلى أنّ يتصوّر مستقبلاً مختلفاً لكلّ واحدٍ منها.

لقد حصل تحوّلٌ واضح في اتّجاهات التيّارات السلفيّة بعد حصول الثورة، فالسلفيّون الخارجون من السجون و العائدون من المنافي جابهوا حقائق سياسيّة و اجتماعيّة جديدة فرضت عليهم تغيير خطابهم و مسلكهم.

ص: 166

و من المميّزات البارزة للوضع السياسي و الاجتماعي الجديد في تونس هو التغيير السلمي لنظامٍ كان السلفيّون يسعون لإسقاطه بالمجابهة العسكريّة لكنّهم فشلوا في زعزعته.

و الملاحظة الثانية هي أنّ الأجواء الجديدة قد منحت التيّار السلفي حرّيّةً في التنظيمٍ

و العمل لم يسبق لها مثيل، بحيث لم يعد للحديث عن مقارعة الوضع الموجود معنی بعد ذلك.

و نتيجةً للتحوّلات المذكورة لم يجد التيّار السلفي بُدّاً من مراجعة مواقفه و إعادة النظر في مسلکه بما يتناسب مع الوضع الجديد. و كان من نتائج إعادة النظر هذه أن صارت الأرض التونسيّة في نظر هذا التيّار أرضاً للدعوة و التبليغ الديني، لا أرضاً للجهاد و القتال كما كان الأمر في السابق؛ الأمر الذي يشير إلى استعداد التيّار السلفي للقبول بمستلزمات التغيير و الدخول في الحياة الحزبيّة ضمن الإطار الموجود.

و النتيجة الثانية لهذه التحوّلات هي زيادة مساعي التيّار لتوسيع نشاطاته الاجتماعيّة و الخيريّة التي أتاح إطلاق الحرّيّات بعد الثورة إمكانيّة ممارستها، بل الترحيب بها و دعمها.

أمّا الثالثة فكانت استبدال التيّار سلّم أولويّات أهدافه في العهد الجديد، حيث جعل العمل على إدخال الشريعة الإسلاميّة في الدستور على رأسها، و مضاعفة نشاطاته في سبيل تحقيق ذلك.

و منذ وقوع الثورة ضاعف التيّار السلفي الجهادي تواجده في الساحة التونسيّة من خلال زيادة نشاطاته الرسميّة و ابتعاده عن العنف، و استطاع التعبير عن وزنه الاجتماعي من خلال تأسيس (جمعيّة أنصار الشريعة) و عقد الجلسات و الندوات الشعبيّة الواسعة.

و كان شعار أكبر تجمّعات السلفيّين التي عقدوها في العام 2011 في مدينة القيروان هو: (اسمعوا منّا و لا تسمعوا عنّا)، ممّا يفصح عن إدراكهم مدى الصورة المخوّفة المرسومة في أذهان الناس في تونس عنهم(1).

و من هذه التجمّعات أيضاً، تجمع مدينة القيروان في أيّار 2011، و الذي شهد

ص: 167


1- العباسي، 2013

حضور شيوخ السلفيّة الجهاديّة الكبار من أمثال الشيخ الضرير الإدريسي و ما يقارب الخمسة عشر ألفاً من أعضاء و أنصار هذا التيّار.

و رغم أنّ ما ذكرناه أعلاه من التحوّلات يدلّ على حصول التغيير في مقولات و ممارسات السلفيّة الجهاديّة، إلاّ أنّ هذا لا يعني ابتعاد هذا التيّار كلّيّاً عن تاريخه و جذوره الفكريّة. إنّ هذا التيّار - في الواقع - قد وجد نفسه بالتدريج يقف أمام تحوّلات متسارعة يشهدها الواقع الجديد في تونس، و في الوقت الذي تصوّر البعض فيه أنّ وقوع الثورة و عودة السلفيّة إلى الميدان بصورةٍ رسميّة سوف تقف حائلاً دون نزوع هذا التيّار إلى تكفير المخالف و حافزاً له على ممارسة نشاطاته ضمن الاُطر القانونيّة الموجودة؛ إلاّ أنّ قراءةً سريعة في أدبيّاته تشير إلى أنّ مسألة التكفير و لزوم اتّباع تفاسير هذا التيّار للقضايا الإسلاميّة لا تزال سائدةً في مقولاته الاجتماعيّة و السياسيّة.

من هنا، و مع الالتفات إلى حقيقة أنّ الحاضنة الاجتماعيّة في تونس ليست متطرّفة على الإطلاق، و لن تقبل بالنزعات المسلّحة، و أنّ التفكير السلفي في الحقيقة يتناقض و يتضادّ مع ما يؤمن به الناس و بریدونه من الوسطيّة في الاُمور الدينيّة؛ فإنّ هذه الاُمور ستقف سدّاً حائلاً أمام الجماعات المتطرّفة السلفيّة في تونس. و على رغم انعدام توفّر الأجواء المساعدة أمام نشاطات هذا التيّار في تونس، إلاّ أنّ نموّ التيّار السلفي في بقيّة أنحاء العالم سيجعل تونس بالتأكيد تشهد هي الاُخرى تصاعداً في نشاطاته.

و مع غضّ النظر عن هذه المسألة، و انطلاقاً من ظروف و ثقافة المجتمع التونسي نرى أنّ التيّارات المتطرّفة و الجهاديّة و الثوريّة السلفيّة في تونس و الساعية للخلافة الإسلاميّة بمقایسس الوهابيّة سوف لا تجد مجالاً لترسيخ جذورها في أعماق المجتمع التونسي، و لن تستطيع الصمود لفترة زمنيّة طويلة، ولا يكون لها دور مهمٌّ و مؤثّر في مستقبل هذا البلد، و أنّ دورها الذي يمكن تصوّره سوف ينحصر في الظهور بين الفينة و الأخرى كقوّة مخرّبة معرقلة(1).

و رغم تواجد جماعة أنصار الشريعة في الوقت الحاضر في إطار بعض الاتّحادات

ص: 168


1- عزیزی، 1391

في تونس، إلاّ أنّها انتقلت إلى العمل السرّي و استقرّت أذرعها العسكريّة إمّا في أوكار مجاميعها داخل البلد، أو في الجبال المنتشرة على الحدود مع الجزائر، ممّا حدّ من نشاطاتها و تحرّكاتها بشكلٍ من الأشكال.

أمّا الطيفان الآخران من السلفيّة، أي السلفيّون العلميّون و الحركيّون، فحالهم يختلف

عن حال السلفيّين الجهاديّين.

و لمّا كان السلفيّون العلميّون يحرّمون الثورة على الحاكم، و يذمّون النشاط السياسي و الحزبي و الاجتماعي؛ لذا سيستمر حضورهم في المستقبل التونسي. كما أنّ قربهم من حركة النهضة و ما يتوقّع من حضور النهضة في الطبقة الحاكمة في تونس المستقبل، فسيكون ذلك عاملاً مساعداً على اتّساع تأثير هذا الطيف في المجتمع، و خاصّةً في المؤسّسات الدينيّة.

أمّا السلفيّون الحركيّون فلمّا كانوا قد قبلوا بالحياة السياسيّة الديمقراطيّة و شاركوا عمليّاً في النشاطات السياسيّة للمجتمع من خلال تأسيس الحزب، فالمأمول زیادة تأثير هذا الطيف في المستقبل التونسي. ولا شكّ أنّ هذا التيّار بمفرده سوف لا يكون قادراً على التأثير في الساحة السياسيّة و الاجتماعيّة التونسيّة، بل إنّه كلّما تمكّن من تطبيق و تنسيق سياساته مع حقائق المجتمع التونسي الواقعيّة و سياسات حركة النهضة باعتبارها أهمّ التيّارات الإسلاميّة التونسيّة، كلّما تمكّن - إلى جانب هذا الحزب - أن يلعب دوراً مؤثراً في الساحة التونسيّة(1).

و هكذا، فمن بين التيّارات السلفيّة المختلفة في تونس، سيكون بإمكان التيّار السلفي المعتدل - جنباً إلى جنب مع سائر الأحزاب المعتدلة الإسلاميّة - أن يلعب دوراً أوسع من الدور الذي سيكون من نصيب رفقائه المتطرّفين.

خلاصة البحث:

يمكن تقسيم التيّار السلفي في تونس إلى ثلاثة أطياف. و من بين هذه الأطياف سيكون للتيّارات السلفيّة الحركيّة و العلميّة دوراً أكثر تأثيراً في تونس مقارنة بالتيّار

ص: 169


1- عزیزی، 1391

الجهادي، و ذلك بسبب عقائدهم و مبادئهم التي يؤمنون بها.

أمّا التيّار الجهادي - و هو أهمّها و أكثرها إثارةً للمشاكل في تونس - فيمكن له أن يشكّل تهديداً لأمن المستقبل التونسي و ثباته. و مع الأخذ بنظر الاعتبار تعارض أرضيّة و أجواء المجتمع التونسي مع التفكير السلفي، فإنّ ذلك سيكون عائقاً و مانعاً مهمّاً أمام تأثير و انتشار نشاطاتهم.

و تحتاج مجابهة السلفيّين الجهاديّين إلى الالتفات إلى بعض النقاط المهمّة:

أوّلها هي التفسير الاقتصادي لظاهرة السلفيّة الجهاديّة في تونس. فالثابت أنّ التيّار السلفي الجهادي قد حصل على شعبيّته إلى حدٍّ ما باستثمار المشكلات التي تواجه اقتصاد البلاد، و ذلك عن طريق مساعدة المناطق الفقيرة، و كانت نتيجة ذلك تمكنّه من نشر أفكاره و تصوّراته، و تنفيذه للممارسات المهدّدة للأمن التونسي في الداخل، إضافةً إلى تجنيد المئات من الشباب التونسي لإرسالهم للقتال في سوريا بعنوان الجهاد. و معنی ذلك أنّ الوضع الاقتصادي التونسي كلّما شهد تحسنّاً سيقابل ذلك انكماش تأثير هذا التيّار في تونس.

أمّا النقطة الثانية فهي أنّ عدم الفهم الصحيح للإسلام هو الباعث لتوجّه الشباب نحو هذه التيّارات. فالثابت إنّ هذا التيّار هو جزء من المجتمع التونسي، ولا يمكن قمعه و إرساله إلى السجون، بل يجب توضيح فساد فکره و بطلان عقائده في أجواء لا تسيطر عليها معاداة الدين الإسلاميّ المبين.

ص: 170

المصادر:

أ- الفارسيّة

1. أحمديان، حسن (2014)، سلفی گری و احزاب سلفی در تونس بعد از

انقلاب، مؤسّسة مطالعات اندیشه سازان نور، العدد 123، طهران، ربيع 2014.

2. نگاهی به احزاب صاحب قدرت در تونس؛ فرصتی برای تولد احزاب

سیاسی، مجلّة بیداری اسلامی، السنة الثانية، العدد 6، تشرين الثاني 2013.

3. تونس در مسير ثبات سیاسی، (

2013/1/28).

http://www.khabarpu.com/h.php?t=180 - XFA - XNEWS - x81014017 - xlxalx - xdvul_ij_tlxj_ebad_lxalx_n_axjua

4. هوشنك عزيزي، جریان شناسی سلفی ها در تونس، معهد دراسات الشرق

الأوسط الستراتيجيّة،

2012/2/26.

ب- العربيّة

1. الإرهابيّون التونسيّون الموجودون في سوريا خطر حقيقي على أمن تونس،

.2014/3/5 http://www.asharqalarabi.org.uk/ - 532014_ad - id:59092.ks

2. خالد، أيمن (2012)، تونس في ظلّ السلفيّة الجديدة، (3 تشرين الثاني 2012) من:

http: //www.citoyen.tn//D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7A7

3. السلفيّون في تونس، ثورة فقراء تونس المستمرّة، (21 يناير 2012):

http://www.opinions libres.net/wordpress3/wordpress/?tag=125D3

4. العبّاسي، ماهر (2013)، تأمّلات في واقع السلفيّة الجهاديّة في تونس، موقع

الحوار (26 تشرين الثاني 2013).

5. کریشان، محمّد (2012)، السلفيّون في تونس، (28 آذار 2012)

http://www.etteyssir.com/index.php/news - art/articales/articales/

ص: 171

1508 - 2012 - 03 - 28 - 09 - 49 -17.html

6. لحياني، عثمان (2012)، هل يفرّط التونسيّون في نعمة السلم؟ السلفيّة في

تونس... شرطة إسلاميّة و خِيَم دعويّة و قوافل خيريّة، موقع الخبر، (9 تشرين الثاني 2012).

7. المديني، توفيق (2012)، تونس، الثورة المغدورة و بناء الدولة الديمقراطيّة،

بیروت.

8. موسی، آمال (2012)، رسائل السلفيّة الجهاديّة في تونس، (2 تشرين الثاني

http://www.islammaghribi.com//D9%85%. :(2012

9. نظيف، أحمد (2012)، تونس، السلفيّة و أخواتها من تراث الحنابلة إلى

أفكار الجهاد مروراً بالوهّابيّة، موقع الحوار، (25 كانون الثاني 2012):

http://www.alhewar.org/debat/show.art.asp?aid=292789

10. وهيبي، محمّد نجيب (92)، السلفيّة في تونس، (25 تشرين الأوّل 92):

http://www.arabobservatory.com/?p=6951

ج- الإنجليزيّة

1. Boukhars, Anouar (2014). In The Crossfire: Islamists Travails in Tunisia, Carnegie Endowment for International Peace, Publications Department, 1779 Massachusetts Avenue, NW, Washington DC, 2003.

2. Gartensein, Ross (2013) Ansar Al - Sharia Tunisia's Long Game: Dawa, Hisba, and Jihad", the International Center for Counter - Terrorism (ICCT)- The Hague.

3. GHannouchi, Rashid, Interview with Le Monde, October 10, 2012, in Boukhars, 2014,

4. Marks, Monica (2013) "Youth Politics And Tunisian Salafism: Understanding the Jihad Current", Mediterranean

ص: 172

Politics, Vol. 18. No. 1. St antonys College, Oxford University, UK

5. Moniquet, Claude (2013) "The involvement of Salafism - Wahhabism in the support and supply of Arms to Rebel Groups Around the World, CEO, European Strategic Intelligence and security Center (ESISC), European Parliament's Committee On Foreign Affairs, Belgium

6. See Fabio Merone and Francesco Cavatorta (2012) "Salafist Moouvance and Sheikh - ism in the Tunisian Democratic Transition' Working Paper in International Studies, No. 7.

ص: 173

ص: 174

ذرائع جيش الصحابة حول تكفير وإباحة دماء الشيعة، نقدٌ و تحليل

تأليف: علي ملاّ موسى الميبدي(1)

ترجمة: محمّد حسین حکمت

نبذة:

من الجماعات التكفيريّة التي تأسّست في الباكستان هي حركة جيش الصحابة. و هذه الحركة تأسّست للحدّ من نفوذ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران و الوقوف بوجه تنامي قوّة الشيعة في تلك البلاد. و يعمل قادة هذه الحركة علي الترويج لتكفير الشيعة من خلال الكتب و المجلاّت التي يصدرونها و الخطابات التي يلقونها في تجمّعات أنصارهم. و هكذا أشعلوا نار الحرب الطائفيّة بين الشيعة والسنّة.

و الذريعة الأساسيّة التي يتعكّز عليها جيش الصحابة لتبرير تكفيره للشيعة و إباحة دمائهم هي اتّهامهم بتكفير الصحابة، و نسبة القول إليهم بتحريف القرآن، و مسألة الخاتميّة.

فهم يزعمون أنّهم إنّما يعتبرون الشيعة كفّاراً لأنّهم يقولون بكفر الصحابة، و بأنّ القرآن قد تمّ تحريفه، و أنّهم يغالون في أئمّتهم بشكلٍ يلزم معه عدم ختم النبوّة؛ و لمّا كان علماء الإسلام قد تسالموا على كفر القائل بمثل هذه المعتقدات، إذن فالشيعة كفّار

بسبب اعتقادهم بها.

لكنّ هذا يتناقض مع حقيقة عدم إمكانيّة وضع عقائد الشيعة تحت أيّ واحدٍ من العناوين المذكورة؛ حيث إنّ الشيعة الإماميّة بريئة من هذه المعتقدات. ثمّ إنّ أيّ واحدٍ

ص: 175


1- خريج مؤسسة دار الاعلام لمدرسة اهل البيت علیهم السلام

من هذه الاُمور التي تشكّل نقاط الخلاف بين جيش الصحابة و الشيعة ليست من ضروريّات الدين التي يوجب إنكارها تكفير المنكِر.

الكلمات المفتاحية: جيش الصحابة، تكفير الشيعة، تكفير الصحابة، الخاتميّة، تحریف

القرآن

المقدّمة:

من المشكلات التي ابتلي بها العالم الإسلامي في القرنين الأخيرين، و التي كانت سبباً في سفك دماء الكثير من المسلمين الأبرياء، هي مسألة التكفير بين المذاهب المختلفة. و هذه المسألة تطرح نفسها في شبه القارّة الهنديّة - و في دولة الباكستان خصوصاً - بصورةٍ أكثر وضوحاً.

لقد عاش الشيعة و السنّة جنباً إلى جنب في الهند لسنوات طويلة رغم ما بينهم من الاختلافات المذهبيّة، دون أن نشهد تكفير بعضهم البعض الآخر، وقد خاضوا المعارك المشتركة ضدّ الاستعمار يساند بعضهم بعضاً، و كان لكلٍّ من الطائفتين دورها المتميّز و الأساسي في تحقيق استقلال الباكستان في العام 1947 م.

أمّا بعد استقلال البلد و تشكيل الدولة الإسلاميّة، و وقوف المذاهب الإسلاميّة في مواضع متجاورة، فقد برزت الحاجة أكثر إلحاحاً إلى ضرورة الوحدة و التقريب بين المذاهب، إلاّ أنّ الوضع في الباكستان آل إلى حالةٍ تجرّأ فيها الديوبنديّون و البريلويّون على التكفير، ولم يسلم الشيعة الباكستانيّون من هذه الحرب الطائفيّة حيث تمّ تكفيرهم من قبل مجموعة من الأشرار باسم (جيش الصحابة).

و يقوم هؤلاء بتأليف الكتب و إصدار المجلاّت الشهريّة في كافة أنحاء البلاد،

إضافة إلى أخذ الاستفتاءات من علماء الباكستان، حتّى تمكّنوا من إشعال نار الحرب الطائفيّة بين الشيعة و السنّة، تلك الحرب التي لم تخمد نيرانها حتّى اليوم. و قد حصدت هذه الحرب حتّى الآن أرواح الآلاف من الشيعة منذ تشكيل هذا الجيش حتّى اليوم.

و تبريراً لأعماله الإجرامية يورد جيش الصحابة ما يراه من أدلّة و وثائق، في حين

يرى الشيعة براءتهم منها.

ص: 176

و هذه الرسالة تتكفّل بمناقشة و نقد الأدلّة التي يذكرها هذا الجيش تبريراً لموقفه

التكفيريّ ضدّ الشيعة.

جيش الصحابة:

كان لانتصار الثورة الإسلاميّة و تأسيس الحكومة الإسلاميّة وفقاً لمبادئ المذهب

الشيعي في إيران دورٌ كبير في إيقاظ مسلمي العالم، و خصوصاً الشعب الباكستاني.

فشيعة الباكستان الذين لم نكن نسمع شيئاً يذكر عن نشاطاتهم السياسيّة قبل الثورة

الإيرانيّة، بدأوا بعد الثورة بدخول المعترك السياسي شيئاً فشيئاً، حيث يمكن الإشارة إلى تأسيس (النهضة الجعفريّة) باعتبارها أهمّ الخطوات التي خطوها في هذا المجال.

ولم تكد تمضي خمسة سنوات على انتصار الثورة الإيرانيّة حتّى بادر المتطرّفون من أتباع المسلك الديوبندي في الباكستان بزعامة (حقّ نواز جھنگوي) إلى تأسيس حركة

(جيش الصحابة) في 20 من ذي الحجّة 1405 ه الموافق الرابع من أيلول سنة 1985 م،

مدفوعين بأحلامهم التي ترنو لتأسيس حكومةٍ تشابه نظام الخلفاء الراشدين.

و قد تأسّست هذه الحركة باسم الدفاع عن مقام الصحابة، لكنّ الهدف الحقيقي لها كان هو الوقوف بوجه تشيّع أهل السنّة في الباكستان و عدم تأثّرهم بالثورة الإسلاميّة في إيران، فعملت على تشويش الرأي العام ضدّ الشيعة و معتقداتهم، و قدّمت العقيدة الشيعيّة بشكلٍ يظهر معه الشيعة و كأنّهم كفّار، كما وجّهوا نقدهم الشديد إلى حزب (الجماعة الإسلاميّة) بسبب دفاعه عن الثورة الإيرانيّة(1)، كلّ ذلك كي يحولوا دون تأثّرهم

بالثورة الإيرانيّة ممّا يمهّد الأرضيّة لقيام نظامٍ شيعيّ في الباكستان.

وقد وجد جيش الصحابة أنّ أفضل السبل أمامه للوقوف بوجه تأثير الثورة الإيرانيّة في الباكستان هو ادّعاء كفر الشيعة بأدلّة واهية كي يخلقوا جوّاً عدائيّاً ضدّ الشيعة و معتقداتهم و نظامهم الحكوميّ.

جیش الصحابة و تكفير الشيعة: يعتقد ضیاء الرحمن الفاروقي أحد زعماء جيش الصحابة أنّ الشيعة طوال أربعة عشر

ص: 177


1- راجع: رب نواز طاهر، نقوش جهنگوي، ص 24

قرناً كانوا يعلنون أنفسهم مسلمين من مبدأ التقيّة، في حين أنّ عقائدهم تناقض العقائد الإسلاميّة.

فالشيعة - حسب زعمه - یحرّفون كلمة (لا إله إلاّ الله) الطيّبة، و يقولون بتحريف

القرآن، و يعتقدون كفر الصحابة.

كما أنّ جميع علماء الإسلام - سواء منهم البريلويّون، أو الديوبنديّون، أو من أهل

الحديث - يقولون بعدم انتساب عقائد الشيعة إلى الإسلام.

و قد صار الشيعة بعد الثورة الإسلاميّة في إيران حَمَلة رايات الإسلام، مدّعين سعيهم

لتشكيل الاُمّة الإسلاميّة، بينما واقع الحال أنّهم ليسوا كذلك(1).

لقد أخفى الشيعة لسنوات طويلة هوّيتهم الحقيقيّة عن الجميع، حتّى تأسّس جيش

الصحابة في عقد التسعينيّات الميلادي و ظهر بذلك كفر الشيعة واضحاً أمام الجميع(2).

إنّ الفاروقي في كتابه تاریخی دستاویز و أعظم طارق - القائد الآخر من قادة جيش الصحابة - في كتابه فيصله آپ کرین و بقيّة كتبه يقدّمان مطالبهما في تلك الكتب بصورةٍ يسوقان فيها الحديث نحو نتيجة توحي للقارئ بكفر الشيعة، فمَن ينظر في كتاب تاریخی دستاويز للفاروقي يلاحظ أوّل ما يلاحظ في غلافه هذا السؤال (هل الشيعة مسلمون أم كفّار؟)، بينما يتكرّر السؤال في غلاف كتاب فيصله آپ کرین بالشكل التالي: (هل الشيعي مسلم أم كافر؟ الحكم لك).

وقد غفل هؤلاء المزوّرون أنّ عملهم هذا يتناقض مع روح الإسلام و التعاليم الإسلاميّة؛ إذ هذا القرآن الكريم، و فيه خاطب الله تبارك و تعالى الصحابة قائلاً لهم: ((و لا تَقُولُوا لِمَن ألقَي إلَيكُمُ السَّلامَ لَستَ مُؤمِناً))(3)، بمعنى أنّ مجرّد إعلان الشخص إسلامه و قوله للشهادتين فهذا كافٍ لكم أن تعتبروه مسلماً و تحفظوا نفسه و ماله، حتّى لو كان ذلك الإعلان في ساحة الحرب و الجهاد.

كما ورد في الروايات الصحيحة الواردة عن الرسول الأكرم نفسه أنّه كان يمنع

ص: 178


1- الفاروقي، ضیاء الرحمن، تاریخی دستاویز، ص 13
2- المصدر نفسه، ص 14
3- سورة النساء 4، الآية 94

الصحابة من تكفير بعضهم، فقد نقلت إحدى الروايات المتّفق عليها عن الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال: «إذا قال الرجل لاخيه: يا كافر؛ فقد باء به أحدهما»(1).

و نقل البخاري عن الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم قوله: «مَن رمی مؤمناً بكفرٍ فهو كقتله»(2).

كما نقل أبو داود عن الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم: «ثلاثٌ من أصل الإيمان: الكفّ عمّن قال

لا إله إلاّ الله، و لا نكفّره بذنب...»(3).

وفي روايةٍ صحيحة اُخرى أوردها البخاري عن الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم يقول: «مَن صلّی

صلاتنا و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا؛ فهو المسلم»(4).

و من هذا يمكن ملاحظة أنّ الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم قد حذّر الصحابة و مَن يأتي بعدهم من المسلمين في روايات صحيحة و معتبرة من تكفير بعضهم، و دعاهم أن يكتفوا بمجرّد إقرار الشهادتين و استقبال القبلة لاعتبار الشخص في زمرة المسلمين. و قد اتّبع علماء المسلمين كلام الله و عملوا بوصايا الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم فمنعوا المسلمين من تكفير بعضهم البعض الآخر.

وفي هذا الصدد يقول النووي: اتّفق جمهور الفقهاء - الشافعي و غيره - على عدم تكفير أحدٍ من أهل القبلة(5). و قد كرّر النووي نفس هذا الكلام في شرحه على صحيح مسلم و أضاف عليه قوله: لا يجوز تكفير أحدٍ من أهل الأهواء و البِدَع، و أنّ مَن جحد ما يُعلم من دين الإسلام ضرورة حُكم بردّته و کفره(6).

أمّا القاضي عضد الدين الإيجي فيرى اتّفاق عامّة المتکلّمين و الفقهاء على عدم تكفير أهل القبلة، ثمّ يضيف: إنّ رسول الإسلام العظيم لم يفتّش قطّ عن عقيدة أحدٍ بعد الحكم بإسلامه، و كذلك كانت سيرة الصحابة و التابعين على هذا المنوال، فالخطأ و

ص: 179


1- البخاري، محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاري، ج 8، ص 26؛ النيسابوري، مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم، ج 1، ص 79
2- المصدر نفسه
3- أبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث م 275؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 18
4- البخاري، محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاري، ج 1، ص 87
5- النووي، يحيى بن شرف م 676، روضة الطالبين و عمدة المفتين، ج 11، ص 239
6- نفسه، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجّاج، ج 1، ص 150

الاشتباه في عقيدة أحد المسلمين لا يضرّان بحقيقة إسلامه(1).

ولم يكفّر أبو حنيفة - أحد الأئمّة الأربعة لدى أهل السنّة - أيضاً أيّ مسلمٍ بسبب ذنبٍ ارتكبه حتّى ولو كان من الذنوب الكبيرة(2). كما أنّه - مثل الشافعي - لم يكفّر أهل البِدَع إذا كانوا يستقبلون قبلة المسلمين عند صلاتهم(3).

و ذكر سعد الدين التفتازاني أنّ من قواعد أهل السنّة و الجماعة عدم تكفير أهل القبلة(4)، و هو يعتقد أنّ مخالف مذهب الحقّ من أهل القبلة لا يعدّ كافراً، إلاّ إذا أنكر ضروريّاً من ضروريّات الدين كحدوث العالم و الحشر يوم القيامة و حشر الأبدان... و استدلّ على قوله بسيرة الرسول و الصحابة و التابعين قائلاً: فالرسول و الصحابة لم يكونوا يفتّشون عن عقائد الناس، و كانوا يقبلون منهم ما كان في ظاهره حقّاً(5).

أمّا الملاّ علي القاري فيرى أنّ المراد من أهل القبلة هُم اُولئك الذين يعتقدون

بضروريّات الدين كحدوث العالم و حشر الأجساد و علم الله بالكلّيّات و الجزئيّات(6).

و يرى المحقّق الدواني أنّ أهل القبلة هم اُولئك الذين ينطقون بالشهادتين إذا كان

اعتقادهم بالإسلام قلبيّاً(7).

و يعلّل فخر الدين الرازي عدم تكفير أهل القبلة بعدم اعتقادهم بأمرٍ يؤدّي إلى إنكار

رسالة النبيّ الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم(8).

و يعبّر أبو الحسن الأشعري عن عقيدته بقوله: «اختلف الناس بعد نبيّهم صلی الله علیه و آله وسلم في أشياء كثيرة؛ ضلّلَ فيها بعضهم بعضاً، و برئ بعضٌ من بعض، فصاروا فِرَقاً متباینین و

ص: 180


1- الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد م 756، المواقف، ج 3، ص 257
2- أبو حنيفة النعمان بن ثابت م 150، الفقه الأكبر، ص 43
3- ابن نجیم، زين الدين بن إبراهيم م 970، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ج 1، ص 371
4- التفتازاني، مسعود بن عمرم 793، شرح العقائد النسفيّة، ص 108
5- التفتازاني، مسعود بن عمر 793، شرح المقاصد في علم الكلام، ج 5، ص 227
6- الملاّ علي القاري، شرح کتاب الفقه الأكبر، ص 258
7- المحقّق الدواني، شرح العقائد العضديّة، ص 142
8- الفخر الرازي، المحصّل، ص 572

أحزاباً متشتّتين، إلاّ أنّ الإسلام يجمعهم و يشتمل عليهم»(1).

و يصوّر محمّد الغزالي أحد القادة الفكريّين لجماعة الإخوان المسلمين وضع المسلمين بعد الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم بصورةٍ ينقسم فيها المسلمون إلى مجموعتين كبيرتين هما الشيعة و السنّة، كلتاهما كانتا تؤمنان بالله و رسالة رسوله الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم، ولم يكن لإحداهما زيادةٌ على ما عند الاُخرى في الاعتقاد بالعناصر الأصليّة للعقيدة ممّا فيه صلاح

الدين(2).

و الجدير بالذكر أنّ القول بعدم تكفير أهل القبلة ليس من مختصّات أهل السنّة، بل إنّ الشيعة أيضاً لا يقولون بكفر أحدٍ من أهل القبلة، بل يقولون بحرمة مال و دم جميع أفراد الفِرَق الإسلاميّة و جواز نكاحهم و توارثهم، و قد صرّح بذلك السيّد محسن الأمين من أعاظم الشيعة(3).

و هكذا صار مفهوماً من كلمات النصوص و الروايات و کلمات علماء المذاهب الإسلاميّة أنّهم لم يكفّروا أيّاً من الفرق الإسلاميّة ولم يخرجوها من زمرة الإسلام، بل كانوا بنحوٍ من الأنحاء ساعين للاتّحاد بین المسلمين و الوقوف بوجه التصرّفات المتطرّفة و سفك دماء المسلمين.

و يقول خليل أحمد سهارنپوري أحد كبار رجال دار العلوم الديوبنديّة أنّ علماء دار العلوم و أعاظمها و مشایخها كان دأبهم هو عدم تكفير المسلمين، و عدم اعتبارهم الرفض و الابتداع في الدين موجباً لكفر المسلم، إلاّ إذا أنكر ضروريّاً من ضروريّات الدين، و مع ذلك يجب الاحتياط في هذا الباب أيضاً بما لا يكون سبباً في التساهل في أمر التكفير(4).

و يقول شيخ الإسلام حسين أحمد المدني - و هو شخصيّة اُخرى من شخصيّات دیوبند - بعد أن ينقل عبارات طويلة من كلمات بعض مشایخ دیوبند حول احتياطهم في

ص: 181


1- الأشعري، عليّ بن إسماعيل، م 324، مقالات الإسلاميّين و اختلاف المصلّين، ص 2
2- الغزالي، محمّد، كيف نفهم الإسلام؟ ص 123
3- الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج 1، ص 82
4- سهارنپوري، خليل أحمد م 1346، المهنّد على المفنّد، ص 58

مسألة تكفير المسلمين، مشيراً إلى شدّة احتياط رشید احمد گنگوهي و أتباعه في مسألة تكفير المسلمين. ثمّ يقول إنّ مسلك علماء دیوبند في هذه المسألة يقوم على أنّ احتمال إيمان أحد الأشخاص مقابل کفره حتّى لو بلغ حدود الواحد بالألف فيجب الحمل على إيمانه، لا أن نعتبر ذلك الشخص کافراً كما يفعل ابن عبد الوهّاب و أتباعه(1).

و يذكر محمّد أنور شاه الكشميري - من شخصيّات دیوبند أيضاً - أنّ مسألة تكفير المسلمين هي من الاُمور الخطيرة التي لا يجوز التصدّي لها من قبل أمثال محمّد بن عبد الوهّاب الذي يتسرّع في أحكامه، فالوحيد الذي يمكنه إظهار نظره في هذا المجال هو العالم بوجوه الكفر و أسبابه(2).

لكنّنا نجد في مقابل ذلك أنّ جيش الصحابة يعتبر نفسه من أهل السنّة و الجماعة و يملأ كتبه من أوّلها إلى آخرها کلاماً حول تكفير الشيعة، و كان الأجدر به أن يعود إلى كتاب الله و روایات الصحاح و الكتب الكلاميّة و الفقهيّة لأكابر أهل السنّة، و يدقّق النظر في مسلك أسلافه و أجلّائه من علماء الأحناف و علماء دار العلوم الديوبنديّة، و يستذكر كيف أنّ عظماءهم هؤلاء كانوا لا يتسرّعون في تكفير المسلمين، بل لو وجدوا احتمالاً ضعيفاً يدل على إيمان الشخص حكموا بإسلامه، ولا يستسهلون إصدار الحكم بتكفيرهم؛ فالحكم بالتكفير - كما يقول الكشميري - لا تتوفّر أهليّة إصداره لكلّ مَن أراد ذلك.

أدلّة جيش الصحابة على تكفير الشيعة:

يذكر زعماء جيش الصحابة - و على رأسهم ضیاء الرحمن الفاروقي و أعظم طارق -

أهمّ أدلّتهم على كفر الشيعة ضمن ثلاث مسائل:

1- إنّ الشيعة يعتقدون أنّ جميع الصحابة - إلاّ قليل جدّاً منهم - قد كفروا بعد

الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم.

2- إنّ الشيعة يصفون أئمّتهم بصفاتٍ يلزم منها أن يكونوا أنبياء، و هذا يتناقض مع

ص: 182


1- المدني، حسين أحمد، الشهاب الثاقب على المسترق الكاذب، ص 44
2- الكشميري، محمّد أنور شاه م 1353، فیض الباري على صحيح البخاري، ج 1، ص 252

مسألة ختم النبوّة.

3- إنّ الشيعة يقولون بتحريف القرآن.

و هذه الموارد يعتقد علماء الإسلام أنّ كلّ مَن اعتقد بها خرج من دائرة الإسلام و

صار كافراً.

و لتوضيح هذا المطلب نبدأ أوّلاً بتفصيل هذا الإجمال، ثمّ نتناول هذه الأدّلة بالنقد. 1- تكفير الشيعة بحجّة تكفيرهم للصحابة:

خصّص ضیاء الرحمن الفاروقي الباب السادس من كتابه تاریخی دستاويز للإيحاء باعتقاد الشيعة بارتداد غالبيّة الصحابة بسبب إنكارهم ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، و ذلك عن طريق الحديث بالتفصيل عن هذا الموضوع و الاستشهاد ببعض الروايات مع مقارنتها ببعض كلمات علماء الشيعة(1).

و قد اتّبع أعظم طارق خطى الفاروقي فلجأ إلى اعتبار تنقیص و تكفير الصحابة من

قِبَل الشيعة دليلاً على كفرهم(2).

هذا في الوقت الذي يقول الواقع أنّ اتّهام الشيعة بتكفير الصحابة ما هو إلاّ مجرّد أكاذيب؛ إذ لو قام رجلٌ منصفٌ بالتحقيق عن موقف الشيعة من الصحابة لوجد أنّ رأي الشيعة هو أوسط الآراء؛ فهو لا يشبه موقف الغلاة الذين يكفّرونهم جميعاً، ولا مثل الجمهور الذين يوثّقون الجميع.

أمّا رأي الشيعة فهو أنّ صحبة النبيّ و إن كانت في حدّ ذاتها فضيلة، إلاّ أنّ مجرّد الصحبة ليست كافية، و الصحابة كغيرهم من الناس يوجد بينهم أفراد عادلون و أفراد ظالمون، و فيهم المنافق و فيهم مجهول الحال. و الشيعة يحتجّون بقول العدول منهم، بينما يرفضون قول الخارجين على الوصيّ و أخ الرسول و مرتكبي الكبائر، دون أن يعطوا لهذه الأحاديث وزناً.

و أمّا عن مجهول الحال فرأيهم هو التوقّف إلى أن يتّضح أمره(3).

ص: 183


1- الفاروقي، تاریخی دستاویز، ص 488
2- أعظم طارق، فيصله آپ کرین، ص 10
3- شرف الدین، عبد الحسين، أجوبة مسائل جار الله، ص 14

و الواقع أنّ نقطة الخلاف بيننا و بين أهل السنّة هي حول مسألة هل أنّ جميع الصحابة عدول أم بعضهم؟ حيث يرى أهل السنّة عدالتهم جميعاً، بينما يرى الشيعة عدالة بعضهم فقط. أمّا ما عدا ذلك من أنّ الشيعة يقولون بسبّ و لعن الصحابة، أو أنّ الشيعة يقولون بارتداد الصحابة بعد النبيّ الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم، أو عدم حجّيّة جميع روایات الصحابة على إطلاقها؛ فما كلّ ذلك إلاّ تهم و افتراءات اُمويّة ناصبيّة أطلقوها ضدّ الشيعة، و الشيعة منها براء.

إنّ الشيعة يأخذون معالم دینهم من ثقاة الصحابة، ولا يقولون شيئاً في حقّ صحابيٍّ لا يعرفونه، أمّا القسم الآخر الذي يقولون بفسقه و لا يعتقدون بعدالته فحكمهم فيه مأخوذ من الكتاب و السنّة(1).

و لهذا يؤكّد سيف الدين الآمدي في مسألة تكفير الروافض على مسألة أنّ الروافض لو استندوا إلى التأويل و الدليل من الكتاب و السنّة و قالوا بكفر بعض الصحابة، فلا يجوز لنا أن نكفّرهم بسبب عملهم هذا(2).

فإذا قيل في ردّ هذا الكلام إنّ القرآن و الأحاديث يحكمان بتزكية و صلاح جميع

الأصحاب، و ردّ هذا الكلام بمثابة ردّ للقرآن و السنّة، و ردّهما يعني الكفر.

نقول في الجواب: إنّ التكفير بالأدلّة المذكورة ليس تامّاً؛ لأنّ مدح و ثناء القرآن لم يكن خاصّاً بمجموعةٍ من الصحابة أو أفرادٍ معيّنين کي يكون تكذيبهم تكذيباً للقرآن و الرسول، لأنّ الذين يذمّون مجموعةً من الصحابة و يضعّفونهم إنّما يقولون: هذه الجماعة من الصحابة ليست مشمولةً بذلك الثناء و المدح العامّ. إذن، فقدح و تضعیف بعض الأفراد من الصحابة لا يعدّ تكذيباً للقرآن. أمّا الروايات الواردة في تزكية بعض الصحابة فخبرٌ واحد، و مَن ينكرها لا يعدّ كافراً. أضف إلى ذلك أنّ الثناء على الصحابة و مدحهم مشروط بسلامتهم و حُسن عواقبهم، و لم يعمل بعض الصحابة بهذا الشرط بسبب ارتكابهم الأعمال القبيحة و ظلمهم أهل بيت الرسول صلی الله علیه و آله وسلم(3).

ص: 184


1- السبحاني، جعفر، بحوث في الملل و النحل، ج 6 ص 427
2- الآمدي، علي بن محمّد م 431، أبكار الأفكار في اُصول الدين، ج 5، ص 102
3- المير سیّد شریف م 816، شرح المواقف، ج 8، ص 343

و الدليل على هذه المسألة - أي مسألة عدم تكفير الشيعة - من منظار علماء أهل

السنّة، هو مسلكهم الذي سلكوه تجاه الخوارج.

فهذا العلاّمة الشامي بعد أن وصف الخوارج بأنّهم أحلّوا لأنفسهم دماء المسلمين و أموالهم و کفّروا الصحابة، ذكر أنّ حكمهم لدى جمهور الفقهاء و أهل الحديث هو حكم البغاة؛ و هذا بمقتضى إجماع الفقهاء يعني عدم تكفير الخوارج(1).

كما أنّ ابن تيميّة الحرّاني ذكر أنّ بناء الصحابة و السلف هو عدم تكفير الخوارج

القائلين بتكفير أمير المؤمنين علي علیه السلام و عثمان و أتباعهما، و بتحليل دماء المسلمين(2).

و خلاصة الكلام أنّ الشيعة لم ينكروا صحبة صحابة الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم، ولا يقولون بتكفير جميع صحابة الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم. و كما علمت فإنّ موضع الاختلاف بين الشيعة و السنّة ينحصر في دائرة عدالة الصحابة، حيث يقول أهل السنّة بشمول هذه الدائرة لجميع الصحابة، في حين يرى الشيعة أنّ هذه العدالة خاصّة باُولئك الذين يتوفّر الدليل على عدالتهم من الكتاب و السنّة بما يؤهّلهم لأن يأخذ الشيعة معالم دینهم منهم.

إذن، فما يُنسب إلى الشيعة من أنّهم يقولون بكفر جميع الصحابة، إن هو إلاّ تهمةُ

على المذهب الشيعي، و الشيعة بريئون من مثل هذه العقائد.

2- ختم النبوّة و تكفير الشيعة:

من الاتّهامات الاُخرى التي يوجّهها جيش الصحابة إلى الشيعة، و التي يتّخذها ذريعة

لإخراجهم من الدائرة الإسلاميّة، هي مسألة ختم النبوّة.

فهؤلاء يرون أنّه لما كانت خاتميّة الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم من ضروریّات دین الإسلام المبين، فإذا لم يؤمن بها أحدٌ ما، فهو كافر باتّفاق جميع المسلمين، و خارج عن دائرة الإسلام.

و من ناحية اُخرى يثبت الشيعة جميع الصفات الموجودة للأنبياء إلى أئمّتهم الاثني عشر، و يعتقدون أنّ هؤلاء الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم معصومون و مفترضو الطاعة و .... و هذه

ص: 185


1- ابن عابدین، محمّد أمين بن عمرم 1252؛ ردّ المحتار على الدرّ المختار، ج 4، ص 262
2- ابن تيميّة، أحمد بن عبد الحليم م 728، منهاج السنّة النبويّة في نقض كلام الشيعة القدريّة، ج 5، ص 95

العقيدة تؤول بالنتيجة إلى أنّ الشيعة صاروا يقولون بوجود اثنا عشر إماماً متشبّهاً بالنبوّة، و هذا بحدّ ذاته ينجرّ إلى إنكار ختم النبوّة(1).

هذا في الوقت الذي يؤمن فيه الشيعة - كبقيّة المسلمين - بشموليّة رسالة النبيّ

الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم، مثلما يؤمنون بخاتميّة رسالته صلی الله علیه و آله وسلم.

و فسّر الشيخ الطوسي - و هو مَن هو بين أعاظم المذهب الشيعي - اعتقاد الشيعة

بخاتميّة الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم بأنّه يعني عدم مجيء أيّ نبيٍّ بعد رحلته حتّى يوم القيامة(2).

و الشيعة ينظرون إلى مسألة الخاتميّة باعتبارها من المسائل الضروريّة في دين الإسلام المبين، و استدلّوا عليها بقوله تعالى: ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا))(3)، وقوله عزّ من قائل: ((وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ))(4).

كما استدلّوا عليها من الروايات الواردة في كتب الشيعة الروائيّة، كالحديث النبوي الذي خاطب أمير المؤمنين فيه بقوله: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»(5)، و حديث أمير المؤمنين و الإمام الأوّل للشيعة، عليّ علیه السلام حينما حضر لتجهيز الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: «بأبي أنت و أُمي، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة و الانبياء و أخبار السماء»(6)، و غيرها من الأحاديث الاُخرى المتظافرة التي تصل إلى حدّ التواتر، و كلّها تثبت اعتقاد الشيعة بالخاتميّة.

و يتّضح مدى تمسّك الشيعة بهذه العقيدة من حكمهم بارتداد بعض الفرق الضالّة - کالبابيّة و البهائيّة - بسبب إنكارها خاتميّة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم و عالميّة دعوته و رسالته؛ فهذا هو

ص: 186


1- الفاروقي، ضیاء الرحمن، خمینی ازم اور اسلام، ص 61
2- الشيخ الطوسي م 460، العقائد الجعفريّة، ص 248
3- سورة الأحزاب 33، الآية 40
4- سورة فصّلت 41، الآيتان 41 و 42
5- الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج 8 ص 107
6- السيّد الرضي، نهج البلاغة، ج 2، ص 228

السبب الذي من أجله أصدر فقهاء الشيعة حكمهم بارتداد البابيّين و البهائيّين و القاديانيّة و أخرجوهم من زمرة المسلمين(1).

أمّا لماذا يقول الشيعة بوجوب إطاعة أئمّتهم و أنّها كإطاعة نبيّ الإسلام العظيم صلی الله علیه و آله وسلم؟ فذلك لما تقضي به النصوص الواردة بهذا المعنى، كما في حديث الثقلين الذي يقول النبيّ الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم فيه: «إنّي قد تركت فيكم أمرين لن تضلّوا بعدي ما إن تمسّكتم بهما: كتاب الله و عترتي أهل بيتي»(2)، و كما هو واضح فإنّ مضمون هذا الحديث هو أنّ التمسّك بأحاديثهم و اتّباع تعاليمهم هو امتثالٌ لقول الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم.

و كما في الحديث الآخر الذي شبّه الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم فيه أهل بيته الكرام بسفينة

نوح، فقال: «مَثَل أهل بيتي مَثَل سفينة نوح مَن ركبها نجا، و مَن تخلّف عنها غرِق»(3).

و غيرها من الروايات الاُخرى الدالّة على حجّيّة أقوال أهل البيت علیهم السلام و أفعالهم،

مضافاً إلى وصايا رسول الإسلام العظيم صلی الله علیه و آله وسلم الاُخرى التي بيّن فيها حقّ عترته(4).

أمّا مسألة عصمة الأئمّة الاثني عشر لدى الشيعة الإماميّة، فالسبب في وقوع جيش الصحابة في أوهام اعتقاد الشيعة نبوّة الأئمّة الاثنا عشر هو تصوّرهم الخاطئ أنّ (العصمة) تساوي مقام (النبوّة)، غافلين أنّ علاقة العصمة بالنبوّة هي علاقة الأعمّ؛ بمعنى إمكانيّة كون الشخص معصوماً - أي امتلاكه قوّة تصون الشخص من الوقوع في الخطأ و المعصية - لكنّه مع ذلك ليس نبيّاً.

و هذه العقيدة ليست من اختراع الشيعة، بل دلّت عليها آيات القرآن الكريم و الروايات النبويّة، فقد قال الله في قرآنه الكريم مبيّناً مكانة أهل بیت نبيّه: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا))(5)، و المراد من الرجس في الآية

ص: 187


1- السبحاني، جعفر، الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، ج 2، ص 354
2- الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج 2، ص 415؛ صحیح مسلم، ج 4، ص 1873
3- النيسابوري، محمّد بن عبد الله م 405؛ المستدرك على الصحیحین، ج 2، ص 373، الطبري، محمّد بن جریر، المستر شد، ص 360
4- السبحاني، جعفر، الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، ج 2، ص 360
5- سورة الأحزاب 33، الآية 33

الكريمة هو الرجس المعنوي الذي من أبرز مظاهره هو (الفسق) الذي أذهبه الله عن أهل البيت و صانهم منه حسب ما تفيده الآية.

كما أشار حديث الثقلين الذين ذكرناه سابقاً و المنقول في كتب الشيعة و السنّة أنّ أهل بيت الرسول هم عدل القرآن، و معنى ذلك أنّه كما كان القرآن معصوماً من كلّ خطأ فكذلك أهل بيت النبوّة معصومون من الخطأ، ولا يخالف أحدهما الآخر أو يتناقض معه.

أو ما ورد في روايةٍ اُخرى من أنّ الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم قد قال عن عليّ علیه السلام: «عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ، و لن يفترقا حتّى يَرِدا عَلَىَّ الحوض يوم القيامة»(1)، فالرجل الذي تفيد هذه الرواية دوران الحقّ وفق مداره، كيف يمكن أن يكون مخطئاً أو مذنباً؟

إنّ منهج الشيعة في ما يخصّ صفات أئمّتهم لا يقتصر على مسألة عصمة الأئمّة و مرجعيّتهم العلميّة و وجوب طاعتهم، بل هم يثبتون كلّ الصفات الاُخرى التي أثبتها لهم القرآن و النصوص المعتبرة لدى الشيعة، أمّا ما عدا ذلك ممّا لم يتوفّر لهم دلیل معتبر عليه، فلا يدّعوه لأئمّتهم.

إذن، فخلاصة الكلام هي أنّ نسبة القول بعدم خاتميّة النبوّة إلى الشيعة الإماميّة من قِبَل جيش الصحابة هي تهمةٌ لا أساس لها و لا سند، فالشيعة الإماميّة مثلهم مثل بقيّة المذاهب الإسلاميّة يؤكّدون على مسألة الخاتميّة. أمّا اعتقادهم باشتراك الأئمّة علیهم السلام مع الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم في بعض الصفات، فلا دليل فيه على قولهم بنبوّة أئمّتهم، بل إنّ اعتقادهم بهذه الصفات هو من باب تبعيّتهم للكتاب و السنّة النبويّة، لا أكثر من ذلك.

3- تحريف القرآن و تكفير الشيعة:

و من الذرائع الاُخرى التي يتعكّز عليها زعماء جيش الصحابة لتكفير الشيعة هي اُكذوبة قول الشيعة بتحريف القرآن. فقد خصّص الفاروقي الباب الثاني من كتابه تاریخی دستاویز لهذا الأمر، و ادّعى فيه أنّ تحريف القرآن من عقائد الشيعة الإماميّة. كما أبرز فيه عقيدته أنّ الشيعة لا يقولون فقط بتحريف القرآن بالمعنى، بل هم يعتقدون بتحريف ظاهر القرآن أيضاً، و الشيعي الذي يقول بتحريف القرآن لا يجوز له ادّعاء الإسلام، لأنّه

ص: 188


1- الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ م 463، تاریخ بغداد، ج 16، ص 470

کافر(1).

ويقول الفاروقي إنّ مسألة الاعتقاد بتحريف القرآن من الاُمور الثابتة في كتب الشيعة مثل اُصول الكافي و احتجاج الطبرسي و تفسير القمّي، و تفسير العيّاشي، و تفسیر الصافي، و رجال الكشّي و فصل الخطاب(2).

أمّا أعظم طارق فبعد تأييده كلام الفاروقي طلب من زعماء دیوبند أن يصدروا فتوی

يكفّرون فيها مصنّفي هذه الكتب و أتباعهم، أي الشيعة(3).

و يستند زعماء جيش الصحابة لتأكيد دعواهم علی روایات موجودة في هذه الكتب - و خصوصاً كتاب الكافي المشهور - معتبرین و جود مثل هذه الروايات دلياتً يؤكّد ادّعاءهم قول الشيعة بتحريف القرآن.

هذا في الوقت الذي يرفض فيه أغلب علماء الشيعة - إن لم نقل جميعهم - حصول

التحريف في آيات القرآن، و يعلنون براءة الشيعة الإماميّة من هذه العقيدة.

يقول الشيخ الصدوق أحد عظماء المذهب الإمامي: «اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد صلی الله علیه و آله وسلم هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك. و مبلغ سوره عند الناس مائة و أربع عشرة سورة... و مَن نسب إلينا أنّا نقول إنه أكثر من ذلك، فهو كاذب»(4). أمّا الشيخ الطوسي فيقول في هذا المجال:

«وأمّا الكلام في زيادته و نقصانه فممّا لا يليق به أيضاً، لأنّ الزيادة فيه مجمعٌ على بطلانها، و النقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، و هو الأليَق بالصحيح من مذهبنا، و هو الذي نصره المرتضی رحمه الله، و هو الظاهر من الروايات. غير أنّه رویت روايات كثيرة من جهة الخاصّة و العامّة بنقصان كثيرٍ من آي القرآن، و نَقل شيءٍ منه

ص: 189


1- الفاروقي، ضیاء الرحمن، تاریخی دستاویز، ص 22
2- المؤلّف نفسه، خمینی ازم آور اسلام، ص 56
3- أعظم طارق، محمّد، فيصله آپ کرین، ص 5: لمحة فكريّة، ص 51
4- الشيخ الصدوق، الاعتقادات، ص 84

من موضعٍ إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً و لا عملاً، و

الأولى الإعراض عنها و ترك التشاغل بها...»(1). أمّا الإمام الخميني فيؤكّد عدم حصول التحريف في القرآن بقوله: «وما وردت فيه من الأخبار بین ضعيفٍ لا يستدلّ به، إلى مجعولٍ يلوح منها أمارات الجعل، إلى غریبٍ يقضى منه العجب، إلى صحيحٍ يدلّ على أنّ مضمونه تأويل الكتاب و تفسیره...»(2).

و استغرب رحمة الله الهندي من علماء الأحناف في شبه القارّة الهنديّة اتّهام الشيعة بالقول بتحريف القرآن، و ذكر أنّ جمهور الشيعة الإماميّة يرون أنّ القرآن محفوظ من كلّ أشكال التغيير و التبديل، وأنّهم يرون أيضاً أنّ أحداً منهم إذا قال بحصول النقصان في القرآن فقوله مردود لا يقبلون به(3).

وقال محمّد الغزالي:

سمعت من بعضهم في مجلس علم يقول إنّ لدى الشيعة قرآناً آخر فيه زيادة و نقيصة عن القرآن المعروف لدينا. فقلت لذلك البعض: أين يوجد هذا القرآن الذي تتحدّث عنه؟ لماذا لم يطّلع أحدٌ من الإنس أو الجنّ على هذا الكتاب طوال هذه العصور المتمادية، إنّ هذا افتراء على الشیعة(4).

و من جانب آخر إنّ مجرّد وجود مثل هذه الروايات في كتب الشيعة لا يصلح دلیلاً على اعتقادهم بالتحريف؛ لأنّ مثل هذا الإشكال يمكن إيراده على أهل السنّة أيضاً، فكتبهم - حتّى الصحاح منها - مليئة بالروايات الدالّة على حصول التحريف.

يقول الآلوسي في روح المعاني بعد نقله الأخبار الدالّة على التحريف: إنّ الروايات

في هذا الباب كثيرة جدّاً(5).

ص: 190


1- الشيخ الطوسي م 460، التبيان في تفسير القرآن، ج 1، ص 3
2- الخميني، روح الله م 1410، تهذيب الاُصول، ج 2، ص 165
3- العثماني، رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي م 1308، إظهار الحقّ، ص 355
4- الغزالي، محمّد، دفاع عن العقيدة و الشريعة ضدّ مطاعن المستشرقين، ص 219
5- الآلوسي، محمود بن عبد الله م 1270، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني، ج 1، ص 26

كما أنّ قول عددٍ قليلٍ من أتباع أحد المذاهب لا يمكن اتّخاذه دليلاً على اتّفاق

جميع أتباع ذلك المذهب على ذلك القول.

ينقل الفخر الرازي في تفسيره الكبير أنّ ابن مسعود كان يقول بأنّ سورة الفاتحة و

المعوّذتين ليست جزءاً من القرآن(1).

و ينقل السيوطي بطريق صحيح عن ابن عبّاس أنّ «ابن مسعود كان يحكّ المعوّذتين من المصحف و يقول: لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، إنّهما ليستا من كتاب الله، إنّما أمر النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم أن يتعوّذ بهما»(2).

و خلاصة الكلام أنّ أكثر علماء الشيعة و أهل السنّة - بل جميعهم تقریباً - يقولون

بعدم تحريف القرآن، و أنّ وجود روایات في كتب الشيعة و السنّة - أو وجود بعض الأفراد من الشيعة و السنّة يقولون بالتحريف - لا يمكن اتّخاذه دليلاً على اعتقاد جميع أفراد ذلك المذهب بتلك الأقوال، و من ثمّ تكفيرهم.

خلاصة البحث:

يتّضح من خلال هذا البحث أنّ الاتّهامات التي ينسبها جيش الصحابة إلى الشيعة، و التي يتذرّع بها لتكفير الشيعة، لا يستند أيٌّ منها إلى أساسٍ علميّ، و المذهب الشيعي بريء منها؛ فالشيعة لم يقولوا أبداً بكفر الصحابة، وهم يؤمنون أنّ القرآن الموجود هو نفس القرآن الذي نزل على رسول الله، و قد وصل إلينا دون زيادة أو نقصان، كما أنّهم يعتبرون الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم آخر أنبياء الله و خاتم النبيّين. أمّا الصفات التي يصفون بها أئمّتهم المعصومين علیهم السلام فجميعها ثابتة لهم عن طريق آيات القرآن الكريم و الروايات الواردة عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم في حقّهم.

ص: 191


1- فخر الدين الرازي، محمّد بن عمرم 606، مفاتيح الغيب، ج 1، ص 190
2- السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر م 911، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، ج 8، ص 683

المصادر:

1- الآلوسي، محمود بن عبد الله (م 1270)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني، تحقیق علي عبد الباري عطيّة، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1415 ه

2- الآمدي، عليّ بن محمّد (م 631)، أبكار الأفكار في أُصول الدين، تحقيق الاُستاذ

الدكتور أحمد محمّد المهدي، دار الكتب و الوثائق القوميّة، القاهرة، الطبعة الثانية، 1424 ه

3- ابن تيميّة، أحمد بن عبد الحليم (م 728)، منهاج السنّة النبويّة في نقض

كلام الشيعة القدريّة، تحقيق محمّد رشاد سالم، جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة، الطبعة الاُولى، 1406 ه

4- ابن عابدین، محمّد أمين بن عمر (م 1252)، ردّ المحتار على الدرّ المختار، دار

الفکر، بیروت، الطبعة الثانية، 1412 ه

5- ابن نجیم، زين الدين بن إبراهيم (م 970)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، دار

الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية، دون تاریخ.

6- أبو حنيفة النعمان بن ثابت (م 150)، الفقه الأكبر، مكتبة الفرقان، الإمارات

العربيّة، الطبعة الاُولى، 1419 ه

7- أبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث (م 275)، سنن أبي داود، تحقیق

محمّد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصريّة، بيروت، دون تاریخ.

8- الأشعري، عليّ بن إسماعيل (م 324)، مقالات الإسلاميّين و اختلاف المصلّين،

تصحيح هيلموت ریتر، دار فرانز شتایز، فسبادن، ألمانيا، الطبعة الثالثة، 1400 ه.

9- أعظم طارق، محمّد، فيصله آپ کرین، حركة جيش الصحابة، كراتشي.

10- ----------، لمحة فكريّة، حركة جيش الصحابة، كراتشي.

11- الأمين، محسن، (م 1371)، أعيان الشيعة، تحقیق و تخریج حسن الأمين، دار

التعارف للمطبوعات، بیروت، دون تاریخ.

12- الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد (م 756)، المواقف، تحقیق عبد الرحمن عميرة،

ص: 192

دار الجيل، بیروت، 1417 ه

13- البخاري، محمّد بن إسماعيل (م 256)، صحيح البخاري، تحقيق محمّد زهير

بن ناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الاُولى، 1422 ه

14- التفتازاني، مسعود بن عمر (م 793)، شرح العقائد النسفيّة، مكتبة الكلّيّات

الأزهريّة، القاهرة، الطبعة الاُولى، 1407 ه

15- ----------، شرح المقاصد في علم الكلام، نشر الشريف الرضي، قم،

الطبعة الاُولى، 1409 ه

16- الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ (م 463)، تاریخ بغداد، تحقيق الدكتور بشّار

عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الاُولى، 1422 ه

17- الخميني، روح الله (م 1410)، تهذيب الاُصول، تقریر جعفر السبحاني، دار

الفكر، قم، دون تاریخ.

18- رب نواز طاهر، نقوش جهنگوي، مكتبة الخلافة الراشدة، كراتشي، دون تاریخ.

19- السبحاني، جعفر، الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، نشر الإمام الصادق

(ع)، قم، الطبعة الأولى، 1423 ه

20- ----------، بحوث في الملل و النحل، مؤسّسة النشر الإسلامي و

مؤسّسة الإمام الصادق (ع)، قم، دون تاریخ.

21- السهانپوري، خليل أحمد (م 1346)، عقائد علماء أهل السنّة الديوبنديّة (المهنّد على المفنّد)، تحقيق السيّد طالب الرحمن، جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة، الرياض، الطبعة الاُولی، 1427 ه

22- السيّد الرضي، نهج البلاغة، تحقيق و شرح الشيخ محمّد عبده، دار الذخائر، قم،

الطبعة الاُولى، 1412 ه

23- السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (م 911)، الدرّ المنثور في التفسير

بالمأثور، دار الفکر، بیروت، دون تاریخ.

24- شرف الدين الموسوي، عبد الحسين (م 1377)، أجوبة مسائل جار الله، مطبعة

ص: 193

العرفان، صیدا، الطبعة الثانية، 1373 ه

25- الشيخ الصدوق (م 386)، الاعتقادات، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم،

الطبعة الثانية، 1414 ه

26- الطبري، محمّد بن جریر، المسترشد، تحقيق أحمد المحمودي، مؤسّسة الثقافة

الإسلاميّة لكوشنانبور، قم، الطبعة الاُولى، 1415 ه

27- الشيخ الطوسي (م 460)، التبيان في تفسير القرآن، تحقیق و تصحيح أحمد

حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1409 ه

28- ----------، العقائد الجعفريّة، مكتب النشر الإسلامي، قم، الطبعة

الاُولى، 1411 ه

29- الغزالي، محمّد، دفاع عن العقيدة و الشريعة ضدّ مطاعن المستشرقین، دار

نهضة مصر، الطبعة الاُولى، دون تاریخ.

30- ----------، كيف نفهم الإسلام، دار النهضة، مصر، الطبعة الاُولى، دون

تاریخ.

31- الفاروقي، ضیاء الرحمن، تاریخی دستاویز، نشر جيش الصحابة، جهنك، الطبعة

الثانية، 1995 م.

32- ----------، خميني ازم آور إسلام، إشاعة المعارف، فیصل آباد، دون

تاریخ.

33- فخر الدين الرازي، محمّد بن عمر (م 606)، المحصّل، دار الرازي، عمّان،

الطبعة الاُولى، 1411 ه

34- ----------، مفاتیح الغیب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة

الثالثة، 1420 ه

35- الكشميري، محمّد أنور شاه (م 1353)، فیض الباري على صحيح البخاري،

تحقيق محمّد بدر عالم المير تهي، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1426 ه

36- کیرانوي عثماني، رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي (م 1308)، إظهار الحقّ،

ص: 194

دار الكتب العلميّة، بيروت.

37- الكليني، محمد بن يعقوب (م 329)، الكافي، تحقيق علي أكبر الغفّاري، دار

الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الخامسة، 1363 ش.

38- المحقّق الدواني (م 756)، شرح العقائد العضديّة، دون ناشر، دون محلّ، 1423 ه

39- المدني، حسين أحمد، الشهاب الثاقب على المسترق الكاذب، المكتبة

الإمداديّة، دیوبند، دون تاریخ.

40- الملاّ علي القاري (م 1014)، شرح كتاب الفقه الأكبر، دار الكتب العلميّة،

بیروت، الطبعة الثانية، 1428 ه

41- المير سيّد شریف (م 816)، شرح المواقف، نشر الشريف الرضي، قم، الطبعة

الاُولى، 1425 ه

42- النووي، يحيى بن شرف (م 676)، روضة الطالبين و عمدة المفتين، تحقیق

زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1412 ه

43- ------------، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجّاج، دار إحياء

التراث العربي، بیروت، الطبعة الثانية، 1392 ه

44- النيسابوري، محمّد بن عبد الله (م 405)، المستدرك على الصحيحين، تحقیق

مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1411 ه

45- النيسابوري، مسلم بن الحجّاج (م 261)، صحیح مسلم، تحقيق محمّد فؤاد عبد

الباقي، دار إحياء التراث العربي، بیروت، دون تاریخ.

ص: 195

ص: 196

الفصل الثاني: سبر عقائد التيارات التكفيرية

ص: 197

ص: 198

الوهّابيّة و تكفير المسلمين، دراسةٌ نقديّة

تأليف: مهدي پیشوائي(1)

ترجمة: محمّد حسین حکمت

نبذة:

كان (الكفر) و (الإيمان) و (التوحید) و (الشرك) هي المحاور الأصليّة في تفكير الحركة الوهّابيّة منذ بدايات ظهورها. وقد فسّر الوهّابيّون - ولا يزالون - التوحيد و الشرك تفسيراً خاصّاً يتوافق و معاییرهم التي وضعوها و التي لم يتمّ إثباتها عند سواهم.

وهؤلاء يشبهون فرقة الخوارج من جهات مختلفة، و لكن ربما كان أهمّ وجه للشبه بين هاتين الفرقتين هو ادّعاء كلّ واحدةٍ منهما بأنّها هي المسلمة الوحيدة و أنّ باقي المسلمين كفّار. و كلتا الفرقتان ضیّقتا دائرة الإيمان في حين جعلت دائرة الكفر أوسع.

و تتضمّن هذه المقالة نقداً للمعايير و الحدود التي وضعها الوهّابيّون للكفر و الإيمان، مستندةً في نقدها إلى الأحاديث النبويّة و إلى آراء كبار علماء المسلمين، مع بيان جوانب من جنايات الوهّابيّة و مذابحها التي ارتكبتها بسبب هذا المفهوم الضيّق الخاطئ للتوحيد و الشرك.

الكلمات المفتاحية: الشرك، الوهّابيّة، التكفير.

ص: 199


1- استاذ التاريخ في الحوزة العلمية بقم

المقدّمة:

قدّم رسول الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم - الذي بعثه الله لهداية البشريّة و تعليمها - إلى الناس مجموعةً من الأصول العقائديّة الواضحة و البسيطة الخالية من تعقيدات الكثير من الأديان و المذاهب و الفلسفات. كما دعا الناس إلى ترك عبادة الأوثان و عبادة الله الواحد و الإيمان بنبوّته، و كلّ إنسان قِبَل هذه الاُصول يعدّ مسلماً، ولم يطلب الرسول من ذلك الإنسان أن يدخل في تفاصيل هذه الأصول أو أن يقوم بتحليلات علميّة و فلسفيّة حولها.

صحيح أنّ الوظائف و التكاليف العمليّة كأداء الصلاة و إيتاء الزكاة و الصوم و غيرها قد بدأ وجوبها يترى تدريجيّاً، لكنّ الالتزام و التقيّد بتلك الأصول الاعتقاديّة المذكورة كان كافياً لقبول أصل الإسلام.

و يكفي لإثبات هذا المعنى مراجعة التاريخ الإسلامي و کيفيّة قبول الإسلام من قِبَل عَبَدة الأوثان. كما أنّ الظاهر من سيرة الرسول أنّه كان يكتفي ممّن يحضر بين يديه و ينطق بالشهادتين و يلتزم بأداء الصلاة و إيتاء الزكاة، فيقبل منه إسلامه.

و لتقديم تعريف واضح عن الإسلام و الشروط الواجب توفّرها في المسلم، نورد

بعض الأحاديث من الكتب المهمّة لأهل السنّة كنماذج في هذا المجال:

1- قال رسول الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم:

«اُمرت [من قِبَل الله تعالى] أن اُقاتل الناس [الكافرين] حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمّداً رسول الله و يقيموا الصلاة و یؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّ الإسلام، و حسابهم على الله [الذي هو وحده القادر على معرفة صدقهم و كذبهم و مکنون سرائرهم]»(1).

ص: 200


1- البخاري، إسماعيل، صحيح البخاري، ج 1، ص 75، الباب 17، الحديث 24. ويقول المتّقي الهندي بعد نقله هذا الحديث عن البخاري و مسلم و أبي داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة: هذا الحدیث متواتر. المتّقي الهندي، کنز العمّال ج 1، ص 88. والمراد من عبارة «بحقّ الإسلام» الواردة في هذه الرواية هي أن يرتكب الزنا، أو يرتدّ، أو يرتكب القتل. راجع: المصدر نفسه، ج 1، ص 89

2- و قال صلی الله علیه و آله وسلم:

«اُمرت [من قِبَل الله تعالى] أن اُقاتل الناس [الكافرين] حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله، فإذا قالوا عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها، و حسابهم على الله [الذي هو وحده القادر على معرفة صدقهم و كذبهم

و مکنون سرائرهم]»(1).

3- كما قال صلی الله علیه و آله وسلم أيضاً:

«اُمرت أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمّداً عبده و رسوله، و أن يستقبلوا قبلتنا، و يأكلوا ذبيحتنا، و أن يصلّوا صالاتنا؛ فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم و أموالهم إلاّ بحقّها. لهم

ما للمسلمين، و عليهم ما على المسلمين»(2).

4- كما قال صلی الله علیه و آله وسلم أيضاً:

«اُمرت [من قِبَل الله تعالی] أن اُقاتل الناس [الكافرين] حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله و يؤمنوا بي [و بنبوّتي] و بما جئت به؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها، و حسابهم على الله عزوجل [الذي هو وحده القادر على معرفة صدقهم و كذبهم و مکنون سرائرهم]»(3).

ص: 201


1- الترمذي، محمّد، سنن الترمذي، ج 5، ص 3، کتاب الإيمان، الحديث 2606؛ أبو داود السجستاني، سنن أبي داود، ج 3، ص 44، ح 2640؛ النسائي، حافظ، سنن النسائي، ج 7، ص 79
2- الترمذي، محمّد، سنن الترمذي، ج 5، ص 4، کتاب الإيمان، ح 2608؛ و كذلك سنن النسائي، ج 7، ص 76 من نفس الطريق و بنفس المضمون مع قليلٍ من التفاوت في الألفاظ، و كذلك الحديث رقم 2642 في سنن أبي داود بهذا المضمون؛ و الحديث 2 في سنن النسائي، ج 7، ص 79 عن طريق جابر و أبي صالح عن أبي هريرة؛ و قریب من هذا المعنى في سنن النسائي، 75/7، 7/6، 76/7، 81/7 76/7، 14/3، 4/6، 56، 78/7، 77/7، 79، 77/7
3- النيسابوري، مسلم، صحیح مسلم، ج 1، ص 210؛ المتّقي الهندي، کنز العمّال، ج 1، ص 88، الفصل الخامس في حكم الإسلام، و أحاديث مشابهة أخرى في ج 1، ص 87 و 89

حرمة تكفير المسلمين:

و من جهةٍ اُخرى نهى رسول الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم عن تكفير المسلمين و حذّر من القيام بذلك. و كما تفيد بعض الروايات فإنّ تكفير المسلم بمثابة قتله، نكتفي بنقل بعضها على سبيل المثال:

1- قال رسول الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم: «أيّما رجلٍ قال لأخيه [المسلم]: یا کافر؛ فقد باء به

أحدهما»(1).

2- «عن أبي ذرّ أنّه سمع من رسول الله [صلی الله علیه و آله وسلم] يقول: لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسق، ولا يرميه بالكفر؛ إلاّ ارتدّت عليه [فيصير هو نفسه مبتلىً بالفسق أو الكفر]، إن لم يكن صاحبه كذلك»(2).

3- قال رسول الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم

: «لعنُ المؤمنِ كقتله، و مَن رمی مؤمناً بكفرٍ فهو كقتله»(3). 4- ذكر الحافظ محمّد بن أحمد الذهبي (663 - 748 ه) في كتابه «الكبائر» الذي ألفه عن الذنوب الكبيرة، أنّ واحداً من تلك الذنوب هو أذيّة و شتم المسلمين، و نقل في باب (أذيّة المسلمين و شتمهم) عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال: كلّ مَن دعا شخصاً قائلاً یا کافر أو أسماه عدوّ الله، فإن لم يكن الرجل كذلك، ابتلي هو نفسه بالكفر(4).

5- قال رسول الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم: «أيّما رجلٍ مسلم أكفرَ رجلاً مسلماً، فإن كان كافراً و إلاّ

ص: 202


1- البخاري، إسماعيل، صحيح البخاري، ج 8، کتاب الأدب، باب 595، ح 982؛ أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 2، ص 60، عن طريق عبد الله بن عمر، و فيه بدلاً من «أيّما رجل»: «أيّما امرئٍ»، و لا فرق بين الاثنين من ناحية المعنى؛ ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج 5، کتاب الإيمان، باب 16، ح 1637؛ النيسابوري، مسلم، صحیح مسلم، ج 2، ص 49، و نقل الحديث عن طريق عبد الله بن دينار، و جاء في آخره: «إن كان كما قال و إلا رجعت عليه». وهناك أحاديث بهذا المضمون أيضاً في مسند أحمد بن حنبل، ج 2، ص 142 و ص 23؛ و صحیح مسلم، ج 2، ص 49 عن طريق ابن عمر؛ و صحيح البخاري، ج 8، کتاب الأدب، باب 595، ح 981 و هو منقول عن طريق أبي هريرة عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم
2- إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 8 ص 336، کتاب الأدب، باب 566 باب ما ينهى عنه من السباب و اللعن، ح 927، أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج 5، ص 181
3- إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 8، كتاب الأيمان و النذور، باب 846، ح 1505
4- شمس الدين الذهبي، الكبائر، ص 110 - 111 نقلاً عن البخاري و مسلم و أحمد بن حنبل

كان هو الكافر»(1).

6- و وفقاً لروايةٍ اُخرى، قال صلی الله علیه و آله وسلم:

«ثلاثةٌ من أصل الإيمان: الكفّ عمّن قال لا إله إلاّ الله، و لا تكفّره

بذنب، و لا تخرجه من الإسلام بعمل..»(2).

7- و قال صلی الله علیه و آله وسلم: «ومَن قذفَ مؤمناً بكفر، فهو كقاتله»(3).

و نقل محمّد بن علي الشوكاني (م 1255 ه) أحد فقهاء الحنبليّة الذي يسلك مسلك الوهّابيّة، عن طريق أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لمّا أرسل عليّاً علیه السلام إلى اليمن للدعوة إلى الإسلام، فأرسل عليّ إلى النبيّ مقداراً قليلاً من الذهب، فقسّمه النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم على أربعة أشخاص، فقال رجل: يا رسول الله، اتّقِ الله! فقال: ويلك، أوَ لست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟ ثمّ ولّى الرجل، فقال خالد بن الوليد: یا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا، لعلّه أن يكون يصلّي. فقال خالد: كم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و سلّم: إنّي لم أؤمر أن اُنقّب عن قلوب الناس، ولا أشقّ بطونهم(4).

آراء علماء الإسلام:

استند فقهاء الإسلام و علمائه منذ غابر الأزمان على أقوال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هذه و تأكيداته المتكرّرة عليها، فامتنعوا منعاً باتّاً عن تكفير المسلمين و عن أيّ نوعٍ من اتّهامهم بالانحراف و الضلال و حذّروا المسلمين من فعل ذلك.

وفي ما يلي نورد بعضاً من آراء عددٍ من علماء أهل السنّة في هذه المسألة على

سبيل المثال: 1- يقول النووي العالم و المحدّث الكبير من أهل السنّة:

«واعلم أنّ مذهب أهل الحقّ أنّه لا يكفّر أحدٌ من أهل القبلة بذنبٍ، و

ص: 203


1- ابن أبي داود، سنن أبي داود، ج 4، ص 221، کتاب السنّة، باب الدليل على زيادة الإيمان و نقصه، ح 4687
2- المصدر نفسه، ج 3، ص 18، کتاب الجهاد، باب الغزو مع أئمّة الجور، ح 2532
3- ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج 5، کتاب الإيمان، باب 16، ح 2634
4- الشوكاني، نيل الأوطار، ج 1، ص 289. و ذكر الشوكاني آخر الحديث أنّه حديثٌ متّفقٌ عليه

لا يكفّر أهل الأهواء و البِدَع، و أنّ مَن جحد ما يُعلم من دين الإسلام

ضرورة حُكم بردّته و کفره إلاّ أن يكون قريبَ عهدٍ بالإسلام»(1).

2- و يقول الفخر الرازي: «الكفر عبارةٌ عن إنكار ما عُلِم بالضرورة مجيء الرسول به، فعلى هذا لا نكفّر أحداً من أهل القبلة؛ لأنّ كونهم منکرین لما جاء به الرسول غير معلوم ضرورةً، بل نظراً»(2).

3- كتب أبو الحسن الأشعري (م 324 ه ) مؤسّس المذهب الأشعري:

«اختلف الناس بعد نبيّهم صلی الله علیه و آله وسلم في أشياء كثيرة؛ ضلّلَ فيها بعضهم بعضاً، و برئ بعضٌ من بعض، فصاروا فِرَقاً متباينين و أحزاباً متشتّتين، إلاّ أنّ

الإسلام يجمعهم و يشتمل عليهم»(3).

4- أمّا التفتازاني فيقول:

إنّ مخالف الحقّ من أهل القبلة لا يعدّ كافراً، إلاّ إذا أنكر ضروريّاً من ضروریّات الدين كحدوث العالم و القيامة و حشر الأبدان... فالرسول و الصحابة لم يكونوا يفتّشون عن عقائد الناس، و كانوا يقبلون ما كان

في ظاهره حقّاً(4). ولا بدّ من الالتفات أنّ موارد اختلاف المسلمين غالباً ما تكون في الأمور النظريّة و الاجتماعيّة التي يكون احتمال الخطأ و الاشتباه فيها ممكناً، و ربما كانت آراء الطرفين مستندةً إلى الأخبار الظنّيّة أو القابلة للتأويل و التي لا ينتفي فيها احتمال الجعل أو الكذب أو التأويل.

و على هذا فلا يجوز لأحد طرفَي الخلاف تكفير الطرف الآخر في مثل هذه الموارد.

و إذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن قبول تكفير بعض المسلمين لبعضهم بسبب بعض الأمور الاجتهاديّة و هم أهل قبلةٍ و احدة و يعتقدون باُصول مشتركة.

ص: 204


1- النووي، شرح صحيح مسلم، ج 1، ص 150
2- الفخر الرازي، محصّل أفكار المتقدّمين و المتأخّرين، ص 350
3- أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميّين و اختلاف المصلّين، ص 2
4- التفتازاني، مسعود بن عمر، شرح المقاصد، ج 5، ص 227

منهج السلف في مسألة التكفير: يقول ابن تيمية - و اضع أسس الوهّابيّة - في فتاواه:

لم يجبر أئمّة أهل السنّة و الجماعة الناس على قبول آرائهم في الموارد الاجتهاديّة. و لهذا السبب لمّا طلب [الخليفة العبّاسي] هارون من مالك بن أنس أن يشير عليه في قضيّة إجبار الناس على اتّباع فتاواه في كتاب الموطّأ، أجابه بقوله: لا تفعل ذلك، فقد انتشر أصحاب رسول الله في مناطق مختلفة، و كلّ جماعةٍ تعلّمت المسائل الفقهيّة من

الشخص الذي كان عندها، و أنا لم أجمع إلاّ علم أهل مدينتي(1).

و كما ينقل ابن تيميّة، كان مالك يقول: ما أنا إلاّ بشر، يمكن أن يكون رأيي صحيحاً، و يمكن أن أخطئ؛ اعرضوا قولي على القرآن و السنّة (كي يتّضح مدى صحّته أو

سُقمه)(2).

كما نقل ابن تيميّة عن أبي حنيفة أنّه قال: إنّ هذا رأيي، كلّ مَن أتاني برأيٍ أحسن

منه، قبلته منه.

و كما يقول فإنّ (المزني) قد ذكر في أوّل كتاب المختصر: كتابي هذا قد لخّصت فيه علم الشافعي لمَن أراد الاطّلاع عليه، لكنّي أعلن أنّ الشافعي نفسه قد نهى الناس عن تقليده أو تقلید سائر العلماء(3).

كما قال أحمد بن حنبل: لا ينبغي للفقيه أن يجبر الناس على اتّباع مذهبه، فيشقّ

عليهم.

و قال أيضاً: لا تقلّدوا في دينكم أشخاصاً؛ لأنّهم غير مصونین عن الخطأ و الاشتباه(4). و يقول ابن قيّم الذي هو أكبر إمام و قدوة للوهابيّين بعد ابن تيميّة:

قد تختلف آراء المسلمين حول بعض الأحكام، لكنّ هذا لا يدفعنا

ص: 205


1- ابن تيميّة، الفتاوى الكبری، ج 5، ص 18
2- المصدر نفسه
3- المصدر نفسه
4- المصدر نفسه

للقول بخروجهم عن الإسلام. لقد كانت آراء أصحاب رسول الله تختلف في الكثير من المسائل و الأحكام مع أنّهم أفضل المؤمنين و أكمل الأمّة إيماناً ... و ما نقصده أنّ المسلمين متى ما اختلفوا حول بعض الأحكام و المسائل و عملوا طبقاً لما أمر الله به: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ»(1) فأرجعوا ذلك

إلى الله و الرسول لم يكونوا خارجين عن حقيقة الإسلام(2). أمّا محمّد رشيد رضا الذي لا يخفى على أهل الفضل و الاطّلاع ميله إلى الوهابيّة، فقد وجّه في المقدّمة التي كتبها حول فوائد کتاب المغني - في الفقه الحنبلي - لابن قدامة نقداً لاذعاً إلى اختلاف المسلمين بسبب المسائل الاجتهاديّة، و دعاهم إلى الوحدة و الحذر من تكفير بعضهم بعضاً، فكتب يقول:

«و قد بلغ من إيذاء بعض المتعصّبين لبعض في طرابلس الشام في آخر القرن الماضي أن ذهب بعض شيوخ الشافعيّة إلى المفتي - و هو رئيس العلماء . و قال له: اقسِم المساجد بيننا و بين الحنفيّة؛ فإنّ فلاناً من فقهائهم يعدّنا كأهل الذمّة بما أذاع في هذه الأيّام من خلافهم في تزوّج الرجل الحنفي بالمرأة الشافعيّة، و قول بعضهم: لا يصحّ؛ لأنّها تشكّ في إيمانها، يعني أنّ الشافعيّة و غيرهم من الأشعريّة يجوزّون أن يقول المسلم: أنا مؤمن إن شاء الله. و قول آخرین: بل يصحّ نکاحها قياساً على الذمّيّة!

فأين هذا التعصّب و الإيذاء و التفريق بين المسلمين بالآراء الاجتهاديّة من تساهل السلف الصالح و أخذهم بما أراده الرحمن من اليسر في الشريعة و انتفاء الحرج منه، و اتّقائهم التفريق بين المسلمين بظنون اجتهاديّة رجّح بها كلّ ناظر ما رآه أقرب إلى النصوص أو إلى حكمة الشارع. حتّى كان أشهر الأئمّة لا يستحلّون الجزم بالحكم فيها، فيقول

ص: 206


1- سورة النساء 4، الآية 59
2- ابن قيّم الجوزيّة، أعلام الموقّعین، ج 1، ص 49

أحدهم: أكره كذا، أو أستقبحه، أو أخشى أن يكون كذا، أو لا ينبغي أو لا يصلح أو لا يعجبني أو لا اُحبّه أو لا أستحسنه، و يقول في مقابل ذلك: يفعل السائل كذا احتياطاً، أو اُحبّ كذا، أو يعجبني، أو اُعجب إليّ، أو هذا حسن. هكذا كان يقول الإمام أحمد في المسائل الاجتهاديّة، أو في ما لا نصّ صحيحاً صريحاً فيه من الكتاب أو

السنّة»(1). و کتب محمّد رشید رضا في قسمٍ آخر يقول:

و الحقّ أنّ أكثر ما في كتب الفقه مسائل اجتهاديّة و آراء ظنّيّة مستنبط بعضها من أقوال فقهائهم أو من علل دقيقة من علل القياس(2) ينكر مثلها أكثر علماء السلف الصالح، فهي تحترم كما يحترم ما يخالفها في المذاهب الاُخرى على سواء من باب احترام العلم و الاستقلال بالرأي، و عدم جعل الخلاف ذريعةً للعداوة و البغضاء في الاُمّة الواحدة المأمورة بالاتّفاق و الاعتصام، و لكن لا يتّخذ شيء منها من قواعد الإيمان، ولا يعدّ مخالفه كافراً و لا عاصياً لله تعالى، سواء كان مستدلاً أو مقلّداً لغيره في مخالفتها، و لا يجعل ضعف شيء منها مطعناً في أصل الشريعة كما يفعل ذلك بعض أعداء الإسلام، بل يستعان

بمجموعها على التيسير على الناس».

و يضيف محمّد رشید رضا قائلاً:

«كان كبار علماء الصحابة و التابعين و غيرهم من مجتهدي السلف يتحامون أن يسمّوا ظنونهم الاجتهاديّة حكم الله و شرع الله، بل كان أعظمهم قدراً و أوسعهم علماً يقول هذا مبلغ علمي و اجتهادي، فإن كان صواباً فمن الله و له الفضل، و إن كان خطأً فمنّي و من الشيطان»(3).

ص: 207


1- ابن قدامة، المغني، ج 1، ص 12 - 13، المقدّمة
2- المقصود في كلام محمّد رشید رضا هو فقه أهل السنّة
3- ابن قدامة، المغني، ص 19 - 20، المقدّمة

و قال محمّد بن عبد الوهّاب في أحد كتبه:

اعلم أنّه لا يجوز أن يتبع الإنسانُ أهواءه النفسيّة أو تعصبّه أو إنكاره لبعض المسائل التي يختلف الناس حولها فيسمّي المسلم منافقاً. فعلى الإنسان أن يحذر حذراً شديداً من هذا العمل، إذ قد صحّ في ذلك الحديث عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم في مَن رمی مؤمناً بكفرٍ فهو كقاتله(1).یا

موارد تكفير المسلمين على يد أقطاب الوهّابيّة:

1- رغم كلّ ما ذكرناه حتّى الآن من أدّلة منع التكفير، إلاّ أنّنا نرى ابن قيّم قد اعتبر توسّل المسلمين بالنبيّ و الصالحين شركاً، موجّهاً هجومه على المسلمين بهذه التهمة،

فكتب يقول:

إنّ رسول الإسلام كان يزور قبور أصحابه ليدعو لهم و يترحّم عليهم، لكنّ المشركين (أي المسلمين الذين يرون جواز التوسّل) خلافاً لنهج رسول الله يخاطبون الميّت، و يجعلونه شريكاً لله، و يقسمون على الله به، و يطلبون حوائجهم منه، و يستغيثون به، و يتوجّهون إليه. و

طريقتهم هذه شرك و إهانة بهم و بالميّت(2). ومع أنّ موضوع التوسّل قد تناولته الكتب المعنيّة و أشبعته بحثاً، و ذكرت جواب

هذا الاتّهام، لكنّنا هنا ذكرنا كلام ابن قیّم فقط لبيان اتّهامه للمسلمين بالكفر و الشرك.

و العجيب أنّ ابن قیّم قد رفع عقيرته في بعض كتبه و تكلّم عن وجوب الاحتياط

و امتناع الصحابة و التابعين عن إعطاء الفتوى، فقال:

كان الصحابة و التابعون يقبّحون التسرّع في الفتوى، و كان كلّ واحدٍ منهم يحبّ أن يتحمّل مسؤوليّة الفتوى غيره، إلاّ عندما يكون الاجتهاد واجباً عينيّاً عليه فيجتهد في فهم حكم المسألة من الكتاب و السنّة و

ص: 208


1- نواقض الإسلام، ضمن مجموعة التوحيد، ص 50. و ورد الحديث في صحيح البخاري أيضاً، ج 8 ص 354
2- ابن قيّم الجوزيّة، زاد المعاد، ج 1، ص 179

أقوال الخلفاء الراشدين، و حينئذٍ يصدر فتواه(1). و رغم ما ذكرناه في السطور السابقة نرى ابن قيّم يخالف أقواله و يتسرّع ذلك التسرّع في الإفتاء بتكفير المسلمين. و يا ليته عمل مثلما كانت الصحابة تعمل، فترك الفرصة لغيره من الفقهاء كي يفتوا في هذه المسألة.

2- أمّا محمّد بن عبد الوهّاب الذي ذكرنا سابقاً تحذيره من تكفير المسلمين، فها هو في جوابه لما أسماه برسالةٍ و ردته من عمان يقول: «فقد و ردت علينا أسئلة من عمان صدرت من جهميّ ضالّ». ثمّ يشرع في جواب تلك الأسئلة مصرّاً على رأيه في جسميّة الله و جلوسه على العرش، فيقول إلاّ أنّ أتباع جَهم ينكرون هذه الأسناد و الدلائل، و يعاندون في تكذيبها، و من هنا صاروا كفّاراً في نظر أكثر أهل السنّة و الجماعة(2).

و يصرّ الوهّابيّون إصراراً عجيباً على إثبات کفر المسلمين، و بدلاً من أن يبذلوا جهدهم في رفع الالتباس أو الإبهام، أو في تقديم أدلّتهم العلميّة؛ يتّهمون الطرف المقابل بالكفر و الشرك.

كتب محمّد بن عبد الوهّاب في بدايات نشاطه في نجد ردّاً على (سليمان بن

سخیم) أحد علماء جزيرة العرب قائلاً:

أقول لك قبل الجواب: إنّك و أبوك قد صرّحتما بأ نّكما کافران و مشرکان و

منافقان...

ثمّ يستمرّ في جوابه في تلك الرسالة: أمّا الدليل على كونك شخصاً معانداً، وأنّك ضالّ عن علمٍ و اطّلاع، و قد اخترت الكفر على الإسلام، فعديدة... . ثمّ يعمل على إثبات کفر سليمان بعدّة أدلّة(3).

عجباً من هذا الأسلوب الذي اختاره الوهّابيّون، و الذي يدفعهم إلى ترك ما هو اللائق من إثبات بطلان فکر و أقوال و کلام الطرف المقابل، و التركيز في الهجوم على

ص: 209


1- ابن قيّم الجوزيّة، أعلام الموقّعین، ج 1، ص 33
2- مجموعة التوحيد الرسالة الحادية عشرة، ص 40 و 44
3- خلف الشيخ خزعل، حسین، تاريخ الجزيرة العربيّة في عصر الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب، ص 94 - 96

صاحب الفكر و الكلام و محاولة تسقيطه؟!

هل هذه هي (المجادلة بالتي هي أحسن) التي أوصى الله بها في قرآنه الكريم؟!

3- و مثال آخر من الوهّابيّين، ألا وهو الأمير الصنعاني (محمّد بن إسماعيل، م 1182 ه) الذي وصم طالبي شفاعة النبيّ و الصالحين بوصمة الكفر، معتبراً كفرهم كفراً أصليّاً. و ها هو بعد ذكره لهذه الجماعة كتب يقول:

- إن قلت: إنّ عَبَدة القبور هؤلاء يقولون: إنّا لا نشرك بالله، و لا نقول بوجود

شريكٍ له، و التوسّل بالأنبياء ليس شركاً.

- قلنا: نعم، أنّهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، لكنّ هذا يشير إلى أنّهم لم

يفهموا معنى الشرك أصلاً.

- إن قلت: إنّ هؤلاء لا يعلمون أنّهم مشركون بسبب العمل الذي يقومون به.

- قلت: إنّ الفقهاء ذكروا في كتبهم الفقهيّة حول الارتداد أنّ كلّ مَن نطق بكلمة الكفر صار کافراً حتّى لو لم يكن يعلم معنى تلك الكلمة. و هذا يدلّ على أنّهم لم يفهموا حقيقة الإسلام، و لا ماهيّة التوحيد. لذلك صاروا كفّاراً، بل كفّاراً أصليّون!!!(1).

هل هناك استدلال أمتن إحكاماً من هذا الاستدلال؟ فالشخص الكافر حكمه و اضح، فما بالك بالكافر الأصلي؟ فلا حوار للمسلمين معه بعد ذلك، و ليس عليهم أن يكلّفوا أنفسهم عناء الاستدلال و البحث و النقاش معه، فقد رفع التكليف عن الجميع!

وطبقاً لهذا الاستدلال إذا قال الصنعاني کلاماً مضمونه الكفر، فقد صار كافراً حتّى و إن كان لا يفهم معنى كلامه! و لو استندنا إلى مضمون الأحاديث التي نقلناها في بداية هذا القسم من البحث عن رسول الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم، و حيث إنّ الصنعاني قد كفّر المسلمين، فإنّ هذا الكفر يعود عليه كما تقضي بذلك تلك الأحاديث.

ألا يجب التساؤل عن كيفيّة تمكّن الصنعاني و أمثاله من تجاهل تحذيرات ابن تيميّة و ابن قیّم و باقي زعماء الوهّابيّة حول تكفير المسلمين، و كيف يتمكّنون من ذلك الآن؟ و كيف يمكن تبرير تناقض أقوال زعماء الوهّابيّة؟

ص: 210


1- أمير صنعاني، تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، ضمن مجموعة الجامع الفريد، ص 503

اعتراض علماء الإسلام على الوهّابيّة:

وقف علماء الإسلام منذ الأيّام الأولى لظهور الوهابيّة لصدّ سهام الكفر و الشرك التي انطلقت من أقواس هذه الحركة، و أبدوا اعتراضهم الشديد عليها، مستنكرين ما قاموا به من تكفيرٍ للمسلمين.

وهنا نقدّم بعض التوضیحات عن مخالفة علماء الإسلام لمحمّد بن عبد الوهّاب، و کنموذج في هذا المجال نستعرض مواقف اثنين من علماء ذلك العصر و اعتراضهم الشديد عليه، أحدهم أخوه الشيخ سليمان، و الثاني اُستاذه الشيخ محمّد بن سليمان الكردي.

1- فالشيخ سليمان شقيق محمّد بن عبد الوهّاب كان و احداً من كبار مخالفيه، و ألّف

كتاباً أسماه الصواعق الإلهيّة ردّ فيه على كلام أخيه و حذّره من تكفير المسلمين، فقال:

و هذه الاُمور - أي الاُمور التي ذكر محمّد بن عبد الوهّاب أنّها توجب الشرك و الكفر - ظهرت سابقاً في زمان الإمام أحمد بن حنبل و في زمان أئمّة الإسلام، و أنكرها بعضهم لكنّها انتشرت بالشكل الذي عمّت فيه جميع بلاد الإسلام. و جميع هذه الأعمال التي تكفّرون الناس بسببها حدثت آنذاك و لم نسمع من أيّ واحدٍ من أئمّة الإسلام أنّه كفّر أو أعلن ارتداد مرتكبي تلك الأعمال أو أمر بجهادهم، أو أطلق على بلاد المسلمين تسمية بلاد الشرك أو بلاد الحرب. إنّكم لا تكتفون بذلك بل تكفّرون أيضاً مَن لا يعتبر هذه الأعمال كفراً حتّى و إن لم يكونوا هم قد ارتكبوها. فهل تضنّون أنّ هذه الأمور - التوسّل و طلب الشفاعة و ... - هي و ضعٌ للواسطة في العبادة، و أنّ مَن ارتكبها كافر إجماعاً؟ في حين أنّ ثمانمائة سنة بيننا و بین زمان أئمّة الإسلام(1) ولم يصلنا من أيّ عالمٍ

ص: 211


1- الأئمّة الذين يقصدهم الشيخ سليمان هم الأئمّة الأربعة عند أهل السنّة و غيرهم ممّن يحتجّ أهل السنّة بأقوالهم. أمّا المقصود بالثمانمائة سنة فهي الفترة الفاصلة بين القرن الثالث و القرن الثاني عشر الذي ظهر فيه الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب

من علماء الإسلام ما يفيد اعتباره هذه الاُمور كفراً، بل لا يمكن لأيّ عاقلٍ أن يتصوّر مثل هذا التصوّر. قسماً بالله إنّ نتيجة كلامكم هي تكفير و ارتداد كلّ الاُمّة الإسلاميّة بعد زمان أحمد بن حنبل سواء في ذلك العلماء منهم أو الاُمراء أو عامّة الناس. إنّا لله و إنّا إليه راجعون. إلى الله المشتكي من أعمالكم، و نعوذ بالله منكم. فهل أنتم معتقدون كما يقول جهّالكم أنّ الحجّة لم تتمّ إلاّ على يدكم، و أنّ دين الإسلام

لم تُعرف حقيقته إلاّ بواسطتكم؟ كفّوا عن هذا الكلام يا عباد الله...(1).

2 - و كتب السيّد أحمد زيني دحلان مفتي مكّة يقول:

كان أحد الذين ألّفوا الكتب في ردّ ابن عبد الوهّاب هو أكبر أساتذته الشيخ محمّد

بن سليمان الكردي. و قد قال موجّهاً كلامه إلى ابن عبد الوهّاب:

إنّي أنصحك لوجه الله أن تكفّ لسانك عن (تكفير) المسلمين. فإذا سمعت شخصاً يقول إنّه يعتقد أنّه عندما يتوسّل و يستغيث إنّما يكون الشخص المستغاث به و مورد التوسّل هو المؤثّر لا الله، فدلّه على الطريق الصحيح و بيّن له بالأدلّة أنّ أيّ شخصٍ و أيّ شيءٍ لا تأثير له ما عدا الله. فإذا امتنع فعند ذلك فقط كفّره. أمّا أن تكفّر أكثريّة المسلمين، فلا سبيل لك إلى ذلك؛ لأنّك بهذا صرت أنت الذي تخالف أكثريّة المسلمين و شذذت عنهم و انفردت، و مَن شذّ هو الأقرب إلى الكفر؛ لأنّه يتّبع طريقاً غير طريق المؤمنين كما قال الله تعالى: «وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا»(2) (3).

ص: 212


1- سليمان بن عبد الوهّاب، الصوعق الإلهيّة، ص 38؛ الفقيهي، علي أصغر، الوهابّيون، ص 240 - 241
2- سورة النساء، الآية 115. و قد اعتبر علماء علم اُصول الفقه من أهل السنّة هذه الآية من أدلّة حجّيّة الإجماع. أمّا مقصود زيني دحالان فهو أنّ محمّد بن عبد الوهّاب قد خالف إجماع علماء الإسلام
3- زيني دحلان، الفتوحات الإسلاميّة بعد مضيّ الفتوحات النبويّة، ج 2، ص 244 - 245

الشيعة هدف سهام تكفير الوهّابيّين و اتّهاماتهم:

يمكن للمراقب أن يلاحظ أنّ أشدّ و أوهن و أكثر الآراء و الأحكام الصادرة عن الوهّابيّين حقداً هي تلك الصادرة منهم ضدّ الشيعة. فقد وضع الوهّابيّون الشيعةً قبل الآخرين هدفاً لسهام اتّهاماتهم و تكفيرهم، ولا يزالون على هذا النهج. و كلامهم عن الشيعة ينضح بالحقد و التعصّب الأعمى و التحامل و اللسعات و الشتائم و الظلم و تحريف الحقائق.

و هنا نكتفي بإيراد بعض النماذج من كلام زعماء الوهّابيّة في هذا المجال:

1- يشير ابن تيميّة إلى الشيعة بعنوان الرافضة، و لا يخفى ما في هذه التسمية من

الطعن، فيقول في أحد مؤلّفاته:

إنّ الشرك وسائر البِدَع تقوم على الكذب و الافتراء، و لهذا نرى أنّ الإنسان كلّما كان بعيداً عن التوحيد و السنّة كلّما كان قريباً من الشرك و اتّباع البِدَع، كما هو حال الرافضة الذين هم أكذب الجماعات من أتباع الآراء و المذاهب و أكثرهم شركاً. ولا يمكن العثور بين أتباع

الآراء و المذاهب على أيّ جماعةٍ أكذب منهم و أبعد عن التوحيد(1). 2- يعتبر الصنعاني طالبي شفاعة النبيّ كفّاراً، بل يعدّ كفرهم كفراً أصليّاً(2).

3- سئل ابن جبرين أحد المفتين السعوديّين الكبار: هل يمكن إعطاء الزكاة لفقراء الشيعة طبقاً لفتاواکم؟ فأجاب: طبقاً لما يراه علماء الإسلام لا يمكن إعطاء الزكاة للكافر، و الشيعة كفّارٌ بلا شكّ(3).

4- أجابت هيئة الإفتاء العليا في المملكة العربيّة السعوديّة على أحد الأسئلة الواردة إليها حول الشيعة، فقالت: كما جاء في السؤال فهؤلاء (الجعفريّة) المنادون بنداء (يا عليّ،

ص: 213


1- ابن تيميّة، اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ص 391
2- محمّد بن إسماعيل الصنعاني، تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد ضمن مجموعة الجامع الفريد، ص 503
3- السيّد محمّد الحسيني القزويني، و هابیت از منظر عقل و شرع، ص 166، نقلاً عن اللؤلؤ المكين من فتاوی فضيلة الشيخ ابن جبرین، ص 39

و یا حسن، و یا حسین) مشرکون و مرتدّون و خارجون عن القانون(1).

خوارج العصر و التكفير:

يشبه الوهّابيّون فرقة الخوارج من عدّة جهات(2). و ربما كان أهمّ أوجه التشابه بين هاتين الفرقتين أنّ كلاهما تعتقدان أنّهما الفرقة المسلمة الوحيدة و ما عداهما من سائر المسلمين كفّار.

فالخوارج الذين أجبروا الإمام عليّ علیه السلام على قبول الهدنة و التحكيم تراجعوا بعد ذلك عن كلامهم و اعتبروا قبول التحكيم خطاً و ذنباً، و عادوا لرفع أعلام الحرب في و جه أمير المؤمنين علیه السلام رافعين شعار (لا حكم إلاّ لله)(3).

ولم يكن لهؤلاء القوم في بداية أمرهم عقائد خاصّة، و اعتراضهم الوحيد على أمير المؤمنين علیه السلام كان ينحصر في قبوله التحكيم، زاعمين عدم جواز تحكيم الأشخاص في دین الله. و كانت جميع آرائهم و أفكارهم تتلخّص في شعار (لا حكم إلاّ لله). إلاّ أنّهم و بالتدريج تحوّلوا إلى جماعة منحرفة و منغلقة و جامدة الفكر و متطرّفة، و بدأوا يضعون لأنفسهم عقائد کلاميّة خاصّة بهم.

و كانت اُصول عقائدهم التي تمحورت حولها كلّ مواقفهم و مجادلاتهم تتمثّل في

ما يلي:

1- إنّ عليّاً و عثمان و عمرو بن العاص

و أبو موسى الأشعري و كلّ مَن اشترك في

حرب الجمل أو رضي بالتحكيم جميعاً كافرون(4).

و أكثر جماعة الخوارج كانوا يعتقدون أنّ ارتكاب الكبائر يوجب الكفر(5)، و مرتکب

الذنب الكبير حتّى و إن كان مؤمناً قلبيّاً و مقيماً للصلاة فهو كافر يحلّ دمه و ماله.

و هكذا شكل موضوع (الكفر) و (الإيمان) أساس تفكيرهم، و فسّروا هاتین

ص: 214


1- المصدر نفسه، ص 170، نقلاً عن: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء، ج 3، ص 374، الفتوى رقم 3008
2- الأمين، السيّد محسن، کشف الارتياب، ص 114 - 126
3- نهج البلاغة، الخطبة 40
4- عبد القاهر البغدادي، الفَرق بين الفِرَق، ص 73
5- المصدر السابق

الكلمتين تفسيراً خاصّاً، و سّعوا فيه حدود دائرة الكفر.

و إثباتاً لما توهّموه من تكفير مرتكب الكبيرة استندوا إلى ظواهر بعض الآيات القرآنيّة - كالآیات 79 من سورة آل عمران، و 87 من سورة يوسف، و 55 من سورة النور - متذرّعين بها لتكفير مخالفيهم، في حين أنّ قليلاً من التدقيق و التدبّر في مضامین الآيات المذكورة كفيلٌ ببيان عدم دلالتها على ما يزعمه الخوارج و بُعدها عن عقيدتهم(1).

و شيئاً فشيئاً و جد الخوارج أنفسهم في موقف يعلنون فيه كفر جميع المسلمين باستثنائهم. و قد جلبت عقیدتهم السخيفة هذه الويلات و المصائب على الاُمّة الإسلاميّة وصارت سبباً لسفك دماء المسلمين بذرائع و اهية.

و لمّا نصّب الخوارج أنفسهم ممثّلين للإسلام و ولاةً الأمره لم يجدوا بدّاً من تكفير أيّ مسلم لا يوافقهم في عقيدتهم، و من ثمّ إراقة دمه. و من نماذج ذلك قتل (عبد لله) ابن (الخبّاب بن الأرتّ)(2) صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و المعروف بالتقوى و الخير و الصلاح(3)، وقد سأله الخوارج بعض الأسئلة عندما صادفوه في الطريق، كان منها سؤاله عن رأيه في عليّ؟ فأجاب بقوله: «إنّ عليّاً أعلم بكتاب الله منكم، و أشدّ توقّياً على دینه، و أبعدُ بصيرةً»، فقتلوه هو و امرأته الحامل بجريرة هذا الجواب(4)، بل بقروا بطن زوجته الحامل(5)، كما قتلوا ثلاث نساء اُخر إحداهما صحابيّة تدعى (اُمّ سنان)(6).

إنّ مراجعة سيرة الوهابيّين و سلوكهم مع باقي المسلمين تبيّن أنّهم لا يختلفون - في ماضيهم و حاضرهم - عن الخوارج سواء من ناحية عقائدهم أم من ناحية ممارساتهم. فهم كالخوارج يرون الجميع كفّاراً باستثناء أنفسهم، ولا يرفّ لهم جفن عند قتل المسلمين. وفي ما يلي نورد ما يؤيّد ذلك:

ص: 215


1- الجعفري، يعقوب، خوارج در تاریخ، ص 255 - 256
2- أعثم الكوفي، الفتوح، ج 4، ص 253
3- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج 1، ص 205
4- ابن عبد ربّه، العقد الفرید، ج 2، ص 390؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 282
5- الخطيب البغدادي، الكتاب نفسه، ص 206؛ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ج 6، ص 46، ابن قتيبة الدينوري، الإمامة و السياسة، ج 1، ص 147
6- الطبري، الكتاب نفسه، ص 46، ابن قتيبة الدينوري، الكتاب نفسه، ص 147

هل المسلمون أشدّ كفراً من اليهود و النصارى؟

و هذا ابن تيميّة الذي سبق أن ذكرنا أنّه قال: (لم يجبر أئمّة أهل السنّة و الجماعة

الناس على قبول آرائهم في الموارد الاجتهاديّة)، نراه يهوي بهراوات تكفيره على رؤوس مخالفي نظريّته، و كأنّه نسي أنّه هو القائل بهذا القول، و يتحدّث عن طلب شفاعة الرسول و الصالحين فيقول: كلّ مَن وضع بينه و بين الله و سطاء يدعوهم و يطلب شفاعتهم و يتوسّل بهم، يعدّ كافراً بالإجماع(1).

ولا يخفى وجوب التذكير بأنّ مَن يتوسّل بالرسول و الصالحين لا يتوسّل بهم، بل إنّه لمّا كان مسلماً يتوسّل بالله الواحد و يتّخذ هؤلاء وسيلة. و ما هذه إلاّ تهمة يحاول ابن تيميّة و أتباعه إلصاقها بالمسلمين.

يقول أحد الكتّاب الوهابيّين تعليقاً على كلام ابن تيميّة حول مراسم تکریم الرسول و إحياء ذكرى ميلاده: ما أحدث هذه الأعياد الشركيّة إلاّ العبيديّون (الفاطميّون) الذين أجمعت الاُمّة على زندقتهم وأنّهم كانوا أكفر من اليهود و النصاری، و أنّهم كانوا و بالاً على المسلمين(2).

لقد فسّر الوهّابيّون موضوع (التوحيد) و (الشرك) على طريقتهم الخاصّة، واعتبروا جميع المسلمين كفّاراً عدا جماعتهم. و استندوا إلى ظواهر بعض الآيات من القرآن الكريم - مع أنّها خاصّة بالوثنيّين و المشرکین - فطبّقوها على المسلمين. و ربما يتصوّر بعض مَن لا اطّلاع له على تفكير و عقائد هذه الجماعة بصورةٍ دقيقة أنّ في كلامنا بعض المبالغة و التعصّب في إصدار الأحكام، لكنّ مراجعة الوثائق و الأدّلة التاريخيّة الخاصّة بهذه الجماعة - و خصوصاً ما ورد في عبارات العلماء المعاصرين لزعماء الوهّابيّة أو القريبين من عصرهم - يثبت هذا المعنى بما لا يحتاج إلى مزيد التوضيح.

عواقب تكفير المسلمين على يد الوهّابيّة: ممّا لا شكّ فيه أنّ تفكير التكفيريّين له عواقب وخيمة مهلكة و خطيرة، نشير إلى

ص: 216


1- القواعد الواسطيّة ضمن مجموعة التوحید، ص 93
2- ابن تيميّة، اقتضاء الصراط المستقيم، ص 294، التعليقة

بعضٍ منها في ما يأتي:

1- مذبحة مسلمي مدينة الطائف:

كان أحمد زيني دحلان (1231 - 1304 ه) فقيهاً و مفتياً للشافعيّة في مكّة، و كانت ولادته بعض مضّي خمسٍ و عشرون عاماً بعد وفاة محمّد بن عبد الوهّاب (1205 ه). و على هذا يمكن اعتباره قريباً من عصره. وقد كتب هذا الرجل حول التكفيريّين الوهّابيّين في مكّة و نجد و أطرافهما يقول:

«وكانوا إذا أراد أحد أن يتبعهم على دينهم - طوعاً أو كرهاً - يأمرونه بالإتيان بالشهادتين أوّلاً ثمّ يقولون له: اشهد على نفسك أنّك كنت کافراً، و اشهد على و الديك أنّهما ماتا کافرین، و اشهد على فلان و فلان أنّه كان كافراً، و يسمّون له جماعةً من أكابر العلماء الماضين. فإن شهدوا بذلك قبلوهم، و إلاّ أمروا بقتلهم. و كانوا يصرّحون بتكفير الاُمّة منذ ستمائة سنة. و أوّل مَن صرّح بذلك

محمّد بن عبد الوهّاب، فاتّبعوه على ذلك.

و إذا دخل إنسان في دينهم و كان قد حجّ حجّة الإسلام قبل ذلك، يقولون له: حجّ ثانياً، فإنّ حجّتك الاُولى فعلتها و أنت مشرك، فلا تسقط عنك الحجّ. و يسمّون مَن اتّبعهم من الخارج المهاجرين، و مَن كانوا من أهل المنطقة يسمّونهم بالأنصار. و الظاهر من حال محمّد بن عبد الوهّاب أ نّه يدّعي النبوّة؛ إلاّ أنّه ما قدر على إظهار التصريح بذلك، و كان في

أوّل أمره مولعاً بمطالعة أخبار مَن ادّعى النبوّة كاذباً»(1).

و يقول زيني دحلان في و احدٍ آخر من مؤلّفاته: شنّ الوهّابيّون في العام 1217 حملةً على الطائف بجيشٍ

جرّار، و حاصروا هذه البلدة في شهر ذي القعدة من ذلك العام، ثمّ احتلّوا

ص: 217


1- زيني دحلان، الدرر السنّية في الرد على الوهّابيّة، ص 50

المدينة و قتلوا أهاليها من نساء و رجال و كبار وصغار، و لم ينجُ إلاّ عددٌ ضئيل من سكّان المدينة، و سلبوا كلّ ما في المدينة من أموالٍ و ودائع(1).

2- الهجوم على كربلاء تحت شعار اقتلوا المشرکین:

ينقل الميرزا أبو طالب خان الذي زار مدينة كربلاء بعد أحد عشر شهراً من وقوع هجوم الوهّابيّين على المدينة(2) أنّ شعار الوهّابيّين حين هجومهم على هذه المدينة و إراقة دماء مسلميها هو: (اقتلوا المشرکین) و (اذبحوا الكافرين)، حيث كتب عن ذلك قائلاً:

- الثامن عشر من ذي الحجّة يصادف يوم غدیر خم حيث يسافر أكثر أهل كربلاء المحترمين إلى النجف لأداء الزيارة المخصوصة، و إذا بحوالي الخمسة و العشرون ألف و هّابي يصلون أطراف مدينة كربلاء ممتطين خيولهم العربيّة و جمالهم الأصيلة. و لمّا كان بعضهم قد دخل قبل ذلك إلى المدينة بلباس الزوّار، و كان حاكم المدينة عمر آغا تجمعه و إيّاهم لغةٌ مشتركة(3) بسبب ميوله الطائفيّة السنّيّة، شرعوا بهجومهم الأوّل من داخل المدينة مردّدين شعارات (اقتلوا المشركين) و (اذبحوا الكافرين)، في حين هرب عمر آغا إلى إحدى القرى حتّى انتهى به المطاف أن حکم سليمان باشا بقصاصه. و بعد ارتكابهم المذابح و أخذهم الأهالي أسرى حاولوا اقتلاع أحجار القبّة الذهبيّة لكنّهم لم يتمكّنوا من ذلك بسبب قوّة البناء و متانته. و هكذا ذهبوا إلى داخل القبّة و عملوا فيها خراباً و تهديماً بالمعاول و الفؤوس. و ما أنّ حلّ المساء حتّى عادوا إلى وطنهم دون أن يهدّدهم

ص: 218


1- زيني دحلان، الفتوحات الإسلاميّة بعد مضيّ الفتوحات النبويّة، ص 244
2- كان وصوله إلى كربلاء طبقا لما تذكره المصادر التاريخية المتوفرة في شوال سنة 1271 ه
3- بمعنى أنه كان متعاطفة و متواطئة معهم

شيء و دون سببٍ ظاهر. و كانت حصيلة الهجوم أكثر من خمسة آلاف قتيل و ما لا يحصى من الجرحى الذين كان من بينهم المدعو میرزا حسن أحد الاُمراء الإيرانيّين، و الميرزا محمّد الطبيب اللكهنوي، و علي نقي خان اللاهوري مع أخيه، و الميرزا قنبر علي. كما حملوا معهم العبيد و الغلمان و ما تمكّنوا من حمله من الأشياء - خصوصاً الذهب و الفضّة - من الحضرة و سائر سكّان المدينة التي كنسوا ما فيها من الأموال و سلبوا ما وصلت إليه أيديهم. لقد كانت هذه الحادثة من البشاعة بمكان حتّى إنّي عندما وصلت المدينة بعد أحد عشر شهراً من وقوعها كان تأثيرها لا يزال يسيطر على الأهالي إلى الحدّ الذي لم يكن لهم حديث غيرها، و كان رواة و قائعها لا يتمالكون أنفسهم من البكاء أثناء الحديث، أمّا السامع فيقشعّر

جلده و يقف شعر رأسه من هولها. أمّا قتلى هذه الواقعة فأكثرهم قتل بطريقة جبانة، بل عوملوا كخرفان قيّدوا أيديهم و أرجلهم و سلّموهم

إلى قصّاب لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه...(1). و ورد في بعض المصادر التاريخيّة أنّ جيش الوهّابيّين الذي دخل مدينة كربلاء كان يتألف من اثني عشر ألف رجل، و قد دخلوها في وقتٍ كان أكثر أهلها قد غادروها إلى مدينة النجف الأشرف لزيارة أمير المؤمنين علیه السلام بمناسبة عيد الغدير، ولم يبقَ في المدينة إلاّ عددٌ قليل من الأشخاص العاجزين. و قد قتل الوهّابيّون كلّ مَن صادفوه في طريقهم

حتّى وصل عدد القتلى في أحد الأيّام إلى ثلاثة آلاف قتيل. أمّا الأموال التي اغتصبوها من المدينة فلا يمكن وصفها، و يقال إنّ حصيلة ما انتهبوه من المدينة بلغ ما يعادل أحمال مئتي بعير مثقلة بالأموال و البضائع الثمينة(2).

ص: 219


1- مسیر طالبی یا سفرنامه میرزا ابو طالب خان 1219 ه إعداد حسین خدیو جم، ص 408 - 409
2- السيّد محمّد الحسيني القزويني، و هابیت از منظر عقل و شرع، ص 108، نقلاً عن كتاب تاريخ العربيّة السعوديّة ص 126

محنة الحجّاج اليمنيّين:

و من الأدلّة الاُخرى على هذا الموضوع ما ذكره محمّد بن علي الشوكاني (م 1250 ه) الذي كان معاصراً لمحمّد بن عبد الوهّاب. و كان ساكناً في اليمن و تصله تقاریر أعمال محمّد بن عبد الوهّاب و حاكم نجد عبد العزير بن سعود. و عند حديثه عن عبد العزيز بن سعود يبتدئ بمدحه بسبب ما قام به من دفع الناس إلى أداء الصلاة و إقامة شعائر الإسلام في منطقة حكمه، ثمّ ينتقده بلغةٍ خجولة فيقول:

... إلاّ أنّ هؤلاء (أتباع عبد العزيز) يعتقدون أنّ كلّ مَن كان تابعاً لحكومة نجد ولا يطيع أوامره خارجٌ من الإسلام. وقد أخبرني أمير الحجّاج اليمنيّين السيّد محمّد بن حسین مراجل الكبسي أنّ جماعةً من هؤلاء خاطبوه و مرافقيه من الحجّاج اليمنيّين بالكفّار، و قالوا له: لا خیار لكم سوى المثول بين يدَي حاكم نجد لينظر في أمركم و مدی إسلامكم. و قد تمكّن أمير الحاجّ و مرافقوه من الخلاص من قبضتهم

بعد عناءٍ شديد. و هنا لا بدّ من التذكير بتعاون عبد العزيز بن سعود أمير نجد مع محمّد بن عبد

الوهّاب في تلك الفترة، فالأوّل كان الحاكم، و الثاني هو المفتي.

ثمّ يواصل الشوكاني حديثه:

يعتقد بعض الناس أنّ عبد العزيز كان يعتقد بما تعتقده الخوارج، و لكنّي لا أرى صحّة هذا الكلام؛ لأنّ حاكم نجد و جميع أتباعه كانوا يعملون طبقاً لما تعلّموه من محمّد بن عبد الوهّاب الذي كان حنبليّاً تعلّم الحديث في المدينة المنوّرة ثمّ عاد إلى نجد. و كان يعمل طبقاً لما تقتضيه اجتهادات مجموعة من الحنابلة كابن تيميّة و ابن القيّم و أمثالهما(1).

ص: 220


1- الشوكاني، البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع، ج 2، ص 5 - 6

اعتراف أنصار الوهّابيّة بتكفيريّة فرقتهم:

ربما كانت هذه الأدّلة و النماذج التي لا يمكن إنكارها هي التي دفعت المستشرق الهنغاري المشهور (غولدزیهر 1850 - 1921 م) المنحاز في كتاباته إلى الوهابيّين أن يصرّح بتشابه الوهابيّين و الخوارج من جهة جمودهم العقائدي و تكفيرهم للمسلمين، حيث يقول:

... إنّ هدف الوهّابيّين و غايتهم تنحصر في تجديد و إحياء الإسلام الأوبل بنفس صورته الأوّليّة. و هذا الموضوع و إن كان من الناحية النظريّة يجابه غالباً بالموافقة و التسليم من قِبَل العلماء، إلاّ أنّه من الناحية العلميّة لا يترك لأهل السنّة خياراً سوى اعتبارهم جزءاً من الخوارج الذين انشقّوا عن المسلمين... و على هذا يكون الوهّابيّون جماعة خارجة عن نطاق الإسلام التقليدي، و ارتكبوا نفس الأعمال

التي ارتكبها الخوارج في المراحل الاُولى للإسلام(1). و كما أشرنا سابقاً فإنّ بعض أنصار الوهّابيّة لم يجدوا مناصاً من انتقاد تطرّف الوهّابيّين، و كان منهم محمود شكري الآلوسي. فهذا الرجل الذي لا تخفى نزعته الوهّابيّة و الذي ألف كتابه تاریخ نجد بسبب كون نجد هي المنشأ الذي ظهر فيه الأمير سعود و الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب؛ بعد أنّ يشير في هذا الكتاب إلى وفاة الأمير سعود و خلافة ابنه عبد العزيز له و ما حقّقه من النجاحات العسكريّة، يقول:

.. و الواقع أنّه (أي عبد العزيز) قد منع الحجّ، و ثار على السلطان، و أفرط في تكفير مخالفيه، و تشدّد في بعض الأحكام. و النجديّون - أي الوهابيّين بالذات - يحملون الكثير من الاُمور على ظواهرها(2). كما أنّ الناس أيضاً قد أفرطوا في لومهم، في حين كان الإنصاف يقتضي

اختيار الاُسلوب الملائم المعتدل فلا التطرّف و التشدّد اللذين اتّسمت بهما مواقف علماء نجد و أهلها صحيحان كي

ص: 221


1- العقيدة و الشريعة في الإسلام، ص 267
2- ربما كان مقصود الآلوسي هو استناد الوهّابيّين على ظواهر الآيات و الروايات

يسوّغا لهم تسمية هجماتهم على المسلمین جهاداً في سبيل الله، و الوقوف بوجه أداء المسلمين مناسك حجّهم. و لا تساهل أهل العراق و الشامات و غيرهم صحيحاً حتّى صاروا يقسمون بغير الله و يبنون المنشآت المزيّنة بالذهب و الفضّة و الألوان المختلفة على قبور الصالحين، و يقدّمون لها النذور، و كثيرٌ غيرها من الأعمال الاُخرى التي نھی الشارع عنها(1).

و الخلاصة أنّ الإفراط و التفريط في الاُمور الدينيّة لا يليق بالمسلمين، بل الأليق لهم أن يتّبعوا طريقة السلف الصالح. أمّا تكفير المسلم للمسلم فنتيجته شيوع الكراهية و الأحقاد في أوساطهم(2).

خلاصة البحث:

إنّ اهتمام الوهّابيّين و نشاطهم يتمحور حول (الإيمان) و (الكفر) و (التوحيد) و (الشرك)، و لا تنطبق المعايير و الحدود التي وضعوها للكفر و الإيمان على الأحاديث النبويّة و آراء علماء الإسلام الكبار، فهم يعتبرون كلّ مَن خالف عقيدتهم و رأيهم كافراً و مشركاً.

و هذه الجماعة تشبه الخوارج كثيراً من جهة تضييقهم لدائرة الإيمان و توسيعهم دائرة الكفر، و إخراج مخالفيهم من دائرة الإيمان و هدر دمائهم بذرائع و اهية؛ حيث إنّ الوهّابيّين أيضاً يخرجون مخالفيهم من دائرة الإسلام و يهدرون دماءهم، و يتركّز حقدهم و عداءهم في هذا المجال نحو الشيعة.

و هذه المقالة تتكفّل بدراسة مسألة تكفير الوهّابيّين للمسلمين، مع تقديم الأدّلة

العلميّة على بطلان هذا التكفير.

ص: 222


1- القسم بغير الله و بناء القبور و بعض الاُمور الاُخرى التي ذكر الآلوسي حرمتها تناولتها العديد من الكتب الخاصّة بنقد آراء و عقائد الوهّابيّة و أشبعتها بحثاً و إثباتاً لعدم صحّة حرمتها. اُنظر كنموذج من تلك الكتب: آیین و هابیت، آية الله جعفر السبحاني
2- الآلوسي، تاريخ نجد، ص 98

المصادر:

1- القرآن.

2- الآلوسي، محمود شكري؛ تاریخ نجد، القاهرة، المطبعة السلفيّة، الطبعة الثانية،

1347 ه

3- ابن أبي الحديد؛ شرح نهج البلاغة، القاهرة، دار إحياء الكتب العربيّة، الطبعة

الأولى، 1378 ه

4- ابن أعثم الكوفي؛ الفتوح، بیروت، دار الكتب العلميّة، الطبعة الأولى، 1406 ه

5- ابن تيميّة؛ اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحیم، بیروت، دار

الفكر.

6- -----------، الفتاوی الکبری، بیروت، دار القلم، الطبعة الأولى، 1407 ه

7- ابن عبد ربّه؛ العقد الفرید، بیروت، دار الكتاب العربي، 1403 ه

8- ابن قتيبة الدينوري؛ الإمامة و السياسة، القاهرة، مكتبة مصطفى البابي الحلبي،

الطبعة الثالثة، 1382 ه

9- ابن قدامة؛ المغني، مصر، بیروت، دار الكتاب العربي، 1403 ه

10- ابن قيّم الجوزيّة؛ أعلام الموقعين، بیروت، دار الجيل، 1973 م.

11- ----------، زاد المعاد في هدي خير العباد، بیروت، دار إحياء التراث

العربي، دون تاریخ.

12- ابن ماجة؛ سنن ابن ماجة، تحقيق إبراهيم عطوة عوض، بیروت، دار إحياء

التراث العربي.

13- أبو داود السجستاني؛ سنن أبي داود، بیروت، دار الفكر.

14- أحمد بن حنبل، مسند أحمد، بیروت، دار الفكر.

15- الأشعري، أبو الحسن عليّ بن إسماعيل؛ مقالات الإسلاميّين و اختلاف

المصلّين، ترجمة الدكتور محسن المؤيّدي، طهران، انتشارات امیر کبیر، 1362 ش.

ص: 223

16- الأمين، السيّد محسن؛ کشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهّاب،

بیروت، دار الغدير.

17- البخاري، إسماعيل؛ صحيح البخاري، شرح الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي،

بیروت، دار القلم، 1407 ه

18- البغدادي، عبد القاهرة الفَرق بين الفِرَق، بیروت، دار المعرفة.

19- الترمذي، محمّد؛ سنن الترمذي (الجامع الصحيح)، تحقيق أحمد محمّد شاکر،

بیروت، دار إحياء التراث العربي.

20- التفتازاني، مسعود بن عمر؛ شرح المقاصد، منشورات الشريف الرضي، 1409 ه

21- الجعفري، يعقوب؛ خوارج در تاریخ = الخوارج في التاريخ، طهران، مكتب

انتشارات الثقافة الإسلاميّة، الطبعة الأولى، 1371 ش.

22- الحسيني القزويني، السيّد محمّد؛ وهابیت از منظر عقل و شرع = الوهّابيّة من

منظار العقل و الشرع، قم، مؤسّسة تحقيقات وليّ العصر (عج)، دون تاریخ.

23- الخطيب البغدادي؛ تاریخ بغداد، بیروت، دار الكتاب العربي.

24- خلف شیخ خزعل، حسین؛ تاريخ الجزيرة العربيّة في عصر الشيخ محمّد بن

عبد الوهّاب، بیروت، دار الهلال

25- الذهبي، شمس الدين؛ الكبائر، الطائف، مكتبة المؤيّد، الطبعة الثالثة، 1411 ه

26- زيني دحلان، الدرر السنيّة في الردّ على الوهّابيّة، القاهرة، مكتبة مصطفی

البابي الحلبي، الطبعة الثالثة، 1386 ه.

27- -----------، الفتوحات الإسلاميّة بعد مضيّ الفتوحات النبويّة،

القاهرة، المكتبة التجاريّة الكبرى.

28- سليمان بن عبد الوهّاب؛ الصواعق الإلهيّة، اسطنبول، مکتبة إيشيق، الطبعة

الثالثة، 1397 ه

29- الشوكاني، محمّد علي؛ البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع، بیروت،

دار المعرفة.

ص: 224

30- ----------، نيل الأوطار، بیروت، دار الجيل.

31- الصنعاني، ابن الأمير؛ تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، ضمن مجموعة

(الجامع الفريد)، المدينة.

32- الطبري، تاريخ الأُمم و الملوك، بیروت، دار القاموس الحديث، دون تاریخ.

33- غولدزیهر؛ العقيدة و الشريعة في الإسلام، تعريب الدكتور محمّد یوسف

موسی و آخرين، القاهرة، دار الكتب الحديثة، الطبعة الثانية.

34- الفخر الرازي، محمّد بن عمر؛ محصّل أفكار المتقدّمين و المتأخّرين من

العلماء و الحكماء و المتكلّمين، بیروت، دار الكتاب العربي، الطبعة الاُولى، 1404 ه

35- الفقيهي، علي أصغر؛ وهّابیان = الوهّابيّون، قم، انتشارات إسماعيليّان، الطبعة

الثانية، 1363 ش.

36- المتّقي الهندي؛ کنز العمّال، حلب، مكتبة التراث العلمي.

37- محمّد بن عبد الوهّاب؛ مجموعة التوحید، بیروت، دار الفكر.

38- میرزا أبو طالب خان؛ مسیر طالبی یا سفرنامه میرزا ابو طالب خان = المسيرة الطالبيّة أو رحلة الميرزا أبو طالب خان (1299 ه)، إعداد حسین خدیو جم، طهران، الطبعة الثانية، 1363، مؤسّسة انتشارات و تعليم الثورة الإسلاميّة.

39- النسائي، حافظ؛ سنن النسائي، شرح الحافظ جلال الدين السيوطي، بیروت، دار

إحياء التراث العربي، دون تاریخ.

40- النيسابوري، مسلم؛ صحیح مسلم، شرح الإمام النووي، بیروت، دار الفكر، 1401 ه

ص: 225

ص: 226

أصول منهجيّة السلفيّة

تأليف: أبو الفضل الغفّاريّ(1)

ترجمة: جعفر الحكيم

نبذة:

إنّ خصائص منهجيّة السلفيّة المعاصرة جعلت هذا التيّار في وضع معرفيّ و عمليّ خاصّ يختلف عن أهل السنة كما تختلف تداعيات هذا الوضع على الصعيد النظريّ و العمليّ. يتبيّن من خلال مراجعة أهمّ العقائد السلفيّة - وهي الرجوع المباشر إلى القرآن دون واسطة - بأنّه هي بذاتها ما أوجدت الراديكاليّة و التطرّف في داخل العالم الإسلاميّ و خارجه. فقد همّشت منهجيّة السلفيّة - و خصوصاً السلفيّة الجهاديّة - العقل من خلال تأكيدها على الالتزام بفهم منهج السلف الصالح و الأخذ المتطرّف بالظواهر، و قد تأتّي من ذلك عدة نتائج مهمّة؛ من قبيل إيجاد تغيّرات سياسيّة و اجتماعيّة و ثقافيّة؛ أهمّها هي الإعادة الحتميّة لإنتاج العنف على يد هذا التيّار تحت شعار الجهاد. و يتعرّض هذا المقال إلى سوابق منهجيّة السلفيّة، و أصول منهجيّة الفكر السلفيّ و كذلك يتناول تصانیف التيّارات السلفيّة المعاصرة، هذا إضافة إلى مناقشة النتائج التي أدّت بشكل تلقائيّ - و على أساس أصول منهجيّة السلفيّة - إلى الإعادة الحتميّة لإنتاج العنف تحت مسمّى أصل الجهاد العمليّ.

الكلمات المفتاحية: المنهجيّة، السلفيّة، الراديكاليّة، التطرّف، العنف، الجهاد.

ص: 227


1- الكاتب المسؤول: طالب دكتوراه العلوم السياسيّة في جامعة باقر العلوم علیه السلام

المقدّمة:

لقد اختار السلفيّون منهجيّة خاصّة لبحث وفهم الدين و التي تنصّ - بحسب ما يرى هؤلاء - على ضرورة و وجوب الرجوع إلى القرآن و السنّة و سيرة المسلمين الأوائل لمعرفة الشريعة بشكل صحيح و هذه الرؤية تولّد نتائج مختلفة على الصعيد النظريّ و العمليّ نظراً إلى منهجيّتها الخاصّة. فالسلفيّة متزمّتة و متشدّدة في أنّ مصادر التشريع الإسلاميّ هي: الكتاب و السنّة و منهج السلف الصالح، بينما يعتبر أهل السنة مصادر الشريعة من حيث المنهجيّة عبارة عن الكتاب و السنّة و الإجماع و القياس و المصالح المرسلة و سدّ الذرائع و ... فهذه المنهجيّة و نظراً إلى تضمّنها القول بضرورة الرجوع المباشر و من دون واسطة إلى القرآن؛ تمهّد في حدّ ذاتها الأرضيّة لورود الأشخاص غير ذوي الخبرة إلى هذا المجال، بحيث تؤدّي إلى تناميو جود فهم و استنتاجات من قد تأثّر بالظروف و القضايا و المشاكل السياسيّة و الاجتماعيّة التي تحيط به، و هذا قد يؤدّي إلى انفتاح الأبواب أمام الاستنباطات الطائشة و الطلبات غير الشاملة و الأساليب الحرفيّة الضيّقة و الفهم غير المنهجيّ و الهواجس المنبعثة عن العقد الاجتماعيّة المكبوتة؛ و التي تفسح المجال للعنف و الراديكاليّة و التطرّف. تجلب هذه الأمور معها تداعيات مهمّة على صعيد التحوّلات السياسيّة و الاجتماعيّة و الثقافيّة؛ أهمّها هو تعطيل الفقه أو تقليص دوره - كحدّ أدنى - إلى دور جمع و تبويب الأحاديث لا غير. و على هذا النحو تزول إمكانيّة الاجتهاد و الفهم الاجتهاديّ و تتلاشى الواسطة من أولي الخبرة في فهم النصوص، فينتهي الأمر إلى إنتاج العنف تحت شعار الجهاد.

المنهجيّة هي الجزء المقوّم لكلّ فكر؛ بما فيه الفكر السياسيّ. فإنّ انعدام المنهجيّة أو اصطناع منهج لا يستند على قوانين و قواعد العلم و الفكر محلّ البحث؛ سيجلب معه نوعاً من الفوضى في الفهم و سيمهّد لظهور مناهج خطيرة في فهم النصوص. و نظراً إلى أهميّة مسألة المنهجيّة و تأثيرها المباشر في معرفة الأسس الفكريّة للتيّارات التكفيريّة، فإنّ هذا المقال يعمل على تبيين العلاقة بين منهجيّة السلفيّة و بين إنتاج العنف، و بعبارة أخرى يدرس هذا المقال تداعيات الالتزام أو عدم الالتزام بالمنهجيّة المطلوبة في التيّارات التكفيريّة.

ص: 228

1. تصنيف التيّارات السلفيّة

السلف في اللغة بمعنى السابق و كما قال ابن فارس؛ إنّ السلف هو أصل يدلّ على التقدّم و السبق. فالسلف هم من كانوا في الماضي(1). و لكن المعنى المصطلح للسلف قد بيّنه المنظّرون السلفيّون بعدّة صور؛ نشير إلى بعضها: يقول ابن تيميّة بأنّ السلف هم خير من عاش في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام، و هم أصحاب جميع الفضائل، و هم أولى من غيرهم بالبيان لكلّ مشكلة و هم الصحابة و التابعين و تابعي التابعين(2). كما لابن قيّم الجوزيّة بحث في كتابه أعلام الموقعين تحت عنوان «في جواز الفتوى بالآثار السلفيّة و الفتاوى الصحابيّة» يدعو فيه المسلمين إلى اتّباع الأوائل ممّن اعتنق الإسلام من المهاجرين و الأنصار و ذلك استناداً إلى الآية 100 من سورة التوبة(3). و أمّا الدليل الأهمّ عند السلفيّة في إقرار مشروعيّة السلف هو حديث «الخيرة» المروي عندهم عن نبي الإسلام صلی الله علیه وو آله وسلم بأنّه قال:

«خير الناس قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ يجيء أقوام

تسبق شهادة أحدهم يمينه و یمینه شهادته»(4). حيث اعتبر السلفيّون من خلال الاستناد على هذا الحديث، أنّ القرون الثلاثة الأولى

من الإسلام هي خير القرون، و لذلك قالوا بثبوت المرجعيّة في مختلف الأبعاد لمن عاش في هذه الثلاثة(5). و السلفيّة ظاهرة طارئة غير مرغوب فيها، تدّعي انحصار الإسلام بها، و تعتبر جميع ما عداها كفّاراً، و الحال أنّ ابتداع مذهب باسم السلفيّة و تكفير سائر المذاهب هو في نفسه بدعة لا تتلاءم و دعوى اتّباع السلف(6).

ص: 229


1- أحمد بن فارس، معجم مقاییس اللغة، ج 3، ص 95
2- أحمد بن عبدالحليم، ابن تيميّة، مجموعة الفتاوی، ج 4، ص 96
3- ابن قيّم، أعلام الموقعین، ج 5، ص 543 - 556
4- صحيح البخاري، ص 645 و مسند أحمد بن حنبل، ج 7، ص 199 - 200
5- مهدي عليزاده موسوي، تبار شناسي سلفي گري و وهابیت، ص 32
6- راجع: محمد سعيد رمضان البوطي، سلفيه بدعت یا مذهب (السلفية مرحلة زمنية مباركة لامذهبإسلام)، ترجمه إلى الفارسيّة: حسین صابري، ص 16

بالرغم من اشتراك التيّارات السلفيّة المختلفة في المنشأ و الماضي إلاّ أنّ العوامل الثلاثة؛ وهي: «العقيدة» و «السياسة» و «أسلوب تحقيق الهدف» قد أدّت إلى تمایز التيّارات السلفيّة بعضها عن البعض؛ حيث يوجد اختلاف في العقائد حول تعيين المصدر المعرفيّ؛ فهل هو الحديث، أو ينبغي مراجعة النصّ مباشرة، و كذلك ففي مدرسة

«دیوبند» هناك اختلاف حول اعتبارهم لأصلي الطريقة و الشريعة.

وكذلك هناك اختلاف حول الأمور السياسيّة؛ مثل حدود المشاركة السياسيّة و طريقة التعامل مع الحكومة و طريقة التعامل مع المسلمين و غير المسلمين. كما يدور هذا الاختلاف أيضاً حول طريقة تحقيق الأهداف؛ مثل الاغتيال و العنف و الجهاد بافتراض أنّه هل ينبغي للمسلمين أن يصرفوا همّهم إلى الجهاد أم إلى الدعوة و الأسلوب الدعوي، أي؛ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و المعروف الأهمّ هو التوحيد و الخروج من الشرك و تختلف وجهات النظر بين أصناف الفكر السلفيّ في كلّ من هذه الموضوعات.

على أساس هذه المعايير؛ يمكن تقسيم التيّارات السلفيّة إلى عدّة تيارات:

1-1. السلفيّة التكفيريّة

تعود سابقة التكفير إلى القرن الأول من الهجرة تزامناً مع ظهور الخوارج، فقد كانت قضيّة الكفر و الإيمان محور اهتمامهم الرئيس، حيث تتمتّع هذه القضيّة بآثار سیاسيّة مهمّة من جهة تمتّع الأفراد بالحقوق المنبثقة من انتمائهم إلى المجتمع الإسلاميّ؛ كحرمة الدمّ و المال و حقّ الحياة في المجتمع الإسلاميّ، و العقيدة الأخرى لدى الخوارج هي نفي الحكومة على أساس الفهم الخاطئ للآية «إن الحكم إلّا لله»(1) حيث ينبغي - بحسب رأي الخوارج - أن يحكم الله هذا العالم مباشرة. كما كان الخوارج - بناءً على قضيّة الإيمان و الكفر - يعدّون مرتكب الكبيرة كافراً، فكانوا يخرجون الفرد من المجتمع الإسلاميّ بمجرّد ارتكابه للكبيرة. و كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً في جميع مراتبه، و شمل هذا تشديد الرقابة على السلوك الفرديّ و الاجتماعيّ بين أفراد المجتمع، كما اعتبروا أنّ وجوب الخروج على الحاكم الجائر و قتاله أحد مراتب الأمر

ص: 230


1- سورة يوسف، 40

بالمعروف و النهي عن المنكر. فبناءً على هذه التعاليم يمكن أن نعدّد خصائص منهجيّة الخوارج على النحو التالي: الالتزام بالتعاليم الدينيّة المنقولة و تجنّب الرجوع إلى العقل، الأخذ بالظواهر الدينيّة و رفض أيّ نوع من التفسير و التأويل، العملانيّة الشديدة في الفكر و تقدّم العمل على النظريّة، خاتمة تقديس السلطة السياسيّة بعد وفاة النبيّ و انتقاله إلى كلّ المجتمع المسلم. و ممّا لفت أنظار الباحثين المسلمين و كذلك المستشرقين؛ اعتقاد الخوارج بالديموقراطيّة الشاملة و المتطرّفة التي تعتقد بمساواة جميع المسلمين في أمر الحكم و كذلك الفوضويّة.

أما في عصرنا الحاضر نجد أنّ السلفيّة التكفيريّة و اعتماداً على تعاليم الخوارج تعتبر مرتكب الكبيرة كافراً، كما يعدّون كلّ من خالفهم في ذمة الكفّار، حيث يعتقدون بوجود نوع من التلازم بين الإيمان و العمل. فلا يميّز هذا التيّار بين الكفّار و بین المسلمين شيعة كانوا أو سنّة؛ بل يعتبرهم جميعاً مستحقّين للموت(1).

وطبعاً يجب أن نشير إلى أنّ الغرب قد وجد ضالته فاستفاد من الفرصة المتمثّلة في هذه التيارات لمجابهة تزايد المدّ الإسلاميّ في الغرب؛ فواصل العمل في مشروعه المعادي للإسلام من خلال استغلال هذه التيّارات.

1-2. السلفيّة الجهاديّة

استقت السلفيّة الجهاديّة جذورها أوّلاً من أفكار أبي الأعلى المودوديّ، فإنّ حمید عنایت يرى أنّ حصيلة نظريّة التمهيد للثورة الإسلاميّة للمودوديّ، هي أنّ الحكومة الإسلاميّة سوف تحجم و تنهار لا محالة إذا ما لم تستند إلى ثورة إسلاميّة(2). ثمّ يستقي هذا التيّار من أفكار سيّد قطب الذي سمّى جميع المجتمعات مجتمعات جاهليّة. كما تأثرت السلفيّة الجهاديّة بمحمّد عبد السلام الذي طرح قضيّة (الفريضة الغائبة)، و هكذا أضحى مفهوم الجهاد يُذكر على أنّه أحد شروط العودة إلى عصر العظمة الإسلاميّة، و للجهاد في نظرهم جانبان؛ أحدهما الجهاد الداخليّ، و الآخر جهاد العدوّ الخارجيّ، كما

ص: 231


1- سید مهدی علیزاده موسوي، المصدر نفسه، ص 96
2- حمید عنایت، اندیشه سیاسی در اسلام معاصر، ترجمة إلى الفارسيّة: بهاء الدین خرمشاهي، ص 178 - 196

روّجوا لعقيدة توجب على كلّ مسلم أن يجاهد في كلّ سنّة أو أن يتكفّل بمؤونة جنديّ

المدّة اثني عشر شهراً.

كما يصف عبد اللطيف الهرماسي السلفيّة الجهاديّة بقوله:

«لم تعطِ السلفيّة الجهاديّة في نشاطها قيمة للتعريف الدارج بين العلماء المسلمين من حيث تقسيم العالم إلى إسلام و کفر و إنّما قامت بإخراج نسبة كبيرة من المسلمين من دائرة الإسلام بتوسعتها لمفهوم الشرك والكفر، و من جهة أخرى أعطت نشاطاتها لوناً سياسيّاً و صار منهجها في الكفاح هو الجهاد و لتبرير هذا المنهج اضطرّت إلى إصدار

أحكام الكفر و الارتداد على من خالفها(1).

وتنتمي كلّ من تيّارات بن لادن و طالبان و جبهة النصرة و التيّارات التي تعمل ضدّ

سوريا و العراق إلى السلفيّة الجهاديّة.

حيث ترى هذه الفرق وجوب الجهاد، كما أنّ أحد أصولها العقائديّة ينصّ على لزوم إقامة حكومة إسلاميّة بواسطة الجهاد، لذا نجد أنّ هذا التيّارات تميل إلى التطرّف و الراديكاليّة كما لعبت الدور الأول في تنفيذ جرائم متطرّفة و ارتكاب مجازر عنيفة على مستوى العالم.

1-3. السلفيّة الدعويّة

السلفيّة الدعويّة هي أحد أنواع الفكر السلفيّ، و قد اتّخذت من الدعوة إلى أفكارها و أسس السلفيّة محوراً لنشاطها، و يسعى هذا التيّار إلى عولمة الفكر السلفيّ من خلال استخدام تقنيّات الاتصال المتطوّرة، و تعمل على تحقيق أهدافها من خلال الترويج لأسس السلفيّة من قبيل الحديثيّة، و السلفيّة، و التوحيد و الشرك و الإيمان و الكفر من

جهة، و من جهة أخرى عبر إلغاء عقيدة سائر المسلمين بإلقاء الشبهات(2).

وقد أحدث هذا التيّار نوعاً من الإسلام السلفيّ المتّصل بالأنترنت من خلال اقتحام میادین المجال الافتراضيّ و استخدامها، حيث أوجدوا صلة وثيقة بين فكرة الإسلام

ص: 232


1- راجع: عبد اللطيف الهرماسيّ، حوار مع سویس اینفو
2- سيد مهدي عليزاده موسوي، المصدر نفسه، ص 100

السلفيّ و العولمة من خلال استخدام شبكات التواصل الاجتماعيّ الافتراضيّة و المواقع على الأنترنت. كما أنّ أحد نماذج هذا التيّار السلفيّ الدعويّ؛ هي جماعة الدعوة التي تعتمد على أسلوب الدعوة وجهاً لوجه، حيث إنّ لهذا التيّار نشاط في إيران أيضاً. كما اتخذت جماعة أهل القرآن في باكستان من منهج السلفيّة الدعويّة مسلكاً لها.

2. السيرة التاريخيّة لمنهجيّة التيّارات السلفيّة

ينبغي تتّبع جذور المنهجيّة السلفيّة في التيّار الظاهريّ. وقد بدأ هذا التيّار على يد أحمد بن حنبل (م 241)، حيث جعلوا الحديث ملاكاً لفهم الوحي بدلاً من كون الوحي هو المعيار لمعرفة الحقّ، و فرضوا على القرآن ما جنوه من الحديث، و بذلك قد فرضوا آراءهم الشخصيّة على القرآن(1). وبظهور الأشاعرة فقد هذا التيّار رونقه شيئاً فشيئاً غير أنّه لم يتلاش تماماً. ثمّ ازدهر هذا التيّار الذي يرى أنّ لغة الدين جافّة لا مرونة فيها مرّة أخرى في القرن الثامن الهجري على ابن تيميّة (المتوفّى عام 728 ه) و أسّس ابن تيميّة على أساس رؤيته للروايات و الآيات خطّاً انحرافيّاً سلکه تلامذته لاحقاً، و من جملة عقائد ابن تيميّة التي تركت بصمات لا يمكن التغاضي عنها على المنهجيّة السلفيّة؛ النقاط الآتية:

رفض البرهان العقليّ: أحد الأسس الفكريّة لابن تيميّة هي رفض البرهان العقليّ و من هذا المنطلق نشأ اعتقاده بجسمانيّة الله. فكان يرى أنّ الموجود القائم بنفسه غير القابل للإشارة الحسيّة و غير المرئيّ لا وجود له في الخارج و ليس إلاّ مخلوقاً للذهن:

«وأمّا إثبات موجود قائم بنفسه لا يشار إليه ولا يكون داخل العالم و لا خارجه، فهذا

ممّا يعلم العقل استحالته... و بطلانه(2)».

فقد خلط ابن تيميّة بسبب منهجه الحسّيّ بين معايير الموجود المادّيّ و غير المادّي، لأنّ الرؤية إن فُسّرت بمعنى الإدراك الحسّي، إنّما تستلزم الجسمانيّة. و لذلك فقد قال بأنّ لله عزوجل جسماً. و بما أنّه كان ذا منهج حسّيّ، نجده قد اقتصر على الظواهر ولم يتعدّ هذه المرحلة. و يؤكّد ابن تيميّة في كتابه «نقض المنطق» على انحصار الاعتبار بالحسّ

ص: 233


1- راجع: جعفر السبحاني، بحوث في الملل و النحل، ص 268 - 278
2- أحمد بن عبد الحليم بن تيميّة، منهاج السنّة النبويّة، ج 2، ص 334

المشهود. و برفضه لقيمة القياس البرهاني لم يدع للعقل مجالاً في تطوير العلوم و أصبح الحسّ و الاستقراء اللاعب الرئيس في هذا المجال(1).

فكانت حصيلة هذه الرؤية الحسّيّة، أنّ يقوم ابن تيميّة بتشبيه الله عزوجل بالأجسام و

المخلوقات التي لها يد و عين و أذن و أنّه جالس على العرش.

الاعتماد المفرط على النقل: في امتداد الخصلة السابق ذكرها، نجد أنّ ابن تيميّة يعاني و تلامذته و أتباعه من اعتماد مفرط على النقل، و هذا ما جعل ابن تيميّة يؤسّس منهجه على ثلاث أسس؛ هي: محاربة الفلسفة و المنطق، و محاربة علم الكلام، و الاعتماد على النقل السلفيّ(2). فقد هاجم ابن تيميّة الفلسفة و المنطق بشدّة في كتابه «الردّ على المنطقيّين» و نهى المسلمين عن تعلّمهما و اعتبر اليونان هي منشأ المنطق(3). و كذا نجده يناهض علم الكلام بشدّة في كتابه «الفتوى الحمويّة الكبری» و يتّهم المتكلّمين بترجیح قول الخلف على السلف، و يرى أنّ فعلهم هذا قد أدّى بهم إلى جهل مضاعف، كما اعتبر ابن تيميّة أصحاب علم الكلام أكثر الناس حيرة حين الموت(4). لذا، و کنتيجة لتوجّهه المعارض للعقل؛ نجده يعتمد النقل في جميع مجالات الإلهيّات و الأحكام و الأخلاق و أصول الدين، ولا يعتبر الرجوع مشروعاً إلاّ إلى الكتاب و السنّة، و هذا ما أدّى به إلى السلفيّة و الماضويّة التي أعادت تمهيد الطريق أمام الجمود على الظواهر بدلاً من الالتفات إلى عناصر الزمان و المكان و الاجتهاد في فهم الدين.

التعصّب غير اللائق: إنّ التعصّب المذهبيّ الشديد هو إحدى العقائد التي تركت أثراً عميقاً على منهجيّة ابن تيميّة و التيّارات التكفيريّة، بحيث يبيح لأصحابه رمي الآخرين بتهمة الكفر و الشرك بكلّ يسر. و في هذا الصدد نرى أنّ ابن تيميّة كان يعادي التشيّع معاداة بالغة، و قد بيّن آراءه عن الشيعة في كتابي «منهاج السنّة النبويّة في النقض على الرافضة و القدريّة» و «رأس الحسين». حيث ألّف كتاب منهاج السنّة في مقابل کتاب

ص: 234


1- يراجع: أحمد بن عبد الحليم ابن تيميّة، نقض المنطق، ص 200 - 205
2- مهدي عليزاده موسوي، المصدر نفسه، ص 259
3- راجع: أحمد بن عبد الحليم ابن تيميّة، الرد على المنطقيّين، ص 124 - 159
4- راجع: ابن تيميّة، الفتوى الحمويّة الكبرى، ص 191 - 195

منهاج الكرامة للعلّامة الحلّي، و قد تهجّم فيه على الشيعة و نسب إليهم كذباً و بهتاناً أموراً لا تصحّ(1). كما أضاف ابن تيميّة إلى مدرسته القول بأنّ زيارة القبور و التوسّل بأهل البيت علیهم السلام شرك و غير ذلك، بل و نفي فضائلهم، فقد استعرض ابن تيميّة رؤية مختلفة في الأمور الدينيّة. و بالرغم من عدم اكتساب أفكاره و آرائه اهتماماً واسعاً، إلاّ أنّها صارت أساساً لأفكار محمّد بن عبد الوهّاب النجديّ في القرن الثاني عشر الهجريّ.

وكنتيجة لهذه التعصّبات و العقائد غير السليمة و المضلّة، تسبّبت السلفيّة في نجد و بزعامة محمّد بن عبد الوهّاب (المتوفّى عام 1207 ه) في تصاعد موجة التطرّف و التشدّد و إلى أن وصلت شيئاً فشيئاً إلى تكفير جميع المسلمين و وسم المذاهب الأخرى بأهل البدعة، كما ادّعت أنّ الإسلام الأصيل كان لدى السلف، و أنّ فهمهم للكتاب و السنّة حجّة على الجميع، و أنّ كلّ من يعدل عن هذا المنهج فهو مبتدع و خارج عن دین الإسلام. بل نجد أنّ محمّد بن عبد الوهّاب قد حكم في كتابه «کشف الشبهات» بارتداد جميع المسلمين عن الإسلام، و بالنتيجة، أصدر فتوى بجواز قتلهم، و اعتبر جميع مسلمي عصره كفّاراً. فكان هذا الكتاب أساساً لإباحة دماء و أموال و أعراض المسلمين و تسبّب في وقوع الكثير من المجازر. فخلافاً لابن تيميّة الذي كان نشطاً في المجال النظريّ؛ فإنّ محمّد بن عبد الوهّاب أدخل السلفيّة في ميدان العمل و اعتبر المسلمين كفّاراً يستحقّون الموت، و أنّ أموالهم و أعراضهم مباحة.

وبعد الإشارة إلى السيرة التاريخيّة للمنهجيّة السلفيّة؛ نطالع أصول المنهجيّة السلفيّة:

3. أصول منهجيّة السلفيّة

3-1. الفهم المباشر للنّص

تعتمد السلفيّة على مبدأ المراجعة المباشرة للنصّ، و ترك زعماء المذاهب. و على أساس هذه التعاليم يتمّ إزالة الوسائط ليحلّ محلّها الرجوع إلى النصّ. علماً بأنّ الرجوع إلى النص دون وجود نظريّة تحكمه؛ يعني وجوب العمل بكلّ حكم من النصّ كما هو، ولا يحتاج إلى التأويل أو التفسير أو التوضيح.

ص: 235


1- راجع: ابن تيميّة، منهاج السنّة النبويّة، ج 1، ص 38 - 57

يرى القرضاوي أنّ الظاهريّين الجدد هم ورثة الظاهريّة القديمة التي كانت تكتفي بالفهم الحرفيّ لأدّلة الشرع، و تغفل عن مقاصد الشارع وراء هذه الألفاظ، و يسمّي هذا التيّار بفقه النصوص بمعزل عن المقاصد(1). ثمّ يعدّد ستّ خصائص

لهذا التيّار؛ و هي: 1- الفهم و التفسير الحرفيّ للنصوص الدينيّة؛ 2- الميل إلى التشدّد و التزمّت في الأحكام؛ 3- الاعتماد المتعجرف على الرأي و الرؤية الشخصيّة؛ 4- الرفض الشديد للمخالفين و طردهم؛ 5- تكفير المخالفين، 6- عدم الاكتراث بالتسبّب في إيجاد الفتن(2).

إنّ أسلوب فهم القرآن من خلال الظاهر تعني فهم القرآن من خلال ظواهر الألفاظ و المفردات فحسب حتّى لو استلزم ذلك معنی مخالفاً للعقل، وقد اعتمد السلفيّون هذه الطريقة التي ينتج عنها الجمود الفكريّ و الفهم السطحيّ للآيات و المعارف القرآنيّة. حيث إنّ تحديد دائرة فهم القرآن بالمفردات هو في واقع الأمر سدّ طريق الفهم؛ و ذلك لأنّ مثل هذا الفهم الظاهريّ يؤدّي إلى تحديد القرآن من جهة الزمان و المكان، كما أنّه يؤدّي إلى تجاهل مصلحة المجتمعات، و المسائل و الأحكام الفقهيّة المستحدثة.

وهذا الأسلوب يقابل الأسلوب الذي يرى أنّ لغة القرآن ليست هي مجّرد ألفاظه و حسب؛ إنّما هي ثقافة القرآن التي تحمل رسالته المتعلّقة بالفطرة البشريّة، و التي تعمّ جميع الثقافات ولا تختصّ بلغة خاصّة دون أخرى(3).

3-2. التزكية، توحيد في مقابل الشرک

تقسّم السلفيّة الجديدة العالم إلى توحيد و شرك، أي أنّ هناك جزء مؤمن و آخر غير مؤمن، و تعرّف العلاقة بين هذين الجزئين على أنّها علاقة العداء و الحرب. و على أساس ما لدى السلفيّة الجديدة من تعالیم؛ تطلق على الفئات و الفرق التي تهدّد المجتمع بحسب رأيها اسم العدوّ القريب، و أمّا الاستعمار أو العدوّ الخارجيّ فتسمّيه العدوّ البعيد في أنّ معظم الصراع يدور بينها و بين العدوّ القريب و من أخطر نتائج هذا النهج هو بروز الجهاد كأصل عمليّ يؤدّي إلى التطرّف و الراديكاليّة و استخدام العنف تحت شعار

ص: 236


1- راجع: يوسف مصطفى القرضاويّ، دراسة في فقه مقاصد الشريعة، بين المقاصد الكليّة و النصوص الجزئيّة، ص 288
2- راجع: داوود فیرحي، فقه و سیاست در ایران معاصر، ص 68
3- عبدالله جوادي آملي، دین شناسي، ص 79

الجهاد. و لنا أن ندّعي بأنّ رؤى أبو الأعلى المودوديّ و سيّد قطب إضافة إلى عبد السلام فرج هي التي رسمت الإطار الفكريّ للكثير من الإسلاميّين السلفيّين في الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين الميلادي. و فيما يلي سنشير باختصار إلى أهمّ تعاليم سيّد قطب:

لقد عاش

سيّد قطب أربع مراحل فكريّة: 1- مرحلة الميول الإلحاديّة؛ 2- مرحلة الميول العلمانيّة؛ 3- مرحلة الميل نحو الحكومة الإسلاميّة و التوفيق بين الدين و السياسة و قد ألّف

كتابه «في الضلال» في هذه المرحلة؛ 4- الميول التطرّفيّة الراديكاليّة و التي ظهرت في أفكاره بعد رحلته إلى أمريكا و قد كتب كتابه «معالم في الطريق» في هذه المرحلة و التي تبدّلت إلى وثيقة المتطرّفين في العالم الإسلاميّ.

تشترك ثلاث مفاهيم في فكر سيّد قطب هي:

1- الجاهليّة: يعتقد سيّد قطب بأنّ كافّة المجتمعات في عصره مسلمة كانت أم غیر مسلمة كلّها جاهليّة و تمتدّ جذور الجاهليّة في الطلبات الإنسانيّة التي تمنع الإنسان من اجتياز الميل إلى التكبّر، أو الكامنة في بعض مصالح بعض الناس أو بعض الطبقات الاجتماعيّة أو الشعوب أو الأعراق و الذين تتغلب مصالحهم تلك على السعي إلى العدالة و الخير.

2- الحكم: يعتبر سيّد قطب أنّ الحكم أمر يختصّ بالله فحسب ولو أصبح غير إلهيّ لصار جاهليّاً. و إن أراد المجتمع ألا يكون جاهليّاً، فينبغي أن تستقرّ فيه الحاكميّة الإلهيّة. و لكن كيف تبدأ عمليّة إحياء المجتمع الإسلاميّ؟ و كيف نستبدل الإسلام بالجاهليّة؟ إجابة سيّد قطب هي، أنّ إحياء المجتمع يستلزم ظهور مجموعة إسلاميّة رائدة و ما لم تتشكّل هذه المجموعة؛ لم يتحقّق هذا المجتمع الإلهيّ، تلك المجموعة هي ما أطلق عليه اسم الجماعة.

3- الجماعة: لن يتحقّق المجتمع الإلهيّ ما لم تتحقّق تلك العصبة الرائدة، و يتوجّب على هذه العصبة أن تقابل الجاهليّة على مستويين: الأوّل مستوى نظري حيث تردّ آراء و استدلالات الجاهليّة و تبيّن فسادها، و المستوى الآخر من خلال حركة منظّمة مجهّزة بكافّة القدرات التي تمكّنها من محاربة قوّة الجاهليّة.

ص: 237

المرحلة الأولى تتمّ من خلال تكوين و تقولب العقيدة، و المرحلة الثانية هي قيام أو استقرار العقيدة التي يكون الجهاد أصلاً رئيساً فيها. إنّ الدين دعوة و هذه الدعوة يجب أن يكون الجهاد دائماً مواكباً، فالجهاد هو حركة هجوميّة و ليس دفاعيّاً محضاً. يرى سيّد قطب بأنّنا مسؤولون عن تبديل المجتمع الجاهليّ إلى مجتمع إلهيّ كما كانت الحركة التي قادها الرسول صلی الله علیه و آله وسلم. و إنّ الماهيّة الشبكيّة للجهاد تعتمد على شبكة من العلاقات، فالجهاد ليس بمحتاج إلى أمر من الفقيه أو المفتي.

ثمّ طرح محمّد بن عبد السلام فرج من بعد سیّد قطب مفهوم «الفريضة الغائبة» و التي أصبح الجهاد من خلالها أحد مستلزمات استعادة عظمة الإسلام، و لهذه الفريضة وجهان؛ أحدها الجهاد مع العدوّ الداخليّ، و الآخر الجهاد مع العدوّ الخارجيّ. وبناء على هذا، فإنّ تأثير سيّد قطب في بن لادنو أيمن الظواهريّ واضح للعيان، و قد أحدثت أفکار سیّد قطب تغييراً أساسيّاً في العالم الإسلاميّ و كانت من ثمراته تكوّن التطرّف و الراديكاليّة(1).

يمكن تلقّي بعض عبارات کتاب «معالم في الطريق» بأنّها دعوة واضحة إلى استخدام العنف ضدّ المجتمع الإسلاميّ الموجود. فكلّ دولة تعادي المسلمين بسبب عقيدتهم و

تمانع ممارستهم للشؤون الدينيّة و تتعطّل فيها الشريعة فهي دار حربحتّى لو كان يعيش فيها أهله أو أقرباؤه أو شعبه(2).

واستناداً إلى تعاليم سيّد قطب هذه، یری عبدالله عزّام - في ما يختصّ بقضيّة إعلان الجهاد

- أنّ «الجهاد عبادة جماعيّة لا يقوم إلاّ بوجود جماعة تواجه المجتمع الجاهل أو الكافر»(3).

إذن ما تراه السلفيّة من العنف أمراً سائغاً و لا تتوانى في ارتكابه و الذي نطلق عليه اسم التطرّف؛ هو مستند إلى مثالیّاتها و العنف هو آليّة تحقيق تلك المثاليّات. فهم يرتكبون ما نسمّيه تطرّفاً بناءً على المنطق الذي يحكم أداءهم. ولا يحتاج التطرّف إلى العلوم الإسلاميّة التقليديّة فبمجرّد إلمام الشخص باللغة العربيّة و فهم القرآن يتمكّن من تطبيقه. و أنّه هل هناك شروط للجهاد أم لا فهذه مسألة سخيفة و هامشيّة. و على أساس

ص: 238


1- راجع: السيّد قطب، معالم في الطريق
2- راجع: لو آي. م. صفي، چالش مدرنیته، ترجمه سید احمد موثقي، ص 176
3- راجع: عبدالله عزّام، إعلان الجهاد. 176

هذه التعاليم تعتقد منظّمة الجهاد بأنّ الإسلام يمكن تحقيقه من خلال الجهاد المستمر، و أنّ تقصير المسلمين و قياداتهم في أداء الوظائف يجعلهم كفّاراً، حيث قتلوا أنور السادات بسبب كونه من أئمّة الكفر لا غير. هذا في حين أنّ الجهاد حسب آراء علماء أهل السنّة التقليديّين يحتاج لإصدار أمر من الفقيه.

لقد كانت النظريّات التقليديّة تعمل على أساس المدارس الاجتهاديّة، و لكنّ السلفيّون الجدد لا يؤيّدون الاجتهاد إلا إذا ما قام بتبرير أعمالهم، و لولا ذلك لما تخطّوا علماء المذهب و حسب؛ بل لتوقّعوا الحصول على دعمهم و تأييدهم أيضاً. كما أنّ هذا التيّار و من خلال توسيعه لدائرة البدع، يقوم بعدّ الكثير من المسائل العلميّة المذهبيّة الخلافيّة - و التي يجعلها أهل السنّة في نطاق الخلافات الاجتهاديّة - بدعة، فيطردون و يكفّرون من

خالفهم فيها على أنّهم أهل بدعة(1).

تُعتبر السلفيّة و نظراً إلى المنهجيّة التي اتّخذتها، واقعة في وضعيّة معرفة و علم خاصّة بها، حيث إنّهم لا يهاجمون غير المسلمين بسبب عدم توحيدهم فحسب؛ بل تحكم بتكفير المجتمعات الإسلاميّة أيضاً و تسعى إلى جرّها إلى مجازر العنف خاصّتها. و ذلك لأنّهم يقابلون التوحيد بكلّ من مفهومي البدعة و الشرك، و هذا يؤدّي إلإباحتهم إعمال العنف داخل المجتمعات الإسلاميّة و خارجها. فهي نوع من الحالات الإيمانيّة الإسلاميّة التي لا همّ لها سوى البحث عن الدين الأصيل و العمل حسب تعاليم الوحي من دون أيّ تفسير؛ بل كما أنزل على الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، و نتيجة ذلك نوع من الظاهريّة المتطرفّة التي لا تنجب إلّا العنف.

3-3. تقديم النقل على العقل

تمثّل العلاقة بين العقل و النقل و نسبة كلّ منهما للآخر أحد القضايا المهمّة بالنسبة

إلى المنهجيّة، و يمكن دراسة هذه المسألة من منظار المتشرّعین و العقليّين.

ص: 239


1- راجع: داوود فیرحي، المصدر نفسه، ص 84

لم يعتنِ الفقه السياسيّ لأهل السنّة لا بالعقل ولا بالاستنباط العقلي. فعلى أساس الفقه السياسيّ لأهل السنّة؛ لم يكن لإجماع و عمل و رأي الصحابة حجيّة بسبب اجتهادهم، و إنّما هي بسبب إلمامهم بالسنّة.

كما أنّ اعتبار القياس في نظر أهل السنّة ليس نابعاً من الاعتناء بالعقل و المنهج العقليّ؛ بل أنّ جوهرة القياس هي إلحاق الأحكام غير الصريحة بالأحكام الصريحة، و بالتالي تكون حجيّتها متّخذة من الأحكام الصريحة و الثابتة(1).

على أساس هذه المعايير؛ نجد أنّ الفقه السياسيّ لأهل السنّة من منظار المنهجية، هو نصّيّ أساساً و لا مكانة مهمّة فيه للعقل و المنهج العقليّ. فترجيح النقل على العقل و أولويّة النصّ المنزل من قرآن و سنّة و عمل الصحابة يمثّل أهمّ أصل معرفيّ لدى أهل السنّة؛ وهو ما تطرّق إليه الأشعريّ في كتابه «الإبانة عن أصول الديانة». حيث يقول في الفصل الأول من كتابه:

قولنا الذي نقول به، و دیانتنا التي ندین بها، التمسك بكتاب الله، و بسنة نبينا محمد صلی الله علیه و آله وسلم، و ما روي عن السادة الصحابة و التابعين و أئمة الحديث، و نحن بذلك معتصمون، و بما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل قائلون، أبان الله به الحق، و دفع به الضلال

و أوضح به المنهاج(2).

وقد أشار ابن تيميّة إلى أصل يمثّل أهميّة بالغة لأهل الحديث؛ و ذلك لتجنّب نفوذ

العقل في الحياة السياسيّة للمسلمين إلى الأبد؛ حيث يقول:

لا يكون الإنسان مؤمناً حقيقةً إلّا عندما يتحلّى بإيمان جازم بالنسبة إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم و ليس الإيمان الجازم أن يخلو من أي قيد أو شرط، فمن كانت فيه هذه فليس مؤمناً في الحقيقة. إن النصوص الثابتة عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم انه لم يعارضها قط صريح معقول، فضلاً عن أن يكون مقدماً عليها، و إنما الذي يعارضها شبه و خیالات، مبناها على معانٍ متشابهة

ص: 240


1- باهتمام داوود فیرحي، روش شناسي دانش سياسي در تمدن اسلامي، ص 88
2- أبو الحسن الأشعريّ، الإبانة عن أصول الديانة، ج 2، ص 20

و ألفاظ مجملة، فمتى وقع الاستفسار و البيان ظهر أن ما عارضها شبه

سفسطائية، لا براهین عقلية(1). بالرغم من أنّ فقه أهل السنّة نصّيّ؛ و لكنّهم يؤيّدون استخدام الآليّات العقليّة لتوضيح النصّ عندما يكون بعض النصّ مجملاً، بينما نجد أنّ السلفيّة ليست كذلك. فالسلفيّة تعتبر أنّ التفسير و التبرير أمراً واحداً، و تقول:

بأنّ كلّ تفسير هو نوع من التبرير، و هذا يسلب الشجاعة من العالم الإسلاميّ. وهذه هي نقطة خلافهم مع فقه أهل السنّة، فإنّ هذ النهج أدّى إلى أن يكون الملاك هو فهم و إدراك السلف، و نتج عنه في مقام النظريّة، تعطيل العقل و الإدراك و الإصغاء إلى كلام السلف؛ و في مقام

العمل، مواجهة المسلمين بسلاح التكفير و التفجير. إذن التوجّه الحديثيّ لأحمد بن حنبل في عقائده و فقهه و تقبّله للأخبار الواردة و فهمه للسلف قد أدّى إلى أن تنفي السلفيّة أيّ توجّه عقليّ، و أن تعارض كلّ أنواع التحليل أو التعليل في الأحاديث. و الأمر الوحيد المهمّ بنظرهم هو تطبيق النصوص على أيّ نحو كان ممكناً و نتيجته العمليّة كانت هي ظهور العنف المستند إلى الجهاد. و الذي قد تمّ التنظير له في فكر سيّد قطب و عبد السلام فرج و عبدالله عزّام. أدّى استخدام مفهوم الجهاد و توسعة مفهومه و عدم الحاجة إلى المفسّر و المجتهد في توضيح النصّ، إلى إدراج العنف و إطلاق أحكام القتل و الاغتيال تحت عناوين مثل الجهاد و الكفر و النفاق في منهجيّة السلفيّة.

ولكنّ السؤال هنا هو أنّه، لو كان المصدر الفكريّ هو الكتاب و السنّة فإنّهما قد أكّدا

كثيراً على العقل فقد تكرّرت مفردة العقل 49 مرّة في القرآن، فكيف يعطّل السلفيّة العقل استناداً إلى مفهوم الجهاد و يخلقون أمثال هذه المجازر؟

ص: 241


1- إبن تيميّة، درء تعارض العقل و النقل، ص 156

3-4. الاتّباع في مقابل التقليد

تطرح المنهجيّة السلفيّة قضيّة الاتّباع في مقابل القول بالتقليد. و الاتّباع يعني قراءة النصّ مباشرة و لهذه المسألة تداعيات كثيرة. يعتبر أهل السنّة أنّ زعماء المدارس الفقهيّة الأربعة هم مراجع الإفتاء و اتّخاذ القرار. و لكن حسب منهجيّة السلفيّة يراجع الشباب المسلمون إلى النصّ مباشرة و نتيجة ذلك عدم الاعتراف بمرجعيّة العلماء التقليديّين فتفقد مسألة الاجتهاد و التقليد و المفتي و المقلّد معناها و تتهمّش المدارس الأربعة بذلك.

فتتكوّن بهذه النظرة و المنهجيّة نوع من الظاهريّة المتطرفّة التي تعتقد بأنّه لا مصلحة و لا قصد وراء المعاني الحرفيّة للنصوص الدينيّة؛ و بالنتيجة لا حاجة إلى موازنة الأدلّة الشرعيّة مع بعضها و لا للاجتهاد في النصوص، و الأمر المهمّ الوحيد إنّما هو تطبيق النصوص كيف كان. فهذه المنهجيّة و نسبةً لاعتقادها بضرورة الرجوع المباشر إلى القرآن؛ تولّد في ذاتها التطرّف في داخل العالم الإسلاميّ و خارجه(1).

والحال أنّه - بناءً على المنهجيّة الاجتهاديّة - يتمّ استنباط الأحكام الشرعيّة من المصادر المعرفيّة على يد الفقيه و يقلّد عامّة الناس فتواه الشرعيّة باعتباره متخصّصاً في فهم الشريعة. مصادر الفقه السياسيّ لأهل السنّة في القرآن و السنّة و الإجماع و القياس و العلاقة بينها علاقة الأصل و الفرع؛ فالقرآن هو الأهم ثمّ تأتي السنّة و الإجماع و القياس في المرتبة التالية، كما أنّ السنّة مقدّمة على المصدرين الآخرين؛ ثمّ يأتي الإجماع في المرتبة التالية، ثمّ القياس. علماً بأنّ ضرورة إرجاع المصادر الأخرى إلى النصّ هو ملحوظ في منهجيّة أهل السنّة أيضاً. يعتمد منهج أهل السنّة و استناداً إلى هذه المصادر، على نظريّة التصويب التي تنصّ على أنّ

حكم الله في المسألة محل الاجتهاد هي ما يتوصّل إليها المجتهد بعد الجهد. بينما يعتقد الشيعة بنظريّة التخطئة التي تحتمل الخطأ في كلّ عمليّة اجتهاد، فلو أصاب المجتهد و طابق اجتهاده الواقع فله أجران و إن لم يصب فله أجر واحد(2).

يتحلّى أهل السنّة بناءً على نظريّة التصويب و الشيعة على أساس التخطئة بنوع من التساهل و التسامح المعرفيّ و العمليّ بالنسبة إلى المجتهدين و في المجال النظريّ

ص: 242


1- راجع: داوود فیرحي، فقه و سیاست، ص 83
2- راجع: منصور میر أحمدي، درس گفتارهايي در فقه سیاسي، ص 132

بالحلم و التحمّل في مقابل المخالف و يمكن ملاحظة تكثّر الأقوال في المسألة الواحدة و مشاهدته بينهم. بينما نجد منهجيّة السلفيّة في الجهة الأخرى، تعتبر بأنّ الأحكام العمليّة للدين ينبغي البحث عنها بين المصادر و النصوص الرئيسة للدين و النصوص المقدّسة و ليس بين كتب الفقهاء. فحسب ما يرى السلفيّة؛ تُعدّ الأشعريّة مدرسة كلاميّة تفرض نفسها على النصّ، و الاعتزال أيضاً هو مدرسة كلاميّة تفرض نفسها على النصّ، و كذا المدارس الفقهيّة الأربعة كلّها تفرض نفسها على النص. و من هنا أدّى مبدأ الاتّباع و الذي يعني القراءة المباشرة للنّص؛ إلى ظهور مفكّرين لم يكونوا من صنف خرّيجيّ المدارس التقليديّة، و قد انحصرت دراساتهم للشريعة في مطالعات فرديّة أي أنّهم علماء و إسلاميّون من دون أن يكون لهم معلّم، و قد اتّخذوا المنحى الجهاديّ بمراجعة النصّ مباشرة. فهذه آية موجودة و ما عليك إلّا أن تأخذها و تعمل بها، و بذلك يبرز أصلا الدعوة و الجهاد، و فهم بسيط من النصّ الذي لا يفهم المجتهد و المفتي منه الحرمة أو الوجب. فلا يعتمد هؤلاء على كبار المجتهدين بل يراجعون فهمهم من النصّ، أمّا التساؤل عن وجود نصّ آخر مقدّم على هذا النصّ، أو وجود شروط للعمل بذات هذا النصّ أو لا؛ فهذا النوع من التساؤلات لا محلّ لها في منهجيّة السلفيّة. إذن نتيجة هذه المنهجيّة هي العنف و التطرّف.

لقد كان محمّد عبده يعتقد بأنّ المجموعات الوهّابيّة و الحديثيّة تتصوّر بأنّها أزالت

غبار التقليد و الحجب و الحواجز بينها و بين التأمّل في آيات القرآن و نصوص الروايات... و لكنّها في الواقع أضيق أفقاً و أكثر تعصّباً من المجموعات المقلّدة للعلماء.

حيث تعتقد هذه المجموعات بوجوب الأخذ بظاهر الألفاظ و العمل به دون الالتفات إلى الأصول التي يقوم عليها الدين. فهذه المجموعات في الحقيقة؛ ليست طالبة للعلم ولا راغبة في المدنيّة و الحضارة السليمة(1).

ص: 243


1- راجع: محمد عبده، الإسلام و النصرانيّة بين العلم و المدنيّة، القاهرة، منشورات الهلال، 1960 م

3-5. رفض تأويل الكتاب و السنّة

أمّا العقيدة السلفيّة الأخرى التي نتجت عن المنهجيّة الظاهريّة؛ هي رفض التأويل و التفسير. لأنّهم يعتقدون بمقولة: «لو فتحنا باب التأويل لانهدم الدين» و هذا جعلهم يفسّرون الكثير من الآيات القرآنيّة تفسيراً ناظراً إلى معانيها الظاهريّة، و قد أدّت هذه العقيدة بهم إلى القول بالتشبيه و التجسيم في موضوع الصفات الإلهيّة، فقد قالوا بأنّ لله جسم و أنّ ذات الله متحيّزة و تشغل مكاناً مثل سائر الأجسام و شبّهوا الله بالأجسام و المخلوقات.

إنّ الجمود على الظواهر و عدم التدبّر في الآيات يتسبّب لا محالة إلى حمل معاني معرفة الوجود الدينيّة العميقة على الظواهر المحسوسة و الماديّة؛ فمثلاً نجد السلفيّة تقول في شرح الآيات التي تتحدّث عن الله عزوجل، مثل: «وجاء ربّك والملك صفّاً صفّاً»(1) أو «یدالله فوق أيديهم»(2) بأنّ الله يداً كبيرةً فوق جميع الأيدي، و أنّ لله قدماً يمشي بها حيث يمرّ بالملائكة و هم واقفون أمامه(3).

فلقد أدّى هذا المنهج - أعني: الأخذ بظواهر النصوص - إلى إنكار تعليل الأحكام و تأويلها من خلال العقل؛ و هو نوع من إساءة الظنّ بالرأي و العقل، و نتيجة لذلك كانت أن تسبّب هذا المنهج في رواج العقائد الباطلة بين المسلمين؛ مثل عقيدة التجسيم و التشبيه، و أمّا نتيجته في نطاق العمل فقد كانت ممارسة أتباع السلفيّة للعنف و تشدّدهم في الأحكام. كما جعلت هذه العقيدة المنهج السلفيّ يعاني من الجمود الفكريّ في المسائل العقديّة و السياسيّة و العباديّة و الاجتماعيّة. كما أدّى أيضاً رفضهم للتأويل و التفسير، إلى مخالفتهم لأيّ نوع من تفسير القرآن. «لا يجوز لأحد تفسير شيء من القرآن، و إن كان عالماً أديباً متّسعاً في معرفة الأدلة، و الفقه، و النحو، و الأخبار، و الآثار، و إنّما له أن ينتهي إلى روايات النبيّ، و الصحابة، و التابعين»(4).

ص: 244


1- سورة الفجر، 22
2- سورة الفتح، 10
3- راجع: حمید پارسانیا، حدیث پیمانه، ص 45
4- راجع: محمد حسين الذهبي، التفسير و المفسّرون، ج 1، ص 183

كما أنّ هذه العقيدة قد نالت عندهم أهميّة كبرى بالنسبة إلى موضوع الحقيقة و المجاز في الآيات القرآنيّة. حيث يعتقد السلفيّة بعدم وجود المجاز في القرآن، و أنّ كلّ كلمة جاءت في القرآن فالمراد منها هو المعنى الحقيقيّ لها. حيث صرّح بهذا المعتقد بعض من علمائهم؛ أمثال ابن تيميّة في مجموعة الفتاوی، و ابن قيّم الجوزيّة في مختصر الصواعق المرسلة، و من المعاصرين نجد الشنقيطي في منع جواز المجاز في منزل التعبّد و المجاز(1).

إذن أدّي مخالفة السلفيّة للتأويل و التفسير إلى إنكار المعنى المؤوّل و المجازيّ في الآيات القرآنيّة و إبداع عقائد باطلة و منحرفة في الفكر السلفيّ على صعيد النظريّة و التطبيق ممّا أنتج التشبيه و التجسیم لله في مسألة الصفات الإلهيّة و نسبة مفاهیم مثل الاستواء و اليد بمعنى الجلوس و اليد الماديّة و هذا يوجب تشبيه الله إلى الإنسان و كلّ ذلك إنّما هو حصيلة المنهجيّة السلفيّة.

والطريف في الأمر أنّ أوّل ما يرفضه ناصر الدين الألباني (1914 - 1999 م) و ينكره من الأحاديثفي كتابه «سلسلة الأحاديث الضعيفة» هو حدیث «الدين هو العقل، و من لا دین له لا عقل له» و يؤكّد بعد ذلك على أنّ: «وممّا يحسن التنبيه عليه أنّ كل ما ورد في فضل العقل من الأحاديث لا يصحّ منها شيء، و هي تدور بين الضعف و الوضع»(2).

كما أكّد «عبد الله بن باز» (1910 - 1999 م) المفتي الوهّابي السابق، مخالفاً جميع الأدلّة العقليّة، و التجريبيّة القطعيّة على القول بالآراء الرجعيّة التي انتشرت في القرون الوسطى، من الاعتقاد بحركة الشمس و سكون الأرض، حيث قال: «وأنّ القول بثبوت الشمس و عدم جریانها کفر و ضلال»(3).

ص: 245


1- راجع: سید مهدی علیزاده موسوي، المصدر نفسه، ص 62
2- ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و أثرها السيّء في الأمّة، ص 52
3- عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الأدلّة النقليّة و الحسيّة على جریان الشمس و سكون الأرض و إمكان الصعود إلى الكواكب، ص 17

خلاصة البحث:

تطرّقنا في المقال الحاضر إلى خصائص المنهجيّة السلفيّة و علاقتها بإباحة العنف. لقد اختار السلفيّون منهجيّة خاصّة لفهم الدين و البحث فيه، فبحسب رأيهم؛ من أجل معرفة الدين بشكل صحيح، يجب ابتناء هذا التفسير على القرآن و السنّة و سيرة المسلمين الأوائل؛ و هم من عاش في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام حيث يتشّدد السلفيّون في الاستناد على السلف الصالح.

تستقي السلفيّة جذورها من التيّار الظاهريّ الذي بدأ بتعاليم أحمد بن حنبل، ثمّ جاء من بعده أحد أتباعه باسم ابن تيميّة في القرن الثامن، و عرض رؤية مختلفة في أمر الدين من خلال تعاليم أحمد بن حنبل. و رغم أنّ أفكار ابن تيميّة لم تنل إقبالاً في أيّامه إلّا أنّها صارت أساساً لأفكار محمّد بن عبد الوهّاب في القرن الثاني عشر. لقد أحدثت السلفيّة في نجد موجة من التطرّف و التشدّد، و قامت بتكفير كافّة المسلمين، فزعمت بأنّها هي الداعية الوحيدة للإسلام الأصيل، و اعتبرت سائر المذاهب الإسلاميّة أهل بدعة خارجين عن الإسلام. هذه التعاليم و بالإضافة إلى بعض التغييرات في بعض المفاهيم و التوسّع في مفاهيم أخرى؛ کالبدعة و الجهاد جعلت السلفيّة المعاصرة في ظروف معرفيّة و عمليّة تختلف عن مسلكها القديم. فقد كان المسلك القديم يجري على شيء من التساهل و التسامح المعرفيّ و العمليّ؛ اعتماداً على نظريّة تصويب آراء المجتهدين، كما كان تحمّل المخالفين في النظريّة كحدّ أدنى قسراً، و أمّا في مجال العمل نرى وجود تذبذب بعض الشيء في ميولهم للتوسّع؛ بخلاف السلفيّة المعاصرة التي ليست تعادي غير المسلمين بسبب عدم التوحيد فحسب و إنّما تشهر سلاح التكفير على ما عداها من مسلمين و تجيز كذلك استخدام العنف في المجتمعات الإسلاميّة.

كما أنّ المنهجيّة السلفيّة المعاصرة تنسف مسألة الاجتهاد و التقليد و المفتي و المقلّد من أساسها بواسطة طرحها فكرة الرجوع إلى النصّ، و ترك أئمة الدين، و ترى أنّ الأمر الوحيد الحائز على الأهميّة هو تطبيق النصّ كيف ما أمكن خصوصاً بالاستناد إلى الجهاد. فبناءً على هذه المنهجيّة ينبغي البحث عن الأحكام العمليّة للدين في المصادر و النصوص الرئيسة و المقدّسة من الدين، لا أن تستقى من كتب الفقهاء، فكانت نتيجة هذا

ص: 246

المنهج أن ظهر التطرّف. لأنّهم ركّزوا على الفهم الحرفيّ للنصوص و تجاهلوا مقاصد الشريعة، كما قاموا بنفي شروط تطبيق النصّ سواء كان من المجمل أو المبيّن أو الحقيقة أو المجاز؛ ففنّدوا شروط الجهاد و قالوا بعدم حاجة الجهاد إلى رأي الحاكم، و ذلك لأنّهم لا يستقون الوجوب و الحرمة من المفتي؛ و إنّما يعمل أتباع هذا المنهج على أساس استنتاجاتهم الفرديّة، وقد أدّى ذلك إلى ظهور تطرّف و رادیکاليّة قائمة على أساس المنهجيّة السلفيّة.

النقطة الرئيسة التي ينبغي الالتفات إليها ههنا؛ هي أنّ التيّارات التكفيريّة السلفيّة قد فقدت النظريّة بنفيها للاجتهاد و الذي يعني مراجعة النصّ دون نظريّة. و بالأحرى يعني ذلك فقدان المنهج و الفوضويّة، و عليه فإنّ كلّ حكم من النصّ ينبغي تطبيقه كما هو و لا حاجة إلى تأويله أو تفسيره أو توضيحه. فلو كان في السلفيّة القديمة «اتّباع اجتهاديّ» بمعنى وجود مجتهد متخصّص في أمور الشريعة يطبّق منهج الاستنباط من النصوص، و يقلّد عامّة المسلمين فتواه، ففي السلفيّة الجديدة لم يجعل الاتّباع في قبال التفسير المتحرّر من النصوص الدينيّة، و إنّما جعل في قبال التقليد من المجتهد. فينبغي البحث عن الحقيقة و الأحكام العمليّة الصحيحة للدين من المصادر و النصوص الرئيسية من الدين مباشرة و ليس في كتب الفقهاء(1).

لقد أوجد هذا الأمر تغييراً أساسيّاً في نوع الفهم و خلق الفوضى في فهم النصوص، فعلى أساسها تكون العبرة بالآراء الفرديّة للأشخاص دون توسّط الفقهاء؛ فالفرد يجاهد حسب فهمه ولا يحتاج إلى حكم العالم أو المفتي، و في هذه الحالة ينسب الشخص فهمه إلى القرآن فيرى في نفسه، إضافة إلى الشعور بأداء التكليف نوعاً من التحفيز الروحي و النفسيّ.

إنّ أحد أصول المنهجيّة السلفيّة هي تقسيم العالم إلى توحيد و شرك، و كذلك تكفير جميع المذاهب التي لا تتّبع فكرها بواسطة استخدام مفهوم البدعة و إضفاء العداء على العلاقة بين المذاهب لقد اعتبر السلفيّون و بناءً على تعاليم سيّد قطب حول المجتمع

ص: 247


1- راجع: داوود فیرحي، فقه و سیاست در ایران معاصر، ص 82

الجاهليّ؛ جميع المجتمعات جاهليّة، و بذا يدخلون في دائرة الصراع مع مجموعتين؛ إحداهما تهدّد المجتمع و هي العدوّ القريب، و الأخرى هي الاستعمار و العدوّ الخارجيّ المسمّى بالعدوّ البعيد. و معظم الصراع يدور مع العدوّ القريب من خلال أصل الجهاد العملیّ. و الأصل الآخر من منهجيّة السلفيّة، هو تقديم النقل على العقل و الظاهريّة المتطرّفة التي أدّت إلى تعطيل العقل، و اللجوء بشكل تلقائيّ إلى العنف و الاغتيال بهدف تحقيق الأهداف.

الأصل الآخر هو رفض كلّ أنواع التأويل و التفسير، و قد تسبّبت هذه العقيدة في ظهور عقيدة السلفيّة التي تقول بأنّه لو فتح باب التأويل لانهدم الدين، على هذا الأساس؛ اعتقد السلفيّون في موضوع الصفات الإلهيّة، بالتشبيه و التجسيم لله و تشبيه الله بالأجسام و المخلوقات. و عقيدة رفض التأويل و التفسير تسبّبت بظهور نوع من سوء الظنّ حول الرأي و العقل، هذا علاوة على رواج العقائد الباطلة التي صعّدت من وتيرة ممارسة العنف و تشديد الأحكام من قبل المؤمنين بالسلفيّة.

هذه الأصول المنهجيّة جعلت السلفيّة تعاني من الجمود الفكريّ في المسائل العقائديّة و السياسيّة و العباديّة و الاجتماعيّة. فلنوعيّة المنهجيّة السلفيّة أثر مباشر على قولهم بجواز العنف القائم على أصل الجهاد العمليّ، فكانت لها آثار و تداعيات سياسيّة و اجتماعيّة و ثقافيّة في العالم. فاستغلّت الدول الغربيّة هذا التيّار في سبيل تحقيق أهدافها السياسيّة و زرع الرهاب الإسلامي (إسلاموفوبیا) نظراً إلى ما تقوم به هذه المجموعات من أعمال إرهابيّة، ليعكسوا صورة المسلمين على أنّهم أشخاص قساة و قتلة و مدمّرين. و الحال أنّ رؤية و أسلوب هذا التيّار مرفوض من قبل علماء السنّة و الشيعة، و فهم هذه المجموعات بعيد جداً عن دين الرسول الأكرم صلی الله علیه و آۀه وسلم الداعي إلى السلام و الأخلاق.

يوجد في الفقه و الفكر السياسيّ لأهل السنّة نوع من الحديثيّة و الروح الأشعريّة التي لا تتحمّل الفهم العقلاني بعض الشيء، الأشعريّة التي لم تستسغ المنهج المعتزليّ فحسب؛ بل أنّها تخلّصت من كلّ عمليّة تخاطب عقلانيّة كلاميّة - فقهيّة(1).

ص: 248


1- آنتوني بلك، تاریخ اندیشه سیاسي اسلام، ترجمة محمد حسین و قار، ص 131

لقد بدأت الحركة الإصلاحيّة بالسيّد جمال الدين الأفغانيّ؛ و لكنّها أخذت تتضاءل وصولاً إلى محمّد عبده، و لكنّها عندما وصلت إلى رشید رضا أفلتت و غابت عن الساحة لمّا تلوّثت ذهنیته بالأفكار المتعصّبة و السلفيّة. فهو و إن كان صاحب أفكار إصلاحيّة في بادئ الأمر و لكنّه وقع في شرك الميول السلفيّة لابن تيميّة و الوهّابيّة في أخره. فإنّ منهج السلفيّة غالباً ما ينتج تجویز ممارسة العنف و التطرّف الرافض للاجتهاد و الذي ينتهج الجهاد و التكفير؛ و ذلك لما تميّز به من منهج النصوصيّة و النقليّة و الحديثيّة.

ص: 249

المصادر:

1. أنطوني بلك؛ تاریخ اندیشه سیاسي اسلام؛ ترجمه: محمد حسین و قار،

طهران: اطلاعات، 1385، ص 131.

2.

ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم، 1386، مختصر منهاج السنة، ترجمه اسحاق

دبير، انتشارات حقیقت.

3.

ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم، الرد على المنطقيين، باكستان، دار ترجمان السنة.

4.

ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم، 1425ه، الفتاوى الحموية الكبری، تحقيق:

حمد بن عبد الحسين التويجري، الرياض، دار الصميدعي.

5. ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم، 1426ه، مجموعة الفتاوی، تحقيق: عامر

الجزار و انوار الباز، دار الوفاء

6.

ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم، 1406 ه، نقض المنطق، تحقيق: محمد عبد

الرازق حمزه و سلیمان بن عبد الرحمن، القاهرة، مكتبة السنّة المحمدية

7. ابن قيّم الجوزية، محمد بن أبي بكر، 1423 ه، أعلام الموقعین عن رب

العالمين، دار ابن الجوزي

8.

ابن قيّم الجوزية، محمد بن أبي بكر، 1412 ه، مختصر الصواعق المرسلة، دار

الحديث

9.

أحمد بن محمد بن حنبل، أبي عبد الله، 1421 ه، مسند الإمام أحمد بن حنبل،

تحقيق: شعيب الأرنؤوط و عادل مرشد، مؤسسة الرسالة

10. الأشعري، أبو الحسن، 1397 ه، الإبانة عن أصول الديانة، تحقيق: فوقیت

حسین محمود، القاهرة، دار الأنصار

11. البوطي، سعید رمضان، 1387، سلفيه؛ بدعت یا مذهب، ترجمه حسین

صابري، مشهد، مركز بحوث العتبة الرضويّة المقدّسة

ص: 250

12. پارسانیا، حمید، 1389، حدیث پیمانه پژوهشي در انقلاب اسلامي، قم، دفتر

نشر معارف

13. جوادي آملي، عبد الله، دین شناسي، قم، نشر اسراء 14. الذهبي، محمد حسين، التفسير و المفسرون، مكتبة و هبة

15. السبحاني، جعفر، 1414 ه، البحوث في الملل و النحل، قم، مؤسسة النشر

الإسلامي

16. الشنقيطي، محمد الأمين، منع الجواز المجاز في المنزل التعبد و الاعجاز،

القاهرة، مكتبة ابن تيمية

17. عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الطبعة الثانية؛ 1402 ه / 1982 م، الأدلة النقلية و الحسية علي جريان الشمس و سكون الأرض و إمكان الصعود إلى الكواكب؛ الرياض: مكتبة الرياض الحديثة

18. علیزاده موسوي، سيد مهدي، 1393، تبار شناسي سلفي گري و وهابیت، قم،

دفتر تبلیغات اسلامي

19. عنایت، حمید، 1372، اندیشه سیاسی در اسلام معاصر، ترجمه بهاء الدين

خرمشاهي، طهران، خوارزمي

20. عزام، عبد الله، 1413 ه، اعلان الجهاد، باکستان، مركز الشهيد عزام الإعلامي 21. فيرحي، داود، 1391، فقه و سیاست در ایران معاصر، طهران، نشر ني

22. فيرحي، داود، 1387، روش شناسي دانش سياسي در تمدن اسلامي، قم،

أكاديمية العلوم والثقافة الإسلامية

23. قطب، سید، 1361، معالم في الطريق، ترجمه محمود محمودي، طهران، نشر

احسان 24. القرضاوي، يوسف

مصطفی، 1427 ق، دراسة في فقه مقاصد الشريعة؛ بين

المقاصد الكلية و النصوص الجزئية، القاهرة، دار الشروق

ص: 251

25. میر احمدي، منصور، 1389، درس گفتارهايي در فقه سیاسي، قم، أكاديمية

العلوم و الثقافة الإسلامية

26. ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى؛ 1412 ه / 1992 م، سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و أثرها السيئ في الأمة، الرياض: الناشر: مكتبة المعارف المجلد الأول

27. لوآي. م. صفي، 1380، چالش مدرنیته جهان عرب در جستجوي اصالت،

ترجمه سید احمد موثقي، طهران، نشر دادگستر

ص: 252

أوجه الشبه بين الوهابيين التكفيريين والخوارج وحكمهما

تأليف: محمد جواد حاج ابوالقاسمي(1)

ترجمة: حسين صافي

نبذة:

بادئ ذي بدء، يسجّل المقال آراء علماء أهل السنّة حول انطباق لفظ الخوارج على الوهابيين التكفيريين، و من ثمّ يبرز أوجه الاشتراك بين هؤلاء والخوارج في الظاهر و السيرة و استحلال دماء المسلمين و الاعتقاد بتحوّل بلاد الإسلام إلى بلاد شرک بسبب المعاصي، و ابتداع حدود جديدة، و غير ذلك من المشتركات، ثم ننهي المقال ببيان اختلاف علماء أهل السنّة في الحكم على الخوارج حيث يتراوح بحسب رواياتهم و بالاستناد إلى أصولهم المختلفة بين التكفير و التضليل و القتل.

الكلمات المفتاحية: الوهابية، التكفير، الخوارج، بلاد الكفر، الكبائر، الشرک، التوحيد.

ص: 253


1- خبير في قناة الولاية الفضائية

المقدمة:

يُنظر إلى فتنة الخوارج على أنّها من أشدّ الفتن التي مرّت على الأمة الإسلامية، و الخوارج جماعة من الأفراد ضلّت بصيرتهم و زعموا التديّن و التقوى، فكفّروا الآخرين بسبب فهمهم الخاطئ للدين، و أوقدوا نيران الاقتتال بين المسلمين. و الحق، إنّ فتنتهم كانت طخياء عمياء أشدّ وطأة من فتن المتسلّطين و حكّام الجور، لأنّ حقيقة هؤلاء الحكّام تتعرّى على الملأ بقليل من التبصّر و البحث و التمحيص، فيما لا يطال المرء من فتنة الخوارج سوى مزيجاً من التعبّد و الكلمات البراقة الخداعة و الإرشادات الدينية و لا شيء سوى ذلك! و عليه كان يتعذّر على غير ثاقب النظر و المتبحّر في الدين أن يكشف دجلهم و ضلالهم الداخلي.

هذا الظاهر المنمّق و المخادع للخوارج هو الذي أضلّ الكثير من الناس و جذبهم إليهم، و لكن عندما حان قطاف تلك العبادات و آن لها أن تتجسّد على أرض الواقع، لم يكن الحاصل سوى عنف أعمى ضدّ المسلمين و سفك لدماء الأبرياء، حينذاك صدق إنباء العالمين بالدين في هذه الجماعة و افتضح أمرها، و لكن لات حین مناص، فهي الحرب التي أطاحت برؤوس معظم زعمائها، و أودت بهم إلى الردى.

لم تكن تلك الحرب نهاية الخوارج، فهي فكرة تأصّلت في نفوس البعض ليرثها الخلف عن السلف، و لكن في كل مرّة كانوا يظهرون تحت عنوان جديد ليشدّوا إليهم الناس من جديد، غير أنّ باطنهم واحد و حقیقتهم هي هي لم تتغيّر، فكان علماء المسلمين في كل حقبة يتفرّسون فيهم هذه الخصال فيتعرّفونهم - في كل لبوس و اسم - ويفضحونهم أمام المسلمين.

ولا يخلو عصرنا أيضاً من جماعات تحت مسميات كثيرة مثل السلفية الجديدة و

الوهابية ... إلخ شغلها الشاغل هو تكفير سائر المسلمين و قتالهم.

و من سمات الجماعات التكفيرية في عصرنا و بالأخص الفرقة الوهابية التي شدّت إليها انتباه الكثير من الباحثين، المشتركات التي تجمعها مع الخوارج على صعيد الظاهر و السلوک و العقيدة؛ وقد بلغت هذه المشتركات حدّاً جعلت معظم علماء أهل السنّة

ص: 254

يصرّحون بها جهاراً، و ازدادت وتيرة هذه التصريحات لا سيّما في السنوات الأخيرة بسبب الجرائم و المجازر التي يرتكبها الوهابيون التكفيريون؛ لقد شوّهت هذه الجرائم التي ترتُكب باسم الدين صورة الإسلام، فدفعت علماء الفريقين إلى مقارنة منهج هذه الجماعات و سلوكها بسيرة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و وصاياه، لفضح حقيقة هذه الأعمال و تعريتها أمام الناس ليتبيّنوا بأنفسهم إن كانت هذه الأعمال هي حقّاً نابعة من الدين و أحكامه أم لا؟

كان في ظنّ الوهابيين و التكفيريين الجدد أنّهم سيكسبون تأیید علماء أهل السنّة و تعاطفهم بسبب انتمائهم الظاهري للمذهب السنّي، أو على الأقل أن يدفع العامل المذهبي إلى تحييدهم لكي لا يصطدموا بهم، لكن علماء أهل السنّة انبروا جميعاً إلى جانب إخوانهم علماء الشيعة للتأكيد على أنّ هؤلاء التكفيريين هم خوارج العصر فكان لذلك أثر كبير في توعية الناس، و أحد الأسباب الأساسية في تحجيم هذه الجماعات و وقف تعاظم نفوذها و الحيلولة دون انتشاره هو خطابات كبار علماء أهل السنّة و أهم رموزهم في هذا الموضوع حيث سنستعرض قسماً منها في الفصل الأول من هذا البحث.

1. وصف علماء أهل السنّة الوهابيين بالخوارج:

من النادر أن تجد أحداً من علماء أهل السنّة المعاصرين لم يُدِل برأي مناهض للوهابيين و التكفيريين، أو على الأقل، لم يبذل جهداً في تصحيح معتقدات عامة أهل السنّة للتصدّي للأفكار التكفيرية، و قد ذهب فريق من علماء أهل السنّة إلى حدّ إطلاق كلمة «الخوارج» على الوهابيين، حيث نشير هنا إلى بعضٍ منهم:

ا. ابن عابدين الحنفي وهو من مشاهير علماء الحنفية، و قد كتب في حاشية ردّ المحتار يقول: مطلب في أتباع عبد الوهاب الخوارج في زماننا قوله:

«ویکفرون أصحاب نبینا» علمت أن هذا غير شرط في مسمى الخوارج بل هو بيان لمن خرجوا على سيدنا علي رضي الله تعالی عنه وإلا فيكفي فيهم اعتقادهم كفر من خرجوا عليه كما وقع في زماننا في اتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا

ص: 255

ينتحلون مذهب الحنابلة لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم حتى كسر الله تعالى شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف(1).

ب. العلامة الصاوي المالكي

عالم مصري شهير، كتب في تفسيره الموسوم «حاشية العلامة الصاوي على تفسير الجلالين» في ذيل الآية الكريمة «الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ»(2) يقول

«وقيل هذه الآية نزلت في الخوارج الذين يحرّفون تأويل الكتاب والسنة ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم كما هو مُشَاهَدٌ الآن في نَظَائِرهم وهم فرقة بأرض الحجاز يقال لهم الوهابية يحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذکر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم»(3)!

ج. السيد الشريف عبد الله فضل باشا العلوي الحجازي

أحد علماء مصر، صنّف كتاباً في الردّ على الوهابيين بعنوان «صدق الخبر في خوارج القرن الثاني عشر»(4)، برهن فيه استناداً إلى أدلة أهل السنّة على أنّ الوهابيين هم خوارج آخر الزمان كما ورد في أحاديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

ص: 256


1- ابن عابدین، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز الوفاة: 1252، حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنویر الأبصار فقه أبو حنيفة (حاشية ابن عابدین) ج 4 ص 262
2- سورة فاطر : آیه 7
3- الصاوي المالكي، احمد بن محمد الخلوتي الصاوي المصري المالكي (الوفاة 1241)، حاشية العلامة الصاوي علي تفسير الجلالین، ج 5 ص 78
4- طبع هذا الكتاب في عام 1346 ه في مطبعة الكومين في اللاذقيه بسوریه، ثم أعيد طبعه في دار و مكتبة بيبليون، پاریس، 2008 م

د. علماء مكة و المدينه في فترة سقوط العصر الوهابي الأول

الدكتور خالد فهمي، خريج جامعة أكسفورد و أستاذ في قسم الشرق الأوسط في جامعة نيويورک و عضو في قسم التاريخ المصري، و قسم التاريخ الأمريكي، أجرت إذاعة التحرير المصرية معه مقابلة صحفية، و قدّم خلالها وثيقة مهمة جداً ممهورة بختم المفتين في مكة و المدينة المنورة و كذلك أئمة الجمعة و الجماعة في الحرمین الشریفین المسجد الحرام و المسجد النبوي الشريف، و هذه الوثيقة عبارة عن رسالة بعث بها هؤلاء العلماء إلى محمد علي طولون باشا قائد الجيش المصري يوجّهون التحية و الشكر له على النصر الذي حققه و المتمثّل بدحره الوهابيين و جاء في هذه الرسالة:

«ینهون إلى مسامعكم العالية الطاهرة بأنه قد وفدت إليهم عساکرکم المنصورة فأنقذتهم من أيدي أولئك الشرور الخوارج المعتدين الطغاة البغاة الملحدين الذين سعوا في جزيرة العرب بالفساد وزيفوا عقائدهم بالحلول والإلحاد واستحلوا دماء أهل الإسلام وصدوا كل وافد إلى بیت الله الحرام فشكر الله صنيعكم على هذه النعمة العظيمة»(1).

ه. الشيخ احمد بدر الدين حسون (مفتي اهل السنة و الجماعة في سورية) قال الشيخ الحسون في كلمته الشهيرة حول التكفيريين و الوهابيين:

«ومن قتل عليا رضوان الله علیه؟ أناس إذا صلوا خجلنا من صلاتنا وإذا صاموا خجلنا من صومنا يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية هؤلاء الذين يظهرون التمسك بالدين ويكفرون عموم المسلمين هؤلاء الذين تطول لحاهم وتقصر أثوابهم ويكثر مظاهر الأراك في أيديهم ولا يرون في الدنيا إسلاما إلا هم والآخر کفار، ويؤسفني أن أقول إنهم الآن يعودون ... هؤلاء من قتلوا سيدنا عليا، هؤلاء الذين يخرجون جددا الآن وهم خطر ما بعدهم خطر»!(2)

ص: 257


1- http://www.youtube.com/watch?v=a56YHozI7DY
2- http://www.youtube.com/watch?v=vlukDxJZIA

و. الشيخ احمد الطيب (شيخ الأزهر بمصر) أجرى لقاءً مع قناة «دريم» الفضائية، وصف فيه التكفيريين بشكل صريح بخوارج

عصرنا(1).

ز. الشيخ علي جمعة (مفتي الازهر بمصر)

قال في خطبة الجمعة:

«فقال (النبي صلی الله علیه و آله وسلم) سيأتي أقوام أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من كلام خير البرية لا يجاوز إيمانهم تراقيهم طوبى لمن قتلهم وقتلوه من قتلهم كان أولى بالله منهم حذرنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من كلاب النار وقال الخوارج کلاب النار ... نعم إن هؤلاء الذين يتكلمون بغير علم فيما لا يتقنون بلاء العصر»(2).

ح. الشيخ احمد محمود کریمة (أحد مشاهير علماء الازهر)

حصل الشيخ كريمه على شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر و حاز على المرتبة الأولى في قسمه، و هو من علماء أهل السنّة المكثرين في نقد الوهابية و في كثير من أحاديثه وصف الوهابيين بخوارج عصرنا. و من أشهر الأحاديث التي أدلى بها مقابلة مع الإعلامي الشهير «طوني خليفة» في إذاعة «القاهرة و الناس» بمناسبة المواجهات التي وقعت بين السلفيين المصريين و المناصرين للسعودية و بين الجيش المصري، قال في تلك المقابلة:

«هؤلاء المتسلفون الذين اخترعوا دینا جديدا يخالف ما عليه صحيح الإسلام وأخبر بهم النبي صلی الله علیه و آله وسلم بأنهم خوارج الزمان فقال في ما صح عنه سيخرج في أواخر الزمان حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية تحقرون

ص: 258


1- بدأت المقابلة معه بهذه الكلمات: فضيلتك واصف بعض السلفيين بأنهم خوارج العصر http://www.youtube.com/watch?v=shbIK.K_U1
2- http://www.youtube.com/watch?v=M4jJUqFgwuo

صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم يقرئون القرآن لا يجاوز

حلقومهم ... هم خوارج هذا الزمان والوقائع تشهد ...»(1).

ط. الدكتور السيد جبر الحسني أحد علماء الازهر يقول في الوهابيين و التكفيريين:

«بعض العلماء في كتبهم سماهم بالقرنيون، لأن من نجد يخرج قرن الشيطان؛ فسماهم القرنيون نسبة لهذا الإسم؛ وبعض العلماء سماهم الوهابية؛ لأن هذا الفكر اوّل ما نشأ، نشأ على لسان محمد بن عبد الوهاب ... كما ورد في حديث صحيح البخاري عندما دعا صلی الله علیه و آله وسلم للشام بالبركة ولليمن بالبركة، فقيل له ولنجدنا یا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال صلی الله علیه و آله وسلم عندها يطلع قرن الشيطان و صدق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و انتشر هذا الفكر من

قبل نجد فهو مذهب شيطاني كما سماه النبي صلی الله علیه و آله وسلم»(2).

ي. الدكتور حسن الشافعي، المستشار الأول لشيخ الأزهر و رئيس المجمع

العلمي العربي

أجرى مقابلة مع شبكة البي بي سي، حيث سأله المذيع: هل تعتقد أنّ هذه الجماعات

المتطرّفة تمثّل الخوارج؟ فأجاب قائلاً:

«أما إنهم خوارج، فهم خوارج قطعا لأنهم انشقوا عن صفوف المسلمين ورفعوا السلاح ...».

ک. حاجي ماموستا شکري (أحد علماء أهل السنّة المشهورين في منطقة

کردستان)

ظهر في أحد المقاطع الفيديوية المتاحة على الشبكة العنكبوتية يتحدّث عن الوهابية

قائلاً:

ص: 259


1- http://www.youtube.com/watch?v=eouNGwBSLdE
2- http://www.youtube.com/watch?v=VigZZSZWrwE

«ما هو أصل الوهابية؟ أصلها ذو الخويصرة (من الخوارج) الذي تجاسر في حضرة النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم، لقد كان شخصاً أحمقاً ... لو أنّ الصحابة و الفقهاء الذين كانوا يحيطون بالنبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم موجودون اليوم لما سلموا كذلک من لسان الوهابيين و من قتلهم».

ل. الشيخ محمد زغموط (رئيس المجلس الاسلامي في فلسطين) قال في كلمة تعليقاً على اغتيال الشيخ البوطي:

«هؤلاء الذين تنقلوا من ظهور الخوارج، من خارج الى خارج حتى وصلوا اليوم إلى هنا، هؤلاء هم خوارج الأمة قتلة الأمة أعوان الأمريكان أعوان الصهاينة، هولاء صنائع أعداء الأمة ... هؤلاء لا صلة الهم لا بالإسلام ولا بالمسلمين هم خوارج هذه الأمة»(1).

م. مولوي عبد الرحمن سربازي (من علماء أهل السنّة في إيران) يقول في نفس السياق:

«الوهابية من وجهة نظر علماء المذاهب الأربعة خطر تعاظم بشكل

عجیب و مفزع».

كما كتب علماء آخرون من بينهم العلامة الشامي المعروف السيد محمد أمين بن عابدين الذي قال بأنّ هؤلاء يسيرون على خطى الخوارج، فهم يعتبرون أنفسهم مسلمين و كل من سواهم كافر، و يستحلون قتل المسلمين كما كان الخوارج يفعلون(2).

ن. عبد القادر الشيخ ابراهيم (من علماء أهل السنّة في الصومال) قال في مقابلة مع قناة العالم الفضائية: «نحن لا نقول السلفية في الصومال، نسميهم الخوارج ...»(3).

ص: 260


1- http://www.youtube.com/watch?v=Rqo - qjovBvA
2- http://www.aparat.com/v/hzMNf
3- http://www.youtube.com/watch?v=fSgienHyYXc

س. الشيخ عبد العزيز هرتلي الشافعي (من مشاهير علماء أهل السنّة في

کردستان)

أصدر هذا العالم الشافعي المعروف کتاباً مناهضاً للوهابية تحت عنوان «فلنتعرف عن كثب على الخوارج الوهابيين و السلفيين» و فيه يصف الوهابيين ب«خوارج آخر الزمان»(1).

ع. الشيخ عبد الله القحطاني

من علماء أهل السنّة في عمان، و أحد أشهر أساتذة الفقه و العقيدة في هذا البلد.

ألف كتاباً أسماه «هؤلاء هم الخوارج» يسمّي صراحة الوهابيين و السلفية التكفيرية

(خوارج عصرنا)(2).

ف. الأستاذ مصطفى الحبيبي (أستاذ الجامعة الإسلامية في تونس) هو أيضاً يقول: «لذلك نحن الآن نسمي الوهابية بخوارج العصر»(3).

2. الشبه في العلائم الظاهرية بين الوهابيين و الخوارج:

أما وقد استعرضنا مواقف كبار علماء أهل السنّة في الوهابية و المتمسلفون، نتناول

فيما يلي أوجه الشبه بين الوهابيين و الخوارج، و نبدأ أولاً مع أوجه الشبه الظاهرية:

ا. التحليق

إحدى العلائم الظاهرية لخوارج عصر النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم طبقاً لما ورد في أحاديث أهل السنّة التحليق، فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده حديثاً صحّحه بقية علماء أهل السنّة من جملتهم حمزه احمد الزين(4)؛ حيث يقول:

ص: 261


1- طبع الكتاب في إيران في عام 2010 م من قبل منشورات شيخي بطهران، وقام بترجمته جعفر پروینی
2- طبع هذا الكتاب بلا تاريخ للنشر و لا اسم الناشر، لكنّه متاح على الشبكة العنكبوتية و يمكن الوصول إليه بسهولة
3- http://www.youtube.com/watch?v=W+GxaCHFNE
4- ابن حنبل الشيباني، أبو عبد الله احمد (الوفاة 241 ه)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج 15، ص 42، ذیل رواية العدد 19694، الناشر: دار الحديث بالقاهره مصر - شرح حمزة احمد الزين

«قال شريك بن شهاب: عبد الصَّمَدِ قال لَیْتَ أنی رأیت رَجُلاً من أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله وسلم یحدثنی عَنِ الْخَوَارِجِ قال فَلَقِیتُ أَبَا بَرْزَةَ فی نَفَرٍ من أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله وسلم فقلت حدثنی شَیْئاً سَمِعْتَهُ من رسول اللَّهِ صلی الله علیه و آله وسلم فی الْخَوَارِجِ قال أُحَدِّثُکُمْ بشیء قد سَمِعَتْهُ أذنای وَرَأَتْهُ عینای أُتِیَ رسول اللَّهِ صلی الله علیه و آله وسلم بِدَنَانِیرَ فَقَسَمَهَا وَثَمَّ رَجُلٌ مَطْمُومُ الشَّعْرِ آدَمُ أو أَسْوَدُ بین عَیْنَیْهِ أَثَرُ السُّجُودِ وعلیه ثَوْبَانِ أَبْیَضَانِ فَجَعَلَ یَأْتِیهِ من قِبَلِ یَمِینِهِ وَیَتَعَرَّضُ له فلم یُعْطِهِ شَیْئاً قال یا محمد ما عَدَلْتَ الْیَوْمَ فی الْقِسْمَةِ فَغَضِبَ عضبا شَدِیداً ثُمَّ قال: «والله لاَ تَجِدُونَ بعدی أَحَداً أَعْدَلَ عَلَیْکُمْ مِنِّی» ثَلاَثَ مرات ثُمَّ قال: «یَخْرُجُ من قِبَلِ الْمَشْرِقِ رِجَالٌ کان هذا منهم هَدْیُهُمْ هَکَذَا یقرؤون الْقُرْآنَ لاَ یجاوز تَرَاقِیَهُمْ یَمْرُقُونَ مِنَ الدِّینِ کما یَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِیَّةِ ثُمَّ لاَ یَرْجِعُونَ فیه سِیمَاهُمُ التَّحْلِیقُ لاَ یَزَالُونَ یَخْرُجُونَ حتی یَخْرُجَ آخِرُهُمْ مع الدَّجَّالِ فإذا لَقِیتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِیقَةِ»(1). جاء مضمون رواية مسند أحمد في سنن النسائي، و لكن مع اختلاف قليل، و هذا

يثبت أنّ المحلّقين هم خوارج آخر الزمان(2)!

و عملاً بهذه العلامة أمر الوهابيون (في الفترة الأولى من حكومتهم) جميع أتباعهم بحلق رؤوسهم، وفي ذلك يقول صاحب کتاب الجواهر المضية الذي يضمّ أقوال و رسائل محمد بن عبد الوهاب و علماء الوهابية الكبار، يقول في مسألة حلق الرأس ما يلي:

«وأما السؤال الخامس عن حلق شعر الرأس ... وأما تعزير من لم يحلق وأخذ ماله فلا يجوز وينهي فاعله عن ذلك ... وإنما نهي عنه ولي الأمر لأن الحلق هو العادة عندنا ولا يتركه إلا السفهاء عندنا فنهي عن ذلك

ص: 262


1- المصدر نفسه
2- یَخرُجُ فی آخِر الزَّمانِ قَومٌ کأنّ هذا مِنهم یَقرؤونَ الْقُرآنَ لایجاوِز ترَاقیهم یَمرُقون مِنَ الْإِسلامِ کما یَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمیَّهِ سیماهُم التَّحلیقُ لایَزالونَ یَخرُجون حَتّی یَخرُج آخِرُهم مَع الْمسیحِ الدّجالِ، النسائي، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن (الوفاة: 303)، سنن النسائي (المجتبى)، ج 7، ص 120، العدد 4103

تنزيها لا نهي تحريم سدا للذريعة ولأن كفار زماننا لا يحلقون فصار

في عدم الحلق تشبها بهم»(1). وفي نفس الموضوع يقول زيني دحلان مفتي الشافعية في مكة في فترة سقوط العهد

الوهابي الأول، نقلاً عن مفتي زبيد:

«و كان السيد عبد الرحمن الأهدل مفتي زبيد يقول لا حاجة إلى التأليف في الرد على الوهابية بل يكفي في الرد عليهم قوله صلی الله علیه و آله وسلم سيماهم التحليق فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم.»(2).

ب. حلق الشارب و قصر الثوب

رواية أخرى وردت في كتب أهل السنّة في علائم الخوارج هي تلك التي ذكرها کتاب تاریخ بغداد أو تاريخ مدينة السلام حيث يقول إنّ الخوارج يحلقون رؤوسهم و يقصّرون ثيابهم حتى نصف الساق، و في نفس الموضوع ينقل الخطيب البغدادي عن السيدة عائشة زوجة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في بيان علامات الخوارج قولها:

«فقالت عائشة ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق سمعت النبي صلی الله علیه و آله وسلم يقول تفترق أمتي على فرقتين تمرق بينهما فرقة محلقون رؤوسهم محفون شواربهم إزارهم إلى أنصاف سوقهم يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم،

فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإنَّ قتلهم أجرٌ لمن قتلهم يوم القيامة»(3).

و يمكن أن نلحظ بوضوح هذه العلائم في ظواهر الوهابية.

ج. الصفات المطبقة على فرقة قرن (أو أمة) الشيطان في أحاديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

إحدى العلامات الدالة على الفتنة و خوارج آخر الزمان نقلاً عن الأحاديث الواردة في مصادر أهل السنّة قرنا الشيطان التي بحسب تفسیر علماء أهل السنّة على هذه الروايات تنطبق على الخوارج؛ يكتب السهيلي في هذا الموضوع قائلاً:

ص: 263


1- محمد بن عبد الوهاب، مجموعة الرسائل و المسائل النجدية الجزء الرابع المسماة بالجواهر المضية ص 578 باب حكم المصافحة و المعانقة و تقبيل اليد و حلق الرأس
2- أحمد بن زيني دحلان (الوفاة 1304 ه)، فتنة الوهابية، ص 14
3- الخطيب البغدادي أحمد بن علي أبو بكر (الوفاة: 463)، تاریخ بغداد ج 1 ص 160

«وظهر صدق الحديث في الخوارج و كان أولهم من ضئضئي ذلك الرجل أي من

أصله و كانوا من أهل نجد التي قال النبي منها يطلع قرن الشيطان»(1).

و لمزيد من التوضيح نستعرض هنا بعض الأحاديث المروية في مصادر أهل السنّة

في هذا الموضوع:

1- سيخرج قرن الشيطان من نجدا

جاء في صحيح البخاري:

«حدثنا محمد بن الْمُثَنَّی قال حدثنا حُسَیْنُ بن الْحَسَنِ قال حدثنا بن عَوْنٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال: اللهم بَارِکْ لنا فی شَامِنَا وفی یَمَنِنَا قال، قالوا: وفی نَجْدِنَا قال، قال: اللهم بَارِکْ لنا فی شَامِنَا وفی یَمَنِنَا قال، قالوا: وفی نَجْدِنَا قال، قال: هُنَاکَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ وَبِهَا یَطْلُعُ قَرْنُ الشَّیْطَانِ»(2).

و الجدير بالذكر أنّ محمد بن عبد الوهاب أصله من منطقة نجد التي شهدت عقد

حلف بينه و بين محمد بن سعود.

ولطالما قدّم الوهابيون تبريرات حول اسم نجد بقولهم أنّها تعني الأرض السهلة

المنبسطة!

و أنّ مثل هذه المنطقة توجد في أرض العراق أيضاً! و المقصود بكلمة «نجد» الواردة في الأحاديث هي «العراق»! و هكذا نرى تلبيسهم کلام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الصريح بحجج واهية، و يذكر التاريخ أنّ أحد المعاصرين لمحمد بن عبد الوهاب و يدعى «محمد بن اسماعيل الصنعاني» أمير اليمن و مجتهدها، حين سمع بخروج تیار دیني في نجد فرح كثيراً و أنشد قصيدة بهذه المناسبة يقول مطلعها:

سلام على نجد ومن حل في نجد وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي(3)

ص: 264


1- السهيلي (الوفاة: 181)، الروض الانف ج 4 ص 274
2- البخاري، محمد بن اسماعيل أبو عبد الله (الوفاة 256)، صحيح البخاري ج 1، ص 351، العدد 990
3- و تعدى ذلك إلى تكفير جمهور المسلمين و قد قاتلهم بهذا الوجه الذي أبداه و قد وقفت على رسالة لهم في هذا الشأن و قد كان المولى العلامة السيد محمد بن إسماعيل الأمير بلغه من أحوال هذا النجدي ما سره فقال قصيدته المشهورة سلام على نجد و من حل في نجد و إن كان تسليمي على البعد لا يجدي ثم لما تحقق الاحوال من بعض من وصل إلى اليمن وجد الأمر غير صاف عن الأدغال و قال رجعت عن القول الذي قلت في النجد فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي القنوجي البخاري، أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني (الوفاة: 1307 ھ)، أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم ج 3 ص 196

بمعنى أنّ العلامة الشاخصة للوهابيين هي خروجهم من نجد! و لكن بعد أن اطلع هذا الشيخ على حقيقة أحوالهم و وجد أنّ الأمر لا يخلو من أغراض سيئة و أدغال ندم و رجع عن الأبيات التي قالها و أنشد غيرها حيث يقول في مطلعها:

رجعت عن القول الذي قلت في النجد فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي

فضلاً عن ذلك فإنّنا إذا ما عدنا إلى كتب اللغة سنلاحظ أنّ كلمة «نجد» لا تعني

العراق، حيث يقول الفيومي:

«و (النجد) ما ارتفع من الأرض و الجمع (نجود) مثل فلس و فلوس و بالواحد سمي بلاد معروفة من ديار العرب مما يلي العراق و ليست من الحجاز و إن كانت من جزيرة العرب»(1).

و يقول ابن منظور الأفريقي [صاحب لسان العرب]:

«وما ارتفع عن تهامة إلى أرض العراق، فهو نجد»(2).

و كذلك أنشد الأبيوردي الأموي أبياتاً شعرية جاء فيها: فَإِنَّکَ إِنْ أَعْرَقْتَ وَالقَلْبُ مُنْجِدٌ نَدِمْتَ وَلَمْ تَشْمُمْ عَراراً وَلا رَنْدا(3) و يتبيّن لك بوضوح من هذه الأقوال الفرق بين العراق و نجد.

و في نفس السياق كتب الشيخ سليمان بن عبد الوهاب أخو محمد بن عبد الوهاب

في كتابه الذي ألفه للردّ على الوهابية:

ص: 265


1- الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري (الوفاة: 770 ه)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي ج 2 ص 593
2- ابن منظور الأفريقي، محمد بن مکرم بن منظور المصري (الوفاق: 711)، لسان العرب ج 3 ص 413
3- الأبيوردي، ديوان الأبيوردي ج 1 ص 770

«(فصل) ومما يدل على بطلان مذهبكم ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالی عنه عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال رأس الكفر نحو المشرق وفي رواية الإيمان يماني والفتنة من ها هنا حيث يطلع قرن الشيطان وفي الصحيحين أيضا عن ابن عمر رضي الله تعالی عنه عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال وهو مستقبل المشرق إن الفتنة هاهنا ... أقول أشهد أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لصادق فصلوات الله وسلامه وبرکاته عليه وعلى آله وصحبه أجمعين لقد أدى الأمانة وبلغ الرسالة».(1)

2- خروج قرن الشيطان من شرق المدينة!

يذكر البخاري في صحيحه علامة خروج قرن الشيطان و الخوارج، و هي أنّ خروجه

يكون من شرق المدينة! فقد جاء في هذا الكتاب:

«حدثنا قُتَیْبَةُ بن سَعِیدٍ حدثنا لَیْثٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ رضی الله عنهما أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله وسلم وهو مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ یقول ألا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا من حَیْثُ یَطْلُعُ قَرْنُ الشَّیْطَانِ»!(2)

3- قرن الشيطان سيخرج من بين قبيلتي ربيعة و مضر!

علامة أخرى على خروج قرن الشيطان و خوارج آخر الزمان وردت في مصادر أهل السنّة و هي أنّ هذا القرن سيخرج من ظهراني قبيلتي ربيعة و مضر، فقد جاء في صحيح مسلم:

«حدثنا أبو بَکْرِ بن أبی شَیْبَةَ حدثنا أبو أُسَامَةَ ح وحدثنا بن نُمَیْرٍ حدثنا أبی ح وحدثنا أبو کُرَیْبٍ حدثنا بن إِدْرِیسَ کلهم عن إسماعیل بن أبی خَالِدٍ ح وحدثنا یحیی بن حَبِیبٍ الْحَارِثِیُّ واللفظ له حدثنا مُعْتَمِرٌ عن إسماعیل قال سمعت قَیْسًا یَرْوِی عن أبی مَسْعُودٍ قال أَشَارَ النبی صلی الله علیه و آله وسلم

ص: 266


1- سليمان بن عبد الوهاب (الوفاة 1210)، الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية، ص 43
2- البخاري، محمد بن اسماعيل أبو عبد الله (الوفاة 256)، صحيح البخاري ج 6، ص 2598، 6680

بیده نحو الْیَمَنِ فقال: «ألا إِنَّ الْإِیمَانَ ها هنا وأن الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فی الْفَدَّادِینَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ حَیْثُ یَطْلُعُ قَرْنَا الشَّیْطَانِ فی رَبِیعَةَ وَمُضَرَ»!(1)

و لكن ربّما يتساءل أحدهم، ما علاقة هذه المسألة بالوهابية؟

في كتابه حول سيرة الملك عبد العزيز آل سعود يبحث أمين الريحاني الوهابي في شجرة نسب محمد بن عبد الوهاب و محمد بن سعود، ليكتشف أنّ الأول من قبيلة مضر و الثاني من قبيلة ربيعة(2).

د. استغلال شعار «لا حكم إلا لله»

من العلامات الظاهرية للخوارج هي شعارهم الشهير الذي رفعوه «لا حكم إلا لله».

يقول الدكتور يوسف محمد الغفيص في هذا السياق حول شرح الطحاوية:

«و أول بدعة حدثت في الإسلام وهي بدعة الخوارج استطال أهلها بالحق؛ لأنهم ادعوا الحق دليلاً على بدعتهم - أي جعلوه شعاراً لبدعتهم - فقالوا لعلي: «حکمت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله»،

فالكلمة حق، وعلي نفسه قال: «كلمة حق اُريد بها باطل»!(3) و بالنسبة لسوء استغلال الخوارج للشعار أعلاه كتب الدكتور محمد عيدان أحمد

الدليمي ما يلي:

«واستدلوا على كفر علي رضوان الله علیه بقوله تعالى: «إِنِ الحُكمُ إِلاَّ لِلَّهِ» بحجة أن علياً حكّم

الرجال في كتاب الله فيكون قد حكم غير الله في أمر المسلمين»(4).

و المثير للدهشة أنّ محمد بن عبد الوهاب أيضاً يستدل بهذه العبارة في تكفيره

لمخالفيهم من المسلمين! فقد جاء في كتابه «الرسائل الشخصية»:

ص: 267


1- النيسابوري، مسلم بن الحجاج، أبو الحسين القشيري (الوفاة 261)، صحيح مسلم ج 1، ص 71، العدد 51
2- الريحاني، أمين، تاریخ نجد و سيرة عبد العزيز آل سعود، ص 33
3- الغفيص، يوسف محمد، شرح العقيدة الطحاوية ج 1 ص 311
4- الدليمي، محمود عيدان أحمد، الصحابة و مكانتهم عند المسلمین، ج 1 ص 129

«الخامس: أنه ذكر في «قل هو الله أحد» أنها كافية في التوحيد فوحد نفسه الأفعال فلا خالق إلا الله، وفي الألوهية فلا يعبد إلا إياه، وبالأمر والنهي فلا حكم إلا لله، فيقرر هذه الأنواع الثلاثة، ثم يكفر بها كلها ويرد علينا؛ فإذا كفرنا من قال إن عبد القادر والأولياء ينفعون ويضرون قال: كفرتم أهل الإسلام، وإذا كفرنا من يدعو شمسان وتاجا وحطاباً قال كفرتم أهل الإسلام، والعجب أنه يقول إن من التوحید توحيد الله

بالأمر والنهي فلا حكم إلا لله، ثم يرد علينا إذا عملنا بحكم الله»(1). إذن، على غرار ما فعل الخوارج، يريد محمد بن عبد الوهاب، من خلال إساءة استغلال عبارة «لا حكم إلا لله» تطبيق كل ما يندرج في إطار حكم الله بحسب زعمه، على الآخرين. كما فعل الخوارج حين أرادوا فرض رؤيتهم الخاطئة على الآخرين عبر إساءتهم استغلال عبارة «لا حكم إلا لله».

ه. ضحالة في الذكاء، و تلاوة للقرآن و السنّة دون فهمهما

يورد مسلم في صحيحه رواية عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام نقلاً

عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

«حدثنا محمد بن عبد اللَّهِ بن نُمَیْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن سَعِیدٍ الْأَشَجُّ جمیعا عن وَکِیعٍ قال الْأَشَجُّ حدثنا وَکِیعٌ حدثنا الْأَعْمَشُ عن خَیْثَمَةَ عن سُوَیْدِ بن غَفَلَةَ قال قال عَلِیٌّ إذا حَدَّثْتُکُمْ عن رسول اللَّهِ صلی الله علیه و آله وسلم فَلَأَنْ أَخِرَّ من السَّمَاءِ أَحَبُّ إلی من أَنْ أَقُولَ علیه ما لم یَقُلْ وإذا حَدَّثْتُکُمْ فِیمَا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ فإن الْحَرْبَ خَدْعَةٌ سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله وسلم یقول سَیَخْرُجُ فی آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ یَقُولُونَ من خَیْرِ قَوْلِ الْبَرِیَّةِ یقرأون الْقُرْآنَ لَا یُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ یَمْرُقُونَ من الدِّینِ کما یَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِیَّةِ فإذا لَقِیتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فإن فی قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ یوم الْقِیَامَةِ»!(2)

ص: 268


1- محمد بن عبد الوهاب، الرسائل الشخصية، الرسالة الثالثة عشر ج 1 ص 57
2- النيسابوري، مسلم بن الحجاج، أبو الحسين القشري (الوفاة 261)، صحیح مسلم، ج 2، ص 746، العدد 1066

و نفس هذه الرواية ينقلها البخاري ولكن بصورة ناقصة في «باب قتل الخوارج»(1)، ما

يدلّ على أنّ هذه الخصال هي خصال خوارج آخر الزمان. طبعاً لا ننكر وجود أفراد على مستوى من العلم و الذكاء، لكن هذه الخصال هي الحالة السائدة بين أتباع هذه الفرقة(2).

و في عصرنا الحاضر أيضاً نشهد بأنّ الوهابيين الذين يقومون بالعمليات الإرهابية و الانتحارية هم على مستوى فكري متدنٍ و محدود جداً، وفي الغالب يكونون بأعمار متدنية! حيث يقوم الوهابيون بالتغرير بهؤلاء الفتية لقتل أنفسهم و قتل المسلمين!

ولا بدّ من القول بأنّ الوهابيين أنفسهم قد اعترفوا أنّ أتباع هذه الآراء هم في معظمهم من الجهّال و يمتلكون مستوى منخفض من الذكاء! و قد بيّنت نتائج إحدى البحوث التي نشرت في صحيفة عكاظ السعودية أنّ 78٪ من المؤيّدين للعمليات الإرهابية و الأفكار الوهابية هم من الذين فشلوا في بداية حياتهم الدراسية، حتى أنّهم لم يكونوا قادرين على الحصول على الحد الأدنى من درجات القبول في دروسهم(3). طبعاً قد نجد بين زعمائهم و قادتهم من هم على مستوى جيد من الذكاء ممّن يستغلّون حمق و

غباء أتباعهم، و لكن هذا لا ينقض القاعدة العامة.

ولو ألقينا نظرة على قائمة الفتاوى لكبار علماء الوهابية سيتّضح لنا جلياً صدق هذا الكلام، أعني، إمّا أن يكون أتباعهم و من يقبل فتاواهم جهّالاً، أو الذين يصدرون هذه الفتاوى (أو الاثنان معاً)؛ ذلك أنّ بطلان هذه الفتاوى و أدلتها على درجة كبيرة من الوضوح و البداهة!

فهاهو ذا الشيخ ابن باز المفتي العام السابق للمملكة العربية السعودية يقول في فتاواه

المتاحة على جميع المواقع و الكتب:

ا. كل من يقول الشمس ثابتة و الأرض تدور حولها فقد كفر(4)!

ص: 269


1- البخاري، محمد بن اسماعيل أبو عبد الله (الوفاة 256)، صحيح البخاري ج 6 ص 2539
2- على سبيل المثال أبو عبيد و من مشاهير علماء الخوارج و قد قيل في شأنه: لم يكن في الأرض خارجي أعلم بجميع العلوم من أبي عبيدة. الذهبي، أبو عبد الله محمد بن عثمان (الوفاة 748 ه)، سير أعلام النبلاء ج 9 ص 446
3- جريدة عكاظ العدد 3504، تاریخ 20 يناير 2011 م، عنوان مقالة «ارقام مفجعة»، تالیف بدر بن احمد کریم
4- ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، الأدلة النقلية و الحسية علي جريان الشمس و سكون الأرض ص 17، طبعة مكتبة الرياض الحديثة بالبطحاء

ب. يحرم احتذاء الكعب العالي إذ لربما سقط الشخص على الأرض(1)!

ج. لا يجوز بيع الزهور بجانب المشافي و إهدائها إلى المرضى، فقد يحمل ذلک

شبهة الشرک و التوهّم بتأثير الزهور في شفاء المريض(2)!

د. وضع الزهور على قبر الجندي المجهول حرام! فقد يفضي ذلك إلى عبادته(3)!

ه. التقاط الصور حرام، لذا يجب أن تخلو المجالات من الصور(4).

كما أصدر آل الشيخ المفتي العام في العربية السعودية فتوى يقول فيها:

1. شراء أو بيع أو إهداء الزهور حرام(5)!

ب. الاحتفال بولادة النبي الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم بدعة، بينما الاحتفال باليوم الوطني للمملكة

العربية السعودية أمر حسن(6)!

و يقول الشيخ ابن عثيمين الذي كان عضواً في هيئة كبار علماء المملكة العربية

السعودية في فتاواه المتاحة على موقعه على شبكة الإنترنيت:

1. لبس المرأة للسروال حرام(7)!

ب. تعليم اللغة الإنجليزية للأطفال حرام(8)!

ج. يجب على الناس في أنحاء المعمورة تعلّم اللغة العربية(9)!

ص: 270


1- http://www.alifa.net/Fatawa/FatawaChapters.aspx?View=PagePageID=1310 PageNo=1BookID=2
2- http://www.alifta net/fatawa/fatawaDetailsaspx?BookID=rView=Page PageNo=15PageID=4614
3- http://www.alifta.net/fatawa/fatawaDetails.aspx?View=PagePageID=3075 PageNo=1BookID=3
4- http://www.binbaz.org.sa/mat/1750
5- http://www.alifta net/fatawa/fatawa Details.aspx?Book ID=rView=Page PageNo=7PageID=14468
6- https://wahabinews.files.wordpress.com/407448/03/2012 326755264029216 102618859776192926742_1325385215_n.jpg
7- http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_8965.shtml
8- http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18120 .shtml
9- http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18125.shtml

د. يجب أن نعلم أنّ حدوث الليل و النهار هو بسبب دوران الشمس حول الأرض(1)! وفي أحد المقاطع الفيديوية المتاحة على الشبكة العنكبوتية يصدر فتوى يقول فيها: لا ينبغي للقبعة أن تحتوي على نقاب لأنّ حجب أشعة الشمس المباشرة عن العين

يضرّ بها(2)!

العبيكان شيخ آخر من شيوخ الوهابية و مستشار أعلى في السعودية يقول في فتوى له متاحة على شبكة الإنترنيت: من مات بسبب أنفلونزا الخنازير فقد مات شهيداً(3)! و جدير بالذكر أنّ هذا الشيخ هو من أنصار الجواز العام لإرضاع الكبير(4)!

الشيخ ماهر القحطاني، أحد الوهابيين المشهورين، و داعية سلفي في أوروبا و من كبار العلماء في العربية السعودية، و يحظى بتأييد كبار علماء هذا البلد حيث أيّد الشيخ صالح بن فوزان، رتبته العلمية، يقول هذا الشيخ في رسالة له تحت عنوان «رسالة كشف الغلس في حكم الجرس» (و هي متاحة على موقعه على شبكة الإنترنيت(5)):

1- تسجيل الأفلام بالكاميرا لأغراض

التلفزيون و التصوير ... و مشاهدتها حرام!

2- استعمال الجرس في المدارس

و سيارات المطافئ و الهاتف ... غير جائز! و

الواجب کسر هذه الأجراس و الخلاص منها، لأنها أداة لموسيقى الشيطان!

إنّ وجود مثل هذه الفتاوى في كتب علماء الوهابية في الوقت الذي يُعرض فيه هؤلاء العلماء عن تطبيقها يثير الشك و الريبة في صحة تلك الفتاوی. و لكن ألا ينبغي و الحال هذه، أن يسأل أتباع الوهابية أنفسهم: إن كانت هذه المسائل الواردة في هذه الفتاوی محرّمة، فلماذا يبيحها علماؤنا لأنفسهم ولا يجدون أيّ إشكال في الاستفادة منها؟! إنّ في هذا الدليل على التقليد الأعمى المجرّد من التفكير لأتباع الوهابية لعلمائهم.

ص: 271


1- http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_6463.shtml
2- https://www.youtube.com/watch?v=zfskSvejMtc
3- http://al - obeikan.com//article
4- http://al - obeikan.com/article/
5- www.al - sunan.org/vb/showthread.php?t=6323

و. التظاهر الشديد بالعبادة و قراءة القرآن و السنّة

وجه آخر للشبه بين الوهابيين و الخوارج و هو أنّ الخوارج كان يتزیّون بظاهر مقدس، و كانوا شديدي التمسک بإقامة الصلاة و تلاوة القرآن، حتى كانت جباههم من كثرة السجود کنفنة البعير، يقول ابن تيمية في هذا الشأن:

«قال أحمد بن حنبل صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم «يحقر أحدكم صالاته مع صالاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في

قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة»(1).

و في نفس الموضوع يقول ابن عبد البر:

«روی بن وهب وغيره عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال ذكرت الخوارج واجتهادهم يعني في الصلاة والصيام وتلاوة القرآن عند ابن عباس فقال ليسوا بأشد اجتهادا من اليهود والنصارى ثم هم يضلون»(2).

في المقابل، و كما ورد في كلام الشيخ بدر الدين حسون، فإنّ الوهابيين أيضاً على هذا النحو من التعصب في الدين و التشدّد في ظواهر المسائل الدينية. فقد شكّلوا لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العربية السعودية التي تعمل تحت إشراف مباشر من علماء الوهابية، و مهمّتها التصدّي لأي مظهر من مظاهر المخالفة للدين و الشؤون العامة في العربية السعودية، بيد أنّ هذا التظاهر هو أجوف و مجرّد من الحقيقة و من أيّ فهم. و من أمثلة هذا التظاهر إقامة صلاة التراويح بصورة رسمية، و تأسيس قنوات باسم القرآن و السنّة تعمل على بثّ تلاوة القرآن الكريم ليل نهار ولكن دون أيّ تفسير للآيات و الأحاديث.

ص: 272


1- ابن تيمية الحراني، احمد بن عبد الحليم بن تيمية أبو العباس (الوفاة 827 ه)، کتب و رسائل و فتاوى ابن تيمية في الفقه، ج 19، ص 72
2- ابن عبد البر القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري (الوفاة 463 ه)، الاستذکار، ج 2، ص 499

3. الشبهات في سيرة الوهابيين و الخوارج

ا. قتل المسلمين و ترک الكفار

سمة أخرى وصمت الخوارج ذكرتها كتب أهل السنّة، و تنطبق على الوهابيين ألا و

هي قتل المسلمين. فقد ورد في صحيح البخاري، أهم مصادر حديثي عند أهل السنّة:

«عن أبی سَعِیدٍ رضوان الله علیه قال بَعَثَ عَلِیٌّ رضوان الله علیه إلی النبی صلی الله علیه و آله وسلم بِذُهَیْبَةٍ فَقَسَمَهَا بین الْأَرْبَعَةِ الْأَقْرَعِ بن حَابِسٍ الْحَنْظَلِیِّ ثُمَّ الْمُجَاشِعِیِّ وَعُیَیْنَةَ بن بَدْرٍ الْفَزَارِیِّ وَزَیْدٍ الطَّائِیِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِی نَبْهَانَ وَعَلْقَمَةَ بن عُلَاثَةَ الْعَامِرِیِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِی کِلَابٍ فَغَضِبَتْ قُرَیْشٌ وَالْأَنْصَارُ قالوا یُعْطِی صَنَادِیدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَیَدَعُنَا قال إنما أَتَأَلَّفُهُمْ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَیْنَیْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَیْنِ نَاتِئُ الْجَبِینِ کَثُّ اللِّحْیَةِ مَحْلُوقٌ فقال اتَّقِ اللَّهَ یا محمد فقال من یُطِعْ اللَّهَ إذا عَصَیْتُ أَیَأْمَنُنِی الله علی أَهْلِ الأرض فلا تأمنوننی فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ أَحْسِبُهُ خَالِدَ بن الْوَلِیدِ فَمَنَعَهُ فلما ولی قال إِنَّ من ضِئْضِئِ هذا أو فی عَقِبِ هذا قوم یقرؤون الْقُرْآنَ لَا یُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ یَمْرُقُونَ من الدِّینِ مُرُوقَ السَّهْمِ من الرَّمِیَّةِ یَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَیَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أنا أَدْرَکْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»!(1)

ما يشبه هذه العلامة تجده عند الوهابيين أيضاً، فعلى الرغم من العداء الشديد الذي تكنّه إسرائيل للمسلمين، إلّا أنّنا لم نجد هذه الفرقة قد نفذّت أيّ عملية ضدّها(2)، لا بل إنّها ذهبت بعيداً عندما حرّمت الدعاء بالنصر للمسلمين على اليهود و النصاری! ففي بيان أصدرته وزارة الأوقاف السعودية أثناء حرب المسلمين في الشيشان ضدّ القوات المعتدية غير المسلمة، و يحمل توقيع صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ وزير الأوقاف السعودي آنذاک، تضمّن العبارات التالية:

ص: 273


1- البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي (الوفاة 256 ه)، صحيح البخاري ج 3 ص 1219 العدد 3166
2- و قد وصل الأمر إلى الحد الذي كتبت فيه جريدة هآرتس الصهيونية في مقالة لها: حسناً تفعل داعش إذ لا تهدّدنا http://farsi alarabiya net/fa/middle - east/

«سلام عليكم ورحمة الله وبركاته اما بعد: فقد بلغنا قيام بعض أئمة المساجد بالقنوت للمسلمين في الشيشان، وحيث أن هذا يتطلب اذن ولي الامر:

فاعتمدوا ابلاغ الائمة بالامتناع عن ذلك، والرفع لنا عمن لا يلتزم به»!(1)

كما أنّه عندما شنّت إسرائيل عدوانها على جنوب لبنان، سُئل ابن جبرين ما إذا

بالإمكان الدعاء لحزب الله بالنصر، فقال في جوابه:

«الإجابة: لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي ... ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر

والتمكين، ونصيحتنا لأهل السنّة أن يتبرؤا منهم ...»!(2).

هذا في الوقت الذي نجد فيه الوهابيين يقيمون علاقات تعاون عسكري واسعة مع

الكفار، لدرجة أنّهم سمحوا لهم بإقامة قواعد عسكرية عديدة في جزيرة العرب(3)!

والأعجب من ذلك أنّ الوهابيين يتآمرون مع الكفار لمحاربة المسلمين، و ما هو موثّق في التاريخ في هذا المجال التعاون الوثيق بين الحكومة الوهابية و إنجلترا في الحجاز، حيث تبرز أسماء عديدة من قبيل «وليم هنری شکسپیر»، «جون فيلبی» و «برسی کوکس» ممّن كان لهم دور في إرساء أسس هذا التعاون، و يعدّ جون فيلبي، من أشهر الجواسيس الإنجليز و مستشار الملك عبد العزيز، ففي كتابه «بعثة إلى نجد» يستعرض نص المعاهدة الموقعة بين الملك عبد العزيز و برسي كوكس (المسؤول المعيّن من قبل إنجلترا لإدارة شؤون الشرق الأوسط) و يقول:

«في حال اعتداء أية قوة أجنبية على أراضي ممالك ابن سعود وذریته بدون الرجوع

إلى الحكومة البريطانية وبدون إعطائها فرصة للاتصال بابن سعود وتسوية الأمر ستساعد الحكومة البريطانية ابن سعود إلى الدرجة التي تراها وبالطريقة التي تعتقدها كافية لحماية

ص: 274


1- http://i12.servimg.com/u/f4/269/97/02/10/12 fkv0X10.jpg
2- عبد الله بن جبرین. رقم الفتوى: 15903 تاريخ الفتوى: 1427/6/21 ه (85/5/26 ) - 17 - 07 - 2006 شبکه نور الإسلام. www.islamlight.net
3- بعض المواقع مثل موقع ام الملح، في جنوب العربية السعودية خاصة بالطائرات بدون طيار الأمريكية http://www.tasnimnews.com/Home/Single/347489 كما يوجد فهرس بعدد من هذه المواقع وردت على شكل صور في العنوان التالي. http://www.mashreghnews.ir/fa/news/84012/

مصالحه وأراضيه؛ يوافق ابن سعود ويعد أن يمتنع من الدخول في أية مراسلات أو اتفاقيات أو معاهدات مع أية أمة أو قوة أجنبية...»(1)!

فمن جهة وقّع الوهابيون معاهدة تعاون مع الكفار، و من جهة ثانية عندما يُسئل ابن باز المفتي العام في السعودية هل يمكن التوحد مع الشيعة لمحاربة الشيوعيين، يجيب بالقول:

«هذا الأمر غير جائز، بل الواجب على أهل السنّة أن يتحّدوا فيما بينهم و يشكّلوا أمة

واحدة و جسد واحد»(2)!

لكنّ هؤلاء الوهابيون أنفسهم، عندما هاجم صدام الكويت اتحدوا مع الكفار لمحاربته

(حيث كانوا يعتبرونه في وقت من الأوقات مسلماً و ساعدوه في حربه ضد إيران).

ب. قتل المسلم لارتكابه الكبيرة

يقول ابن تيميه، حيث يطلق الوهابيون عليه لقب شيخ الإسلام، في كتابه «مجموع

الفتاوی»:

«الفرق الثاني في الخوارج وأهل البدع انهم يكفرون بالذنوب والسيئات ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم وان دار الاسلام دار حرب ودارهم هي دار الايمان»!(3)

وكذا الحال مع الوهابيين المكفِّرين للكثير من الناس الذين يرفضون عقيدتهم! في کتاب «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» يستعرض المؤلف قائمة بأسماء المناطق المكفَّرة من قبل الوهابيين و هي عبارة عن:

سكان بلاد نجد في زمن محمد بن عبد الوهاب؛ سكان منطقة مكة؛ سكان منطقة الطائف؛ سكان المدينة المنورة و جدة؛ سكان مصر؛ سكان اليمن و منطقة صنعاء، برع و مخا و حضرموت شحر عدن يافع نجران و بلاد الشام مثل حلب و دمشق و ...؛ سكان

ص: 275


1- فيلبي، جون، بعثة إلى نجد ص 256
2- مجلة المجاهد السنة الأولي العدد 10 شهر صفر 1410 ه
3- ابن تيمية الحراني، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية أبو العباس (الوفاة: 728)، مجموع الفتاوی ج 19 ص 73

مناطق الموصل، المناطق الكردية، كربلاء و النجف و سائر بلاد الرافضة؛ زوار حرم الامام الحسين، حرم أبي الفضل العباس، حرم الإمام أمير المؤمنين، حرم أبي حنيفه و ...؛ سكان المناطق الواقعة على ضفاف النهر (دجلة و الفرات) و المجره و البحرين.(1)

طبعاً، لا يفوتنا أن نذكر أنّ هذه هي فقط البلاد التي سافر إليها محمد بن عبد الوهاب، وإلاّ لكان نفس الرأي و العمل يطبّق في إيران و أفغانستان و الباكستان و الهند و أفريقيا كذلك!! و بكلمة، فإنّه يعتبر كل مسلم سواه كافر!

محمد صدیق حسن القنوجي الذي يعتبر من أهم المروّجين لآراء و أفكار ابن تيمية و محمد بن عبد الوهاب في الهند و قد كتب الشيخ حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد الوهابي بشأنه واصفاً إيّاه «إنه أخ صادق ذو فهم راسخ وطريقة مستقيمة»(2). ففي کتاب «الدين الخالص» حول أتباع المذاهب الأربعة لاهل السنة يقول:

«تقليد المذاهب من الشرك فتأمّل كيف يقرّ مقلّد المذاهب أنّه يقّلد الموتى من

العلماء والأولياء...».(3)

لقد توسّع هذا التكفير و انتشر إلى الدرجة التي يقوم ابن باز المفتي العام في المملكة العربية السعودية بتأليف كتاب «الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس والقمر وسکون الارض» يضمّنه فتواه من أجل إطلاع جميع سكان المعمورة: «أنّ من يقول الشمس ثابتة و الأرض تدور حولها كافر»(4)!

ص: 276


1- العاصمي النجدي، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم (الوفاة 1392 ه)، الدرر السنية في الأجوبة النجدية ج 1ص 379 إلى 386
2- http://vb.tafsir.net/tafsir7206VAvJ6GNafew
3- القنوجي البخاري، أبو الطيب محمد صدیق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني (الوفاة 1307 ه)، الدين الخالص ج ص 140
4- أما بعد فإنه لما شاع بين الكثير من الكتاب و المدرسين و الطلاب القول بأن الشمس ثابتة و الأرض دائرة كتبت في ذلك مقالا يتضمن إنكار هذا القول و بیان شناعته و ذكر بعض الأدلة النقلية و الحسية على بطلانه و غلط قائله و أوضحت فيه أن القول بثبوت الشمس و عدم جریانها کفر و ضلال ... و كما أن هذا القول الباطل مخالف للنصوص فهو مخالف للمشاهد المحسوس، و مكابرة للمعقول و الواقع فلم يزل الناس مسلمهم و کافر هم يشاهدون الشمس جارية طالعة و غاربة و يشاهدون الأرض قارة ثابتة و يشاهدون كل بلد و کل جبل في جهته لم يتغير في ذلك شيء و لو كانت الأرض تدور كما يزعمون لكانت البلدان و الجبال و الأشجار و الأنهار و البحار لا قرار لها و لشاهد الناس البلدان المغربية في المشرق و المشرقية في المغرب و التغيرت القبلة على الناس حتى لا يقر لها قرار. ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، الادلة النقلية و الحسية علي جریان الشمس و سكون الأرض ص 17

و من المعلوم أنّ هذه الفتوى تعني تكفير جميع المسلمين سوى أتباعه.

ج. عقيدة تبدیل بلاد الإسلام إلى بلاد کفر بسبب ارتكاب المعصية

عامل آخر يزيد من التشابه بين الوهابيين و الخوارج و هو الاعتقاد أنّ بلاد الإسلام و

بسبب ارتكاب المسلمين للمعاصي تبدّلت إلى دار کفر! كتب الحلبي في كتابه ما يلي:

«والخوارج قوم يكفرون مرتكب الكبيرة ويحكمون بحبوط عمل مرتكبها وتخليده في النار ويحكمون بأن دار الإسلام تصير بظهور الكبائر فيها دار کفر [وبالتالي يمكن محاربتها]»(1).

يؤمن الوهابيون بهذه العقيدة أيضاً، فطبقاً لما جاء في كتاب «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» كان على علماء الوهابية قبل حملتهم على مكة و المدينة المنورة، أن يهيّأوا قبل ذلك أذهان أتباعهم للهجوم على هاتين المدينتين المقدستين. و لهذا الغرض اجتمع الشيخ حمد بن عتيق و بقية علماء الوهابية في الصدر الأول، و جرت المذاكرة في کون مكة بلد كفر أم بلد إسلام!(2) و بعد مناقشات طويلة توصّلوا إلى أنّ مكة هي بلاد کفر بسبب المعاصي المتعدّدة التي ترتكب فيها «فلا يشك من له أدنى علم أن هذه البلاد محكوم عليها بأنها بلاد کفر وشرك ... فمن المتقرر أن أهل الآفاق تبع لأهل تلك البلاد في دعاء الكعبة والمقام والحطيم كما يسمعه كل سامع ويعرفه كل موحد»(3)!

د. تطبيق الآيات المتعلقة بالكفار على المسلمين و سفك دمائهم بهذه الحجة

لعلّ أهم خصوصية يتّصف بها الخوارج طبقاً لروايات أهل السنّة تطبيق الآيات النازلة في شأن المشركين على الطوائف الإسلامية؛ أي إنّهم يقولوا، صحيح أنّ الآية الفلانية

ص: 277


1- الحلبي الشافعي، علي بن برهان الدين، إنسان العيون في سيرة الأمين و المأمون الشهير بالسيرة الحلبية، ج 2 ص 173
2- محمد بن عبد الوهاب، مجموعة الرسائل و المسائل النجدية الجزء الأول ص 742
3- المصدر نفسه، ص 743، 744

نزلت في حقّ الكفار، إلا أنّنا نطبقها على المسلمين لأنّ هؤلاء المسلمين هم بحكم الكفارا فقد جاء في صحيح البخاري:

«بَاب قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِینَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ علیهم وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَی «وما کان الله لِیُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حتی یُبَیِّنَ لهم ما یَتَّقُونَ» وکان بن عُمَرَ یَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ وقال إِنَّهُمْ انْطَلَقُوا إلی آیَاتٍ نَزَلَتْ فی الْکُفَّارِ فَجَعَلُوهَا علی الْمُؤْمِنِینَ»!

و الوهابيون اليوم أيضاً يقولون أنّه على الرغم من نزول معظم الآيات في كفر الكفار و شركهم، و لكن لا ينبغي لنا تعطيل القرآن بل لا بد من العثور على تطبيقات لهذه الآيات بين المسلمين!

جاء في كتاب «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» الذي يجمع خطب و رسائل

محمد بن عبد الوهاب:

«ومن شبهاته [القبوري] قوله في بعض الآيات: هذه نزلت فيمن يعبد الأصنام، هذه نزلت في أبي جهل، هذه نزلت في فلان و فلان، يريد قاتله الله تعطيل القرآن عن أن يتناول أمثالهم وأشباههم ممن يعبد غير الله ويعدل بربه»!(1)

ه. توظيف الظواهر البدائية و غير المقصودة للأدلة في تكفير الآخرين

يتميّز الخوارج بأنّهم يحملون كل حديث ورد فيه لفظ كفر على ظاهره و سرعان ما يوظّفونه في تكفير مخالفيهم، و لذلک انبری علماء أهل السنّة إلى ردّ عقيدة الخوارج هذه و تخطئة سلوكهم بالاستدلال بالحديث النبوي الشريف «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» و كذا «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» حيث يدلّل ظاهر هذا الحديث على تكفير الصحابة؛ و يقول هؤلاء العلماء في هذا الموضوع:

«وما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من قتال لم يكن عن استحلال له حتى يحمل الحديث على ظاهره وأن قتالهم كفر، كما استدل الخوارج ومن شايعهم بقوله صلی الله علیه و آله وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»(2).

ص: 278


1- البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي (الوفاة 256 ه)، صحيح البخاري ج 6 ص 2539
2- محمد بن عبد الوهاب، مجموعة الرسائل و المسائل النجدية الجزء الثالث ص 78

و قد سار الوهابيون على خطى الخوارج و استدلوا بظاهر الألفاظ، فحيثما وجدوا لفظ كفر أو شرک في الأحاديث، حكموا بكفر صاحبه. على سبيل المثال يقول محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد مستنداً إلى حديث «الطيرة شرك» كل من تطيّر فهو مشرک(1)! أو مثلاً توظيفه لحديث «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» فعدّ من أقسم بغير الله مشركاً(2)!

و عودة إلى الدكتور محمود عيدان أحمد الدليمي الذي يقول:

«فمن بساطة الخوارج وسطحيتهم، فهمهم لنصوص القرآن على ظاهرها ببساطة

شديدة».(3)

و. التشبيه في باب الشفاعة النووي هو أحد مشاهير علماء أهل السنّة، يقول في الشفاعة و المنکرین لها:

«باب اثبات الشفاعة و إخراج الموحّدين من النار: قال القاضي عياض رحمه الله مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا و وجوبها سمعا بصريح قوله تعالى «يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن و رضي له قولاً» و قوله «ولا يشفعون إلا لمن ارتضی» و أمثالهما و بخبر الصادق صلی الله علیه و آله وسلم وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين و أجمع السلف و الخلف و من

ص: 279


1- و عن ابن مسعود رضوان الله علیه مرفوعاً: الطيرة شرك، الطيرة شرك، و لكن الله يذهبه بالتوكل ... فيه مسائل: ... العاشرة: التصريح بأن الطيرة شرك. محمد بن عبد الوهاب (الوفاة 1206)، کتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ص 41
2- و عن عمر بن الخطاب رضوان الله علیه: أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) رواه الترمذي و حسنه، و صححه الحاكم. فيه مسائل: ... الثالثة: أن الحلف بغير الله شرك. محمد بن عبد الوهاب (الوفاة 1206)، کتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ص 51
3- الدليمي، محمود عيدان أحمد، الصحابة و مكانتهم عند المسلمين، ج 1 ص 129

بعدهم من أهل السنة عليها و منعت الخوارج و بعض المعتزلة منها و

تعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار»(1)!

و يقول ابن خزيمة أيضاً حول إنكار الخوارج للشفاعة:

«قال أبو بكر قد روينا أخبارا عن النبي يحسب كثير من أهل الجهل و العناد أنها خلاف هذه الأخبار التي ذكرناها مع كثرتها و صحة سندها و عدالة ناقليها في الشفاعة و في إخراج بعض أهل التوحيد من النار بعدما أدخلوها بذنوبهم و خطاياهم و ليست بخلاف تلك الأخبار عندنا بحمد الله و نعمته و أهل الجهل الذين ذكرتهم في هذا الفصل صنفان صنف منهم الخوارج و المعتزلة أنكرت إخراج أحد من النار

ممن يدخل النار و أنكرت هذه الأخبار التي ذكرناها في الشفاعة»! تبيّن هذه العبارة بوضوح كيف أنّ الخوارج أنكروا الشفاعة بسبب تعلّقهم ببعض النصوص وفهمهم الملتبس لها، و كانوا يرفضون الأحاديث التي تخالف آراءهم على الرغم من صحة أسانيدها(2)!

كذلك هو الحال مع الوهابيين الذين انتهجوا نفس النهج و اعتبروا طلب الشفاعة من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم شركاً وذلك بالتمسک بظواهر بعض آيات القرآن الكريم و الأحاديث! على سبيل المثال استدلالهم بالآية الكريمة: «قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا» و «قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا»(3)، وقولهم:

««قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا» فالشفاعة ليست ملكاً لهم، فأنتم تطلبون منهم ما لا يملكون.

«قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا» إذاً تُطلب الشفاعة من الله سبحانه و تعالى، ولم تطلب من غيره»!(4)

ولم يحدث قط أن طرح الوهابيون على الناس تفاسیر آیات نظير «لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا»(5) التي تبرهن على المالكية الطولية لأفراد آخرين فيما يتعلّق بالشفاعة!

ص: 280


1- النووي، يحيى بن شرف بن مري أبو زکریا (الوفاة: 676 ه)، صحيح مسلم بشرح النووي ج 3 ص 35
2- ابن خزيمة، ابو بکر محمد بن إسحاق (الوفاة 311 ه)، کتاب التوحيد و إثبات صفات الرب عزوجل، ج 2 ص 769
3- سورة الزمر: الآيتان 43 و 44
4- الفوزان، صالح بن فوزان بن عبد الله، إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد، ج 1ص 242
5- سورة مريم: آیه 87

ز. جواز الخروج على الحاكم

من الأصول التي ميّزت الخوارج عن غيرها من الفرق جواز الخروج على الحاكم إذا خالف السنّة النبوية الشريفة، بل إنّ تسميتهم ب«الخوارج» مشتقة من هذا الأصل، يقول الشهرستاني في كتابه «الملل و النحل»:

«و يكفرون أصحاب الكبائر و يرون الخروج على الإمام إذا خالف السنّة حقاً واجباً»(1).

و يحاكي الوهابيون الخوارجَ في هذه الصفة، الأمر الذي جعلهم يفتون بالخروج على حاكم سوريا. هذا في الوقت الذي يرى فيه أهل السنّة حرمة الخروج على الحاكم، حتى و إن كان جائراً، ذلك أنّهم يستندون في حكمهم هذا إلى الرواية التالية المنقولة عن الخليفة الثاني: «عن سويد بن غفلة قال قال لي عمر يا أبا أمية إني لا أدري لعلي أن لا ألقاك بعد عامي هذا فاسمع وأطع وإن أمر عليك عبد حبشي مجدع إن ضربك فاصبر وإن حرمك فاصبر وإن أراد أمرا ينتقص دينك فقل سمعاً وطاعة دمي دون ديني فلا تفارق الجماعة»(2) كما تصرّح روايات أخرى بحرمة الخروج على الحاكم بسبب فسقه أو کفره. وقد قال الشيخ الألباني الوهابي في هذه المسألة - حين همّت جماعة بالخروج على حكّام العربية السعودية - بالاستناد إلى أصول أهل السنّة:

«فنحن نذكر دائماً و أبداً أن الخروج على الحكام - ولو كانوا من المقطوع بكفرهم -

ليس مشروعاً إطلاقاً»!(3)

و على الرغم من فتوى الألباني هذه، نجد تلميذه و من أشهر المبلغين لنهجه عدنان

عرعور من أشدّ الدعاة المنادين بالخروج على حاكم سورية و محاربته(4)!

ص: 281


1- الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد (الوفاة 548 ه)، الملل و النحل، ج 1، ص 115
2- ابن أبي شيبة الكوفي، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر (الوفاة 235)، الكتاب المصنف في الأحاديث و الآثار (مصنف ابن أبي شيبة) ج 6 ص 544، العدد 33711
3- http://audio.islamweb.net/audio/Fulltxt.php?audioid=1683
4- http://ar.wikipedia.org/wiki

ح الحدود المستحدثة

اشتهر الخوارج في كتب أهل السنّة بخصوصية أخرى ألا وهي ابتداع حدود جديدة، أو توسيع دائرة الحدود الحالية لتشمل حالات لم يأمر بها الشرع، يقول ابن طاهر البغدادي في هذه المسألة:

«الخوارج الذين قطعوا يد السارق في القليل والكثير من الحرز و غیر

الحرز کردهم الاخبار الصحاح في اعتبار النصاب و الحرز في القطع»(1)!

و في نفس السياق يتحدّث ابن الأثير في ترجمة عبد الله بن خباب:

«و قتل عبد الله بن خباب، قتله الخوارج، كان طائفة منهم أقبلوا من البصرة إلى اخواتهم من أهل الكوفة، فلقوا عبد الله بن خباب و معه امرأته، فقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله، فسألوه عن أبي بكر وعمَر وعثمان و علي، فأثنى عليهم خيراً، فذبحوه فسال دمه في الماء، و قتلوا المرأة و هي حامل مُتِمّ فقالت: أنا امرأة، ألا تتقون الله؟ فيقروا بطنها، و ذلك سنة سبع و ثلاثين، و كان

من سادات المسلمين رضوان الله علیه»(2). كما أفتى الخوارج بجواز قتل الأطفال، كتب ابو الفرج الأصفهاني في كتابه «تلبيس

ابليس» في علائم و صفات الخوارج يقول: «و استحلوا دماء الأطفال»(3).

وفي هذا يقول الشيخ محمود عيدان أحمد الدليمي:

فقد استدل نافع بن الأزرق زعيم الأزارقة من الخوارج على جواز قتل أطفال مخالفيهم بقوله تعالى: «وَقَالَ نُوحٌ رَّبِ ّ لَاتَذَرْ عَلَي الْأَرْضِ مِنَ الْكَفِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَايَلِدُواْ إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا»!(4)

ص: 282


1- البغدادي، عبد القاهر بن طاهر بن محمد ( الوفاة 429 ه)، الفرق بين الفرق و بيان الفرقة الناجية ج 1، ص 314
2- ابن الأثير الجزري، عز الدين بن الأثير أبي الحسن علي بن محمد (الوفاة 630 ه)، أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 3 ص 225
3- أبو الفرج الأصبهاني، عبد الرحمن بن علي بن محمد (الوفاة 597 ه)، تلبيس إبليس ج 1 ص 117
4- الدليمي، محمود عيدان أحمد، الصحابة و مكانتهم عند المسلمين، ج 1 ص 129

الوهابيون أيضاً اقتفوا آثار أسلافهم الخوارج بابتداعهم حدوداً جديدة! حرق الناس، قتل الأشخاص القاصرين و النساء، و حتى الطفل الرضيع ! و... وقد وثقوا كل هذه الأدلة و الشواهد التي تبرهن على ارتكابهم لهذه الجرائم في مقاطع فيديوية بمزيد من التباهي و الفخر، و حمّلوها على مواقعهم في الشبكة العنكبوتية!(1)

ط. نبش قبور الأولياء

من جملة الصفات التي نقلها التاريخ للخوارج سعيهم لنبش قبور الأولياء، حيث ذکر

البلاذري:

«و غمي قبره [الإمام علي علیه السلام] مخافة أن ينبشه الخوارج فلم يعرف»(2)! يقول الذهبي أيضاً في ذلك:

«و أهل العلم يعلمون أن عليا و معاوية و عمرو بن العاص دفن كل واحد منهم بقصر

الإمارة خوفا عليه من نبش الخوارج»!(3)

وقد اتّبع الوهابيون و أتباعهم بما فيهم جبهة النصرة(4) هذا النهج و السيرة فأقدموا

على نبش قبور بعض الصحابة منهم الصحابي الجليل حجر بن عدي(5).

4. حكم الخوارج في كتب أهل السنة

أ. حكم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في الخوارج كما ورد في مصادر أهل السنّة:

بالنسبة لحكم الخوارج في مصادر أهل السنّة وردت أحاديث يبدو من ظاهرها أنّها تصريح بكفر الخوارج، بيد أنّ بعض علماء أهل السنّة لجأوا إلى تأويلها فذكروا بعضاً من تلك الروايات، في البداية، نستعرض بعض هذه الروايات:

ص: 283


1- مقطع فيديو حول جرائم الوهابيين ضدّ الرضّع حيث يظهر تباهي أحد الدعاة الوهابيين المنتمين إلى جبهة النصرة بقتل طفلين معصومین http://www.youtube.com/watch?v=NOTz7 - Skpbc
2- البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر (الوفاة 279 ه)، أنساب الأشراف ج 1 ص 376
3- الذهبي، أبو عبد الله محمد بن عثمان (الوفاة 748 ه)، المنتقى من منهاج الاعتدال ج 1 ص 424
4- http://www.youtube.com/watch?v=koqvNX2QZIY
5- http://www.al - akhbar.com/node/182436

1. يخرجون من الدين ثم لا يعودون فيه

ورد هذا المضمون في الكثير من مصادر أهل السنّة و هو «یَخْرُجُونَ مِنَ الدِّینِ کَمَا یَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمْیَهِ ثُمَّ لا یَعُودُونَ فِیهِ»(1).

2. إنّهم شرّ الخلائق!

في هذا المجال أيضاً وردت أحاديث كثيرة في مصادر أهل السنّة، حتى أنّ مسلم النيشابوري عنون أحد أبواب صحيحه بهذا الاسم(2). مضافاً إلى مضامین تحت عناوین أنّ الخوارج شرّ الخلق أو شرّ الخليقة، و أبغض الخلائق عند الله وردت في كتب أهل السنّة(3).

3. لئن أدركتهم لأقتلنّهم!

أحد المضامين الواردة في الخوارج هو وجوب قتلهم أينما وُجدوا!(4)

4. اقتلوهم قتل قوم عاد و ثمود!

من الأحاديث التي يُستشف منها تكفير الخوارج حديث لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في قتلهم

كقتل قوم عاد(5) و ثمود(6) (كلاهما كافر)!

ص: 284


1- النيسابوري، مسلم بن الحجاج، أبو الحسين القشيري (الوفاة 261)، صحيح مسلم، ج 2، ص 750
2- بَاب الْخَوَارِجِ شَرِّ الْخَلْقِ وَالْخَلِیقَةِ، المصدر نفسه
3- و عند البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت ذکر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الخوارج فقال: «هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي» و سنده حسن ... و في حديث أبي سعيد عند أحمد: «هم شر البرية» و في رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم: «من أبغض خلق الله إليه» و في حديث عبد الله بن خباب یعنی عن أبيه عند الطبراني: «شر قتلى أظلتهم السماء و أقلتهم الأرض»، العسقلاني الشافعي، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (الوفاة 852 ه)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 12 ص 286
4- فَإذَا لَقِیتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُم. النيسابوري، مسلم بن الحجاج، أبو الحسين القشيري (الوفاة 261)، صحيح مسلم ج 2 ص 746
5- لَئِنْ أَدْرَکْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ. المصدر نفسه، ج 2 ص 741
6- لَئِنْ أَدْرَکْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ. المصدر نفسه ج 2 ص 743

5. في قتل الخوارج أجر في يوم القيامة

في الأحاديث الشريفة التي تضمّنت قتل الخوارج، ورد تعليل بعد الحكم بوجوب

قتلهم، و هو أنّ في ذلک ثواب و أجر كبيرين في يوم القيامة(1).

6. قاتلو الخوارج هم خير خلق الله

ثمّة مسألة تتعلق بقتل الخوارج و هي مدح قاتلهيم! فقد وُصفوا بأنّهم «خير الخلق»، و

«أخيار الأمة»(2)!

ب. آراء علماء أهل السنّة في تكفير الخوارج

استند بعض علماء أهل السنّة إلى هذه الأحاديث و كذلك إلى أدلة أخرى للحكم

بالتكفير المطلق على الخوارج، منها الحديث التالي: «عَن أبی هُرَیرَهَ: أنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله وسلم قالَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِیهِ یَا کَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا»(3)، و بعضهم لجأ إلى تأويل ظاهر هذه الأدلة.

القائلون بكفر الخوارج

نُقل عن عدد كبير من علماء أهل السنّة و الوهابيين حكماً صريحاً بتكفير الخوارج، منهم المفتي العام في المملكة العربية السعودية الذي أصدر فتواه و هي متاحة على موقعه على الإنترنيت جاء فيها:

«والصواب أنهم كفار ... والظاهر من الأدلة أنهم بهذا التنطع وبتكفيرهم المسلمين،

وتخليدهم في النار أنهم كفارٌ بهذا»(4).

ص: 285


1- فَإِنَّ فِی قَتْلِهِمْ أَجْراً لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اَللَّهِ یَوْمَ اَلْقِیَامَهِ. المصدر نفسه ج 2 ص 746
2- و عند البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت ذکر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الخوارج فقال: «هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي» و سنده حسن و عند الطبراني من هذا الوجه مرفوعا «هم شر الخلق و الخليقة يقتلهم خير الخلق و الخليقة». العسقلاني الشافعي، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (الوفاة 852 ه)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 12 ص 286
3- البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي (الوفاة 256 ه)، صحيح البخاري ج 5، ص 2263، العدد 5752
4- http://www.binbaz.org.sa/mat/20688

كما نقل نفس هذا الرأي عن محمد بن إسماعيل البخاري(1)، و أبو بكر بن العربي(2)، و السبكي(3)، و الملطي(4)، و ابو المظفر شاهور (شهفور) الإسفرائيني(5) و كذلك القاضي

عياض(6).

القائلون باسلام الخوارج

ثمّة بين علماء أهل السنّة و كذا بين علماء الوهابية من يقول بإسلام الخوارج، غير أنّ الاعتراف بإسلامهم لا يعني عدم قتلهم، من جملة هؤلاء العلماء الشيخ ناصر بن عبد الكريم العقل الذي وفي ردّه على استفتاء حول الخوارج قال:

«الخوارج في الإسلام يعتبرون مبتدعة وليسوا كفارا لأنهم في الجملة يقرون

بالإسلام».(7)

و من العلماء الذين اشتهروا بهذا الرأي: الخطابي(8)، ابن بطال(9)، الامام الشافعي(10)،

الشاطبي(11).

ص: 286


1- العسقلاني الشافعي، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل الوفاة 852 ه)، فتح الباري شرح صحيح البخاري ج 12 ص 299
2- المصدر نفسه
3- المصدر نفسه
4- الملطي الشافعي، أبو الحسن محمد بن أحمدد بن عبد الرحمن (الوفاة 377 ه)، التنبيه و الرد على أهل الأهواء و البدع، ج 1، ص 51
5- الإسفرائيني، أبو المظفر طاهر بن محمد (شهنور) (الوفاة 471 ه)، التبصير في الدين و تمييز الفرقة الناجية ص 45
6- العسقلاني الشافعي، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (الوفاة 852 ه)، فتح الباري شرح صحيح البخاري ج 12، ص 300
7- http://ar.islamway.net/fatwa/33545/%D%8AD%D%83/9D - 85٪9%D%8A%7D%84%9D %8AE%D%88%9D%8A%7D%AB%D%8AC-%D%81%D8%8A-%D%8A%7D%84%9D%885 %D%8B%3D%84%9D%8A%D859
8- العسقلاني الشافعي، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (الوفاة 852 ه)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 12، ص 300
9- المصدر نفسه، ج 12، ص 301
10- 1170http://www.dorar.net/enc/firq/
11- الشاطبي، أبو إسحاق (الوفاة 790 ه)، الاعتصام، ج 2، ص 185

القائلون بالتوقف

كما نُقل التوقّف عن علماء کثر، منهم أحمد بن حنبل الذي بدلاً من تكفير الخوارج

أطلق عليهم وصف المارقة(1).

بالإضافة إلى علماء آخرين مثل إمام الحرمين الجويني و الباقلاني و الغزالي كان

رأيهم التوقف(2).

القائلون بالتفصيل بحسب الآراء العقدية

بعض العلماء، و نظراً للخلافات التي ظهرت بين مختلف فرق الخوارج على مرّ التاريخ، لم يحكم بالتكفير المطلق ولا بالإسلام المطلق، بل علّق حكمه تبعاً لمعتقدات كل فرقة(3).

ج. آراء علماء أهل السنّة حول قتل أو سجن الخوارج جواز قتل الخوارج مطلقاً

أولئك الذين أفتوا بارتداد الخوارج حكموا بقتلهم مطلقاً. بالإضافة إلى ذلك فإنّ من بين الذين لم يحكموا بكفرهم هناک من حكم بجواز قتلهم مطلقاً بسبب الأحاديث المطلقة الواردة عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. يقول ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري:

ص: 287


1- في توقف أبي عبد الله في المارقة و أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد الله قيل له أكفر الخوارج قال هم مارقة قيل أكفار هم قال هم مارقة مرقوا من الدين، الخلال أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن یزید (الوفاة 311 ه)، ج 1 ص 145
2- العسقلاني الشافعي، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (الوفاة 852 ه)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 12 ص 300
3- و الواقع أن الحكم بتكفير الخوارج على الإطلاق فيه غلو و أن الحكم بالتسوية بينهم و بين غيرهم من فرق المسلمين فيه تساهل ... و فيما يظهر لي أن لا يعمم الحكم على جميع الخوارج بل يقال في حق كل فرقة بما تستحقه من الحكم حسب قربها أو بعدها عن الدين و حسب ما يظهر من اعتقادتها و آرائها أما الحكم عليهم جميعا بحكم واحد مدحا أو ذما فإنه يكون حكما غير دقيق. العواجي، غالب، الخوارج تاريخهم و آراؤهم الاعتقادية و موقف الإسلام منها، ص 544

«وقد قال بعض العلماء: إن من وسمه النبي صلی الله علیه و آله وسلم بتحليق أو غيره أنه لا يستتاب إذا

وجدت فيه السيماء، ألا ترى أن عليّا، رضي الله عنه، لم ينقل عنه أنه استتاب أحدًا منهم»(1)!

أبو سعيد الخدري

ينقل أحمد بن حنبل حديثاً عن أبي سعيد الخدري يجيز فيه قتل الخوارج مطلقاً دون

قيد على جواز قتلهم؛ يقول في هذا الشأن:

«قال فَرَأَیْتُ أَبَا سَعِیدٍ بعدما کَبِرَ وَیَدَاهُ تَرْتَعِشُ یقول قِتَالُهُمْ أَحَلُّ عندی من قِتَالِ عِدَّتِهِمْ مِنَ التُّرْکِ»!(2)

الشيخ احمد کريمة يقول الشيخ احمد کریمه في هذا الموضوع في كلمة له (أشرنا إليها سابقاً):

«ولكن استكمالا لما قلته في الذين يستحلون الدماء أنهم مرتدون»(3)!

على فرض الثورة المسلحة أو قصد ذلک أو تكفير المسلمين بدون ثورة أو الاعتقال

بعد الثورة

في هذه الحالة هناك عدة فرضيات و حالات هي:

1. فرضية الهجوم على المسلمين لاستباحة دمائهم و أموالهم

في هذه الحالة أفتى جميع علماء أهل السنّة تقريباً بجواز قتلهم، و قالوا في أشدّ الحالات إذا تركوا القتال فلا يحق للمسلم قتلهم(4). وفي الحقيقة، لا يعتبرون مثل هذا الشخص کافراً بل باغٍ(5).

ص: 288


1- ابن بطال البكري القرطبي، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال (الوفاة 449 ه)، شرح صحيح البخاري، ج 10 ص 557
2- ابن حنبل الشيباني، أبو عبد الله احمد (الوفاة 261 ه) مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج 3، ص 33، العدد 11303، ناشر: مؤسسة قرطبة - مصر
3- http://www.youtube.com/watch?v=U.1wbd - hXzc
4- و يحل قتال الخوارج و اللصوص إذا عرضوا للرجل في نفسه و ماله أو ما دون نفسه فله أن يقاتل عن نفسه و ماله حتى يدفع عنه في مقامه و ليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم و لا يتبع آثارهم و قد سلم منهم ذلك إلى اللائمة إنما هو يدفع عن نفسه في مقامه و ينوي بجهده أن لا يقتل أحدا فإن أتي على يده في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول و إن قتل هو في ذلك الحال و هو يدفع عن نفسه و ماله رجونا له الشهادة كما في الأثر و جميع الآثار إنما أمر بقتاله و لم يؤمر بقتله. اللالكائي، هبة الله بن الحسن بن منصور أبو القاسم، شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة من الكتاب و السنة و إجماع الصحابة، ج 1 ص 198
5- قال القرطبي في المفهم: و القول بتكفيرهم أظهر في الحديث قال فعلى القول بتكفيرهم يقاتلون و يقتلون و تسبی أموالهم و هو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج و على القول بعدم تکفیر هم يسلك بهم مسلك أهل البغي إذا شقوا العصا و نصبوا الحرب. العسقلاني الشافعي، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (الوفاة 852 ه)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 12 ص 301

أمّا الذين حكموا بتكفير الخوارج مطلقاً أو اعتبروهم مسلمين و لكن بسبب حدیث

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يعتقدون بأنّ حكم قتلهم عام فهؤلاء يجيزون قتلهم.

ب. فرضية عدم الثورة أو قصدها

و في هذا السياق، يشير السرخسي إلى ما روي عن الإمام علي علیه السلام من أنّه لا تقتلوا

الخوارج ما لم يشهروا سيوفهم، و يقول:

«وفي هذا دليل على أن من لم يظهر منه خروج فليس للإمام أن يقتله وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال ما لم يعزموا على الخروج فالإمام لا يتعرض لهم فإذا بلغه عزمهم على الخروج فحينئذ ينبغي له أن يأخذهم فيحبسهم قبل أن يتفاقم الأمر لعزمهم

على المعصية وتهييج الفتنة»(1). أمّا العلماء الذين حكموا بقتلهم أو ارتدادهم بسبب تكفيرهم أو حديث النبي صلی الله علیه و آله وسلم

فقد أجازوا قتلهم.

ج. فرضية عدم الخروج وبدون قصد الخروج مع إعلان الرأي و تكفير المسلمين يتابع السرخسي فيقول:

ص: 289


1- السرخسي، شمس الدين (الوفاة 483 ه) المبسوط ج 10 ص 125

«ثم فيه دليل على أنهم ما لم يعزموا على الخروج فالإمام لا يتعرض لهم بالحبس و

القتل»(1).

طبعاً، هذا الكلام يفي بالغرض حين يثبت أن الشخص خارجي، أي انطباق

خصوصيات الخوارج المذكورة في أحاديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عليهم.

و نُقلت عن الشافعي فتوى شبيهة بهذه، فالقنوجي البخاري يقول:

«قال الشافعي: ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج و تجنبوا الجماعات و أكفروهم لم

يحل بذلك قتالهم»(2).

و كما قيل، فإنّ هذا الفتوى تنافي فتوى القائلين بجواز قتل الخوارج مطلقاً.

د. فرضية الاعتقال بعد الثورة المسلحة

في هذا المجال أيضاً هناك خلاف بين علماء أهل السنّة، فقد نُقل عن مالك بن أنس هذا الرأي: «(قلت) أرأيت الخوارج إذا خرجوا فأصابوا الدماء و الأموال ثم تابوا و رجعوا (قال) بلغني أن مالكا قال الدماء موضوعة عنهم»(3).

و القائلون بجواز القتل مطلقاً أو بسبب العقيدة حكموا هنا أيضاً بالجواز.

خلاصة البحث:

وردت في مصادر أهل السنّة أدلة كثيرة عن محاكاة الوهابيين للخوارج، و في ضوء هذه الأدلة، حكم علماء أهل السنّة على أنّهم خوارج، و معلوم أنّ حكم الخوارج استناداً إلى أحاديث أهل السنّة هو القتل أو السجن.

ص: 290


1- المصدر نفسه
2- القنوجي البخاري، أبو الطيب محمد صدیق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني (الوفاة: 1307 ه)، الروضة الندية شرح الدرر البهية، ج 2 ص 295، ناشر: دار المعرفة
3- مالك بن انس (الوفاة 179 ه)، المدونة الكبری، ج 3 ص 48

المصادر:

الكتب

1. القرآن الكريم

2. ابن أبي شيبة الكوفي، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر (الوفاة 235)، الكتاب المصنف في الأحاديث و الآثار (مصنف ابن أبي شيبة)، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض - 1409، الطبعة: الأولى، تحقيق: كمال يوسف الحوت.

3. ابن الأثير الجزري، عز الدين بن الأثير، أبو الحسن علي بن محمد (الوفاة 630 ه)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت / لبنان - 1417 ه. - 1996 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: عادل أحمد الرفاعي. 4. ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، الأدلة النقلية والحسية على

جريان الشمس

وسكون الأرض، طبعة مكتبة الرياض الحديثة بالبطحاء.

5. ابن بطال البكري القرطبي، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال

الوفاة 449 ه)، شرح صحيح البخاري، الناشر: مكتبة الرشد - السعودية / الرياض

-

1423 ه - 2003 م، الطبعة: الثانية، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم.

6. ابن تيمية الحراني، احمد بن عبد الحليم بن تيمية أبو العباس (الوفاة 827 ه)، کتب ورسائل وفتاوی ابن تيمية في الفقه، الناشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة: الثانية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي.

7. ------------، مجموع الفتاوى، الناشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة: الثانية،

تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي.

8. ابن حنبل الشيباني، أبو عبد الله احمد الوفاة 241 ه)، مسند الإمام أحمد بن

حنبل، الناشر: دار الحديث القاهرة، مصر - مع شرح حمزة احمد الزين.

9. -----------، مسند الإمام أحمد بن حنبل، الناشر: مؤسسة قرطبة - مصر.

ص: 291

10. ابن خزيمة، ابو بكر محمد بن إسحاق (الوفاة 311 ه)، کتاب التوحيد وإثبات

صفات الرب

عزوجل، الناشر: مكتبة الرشد - السعودية - الرياض - 1414 ه - 1994 م، الطبعة:

الخامسة، تحقيق: عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان.

11. ابن عابدین، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز الوفاة: 1252، حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار فقه أبو حنيفة (حاشية ابن عابدین)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر. - بيروت. - 1421 ه - 2000 م.

12. ابن عبد البر القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري (الوفاة 463 ه)، التمهيد، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب - 1387، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري.

13. ------------، الاستذکار، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 2000 م،

الطبعة: الأولى، تحقيق: سالم محمد عطا - محمد علي معوض.

14. ابن منظور الأفريقي، محمد بن مکرم بن منظور المصري (الوفاة: 711)، لسان

العرب، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى.

15. أبو الفرج الأصبهاني، عبد الرحمن بن علي بن محمد (الوفاة 597 ه)، تلبيس إبليس، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1405 - 1985، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. السيد الجميلي.

16. الأبيوردي، ديوان الأبيوردي، بلا تاریخ، بلا ناشر.

17. أحمد بن زینی دحلان (الوفاة 1304 ه)، فتنة الوهابية، مكتبة الحقيقة استانبول -

1422 ه

18. الإسفرائيني، أبو المظفر طاهر بن محمد (شهنور) (الوفاة 471 ه)، التبصير في

الدین وتمييز الفرقة الناجية، الناشر: عالم الكتب بيروت الطبعة الأولى 1403 ه

19. البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي (الوفاة 256 ه)، صحيح البخاري، الناشر:

دار ابن کثیر، اليمامة - بيروت - 1407 - 1987، الطبعة: الثالثة، تحقيق: د. مصطفى ديب

البغا.

ص: 292

20. البغدادي، عبد القاهر بن طاهر بن محمد (الوفاة 429 ه)، الفرق بين الفرق

وبيان الفرقة الناجية، الناشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت - 1977، الطبعة: الثانية.

21. البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر (الوفاة 279 ه)، أنساب الأشراف، بلا

تاریخ، بلا ناشر.

22. الحلبي الشافعي، علي بن برهان الدين، إنسان العيون في سيرة الأمين

والمأمون الشهير بالسيرة الحلبية، بلا تاریخ، بلا ناشر.

23. الخطيب البغدادي أحمد بن علي أبو بكر (الوفاة: 463) تاریخ بغداد، تاریخ

بغداد، دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت.

24. الخلال، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد (الوفاة 311 ه)، الناشر:

دار الراية - الرياض

- 1410 ه - 1989 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. عطية الزهراني. 25. الدليمي، محمود عيدان أحمد، الصحابة ومكانتهم عند المسلمين، رسالة ماجستير في العلوم الإسلامية بإشراف الدكتور: حارث سليمان الضاري 1413 ه - 1993 م.

26. الذهبي، أبو عبد الله محمد بن عثمان (الوفاة 748 ه)، المنتقى من منهاج

الاعتدال، تحقيق: محب الدين الخطيب.

27. -----------، سير أعلام النبلاء، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1413 ه

الطبعة: التاسعة، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، محمد نعیم العرقسوسي.

28. الراغب الأصفهاني (الوفاة 425 ه)، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان

عدنان داوودي الطبعة الثانية، 1427 ه ط .: سلیمان زاده، الناشر: طليعة النور.

29. الريحاني، امین، تاریخ نجد وسيرة عبد العزيز آل سعود طبعة المنشورات

الفاخرية، بلا تاریخ، بلا ناشر.

30. السرخسي، شمس الدين (الوفاة 283 ه) المبسوط، الناشر: دار المعرفة - بيروت.

31. سلیمان بن عبد الوهاب (الوفاة 1210)، الصواعق الإلهية في الرد على

الوهابية، الطبعة الثالثة: 1399 - 1979 م الناشر: مكتبة ایشیق - إسطنبول - ترکیه.

ص: 293

32. السهيلي (الوفاة: 581) الروض الانف، بلا تاریخ، بلا ناشر.

33. الشاطبي، أبو إسحاق (الوفاة 790 ه)، الاعتصام، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى

- مصر، بلا تاریخ

34. الشربيني، الدكتور عماد السيد، عدالة الصحابة رضي الله عنهم في ضوء القرآن

الكريم والسنة النبوية ودفع الشبهات، طبعة سنة 1425 ه - 2005 م.

35. الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد (الوفاة 548 ه)، الملل

والنحل، الناشر: دار المعرفة - بيروت - 1404، تحقیق: محمد سيد كيلاني.

36. الصاوي المالكي، احمد بن محمد الخلوتي الصاوي المصري المالكي (الوفاة

1241)، حاشية العلامة الصاوي على تفسير الجلالين، ج 5 ص

78، طبعة دار احیاء

التراث العربي بيروت.

37. العاصمي النجدي، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم (الوفاة 1392 ه)، الدرر

السنية في الأجوبة النجدية، طبعة 1417 ه بلا ناشر.

38. العسقلاني الشافعي، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (الوفاة 852 ه)، فتح الباري

شرح صحيح البخاري، الناشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: محب الدين الخطيب.

39. العواجي، غالب، الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها،

بلا تاریخ، بلا ناشر.

40. الغفيص، يوسف محمد، شرح العقيدة الطحاوية، بلا تاریخ، بلا ناشر.

41. الفوزان، صالح بن فوزان بن عبد الله، إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحید،

الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الطبعة الثالثة، 1423 ه 2002 م.

42. فيلبي، جان، بعثة إلى نجد، الطبعة الثانية، مكتبة العبيكان، ترجمه الدكتور عبد

الله صالح العثيمين.

43. الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري (الوفاة: 770 ه)، المصباح المنير في

غريب الشرح الكبير للرافعي، الناشر: المكتبة العلمية - بيروت.

ص: 294

44. القنوجي البخاري، أبو الطيب محمد صدیق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني (الوفاة: 1307 ه)، أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1978، تحقيق: عبد الجبار زکار.

45. ------------، الروضة الندية شرح الدرر البهية، الناشر: دار المعرفة.

46. ------------، الدين الخالص، طبعة دار الكتب العلمية بيروت الأولى

1415 ه.

47. اللالكائي، هبة الله بن الحسن بن منصور أبو القاسم، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، الناشر: دار طيبة - الرياض، 1402 تحقيق: د. أحمد سعد حمدان.

48. مالك بن انس (الوفاة 179 ه)، المدونة الكبرى، الناشر: دار صادر - بيروت.

49. محمد بن عبد الوهاب (الوفاة 1206)، کتاب التوحيد الذي هو حق الله على

العبيد، الناشر: مجموعة التوحيد النجدية، مكة المكرمة 1391 ه

50. محمد بن عبد الوهاب، الرسائل الشخصية، بلا تاریخ، بلا ناشر.

51. ------------، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية الجزء الرابع المسماة

بالجواهر المضية، مطبعة المنار بمصر 1349.

52. -------------، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، مطبعة المنار بمصر طبعة

الاولي 1346.

53. الملطي الشافعي، أبو الحسن محمد بن أحماد بن عبد الرحمن (الوفاة 377 ه)،

التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث - مصر - 1418 ه - 1997 م، تحقيق: محمد زاهد بن الحسن الكوثري

54. النسائي، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن (الوفاة: 303)، سنن النسائي (المجتبی)، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب - 1406 - 1986، الطبعة: الثانية

تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة.

ص: 295

55. النووي، يحيى بن شرف بن مري أبو زكريا (الوفاة: 676 ه)، صحيح مسلم

بشرح النووي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1392، الطبعة: الطبعة الثانية.

56. النيشابوري، مسلم بن الحجاج، أبو الحسين القشيري (الوفاة 261)، صحيح

مسلم، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.

الصحف و المجلات

1. جريدة عكاظ العدد 3504 تاریخ 20 كانون الثاني 2011

2. مجلة المجاهد السنة الأولي عدد 10 شهر صفر 1410 ه

المواقع الألكترونية

1. al - akhbar.com

2. alifta.net

3. al - obeikan.com

4. al - sunan.org

5. aparat.com

6. ar.islamway.net

7. ar.wikipedia.org

8. audio.islamweb.net

9. binbaz.org.sa

10. dorar.net 11.

11. farsi.alarabiya.net

12. ibnothaimeen.com

13. mashreghnews.ir

14. tasnimnews.com

15. vb.tafsir.net wahabinews.files.wordpress.com 16

17. youtube.com

ص: 296

تاريخ تطوّر فكرة تقليد المذاهب من وجهة نظر السلفيين التكفيريين و تكفيرهم للمذاهب الأربعة

تأليف: أكبر روستائي(1)

ترجمة: عباس صافي

نبذة:

يُمثّل الرجوع إلى المختصّين في أيّ علم من العلوم أحد المسائل التي أثبت العقل ضرورتها، و لا يشكّ أيّ عاقل في صحّة هذا الأمر إطلاقاً، و هذا ما نراه من مراجعة الناس عموماً للمختصّين في مختلف مسائلهم و شؤونهم.

و المسائل الدينية - كما هو معلوم - لیست مُستثناة من هذه القاعدة فمن أجل معرفة الأحكام الشرعية لا بدّ من الرّجوع إلى أهل الاختصاص في تلك المسائل أو ما يُدعى بالمجتهد الذي يتمتّع بالشروط التي تؤهّله للبتّ فيها، و الجدير بالذّكر أنّه لا خلاف بين الشيعة و السنّة حول هذا الموضوع، بل ادّعی علماء أهل السنّة الإجماع حول هذا الأمر و رغم كلّ ذلك فإنّنا نجد الوهابيين مختلفون في آرائهم و عقيدتهم مع جميع المذاهب الإسلامية المعروفة، ولا يخفى ما يشوب کلام الوهابيين من اضطراب كبير حول المسألة.

و سنحاول في هذه المقالة بيان آراء السلفيين التكفيريين إزاء موضوع تشکیل

المذاهب و تاريخ تطوّر تلك الآراء بشأن التقليد، و خلال ذلك سنشير إلى بعض الإشكالات التي وردت في آرائهم بحسب أقوالهم هم. ثمّ بعد ذلك سنبحث في آراء علماء أهل السنّة فيما يتعلّق بمسألة التقليد و توجيه النّقد إلى آراء السلفيين التكفيريين من وجهة نظر علماء أهل السنّة.

الكلمات المفتاحية: التقليد؛ الأحكام الشرعية؛ المجتهد؛ السلفية التكفيرية.

ص: 297


1- خبير في قناة الولاية الفضائية

المقدمة:

كان موضوع التقليد منذ أقدم العصور و ما زال من الموضوعات المهمّة المطروحة على بساط البحث في المجتمعات الإسلامية. و المعروف أنّ تقلید علماء الدين عند الشيعة كان قد بدأ بعد عصر الغيبة الصغرى، فقبل ذلك الوقت - أي في حياة الأئمّة علیهم السلام و بالاستناد إلى حديث الثّقلين و وصية النبيّ الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم - كان أبناء الطائفة الشيعية يحصلون على رأي الإمام المعصوم علیه السلام من الإمام نفسه بشكل مباشر أو بواسطة أحد نوّابه أو مُمثّليه و لم يكن في ذلك أيّ حاجة إلى التقليد؛ لكن، وفي عصر الغيبة الكُبرى بعد أن غاب إمام الزّمان (عجّل الله تعالی فرجه الشّریف) عن الأنظار بأمر الله عزوجل و غلق باب العلم، امتثل الشيعة لأمر الإمام علیه السلام بالرّجوع إلى علماء الدين لحلّ المسائل و الإشكالات الدينية و تقليدهم في الأحكام الشرعية الفرعية.

و خلال ذلك ضلّ الكثير من أهل السنّة طريق الهداية و وضعوا حديث الثقلين وراء ظهورهم کنتيجة حتمية لغصب خلافة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فلم يعتنوا بعد استشهاده صلی الله علیه و آله وسلم إلّا بما نُقِل من الأحاديث على لسان الصحابة و اكتفوا بها، فطُرحت مسألة التقليد في تلك الفترة بين أتباع مدرسة الخلافة، إلّا أنّه و بسبب الخلافات الشديدة بين الصحابة حول مُعظم المسائل و حجم البِدَع التي ظهرت إبّان ذلك، دخل (القياس) و (الاستحسان) و غيرهما في عرصة الدين في القرن الثاني للهجرة فظهر العديد من المذاهب الفقهية و راحت كلّ

جماعة من أهل السنّة تتّخذ لنفسها مذهباً من تلك المذاهب و تُقلّده حتى استقرّ رأيهم في القرون اللاحقة على أربعة مذاهب و تمّ الاعتراف بها رسميّاً فيما غابت المذاهب السنيّة الأخرى عن الأنظار.

وخلال تلك الفترة بالذات أفل نجم التقليد و اختفى من سماء أهل السنّة بشكل عمليّ، ثمّ جاء ابن تيمية و أتباعه كدُعاة إلى العودة المباشرة إلى ظاهر القرآن الكريم و ظاهر السنّة النبويّة الشريفة مُعتبرين أنّ تشكيل المذاهب ليس سوى بِدعة من البِدَع، و بلغ بهم الأمر إلى اعتبار التقليد عن إمام مُعيّن كُفراً بائناً.

ص: 298

سنقوم من خلال هذه المقالة بتتبّع مسير تطوّر تقليد المذاهب و اتّهام السلفيين التكفيريين أبناء المذاهب الأخرى و رَميهم بالكُفر و الزندقة، ونبيّن التخبّط الواضح الموجود في كلام التكفيريين بهذا الشأن.

اقتصار مذاهب أهل السنّة على أربع فِرَق

كان الصحابة في حياة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يحصلون على الأجوبة المسائلهم الدينية من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم نفسه، لكنّ النبيّ الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم لم يَفُته أن يُبيّن للناس طريق الهداية بعد رحيله و ذلك بالنظر إلى حاجتهم العقائدية و الفقهية و العبادية، و يتمثّل ذلك الطريق الذي وضعه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لأمّته في تمسّكهم بالكتاب و العترة و هو ما ورد في حديث الثقلين بشكل كامل تقريباً بأسناد صحيحة(1).

و بعد استشهاد النبي الكريم صلی الله علیه و آله وسلم سارَ الشيعة على هَدي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و امتثلوا لأوامره باعتبار القرآن الكريم و آل بيته علیهم السلام هما الملاذ الوحيد و المرجع الأوّل و الأخير لهم في شؤونهم الدينية، ولم يتمسّكوا سوى بهذين الثقلين مُعتبرين أنّ الرجوع إلى غيرهما هو أمر غير جائز بتاتاً.

و خلال الفترة التي بلغت مئتين وستين سنة من حياة الأئمّة عليهم السلام كان الشيعة يراجعون هؤلاء الأئمّة أو نوّابهم المعيّنين من قِبَل الأئمّة أنفسهم للحصول على أجوبة لمسائلهم الدينية. و بعد سنة (260 ه) - أي في عصر الغيبة الصغرى - كان نوّاب الإمام (عجّل الله تعالی فرجه الشريف) الأربعة يؤدّون تلك المهمّة(2). وفي الأيّام الأخيرة من عمر آخر نائب للإمام علیه السلام - و هو علي بن محمّد السّمري - صدر توقيع شريف عن الناحية المقدّسة يقول: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حَديثنا فإنّهم حُجّتي عليكم و أنا حُجّة الله عليهم».

و هكذا اُوكِلت مسؤولية بيان الأحكام الشرعية إلى نوّاب الإمام علیه السلام العامّين و هم

فقهاء الشيعة خلال عصر الغيبة الكُبرى و ذلك بأمر إمام العصر علیه السلام نفسه.

ص: 299


1- النيشابوري، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم، ص 980، الحديث رقم 2408؛ الهيثمي، ابن حجر، الصواعق المحرقة، ج 2، ص 440، الألباني، محمد ناصر الدين، السلسلة الصحيحة، ج 4، ص 355 - 356
2- و هم عثمان بن سعيد و محمد بن عثمان و حسین بن روح و علي بن محمد السمري

و أمّا أتباع مدرسة الخلافة فاضطرّوا إلى الرّجوع إلى آراء الصحابة للحصول على الأجوبة على أسئلتهم الدينية و ذلك لنَبذهم مدرسة الإمامة، لكن بسبب الاختلافات التي كانت موجودة بين الصحابة و بين آرائهم فقد واجه أهل السنّة تيارات مختلفة من الآراء التي لا تُحصى بحيث طُمرت الكثير من الحقائق الدينية و وصل التحريف حدّاً دفع أنس بن مالك إلى التصريح قائلاً: «مَا أَعْرِفُ شَیْئاً مِمَّا کَانَ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صلی الله علیه و آله وسلم قِیلَ اَلصَّلاَهُ قَالَ أَ لَیْسَ ضَیَّعْتُمْ مَا ضَیَّعْتُمْ فِیهَا»(1).

و هنا، لم يَجد دُعاة السقيفة مخرجاً سوى اللجوء إلى الاجتهاد فظهرت في القرن الهجريّ الثاني العديد من المدارس الفقهية مثل مدرسة أهل الحديث و مدرسة القياس و الرّأي و برز نجم بعض الشخصيات من أمثال أبي حنيفة و مالك بن أنس و سفيان بن عُيينة و سفيان الثوريّ و الأوزاعيّ و الشافعي و أحمد بن حنبل و غيرهم كأئمّة للفقه في تلك المدارس السنيّة.

ويُذكَر أنّ عدد المذاهب في تلك الفترة بلغ أكثر من مئة مذهب(2)، و مع مرور الوقت أصبح تقليد أئمّة تلك المذاهب أمراً شائعاً و مُنع على أثره الاجتهاد المستقلّ (دون الالتفات إلى الأسلوب الفقهي لأئمّة المذاهب المذكورة)، و كان لزاماً على كلّ مَن يريد دراسة الفقه أن يقوم أوّلاً بحفظ القرآن الكريم و السنّة ثمّ دراسة المبادئ الفقهية لإمام ذلك المذهب، و بعد حفظه لأصول الاستنباط و الأسلوب الفقهي الخاصّة بذلك الإمام يصبح قادراً على استنباط الأحكام وفقاً لأسلوب إمام مذهبه.

إلّا أنّ الآراء اختلفت حول التاريخ الدقيق الذي اُغلق خلاله باب الاجتهاد عند أهل السنّة، فمن الحنفيين مَن يرى أنّ ذلك حديث بعد زمان أبي حنيفة و أتباعه و أنّه لم يكن يحقّ لأحد ممارسة الاجتهاد

ص: 300


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 197
2- / http://islampedia.ir/fa ، تاريخ النشر: 2012/4/5 م. نقلاً عن: مکارم الشيرازي، ناصر، دائرة المعارف فقه مقارن، ص 137، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام، قم، الطبعة الأولى، (1427 ه)، نقلاً عن (دائرة المعارف بزرگ اسلامی)، ج 6، ص 605

«ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة و زفر و أبي يوسف و محمد بن الحسن و الحسن بن زیاد و أنّ اختيارات الشافعي و أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهويه و أبي ثور و داود بن علي و سائر العلماء شذوذ

خرق الإجماع»(1). فيما قال بعضهم الآخر: «ليس لأحد أن يخرج عن اختيارات الأوزاعي و سفيان

الثوري و عبد الله بن المبارك و وكيع بن الجراح»(2).

بينما يعتقد بكر بن علاء المالكي أنّ مبدأ التقليد الصّرف و ترك الاجتهاد بين أهل السنّة حدث سنة مئتين للهجرة: «بكر بن العلاء القشيري المالكي إنّ بعد سنة مائتين قد استقرّ الأمر و ليس لأحد أن يختار»(3).

ومن أتباع الشافعي مَن اعتبر أنّه [أي الشافعي] كان آخر المجتهدين من أهل السنّة:

«ليس لِأحَدٍ أَن يَختَارَ بَعدَ الشَّافِعِيِّ»(4).

واستمرّت تلك الاختلافات و التعدّدية حتى رشحت أربعة مذاهب عن المذاهب السنيّة، هي: المذهب الحنفي و المالكيّ و الشافعي و الحنبليّ، و على هذه المذاهب اقتصر أمر أهل السنّة و حُرّم التقليد على المذاهب الأخرى.

ص: 301


1- ابن حزم، علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، الإحكام في أصول الأحكام، ج 4، ص 538. و يرى ابن قيم الجوزية و الصنعاني و إبراهيم إبراهيم هلال أنّ هذا القول هو قول الكثير من علماء الحنفيّة. ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، إعلام الموقعین عن رب العالمین، ج 2، ص 276؛ الصنعاني، محمد بن إسماعيل، إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد، تحقيق: صلاح الدين مقبول أحمد، إرشاد النقاد، ص 27؛ إبراهيم إبراهيم هلال ولاية الله و الطريق إليها، تحقیق: تقديم ابن الخطيب، صص 328 - 329
2- ابن حزم، علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، المصدر السابق؛ ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، المصدر السابق، الصنعاني، محمد بن إسماعيل، المصدر السابق؛ إبراهيم إبراهيم هلال المصدر السابق، ص 329
3- ابن حزم، علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، المصدر السابق؛ ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، المصدر السابق، الصنعاني، محمد بن إسماعيل، المصدر السابق؛ إبراهيم إبراهيم هلال، المصدر السابق، ص 329
4- ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، المصدر السابق؛ الصنعاني، محمد بن إسماعيل، المصدر السابق: إبراهيم إبراهيم هلال المصدر السابق، ص 329

وحتى فيما يخصّ تاريخ حصر المذاهب فإنّ هناك اختلافاً في وجهات النّظر، فعلى سبيل المثال، أشارَ ياقوت الحمويّ أنّ تقلّص المذاهب و حصرها على تلك الأربعة حدث في زمان الخليفة العباسي القادر بالله، أي سنة (381 ه) و في ذلك يقول:

«قرأت في مجموع لبعض أهل البصرة: تقدم القادر بالله إلى أربعة من أئمة المسلمين في أيامه في المذاهب الأربعة أن يصنّف له كلّ واحد منهم مختصراً على مذهبه فصنّف له الماوردي (کتاب الاقناع)، و صنّف له أبو الحسين القدوري مختصره المعروف على مذهب أبي حنيفة، و صنّف له القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن نصر المالكي مختصراً آخر، ولا أدري من صنّف له على مذهب أحمد، و عُرضت عليه فخرج الخادم إلى أقضي القضاة الماوردي و قال له: أمير المؤمنين يقول لك حفظ الله عليك دينك كما حفظت علينا ديننا. و من هذا المجموع: كان أقضي القضاة رحمه الله قد سلك طريقة في ذوي الأرحام يورث القريب و البعيد بالسويّة، وهو مذهب بعض

المتقدمين»(1). و كما نلاحظ فإنّ ياقوت الحمويّ يُحدّد تاريخ الاعتراف بالمذاهب و اقتصار مذاهب أهل السنّة بأربعة مذاهب فقط بعصر القادر بالله العبّاسي الذي يُعتبر الحافظ لتلك المذاهب.

وأمّا المقريزيّ فيرى أنّ حصر المذاهب السنيّة بتلك الأربعة إنّما كان في عهد الملك (بَيبَرس)(2) و أنّ هذا الملك هو الذي أمر بحصر المذاهب السنيّة على تلك الأربعة و الاعتراف بها رسمياً مُحرّماً بذلك أيّ تقليد لأيّ مذهب آخر، و هكذا اختفت المذاهب

ص: 302


1- یاقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي، معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، المحقق: إحسان عباس، ج 5، ص 1956
2- (Baybars) بيبرس الملك الظاهر ركن الدين، رابع سلاطین سلالة المماليك البحرية في مصر و قد استطاع هذا السلطان دَحر الصليبيين واحداً و عشرين مرّة خلال فترة حكمه التي بلغت سبعة عشر عاماً و حارب جيش المغول تسع مرّات. ساندرز، جان جوزف، تاریخ فتوحات مغول، ترجمة: أبو القاسم حالت، ص 80 الهامش رقم 1. توفي الملك بیبرس بعد عودته من أرض الروم في 27 محرم من عام 676 ه إقبال آشتياني، عباس، تاریخ مغول، ص 215

السنيّة الأخرى من صفحات التاريخ: «فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ، ولي بمصر و القاهرة أربعة قضاة، و هم شافعيّ و مالكيّ و حنفيّ و حنبليّ. فاستمرّ ذلك من سنة خمس و ستین و ستمائة، حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة، و عقيدة الأشعريّ، وعملت لأهلها المدارس و الخوانك و الزوايا و الربط في سائر ممالك الإسلام، و عودي من تمذهب بغيرها، و أنكر عليه، و لم يولّ قاض و لا قبلت شهادة أحد و لا قدّم للخطابة و الإمامة و التدريس أحد ما لم يكن مقلدا لأحد هذه المذاهب، و أفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب اتباع هذه المذاهب و تحریم ما عداها، و العمل على هذا إلى اليوم»(1).

وعلّق عبد الرزاق الصنعانيّ على تلك الأقوال بقوله: «بل صار كلّ مذهب منها کدِینٍ

مستقلّ و نصّوا على بطلان الصّلاة خلف مُخالف المذهب ...»(2).

وهكذا تمّ تثبيت أركان المذاهب الأربعة لأهل السنّة بشكل فعليّ و كانت جميع صلاحيّات الحكم بيَد أصحاب تلك المذاهب و أتباعها و اُزيحت بقيّة المذاهب السنيّة عن طريقها. و تجدر الإشارة هنا إلى أنّ السؤال ما زال قائماً حول ما إذا كان حصر المذاهب السنيّة بالمذاهب الأربعة المذكورة قد حدث في زمن القادر بالله العباسي أم في عهد الملك (بَيبَرس)، لكن لا يمكننا البتّ في هذا الموضوع بدقّة على أنّ بعض العلماء و الباحثين يعتقدون أنّ فكرة حصر المذاهب كانت على عهد الخليفة العبّاسي القادر بالله في حين أنّ مبادئ تلك المذاهب و أصولها ترسّخت في زمن الملك (بَيبَرس).

وفي ذلك يقول المرحوم آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئيّ: «من المحتمل أنّ

القادر بالله غرس هذه البذرة و تمّ نتاجها و تحكّمت أصولها في زمن الملك (بيبرس)»(3).

لماذا التقليد؟

في بداية مقالتنا هذه ذكرنا أنّ التقليد عن المختصّ

في المسائل الفقهية يُعدّ أمراً

ص: 303


1- المقريزي، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين، ج 4، ص 167
2- الصنعاني، محمد بن إسماعيل، إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد، تحقیق: صلاح الدين مقبول احمد، ج 1، صص 19 - 20
3- الخوئي، السيد أبو القاسم، الاجتهاد و التقلید، ص 14، المقدمة

ضرورياً من الناحية العقلية(1)، فكما أنّ كلّ العقل يقتضي الرجوع في كلّ علم إلى المختصّ فيه لبيان مسائل ذلك العلم و خفاياه، فكذلك المسائل الدينية فهي تستلزم مراجعتنا للشخص المختصّ بهذه المسائل و هو هنا الفقيه الذي يمتلك شروط التقليد عنه، و هذا العقل نفسه يتطلّب رجوعنا إلى المختصّ لاستنباط الأحكام الشرعية في الدين كما هي الحال مع أيّ علم آخر. و كما أنّ القرآن الكريم و الأحاديث النبويّة الشريفة و روایات آل البيت علیهم السلام تتضمّن الكثير من المتشابهات و المحكمات و العامّ و الخاصّ و الناسخ و المنسوخ و المطلق و المقيّد(2)، فقد أكّدت روایات آل البيت علیهم السلام كذلك على الرجوع إلى أهل هذا العلم لفهم هذه المسائل و إدراكها بشكل دقيق، و هم آل البيت علیهم السلام أنفسهم أو الأشخاص الذين عيّنوهم لنا.

و ورد في إحدى الروايات أنّ جماعة من الصوفية جاءوا إلى مولانا الإمام

الصّادق علیه السلام فعاتبهم الإمام علیه السلام قائلاً:

«دعوا عنكم ما لا تنتفعون به؛ أخبروني أيّها النّفر، ألَكُم علم بناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه الذي في مثله ضلّ مَن ضلّ و هلك من هلك من هذه الأمة؟ فقالوا له: أو بعضه فأمّا کُلّه فلا! فقال لهم علیه السلام: فمن هنا أتيتُم، و كذلك أحاديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم... فتأدبوا أيّها النفر بآداب الله عزوجل للمؤمنين و اقتصروا على أمر الله و نهيه و دعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به و ردّوا العلم إلى أهله تؤجروا و تُعذروا عند الله تبارك و تعالی و کونوا في طلب علم ناسخ القرآن من منسوخه و محکمه من متشابهه و ما أحلّ الله فيه ممّا حرّم فإنّه

ص: 304


1- نبذة هذه المقالة
2- و في رواية لأمير المؤمنين علیه السلام عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عُمَرَ اَلْیَمَانِیِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِی عَیَّاشٍ عَنْ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ اَلْهِلاَلِیِّ. قَالَ قُلتُ لأَمِیرِ اَلْمُؤْمِنِینَ علیه السلام... فَإِنَّ أَمْرَ النَّبِیِّ صلی الله علیه وآله وسلم مِثْلُ الْقُرْآنِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ خَاصٌّ وَعَامٌّ وَمُحْکَمٌ وَمُتَشَابِهٌ قَدْ کَانَ یَکُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وسلم الْکَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ کَلاَمٌ عَامٌّ وَکَلاَمٌ خَاصٌّ مِثْلُ الْقُرْآنِ... الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج 1، ص 63 - 64، باب اختلاف الحديث، ح 1. في رواية أخرى عن الإمام الرّضا علیه السلام أنّه قال: .. إنّ في أخبارنا متشابهاً کمتشابه القرآن و محكماً كمحكم القرآن فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا. الشيخ الصدوق، علي بن بابویه، عیون أخبار الرّضا علیه السلام، تحقيق: حسين الأعلمي، مجلّدين، بیروت، مطابع مؤسسة الأعلمي، (1404 ه - 1984 م)، ج 1، ص 261، ح 39

أقرب لكم من الله و أبعد لكم من الجهل، و دعوا الجهالة لأهلها فإنّ

أهل الجهل كثير و أهل العلم قليل...»(1).

و كما نلاحظ في الرواية المذكورة فإنّ الإمام الصّادق علیه السلام يبيّن أنّ القرآن الكريم و أحاديث الرّسول صلی الله علیه و آله وسلم فيها الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه، و أنّ فهم تلك الأحاديث و الآيات بشكل خاطئ يؤدّي إلى الضّلال، و عليه، و لفهم تلك الآيات و الروايات بشكلها الصحيح و الدّقيق لا بدّ من الرجوع إلى أهل العلم (و هم آل البيت علیهم السلام) لأنّ الأشخاص العاديين لا يستطيعون لوحدهم بلوغ حقائق تلك المسائل، و لذلك فإمّا الرّجوع إلى آل البيت علیهم السلام أو مراجعة الأشخاص الذين تدربّوا على الحكم و البيان بموجب علوم آل البيت علیهم السلام و تعاليمهم، و قد كان الأئمّة علیهم السلام يشيرون على شيعتهم بمراجعة أولئك الأشخاص - وهم فقهاء المذهب الحقّ، مذهب الشيعة الإثني عشرية، فعن شُعيب العقرقوفيّ أنّه قال: «قلتُ لأبي عبد الله علیه السلام: ربّما احتجنا أن نسأل عن الشيء، فمَن نسأل؟ قال علیه السلام: عليك بالأسدي - يعني أبا بصير»(2). وفي رواية أخرى عن علي بن المسيّب عن الإمام الرّضا علیه السلام قال:

«قلتُ للرّضا علیه السلام: شقتي بعيدة و لستُ أصل إليك في كلّ وقت، فمِمنّ آخذُ معالم دیني؟ فقال علیه السلام: من زکریا بن آدم القمي المأمون على الدين و الدنيا. قال علي بن المسيب: فلما انصرفتُ قَدِمتُ على زکریا

بن آدم فسألته عمّا احتجتُ إليه»(3). و هنا نلاحظ أنّ أئمّة آل البيت علیهم السلام كانوا يرجعون الناس إلى المجتهدين لبيان المسائل الدينية و الاستفسار عن أسئلتهم الدينية. و كان ذلك في وقت لم يَزل باب العلم مفتوحاً و كان الأئمّة الأطهار علیهم السلام حاضرین و موجودين بين الناس، فلمّا كان هذا العمل

ص: 305


1- الكليني، محمد بن یعقوب، الكافي، ج 5، ص 65 - 66 و ص 70، باب دخول الصوفية على أبي عبد الله علیه السلام و احتجاجهم عليه فيما ينهون، باب الناس عنه من طلب الرزق، ح 1. علّق الشيخ هادي النجفي بعد نقل الرواية قائلاً: «الروایة معتبرة الإسناد». النجفي، هادي، موسوعة أحاديث أهل البيت علیهم السلام، ج 4، ص 178
2- الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الكشي)، تصحیح و تعليق المعلم الثالث میر داماد الاستربادي / تحقيق السيد مهدي الرجائي، قم، مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1404 ه ج 1، ص 400، ح 291
3- الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، المصدر السابق، ج 2، ص 858 ح 1112

(أي التقليد) جائزاً في حياة تلك الذوات المقدّسة علیهم السلام فهو بطريق أولى جائز كذلك في زمن غيبة إمام العصر (عجّل الله تعالی فرجه الشريف)، وقد ذكرنا أنّ الإمام الحجّة (أرواحنا له الفداء) كان قد طلب في توقيعه الشّريف من آخر نوّابه و هو عليّ بن محمّد السّمري أن يأمر شيعته بالرجوع إلى الفقهاء و المجتهدين لبيان المسائل الدينية قائلاً: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رُواة حديثنا فإنّهم حُجّتي عليكم و أنا حُجّة الله عليهم»(1).

و هكذا، فقد بَيّنَ إمام العصر و الزّمان (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) وظيفة الناس في زمن الغيبة الكبرى و أمرَ علیه السلام بالرجوع إلى الفقهاء لتوضيح و استفهام المسائل الدينية منعاً لضلالهم. إذاً، فتقليد العالِم في المسائل الدينية هو أمر الأئمّة المعصومين علیهم السلام فضلاً عن أنّه يوافق حكم العقل كذلك.

و أهل السنّة بدورهم يُجيزون التقليد أيضاً و يعتبرون ترکه مدعاة للضلالة، و على سبيل المثال يقول خليل أحمد بن مجيد السهارنبوري حول هذا الموضوع: «لا بدّ للرجل في هذا الزمان أن يُقلّد أحداً من الأئمة الأربعة، بل يجب فإنّا جرّبنا كثيراً أنّ مآل ترك تقليد الأئمة و اتباع رأي نفسه و هواها السقوط في حُفرة الإلحاد و الزندقة»(2).

و بناءً على ذلك فإنّ التقلید جائز من وجهة نظر كلّ من الشيعة و أهل السنّة، و قد

أشرنا في مقدّمة هذه المقالة إلى أنّ علماء أهل السنّة قد أجمعوا على جواز التقليد.

السبب وراء منع الفرقة الوهابية التقليد

للفرقة الوهابية بعض الأسباب على عدم جواز التقليد و فيما يأتي موجز لتلك الأسباب بشكل مفهرس و سنشير لاحقاً و بشيء من التفصيل إلى نصّ العبارات التي ذكرها علماء الوهابية بهذا الصّدد:

أنّ التقليد موجب لفساد الدين(3)

ص: 306


1- الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، الغيبة، تحقيق: عباد الله طهراني و علي أحمد ناصح، ص 291
2- السهارنفوري، خليل أحمد، عقائد أهل السنة الديوبندية، تحقيق: سید طالب الرحمن (وهابي)، ص 51
3- ابن تيمية الحراني، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية ج 6، ص 303

2- أنّه بِدعة و أنّه لم يكن موجوداً في القرون الأولى لظهور الإسلام(1) (2) (3) (4) (5)

3- أنّه يوجِد الحقد و الكراهية بين المسلمین(6)

4- أنّ التقليد يؤدّي إلى الشّرك و الكُفر(7) (8) (9) (10) (11)

5- إنّ التقليد لمذهب مُعيّن معناه اعتبار المقلَّد بمنزلة الرّسول صلی الله علیه و آله وسلم(12)

6- لا يجوز التقليد لأنّ كلّ مذهب من المذاهب مُعرّض للخطأ و الصّواب في نفس الوقت(13)

هذه هي الأسباب التي قدّمها الوهابيون لتبرير منعهم للتقليد، لكنّنا لا نهدف من مقالتنا

هذه نَقد كلّ سبب من تلك الأسباب بل سنستمرّ في بيان سير تطوّر فكرة التقليد على المذاهب من وجهة نظر السلفية التكفيرية و تكفيرهم للمذاهب الأربعة، كما أشرنا سلفاً، ثمّ نستعرض آراء علماء أهل السنّة في ردّهم على الفرقة الوهابية بشأن هذا الموضوع (أي التقليد).

1- تأسيس المذاهب بدعة ذكر بعض أعلام السلفية التكفيرية البارزين بصراحة تامّة أنّ تأسيس المذاهب

ص: 307


1- ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، إعلام الموقعین عن رب العالمین، ج 2، ص 208
2- المصدر السابق، ج 2، ص 228
3- المصدر السابق، ج 2، ص 269
4- السَّهسواني الهندي، محمد بشیر، صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحالان، مقدمة الطبعة الثانية، صص 7 - 8
5- العثيمين، محمد بن صالح، فتاوى نور على الدرب، الجزء 112، ص 25، موافق لبرنامج المكتبة الشاملة
6- الوادعي، مقبل بن هادي، إجابة السائل على أهم المسائل، صص 317 - 318، جواب السؤال رقم 161
7- ابن تيمية، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، کتب و رسائل و فتاوی ابن تيمية في الفقه، ج 22، ص 249
8- محمد بن عبد الوهاب، الرسائل الشخصية، تحقيق: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، محمد بن صالح العيلقي ص 277 - 288، الرسالة التاسعة و الثلاثون، رسالة أرسلها إلى عبد الوهاب بن عبد الله بن عیسی
9- محمد بن عبد الوهاب، مجموعة رسائل في التوحيد و الإيمان، تحقيق: إسماعيل بن محمد الأنصاري، ص 336
10- القنوجي البخاري، محمد صدیق حسن، الدين الخالص، تحقيق: محمد سالم هاشم، ج 1، ص 140
11- المعصومي الخجندي، محمد سلطان، هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة؟، صص 5 - 13
12- المصدر السابق
13- العثيمين، محمد بن صالح، فتاوى نور على الدرب، ج 23، ص 24، موافق لبرنامج المكتبة الشاملة

(الدينية) بدعة واضحة، و فيما يلي بعض أولئك الذين صرّحوا بهذا الكلام:

ابن تيمية الحراني (المتوفى سنة 728 ه)

يقول ابن تيمية الحرّاني - المنظر الأوّل للفرقة الوهابية - حول أصل تشكيل المذاهب

و تأسيسها: «و أصل المذهب إنّما ابتدعه زنادقة منافقون مرادهم إفساد دين الإسلام».(1)

ابن قيم الجوزية (المتوفى سنة 751 ه) و ابن قيّم هذا هو تلميذ ابن تيمية المخلص، حيث أشارَ إلى موضوع التقليد بعباراته التالية:

«فإنّا نعلم بالضرورة أنّه لم يكن في عصر الصحابة رجل واحد اتّخذ رجلاً منهم يقلّده في جميع أقواله فلم يسقط منها شيئاً و أسقط أقوال غيره فلم يأخذ منها شيئاً، و نعلم بالضرورة أنّ هذا لم يكن في عصر التابعين ولا تابعي التابعين فليكذبنا المقلدون برجل واحد سلك سبيلهم الوخيمة في القرون الفضيلة على لسان رسول الله

صلی الله علیه و آله وسلم - و إنّما حدثت هذه البدعة في

القرن الرابع المذموم على لسان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم».(2) وفي موضع آخر يبيّن ابن قيّم الجوزية أنّ تقلید شخص لشخص آخر يُعتبر من أكبر

البِدع و أقبح الأفعال:

«وَأَمَّا هَدْی الصَّحَابَةِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ یکنْ فِیهِمْ شَخْصٌ وَاحِدٌ یقَلِّدُ رَجُلًا وَاحِدًا فِی جَمِیعِ أَقْوَالِهِ، وَیخَالِفُ مَنْ عَدَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ بِحَیثُ لَا یرُدُّ مِنْ أَقْوَالِهِ شَیئًا، وَلَا یقْبَلُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ شَیئًا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبِدَعِ وَأَقْبَحِ الْحَوَادِثِ»(3) و في مكان آخر يقول ابن قيّم: «أنّا منعنا التقليد طاعة لله و رسوله و الله و رسوله منع

منه و ذمّ أهله في كتابه و أمر بتحکیمه و تحکیم رسوله»(4).

ص: 308


1- ابن تيمية الحراني، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية ج 6، ص 303
2- ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، إعلام الموقعین عن رب العالمین، ج 2، ص 208
3- المصدر السابق، ج 2، ص 228
4- المصدر السابق، ج 2، ص 269

محمد بشير السهسواني (المتوفى سنة 1326 ه)

وهذا عالم آخر من علماء الوهابية و هو محمد بشير السيسوانيّ يرى أنّ التقليد إنّما

هو بِدعة:

«والتحقيق أنّ ما كان عليه السّلف في الصدر الأول لم يكن يُسمّى مذهباً، ولا يصحّ أن يُسمّى مذهباً في الإسلام لأنّه هو الإسلام كله، و هو وحدة لا تفرّق فيها ولا اختلاف، و الله يقول لرسوله: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ»(1) و يقول: «أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ»(2) و إنّما صار يُسمّى مذهباً بالإضافة إلى ما حدث من البِدَع التي تتعصّب

لها الشِّيَع»(3).

مقبل بن هادي الوادعي (المتوفی 1422 ه)

يُعتبر مقبل بن هادي الوادعي من علماء الفرقة الوهابية، و قد علّق على مسألة التقليد بقوله:

«المذاهب الأربعة ما أنزل الله بها من سلطان... فهذه المذاهب فرّقت الناس .. و أدخلت بينهم البغضاء و العداوة و ما تعبّدنا الله إلا بكتاب الله و بسنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و هي مُبتدعة ما جاءت في كتاب الله و لا في سنة رسول الله

صلی الله علیه و آله وسلم و ما حدثت هذه البدعة إلّا بعد القرون المفضلة(4)».(5)

و كما رأينا فإنّ عقيدة علماء الوهابية الذين ذكرناهم آنفاً تشير إلى أنّ التقليد لم يكن موجوداً إلّا بعد قرن أتباع التابعين و أنّه لم يكن معروفاً و لا معمولاً به في زمن الصحابة و التابعين و تابعي التابعين. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الوهابيين أنفسهم مختلفون في الرّأي حتى في هذه المسألة ولم يتمكّنوا من حلّها إلى الوقت الحاضر. فهذا هو محمّد بن صالح العثيمين يُسأل عن التقليد: «فضيلة الشيخ: أيضاً يقول في أي زمن ظهرت هذه

ص: 309


1- سورة الأنعام: الآية 159
2- سورة الشورى: الآية 13
3- السَّهسواني الهندي، محمد بشیر، صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحالان، مقدمة الطبعة الثانية، صص 7 - 8
4- قرن الصحابة و التابعين و أتباع التابعين
5- الوادعي، مقبل بن هادي، إجابة السائل على أهم المسائل، صص 317 - 318، جواب السؤال رقم 161

و لماذا ظهرت؟ الجواب: ظهرت هذه بعد انقراض العصر الأول من الصحابة رضي الله عنهم في القرن الثاني من قرون هذه الأمة».(1)

ونلاحظ بوضوح أنّ هؤلاء الأشخاص يعتبرون تأسيس المذاهب و تقليدها بدعة، و بناءً على قولهم هذا فإنّ الأمّة الإسلامية بأكملها تُعتبر مُبتدعة إذ كما أشرنا في بداية هذه المقالة فإنّ علماء أهل السنّة أجمعوا على ضرورة التقليد في الأحكام، و عليه، و من وجهة نظر السلفيين التكفيريين فإنّ هؤلاء هم المسلمون الوحيدون الذين ليسوا من أصحاب البِدَع، بينما يغرق - بزعمهم - كلّ أفراد المجتمع الإسلامي في البِدَع.

إلّا أنّ السلفيين التكفيريين لم يكتفوا بهذا القدر من التُّهَم بل تجاوزوه من خلال تصريحهم أنّ التقليد يُعدّ شركاً و كُفراً صريحين و لذلك حكموا على كلّ أفراد الأمّة الإسلامية بالتكفير و عملوا بموجبه. و فيما يأتي إشارة إلى بعض تلك التصريحات الخاصّة بهذا الشأن:

2- التقلید شرک و کفر

ابن تيمية الحرّاني (المتوفى سنة 728 ه)

قال ابن تيمية الحرّاني: «فإنّه متى إعتقد أنّه يجب على الناس إتباع واحد بعينه من

هؤلاء الأئمة دون الإمام الآخر فإنّه يجب أن يُستتاب فإن تاب و إلّا قُتِل».(2)

محمد بن عبد الوهاب (المتوفى سنة 1206 ه) و قال محمّد بن عبد الوهاب - مؤسّس الفرقة الوهابية - مشيراً إلى نفس الموضوع:

«ومن أدلّة شيخ الإسلام: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ»(3) فقد فسّرها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و الأئمة بعده بهذا الذي تسمّونه الفقه و هو الذي سمّاه الله شركاً و اتخاذهم أرباباً، لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافاً. و الحاصل أنّ من رزقه الله العلم يعرف أن هذه المكاتيب التي

ص: 310


1- العثيمين، محمد بن صالح، فتاوى نور على الدرب، ج 112، ص 25، موافق لبرنامج المكتبة الشاملة
2- ابن تيمية، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، کتب و رسائل و فتاوی ابن تيمية في الفقه، ج 22، ص 249
3- سورة التوبة: الآية 31

أتتكم و فرحتم بها و قرأتموها على العامة من عند هؤلاء الذين تظنون أنهم علماء كما قال تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا»(1) إلى قوله: «وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ»(2) لكنّ هذه الآيات و نحوها عندكم من العلوم المهجورة، بل أعجب من هذا أنّكم لا تفهمون شهادة أن لا إله إلا الله ولا تنكرون هذه الأوثان التي تعبد في الخارج و غيرها التي هي

الشرك الأكبر بإجماع أهل العلم»(3). وفي موضع آخر يقول ابن عبد الوهاب: «أنّ دينهم مبنيّ على أصول أعظمها التقليد،

فهو القاعدة الكبرى لجميع الكفار أوّلهم و آخرهم»(4).

و قد نسب أتباع محمّد بن عبد الوهاب القول التالي إليه حيث كتب محمد بن عبد

الله بن سليمان السلمان - و هو أحد أبناء الفرقة الوهابية المعاصرين - يقول:

«و في كثير من المناسبات يذمّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب التقليد حتى جعله من الأمور التي خالف فيها الرسول صلی الله علیه و آله وسلم المشرکین، و لذلك يقول في هذا الصدد: «دين المشركين مبنيّ على أصول أعظمها التقليد،

فهو القاعدة الكبرى لجميع الكفار أولهم و آخرهم»(5).

القنوجي البخاري (المتوفى سنة 1253 ه)

و القنوجي البخاري يُعدّ واحداً من علماء الوهابية كذلك، وقد كتب في مؤلّفه

المسمّى (الدين الخالص) يقول:

«تقليد المذاهب من الشرك: تأمل في مقلدة المذاهب كيف أقرّوا على

ص: 311


1- سورة الأنعام: الآية 112
2- سورة الأنعام: الآية 113
3- محمد بن عبد الوهاب، الرسائل الشخصية، تحقيق: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، محمد بن صالح العيلقي، ص 277 - 288، الرسالة التاسعة و الثلاثون، رسالة أرسلها إلى عبد الوهاب بن عبد الله بن عیسی
4- محمد بن عبد الوهاب، مجموعة رسائل في التوحيد و الإيمان، تحقيق: إسماعيل بن محمد الأنصاري، ص 336
5- محمد بن عبد الله بن سليمان السلمان، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و أثرها في العالم الإسلامي، ص 119

أنفسهم بتقليد الأموات من العلماء والأولياء و اعترفوا بأنّ فهم الكتاب و السنة كان خاصّاً بهم... فما ندري ما عذرهم عن ذلك غداً يوم

الحساب و الكتاب؟ و ما يُنجيهم من ذلك العذاب و العقاب؟»(1). لكنّ كلام القنوجي البخاري - و كما هو واضح - يتناقض مع رأي العديد من علماء أهل السنّة، فقد ورد في كتاب (الموسوعة الفقهية) ما نصّه: «قَال الشَّافِعِيُّ: المَذَاهِبُ لاَ تَمُوتُ بِمَوتِ أربَابِهَا. وصَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ المَحصُول و ادَّعَى الاِجمَاعَ عَلَيهِ، لاَنَّ المُجتَهِدَ الَّذِي يَستَنبِطُ حُكمًا فَهُوَ عِندَهُ حُکمٌ دَائِمٌ»(2).

لاحِظ أنّ صاحب كتاب (المحصول) قد صرّح بإجماع أهل السنّة على أنّ المذاهب لا تموت بموت أصحابها بينما عارض القنوجي البخاري ذلك و اتّهم المذاهب المذكورة بالشّرك، و هذا يعني أنّ أهل السنّة جميعاً هم مشركون و كفّار من وجهة نظره.

و الجدير بالذكر هنا أنّ كلام القنوجي البخاري لا يقتصر على اتّهام الأمّة الإسلامية بأجمعها بالشّرك و الكُفر بل و يشمل كذلك ابن تيمية الحرّاني نفسه لأنّ هذا الأخير كان من أتباع مذهب أحمد بن حنبل و كان يعمل بتعاليمه و أحكامه (و قد مات قبل ابن تيمية بقرون).

و في جوابه على استفتاء حول تقليد المذاهب عندما سُئِل عن حكم تقليد مذهب من المذاهب الأربعة، قال ابن عثيمين: «ينقسم الناس إلى أقسام بالنسبة لالتزام المذاهب، فمِن الناس من ينتسب إلى مذهبٍ معيّن لظنّه أنّه أقرب المذاهب إلى الصواب، لكنه إذا تبيّن له الحقّ اتّبعه و ترك ما هو مقلدٌ له و هذا لا حَرج فيه و قد فعله علماء کبار کشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالنسبة لمذهب الإمام أحمد بن حنبل، فإنّه - أعني ابن تيمية - كان من أصحاب الإمام أحمد و يعدّ من الحنابلة و مع ذلك فإنّه حسب ما اطلعنا عليه في كتبه و فتاويه إذا تبيّن له الدليل اتبعه ولا يُبالي أن يخرج على ما كان عليه أصحاب

ص: 312


1- القنوجي البخاري، محمد صدیق حسن، الدين الخالص، تحقیق: محمد سالم هاشم، ج 1، ص 140
2- وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية - الكويت، الموسوعة الفقهية، ج 32، صص 29 - 30

المذهب و أمثاله كثير، فهذا لا بأس به لأنّ الانتماء إلى المذهب و

دراسة قواعده و أصوله يُعين الإنسان على فهم الكتاب و السنة...»(1).

محمد سلطان المعصومي (المتوفى سنة 1381 ه)

محمد سلطان المعصومي هو أحد علماء الوهابية الذين يعتبرون التقليد كُفراً و شركاً،

و هو القائل:

«إعلم أنّه يزعم كثير من أهل الإسلام، علمائهم فضلاً عن جهلائهم، أنّه لا بدّ للمسلم أن يَتَمَذهَب بأحد المذاهب المنسوبة إلى الأئمة الأربعة رحمهم الله كأبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد، و هذا غلط بل جهل من قائله و عدم معرفة بالإسلام.. و أمّا اتباع مذهب من المذاهب الأربعة أو غيرها، فليس بواجب و لا مندوب، و ليس على المسلم أن يلتزم واحداً منها بعينه، بل مَن التزم واحداً منها بعينه في كلّ مسائله فهو متعصّب مُخطئ مقلداً تقليداً أعمى !! ... و هذه الأمور مُبتدعة حدثت بعد القرون الثلاثة و لا شكّ ولا شبهة و كلّ بدعة تعتقد ديناً و ثواباً فهي الضلالة... فمن يتعصّب لواحد مُعيّن غير رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و يرى أنّ قوله هو الصواب الذي يجب اتباعه دون الأئمة الآخرين فهو ضال جاهل!! بل قد يكون كافراً يُستتاب!! فإن تاب فيها و إلّا قُتِل! فإنّه متى اعتقد أنّه يجب على الناس اتّباع أحد بعينه من هؤلاء

الأئمة فقد جعله بمنزلة النبي صلی الله علیه و آله وسلم و ذلك كُفر...»(2). محمد حسن جان السرهندي المجددي (المتوفى سنة 1346 ه)

و هو أحد علماء الحنفية الديوبندية في شبه القارّة الهندية و من أكثرهم تعصّباً و مخالفة للفرقة الوهابية في القرن الماضي. و في مقدّمة كتابه في نَقد الوهابية يقول محمّد حسن جان:

ص: 313


1- العثيمين، محمد بن صالح، فتاوى نور على الدرب، ج 112، صص 25 - 27، موافق لبرنامج المكتبة الشاملة
2- المعصومي الخجندي، محمد سلطان، هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة؟، صص 5 - 13

«و الخلاصة فإنّ الاختلاف بين المقلّدين و غير المقلّدین (من الوهابيين) يدور حول أربعة محاور يعتبرها الوهابية شركاً و كُفراً و بِدعة، و سنقوم في هذا الكتاب بإثبات بعض أقوالهم و ادّعاءاتهم وفقاً

للكتاب و السنّة و عمل السّلف الصالح، و هي:

1. تعظیم و احترام غير الله سبحانه 2. التّوسل 3. مخاطبة الغائب بحرف النّداء و سماع الموتی لذلك 4. تقليد أئمّة المذاهب

و على كلّ من الوهابيين و الوهابيين المتلبّسين بلباس الحنفية أن يقبلوا بالواقع و

يتجنّبوا التعصّب و التطرّف.

و كما أسلفنا، و استناداً إلى آراء بعض الوهابيين، يُعتبر التقليد شركاً و کُفراً، إلّا أنّ

البعض الآخر من أتباع تلك الفرقة يصفون المقلّدین بیهود هذه الأمّة.

3- المقلّدون هم يهود أهل السنة سیف الرحمن أحمد (معاصر)

وهو أحد أتباع مذهب الوهابية كذلك حيث يقول: «و لقد صدق من قال أنّ يهود

هذه الأمّة هم الشيعة، و أنّ يهود أهل السنة هم المقلّدون الجامدون و خاصة بعض الأحناف أمثال هؤلاء التبليغيين الذين يناصرون الجهل و التقليد الجامد...»(1).

وهكذا فإنّ من الوهابيين مَن يرى أنّ المقلّدين هم يهود أهل السنّة فيما صرّح

آخرون منهم أنّ تقليد مذاهب أهل السنّة لا يجب أن يقتصر على أربعة فِرَق و حسب.

4- تقلید مذاهب أهل السنة لا يقتصر على الفِرَق الأربعة محمد بن صالح العثيمين (المتوفى سنة 1421 ه) قال محمّد بن صالح العثيمين:

ص: 314


1- سیف الرحمن أحمد، نظرة عابرة اعتبارية حول جماعة التبليغية، ص 58

«أنّ هذه المذاهب الأربعة لا ينحصر الحقّ فيها بل الحقّ قد يكون في غيرها... و الأئمة أنفسهم رحمهم الله ما جعلهم الله تعالى أئمة لعباده... ولا ريب أنّ مذهب الإمام أبي حنيفة و مذهب الإمام أحمد و مذهب الإمام الشافعي و مذهب الإمام مالك و غيرهم من أهل العلم أنّها قابلةٌ

لأن تكون خطأ أو صواباً»(1). و خلافاً لأقوال هذه الجماعة، فقد اكتفت فرقة من الوهابيين بالقول: (إنّنا لسنا

مُقلّدون) مُعتبرین عدم جواز التقليد.

5- لا يجوز التقليد عبد الرحمن عبد الخالق (معاصر)

قال عبد الرّحمن عبد الخالق في كتابه المسمّى (الأصول العملية للدّعوة السلفيّة):

«الشبهة الثانية: قول بعضهم: (أنتم مقلدون)، و هذا افتراء؛ فلسنا مقلدین»(2).

خليل أحمد السهارنبوري (المتوفى سنة 1346 ه)

عالِم حنفیّ دیوبنديّ آخر من شبه القارّة الهندية و من أكبر المخالفين للفرقة الوهابية، قال في كتاب له بعنوان (المهند على المفند): «أنّ في أصل اصطلاح بلاد الهند كان إطلاق «الوَهَّابِيّ» على من ترَك تقليد الأئمة»(3).

محمد عمر السربازي (المتوفى سنة 1428 ه)

و هو من علماء الحنفية الديوبندية في إيران و من المعارضين للمذهب الوهّابي، حيث قال في كتابه (فتاوی منبع العلوم کوه ون) في جوابه على سؤال حول الفرقة الوهابية و أهل السنّة: «إنّ هناك فروقاً بين الوهابيين النجديين و المقلدين من المذاهب الأخرى، منها: أوّلاً أنّ الوهابيين لا يعترفون بالتقليد؛ و الثاني أنّهم ينكرون التصوّف، و الثالث أنّهم يرفضون التوسل بالأموات مطلقاً، ...»(4).

ص: 315


1- العثيمين، محمد بن صالح، فتاوى نور على الدرب، ج 23، ص 24، موافق لبرنامج المكتبة الشاملة
2- عبد الرحمن عبد الخالق، الأصول العلمية للدعوة السلفية، ص 3
3- السهارنفوري، خليل أحمد، عقائد أهل السنة الديوبندية، تحقيق: سید طالب الرحمن (وهابي)، ص 35
4- سربازي، محمد عمر، فتاوی منبع العلوم کوه و ن، ج 1، ص 287

و عليه، فلم تجوّز هذه الجماعة من الوهابيين التقليد أبداً، إلّا أنّ بعض جماعاتهم

الأخرى يُفرّقون بين المضطرّ إلى ذلك و غير المضطرّ.

6- يجوز التقليد للمضطرّ

الشنقيطي (المتوفى سنة 1393 ه)

فرّق الشنقيطي بين المضطر و غير المضطر إلى التقليد فقد ذكر في كتابه المسمّى

(أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) بعد الإشارة إلى بعض الموضوعات:

«و بهذا تعلم أنَّ المضطرَّ للتقليد الأعمى اضطراراً حقيقيًّا، بحيث يكون لا قدرة له ألبتَّة على غيره، مع عدم التفريط لكونه لا قدرة له أصلاً على الفهم، أو له قدرة على الفهم و قد عاقَته عوائقُ قاهرة عن التعلُّم، أو هو في أثناء التعلُّم، و لكنَّه يتعلَّم تدريجاً؛ لأنَّه لا يقدر على تعلُّم كل ما يحتاجه في وقتٍ واحد، أو لم يَجِد کُفئاً يتعلَّم منه و نحو ذلك، فهو معذورٌ في التقليد المذكور للضرورة؛ لأنَّه لا مَندوحة له عنه. و أما القادر على التعلُّم المفرِّط فيه و المقدِّم آراء الرجال على ما علم من

الوحي فهو الذي ليس بمَعذور»(1). و يستأنف الشنقيطي كلامه حول التقليد عن أئمّة المذاهب الأربعة فيقول:

«إعلم أنَّ موقفَنا من الأئمَّة - رحمهم الله - من الأربعة و غيرهم هو موقف سائر المسلمين المُنصِفين منهم، و هو موالاتُهم و محبَّتُهم و تعظيمُهم و إجلالُهم و الثناءُ عليهم بما هم عليه من العلم و التقوى، و اتباعُهم في العمل بالكتاب و السنة، و تقديمهما على رأيِهم، و تعلُّم أقوالِهم للاستعانة بها على الحقّ، و ترك ما خالف الكتاب و السنة منها. و أمَّا المسائل التي لا نصَّ فيها، فالصواب النظر في اجتهادهم فيها»(2).

ص: 316


1- الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، تحقيق: مکتب البحوث و الدراسات، ج 7، صص 356 - 357
2- المصدر السابق، ص 357

و نلاحظ هنا أنّ الشنقيطي يُجيز التقليد للمضطرّ فقط دون غيره ممّن ليسوا مضطرّين لذلك، و أن لا يكون ذلك التقليد إلّا في المسائل التي لم يَرد فيها نصّ صريح، عندئذ يمكن للمضطرّ أن يرجع إلى آراء و اجتهاد أئمّة المذاهب الأربعة.

عبد العزيز بن باز (المتوفى سنة 1420 ه) في جوابه على العلامة الصاوي الذي اعتبر التقليد من أوجب الواجبات، قال بن باز:

«... لا شكّ أنّ هذا الإطلاق خطأ، إذ لا يجب تقليد أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم مهما كان علمه؛ لأنّ الحقّ في اتباع الكتاب و السنة لا في تقليد أحد من الناس، و إنما قصارى الأمر أن يكون التقليد سائغاً عند الضرورة لمن عرف بالعلم و الفضل و استقامة العقيدة...»(1).

الهيئة العليا للإفتاء في السعودية

وها هي الهيئة العليا للإفتاء في المملكة العربية السعودية لم تُجِز لأحد التقليد إلّا إذا

لم يكن قادراً على البحث و المطالعة لاستنباط الأحكام:

«تقليد العاجز عن البحث في الأدلة و استنباط الأحكام منها عالماً قد

توافرت فيه أهلية الاجتهاد في أدلة الشرع فهذا جائز»(2).

و في مكان آخر أفتَت نفس الهيئة بجواز التقلید:

«... إن كان قادراً على استنباط الأحكام بنفسه من أدلتها وجب عليه أن يأخذ بما ظهر له و إن كان غير قادر على استنباط الأحكام قلّد إماماً

من أئمة المسلمين المقتدي بهم...»(3). لكنّ هذه الفتوى التي أصدرتها الهيئة العامّة للوهابيين لا تعني أنّهم يجوّزون تقليد عالم مُعيّن بذاته بل هم لا يجوزّون ذلك كما قلنا: «و أنّه لا يجوز أن يعتمد شخص على

ص: 317


1- 8568/ http://www.binbaz.org.sa/mat تاريخ النشر : الأحد 3 شعبان 1435 ه
2- الدويش، أحمد بن عبد الرزاق، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء - المجموعة الأولى، ج 5، ص 30، السؤال الثاني من الفتوى رقم 11296
3- المصدر السابق، ج 5، صص 33 - 34، الفتوى رقم 5560

مذهب و يعمل بجميع ما فيه بصرف النظر عن المستند الشرعي لما يأخذ به و أنّه لا يلزمه الأخذ بمذهب واحد منهم بل عليه إن كان من أهل العلم أن يأخذ بالدليل و إلّا سأل أهل العلم عمّا أشكل عليه كما سبق»(1).

نلاحظ هنا وجود اختلاف كبير بين آراء أتباع الفرقة الوهابية أنفسهم حول مسألة التقليد، بل إنّ اضطراب أقوالهم و ضعف آرائهم قد بلغ حدّاً اعتبر بعضهم التقليد شركاً و کُفراً فيما جوّزه آخرون منهم.

ردّ أهل السنة على الفرقة الوهابية

ذكرنا في بداية مقالتنا هذه أنّ أهل السنّة لم يكتفوا بالاعتراف بالتقليد بل و اعتبروه من الضروريّات كذلك و ادّعوا عليه الإجماع، لكنّ الأمر لا ينتهي عند هذا الحدّ فقد وجّه العديد من علماء أهل السنّة انتقادات لاذعة إلى الفرقة الوهابية بشأن مسألة التقليد، و فيما يأتي موجزاً لبعض الانتقادات التي وجّهها عدّة من علماء أهل السنّة إلى المذهب الوهابيّ:

الشيخ سليمان بن عبد الوهاب (المتوفی 1206 ه)

الشيخ سليمان هو شقيق محمد بن عبد الوهاب و أوّل الذين انتقدوا آراء أخيه و أفكاره المنحرفة من داخل أسرته، بل و اعتبر مُعتقدات أخيه سخيفة و باطلة، و ممّا قاله بهذا الخصوص:

«أتظّنون أنّ الجاهل يجب عليه أن يقلدکم و يترك تقليد أئمة أهل العلم؛ بل أجمع أئمة أهل العلم كما تقدّم أنّه لا يجوز إلّا تقليد الأئمة المجتهدين، و كلّ مَن لم يبلغ رتبة الاجتهاد أن يحكي و يُفتي بمذاهب أهل الاجتهاد و إنّما خصّوا للمُستفتي أن يَستفتي مثل هؤلاء لأنّهم حاكين مذاهب أهل الاجتهاد و التقليد للمجتهد لا للحاكي؛ هذا صرّح به عامة أهل العلم إن طلبته من مكانه وجدته وقد تقدّم لك ما فيه كفاية»(2).

ص: 318


1- المصدر السابق، ج 5، ص 40، ذيل السؤال الثاني من الفتوى رقم 5166
2- الصواعق الإلهية، ج 4، ص 33 (موافق لبرنامج المكتبة الشاملة)

خليل أحمد السهارنبوري (المتوفى سنة 1346 ه) صرّح السهارنبوري بأنّ ترك التقليد معناه السقوط في هاوية الكُفر و الإلحاد:

«لا بدّ للرّجل في هذا الزمان أن يقلّد أحداً من الأئمة الأربعة، بل يجبّ، فإنّا جرّبنا كثيراً أنّ مآل ترك تقليد الأئمة، و اتباع رأى نفسه وهواها السقوط في حفرة الإلحاد و الزندقة، و لأجل ذلك نحن و مشايخنا مقلّدون في الأصول و الفروع لإمام المسلمين أبي حنيفة... و لمشايخنا في ذلك تصانیف عديدة شاعت و اشتهرت في الآفاق»(1).

الشيخ محمّد عبده (1323 ه) اعتبر الإمام الشيخ محمّد عبده أنّ الوهابيين هم أعداء العلم و الحضارة:

«أللهمّ إلّا فئة قليلة زعمت أنّها نفضت غبار التقليد و أزالت الحُجُبَ التي كانت تحول بينها و بين النظر في آيات القرآن و متون الأحاديث لتفهم أحكام الله منها؛ و لكنّ هذه الفئة أضيق عطنّا و أحرج صدرًا من المقلّدين... فإنّها ترى وجوب الأخذ بما يُفهم من لفظ الوارد، و التقيد به بدون التفات إلى ما تقتضيه الأصول التي قام عليها الدين، و إليها كانت الدعوة، و لأجلها منحت النبوة، فلم يكونوا للعلم أولياء، ولا المدنية السليمة أحبّاء»(2).

يوسف السيد هاشم السيد أحمد الرفاعي (معاصر)

و قد عمل بعض علماء أهل السنة أحياناً بنصيحة علماء الوهابية و انتقدوا تعاملهم و

تصرّفاتهم مع أهل السنّة:

ص: 319


1- السهارنفوري، خليل أحمد، عقائد أهل السنة الديوبندية، تحقيق: سید طالب الرحمن (وهابي)، ص 51
2- عبده، محمد، الإسلام و النصرانية مع العلم و المدنية، صص 127 - 128، القسم الثاني في الإسلام، فصل: الإسلام اليوم أو الاحتجاج بالمسلمين على الإسلام، المقال الرابع لذلك الإمام الحكيم. و علّق رشید رضا في هامشه على الكتاب المذكور قائلاً: «يعني بهذه الفئة أهل الحديث و من يسمون الوهابية». المصدر السابق، ص 128

«قُلتم ما ماتَ حسن البنا شهيداً و لا كذلك الشهداء في أفغانستان لأنّ عقيدتهم لم تكن صحيحة و سليمة بل كانوا أحنافاً مقلّدة تائهين هالكين و أبقيتم أنفسكم وحدكم الناجين»(1).

لاحظ كيف قامَ علماء أهل السنة بانتقاد الوهابيين حتى في هذا المجال كما انتقدوهم في مجالات أخرى و بيّنوا انحرافهم بشكل واضح وصريح. فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه الوهابيين و قد تركوا بِدَعهم و جنفوا عن انحرافهم و بثّهم للفُرقة و الاختلاف بین المسلمين ليعودوا إلى أحضان الأمّة الإسلامية؟

خلاصة البحث:

ذكرنا في بداية هذه المقالة أنّ من أهمّ موارد الاختلاف بين مُعظم أهل السنّة و السلفيين التكفيريين هو اختلافهم حول مبدأ تشكيل المذاهب و مسألة التقليد بحيث اعتبر أهل السنّة التقليد على المذاهب واجباً بل و مُجمَعاً عليه و أنّ ترك التقليد يوجب السقوط في مهاوي الكُفر و الإلحاد، و في مقابل ذلك رأى الوهابيون أنّ تشكيل المذاهب يُعدّ بِدعة و التقليد كُفراً و شركاً، و هذا هو الفرق الرئيسيّ بين أهل السنّة و السلفيين التكفيريين و السبب الأصلي الذي أوجد حاجزاً منيعاً بين كلا الفريقين.

و استناداً إلى ما ورد في هذا البحث فإنّ الخطوة الأساسيّة في بحث تقليد المذاهب هي التعرّف بشكل أفضل على الفروق التي تُميّز أهل السنّة عن الوهابيين التكفيريين و خاصّة الاختلاف الكبير بين آراء كلا الفريقين، رغم أنّ المطلوب من وراء هذا البحث هو إيجاد الفضاء السلميّ و العلميّ بعيداً عن التعصّب و التفكير الحرّ و نَبذ التعصّبات المذهبية المهلكة.

وفي الختام، نحمد الله عزوجل الذي مَنّ على عبده الحقير و وفقه إلى تقديم هذه البضاعة

المزجاة إلى المجتمع الإسلامي.

ص: 320


1- الرفاعي، يوسف السيد هاشم السيد أحمد، نصيحة لإخواننا علماء نجد، تحقیق: محمد سعيد رمضان البوطي، ص 72

المصادر:

1. القرآن الكريم، ترجمة القرآن الكريم، آية الله العظمی ناصر مکارم الشيرازي

2.

إبراهيم إبراهيم هلال، [بدون تاریخ]، ولاية الله و الطريق إليها، تحقیق و

تقديم ابن الخطيب، مجلد واحد، القاهرة، دار الكتب الحديثة.

3.

ابن تيمية، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، [بدون تاریخ، کتب و رسائل و فتاوى ابن تيمية في الفقه، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، 35 مجلد، القاهرة، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية.

4.

ابن تيمية الحرّاني، أحمد بن عبد الحليم، (1406 ه)، منهاج السنة النبوية، تحقيق: محمد رشاد سالم، 9 مجلدات، المملكة العربية السعودية، مؤسسة قرطبة، الطبعة الأولى.

5. ابن حزم، علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، (1404 ه)، الإحكام في أصول

الأحكام، 8 مجلدات، القاهرة، دار الحديث، الطبعة الأولى. 6. ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، (1973 م)، إعلام الموقعین عن ربّ العالمين، تحقیق: طه عبد الرؤوف سعد، مجلدين، بیروت، دار الجيل.

7.

أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي، (1418 ه)، المواعظ و الاعتبار بذكر الخطط و الآثار، 4 مجلدات، بیروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى.

8.

إقبال آشتياني، عباس، (2009 م)، تاریخ مغول، مجلد واحد، طهران، منشورات

(امیر کبیر)، الطبعة التاسعة.

9.

ابن عبد الوهاب، محمد، [بدون تاریخ]، مجموعة رسائل في التوحيد و

الإيمان، تحقیق: إسماعيل بن محمد الأنصاري، مجلد واحد، الرياض، مطابع الرياض.

ص: 321

10. ابن عبد الوهاب، محمد، الرسائل الشخصية، [بدون تاریخ]، تحقيق: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، محمد بن صالح العيلقي، مجلد واحد، الرياض، جامعة الإمام

محمد بن سعود.

11. الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله یاقوت بن عبد الله الرومي، (1414 ه - 1993 م)، معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، المحقق: إحسان عباس، 7 مجلدات، بیروت، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى.

12. الخوئي، السيد أبو القاسم، (1410 ه)، الاجتهاد و التقلید، مجلد واحد، قم،

منشورات (أنصاریان)، الطبعة الثالثة.

13. الدويش، أحمد بن عبد الرزاق (جمع و ترتیب)، [بدون تاریخ]، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء - المجموعة الأولى، 26 مجلداً، الرياض، رئاسة إدارة البحوث العلمية و الإفتاء - الإدارة العامة للطبع.

14. الرفاعي، يوسف السيد هاشم السيد أحمد، (1420 ه - 2000 م)، نصيحة لإخواننا علماء نجد، تحقيق: محمد سعيد رمضان البوطي، مجلد واحد، دمشق، مکتبة الأسد، الطبعة الأولى.

15. ساندرز، جان جوزف، (2011 م)، تاریخ فتوحات مغول، ترجمة: أبو القاسم

حالت، مجلد واحد، طهران، منشورات (أمير کبير)، الطبعة الخامسة.

16. سربازي، محمد عمر، (2006 م)، فتاوی منبع العلوم کوه و ن، 9 مجلدات،

إيرانشهر، مدرسة (منبع العلوم کوه و ن) الدينية.

17. السهارنفوري، خليل أحمد، (1427 ه)، عقائد أهل السنة الديوبندية، تحقيق: سید طالب الرحمن (وابي)، مجلد واحد، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة

الأولى.

18. السَّهسواني الهندي، محمد بشیر، (1395 ه - 1975م)، صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان، تحقيق: إسماعيل الأنصاري و غيره، تصحیح: عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرین، مجلد واحد، [بدون مكان] [بدون ناشر]، الطبعة الخامسة.

ص: 322

19. سیف

الرحمن أحمد، [بدون تاریخ]، نظرة عابرة اعتبارية حول جماعة

التبليغية، مجلد واحد، المدينة المنوّرة، دار الحديث.

20. الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني، (1415ه - 1995 م)، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، تحقيق: مكتب البحوث و الدراسات، 9 مجلدات، بیروت، دار الفكر للطباعة و النشر.

21. الصنعاني، محمد بن إسماعيل، (1405 ه)، إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد، تحقيق: صلاح الدين مقبول احمد، مجلد واحد، الكويت، الدار السلفية، الطبعة الأولى.

22. الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن، (1404 ه)، اختیار معرفة الرجال (رجال الكشي)، تصحیح و تعليق المعلم الثالث میرداماد الاستربادي / تحقيق السيد

مهدي الرجائي، قم، مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث.

23. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، (1411 ه)، الغيبة، تحقيق: عباد الله طهراني و علي أحمد ناصح، مجلد واحد، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى.

24. عبد الرحمن عبد الخالق، (1403 ه)، الأصول العلمية للدعوة السلفية، مجلد

واحد، الكويت، [بدون ناشر]، الطبعة الثانية، موافق لبرنامج المكتبة الشاملة.

25. العثيمين، محمد بن صالح، (1427 ه - 2006 م)، فتاوى نور على الدرب، مجلد واحد، المملكة العربية السعودية، مؤسسة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين الخيرية.

26. القنوجي البخاري، محمد صدیق حسن، (1415 ه - 1995 م)، الدين الخالص،

تحقیق: محمد سالم هاشم، 4 مجلدات، بیروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى.

27. الكلینی، محمد بن يعقوب، (1363 ه)، الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، 8

مجلدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الخامسة.

28. محمد بن عبد الله بن سليمان السلمان، (1422 ه)، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و أثرها في العالم الإسلامي، مجلد واحد، المملكة العربية السعودية، وزارة

ص: 323

الشؤون الإسلامية و الأوقاف و الدعوة و الإرشاد، الطبعة الأولى. (موافق لبرنامج المكتبة الشاملة).

29. المعصومي الخجندي، محمد سلطان، (1358 ه)، هل المسلم ملزم باتباع مذهب معيّن من المذاهب الأربعة، مجلد واحد، المملكة العربية السعودية، جمعية التراث الإسلامي.

30. المقدسي، عبد الله بن أحمد بن قدامة، (1399 ه)، روضة الناظر و جنة المناظر، تحقيق: الدكتور عبد العزيز عبد الرحمن السعيد، مجلد واحد، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود، الطبعة الثانية.

31. النجفي، هادي، (1423 ه - 2002 م)، موسوعة أحاديث أهل البيت علیهم السلام، 12

مجلداً، بیروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى.

32. الوادعي، مقبل بن هادي، (1420 ه - 1999م)، إجابة السائل على أهم

المسائل، مجلد واحد، القاهرة، دار الحرمین، الطبعة الثانية.

33. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت، (1415 ه - 1995 م)، الموسوعة

الفقهية، 45 مجلداً، مصر، مطابع دار الصفوة، الطبعة الأولى.

ص: 324

الإسلام دين السلام والمحبة والرّأفة والرّحمة

تأليف: علي جان محمدي(1)

ترجمة: عباس صافي

نبذة:

الإسلام هو دين السلام و التسامح و الرحمة و الرأفة، و قد أكّد القرآن الكريم - هذا الكتاب الخالد - بدوره على أنّ إقرار السلام و الصّلح و الإصلاح هو من ضروریات الحياة الاجتماعية للإنسان.

و استناداً إلى القرآن الكريم و روايات أهل البيت علیهم السلام يُعتبر المسلمون إخوة اذا فعليهم وضع كلّ خلافاتهم الطائفية و المذهبية جانباً و سلوك سبيل السلام و الصفاء و التآخي امتثالاً للقرآن الكريم و الروايات و الأحاديث.

إنّ وجود الخلافات و التناقضات في أيّ مجتمع إسلاميّ يُعدّ أمراً لا مفرّ منه و ذلك لاشتماله على العديد من القوميّات و المذاهب و المشارب، إلّا أنّ ذلك لا يبرّر بالضرورة حدوث الانشقاقات في صفوف المسلمين و تباعدهم، و القرآن الكريم من جانبه لم يتوان عن بيان السّبُل الكفيلة بتثبيت اُسس السلام بين المذاهب الإسلامية، بل و بین الشعوب الإسلامية كذلك.

سنحاول في هذه المقالة أوّلاً الإشارة إلى الآيات القرآنية التي تؤكّد على أهمية السلم و ضرورة المصالحة الدينية بالاستناد إلى آراء المفسّرين من كلا الفريقين إلى جانب رواياتهم في هذا الباب. و بعد ذلك سنستعرض الأساليب التي تضمن - من وجهة نظر

ص: 325


1- خريج جامعة المصطفى العالمية، محقق و باحث في مؤسسة (ولي عصر - عجل الله تعالي فرجه الشریف) للبحوث، محقق و باحث في قسم الأجوبة في المدرسة العالية للفقه و المعارف الإسلامية، و عضو الباحثين في مؤسسة الحج و الزيارة في محافظة قم

القرآن الكريم - إيجاد السّلم و المصالحة بين المذاهب على مستوى المسلمين و بين الأديان على المستوى العالميّ.

فرؤية الدين الإسلامي إزاء السلام و الإصلاح هي رؤية واضحة لا يشوبها أيّ ارتياب، وفي مقابل ذلك تواجهنا الظاهرة المشؤومة المعروفة ب (التكفير) و التي برزت في القرن السابع الهجري على يَد المدعو (ابن تيمية الحرّاني). فقد نالت كتابات هذا الشخص و كلامه من جميع العقائد و المذاهب الإسلامية دون استثناء ولم يتورّع عَبر فتاواه المتعددة عن إخراج مُعظم المسلمين من حظيرة الإسلام و تكفيرهم و اتّهامهم بالارتداد و رَميهم بالزندقة، فكان منبوذاً من علماء عصره الذين انتقدوه و احتجّوا على أفعاله.

ثمّ تَبعه على نفس المنهج تلميذه محمّد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر للهجرة، و بدَعم من آل سعود آنذاك استطاع بن عبد الوهاب أن يروّج لآراء ابن تيمية و إحياء تراثه من جديد و أعاد ما قام به سلفه من تكفير المسلمين، و للأسف الشديد بقي هذا النّهج مستمراً إلى يومنا هذا و معشعشاً في أذهان بعض الجماعات التي ما فتئت تخرج علينا بين الحين و الآخر في إطار وحشيّ و دمويّ متمثّلةً بالعصابات المسمّاة بالوهابية أحياناً و بتنظيم القاعدة و طالبان و داعش أحياناً أخرى، فيهيجوا على المسلمين ليقتّلوهم و يذبّحوهم دون رحمة و لا شفقة، لا لشيء إلّا لاختلافهم معهم في العقيدة.

وقد دأب هؤلاء و منذ زمن ابن تيمية إلى الحكم بتكفير أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى و خاصّة الشيعة من خلال فتاواهم التي أصدرها علماءهم في كلّ عصر و زمان، فكان ظهورهم في أيّ بلد من البلدان الإسلامية متزامناً مع ظهور الفِتَن و الهرج و المرج. وقد أوردنا في آخر مقالتنا هذه بعض النماذج لفتاوى هذه الجماعة التي لم تتضمّن سوی موضوع و احد و هو (التكفير) بما يُثبت بوضوح تناقضها مع السّلم و الوئام اللذين دعا إليهما القرآن الكريم و الروايات الشريفة.

الكلمات المفتاحية: الصُّلح؛ السلام، المحبّة؛ الرّحمة؛ الرأفة؛ أهمية السلام؛ سُبُل إقرار

السلام.

ص: 326

المقدّمة:

لا شكّ في أنّ (السلام) و (المحبّة) هما من أجمل الكلمات التي تجذب إليها قلب كلّ إنسان حُرّ لتُضفي على روحه ونفسه طراوة و حلاوة لا توصفان؛ لكنّ التيّار التكفيريّ (للوهابية) و الجماعات المتشرذمة الأخرى تحاول باستمرار تقويض اُسس السلام و تهديد الأمن في المجتعات الإسلامية، بل و الأمن العالمي كذلك، وهو ما نشهده من قَتلهم المسلمين الأبرياء في كلّ يوم بعد تكفيرهم.

و الحقيقة أنّ البدء بالخطوة الأولى يقع على عاتق علماء الأمّة الإسلامية الذين ينبغي عليهم - من خلال كلماتهم و كتاباتهم البنّاءة - الوقوف بوَجه هذه الجماعات الهمجية و إنقاذ المسلمين من سهام تكفيرهم و حِراب ارتدادهم و العمل على طردهم و نَبذهم من المجتمع الإسلامي و إبادتهم.

و في المرحلة الثانية يجب على أولئك العلماء بيان المسائل الخلافية و المذهبية الداخلية التي يتذرّع بها الوهابيون، و توضيحها بأسلوب سلميّ و هادئ و وضع الحلول و الأحكام المناسبة بحسب ما بيّنه لنا القرآن الكريم، حتى يستردّ المجتمع الإسلامي عافيته من جديد و يعيش في أمان و استقرار حقيقيّين.

وتهدف هذه المقالة إلى استعراض الطرق التي قدّمها لنا القرآن الكريم لإيجاد قاعدة صلبة للسلم و التسامح، و تعريف الدين الإسلامي باعتبار (دين السلام و المحبّة و الرأفة و الرحمة)، و ذلك في أقسام عدّة:

القسم الأوّل: و يشمل توضيحاً للكلمات المفتاحية (الصُّلح، السلام، المحبّة، الرأفة،

الرحمة) من الناحية اللغوية و الاصطلاحية بشكل عامّ.

القسم الثاني، و يتحدّث عن ضرورة الصُّلح و السلام و أهميّتهما في الإسلام و كذلك

مكانتهما في الآيات القرآنية و الروايات. و القسم الثالث، و نشير فيه إلى سُبُل إيجاد الصُّلح و السلام و المحبّة (الذي يشغل المساحة

الأكبر من هذه المقالة) في البيئات الاجتماعية المختلفة و خاصّة لدى المذاهب و الأديان.

ص: 327

أمّا القسم الرابع من هذه المقالة فنعرض فيه بعضاً من الفتاوى التكفيرية الصادرة عن الفرقة الوهابية و علمائها و المتعلّقة بتكفير الشيعة و إعلان الجهاد ضدّهم و كذلك تكفير المسلمين الآخرين لكي يتبيّن الجميع عداء التيارات التكفيرية و رفضها للسلام و المصالحة و الأخوّة الدينية. ثمّ نسلّط الضوء على ما يرتكبه هؤلاء يومياً من جرائم بشعة و أعمال و حشية في كلّ أنحاء العالم الإسلامي و إبادة جماعية للمسلمين، و لذلك ينبغي على المسلمين كافّة الانتباه للمخاطر الحقيقية لهذه التيارات و العمل على توحيد صفوفهم للوقوف بوجهها و التصدّي لها لإزالة جميع الخلافات الطائفية و المذهبية و القومية في ظلّ تعاليم القرآن الكريم و الروايات و الأحاديث.

القسم الأوّل: التعريف اللغوي و الاصطلاحي للكلمات المفتاحية

سنبدأ أوّلاً - كما جَرت عليه العادة في البحوث - بالبحث في الكلمات المفتاحية

المذكورة في هذه المقالة من الناحية اللغوية و الاصطلاحية:

أ: تعريف كلمة «الصّلح»

1. «الصّلح» في اللغة

تُعتبر كلمة «الصُّلح» اسم للمصدر (الصَّلاح)(1) و تُقابلها في اللغة كلمة (الفساد) و جمع جمع (الصّلاح) هو (الصُّلَحاء)(2)؛ و أمّا كلمة «الصَّلح» فتعني (المصالحة و إنهاء الخلاف و الخصام و الحرب، و التسوية و التوافق مع الطرف الآخر(3). و قال الرّاغب الأصفهانيّ: «والصُّلحُ يختصّ بإزالة النّفار بينَ الناس»(4) لتسود بينهم الوحدة و قواعد السّلم.

2. التعريف الاصطلاحي و«الصُّلح» في الاصطلاح له معانٍ و تعریفات عديدة و متنوّعة و ذلك بحسب مُتعلِقه.

ص: 328


1- و (الصلح) اسم منه. (الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنیر، ج 1، ص 345)
2- الصلاح: ضد الفساد.. و الجمع صُلَحاء. (الأفريقي المصري، محمد بن مکرم بن منظور، لسان العرب، ج 2، ص 516)
3- و (الصلادح) بالكسر مصدر المصالحة، و الاسم (الصلح) يُذكّر ويؤنَّث، و منه (صلح الحديبية). (الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرین، ج 2، ص 388)
4- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات، ص 490

أ- ففي الاصلاح الشرعي فإنّ: «الصُّلح عقد شرع لقطع التّنازع بين المتخاصمين و هو عقد سایغ بالنصّ و الإجماع»(1)، و قد يكون الصلح عقد شرعي للتراضي و التسالم بين شخصين في أمر من تمليك عين أو منفعة أو إسقاط دَين أو حقّ أو غير ذلك مجاناً أو بعوض.(2)

ب- في عُرف الناس و الاصطلاح السياسي كذلك فإنّ «الصُّلح» له معنى خاصّ حيث يُطلَق على عمليّة حل المنازعات الدولية و الوطنية؛ و ربّما صحّ إيجاد عَوض

للصّلح أو لم يصحّ.

وأمّا «السَّلم» بكسر السّين وفَتحها: الصُّلح، و يُذَكّر و يُؤَنَّث، من الألفاظ التي تُستَخدَم

للمصالحة بين المتخاصمين.(3)

ج- و أحياناً يُستخدَم (الصّلح) للتّقريب بين المذاهب.

و المقصود بكلمة «الصّلح» في هذه المقالة ليس مجرّد رفع المنازعات و الحيلولة دون وقوع الحرب بل و كذلك بمعناه الجامع و الذي يشمل حلّ الخلافات في المسائل العلمية بين المذاهب.

ب: تعريف كلمة «المحبّة» 1. «المحبّة» في اللغة

الكلمة الثانية في كلماتنا المفتاحية المستخدَمة في هذا البحث هي كلمة (محبّة) و التي تعني في اللغة العربية كذلك «الحُبّ». و قد عرّف اللغويون من أمثال ابن منظور في (لسان العرب) و غيره كلمة (المحبّة) و (الحُبّ) بأنّها نقيض (البُغض) الذي يعني العداوة، و (الحِبّ) - بكَسر الحاء - بمعنى المحبّة و الحبّ أيضاً(4). و لذلك فعندما يُقال: «أحبَبتُ فُلانًا» أي جَعلتَه مُعرَّضاً بأن تُحبه و المحبة الإرادة(5). وفي رواية عن الإمام الصّادق علیه السلام

ص: 329


1- الحلي، الحسن بن يوسف، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 177
2- الموسوي الخوئي، السيد أبو القاسم، منهاج الصالحین، ج 2، ص 192
3- الفيومي، أحمد بن محمد، مصباح المنير، ص 287
4- الحُبُّ: نَقِيضُ البُعضِ. و الحُبُّ: الودادُ و المَحَبَّةُ، و كذلك الحِبُّ بالكسر. (الأفريقي، محمد بن مكرم، لسان العرب، ج 1، ص 289
5- البغدادي، علي بن محمد، لباب التأويل في معاني التنزيل، ج 1، ص 136

أنّه قال: «وَ السَّلامَة و ضِدّها البَلاء، و الحُبّ و ضِدّه البُغض».(1)

2- «المحبّة» في الاصطلاح

و «المحبّة» في الاصطلاح تعني الميل القلبي الذي يظهر في نفس الإنسان و روحه إزاء شيء يرغب فيه. و قال المازندراني - من شرّاح كتاب أصول الكافي: «الحُبّ - بالضم و الكسر - و المَحَبّة: مَيل القَلب إلى ما يُلائِمُه»(2) أو كما قال العينيّ في (عمدة القارئ): «الحُبّ مَيل القلب و توجهه إلى شيء و ذكره إيّاه في أكثر أوقاته بلسانه و ذكره بقلبه»(3).

و «البُغض» في الاصطلاح كذلك هو بمعنى غياب المَيل القلبي و الانزجار المصحوب بالعداوة أو على الأقلّ بالكراهية و البُغض. و يقول المرحوم السبزواري في

«كفاية الأحكام»: «و الذي يُفهَم منه و من العُرف أيضاً أنّ البغض نوع عداوة و كراهة،

بحيث لو وصل إليه نعمة يتألم به، و إذا فارقت منه يسره أو قريب من ذلك»(4).

ج: تعريف كلمة «الرّحمة»

قال ابن منظور: «رحم: الرّحمة: الرقة و التعطف، و المرحَمَة مِثله، و قد رحمته و

ترحّمت عليه، و تَراحَمَ القَومُ: رَحِمَ بعضهم بعضاً، و الرّحمَة: المغفرة»(5)؛ فيما قال بعض اللغويون: «الرّاء و الحاء و الميم أصل واحد يدلّ على الرقّة و العطف و الرّأفة»(6).

2- و في الاصطلاح

لا فرق بين المعنى الاصطلاحيّ و اللغويّ لكلمة (الرّحمة) و هي في الأساس تقتضي

الإحسان إلى الطرف المقابل، و قال الراغب الأصفهانيّ: «و الرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، و قد تُستعمل تارة في الرقة المجردة و تارة في الإحسان المجرد عن الرقة

ص: 330


1- الصدوق، محمد بن علي، الخصال ص 590
2- المازندراني، المولی محمد صالح، شرح أصول الكافي، ج 1، ص 249
3- العيني، محمود بن أحمد، عمدة القاري، ج 20، ص 203
4- السبزاوري، محمد باقر، كفاية الأحکام، ج 2، ص 753
5- الأفريقي المصري، محمد بن مکرم، لسان العرب، ج 12، ص 230
6- أحمد بن فارس بن زکریا، معجم مقاییس اللغه، ج 2، ص 498

نحو: رَحِمَ الله فلاناً، و إذا وُصف به الباري فليس يُراد به إلّا الإحسان المجرد دون الرقة، و على هذا رُويَ أنّ الرحمة من الله إنعام و إفضال و من الآدميين رقة و تعطف»(1).

و هكذا فإنّ «الرّحمة» تشمل معنَيين، أحدهما الرقّة و اللين و الآخر الإحسان و البرّ.

كلمة «الرّأفة» في اللغة و الاصطلاح

الرأفة: الرحمة، و قيل: أشد الرحمة؛ رَأَفَ به یَرْأَفُ ، ورَئِفَ ، ورَؤُفَ رَأْفَةً ، ورَأَفَةً ، ورَآفَة(2).

وحول اختلاف (الرَّأفة) عن (الرّحمة) قال صاحب اللسان: «وقد رَأَفَ به یَرْأَفُ إذا رَحِمَ؛ و الرَّافَةُ أرَقُّ من الرّحمة و لا تَكاد تقع في الكراهة، و الرحمةُ قد تقع في الكراهة للمَصلحةِ»(3).

وبعبارة أدقّ، فإنّ (الرّأفة) هي الرّقة و اللطف و الرحمة الخالصة و منتهاها حيث لا تكون عن كراهة و مصلحة و هي (أي الرّأفة) أقوى من الرّحمة، و أمّا الرّحمة فهي مطلق العطف الذي يكون عن مصلحة و إن تضمّنت الكراهة، مثل إعطاء الدواء للمريض وهو نوع من الرّحمة و إن كان لا يوافق مَيل المريض و رغبته.

القسم الثاني: أهمية الصّلح و السلام و ضرورتهما في الإسلام

يُعتبر وجود الصّلح و الاعتماد في المجتمع من أرقى المفاهيم و الأوامر القرآنية التي تستطيع المجتمعات الإنسانية العيش في ظلّه بسعادة و الوصول إلى الكمال المطلوب. و بعبارة أخرى، فإنّ «الصُّلح» يُعدّ أهمّ جسر يوصل الإنسان إلى الأفق الواضحة في حياته الاجتماعية.

و كما أشرنا في بحثنا للمفا فقد استخدمَ القرآن الكريم كلمة «الصُّلح»(4) في بعض آیاته و كلمة «السِّلم»(5) في آيات أخرى ككلمة مُعادلة للصّلح. و تشير كلّ تلك التعبيرات إلى أنّ روح المجتمع الإنساني لا تنسجم مع العنف و الحرب، و أنّة لا بدّ من وجود الصّلح و السلام و الوئام لاستتباب الأمن و الاستقرار الحقيقيّين.

ص: 331


1- الراغب، الحسين بن محمد المفردات، ص 348
2- الأفريقي المصري، محمد بن مکرم، لسان العرب ج 9، ص 112
3- لسان العرب ج 9، ص 112؛ مجمع البحرین، ج 5، ص 61
4- «وَالصُّلْحُ خَيْرٌ». سورة النساء: الآية 128
5- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ». سورة البقرة: الآية 208

أ: أهمية «الصُّلح» في آيات القرآن الكريم

وردت كلمة «الصُّلح» و مشتقاتها في القرآن الكريم في أكثر من عشر مواضع لكنّنا

سنشير في هذه المقالة إلى المشتقّات التي لها علاقة ببحثنا فقط:

الآية الأُولى:

و تشير إلى إصلاح ذات البين و إيجاد التفاهم و إزالة البغضاء و العداوة و تبديلها إلى المودّة و المحبّة، و هذا واحد من أهمّ البرامج الإسلامية التي دعانا إليها القرآن الكريم: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(1).

وقال المفسّرون أنّ هذه الآية الشريفة قد نزلت بشأن الصحابة عندما اختلفوا في

تقسيم الغنائم الحربية (وهي الأنفال).

و عن عبادة بن الصامت قال: لمّا هُزِم العدوّ يوم بدر و اتبعتهم طائفة يقتلونهم، أحدقت طائفة برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و استولت طائفة بالعسكر و النهب، فلما نَفي الله العدوّ رجع الذين طلبوهم و قالوا: لنا النفل نحن طلبنا العدوّ و بنا قفاهم الله و هزمهم. و قال الذين أحدقوا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: ما أنتم بأحقّ به منّا نحن أحدقنا برسول الله لا ينال العدوّ منه صلی الله علیه و آله وسلم غزة. و قال الذين استولوا على العسكر و النهب: نحن أخذناه و استولينا عليه فهو لنا. فنزلت الآية فقسمها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بينهم بالسواء.(2)

ويُستفاد من هذه الآية أنّ «إصلاح ذات البيَن» و إيجاد التفاهم و إزالة البغضاء يُمثّل أهمّ البرامج الإسلامية. و من المعلوم أنّ مفهوم هذه الآية ليس محدوداً بزمان أو مورد شأن النزول و قد نقلنا ذلك في القسم الثالث على لسان ابن عباس.

الآية الثانية:

بما أنّ الحرب و العداوة بين المؤمنين هما من الظواهر السيئة و المشؤومة فقد أمرتنا الآية الشريفة بالإصلاح و إقامة السّلم و الوئام و الصّلح: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا

ص: 332


1- سورة الأنفال الآية 1
2- القمي النيشابوري، حسن بن محمد، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ج 3، ص 372

بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»(1).

و حول شأن نزول هذه الآية الشريفة، وردت في مصادر أهل السنّة روایتان، و فيما

يأتي إحداهما: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال

وقف رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على مجلس بعض الأنصار وهو على حمار فبال الحمار، فأمسك عبد الله بن أبيّ - رأس المنافقين - بأنفه و قال: خل سبيل حمارك فقد آذانا نتنه. فقال عبد الله بن رواحة: و الله إنّ بول حماره لأطيب من مسكك. و رُويَ: حماره أفضل منك، و بول حماره

أطيب من مسكاك؛ و مضى رسول الله

صلی الله علیه و آله وسلم و طال الخوض بينهما حتى استبّا و تجالدا، و جاء قوماهما وهما الأوس والخزرج، فتجالدوا بالعصي، و قيل: بالأيدي و النعال و السعف، فرجع إليهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

و أصلح بينهم(2). وعن مجاهد: نزلت هذه الآية في الأوس و الخزرج؛ قال: تقاتَلَ حيّان من الأنصار بالعصي و النعال(3). و قال القرطبي (وهو من مفسّري أهل السنة) في ذيل هذه الآية: «قال العلماء: لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما إمّا أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعاً أو لا، فإن كان الأول فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين و یُثمر المكانة و الموادعة»(4).

الآية الثالثة:

في الآية الشريفة التالية سُميَ المؤمنون بالإخوة و لذلك ينبغي إصلاح ذات بينهم: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(5).

ص: 333


1- سورة الحجرات: الآية 9
2- الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل، ج 4، ص 367
3- القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، ج 14، ص 181
4- المصدر السابق، ج 14، ص 181
5- سورة الحجرات: الآية 10

ويذكَر أنّ هذه الآية نزلت بعد الآية السابقة و هي تأمر المسلمين بإصلاح ذات بينهم؛ و قال بعض المفسّرين أنّ هذا الأمر نزل بشأن إصلاح ذات بين الأوس و الخزرج، لكنّ أكثر مفسري أهل السنة لا يرون أنّ هذه الآية تختصّ بهذه الواقعة بل هو حكم شامل العامّة المسلمين بإصلاح ذات بينهم. وقال الشوكاني في ذيل قوله تعالى «فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ»:

«يعني كلّ مسلمين تخاصما و تقاتلا و تخصيص الاثنين بالذكر لإثبات

وجوب الإصلاح فيما فوقهما بطريق الأولى»(1). وأمّا أبو حيان الأندلسي فقال: «فإذا كان الإصلاح لازماً بين اثنين فهو ألزم بين أكثر من

اثنين»(2). و علّق الآلوسي على الآية الشريفة المذكورة بقوله: «قوله تعالى: «فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ» للإيذان بأنّ الأخوة الدينية موجبة للإصلاح و وضع الظاهر موضع الضمير مضافاً للمأمورین للمبالغة في تأكيد وجوب الإصلاح و التحضیض علیه و تخصيص الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوق ذلك بطريق الأولوية لتضاعف الفتنة و الفساد فيه»(3).

و المسألة المهمّة في هذه الآية الشريفة هي مسألة (الأخوّة) فإذا لم يستطع مسلمو العالم الالتفاف حول محور (الأخوّة الدينية) و بالتالي عجزوا عن حلّ مشاكلهم فإنّه ما مِن سبيل آخر يمكنه أن يساعد على حلّ تلك المشاكل. لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه هو تحديد معیار الأخوّة الدينية، فهل يكفي مجرّد الادّعاء بالإسلام أن يكون هو المعيار أم أنّه يمكن إثبات إسلام الشخص بمُعيار مُحدّد؟

وهنا يُجمع علماء الفريقين على أنّ شهادة الفرد بوحدانية الله عزوجل و نبوّة رسوله الأكرم الله صلی الله علیه و آله وسلم و إيمانه بالمعاد و القيامة، تكفي لإثبات إسلام ذلك الفرد. و بهذه المناسبة فقد كتب أحد مُفسّري أهل السنّة تعليقاً رائعاً في ذيل الآية الشريفة المذكورة قائلاً: «هذا عقد عقده اللهُ بين المؤمنين، أنّه إذا وجد مِن أي شخص كان في شرق الأرض و مغربها الإيمان بالله و ملائكته وكتبه ورسله و اليوم الآخر، فإنّه أخٌ للمؤمنين، أخوة توجب أن

ص: 334


1- الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدیر، ج 5، ص 63
2- الأندلسي، أبو حيان محمد بن يوسف، البحر المحيط في التفسير، ج 9، ص 516
3- الآلوسي، محمود، روح المعاني، ج26، ص 151

يحبّ له المؤمنون ما يحبّون لأنفسهم، و يكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم»(1).

الآية الرابعة:

وفي آية شريفة أخرى أشارَ القرآن الكريم إلى أهمية الإصلاح و عدم التخلّي عن البرّ و التقوى و الإصلاح بين الناس، و هي قوله تعالى: «وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(2).

فالإصلاح إذاً يمتاز بأهمية قصوى بحيث إذا أقسمَ شخص ما و آلى على نفسه ألّا

يُصلح بين أحد من الناس أو أحجمَ عن التواصل مع أقربائه ولم يَصل رحمهم، ثمّ نقض قوله و قَسمه و فعل ما أقسمَ على عدم فعله فإنّه لن يُؤاخَذ على قسمه و لیست عليه أيّة كفّارة، بل و ورد في الكثير من الروايات أنّ الشخص إذا أقسمَ على عدم صنع المعروف ثمّ صنعه فإنّه يُثاب على ذلك ولا يُعاقَب.

ويُستفاد من هذه الآية الشريفة أنّه إذا أقسم الشخص على ترك عمل الخير و تجنّب البرّ مع الناس فإنّ قَسمه هذا لا يُعتدّ به، بينما يُؤاخَذ على الحنث في الأمور الأخرى كما هو معلوم ولا يجوز له ذلك.

واستناداً إلى تفاسير أهل السنّة فإنّ هذه الآية الشريفة نزلت في حقّ عبد الله بن رواحة، فقد ذكر الألوسي في تفسيره (روح المعاني) ما يلي: «قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف على ختنه بشير بن النعمان أن لا يدخل عليه أبداً ولا يكلّمه ولا يُصلح بينه و بين امرأته بعد أن كان قد طلّقها و أراد الرجوع إليها و الصّلح معها»(3)، فأراد الله سبحانه بذلك أن ينهاهم عن ذكر اسمه الشريف في الإيمان و عدم التقليل من شأنه.

ورغم أنّ الآية الشريفة قد نزلت في أمر خاصّ إلّا أنّ معناها و حُكمها لا يقتصران على شأن النزول و لا ينحصران به، بل هو حكم عامّ و شامل لجميع المسلمين و الناس أجمعين في كلّ زمان و مکان، و هذا واضح و بيّن من خلال ورود كلمة (النّاسِ) في نفس الآية الشريفة باعتبارها كلمة عامّة لا تشمل فئة مُعيّنة دون أخرى بل تشمل الناس جميعاً، و قد

ص: 335


1- آل سعدي عبد الرحمن بن ناصر، تيسير الكريم الرحمن، ص 967
2- سورة البقرة: الآية 224
3- الآلوسي، محمود، روح المعاني ج 2، ص 126

اعتبر المفسرون كذلك حكم الآية حكماً عامّاً و شاملاً، و من ذلك ما قاله السمرقنديّ في تفسيره - وهو من مُفسّري أهل السنّة: «وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ» أي بين إخوانكم»(1).

الآية الخامسة:

وهذه آية أخرى تؤكّد كذلك على أنّه إذا اقترح الخصم أو العدوّ على المسلمين الصّلح و الهدنة و تسوية الأمر فإنّ عليهم قبول ذلك و الترحيب به، و ذلك قوله عزوجل: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(2).

و«جَنَحَ» بمعنى (مالَ) و تَمایَلَ، و «السِّلم» هو المسالَمة و المصالحة و التخلّي عن الحرب؛

و «فَاجْنَحْ لَهَا»

أي بادروا إلى الصّلح و التسوية إذا اقترح العدوّ عليكم ذلك و طلبه منكم.

وحول شأن نزول هذه الآية الشريفة، ذكر المفسرون قولين اثنين:

الأوّل أنّها نزلت في مشركي قريش، و أنّ الله سبحانه أمر المسلمين بقبول الصّلح مع المشركين إذا ما طلبوا ذلك منهم مثلما قَبِلَ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الصّلح مع مشركي مكّة و عقد معهم الصّلح المعروف ب(صُلح الحديبية) الذي نصّ على إيقاف الاقتتال بين المشركين و المسلمین لمدّة عشر سنوات، بالإضافة إلى البنود و الشروط الأخرى التي تضمّنها الصّلح المذكور.

والقول الثاني: ما ورد عن مجاهد - وهو من المفسرين التابعين - أنّها نزلت في يهود بني قريظة و بني النضير(3). فإذا كان في الصّلح مصلحة و منفعة فإنّه لا يقلّ حينئذ عن فضل الجهاد نفسه لأنّ المقصود بالجهاد هو دَفع الشرّ و هو ما يمكن تحقيقه كذلك في ظلّ الصّلح و هذا هو المطلوب(4)، لكنّ بعض المفسرين من أمثال ابن كثير لم يوافق على شأن النزول هذا(5).

الآية السادسة: وأمّا الآية الشريفة السادسة فتشير إلى أنّ الإصلاح كان على رأس لائحة أعمال الرّسل

ص: 336


1- السمرقندي، نصر بن محمد، تفسير السمرقندي، ج 1، ص 174
2- سورة الأنفال: الآية 61
3- الأندلسي، محمد بن يوسف، تفسير البحر المحيط، ج 4، ص 509
4- الزيلعي، عثمان بن علي، تبيين الحقائق، ج 3، ص 245
5- الدمشقي، إسماعيل بن عمر، تفسیر ابن کثیر، ج 2، ص 323

و الأنبياء علیهم السلام؛ قال تعالى: «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(1).

وورد في تفسير (الكشاف) للزمخشري قوله: عندما ذهب سيّدنا موسى علیه السلام لميقات ربّه في طور سيناء خلّف مكانه أخاه هارون على قومه و قال له: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» و

«وَأَصْلِحْ» أي أصلح ما قد يفسد من أمور بَني إسرائيل و إذا دعاك منهم أحد إلى الفساد

فلا تُطعه و أفعل ما آمُركَ به(2)!

لا شكّ في أنّ سيّدنا موسى علیه السلام ضمّن جملته التي قالها إلى أخيه هارون و هي: «وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» وصية جامعة و حياتية تشير إلى معيار السياسة و أنّ قيادة الأمّة تدور حول محور الإصلاح و هو ما يفتقر إليه الإنسان في العصر الحديث.

استنتاج

يمكننا أن نستنتج من مجموع الآيات التي ذُكرت في أعلاه النقاط التالية:

النقطة الأولى: أنّ الإصلاح و حلّ الخلافات التي تحدث بين المسلمين من أهمّ

الأمور و أوجبها و هو ما نستشفّه من الكلمات: و أصلِحوا؛ فأصلِحوا، و تُصلحوا

النقطة الثانية: إنّ الذين يسعون إلى إيجاد الفُرقة و الاختلاف في صفوف المسلمين

ليسوا اُناساً مُتّقین.

النقطة الثالثة: إنّ المؤمنين إخوة و لهذا لا ينبغي أن يستمرّ الخلاف أو النّزاع بين الإخوة، و في حال حدوث مثل هذه الأمور فإنّه يجب على الآخرين إصلاح ذات بينهم و تسوية المسائل بالشكل المطلوب.

النقطة الرابعة: لا ريب في أنّ ظهور الخلافات و نشوب النزاعات في أيّ مجتمع هو أمر طبيعيّ و قد يتعذّر أحياناً تجنّب مثل هذه الحالات، لكنّ أهمية الصّلح تبرز هنا بعد وقوع مثل تلك المشاكل.

وبعبارة أخرى، فإنّ الأفراد في أيّ مجتمع من المجتمعات لا يمكنهم أن يشعروا بأهميّة الصّلح و إدراك ضرورة الوئام طالما كانوا يعيشون في أمن و سلام تامَين و

ص: 337


1- سورة الأعراف: الآية 142
2- الزمخشري، محمود، الكشاف ج 2، ص 142، الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، ج 14، ص 184

بعيدين عن أيّ نزاع و خلاف، لكن ما أن يتعرّض الأمن و الاستقرار في المجتمع المذكور إلى الخطر و تتهدّده الفُرقة و توشك الوحدة أن تغيب عن سمائه فإنّ كلّ فرد من أفراد ذلك المجتمع سيشعر بضرورة الصّلح و تظهر له أهمية استتباب الأمن و الاستقرار بجلاء، و لهذا السبب أكّدت الآيات المذكورة على ضرورة الصّلح و أهميّته.

وتشير الآية الشريفة التالية إلى النقطة المذكورة في أعلاه: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»(1).

و لقد أثبت التاريخ البشريّ أنّ المجتمع الذي اعتاد على الخلافات و كَثرت فيه النزاعات و المناوشات سيفقد قدرته و تضعف شوكته تدريجياً مع مرور الوقت حتى يخسر كلّ طاقته و تتلاشى مُعظم إمكانيّاته، و قد يُصبح يوماً مستعمرة للمجتمعات الأقوى منه.

وفي آية شريفة أخرى يُصوّر لنا القرآن الكريم هذه الحالة بشكل آخر فيقول: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ»(2)، فوفقاً لسنّة الله عزوجل في هذا العالم فإنّ كلّ ما يقع من أحداث و تظهر من بلايا إنّما هي من صُنع الإنسان نفسه و نتيجة من نتائج أفعاله، فإذا كان المجتمع صالحاً و عادلاً فإنّ الله سبحانه يجزي أهله و يُثيبهم دون أن يَلِتَ من حقّهم شيئاً: «وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ»(3).

النقطة الخامسة: إنّ للصّلح و السّلام أهمية كبيرة بحيث لو أقسم الشخص على عدم التدخّل في إقرارهما فإنّ قَسمه لا يُعتدّ به بل و لا قيمة له، و لو رجع عن حلفه ولم يبرّ بقسمه و بدأ بالتوسّط لإقامة الصّلح و السلام، فلا يُؤاخَذ على نقض قسمه و حلفه.

ب: أهميّة الصّلح في الرّوايات

في هذا القسم من المقالة سنشير باختصار إلى بعض الروايات الواردة عن الرّسول

الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم و الأئمّة الأطهار علیهم السلام حول الصّلح و الإصلاح و السّلم و السّلام.

ص: 338


1- سورة الأنفال: الآية 46
2- سورة هود علیه السلام: الآية 117
3- سورة الأعراف: الآية 170

وصف النبيّ الكريم صلی الله علیه و آله وسلم لأحد أصحابه إقامة الصّلح و إقرار السّلم و التسوية بأنّه عمل

یُرضي الله سبحانه، و ممّا قاله صلی الله علیه و آله وسلم له ما يلي:

«یا أَبَا أَیُّوبَ أَلا أَدُلُّکَ علی عَمِلٍ یَرْضَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ قال: بَلَی. قال صلی الله علیه و آۀه وسلم: تُصْلِحُ بین الناس إذا تَفَاسَدُوا وَتُقَارِبُ بَیْنَهُمْ إذا تَبَاعَدُوا!»(1). وفي رواية أخرى عن الرِسول صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال: «يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة يحبها

الله و رسوله تصلح بين الناس إذا تباغضوا و تفاسلوا»(2). ورُويَ كذلك عن أبي الدّرداء أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال:

«ألّا اُخبِرُکُم بِأَفضَلَ مِن دَرَجَهِ الصِّیامِ وَالصَّلاهِ وَالصَّدَقَهِ؟ قالوا: بَلی یَا رَسُولَ اللهِ. قالَ صلی الله عله و آله وسلم: صَلَاحُ ذاتِ البَینِ وفَسادُ ذاتِ البَینِ وهِیَ الحَالِقَةُ»(3). وفي (نهج البلاغة) طالما أوصى أمير المؤمنين علي علیه السلام أصحابه و الناس من حوله

بإقامة الصّلح و السّعي إلى إقرار السّلم. و في إحدى خُطَبه يقول علیه السلام:

«أُوصِیکُمَا وَجَمِیعَ وَلَدِی وَأَهْلِی وَمَنْ بَلَغَهُ کِتَابِی بِتَقْوَی اللهِ وَنَظْمِ أَمْرِکُمْ وَصَلاَحِ ذَاتِ بَیْنِکُمْ فَإِنِّی سَمِعْتُ جَدَّکُمَا صلی الله علیه و آله وسلم یَقُولُ: "صَلاَحُ ذَاتِ الْبَیْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّهِ الصَّلاَهِ الصِّیَامِ"»(4).

وعن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال:

«صَدَقَهٌ یُحِبُّها اللّهُ إِصْلاَحُ بَیْنِ النّاسِ إِذا تَفاسَدُوا وَ تَقَارُبٌ بَیْنَهُمْ إِذا تَبَاعَدُوا»(5).

استنتاج:

نستنتج من مجموع الآيات و الروايات المذكورة في أعلاه أنّ الصّلح و السلام و الوئام في المجتمع يُعتبر أمراً ضرورياً و يمتاز بأهمية كبيرة بحيث لو غاب الإصلاح ولم

ص: 339


1- الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب، المعجم الكبير، ج 8، ص 257
2- المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي، الترغیب و الترهيب، ج 3، ص 321
3- الشيباني، أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج 6، ص 444
4- نهج البلاغه، خطب الإمام علي علیه السلام، ج 3، ص 77
5- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج 2، ص 209

يَعُد هناك أيّ وجود للثقة بين أبناء المجتمع و تعذّر إيجاد الحلول للخلافات الذوقية أو المذهبية بينهم فإنّ أساس المجتمع و قواعده ستتعرّض للتقويض.

إنّ من واجب جميع المسلمين العمل بأوامر الآيات القرآنية و الروايات، و مع ذلك فإنّنا و للأسف الشديد ما زلنا نشهد في الوقت الحاضر بعض الجماعات التي تدّعي الإسلام و تحاول جاهدة اتّهام بقية المسلمين بالكُفر و تُخرجهم من دائرة الإسلام، و لمّا كان من الطبيعيّ أن لا يقبل المسلمون بعقائد هذه الجماعات و أفكارها فإنّ هذه الأخيرة لم تَجد بُدّاً سوی رَميهم بالكُفر و الزندقة و استحلال دمائهم ونهب أموالهم و استباحة أعراضهم.

وقد ارتدت الفرقة الوهابية اليوم لباساً آخر و هو لباس (داعش) و عاثت في بلاد المسلمين ظلماً و فساداً مُعرّضة أرواح الملايين منهم إلى الموت و الإبادة، وها نحن نراهم في كلّ يوم يُقتّلون النساء و الأطفال الأبرياء و يُذبّحونهم بلا رحمة ولا حياء، لكن ما يدعو إلى السخرية هو ادّعاء تلك الجماعات زوراً و عُدواناً أنّها تفعل ذلك باسم الإسلام و أنّهم الأتباع الحقيقيون للرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم و قد صدق مَن قال: «إنّ شَرّ البَليّة ما يُضحِك!».

ولقد أضحت الفرقة (الوهابية) و تنظيم (داعش) اليوم من أكبر الفِتَن التي ابتُلِيَ بها المسلمون و المجتمعات الإسلامية كافّة، ولم يَعُد الإصلاح بين أفراد الأمّة الإسلامية ذا نَفع إلّا بإبادة هذه الجماعات الكافرة الظالمة. و هذا بالذات ما دعانا إليه القرآن الكريم، و هو محاربة أصحاب الفِتَن و مُروّجي البِدَع و التكفيريين و اعتبره أمراً ضرورياً مُصرّحاً أنّه لا مكان للإصلاح و لا الصّلح إلّا باستئصال تلك الغُدد السرطانية من جسم الأمّة الإسلامية: ««وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»(1).

القسم الثالث: سُبُل إيجاد الصُّلح و السلام و المحبة من وجهة نظر الإسلام

لا شكّ في أنّ (الصُّلح) هو نتاج التعايش السلميّ بين أفراد البشر و البعيد عن كلّ أنواع العنف، وهو أمر قابل للتطبيق على مختلف المستويات، في الأسرة الواحدة و بین أتباع الدّين الواحد أو الأديان المتعددة و كذلك على المستوى العالميّ.

ص: 340


1- سورة الأنفال الآية 39

وقد أولى ديننا الإسلامي الحنيف أهمية خاصّة و استثنائية للصّلح و السلام على جميع المستويات و تشهد بذلك العديد من آيات القرآن الشريفة التي أكّدت في كلّ

مناسبة و أمرت المسلمين بإقرار الصّلح و الوئام.

ولمّا كان الصّلح و دوره في إطار الأسرة خارجاً عن بحثنا هذا فإنّنا سنتجاوز الحديث

عنه في المجال المذكور مع التركيز على الأدوار التي يلعبها الصّلح في مجالات أخرى.

1- الصّلح في البيئة الاجتماعية

بيئة المجتمع أكبر من بيئة الأسرة، و هو يضمّ أفراد الأمّة و الجماعات و المذاهب

بالإضافة إلى أنّه يشمل الكثير من العادات و التقاليد الثقافية و الفكرية.

ومن الطبيعي أن تحدث في المجتمع الواحد الذي يعيش فيه عدد من الأفراد الذين يمتلكون ثقافات مختلفة و تقاليد اجتماعية متنوعة و تنتمي كلّ جماعة منهم إلى دين أو مذهب مُعيّن، من الطبيعيّ أن تحدث أحياناً في مثل هذا المجتمع بعض الخلافات أو النزاعات حول جملة من الأمور، بل و قد تقع كذلك صراعات دموية في أحيان أخرى ربما تعذّر إصلاحها أو إعادة الأمور إلى سابق عهدها ما يؤدّي أحياناً إلى تكفير الآخر.

وبما أنّ أيّ مجتمع لا يمكنه الاستغناء عن الاستقرار و الأمن الاجتماعيّين و هو بحاجة إلى الوحدة التي تجمع شمله و إلى الوئام و التآخي اللذين يُبقيان بنيانه مرصوصاً و قويّاً، فإنّه لا مناص من العمل على إزالة العراقيل و الخلافات التي تقع هنا أو هناك، لتتحوّل الخلافات إلى اتّفاق و الفُرقة إلى وحدة و تعاون و محبّة.

وقد أشارَ القرآن الكريم في عدّة مواضع إلى بعض السُّبُل الكفيلة بإيجاد الاستقرار و

الاتّحاد و الصّلح و التفاهم بين أفراد المجتمع، و هو ما سنتطرّق إليه في السطور التالية.

2- الصّلح على مستوى المجتمعات في العالم

يتألّف المجتمع الدوليّ من عدّة مجتمعات أصغر تعيش بمجموعها على سطح الكرة الأرضية، و تُسمّى تلك المجتمعات كوحدة واحدة (المجتمع الدّولي). و بالنظر إلى تقنية الاتّصالات التي وصل إليها الإنسان في الوقت الحاضر فقد أصبح هذا المجتمع الدولي الكبير يشبه إلى حدّ كبير قرية عالمية صغيرة.

ص: 341

ويمكن تقسيم المجتمع الدولي من عدّة نواحٍ إلى أقسام كثيرة، و منها تقسيمه على

أساس الأديان أو الثقافات السائدة فيه، و كالآتي:

أوّلاً: المجتمع الإسلامي، و يُقصَد به المجتمع أو المجتمعات التي يعتنق أفرادها الدين الإسلامي بغضّ النظر عن اللغات التي يتحدّث بها أولئك الأفراد أو الحدود الجغرافية التي تجمعهم.

ثانياً: المجتمعات غير الإسلامية، و نعني بها المجتمعات التي يعتنق أفرادها الأديان

الأخرى غير الدين الإسلامي أو أولئك الذين لا ينتمون إلى أيّ دين من الأديان بالمرّة.

أ) سُبُل إيجاد الصّلح في المجتمع الإسلامي

أشارَ القرآن الكريم و كذلك الروايات إلى العديد من السُّبُل و الطرق التي تضمن إيجاد الصّلح و التفاهم بين الأقوام و الاُمم و الجماعات و المذاهب في المجتمع أو البلاد، و فيما يأتي نشير إلى بعضٍ من تلك السُّبُل:

1- بیان عواقب الاختلافات

إنّ أوّل سبيل لإيجاد الصّلح و التفاهم بين الأفراد هو بيان العواقب و النتائج السلبية التي قد تنجم عن الاختلاف و الفُرقة بين الأمّة الإسلامية. و يتمثّل ذلك في تجنّب المؤمنين للاختلافات و ابتعادهم عن الخلافات، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»(1). و رغم أنّ هذه الآية الشريفة تشير في الظاهر إلى تفادي الخلاف عند مواجهة العدوّ، لكنّ موضوعها لا يقتصر على هذا الأمر بل يشمل كذلك جميع موارد الاختلاف الداخلي لأمّة أو شعب ما في حال مواجهته للعدوّ، مع الإشارة إلى نتيجتين من نتائج ذلك الفعل و هما: فشل المسلمين و ذهاب قوّتهم و قدرتهم و سلطانهم «فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ».

و«الفَشِل» الرّجلُ الضعيف الجبان، و الجمع (أفشال)، و «فَشِلَ»: کَسِلَ و ضعُف و

تراخَي و جَبُن(2) و أدّى ذلك إلى ذهاب قدرته و هیبته مقابل عدوّه.

ص: 342


1- سورة الأنفال: الآية 46
2- الأفريقي المصري، محمد بن مکرم بن منظور، لسان العرب ج 11 ص 520

وقال الرّاغب الأصفهانيّ: «الرّيحُ» معروف، وهي فيما قيل الهواء المتحرك و قد يُستعار الرّيح للغلبة كما في قوله تعالى: «وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ»(1)؛ و معنى ذلك أنّه إذا استطاعت الجماعة الحفاظ على اتّحادها و انسجامها أمام العدوّ فإنّ نتيجة ذلك هو الفوز، و إذا وقع الخلاف بين أفراد تلك الجماعة و تعدّدت أهواؤهم فإنّ الذلّ و الخسران هما النتيجة الحتمية لذلك.

ويتّفق المفسرون الشيعة و السنّة على أنّ (ذهاب الرّيح) يعني فقدان العزّة و الإرادة و السلطان و الاستقرار و الثبات(2) و القوّة و القدرة(3) و الأخوة و التآخي(4) و الوحدة و الانسجام(5) و النصر و الغلبة(6).

ولا ريب في أنّ (ذهاب الريح) يشمل جميع تلك المعاني فلو لم تعمل الجماعة على وضع خلافاتها جانباً و هي تواجه عدوّاً خارجياً و غاب عنها الصّلح و الوحدة فإنّ عاقبة ذلك هي ابتلاؤها بفقدان كلّ تلك الصفات و المميزات الإيجابية و بالتالي اندحارها أمام عدوّها دون أدنى شكّ.

2- إشاعة الأخوة الإسلامية

وممّا لا ريب فيه كذلك هو أنّ التمييز العنصريّ و المَيل إلى قوميّة ما و التفاخر و التعصّب المذهبيّ و الدينّ كانت كلّها عوامل رئيسية لعبت دوراً مهمّاً في الحروب التاريخية. و السؤال الذي يطرح نفسه ههنا هو: ما هو الحلّ الذي قدّمه الإسلام بشأن العلاقات الحقوقية بين أفراد البشر عند وقوع مثل هذه المشاكل؟

ص: 343


1- الراغب الأصفهانيّ، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، ج 1، ص 206
2- «وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» أي و لا تختلفوا بالنزاع فيما بينكم حتى يورث ذلكم ضعف إرادتكم و ذهاب عزتكم و دولتكم أو غلبتكم فإن اختلاف الآراء يخلّ بالوحدة و يوهن القوة. (الطباطائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 95)
3- أي صولتكم و قوتكم أو نصرتكم أو دولتكم، (المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 19، ص 235)؛ معناه: تذهب صولتكم و قوتكم (الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 476)
4- «وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» إسلامياً أخوياً (صادقي طهراني، البلاغ في تفسير القرآن بالقرآن، ص 183)
5- أي قوتكم و وحدتكم، (تفسیر ابن کثیر، ج 2، ص 317)
6- أي قوتكم و نصركم. (القرطبي، محمد بن أحمد الجامع لاحکام القرآن، ج 8 ص 24)

من ناحيته، فقد أبلغ القرآن الكريم جميع أفراد البشر أنّهم جميعاً محترمون و کرام عند الله عزوجل بل و قد فضّلهم على كثير من مخلوقاته كما في قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»(1).

وفي ذلك قال الشيخ الطوسيّ مثلاً في تفسيره: «يعني: (کَرَّمناهم) بالنّطق و العقل و التمييز و الصورة الحسنة و القامة المعتدلة، و تدبير أمر المعاش و المعاد، و بتسليطهم على ما في الأرض، و تسخیر سائر الحيوانات لهم»(2).

و إذا كان الإنسان قد شَرُف على جميع المخلوقات فهل يصحّ أن تصدر عنه كلّ تلك

الخلافات و الفُرقة و اتّباع الأهواء و الجَري وراء الشهوات؟

وفي المرحلة الثانية يُصرّح القرآن الكريم بأنّ جميع الناس من ذكر و أنثى إنّما هم من أمّ و أبّ واحد، و أمّا تقسيمهم إلى أقوام و قبائل فذلك لاختبارهم و تعرّف بعضهم على البعض الآخر و ليشهدوا مُعجزات الله عزوجل فيهم، و أنّه في الحقيقة لا فضل لأحدهم على الآخر إلّا بتقواه و خشیته لله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(3).

ثمّ يخاطب القرآن الكريم في المرحلة التالية الأمّة الإسلامية قائلاً: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ»(4).

وفي المرحلة الرابعة، يتحدّث القرآن الكريم إلى المؤمنين بقوله: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(5). و (المُؤمِنون) في هذه الآية يُقصَد بهم جميع المسلمين، و أجمع المفسرون من الشيعة و السنّة على أنّ هذه الآية تشير بصراحة إلى ضرورة الإصلاح بين المؤمنين و المسلمين على حدّ سواء في كلّ زمان و مکان.

ص: 344


1- سورة الإسراء: الآية 70
2- الشيخ الطبرسي، جوامع الجامع، ج 2، ص 385
3- سورة الحجرات: الآية 13
4- سورة الأنبياء: الآية 92
5- سورة الحجرات: الآية 10

وفي توضيحه لمعنى قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ» قال الشيخ الطوسيّ: «[وهم] الذين

يوحّدون الله تعالى و يعملون بطاعاته و يقرّون بنبوّة نبيّه و يعملون بما جاءَ به»(1).

ويقول سماحة آية الله العظمی ناصر مکارم الشيرازي - وهو من المفسرين المعاصرين -

«حين يريد الآخرون إظهار مزيداً من العلاقة مع من يشاركهم في المنهج و العمل، يعبّرون عنهم بالرفاق «أو الرفيق للمفرد» إلّا أنّ الإسلام رفع مستوى الارتباط و الحب بين المسلمين إلى درجة جعلها بمستوى أقرب العلائق بين شخصين و هي علاقة الأخوين التي تقوم العلاقة بينهما على أساس المساواة و التكافؤ. فعلى هذا الأصل الإسلامي المهم يشعر المسلمون على اختلاف قبائلهم وقوميّاتهم و لغاتهم و أعمارهم بمشاعر الأخوّة فيما بينهم و إن عاش بعضهم في

الشرق و الآخر في الغرب»(2). وهذا محمد بن أبي بكر الزّرعي من مُثقّفي أهل السنّة، يُبيّن عقيدة جمهور أهل السنّة

حول الإصلاح مُستنداً إلى الآية الشريفة المذكورة، فيقول:

«والجمهور يقولون: قد دلّ الكتاب و السنة و القياس على صحة هذا الصلح فإنّ الله سبحانه تعالى ندب إلى الإصلاح بين الناس و أخبر أنّ

الصلح خير و قال: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ»(3). وهكذا نرى أنّ الآية الشريفة الأولى تصرّح بأنّ جميع المؤمنين إخوة في الدين و أنّ الخلاف و النّزاع بينهم هو كالنزاع بين اثنين من الإخوة في النّسب، و لهذا لا يجوز لأخوين أن يتنازعا و يختلفا، بل ينبغي عليهما بدلاً من ذلك إقرار الصّلح و جعل التأخي

أساساً لحياتهما الاجتماعية.

و ورد في حديث للرّسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم و المنقول من قِبَل الفريقين أنّه سمّى المسلمين

إخوة بعضهم البعض.

ص: 345


1- الشيخ الطوسي، التبیان، ج 9، ص 346
2- مکارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج 16، ص 541
3- الزرعي، محمد بن أبي بكر أيوب، إغاثة اللهفان، ج 2، ص 26

وعن الإمام الصّادق علیه السلام أنّه قال: «خطب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الناس في حجة الوداع بمنى في مسجد الخيف، فحمد الله و أثنى عليه، ثمّ قال: ... اَلْمُسْلِمُونَ إِخْوَهٌ تَتَکَافَی دِمَاؤُهُمْ وَ هُمْ یَدٌ عَلَی مَنْ سِوَاهُمْ یَسْعَی بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ هُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُم»(1).

وفي سَند آخر عن الإمام الصّادق علیه السلام أيضاً أنّه قال: «قال رَسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: المُؤْمِنُونَ

إِخْوَهٌ تَتَکَافَی دِمَاؤُهُمْ...»(2).

وجاء في مصادر أهل السنّة - إضافة إلى الرواية المذكورة - عن ابن عبّاس أنّه قال:

«قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إنَّ كُلّ مُسلمٍ أخو المسلمِ، المسلمونَ إخْوَة»(3).

وفي رواية أخرى عن حبيب بن خراش أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال: «المُسْلمُونَ إخْوَةٌ، لا فَضْلَ لأِحَدٍ علی أحَدٍ إلّا بالتَّقْوَی»(4).

ومن مجموع هذه الآيات و الروايات يتبيّن لنا أنّ المسلمين و المؤمنين هم إخوة و هم کالأعضاء في الجسد الواحد و لذلك لا يجوز لهم الاختلاف و الفُرقة، و في حال

حدوث أيّ مشكلة فبإمكانهم حلّها و إصلاح ذات بينهم لأنّ الإخوّة لا تجتمع مع

الاختلاف و الفُرقة.

وهنا نلاحظ أنّ أحد السُّبُل التي وضعها القرآن الكريم و الروايات أمامنا تتمثّل في الأخوة الإسلامية و الدينية التي يجب أن تسود بين المسلمين و تشیع بينهم لكي يستطيعوا الحفاظ على إخوّتهم إزاء بعضهم البعض و العمل على تعزيز هذه الرابطة الأخوية و تقويتها أكثر فأكثر في ظلّ هذا المفهوم القرآني الشريف.

ولا يخفى أنّ الأخوّة الدينية كانت تحتلّ أهمية خاصّة في سيرة النبيّ الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم الأمر

الذي دعاه صلی الله علیه و آله وسلم إلى أن يؤاخي بين أصحابه جميعاً من المكّيين و المدنيين.

ص: 346


1- الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي، الأمالي، ص 351
2- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، الأمالي، ص 187
3- الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحیحین، ج 1، ص 171؛ البيهقي، أحمد بن الحسين، دلائل النبوة، ج 5، ص 449؛ الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام، ج 2، ص 709
4- الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، ج 4، ص 25؛ ابن كثير الدمشقي، إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، ج 4، ص 218

3- إقرار الصّلح و الوئام بين طرفَي النّزاع

بالنظر إلى الوقائع التاريخية فإنّ حدوث الاختلاف و حصول النزاع بين المسلمين هو أمر نادراً ما يمكن تجنّبه، و لهذا صرّح القرآن الكريم بوجوب الوساطة وضرورة إقرار الصّلح و التفاهم بين المسلمين في ظلّ تلك الظروف مؤكّداً ذلك في العديد من آیاته الشريفة، منها قوله تعالى: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»(1). و نلاحظ هنا ورود كلمة «فَأَصْلِحُوا» مرّتين في هذه الآية الشريفة ما يدلّ على أهميّة إقامة الصّلح و ضرورته. و في آية أخرى يقول عزوجل: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(2)، و في آية ثالثة قال سبحانه: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(3).

وقد أشرنا آنفاً إلى شأن نزول هاتين الآيتين، و فيما يلي نذكر نقطتين هامّتين تصرّح

بهما الآيات المذكورة أعلاه:

النقطة الأولى: إنّ مفهوم الآية لا يقتصر على شأن النزول بل هي بمثابة دستور و حکم عامّ و شامل ينبغي تطبيقهما في كلّ زمان و وقت، و هو ما أشار إليه ابن عبّاس في ذيل هذه الآية - باعتباره أحد أكبر المفسّرين من بين الصحابة - مؤكّداً على الحكم المذكور بقوله: «هذا تحريج من الله على المؤمنين أن يتّقوا و يُصلحوا ذات بينهِم»(4).

بل و استند ابن تيمية كذلك إلى هذه الآية مشيراً إلى ضرورة الألفة القلبية و الإصلاح بين المسلمين و لم يعتبر هو الآخر اقتصار مضمونها على شأن النزول و ممّا قاله ابن تيمية في هذا الصّدد ما يلي:

«و تعلمون أنّ من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب و اجتماع الكلمة و صلاح ذات البَين فإنّ الله تعالى يقول:

ص: 347


1- سورة الحجرات: الآية 9
2- سورة الحجرات: الآية 10
3- سورة الأنفال الآية 1
4- القرشي البغدادي، عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدنيا، مداراة الناس، ج 1، ص 120

«فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ»... و أمثال ذلك من النصوص التي تأمر

بالجماعة و الائتلاف و تنهی عن الفُرقة و الاختلاف»(1). النقطة الثانية: إنّ المجتمع الإسلامي الذي تسوده الأخوّة و الانسجام يحتاج إلى

الصّلح و التسوية لأنّ الأخوّة الدينية لا تنسجم مع الاختلاف و الفُرقة.

النقطة الثالثة: ينبغي على دُعاة الصلح أن يبادروا إلى حلّ الخلافات التي تقع بين المسلمين لأنّ تلك الخلافات أوّلاً قد تؤدّي إلى زوال شوكتهم و ذهاب قدرتهم و ضياع عزّتهم و عظمتهم، و ثانياً إذا غاب الإصلاح و الصلاح عن المجتمع فإنّه و وفقاً لسنّة الله عزوجل سيحلّ على أفراده العذاب المهين، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ»(2).

4- التأكيد على النقاط المشتركة

وأمّا السبيل الآخر الذي وضعه القرآن الكريم أمامنا فهو التأكيد على النقاط المشتركة

الموجودة بين المسلمين و العمل على تعزيزها لإيجاد الصّلح و التفاهم و الوحدة الإسلامية.

4 - 1 وحدة المسلمين في مبدأ الدين و الأصول الإسلامية

هناك العديد من النقاط المشتركة التي تجمع المذاهب الإسلامية بعضها مع البعض الآخر مثل التوحيد و النبوّة و المعاد و كذلك بعض الفروع الدينية، فلو ركّزت تلك المذاهب على هذه القواسم المشتركة و استطاعت حلّ الخلافات التي تقع بينها عن

طريق الحوار العلمي و الثقافي فإنّ الكثير من الخلافات و النزاعات سيتمّ حلّها كذلك

بسهولة و سيبسط الصّلح و الوحدة ظلالهما على المجتمع الإسلامي ككلّ.

واستناداً إلى النقاط المشتركة المذكورة في الأصول و الفروع الدينية فقد اعتبر القرآن الكريم الأمّة الإسلامية أمّة واحدة لا متجزّئة بقوله: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ»(3)، إذاً، فالهدف الثاني للآية الشريفة هو عقيدة التوحيد المشتركة للمسلمين كافّة.

ص: 348


1- الحراني، أحمد عبد الحليم بن تيمية، کتب و رسائل و فتاوی ابن تيمية في الفقه، ج 28، ص 51
2- سورة هود العلة: الآية 117
3- سورة الأنبياء: الآية 92

4 - 2 وحدة المسلمين في التمسك بالكتاب و أهل البيت علیهم السلام

لا شكّ في أنّ محبّة آل بيت الرّسول صلی الله علیه و آله وسلم تُعدّ أكبر نقطة مشتركة بين المسلمين لإيجاد الصّلح و الأخوّة بينهم و بين المذاهب الإسلامية. و قد صرّح القرآن الكريم على لسان النبيّ الكريم صلی الله علیه و آله وسلم أنّ الأجر الذي يطلبه الرّسول صلی الله علیه و آله وسلم تعبيراً عن امتنان المسلمين لرسالته و تبليغه يكمن في مودّة ذوي قُرباه و الإحسان إلى آل بيته الكرام علیهم السلام: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ»(1).

فالضمير «کُم» في قوله: «لَا أَسْأَلُكُمْ» يعود إلى جميع المسلمين و لا يشمل طبقة خاصّة أو مذهب معُيّن منهم، و معنى الآية هو: يا أيّها النبيّ! قُل لأمّتك أنك لا تريد من المسلمين أيّ أجر مقابل رسالتك و هدایتك إلّا محبّة ذوي قُرباك و مودّتهم.

إنّ التمسّك بآل البيت علیهم السلام يعني التمسّك بمحور الوحدة و الوئام و هو سبب الهداية و الفلاح و الخلود على طريق الله المستقيم. و لم يفتأ نبيّ الرّحمة صلی الله علیه و آله وسلم يُذكّر المسلمين و ينبّههم مراراً و تكراراً في كلّ مناسبة و كلّما سنحت الفُرصة بالتمسّك بآل بيته الكرام علیهم السلام و السّير على هُداهم إلى جانب تمسّكهم بالقرآن الكريم، و أبلغ ما صدر عنه صلی الله علیه و آله وسلم حول هذه المسألة ما قاله يوم غدير (خُم):

«إِنِّی قَدْ تَرَکْتُ فِیکُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا مِنْ بَعْدِی: اَلثَّقَلَیْنِ، أَحَدُهُمَا أَکْبَرُ مِنَ اَلْآخَرِ، کِتَابَ اَللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ إِلَی اَلْأَرْضِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی، و إِنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ اَلْحَوْضَ»(2).

وورد في بعض الروايات كلمة (خَليفَتيْن) بدلاً من (الثَقَلَيْن) كما في قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «إِنِّی تَارِکٌ فِیکُمْ خَلِیفَتَیْنِ: کِتَابَ اَللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَیْنَ اَلسَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ - أَوْ مَا بَیْنَ اَلسَّمَاءِ إِلَی اَلْأَرْضِ - وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی، وَ إِنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ اَلْحَوْضَ»(3).

واستناداً إلى الروايات فإنّ القرآن الكريم أشارَ إلى آل البيت باعتبارهم (حَبل الله) و ضرورة التمسّك بهم كما في قوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ

ص: 349


1- سورة الشورى: الآية 23
2- الشيباني، أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج 3، ص 59، الحديث رقم 11578
3- المصدر السابق، ج 5، ص 181، الحديث 21618

عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا...»(1).

وعن الثعالبیّ - أحد مُفسّري أهل السّنة - أنّ الإمام الصّادق علیه السلام قال في تفسير هذه

الآية الشريفة: «نَحنُ حَبل الله الذي قالَ الله: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»(2).

5- المناظرة و الحوار العلمي بالتي هي أحسن

إذا نظرنا إلى التاريخ الإسلامي و تاريخ الفِرَق الإسلامية سنلاحظ وجود مجموعة من الاختلافات في وجهات النّظر بين المذاهب الإسلامية حول بعض المسائل الدينية و العقائدية، و هذا أمر طبيعيّ كما هو معلوم، لكنّنا و من الناحية الثانية نلاحظ في بعض الأحيان قيام جماعة من أتباع مذهب ما بإهانة مقدّسات الطرف الآخر و الاستهزاء بعقائد أتباع المذهب الآخر، بل و تكفيرهم أحياناً من أجل إثبات صحّة عقائدهم هم، و أبرز مثال على أولئك هم أتباع المذهب الوهابي.

فقد دأبت هذه الفرقة من خلال تصريحاتها و مؤلّفاتها عَبر وسائل الإعلام و القنوات الفضائية على تكفير جميع المسلمين و ليس أبناء الطائفة الشيعية فقط لمجرّد أنّهم يُخالفونهم في عقائدهم، حيث يبذل أتباع هذه الفرقة يوماً بعد آخر جهوداً حثيثة في تحليل المسائل الدينية و العقائدية لمذهب من المذاهب الإسلامية بطريقتهم و أسلوبهم و يطرحون ذلك في إعلامهم، ما أدّى إلى إيجاد أرضاً خصبة لزرع بذور النفاق و الفتنة و الشقاق بين المسلمين، و قد تسبّب ذلك في وقوع العديد من حوادث الاقتتال بين المسلمين في كلّ مكان.

ولا ريب في أنّ مثل هذه الظروف الحرجة تستدعي فطنة العلماء و المثقفين و أئمّة المذاهب و مسارعتهم إلى حلّ المسائل الخلافية من خلال الحوار البنّاء و الأخويّ القائم على الأسس العلمية و العادلة، و العمل على الكفّ عن إهانة مقدّسات الآخرين الدينية.

ويعتبر القرآن الكريم أنّ أفضل أسلوب يمكن استخدامه في مثل هذه الحالات هو الحوار العلمي و المجادلة بالتي هي أحسن كما في قوله عزوجل: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ

ص: 350


1- سورة آل عمران: الآية 103
2- تفسير الثعلبي، ج 3، ص 163

الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...»(1).

وفيما يتعلّق بالنّقاش مع أهل الكتاب يقول سبحانه: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(2).

و

وفي موضع آخر يحذّرنا القرآن الكريم من استخدام السبّ و الشّتم و الكلام البذيء عند مجادلة الآخرين أو الدخول معهم في نقاش حول مسألة من المسائل و إن كانوا من غير المسلمين، فيقول: «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ»(3).

ورغم أنّ شأن نزول هذه الآيات يشير إلى مجادلة المسلمين و نقاشهم مع المشركين في صدر الإسلام إلّا أنّ حكم الآية الشريفة هو حكم عامّ و يشمل بطريق أولى كلّ حديث أو جدال يقع بين المذاهب الإسلامية. و عليه، فإنّ أفضل أسلوب لحلّ الاختلافات في وجهات النظر هو الحوار العلمي و المنطقي بعيداً عن كلّ إهانة أو سباب أو شَتم، و في هذه الحالة سيتمّ الحفاظ على وحدة المسلمين و ستُحَلّ الخلافات بأسلوب علمي و منطقي مناسب، و ذلك لإغلاق الباب أمام اتّهام الآخرين في المجتمع الإسلامي الواحد بالارتداد و التكفير.

6- عدم تكفير المذاهب الأخرى

وهذا هو سبيل آخر يضعه القرآن الكريم أمامنا لبناء عُرى التفاهم و الصّلح و الوئام، و هو أن يكفّ المسلمون عن تكفير بعضهم البعض. و بالاستناد إلى النصوص الدينية فإنّ كلّ شخص يؤمن بوحدانية الله عزوجل و رسالة الأنبياء و يوم القيامة فهو مسلم و بذلك تكون نفسه و ماله محفوظین و تَجب حمايته في ظلّ الإسلام و ينبغي على جميع المسلمين احترامه و الدّفاع عنه، و قد أمر القرآن الكريم المسلمين بعدم اتّهام الشخص بالكفر أو الارتداد إذا قال أنّه مسلم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ

ص: 351


1- سورة النحل: الآية 125
2- سورة العنكبوت: الآية 46
3- سورة الأنعام: الآية 108

السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا»(1).

تخاطب هذه الآية الشريفة المجاهدين في سبيل الله و تقول لهم أنّهم إذا رأوا بعضاً

من أفراد العدو يعتنقون الإسلام و ينطقون بشهادة التوحيد فينبغي عليهم عدم إنكار ذلك و الإصرار على مقاتلتهم و اتّهامهم بالكفر و عدم الإسلام. و يُستفاد من هذه الآية أنّه من باب أولى عدم تكفير المسلمين كما يفعل بعض المتطرّفين من أهل السنّة و الفرقة الوهابية في تكفيرهم للشيعة لمجرّد اختلافهم معهم في بعض العقائد، و قد أشرنا إلى هذه المسألة بالتفصيل في القسم الثاني من هذه المقالة.

ووفقاً للروايات الواردة في المصادر الإسلامية فإنّ مجرّد اعتراف الشخص بأنّه مسلم

كافٍ ليعصم نفسه و ماله و دَمه، فقد رُويَ عن الإمام الصّادق علیه السلام أنّه قال:

«الْإسْلَامُ یُحْقَنُ بِهِ الدَّمُ وَ تُؤدَّی بِهِ الْأمَانَةُ وَ تُسْتَحَلُّ بِهِ الْفُرُوجُ وَ الثَّوَابُ عَلَی الْإیمَانِ»(2)، وفي رواية أخرى قال علیه السلام: «الْإِسْلَامُ شَهَادَهُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَالتَّصْدِیقُ بِرَسُولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ وَعَلَیْهِ جَرَتِ الْمَنَاکِحُ وَالْمَوَارِیثُ وَعَلی ظَاهِرِهِ جَمَاعَهُ النَّاسِ»(3).

و جاء في كُتب أهل السنّة كذلك أنّ الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم قال:

«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ اَلنَّاسَ حَتَّی یَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ، وَ یُقِیمُوا اَلصَّلاَهَ، وَ یُؤْتُوا اَلزَّکَاهَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِکَ عَصَمُوا مِنِّی دِمَاءَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ اَلْإِسْلاَمِ، وَ حِسَابُهُمْ عَلَی اَللَّهِ»(4). واستناداً إلى هذه الروايات فقد اتّفق علماء الشيعة و أهل السنّة على أنّ مَن نطق

بالشهادتين فهو مسلم و تجري عليه جميع أحكام الإسلام بالكامل.

ص: 352


1- سورة النساء: الآية 94
2- الكليني، محمد بن یعقوب، الكافي، ج 2، ص 24
3- المصدر السابق
4- إبن أبي شيبة، عبد الله بن محمد، المصنف، ج 6، ص 480

ويُعرّف الشهيد الأوّل المسلم بقوله: «والمراد بالمسلم من أظهر الشهادتين، و لم

يجحد ما علم ثبوته من الدين ضرورة»(1).

وأمّا الإمام الخمينيّ رحمه الله فقد

علّق على الروايات المذكورة قائلاً: «و إنّ الإسلام عبارة عن الشهادتين، و بهما حقنت الدماء و جرت الأحكام و إن كان الثواب

على الإيمان و الفضل له»(2). وكتب القرطبيّ - أحد كبار علماء أهل السنّة و مُفسّریها - يقول:

«و أمّا الإسلام فقبول ما أتي به النبيّ في الظاهر و ذلك يحقن

الدّم»(3). وعلى أساس التعاليم المذكورة في القرآن الكريم و الروايات فإنّ تكفير أيّ مسلم

يخالف أوامر القرآن الكريم و أحاديث النبيّ صلی الله علیه و آله و أقوال أهل بيته الكرام علیهم السلام.

ب) سُبُبل الصّلح في المجتمع الدّوليّ

ما قلناه حتى الآن كان يخصّ السّبُل التي وضعها أمامنا القرآن الكريم لإصلاح ذات بين أفراد الأمّة الإسلامية الواحدة و إقرار الصّلح بينهم، إلّا أنّ ثمّة نوع آخر من الصّلح و هو الذي يخصّ المجتمع الدوليّ.

فكما نعلم فإنّ هناك أديان أخرى و أتباع لها يعيشون مع المسلمين على سطح هذه الكرة الأرضية و هؤلاء يشكّلون نسبة لا بأس بها من المجتمع الدولي ككلّ. فالمسلمون يعترفون ببقية الأديان الإلهية الموجودة في الوقت الحاضر و يؤمنون بالأنبياء الذين اُرسلوا إلى تلك الاُمم و الكُتُب التي جاءوا بها رغم أنّهم لا يعترفون بديننا الإسلاميّ الحنيف و لا يكون رسولنا الكريم صلی الله علیه و آله وسلم هو خاتم الأنبياء و الرّسل، بل و يُخبرنا القرآن الكريم أنّ هذه الأمم غير الإسلامية مُنقسمة على نفسها إلى عدّة طوائف و مذاهب و كلّ واحد منها يُكفّر الآخر ويتّهمه بفساد مذهبه. و في آية شريفة ينقل لنا القرآن الكريم قيام ملّة اليهود و ملّة

ص: 353


1- العاملي الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص 402
2- الخميني، السيد روح الله، كتاب الطهارة، ج 3، ص 322
3- القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، ج 16، ص 348

النصارى بتكفير بعضهم بعضاً، قائلاً على لسانهم: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ»(1).

ومن وجهة نظر المسلمين فإنّ هذه الأديان كانت أدياناً حقّة في عصرها و زمانها، و هو شيء لا يُنكره المسلمون، لكن، و مع مجيء الدين الإسلامي فإنّ تلك الأديان أصبحت منسوخة و باطلة و غير مقبولة عند الله عزوجل.

ولمّا كان أتباع الديانات الأخرى يعتبرون دینهم هو الحقّ و أنّ الأديان الأخرى غيرها هي على الباطل، كان من الطبيعيّ أن تحدث بينهم مجموعة من المشاكل و الخلافات و هو ما نشهده بالفعل اليوم في عالمنا الحاضر وقد تصل إلى حدّ وقوع حروب دموية تُزهَق خلالها أرواح الكثير من الناس. لكن من الناحية الأخرى فإنّ جميع أولئك بحاجة إلى استتباب الأمن و الاستقرار في بلدانهم و هو ما لا يمكن تحقيقه إلّا عَبر التعايش السّلمي لجميع أبناء البشر إلى جانب بعضهم البعض.

ولم يَفُت القرآن الكريم وضع حلول مناسبة كذلك لإقرار الأمن و الطمأنينة و إيجاد

قواعد الصّلح و السّلم بين أتباع الأديان كافّة، و فيما يأتي نشير إلى بعض تلك الحلول:

1- حرية اختيار الدّين و العقيدة

من وجهة نظر القرآن الكريم فإنّ الدين الإسلامي هو ختام الأديان الإلهية و القرآن الكريم آخر الكُتُب السماوية، و ينبغي لجميع أبناء البشر العمل بموجبه. و في العديد من آيات القرآن الكريم إشارات واضحة على كون رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو آخر الأنبياء و المرسلين و خاتمهم، و أنّ رسالته هي رسالة عامّة إلى كلّ العالم و جميع الأمم.

الآية الأولى: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا»(2).

الآية الثانية: «وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ»(3).

ص: 354


1- سورة البقرة: الآية 113
2- سورة الأحزاب: الآية 40
3- سورة الأنعام: الآية 19

الآية الثالثة: «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا»(1).

الآية الرابعة: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا»(2).

الآية الخامسة: «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا»(3).

والآن، و بالنظر إلى أنّ الدين الإسلامي هو آخر الأديان السماوية و كتابه (القرآن الكريم) هو آخر الكُتُب المُنزَلة و الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم هو خاتم الأنبياء و المرسلين، فإنّ القرآن الكريم لم و لن يُكره أحداً على اعتناق الدين الإسلامي: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»(4).

ولكي نُدرك معنى هذه الآية الشريفة بشكل أفضل لا بدّ من الإشارة إلى بعض النقاط:

أوّلاً: إنّ عدم إجبار الآخرين على اعتناق الدين الإسلامي لا يعني جواز الأديان الأخرى بتطبيق برامجها على أفراد البشر في الوقت الحاضر أو أنّها على حقّ فمع مجيء الدين الإسلاميّ تمّ نَسخ و إلغاء جميع الأديان الأخرى و يُعتبر القرآن الكريم آخر کتاب اُمِرَ الناس بتطبيق أحكامه و اتّباع تعاليمه. و لهذا، يشير القرآن الكريم في آية أخرى إلى أنّ الأديان الأخرى غير مقبولة عند الله سبحانه: «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»(5).

ثانياً: لقد منح الله عزوجل البشر الحرية و الإرادة الكاملتين، و لو كان قبول الدّين و اعتناقه قسراً و کرهاً كما كان للإرادة و الحرية أيّ معنى، و قد بيّن القرآن الكريم هذه النقطة في قوله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»(6).

ص: 355


1- سورة الفرقان: الآية 1
2- سورة سبأ: الآية 28
3- سورة الأعراف: الآية 158
4- سورة البقرة: الآية 256
5- سورة آل عمران: الآية 85
6- سورة يونس علیه السلام: الآية 99

وفي آية أخرى يشير القرآن الكريم إلى أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم مأمور بإبلاغ رسالته و أوامر الله عزوجل و حسب، سواء آمن المشركون أم لم يؤمنوا، فقال سبحانه و تعالى: «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»(1).

فبما أنّ الله عزوجل وهب الإنسان الإرادة و الحرية ليختار الدّين الذي يريد، و من الناحية الأخرى شاءَ أن يجعل نبيّنا الكريم صلی الله علیه و آله وسلم آخر الأنبياء و المرسلين و خاتمهم و جعل كتابه و سنّته آخر الكُتُب و السّنن الكفيلة بمَنح الحياة السعيدة لكلّ البشر، فإنّه تعالى لم يُجبر أحداً على اختيار دينه و الاعتراف برسوله صلی الله علیه و آله وسلم، و في هذه الحالة إذا صمّم الفرد على عدم اختيار الدين الإسلامي بإرادته و حرّیته و رفض اعتناقه و الإذعان لتعاليمه فإنّه لا محالة سيُعرّض نفسه للعقوبة و المؤاخَذة.

وبالنظر إلى التوضيحات المذكورة، فإنّه لا منافاة تُذکَر بین قوله تعالى: «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» مع قوله سبحانه: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ».

2- التأكيد على الأصول المشتركة بين الأديان

منذ أن بدأ النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم بإعلان دعوته صادفَ الكثير من الاعتراضات و المواجهات من قبل أتباع الأديان الأخرى و كانوا يتّهمونه صلی الله علیه و آله وسلم بأنّه قد صبأ و ترك ما كانوا يعبدون هم و آباؤهم، و حتى اليهود الذين كانوا يعقدون مُعاهدات الصّلح و التفاهم مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لم يتوانوا عن التخطيط لقَتله و اغتياله و التآمر عليه.

وعندما ثبت أنّ هؤلاء لا يستحقّون الهداية و أنّهم ماضون على كُفرهم، أمر الله عزوجل نبيّه الكريم صلی الله علیه و آله وسلم بالإبقاء على معاشرتهم و التعايش معهم بسِلم و وئام مع التأكيد على المبدأ المشترك الذي يجمعهم مع المسلمين و هو (التوحيد) فقال تعالى: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(2).

ص: 356


1- سورة الكهف: الآية 29
2- سورة آل عمران: الآية 64

وفي هذه الآية الشريفة يُعلّم القرآن الكريم المسلمينَ أنّه إذا لم يقبل الآخرون من غير المسلمين التعاون معهم لتحقيق الأهداف الإسلامية المقدّسة، فليس عليهم أن ييأسوا بل أن يسعوا إلى التعاون مع أولئك الذين تجمعهم بهم قواسم أو أهداف مشتركة.

على سبيل المثال، بعث النبيّ الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم برسالة إلى ضغاطر - كبير أساقفة الروم -

يُذكّره فيها بالنقاط المشتركة التي تجمع دينهم بالدين الإسلاميّ:

«فإنّ عیسی بن مریم روح الله و کلمته ألقاها إلى مريم الزكية و إني أؤمن بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و ما أوتي موسى و عيسى و ما أوتي النبيّون من ربّهم لا نُفَرّق بين أحد منهم و نحن له مسلمون، و السلام على من

اتبع الهدی»(1). واستناداً إلى آيات القرآن الكريم، فإنّ الأسلوب الذي استخدمه الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم في تبليغ الدين و الأخلاقيّات التي طبّقها مع الجميع ساعدت على دفع عجلة الإسلام إلى الأمام و بدأ الدين الجديد بالانتشار بين الناس بسرعة كبيرة حتى أضحى من أكبر الأديان انتشاراً في العالم خلال أقلّ من نصف قرن. إلّا أنّ هذا الأسلوب الأخلاقيّ الراقي للنبيّ صلی الله علیه و آله وسلم لم يكن في الواقع ناجعاً في كلّ الحالات لأسباب عديدة منها عناد بعض الكفّار و لجاجتهم التي لم تَقف عند حدّ و إصرار المشركين على توجيه الضربة تلو الأخرى إلى المسلمين متى سنحت لهم الفرصة، وفي مثل هذه الحالات لم يَجد الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم بُدّاً من مُعاملتهم بالمثل و اللجوء إلى الحلّ العسكريّ عند الضرورة.

وهكذا يمكن للمنهج الذي اعتمده النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم أن يكون أنموذجاً رائعاً لبقية المسلمين في التعامل مع الآخرين من المسلمين و غيرهم في الظروف التي يعيشها العالم الإسلامي في الوقت الحاضر لتثبيت قواعد الصّلح و السلام بين الأديان.

ص: 357


1- محمد بن سعد، الطبقات الکبری، ج 1، ص 276

3- تجنّب التمييز العنصريّ و اعتماد النقاط المشتركة بين أفراد البشر

يصرّح القرآن الكريم أنّ أفراد البشر كلّهم متساوون أمام الله و ليس لأحد منهم فضلاً

على الآخر أو ميزة عليه و يذكّرهم بأنّهم جميعاً من أب واحد و أمّ واحدة و أنّ العامل الوحيد الذي يميّز بعضهم عن بعض هو (التقوی)، وفي ذلك يقول عزوجل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(1).

وتبيّن الآية الشريفة أعلاه أنّ الهدف من اختلاف الناس في العنصر و اللغة و القومية و العرق هو التعرّف على بعضهم البعض و أنّ كلّ تلك الاختلافات بالمناسبة تشير إلى آيات الله سبحانه و قدرته و لا تُحسَب أفضلية أو أرجحية لقوم على قوم آخرين. لكن، و للأسف الشديد، فقد اعتبر بعض الأشخاص من ضعاف النفوس و منذ قديم الزمان، اعتبروا هذه الاختلافات و الفروق دليلاً على أفضلية بعضهم و لهذا لم تَخل صفحات التاريخ من تسجيل الحروب الدموية و الاقتتال المدمّر بين أفراد البشر منذ أن وجدوا على ظهر البسيطة.

وفي آية شريفة أخرى يعتبر القرآن الكريم أنّ الناس جميعاً كانوا أمّة واحدة: «كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ...»(2).

ومن الواضح أنّ استخدام كلمة (النّاس) في القرآن الكريم أو عبارات مثل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» أو «يَا بَنِي آدَمَ» أو «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ» يُمثّل خطاباً لجميع أفراد البشر دون استثناء و هذا دليل آخر على أنّه لا أهمية للعنصر أو القومية و ما شابههما.

وعليه، ينبغي لنا التأكيد على النقاط المشتركة التي تجمع الناس معاً و منها مساواتهم في الإنسانية من أجل إقرار الصّلح و السلام العالميّين و تكافئهم في الحقوق و الواجبات.

ص: 358


1- سورة الحجرات: الآية 13
2- سورة البقرة: الآية 213

4- الحوار السّلمي بين الأديان

أشرنا قبل هذا إلى أنّ الاختلاف بين المذاهب في الدين الواحد هو أمر لا يمكن اجتنابه، و هكذا فإنّ الاختلاف بين الأديان بعضها مع بعض يُعدّ أمراً أصعب من الأوّل، لكن حتى في هذه الحالة فإنّ القرآن الكريم يُبيّن لنا السبيل الأمثل لحلّ هذه المعضلة أيضاً و هو الحوار مع أتباع الديانات الأخرى بطريقة سلمية و مجادلتهم بالتي هي أحسن مع التأكيد بالطّبع على المبدأ المشترك و هو (التوحيد) فقال تعالى: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»(1).

و من أبرز مصاديق (المجادلة بالتي هي أحسن) تجنّب إهانة مقدّسات أيّ طرف من الأطراف و في غير هذه الحالة فإنّه من الصعب الوصول إلى السلام والصّلح المنشودين، و قد أمر الله سبحانه و تعالى قائلاً: «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(2).

و هكذا نرى أنّه بالإمكان إزالة أيّ خلاف حتى بين الأديان المختلفة و ذلك من

خلال التأكيد على النقاط المشتركة و الحوار السلميّ البنّاء.

5- الترحيب بالسّلام المشرّف (السّلام الدّولي)

لقد وضع الدين الإسلامي الحنيف و منذ ظهوره الاُسس الخاصّة بالصّلح و السلام و بذلك فتح الطريق أمام إيجاد السّلام الدوليّ و التعايش السّلمي للجميع. و قد أمر القرآن الكريم المسلمين بالترحيب بالسلام أو المصالحة التي يقترحها عدوّهم و عدم رفض الحلول السّلمية، قائلا: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(3).

و جَنَحَ: جَنَحَ إلیه یَجْنَحُ ویجْنُحُ جُنوحاً، واجتَنَح: مالَ(4)، و (السِّلْمُ) بِکَسْرِ السِّینِ و فَتْحِهَا، هو الصُّلْح(5).

ص: 359


1- سورة العنكبوت: الآية 46
2- سورة الأنعام: الآية 108
3- سورة الأنفال الآية 61
4- ابن منظور، لسان العرب، ج 2، ص 428
5- الفيومي، أحمد بن محمد، مصباح المنير، ص 287

و هكذا يكون معنى الآية الشريفة ما يلي: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ أي: مالوا إلى الصُّلح و ترك الحرب «فَاجْنَحْ لَهَا» أي: مِل إليها و اقبلها منهم، و إنما اُنِّثَ لأنّ السِّلم بمعنی (المسالمة)»(1).

وورد في آية شريفة أخرى أنّ العدوّ إذا اقترح على المسلمين إقامة الصّلح و التسوية فإنّه لا يحقّ لهم بعد ذلك التعرّض له و لا الاعتداء، في قوله تعالى: «فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا»(2).

و تناولت آية أخرى موضوع الصّلح و التصالح و المسالَمة حيث يُستفاد منها وجوب الإذعان لقرارات أو مُعاهدات الصّلح و عدم نقضها: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»(3).

وثمة نقطتان يمكن الإشارة إليهما في الآية الشريفة الأخيرة، و هما:

النقطة الأولى: أنّ الصّلح و الوئام و الاستقرار لا يكون إلّا في ظلّ الإيمان و ليس بالاعتماد على المسائل المادية و الوسائل الحربية لأنّ عالَم المادة و التعلّق المطلق به کان و سيظلّ السبب الرئيسيّ لجميع النزاعات و الحروب، فإذا لم تستطع القوى المعنوية للإيمان السيطرة على ذلك العالم تعذّر معه إقامة الصّلح و إقرار السلام.

النقطة الثانية: لا يكون الصّلح معقولاً إلّا إذا كانت نوايا طرفي النزاع حسنة وصادقة و لا يضمر أيّ منهما الشرّ لصاحبه فالكثير ممّن يتّبعون خطوات الشيطان يتّخذون من الصّلح و المصالحة فرصة لا لأجل الصلح و إنّما ليجمعوا فيها شتاتهم و يوضّبوا شملهم و شؤونهم لتنفيذ مخططاتهم التالية. و هذه حقيقة من الحقائق التي ذكرها مولانا أمير المؤمنين علي علیه السلام في كتاب (نهج البلاغة) بقوله:

«وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّ كَ لله فِيهِ رِضاً فإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وأَمْناً لِبِلاَدِكَ وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكِ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَاتَّهِمْ فِي

ص: 360


1- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البیان، ج 4، ص 488
2- سورة النساء: الآية 90
3- سورة البقرة: الآية 208

ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوٍّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْاَمَانَةِ»(1).

إنّ الحلول و السُّبُل التي أشرنا إليها آنفاً فيما يتعلّق بإقرار الصّلح و السّلام بين الأديان

أو بين الدول في العالم لا يمكنها أن تكون فاعلة و ناجعة إلّا في حال رغبت كلّ الأطراف المعنية في إقرار الصّلح و إقامة السّلام و انتوت الالتزام بتعهّداتها و بالمبادئ الخاصة بعقائدها و معاهدات الصّلح، و الاتّكاء على الإيمان يمكّنها من الالتزام بعهدها في الوفاء بشروط الصّلح، و لكن، إذا كان الطرف المقابل هو الشيطان نفسه حيث لا إيمان له ولا عهد يؤمن به، ففي هذه الحالة يستحيل الحديث عن أيّ صلح أو تسوية لأنّ هذا الطرف و ببساطة لا يرغب لا في الصّلح ولا في السّلام، و حتى إذا رغب في ذلك فلن يتخلّى بسهولة عن تنفيذ خططه التآمرية و مآربه الشيطانية لأنّه لا إيمان له.

استنتاح:

إنّ جعبة القرآن الكريم - آخر الكتب السماويّة المنزلة لهداية جميع أفراد البشر و إنقاذهم من حبائل الشيطان - لا تخلو من الحلول الأساسية الناجعة و المعقولة و العادلة لإقامة الصّلح و الوئام والاستقرار على مختلف المستويات، الأسرية و الاجتماعية و العالمية و حتى على مستوى المذاهب و القوميّات و العالم ككلّ، فإذا التزم أفراد البشر بمواعظه و اقتدوا بتعاليمه و وضعوها نصب أعينهم و طبّقوها بكلّ إخلاص و أمانة، فإنّهم سيحقّقون السعادة التي ينشدها كلّ واحد منهم.

سؤال و جواب:

قد يتساءل البعض قائلاً: إنّنا نجد آيات أخرى في مقابل الآيات القرآنية التي تدعو إلى إقرار الصّلح و التسوية بين أتباع الأديان على اختلافهم، تدعونا إلى محاربة الكافرين و تؤكّد على مقاتلتهم، منها قوله تعالى: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا

ص: 361


1- السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، ج 3، ص 106

حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»(1)، و «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ»(2)، و «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(3)، «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(4) و آيات كثيرة أخرى؛ و من الناحية الأخرى يعتبر الإسلام أتباع الديانات الأخرى كُفّاراً و مشرکین لأنّهم لا يؤمنون برسالات الأنبياء جميعاً وفي الوقت نفسه تجيز الآيات المذكورة لنا إعلان الحرب ضدّ الكافرين بل و تعتبره واجباً علينا في بعض الأحيان. و سؤالنا هو: كيف نُبرّر إقامة الصّلح و السلام مع هؤلاء و الحال هذه؟

يمكننا الإجابة عن السؤال المذكور من الآيات نفسها:

الجواب الأوّل: إنّ الآيات الشريفة المذكورة تجيز لنا مقاتلة الكُفّار الحربيّين(5) ولا تحمل هذه الآيات أيّ أدّلة تفرض علينا الالتزام بمحاربة الكفّار لمجرّد أنّهم لم يعتنقوا الإسلام قبل إثبات اعتدائهم و عداوتهم ضدّ المسلمين ولا توجِب علينا مقاتلتهم لعدم إسلامهم(6)؛ و بناءً على ذلك فإنّ مجرّد عدم اعتناق الكُفّار للدين الإسلامي ليس دليلاً على

جواز محاربتهم.

الجواب الثاني: إذا أمعنّا النّظر في هذه الآيات فلن تجد فيها ما يتنافى و الآيات التي تأمرنا بالصّلح و التسوية، فإنّ هذه الآيات تشير إلى أنّ الحرب هو مقدّمة للصّلح، أي أنّه لا بدّ أوّلاً من القضاء على الأفراد الذين يسعون إلى إشعال نار الفتنة و زرع بذور النّفاق

ص: 362


1- سورة التوبة: الآية 29
2- سورة البقرة: الآية 193
3- سورة التوبة: الآية 73
4- سورة البقرة: الآية 190
5- المقصود بالكافر الحربيّ هو غير المسلم الذي يقرّر محاربة المسلمين أو يتحالف مع أعداء المسلمين الذين يحاربونهم و يساندهم ضدّ المسلمين
6- علّق جواد کاظمي في ذيل هذه الآية قائلاً: «الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ» أي الكفّار مطلقاً فإنّهم بصدد قتال المسلمين، و على قصده، لاستحلالهم المقاتلة لهم فهم في حكم المقاتلين، قاتلوا أو لم يقاتلوا. (جواد بن سعید کاظمي، مسالك الافهام إلى آیات الاحکام، ج 2، ص 309)

بين المسلمين، و هذا معنى قوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ» فمع إخماد نار الفِتَن و قمع أبواق الفساد سيجد الصّلح و السلام العالميّين طريقهما إلى أرض الواقع و العمل، لأنّ وجود أولئك يُعتبر بمثابة سدّ أمام إقرار الصّلح و التآخي.

وسنكتفي بهذا القدر من التوضيح حول الآيات المذكورة لضيق المجال هنا لنُتيح

الفرصة لظهور بحوث جديدة تتناول هذا الموضوع بتفصيل أكبر.

خلاصة البحث:

يحتلّ الصّلح و الإصلاح مكانة مهمة جداً في القرآن الكريم و الروايات و النصوص الدينية و لطالما أكدّ كلّ أولئك على هذه المسألة لأنّ القرآن الكريم و الروايات تعتبر أفراد الأمّة الإسلامية إخوة في الدين و لذلك لا يجوز أن تحدث الخلافات و النزاعات بين الإخوة، وقد أشارت الآيات الكريمة التي أوردناها في القسم الثاني بجلاء إلى أهمية الإصلاح وضرورته.

لكن إذا وقع المجتمع الإسلامي في مصائد الخلافات و أصبح ضحية النفاق و النزاعات فإنّ القرآن الكريم قد بيّن أساليب ناجعة و طُرُقاً تكفل حلّ مثل تلك النزاعات في أيّ موضوع و مهما كان مستوى الخلاف أو النزاع إذا ما قام أفراد المجتمع الإسلامي باتّباع أوامر الله عزوجل و طبّقوا تعاليم القرآن الكريم.

وعلى الرّغم من وصايا القرآن الكريم و تأكيدات الروايات على أهمية إقرار الصّلح و ضرورة استتباب الأمن و الاستقرار بين أفراد المجتمع الإسلامي، إلّا أنّنا ما زلنا نشهد قيام بعض المحسوبين على الإسلام بتكفير إخوانهم في الدين و اتّهامهم بالارتداد.

وبدأت تيارات التكفير تبرز في وقتنا الحاضر أكثر من أيّ وقت مضى بشكل مجموعات صغيرة و مسمّيات عديدة كالوهابية و (داعش) و تنظیم (القاعدة) و غيرها، و راحت تكفّر المسلمين دون تمييز بين شيعيّ و سنّي و تعتبر نفسها الممثّل الشرعي للإسلام و الخليفة على المسلمين، مخالفة بذلك تعاليم القرآن الكريم و الروايات التي أجمع عليها الفريقين. و ما من شكّ في أنّ جذور هذه التيارات تمتدّ - دون فخر - إلى آراء ابن تيمية و تخرّصات محمّد بن عبد الوهاب، و بدأ المُفتون الوهابيون باستغلال هذه

ص: 363

الظروف الحسّاسة لإطلاق البيانات و إصدار الفتاوی جزافاً و التي تحرّض جميعها على قَتل الشيعة و ذبح أتباع بقية المذاهب الإسلامية، فراحت دماء الآلاف من الناس الأبرياء و المسلمين العُزّل تُسفك في كلّ لحظة و في كلّ يوم، في العراق و سورية ولبنان و أفغانستان و الباكستان و غيرها من المناطق الإسلامية، لا لذنب سوى اتّباعهم أحكام القرآن الكريم و تطبيقهم لأوامر آل بیت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

وهنا تقع على عاتق جميع العلماء المسلمين مسؤولية خطيرة تكمن في التحذير من خطر هذه التيارات التكفيرية و اتّخاذ موقف موحّد و حاسم لمواجهة البرابرة الجُدد و إنقاذ أرواح مَن بقي من المسلمين و تخليصهم من شرور هؤلاء و وحشيّتهم.

ص: 364

المصادر:

1. القرآن الكريم

2. نهج البلاغة، خطب الإمام علي علیه السلام، السيد الشريف الرّضي، تحقيق و شرح: الشيخ محمد عبده، مكان النشر: قم، الناشر: دار الذخائر، مطبعة (النهضة)، الطبعة الأولى، (1412 ه - 1991 م).

3. الأصول من الكافي، الكليني الرازي، محمد بن يعقوب (المتوفى سنة 328 ه)،

مكان النشر: طهران، الناشر: (اسلامیه)، الطبعة الثانية، 1983 م).

4. الأمالي، الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان (المتوفى سنة 413 ه)، تحقيق: الحسين أستاد ولي - علي أكبر الغفاري، محل النشر: بيروت، الناشر: دار المفيد للطباعة و النشر و التوزيع، الطبعة الثانية، 1414 ه. - 1993 م.

5. الأمالي، الصدوق، محمد بن علي بن الحسين (المتوفی 381 ه)، تحقيق و نشر:

قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، الطبعة الأولی، 1417 ه

6. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، المجلسي، محمد باقر (المتوفى سنة 1111 ه)، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، محل النشر: بيروت - لبنان، الناشر: مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة، (1403 ه. - 1983 م).

7. البلاغ في تفسير القرآن بالقرآن، صادقي طهرانی محمد، مکان الطبع: قم، سنة

الطبع: (1419 ه).

8. تاج العروس من جواهر القاموس، الحسيني الزبيدي الحنفي، محمد مرتضی

(المتوفى سنة 1205 ه)، تحقيق: مجموعة من المحققين، الناشر: دار الهداية.

9. تاريخ مدينة دمشق و ذكر فضلها و تسمية من حلها من الأماثل، ابن عساکر الدمشقي الشافعي، علي بن الحسن، (المتوفى سنة 571 ه)، تحقيق: محبّ الدين أبي سعید عمر بن غرامة العمري، محل النشر: بيروت، الناشر: دار الفكر، (1995 م).

ص: 365

10. التبيان في تفسير القرآن، شیخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن (المتوفى سنة 460 ه)، تحقيق و تصحیح: أحمد حبيب قصير العاملي، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، (1409 ه).

11. تذكرة الفقهاء، الحلي، الحسن بن يوسف (المتوفى سنة 726 ه) تحقیق:

مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، محل النشر: قم، الناشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، سنة الطبع: (محرم 1414 ه).

12. الترغیب و الترهيب من الحديث الشريف، المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي (المتوفى سنة 656 ه)، تحقيق: إبراهيم شمس الدین، محل النشر : بيروت، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، (1417 ه).

13. تفسير البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف (المتوفى سنة 745 ه)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ علي محمد معوض، شارك في التحقيق: 1) الدكتور زكريا عبد المجيد النوقي، 2) الدكتور أحمد النجولي الجمل، الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت، الطبعة الأولى، (1422 ه - 2001 م).

14. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير الدمشقي، إسماعيل بن عمر القرشي (المتوفى

سنة 774 ه)، محل النشر: بیروت، الناشر: دار الفكر، (1401 ه).

15. تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، النيسابوري، الحسن بن محمد بن حسین المعروف بالنظام الأعرج (المتوفى سنة 728 ه)، تحقيق: الشيخ زكريا عميران، محل النشر : بيروت / لبنان، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، (1416 ه - 1996 م).

16. تفسير مجمع البيان، الطبرسي، الفضل بن الحسن (المتوفى سنة 548 ه)، تحقيق: لجنة من العلماء و المحققين الأخصائيين، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، (1415 ه - 1995 م).

17. تيسير الكريم الرحمن، آل سعدي عبد الرحمن بن ناصر، الناشر: مكتبة النهضة

العربية، مكان الطبع: بیروت، سنة الطبع: (1408 ه).

ص: 366

18. الجامع لأحكام القرآن، الأنصاري القرطبي، محمد بن أحمد (المتوفى سنة

671 ه)، محل النشر: القاهرة، الناشر: دار الشعب، بدون تاریخ.

19. الخصال، الصدوق، محمد بن علي بن الحسين (المتوفى سنة 381 ه)، تحقيق و تصحیح و تعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: منشورات رابطة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، سنة الطبع: (1403 ه - 1983 م).

20. دلائل النبوة، البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي (المتوفى سنة 458 ه)، و فقاً

لبرنامج (الجامع الكبير).

21. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، العاملي الشهيد الأول، محمد بن جمال الدين مكي، (المتوفى سنة 786 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام، محل النشر: قم، الناشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، سنة الطبع: (محرم 1419 ه).

22. شرح أصول الكافي، المازندراني، مولي محمد صالح (المتوفى سنة 1081 ه)، تحقیق و تعليق: الميرزا أبو الحسن الشعراني / ضبط و تصحیح: السيد علي عاشور، محل النشر: بیروت، لبنان، الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة و النشر و التوزيع، الطبعة الأولى، (1421 ه - 2000 م).

23. شرح فتح القدير، السياسي، محمد بن عبد الواحد (المتوفى سنة 681 ه)،

محل النشر: بیروت، دار النشر: دار الفكر، الطبعة الثانية، بدون تاریخ.

24. صحيح البخاري، البخاري الجعفي، محمد بن إسماعيل (المتوفى سنة 256 ه)، تحقيق: الدكتور مصطفى ديب البغا، محل النشر : بيروت، الناشر: دار ابن کثیر، اليمامة، الطبعة الثالثة، (1407 ه - 1987 م).

25. الطبقات الكبرى، الزهري، محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله البصري

(المتوفى سنة 230 ه)، محل النشر : بيروت، الناشر: دار صادر، بدون تاریخ.

26. عمدة القاري شرح صحيح البخاري، العيني الغيتابي الحنفي، محمود بن أحمد (المتوفى سنة 855 ه)، محل النشر: بیروت، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بدون تاریخ.

ص: 367

27. كتاب الطهارة، الموسوي الخميني، السيد روح الله (المتوفى سنة 1410 ه)

توزيع: مطبعة (مهر)، محل النشر: قم، بدون اسم، بدون تاریخ.

28. الكتاب المصنف

في الأحاديث و الآثار، ابن أبي شيبة الكوفي، عبد الله بن محمد (المتوفى سنة 235 ه)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، محل النشر: الرياض، الناشر: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، (1409 ه).

29. الكشاف عن حقائق التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل، الزمخشري الخوارزمي، محمود بن عمرو بن أحمد جار الله (المتوفى سنة 538 ه)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، محل النشر: بیروت، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بدون تاریخ.

30. كفاية الأحكام، السبزواري، محمد باقر (المتوفى سنة 1090 ه)، تحقيق: الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي، محل النشر: قم، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لرابطة المدرسين، الطبعة الأولى، سنة الطبع: 1423 ه

31. لسان العرب، الأفريقي المصري، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (المتوفى سنة 711 ه)، محل النشر: بيروت، الناشر: دار صادر، الطبعة الأولى، بدون تاریخ.

32. مجمع البحرين، الطريحي، فخر الدين (المتوفى سنة 1085 ه)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الناشر: مكتب النشر للثقافة الإسلامية، الطبعة الثانية، (1408 ه. - 1988 م).

33. مسالك الإفهام إلى آیات الاحکام، جواد بن سعيد الكاظمي، (المتوفي في

القرن الحادي عشر)، الناشر: مكتبة (مرتضوی)، مكان الطبع: طهران، سنة الطبع: 1986 م.

34. المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله (المتوفى سنة 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، محل النشر: بیروت، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، (1411 ه - 1990 م).

35. مسند أحمد بن حنبل، الشيباني، أحمد بن حنبل (المتوفى سنة 241 ه)، محل

النشر: مصر، الناشر: مؤسسة قرطبة، بدون تاریخ.

36. مصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، الفيومي، أحمد بن محمد

(المتوفى سنة 770 ه)، محل النشر: بیروت، دار النشر: المكتبة العلمية، بدون تاریخ.

ص: 368

37. المعجم الأوسط، الطبراني، سليمان بن أحمد (المتوفى سنة 360 ه)، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد و عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، محل النشر: القاهرة، الناشر: دار الحرمین، (1415 ه).

38. المعجم الكبير، الطبراني، سليمان بن أحمد (المتوفى سنة 360 ه)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، محل النشر: الموصل، الناشر: مكتبة الزهراء، الطبعة الثانية، (1404 ه. 1983 م).

39. معجم مقاییس

اللغة، أحمد بن فارس بن زکریا، (المتوفى سنة 395 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، محل النشر: بيروت. لبنان، دار النشر: دار الجيل، الطبعة الثانية، (1420 ه - 1999 م).

40. المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد (المتوفى سنة 502 ه)، تحقيق: محمد سيد كيلاني، محل النشر: لبنان، الناشر: دار المعرفة، بدون تاریخ.

41. منهاج الصالحين، الموسوي الخوئي، السيد أبو القاسم (المتوفى سنة 1413 ه)، محل النشر: قم، الناشر: مدينة العلم؛ مطبعة (مهر)، سنة الطبع: ذو الحجة (1410 ه).

ص: 369

ص: 370

الفصل الثالث: التيارات التكفيرية والسياسة

ص: 371

ص: 372

التيار التكفيري وسياسة العنف

تأليف: منصور میر أحمدي(1)

ترجمة: حسین صافي

نبذة:

إنّ ظهور التيار التكفيري على مسرح التطورات السياسية والاجتماعية الجديدة في العالم الإسلامي يسرد حكاية من نمط خاص عن السياسة نعبّر عنها في مقالنا الحالي بسياسة العنف. وأهمّ ما يميّز هذه السياسة هو تجويز اللجوء إلى العنف في مسيرة الحركة صوب الأهداف والوضع المثالي. وطبقاً لهذه الرؤية ينظر التيار التكفيري إلى جميع الحركات الراهنة في العالم على أنّها حركات غير مشروعة، ومن هذا المنطلق يجيز العنف على مختلف الصُعُد للتصدّي لها تحقيقاً للأهداف التي ينشدها، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ نظرته إلى القواعد والإلزامات التي تحكم السياسة تتّسم بخصوصية متطرّفة. ومعلوم أنّ نتائج مثل هذه النظرة هي ظهور دورة عقيمة من العنف الأعمى في العلاقات السياسية والاجتماعية تكمّل تصوّرهم العام عن السياسة.

يناقش المقال الحالي الآراء السياسية والاجتماعية لأتباع التيار التكفيري، ويشرح نمطية خاصة للسياسة من وجهة نظرهم. وباعتقاد كاتب المقال أنّ هذه النمطية السياسية تنبثق عن نظام قيمي خاص سنقوم بتوضيحه ومن ثمّ نبيّن تأثيراته على آرائهم السياسية.

الكلمات المفتاحية: التيار التكفيري، سياسة العنف، النظام القيمي، التطرّف، دورة

العنف.

ص: 373


1- أستاذ قسم العلوم السياسية في جامعة الشهيد بهشتي. علي اکبر ولدبیکي ماجستير علوم سياسية

المقدمة:

في السنوات الأخيرة شهد العالم الإسلامي تبلور نمط خاص من السياسة يمكن تسميته بسياسة العنف، ويتلخص، بحسب أصحابه، في تجويز العنف كأسلوب للوصول إلى الوضع المنشود. لقد نشأت الأفكار المتطرّفة وترعرعت في ظروف موضوعية خاصة، من هنا فإنّ تسليط الضوء على هذه الظروف يكتسب أهمية كبيرة في شرح علل تبلور هذا النمط من السياسية والأفكار. وبناءً على ذلك، فإنّ المقال الراهن يشكّل محاولة لفهم سياسة العنف والتعريف بها طبقاً لآراء وأفكار التكفيريين في العالم الإسلامي. من وجهة نظر المقال الإسلام دين السلام والحياة المسالمة، ما يعني أنّ ظهور سياسة العنف ليس له أي علاقة معرفية بالدين ولا بتعاليمه، وإنّما مردّ هذا النمط من السياسات في العالم الإسلامي إلى نفوذ الأفكار السلفية في ظروف موضوعية خاصة تعمل على إنتاج العنف وتسويقه.

من جهة، ثمّة أوجه شبه كثيرة بين سياسة العنف والإرهاب، وإنّ فهم سياسة العنف رهنٌ بفهم تعاطي هذه الأفكار مع الظروف الموضوعية التي احتضنت هذه السياسة في العالم الإسلامي. تأسيساً على ذلك، لا بدّ أولاً من المقارنة بين سياسة العنف وخصوصيات الإرهاب على صعيد نقاط الشبه بينهما، ثم نشرح الظروف الفكرية والموضوعية المنتجة لهذه السياسة، لنركّز على أبعادها على الصعيدين الإقليمي والدولي، ثم نختم بتحليل حول أوجه الشبه بين سياسة العنف والإرهاب وكيف تكتسب هذه السياسة معناها من الإرهاب.

1. الإرهاب وسياسة العنف

الإرهاب «Terrorism» مشتقة من الكلمة اللاتينية «Terror» وتعني الخوف والفزع، وتطلق على سلوك الأشخاص أو المجموعات التي تستخدم أسلوب العنف والترهيب كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية. وتندرج ضمن هذا المفهوم النشاطات العنيفة والغير قانونية للحكومات لقمع المعارضين وترهيبهم، والذي يُصطلح عليه ب«الإرهاب الدولة»(1)،

ص: 374


1- حسن علي زاده، «فرهنگ خاص علوم سياسي»، طهران: روزنه 1998 م ص 274

كما يُطلق على الأعمال الإرهابية التي تهدف إلى تحقيق مقاصد سیاسية على الصعيد الدولي مصطلح «الإرهاب الدولي»(1). ولكن بسبب وفرة التعاريف المطروحة للإرهاب، والافتقاد إلى تعريف شامل و جامع يفي بالغرض، سوف نستعرض عدد من السمات المشتركة للكلمة لنستغني عن عناء البحث عن تعاریف متعدّدة.

1.1. مؤشرات الإرهاب

يطرح أليكس شميدت في كتابه الموسوم «دليل البحث في موضوع الإرهاب: المفاهيم، النظريات، المعلومات الأساسية، المؤلفات» أزيد من مائة تعريف للإرهاب. وبصورة عامة، توصّل إلى العناصر المشتركة في هذه التعاريف وهي عبارة عن: «العنف، البعد السياسي للظاهرة، الهلع والفزع»(2).

السمة الأعمّ للإرهاب هي العنف أو التهديد به(3). فكل عمل إرهابي هو ضرب من العمل العنيف أيضاً، ولكن، ليس كل عمل عنيف إرهاب. للعمل العنيف وجهان، قاتل أو مقتول ضارب أو مجروح، بينما أحد وجوه العمل الإرهابي «العنف والتهدید» ووجهه الثاني «إيصال رسالة العنف»، أمّا وجهه الثالث فهو «الشعور بالفزع الحقيقي». بحسب رأي شميدت، هنالك فرق بين هدف العنف وهدف الإرهاب وبين الضحية والغريم، فبالإمكان في جريمة القتل الإرهابية تغيير الضحية بسهولة لأنّ الهدف الغائي هو إحداث تأثير على الرأي العام(4).

السمة المهمة الأخرى للإرهاب هي البعد السياسي الذي ينطوي عليه، فإنتاجه يأتي في إطار التأثير على النظام السياسي أو النظام العالمي وغير ذلک. والسمة الأخيرة المهمة للإرهاب المطروحة في تعريف شميدت هي الفزع والهلع. في توضحينا لمفهوم الإرهاب

ص: 375


1- محمود طلوعي، «فرهنگ جامع سیاسي»، ط. 2، طهران: علمي 1998 م ص 356
2- محمد علي اردبيلي، «مفهوم تروریسم»، في «تروریسم و دفاع مشروع از منظر اسلام و حقوق بین الملل (مجموعة مقالات وكلمات المؤتمرين الخامس والسادس كانون الثاني / يناير 2001 م) طهران: الصحيفة الرسمية لكلية العلوم القضائية، 2002 م ص 119
3- سیامک ره پیک، «تحلیل تروریسم در نسبيت مفهومي امنیت و منافع ملي»، في «تروریسم و دفاع مشروع از نظر اسلام و حقوق بین الملل» (مجموعة مقالات) ص 221
4- علي عبدالله خاني، «تروریسم شناسي»، طهران: ابرار معاصر، 2007 م صص 39 - 40

أشرنا إلى أنّه يعني الفزع والهلع وهو غاية ما يصبو إليه، ذلك أنّ المعيار، في الغالب، ليس قتل الضحايا فقد يحدث هذا الأمر بالصدفة.

ربّما يكون الدافع وراء الأعمال الإرهابية هو تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو ربّما جني مكاسب شخصية. على سبيل المثال، لا نطلق كلمة الإرهابي على السارق الذي يسطو على المصرف فيقتل رئيسه ثم يفرّ بمبلغٍ من المال، ولكن إذا كان هدف هذا السارق من سرقة المصرف بثّ الفزع والهلع في نفوس الناس، أو كان يروم تحقیق مقاصد أخرى مثل سلب ثقة الناس بالمصارف وزعزعة الاقتصاد، ففي هذه الحالة يكون عمله هذا مصداقاً للإرهاب(1).

1.2. سياسة العنف

يطلق مصطلح "سياسة العنف" على الأعمال غير الاعتيادية التي تنطوي على نوع من الانحراف عن السلوك المشهور للمسلمين، وهو ما يقوم به التيار التكفيري لتحقيق أهداف سياسية أو غير سياسية بطرق غير قانونية عبر زرع الرعب والهلع على صعيد دول الإقليم أو الدول الإسلامية أو على صعيد العالم.

1.3. مؤشرات سياسة العنف

إحدى مؤشرات سياسة العنف احتجاز الدبلوماسيين كرهائن والهجوم على السفارات

بوصفها أعمالاً غير قانونية مخالفة للقوانين الدولية والحصانة الدبلوماسية. مثال على ذلك قيام طالبان في 11 آب / أغسطس عام 1998 م بالهجوم على القنصلية الإيرانية في مدينة مزار شريف في أفغانستان وقتل ثمانية دبلوماسيين وصحفي إيراني، وتفجير السفارتين الأمريكيتين في كل من تنزانيا وكينيا في عام 1998 م ما أدّى إلى قتل 224 شخصاً، ولم يكن من بين القتلى سوي 12 من الولايات المتحدة. الانفجار الذي وقع في موقع أثري في تونس في عام 2002 م وأودى بحياة 17 شخصاً منهم 11 شخصاً من السيّاح الألمان. وفي نفس هذه السنة وقع انفجار خارج باحة السفارة الأمريكية في مدينة كراتشي في الباكستان وقُتل فيه 12 شخصاً، وفي مدينة بالي بأندونيسيا وقع انفجار في ملهى ليلي راح

ص: 376


1- المصدر نفسه

ضحيّته 202 شخصاً معظمهم من المواطنين الأستراليين. ومن الحوادث الإرهابية أيضاً حادثة الحادي عشر من سبتمبر / أيلول في الولايات المتحدة وحوادث أخرى مشابهة.

وسيأتي الحديث عن أبي مصعب الزرقاوي وكيف أنّه بإعلانه الجهاد ضد الشيعة كان يعتقد أنّ هؤلاء هم مفتاح نجاح التيار التكفيري في العالم، لأنّه في حال إثارتهم ستقع لا محالة حرب طائفية يمكن أن توقظ أهل السنّة الغافلين وتجرّهم إلى حلبة الصراع، بمعنی، توظيف العنف للتأثير على الرأي العام السلفي من خلال القيام بالعديد من العمليات الانتحارية في أوساط الشيعة وقتل الأبرياء للتأثير على أهل السنّة واستقطابهم. يحاول هذا التيار عبر قتل الأبرياء وزرع الرعب في النفوس إيصال رسائل إلى الولايات المتحدة أو إلى الرأي العام السلفي وسائر المسلمين. كما أراد هذا التيار من خلال الهجوم على سفارات الولايات المتحدة أن يطرح نفسه كلاعب أساسي أمام هذه الدولة العظمی ويعرّي الحكّام العرب والمسلمين أمام شعوب البلدان الإسلامية فيكتسب دعمها ومساندتها.

2. الظروف الفكرية لسياسة العنف

يطلق مصطلح التيار السلفي الحديث في التاريخ الإسلامي على جماعة من المسلمين تتبنّى فلسفة متمايزة عن سائر المذاهب الإسلامية. يعتقد بعض علماء أهل السنّة أنّ استحداث مصطلح «السلفية» بمثابة بدعة جديدة في الإسلام، لم يعرفها السلف الصالح من قبل، ذلك أنّ أئمة السلف أساساً لم يطلقوا هذا المصطلح على أيّ شخصية متمايزة عن البقية أو على أي کیان فكري أو عقدي خاص ليميّزوه عن سائر المسلمين. بيد أنّ هذه الجماعة ارتأت أن تجعل من مجموعة الآراء والأفكار الاجتهادية التي تؤمن بها عنواناً منفصلاً لشخصيتها الإسلامية، فعزلت نفسها عن بقية المسلمين، وشادت من أفكارها حصناً منيعاً يمكّنها من الردّ بعنف على كل من يخالف آراءها انطلاقاً من هذا الحصن(1).

ص: 377


1- محمد سعيد رمضان البوطي، «سلفيه بدعت یا مذهب»، ترجمة: حسين صابري، مشهد: العتبة الرضوية المقدسة 1996 م صص 24 - 30

لقد استغلّ السلفيون التكفيريون الوقائع الموجودة على الأرض مثل حركات الإصلاح

الديني من أجل استقطاب الأشخاص وجذبهم، فعملوا بالتدريج على تهيئة الظروف لتوظيف سياسة العنف بحجّة الولاء للسلف الصالح.

ظهرت حركة الإصلاح الديني على يد مصلحين من قبيل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وذلك في خضم تدهور الأوضاع في مصر أوائل القرن الماضي، حينما كان هذا البلد يرزح تحت نير الاحتلال البريطاني، وقد ترکت هذه الحركة تأثيراً كبيراً على انتشار مصطلح السلفية في المحافل العامة، إذ كان انتشاره يقتصر على المحافل العلمية فحسب، لكنّه سرعان ما تجاوز حدوده العلمية فأصبح عنواناً اتّخذته بعض المجلات والمطابع في مصر. من جهة، كان يجمع المذهب الوهابي ودعوة الإصلاح الديني عنصر مشترک هو محاربة البدع والخرافات لا سيّما بدع الصوفية، ما أدّى بهذا المصطلح لأن ينتشر انتشاراً واسعاً في أوساط الوهابية. وقبل هذا التاريخ كان محمد بن عبد الوهاب المصدر الوحيد للوهابية، وأراد هذا المذهب من خلال الاستعانة بمصطلح السلفية أن يبيّن للناس أن أفكار الوهابية لا تنحصر في عبد الوهاب فقط(1).

من سمات التكفيريين اعتقادهم بأنّ كل ما يؤمنون به إنّما هو جزء لا يتجزأ من أصول العقائد الإسلامية، ويحاول هؤلاء تحقيق أهدافهم من خلال فكرة التكفير بدلاً من منهج الاستدلال، واضعين آراءهم میزاناً للحكم على كفر الآخرين وإسلامهم.

بصورة رمزية توصم التيارات السلفية بالتكفير وسياسة العنف، غير أنّ خطر استخدام هذا الأسلوب عام يهدّد جميع المجتمعات الإسلامية. ففي بعض الحالات بلغ التصدّي للآراء المعارضة الخارجة عن إطار الآراء السائدة وعدم تحمّلها مديات كبيرة بحيث أنّ بعض أصحاب الفكر أصبحوا يضيقون ذرعاً بأيّ آراء مخالفة لأفكارهم ويعترضون عليها بشدّة، وليس لديهم أدنى استعداد للقبول بها، ويعتبرون قراءتهم للدين وكأنّها عين

الدین(2).

ص: 378


1- المصدر نفسه صص 259 - 260
2- مجید صفا تاج، «تکفیر»، طهران: نشر اسلامي 2001 م صص 13 - 12

يعتقد البعض أنّه يجوز الدفاع عن الحق بأيّ وسيلة كانت وإن غير مشروعة، ویری أنّه ما دامت هناك طرق ممهّدة وسهلة فما الداعي لاختيار طريق شاق ووعر للوصول إلى الأهداف. بعبارة أوضح، إذا كان سلاح التكفير أسهل وسيلة لإقصاء الفكر المنحرف من الساحة، فلا ينبغي أن نهدر وقتنا بالحجاج والاستدلال فإذا كان الهدف المقدس هو محاربة البدع، فبالإمكان اللجوء إلى الكذب والافتراء [على الآخر] والاستعانة بأيّ وسيلة لتحقيق هذا الهدف. فالتكفيريون وفي إطار "سياسة العنف" يتّخذون من آيات الجهاد ضدّ الكفار مبرّراً لاستخدام القوة والتي هي أبعد بكثير من التكفير(1).

والحقيقة إنّ التيارات التكفيرية لا تستخدم سلاح التكفير ضدّ المذاهب الإسلامية غير السلفية فقط، بل ومع المحسوبين على السلفية أيضاً، لذلك سنتواصل لنرى على أيّ نحو تجذّرت ظروف سياسة العنف في تينك النظرتین العقديتين عند السلفيين؟ إذ من جهة، يؤيّد فريق منهم الوالي أو الحاكم الإسلامي ويكفّرون تشكيل الأحزاب والخروج على السلطان، ومن جهة ثانية يحاول فريق آخر التمهيد لذلك من خلال زرع بذور الشک والترديد حول مبدأ التقليد لزعزعة مكانة المفتين وسلطة الحكام.

لقد سعت التيارات السلفية من خلال تدوين المناهج إلى شرح معتقداتها المغايرة، وبقليل من التمعّن سوف نلحظ أنّ جذور سياسة العنف تكمن في طرح مناهجها العقدية إزاء نفسها من جهة، وإزاء المذاهب الإسلامية وغير الإسلامية من جهة أخرى.

المنهج في اللغة يعني الأسلوب، وباصطلاح السلفيين هو المسار الذي سلكه السلف الصالح إزاء أهل الأهواء والبدع. بمعنى أن يتكئ المسلمون على منهج السلف الصالح في التعاطي مع النصوص الشرعية لأنّها بلحاظ الفهم والعمل تحظى بموجبات الخلود وعدم تحريف الدين في عقولهم(2). وكما أشرنا قبل هذا، هناك فرقتان رئيسيتان في السلفية التكفيرية تستندان على الصعيد الفكري إلى منهج السلف الصالح هما:

ص: 379


1- المصدر نفسه ص 14
2- http://manhaaj .com

2.1. السلفيون الحكوميون

ترمي هذه الجماعة بالبدعة جميع الذين يشكّلون الأحزاب والتشكيلات، فهذا هادي المدخلي يحمل في كتابه «منهج أهل السنّة في نقد الرجال والكتب والطوائف» على الذين يسكتون عن البدعة ويغضون عنها استناداً إلى منهج السلف الصالح، حيث ينقل عن أئمة السلف أنّ من يدافع عن أهل البدع أضلّ منهم، ويشبّههم بالخوارج، ويحذّر الذين يمدّون يد العون للناشطين في ميدان الأحزاب والسياسة(1).

وإذا ما تأمّلنا أقوال بعض العلماء السلفيين وهم في غالبيتهم حكوميين، سوف نتبين معارضتهم لبعض الأحزاب الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وحزب التحریر وغيرها، واتهامها بالكفر. وفي هذا السياق نُشرت رسالة موجزة تحت عنوان «أقوال علماء السنّة في جماعة الإخوان المسلمين» تضمّ فتاوی عديدة لعلماء سلفيين منهم ابن باز والألباني وابن عثيمين وغيرهم، معادية للأحزاب غير الحكومية. واعتبر هؤلاء بالاستناد إلى فتاوی ابن باز جماعة التبليغ والإخوان المسلمين من فرق جهنّم بسبب البدع التي أظهرتها وشقّها صفّ أهل السنّة والجماعة. وبحسب فتوى محمد بن صالح العثيمين لا يوجد سبب يدعو لتجويز الأحزاب والجماعات، بل على العكس، لقد ذمّ الكتاب والسنّة تشكيل الأحزاب. وعليه، فإنّ تعدّد الأحزاب والجماعات أمر مذموم. ويعتبر صالح اللحيدان أنّ حركة الإخوان وجماعة التبليغ غير صحيحتين، وكذلک هو منهج جميع الأحزاب، ولا تتّسم هذه التشكيلات بأصالة سلفية. ونفس الرأي يتبنّاه صالح بن فوزان الذي يرى أنّ الأحزاب أمور وافدة ومنحرفة تزرع الفُرقة(2).

2.2. السلفيون المعارضون للحكومات

يوجه السلفيون المعارضون للحكومات نقداً للفريق الأول على الصعيد النظري وذلک انطلاقاً من تصوّر جديد يستند إلى منهج السلف الصالح. يحاول أحدهم وهو "أحمد

ص: 380


1- ربيع الهادي مدخلي، «منهج اهل السنه في النقد الرجال والكتب والطوائف» http://www.rabee.net/show_des.aspx?pid=1id=15
2- أبو البراء سمير المغربي، «اقوال علماء السنه في جماعه اخوان المسلمين». http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=29824

صويان" بالاتكاء على تدوين المناهج انتقاد المفتين السلفيين الحكوميين، وتسخيف فتاواهم. للصويان کتاب تحت عنوان «منهج أهل السنّة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم» يشكّك فيه بالاستناد إلى منهج السلف الصالح تقليد رجال الدين السلفيين، ويمهّد لانتقاد الحاكم والخروج على ولاة الأمر. ويرى الصويان أنّ التقليد هو من موجبات الهلاک وله تأثير على الأفكار الإسلامية، وعاقبته إهمال النصوص الشرعية وتعطيل العقل الإنساني(1).

أمّا نتيجة ترک التقليد فهي أن يقوم كل فرد باستنباط الحكم الشرعي بصورة مستقلة، ومعلوم أنّ اتباع مثل هذا المنهج لا يعني تمهيد الطريق لإشاعة الفوضى فحسب، بل يفتح الباب على مصراعيه لظهور التطرّف وسياسة العنف.

وفي إشارة إلى الحديث الشريف الذي يقول أنّه من أجل تمييز الحق من الباطل يجب معرفة الحق لنعرف أهله وليس العكس، يصرّح أحمد الصويان أنّ كلّ ولد آدم خطّاؤون حتى الحاكم، وإن اضطرام نار العداوة والبغضاء بين الحركات الإسلامية المعاصرة مردّه إلى الجهل العلمي والعملي بالأئمة الأوائل، ولا ينبغي السكوت على أخطاء العلماء ومصنّفاتهم، لأنّ نقدها سيؤدّي إلى تقويمها وتصحيح مسار الأمة(2).

لقد فتحت آراء هذه الجماعة السلفية الباب أمام ظهور التأويلات الشخصية، ونلاحظ

كيف اندفعت السلوكيات فبلغت حدّ التطرّف وازدادت وتائر العنف. بالإضافة إلى ذلك فإنّ أزمات البلدان الإسلامية في مختلف المناطق من قبيل البلدان العربية وشمال أفريقيا وأفغانستان والعراق وسورية وغيرها وكذلك ظروف الثورة والحرب في هذه البلدان فسحت المجال لتفعّل هذه الجماعات إلى جانب الحركات المعارضة لسياسة العنف، وأن تزيح الستار بشكل أكبر عن وجهها العنيف.

ص: 381


1- احمد بن عبد الرحمن الصويان، «منهج اهل السنة و الجماعة في التقويم الرجال و مؤلفاتهم» (الرياض: شارع العليا العام) ص 18 http://books.google.com/books/about
2- المصدر نفسه صص 60 - 23

بالإضافة إلى مواقف علماء التكفير التي مرّت علينا ومعتقداتهم الدينية، فإنّه يمكن كذلك ملاحظة سلوكهم السياسي في إطار الحزب أو الجماعة، وإلى جانب التأثير الذي تتركه الظروف العقدية والفكرية لسياسة العنف، فإنّ تأثير الأفراد المتنفّذين فيما يتعلّق بالوضع السياسي في بعض البلدان الإسلامية كبير للغاية، من هنا، فإنّ المعرفة الوافية بسياسة العنف، تضطرّنا إلى الوقوف على المنطلقات الفكرية لهذه السياسة.

3. تأثير الأشخاص المتنفّذين على سياسة العنف:

لقد تركت الرؤية المتطرّفة للعلماء المسلمين ولا سيّما سيد قطب تأثيراً وافراً على القراءات المختلفة لآرائه. وقد أدّت هذه القراءات إلى انشقاقات كثيرة انعكست على الأداء الإيجابي والسلبي لها. ولأجل توضيح هذه المسألة لا بدّ أن نتحرّى عن الظروف المنتجة لسياسة العنف بوصفها قراءة سلبية لبعض الأفكار الراديكالية المتطرّفة التي أثّرت على سياسة العنف للتيارات التكفيرية. وهذه الأفكار هي التي مهّدت الأرضية المناسبة لتبلور سياسة العنف في أوساط بعض المسلمين. ويمكن إلقاء الضوء على هذا التمهيد من خلال مفهوم «التكفير» وموقعه في فكر التيار التكفيري.

لقد قام التيار التكفيري على هيكل مشروعية فكرة التكفير، وهذا التيار الذي يعبّر عنه بتيار السلفية المحدثة ويؤمن بعقيدة متمايزة تماماً عن سائر المذاهب الإسلامية، لذا، سنوضّح هنا أفكار سيد قطب في هذا المجال، ثم نشرح بإيجاز نشاطات بعض الشخصيات المؤثّرة في هذا التيار مثل عبد الله عزّام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري في إطار سياسة العنف.

3 - 1. سید قطب

لقد ورّث سيد قطب أعمالاً تركت أثراً كبيراً على الحركات الإسلامية في محاربتها الاستعمار ونضالها ضدّ الحكومات الإسلامية الفاسدة. وقد حظي بتقدير واحترام الكتّاب والعلماء لأسباب عدّة منها كثرة أعماله وتفسيره السياسي والعرفاني للقرآن الكريم وكذلك حادثة إعدامه في السجن. وسنأتي على شرح كيف قام بعض التكفيريين

ص: 382

بتوظيف أفكار سيد قطب باتجاه سلبي في إطار سياسة العنف، وبعملهم هذا أخرجوا أنفسهم من الدائرة المشهورة للمسلمين.

في عام 1945 م أعلن سيد قطب عن سخطه على الأحزاب المصرية ما دعاه إلى تركها، وقد أرعبت نشاطاته في الحوادث السياسية والاجتماعية في ذلك الزمان الملک فاروق. في عام 1948 م ابتُعث إلى الولايات المتحدة ليقيم هناك لفترة غير محدودة أملاً في أن يعود بعد ذلك إلى مصر بأسلوب فكري جديد متأثّر بالحياة الأمريكية ولكن هذا لم يحدث بل على العكس لقد قرّبته هذه التجربة من الإسلام أكثر من ذي قبل. في 26 تشرين الأول / أكتوبر عام 1954 م تعرّض

جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال فاشلة في مدينة الإسكندرية على يد أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين اسمه «محمود عبد اللطيف»، فأصبحت هذه الحادثة ذريعة بيد عبد الناصر للقضاء على الإخوان قضاءً مبرماً واعتقل سيد قطب وحُكم عليه بالسجن لمدة 25 سنة. بعد سنوات من ذلك أطلق سراحه من السجن فتجمّعت حوله فلول الإخوان المسلمين من جديد. في 30 آب / أغسطس 1965 م أعلن عبد الناصر عن اكتشاف مؤامرة جديدة للإخوان المسلمين بزعامة سید قطب، فاعتُقل مرة أخرى ثمّ أعدم شنقاً في آب / أغسطس 1966 م(1).

بعد موته فُسّرت آراءه في مختلف الاتجاهات فأدّى ذلك إلى حدوث بعض الانشقاقات في الجماعات السلفية والإخوان المسلمين، من جملتها: جماعة المسلمين بزعامة شكري أحمد التي أطلق عليها التكفير والهجرة، ومنظمة التحرير الإسلامي بزعامة صالح سرية والجهاد بزعامة الشيخ عمر عبد الرحمن ومحمد عبد السلام فرج، بالإضافة إلى جماعات أخرى. وجماعة الجهاد هي نفسها التي ستقدم على اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات. وفي هذا السياق، اتّبع تنظيم القاعدة وحركة طالبان أيضاً سياسة العنف، وعلى هذا النحو، ما تزال التأثيرات السلبية لأفكار سيد قطب مستمرة على التيارات التكفيرية(2).

ص: 383


1- جیل کوپل، «پیامبر و فرعون»، ترجمة: حمید رسائي، طهران: کیهان 1987 م ص 41 إلى 38
2- ابراهیم برزگر، «استعاره صراط در اندیشه سیاسي سيد قطب»، طهران: جامعة الإمام الصادق (ع) 2011 م صص 16 - 17

كان سيد قطب يحمل هاجس أوضاع عصره وبالأخص وضع الإنسان الذي يتعرّض للتهديد، وكان يرى أنّ الإسلام هو السبيل الوحيد لنجاة البشرية. وقد حمل بشدّة على الحضارة الغربية قائلاً:

«كلما تعرّضت الحياة الإنسانية والطبيعة البشرية الخاصة للتهدید، آذن ذلك بوقوع تحوّل ما، لينقذ المجتمع البشري من موت إنسانيته. لقد راهن البعض في خلق ذلك التحوّل على فلسفة مارکس ... لكنّه رهان عبثي لأنّ الماركسية ليست سوى طفرة على هذا الطريق ولا تمثّل أبداً تحوّلاً في طبيعة هذا الطريق على صعيد الهدف والمنهج. تهدّد الحضارة الراهنة بموت الإنسانية في حياة البشر، فهذه الحضارة لا تتناغم مع طبيعة الإنسان من حيث أنّها تتجاهل خصوصياته الإنسانية، فهي تتعامل معه طبقاً للمقاييس المادية أو المقاييس الحيوانية التي يمكن فهمها في إطار عالم الحيوان. ويبقى الأمل هو الفكر الإسلامي

والنهج الإسلامي، فلا أمل سواهما»(1).

ويتابع كلامه قائلاً:

«لا شك في أنّ الحضارة الغربية لا تنكر وجود الله، ولكن في الأوضاع الراهنة لا مكان لله .. الدين الذي يسّخر اليوم عقول وقلوب أوروبا، ويتحكّم في جسمها وروحها ليس الدين المسيحي بل عبادة المادة، فالكنيسة في أمريكا أصبحت قطباً لكل شيء إلاّ العبادة. من الصعب على المرء في أمريكا أن يميّز بين الكنيسة ومدينة الألعاب (أو على

حدّ تعبيرهم Good Time fun)»(2). ويشير سيد قطب إلى أنّ الإنسان في الحضارة الغربية وفي الاشتراكية الشرقية غريب

ومستلب ويقول في هذا الصدد:

ص: 384


1- سيد قطب، «ادعانامه اي عليه تمدن غرب»، ترجمة: السيد علي الخامنئي والسيد هادي الخامنئي، مشهد: طوس 1351 صص 29 - 26
2- المصدر نفسه صص 150 - 148

«لا يقدر على تطبيق مبادئ الثورة الفرنسية وأحلام مارکس ولينين إلاّ الإنسان الجامد والتماثيل التي لا روح لها .. كان من المفروض أن يصبح الإنسان میزان كل شيء ولكن الحقيقة هي عكس ذلك، إذ يبدو أنّ الإنسان غريب ومستلب في الدنيا التي صنعها بيديه، لقد فشل في صنع الدنيا التي تليق بجوهره لأنّه عجز عملياً عن معرفة كنه طبيعته ... فعندما يتنكّر الإنسان لشرفه الطبيعي الذاتي الذي وهبه الله إيّاه، يصبح الوجود الذي جعله الله مدبّراً ومهندساً للآلة هو نفسه آلة، وبدلاً من أن

يتحكّم في الآلة والاقتصاد، يكبّل نفسه بأغلالهما»(1).

والحقيقة إنّ سيد قطب بتدوینه کتاب «معالم في الطريق» قدّم منشور التيار الإسلامي الراديكالي، ويرتكز فكره السياسي في هذا الكتاب وبقية مؤلفاته على ثلاثة مفاهيم رئيسية هي: الجاهلية والحاكمية والجماعة، وهي تدلّل بالترتيب على الأفكار العامة للصيرورات الحاكمة على العالم وجاهلیتها، وضرورة رسم ملامح المجتمع المثالي استناداً إلى مبدأ الحاكمية الإلهية، وبالرجوع إلى البنى الرئيسية للإسلام (القرآن والسنّة) ووجوب تشکیل الجماعة الطليعية في النضال والجهاد من أجل تحقيق الحاكمية الإلهية في المجتمع الجاهلي(2).

وفي شرحه لمفهوم الجاهلية يعتقد سيد قطب أنّها تقوم على مبدأ معارضة حكومة الله على الأرض. فالجاهلية تصنع من الإنسان حاكماً بدلاً من الله، ومن بعض البشر آلهة. والمجتمعات الشيوعية بإلحادها في الله وإنكار وجوده أصلاً تقيم نظام العبودية فيه للحزب. وبالدرجة الثانية، تدخل المجتمعات اليهودية والنصرانية وأخيراً يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنّها مسلمة، لأنّها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها. فهي. وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلاّ الله - تعطي أخصّ

ص: 385


1- المصدر نفسه صص 215 - 200
2- منصور میر احمدي، «مقایسه ویژگی معرفت شناختي جريان هاي فکري سياسي معاصر در جهان اسلام»، مجلة فصلية «رهیافت سیاسی و بین الملل»، العدد 8 شتاء 2006 م صص 180 - 181

خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها وكل مقوّمات حياتها تقريبا!(1).

وفي أحد فقرات كتابه «معالم في الطريق» تحت عنوان الجهاد في سبيل الله يقول

سید قطب:

«إنّ المقصود بمفهوم الجهاد هو جميع معانيه. وليس المقصود به ما أنزله المهزومون إلى حدّ الحرب الدفاعية، أو محاربة المؤمن لأهواء نفسه وإثاراتها. إنّها سذاجة أن يتصوّر الإنسان دعوة تعلن تحرير الإنسان" ... نوع الإنسان .. في "الأرض" ... كل الأرض .. ثم تقف أمام هذه العقبات تجاهدها باللسان والبيان! .. إنّها تجاهد باللسان والبيان حينما يخلّى بينها وبين الأفراد، تخاطبهم بحرية، وهم مطلقوا السراح من جميع تلک المؤثرات .. فهنا "لا إكراه في الدين" .. أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية، فلا بدّ من إزالتها أولاً بالقوة، للتمكن من مخاطبة قلب

الإنسان وعقله، وهو طليق من هذه الأغلال(2)! ومعنى ذلك أنّ السيف وسائر المجاهدات الكلامية لازمان في آنٍ معاً، فالدعوة

لوحدها لا تكفي للكفاح وإقامة حاکمية الله على الأرض.

للأسف، إنّ هذا النمط من التفكير لسيد قطب هو الذي مهّد لظهور التكفير والتطرّف في العنف واستغلال الجماعات المتطرّفة لهذا السلاح واللجوء إلى سياسة العنف. وتشدّد هذه السياسة على حقوقها ومطالباتها فقط ولا تلقي بالاً لمطالبات الآخرين، وهي لا تطيق أيّ رؤية معارضة لها، وأنّ معظم العلماء يخالفون هذا المنهج.

يعتقد سيد قطب أنّ الإسلام في حالة جهاد دائم، ولا قيود في الدنيا يمكن أن تحدّ هذا الجهاد، ومن لا يجاهد فعليه أن يشكّ في إسلامه، لأنّ المسلم يأبى أن يُسجن ويُعذّب من قبل الظالمين، وهو لا يسمح لهم أن يفعلوا ذلک. في هذه النقطة يقول:

ص: 386


1- «پیامبر و فرعون»، المصدر السابق صص 47 - 44
2- المصدر نفسه ص 56

«أولئك الذين يعتقدون أنّهم مسلمون ولا يجاهدون ضدّ أنواع المظالم، ولا يسعون بجدّ من أجل استعادة الحقوق المغتصبة للمستضعفين والمظلومين في المجتمعات، ولا يحشدون إمكاناتهم وطاقاتهم المادية والمعنوية لمحاربة الطواغيت والمتجبّرين، أولئك إمّا مخطئون وإمّا منافقون وإمّا جاهلون بجميع شرائع الإسلام وأصوله ... الإسلام في جوهره حركة تحريرية تبدأ من الضمير وتنتهي بالبيئة الاجتماعية. ولا يُعقل أن يمنح الإسلام أتباعه فكراً صحيحاً ثم يتركهم ليخضعوا للحكومات الطاغية والمستبدة... أو يسكتوا على الظلم والقهر، سواء أوقع هذا الظلم عليهم أو على المجتمع الإنساني أو في أي نقطة من نقاط الأرض وتحت أي حكومة كانت. قد يؤمن الإنسان إيماناً قلبياًة بالإسلام كأيديولوجية ثورية، وفي المقابل يرضخ للنظام الظالم القائم

على حبس المصلحين والتنكيل بالثوريين الحقيقيين وتعذيبهم»(1).

والحاصل من ذلك، إنّ البشر إمّا جهلة لا يدافعون عن حاكمية الله في الأرض، وإمّا

مسلمون لا ينفكّون عن الجهاد حتى يجتثّوا أسس الجهالة وحكومة غير الله.

يعتقد سيد قطب أنّ الأيديولوجية الأجنبية غير مناسبة للبلدان الإسلامية، من جهة فإنّ فشل هذه البلدان الخارجة لتوّها من ربقة الدول الأوروبية وأمريكا التي كانت رمز الديمقراطية، ومن جهة ثانية تبعيّتها للدول الاشتراكية التي دعمتها سياسياً وعسكرياً، دفع ببعض هذه البلدان الإسلامية لأن تحسن الظنّ بالفكر الاشتراكي فانجذبت نحوه، ولم يترك زعماء مصر الاشتراكيين أيّ مجال للأيديولوجية الإسلامية، ولهذا، كان سيد قطب بوصفه أحد زعماء الإخوان المسلمين ساخطاً جداً على غربة الأيديولوجية الإسلامية والاستعمار الفكري الذي هيمن على الحكومة المصرية، وكان يفتّش عن عيوب الأيديولوجيات الأجنبية ليسلّط عليها الضوء ويعثر على مصادرها التاريخية لكي يبرهن

ص: 387


1- سید قطب، «اسلام و عملکرد استعمار»، ترجمة: اسد الله محمودي، طهران: ناصر خسرو 1998 م ص 10

على تباين الظروف والعوامل الروحية والاجتماعية وغيرها بين الشرق والغرب، لذا لا ينبغي تبنّي أيديولوجيات الغرب لأنّ هذا سيشكّل ترقيعاً مشوّهاً(1).

ما فتأ سید قطب يعلن تقدّمية الإسلام وسموّ فكره، فقد كان يرى استحالة أن يعمل هذا الدين على إنارة القلوب وهدایتها ومن ثمّ يتركها تُذلّ لحاكمية غير حاكمية الله تعالى، كما لا يمكن له أن يعمّر القلوب ثم يرضى بسكوتها في قبال الظلم، مهما كان نوعه سواء أكان ظلمٌ لشخص أو للبشر في أيّ أرض وتحت أيّ حكم يرزحون، وعليه، إذا رأيتم تفشّي الظلم في المجتمع وقد رفع المظلومين صوتهم للاستغاثة ولم يندفع المسلمون لإغاثتهم ودفع الظلم عنهم، فلا بدّ من التشكيك في جوهر إسلام هؤلاء المسلمين. لذلك، إمّا أن يكون الإسلام في القلوب حقيقياً وإمّا غير حقيقي، فإذا كان حقيقياً فهو إذاً كفاح مستمر وجهاد لا ينقطع، فالإسلام عقيدة ثورية نهضوية(2).

يقول، إنّ الذين يشاهدون بأمّ أعينهم الظلم والقهر في المجتمع وانتشار الفساد في كل مكان ولا يرفعوا أيديهم لوقفه ولا يحرّكوا ألسنتهم لمنعه، فيقيناً أنّ نور الإسلام لم يحيي قلوبهم وأرواحهم. فلو كان أحياها لظلّت متوهّجة منذ اللحظة الأولى الذي دخل نوره المقدّس إلى قلوبهم ودفعهم إلى سوح القتال والدفاع، ليتحوّلوا إلى مجاهدين ومناضلين. إنّ كل يوم ينقضي دون جهاد وكل ساعة تمرّ دون نضال وكل لحظة تأزف دون القيام بأعمال ضدّ هؤلاء، هو في الحقيقة ذنب يعيشه في أعماقه وينوء بظلّه على أفكاره ومعتقداته، ذنب لا يكفّر عنه إلاّ بجهاد مستمر وكفاح بلا هوادة(3).

لقد آمن سيد قطب أنّ الوشائج العقدية والأيديولوجية أقوى من وشائج الوطنية المرتبطة بالرقعة الجغرافية. وكان يطرح مسألة أخرى مهمة وهي إذا اشتبه عمل المرء فتعذّر على المسلمين أن يعتبروه مسلماً فإنّ الإسلام يعطيهم الحق في سلب ماله ونفسه. فاغتيال الرئيس

المصري أنور السادات في عام 1981 م من قِبل منظمة الجهاد كان حصيلة هذه الرؤية، حيث رأت أنّه بعقده الصلح مع إسرائيل قد خالف الشريعة الإسلامية، كما أنّ

ص: 388


1- سيد قطب، «ویژگیهای ایدئولوژي اسلامي»، ترجمة: السيد محمد الخامنئي، طهران: کیهان 1990 م صص 42 - 43
2- سيد قطب، «اسلام و استعمار»، ترجمة: محمد جعفر امامي، قم: امید، بلا تاریخ صص 8 - 9
3- المصدر نفسه صص 10 - 12

القوانين الوضعية في مصر تتناقض مع هذه الشريعة، وعليه أفتت المنظمة بكفر السادات و حکمت بشرعية اغتياله(1).

يعتبر سيد قطب إحدى الشخصيات الفريدة في العالم الإسلامي التي رفعت صوتها عالياً لمحاربة الغرب والدفاع عن الإسلام فتردّدت أصداؤه خارج الحدود الجغرافية لبلده، وانتشرت فكرة الجهاد والنضال المستوحية من آرائه في العديد من البلدان الإسلامية مثل إيران وأفغانستان والباكستان وتركية ... وغيرها. لقد فتحت ترجمة كتبه في إيران في عقد الستينات الباب أمام فضح أهداف الاستعمار والماركسية، وأوقدت شعلة غضب المجاهدين في أفغانستان ضدّ الشيوعية.

كان قطب يبحث عن الإسلام السياسي الناشط، ويرغب في الوصول إلى الحاكمية، ليتمكّن من التصدّي للغرب والعالم الشيوعي بالتزامن مع تطبيق الشريعة الإسلامية. كان يرى أنّه حيثما حقّق المسلمون تقدّماً وانتصارات، كان ذلک خطوة على طريق تأسیس الحكومة العالمية الإسلامية، وتؤكّد على هذه المسألة رسالته إلى آية الله الكاشاني في إيران بمناسبة تأميم الصناعة النفطية، فباعتقاده أنّ حركة تأميم النفط ليست حركة "قومية" بل نهضة إسلامية بزعامة رجل دين. فالاستعمار الغربي يعلم علم اليقين أيّ مكانة عسكرية وسياسية واقتصادية هائلة ستحظى بها البلاد الإسلامية إذا ما توحّدت(2).

لقد كانت مواقف سيد قطب حادّة وهجومية للغاية، ففي الوقت الذي كان غالبية فقهاء أهل السنّة ولا سيّما في العصر الحاضر لا يجيزون الجهاد إلاّ في حالة الدفاع عن النفس، كان معظم فقهاء الشيعة الإثني عشرية يحرّمون الاجتهاد الابتدائي في عصر غيبة الإمام المعصوم (ع). كان هناك وفاق في أوساط أهل السنّة خاصة في عقد الخمسينات وبعد فتوى الشيخ "محمود شلتوت" أشهر علمائهم على جواز الجهاد الدفاعي فقط، بمعنی، متى ما تعرّض وجود الأمة الإسلامية للخطر، يجب على جميع أفرادها حينذاك أن ينبروا للجهاد الدفاعي. لقد كان الرأي التقليدي لأهل السنّة هو في ظلّ وجود حكومة إسلامية،

ص: 389


1- پیتر مارسدن، «طالبان (جنگ، مذهب و نظم نوین در افغانستان)» طهران: وزارة الخارجيه 2000 ص 83
2- احمد نجمي، «سيد قطب، طلایه دار بيداري اسلامي»، مرکز وثائق الثورة الإسلامية، 16 أيار / مايو 2007 م. http://www.irdc.ir/ fa/content/ 5190/default.aspx

فإنّ إعلان الجهاد هي مسؤولية الحاكم وذلك بعد التشاور مع العلماء. وفي غياب الحكومة الإسلامية، فإنّ مسؤولية ذلك تقع على عاتق المرجعيات الدينية والعلماء والمفتين(1).

لقد عمل بعض السلفيين المتطرّفين وبتأثير من الأفكار الجهادية لسيد قطب، على تأسيس الأحزاب والجماعات ليقفزوا بذلك على الفتوى التقليدية والمشهورة لعلماء أهل السنّة، وشيئاً فشيئاً انتهجوا سياسة العنف حتى وصلوا بها إلى حدّ التطرّف. ولتسليط الضوء على هذه النقطة، سوف نتصفّح سيرة بعض الشخصيات المعروفة في هذا التيار للوقوف على نشاطاتها في هذا المجال:

3.2. عبد الله عزّام

يعتبر عبد الله عزّام من الروّاد الذين سافروا إلى أفغانستان للجهاد ضدّ القوات السوفيتينة ونشر أفكاره هناك. كان يعتقد أنّ السبيل الوحيد لإرساء أسس المجتمع الإسلامي هو الجهاد ضدّ أعداء الإسلام، وقد تحوّل إلى واحد من أبرز زعماء الجهاد. في الرابع والعشرين من تشرين الثاني / نوفمبر عام 1989 م قُتل مع ابنه وهو في طريقه إلى إقامة صلاة الجمعة في مدينة بيشاور الباكستانية(2).

لقد تأثّر عزّام بشدّة بشخصية سيد قطب وكان يطلق عليه "عملاق الفكر الإسلامي". وكان يعتقد أنّ سيد قطب سایَرَ حكومة الثورة لفترة قصيرة بعد عام 1952 م لكنّ صدقه ونقاءه حالا دون أن يواصل علاقته مع الحكّام السياسيين. واعتبر الجهاد في سبيل الله صفقة مع الله وواجب على كلّ إنسان مؤمن، مؤكّداً أن لا جهاد بدون قتل وقتال. لقد عبّر عزّام، كما فعل قطب، عن امتعاضه لمراسيم الاحتفال والابتهاج التي أقامها الأمريكان عند انتشار نبأ اغتيال حسن البنّا رئيس جماعة الإخوان المسلمين، معتبراً ذلك تصرّفاً غير لائق(3).

ص: 390


1- مهدي بخشي شیخ احمد، «بررسي و عوامل انديشه اي و عيني شکل گیري القاعده»، أطروحة جامعية لمرحلة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة العلامة الطباطبائي، 2006 م ص 105
2- المصدر نفسه صص 116 - 117
3- عبدالله عزام، «عملادق الفكر الاسلامی»: الشهيد سيد قطب، http://www.tawhed.ws/r?i=k57givt8

لطالما كان عزّام يستعرض الخصال التي تميّز بها سيد قطب ومقرّاً في الوقت نفسه

بأنّ الفضل في الجهاد في أفغانستان يعود لأفكاره وآرائه، وكان يقول في هذا المسألة:

من بين جميع الأعمال والكتب الموجودة في عالمنا اليوم، تمتاز أعمال سید قطب بمزايا فريدة، لقد كان سيد قطب ناصع الجبين أمام الله لما ترک من تراث إسلامي ثرّ أحيا به الأجيال القادمة. فكل من وطئت قدماه أرض أفغانستان كانّ يتلمّس الآثار العميقة لأفكار سيد قطب في الجهاد الإسلامي أكثر من أيّ مكان آخر. لم يكن هؤلاء يطلبون ملابس وإن كانوا عراة ولا طعام وإن كان جوعي ولا سلاح، كانوا فقط يطلبون

کتب سید قطب»(1). كان عبد الله عزّام يؤمن أنّ السبيل الوحيد لإقامة الحكومة الإسلامية هو جهاد أعداء الإسلام، لذلك، ومن خلال تلقّيه المساعدات من مختلف البلدان لمواصلة الجهاد في أفغانستان، كان يمهّد في الواقع لسياسة العنف وإقامة ملتقى جمع كلّ المقاتلين الأجانب المتواجدين في أفغانستان تحت لواء تنظيم القاعدة، فأسّس بذلک قوات متطرّفة ذات بأس. وفي الحقيقة، يعدّ عبد الله عزّام من المؤسّسين للحركة الإسلامية الفلسطينية، وكان يهدف إلى تأسيس قاعدة في أفغانستان مهمّتها الجهاد في سائر البلدان. بعد الغزو السوفيتي على هذا البلد في عام 1979 م سافر إلى بلدان عديدة ليجمع قوة من الشباب للجهاد في أفغانستان، ويمكن القول أنّه كان مدمناً على الجهاد، فقد قال في الوصية التي ألقاها قبل موته، أنّه لم يعد قادراً على العيش بدون الجهاد، كان عزّام أستاذ بن لادن، فقد علّمه أيديولوجية جهادية جديدة، وأضفى عليها هوية إسلامية، ولكن سرعان ما رفع بن لادن وفي وقت مبكر سقف أهدافه السياسية وذهب بها لمديات أبعد، عندما قرّر غزو العالم(2).

لقد استطاع عبد الله عزّام من خلال خطبه ودعواته للمسلمين وتهيئة الظروف المناسبة لهجرة الشباب من أجل الدفاع عن المسلمين الأفغان، استطاع أن يستقطب

ص: 391


1- عبدالله عزام، سید قطب؛ «عشرون عاما على الشهاده»، http://www.tawhed.ws/r?i=zeq020tn
2- میشل پولي، خالد دوران، «بن لادن کیست؟» ترجمة: مهشید میر معزي، طهران: روزنه 2001 م، ص 37

الشباب من جميع أنحاء العالم للذهاب إلى أفغانستان، وما لبث أن تحوّل إلى عنصر أساسي في جمع المساعدات فأسّس مكتباً لهذا الغرض في بيشاور في الباكستان، شکّل نقطة الانطلاق إلى المعسكرات في أفغانستان، وكان أحد هؤلاء الشباب هو أسامة بن لادن، الذي حارب إلى جانب المتطوعين العرب لفترة قصيرة، لكنّه بالتوازي مع ذلک، أسّس، على غرار عبد الله عزّام، مكتباً لجمع المساعدات والإعانات الشعبية، وواصل مسيرته على هذا النحو حتى انتقل من الجهاد الأفغاني إلى الجهاد العالمي(1).

3.3. أسامة بن لادن

أحد أبناء الطبقة الارستقراطية له طموح جامح نحو الشهرة، كان له نفوذ واسع في أوساط الأثرياء والشباب العرب وحتى المعارضين للأسرة المالكة لآل سعود. لقد دقّت نشاطاته العسكرية والتدريبية ناقوس الخطر في الولايات المتحدة والعربية السعودية على السواء، كان ناقماً بشدّة على الولايات المتحدة والملك فهد بسبب إدراج أبنائه في قائمة الممنوعين من السفر في المملكة(2).

اعتبر الهجوم على القوات الأمريكية في الظهران حرباً مقدسة وجهاداً، وكان يؤكّد على وجوب ترک الجنود الأمريكان لأرض العربية السعودية، لأنّهم غير مسلمين، وكان يجيز لنفسه استهداف المصالح الأمريكية في خارج الولايات المتحدة بما في ذلك السفارات الأمريكية ما دامت هذه القوات متواجدة على أرض المملكة السعودية. كان يعتقد أنّ أبناءه الأربعة محتجزين في العربية السعودية بأوامر من الولايات المتحدة، فكيف له أن يظلّ ساكتاً أمام فهد وأمريكا(3)؟

في خضم المواجهة ضدّ الولايات المتحدة، بدأت ترتسم معالم جديدة لسياسة العنف شيئاً فشيئاً، لتأخذ طابعاً عالمياً. وأغلب الظنّ أنّ عداء بن لادن للغرب كان سيظهر حتى

ص: 392


1- علي شقير، القاعده، «نحوه شکل گیری و توسعه عقيدتي عبدالله عزام که بود؟»، صحيفة السفير في لبنان موقع عماد الخبري http://emadnews.com/?p=133708
2- عبد القيوم فدوي، «اسامه بن لادن و ماجراها»، کابل: مفاخر، 2002 م ص 41
3- المصدر نفسه ص 50

بدون تواجد القوات العسكرية الأمريكية في العربية السعودية، فقد درس بن لادن على تلامذة سيد قطب، واطلع على كتاباته، ثم أصبح في نهاية المطاف عدوّاً لأمريكا(1). كان يطلق مصطلح "علماء السلطان" على بعض العلماء السعوديين مثل ابن باز ومحمد بن الصالح العثيمين لعدم معارضتهم الوجود الأمريكي على أرض بلادهم ودعمهم له(2).

صدر عن ابن لادن بیانان سعى فيهما إلى قدسنة سياسة العنف، البيان الأول في 26

آب / أغسطس

عام 1996 م تحت عنوان «إعلان الجهاد ضدّ الولايات المتحدة المحتلة التي تحتل بلدین مقدسين» والنظام السعودي الذي تنکّر للشريعة الإسلامية وسمح للقوات الأجنبية باحتلال البلاد(3).

أمّا البيان الثاني فقد صدر في 23 شباط / فبراير عام 1998 م تحت عنوان «الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والنصاری» وجاء فيه أنّه لسنوات طويلة والولايات المتحدة تحتل أقدس بقاع الإسلام وهي شبه الجزيرة العربية، فتنهب ثروات هذا البلد، وتتحكّم بمصير حكّامه وتستهين بشعبه، كما أنّه بسبب العقوبات الاقتصادية الذي تفرضه الولايات المتحدة على العراق قُتل ما يزيد على مليون شخص في هذا البلد، والهدف الرئيسي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه هو حماية الدولة اليهودية وحرف الرأي العام عن قضية فلسطين والمذابح التي تُرتكب هناك، لذلك، فإنّ الجهاد هو الردّ الوحيد المناسب للمسلمين على هذه الخيانة(4).

وهكذا، بدأ المتطرّفون بعملنة أفكارهم لتصبح سياسة العنف أكثر عمقاً وارتكازاً. في عام 1995 م أرادوا أن يجرّبوا حظّهم على الصعيد العالمي لأول مرة من خلال القيام بعملية اغتيال لكنّ العملية الأولى لم يكتب لها النجاح، فقد خطّطوا لتفجير السفارة

ص: 393


1- عصام العماد، جریان هاي جديد وهابیت» 10717/ http://www.shia - news.com/fa/print 2008 م
2- وحید مژده، «چرا طالبان به ملا کشي روي آورده اند؟» http://www.zendagi.com/new_page_473.htm
3- شیخ احمد، المصدر السابق، ص 121
4- المصدر نفسه صص 121 - 122

المصرية في إسلام آباد عاصمة الباكستان، وخطّطوا كذلك لتفجير منطقة خان الخليلي السياحية في القاهرة، لكنّ العملية فشلت بسبب تأخّر وصول المهاجمين.

بعد ذلك، وفي آب / أغسطس من عام 1998 م، قاموا بعمليات إرهابية في سفارتي الولايات المتحدة في دار السلام ونایروبي، كان هدف العملية استهداف ستّة أمريكيين، إلاّ أنّهم أضافوا إلى هذا الرقم مئات الضحايا من السكان المحليين الأفارقة(1).

وبدأت سياسة العنف لابن لادن والمقرّبين منه مثل أيمن الظواهري تنزع نحو

ارتکاب مذابح عالمية ومدمّرة.

وهنا نلقي نظرة سريعة على دور أيمن الظواهري ومشاركته في هذه الحلقة المفرغة

من العنف على صعيد السياسات الداخلية والخارجية للمتطرفين التكفيريين

3.4. أيمن الظواهري

في حياة أسامة بن لادن، كان أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، ثم أصبح اليوم زعيم التنظيم والرجل الأول فيه بعد مقتل بن لادن. في عام 1993 م تزعّم جماعة الجهاد، وبعد أن تعرّف على بن لادن انضوت جماعته تحت لواء تنظيم القاعدة وذلك في عام 1998 م، فاكتسب الفكر الراديكالي زخماً مضاعفاً، وما يزال الظواهري يمارس دوره كزعيم للقاعدة(2).

يعتقد الظواهري أنّه لمّا كانت الأجواء في البلدان العربية غير مناسبة لحروب العصابات، لذلك من الضروري أن ينقل المجاهدون خطواتهم السياسية إلى قلب الجماهير، فينفذوا العمليات الانتحارية المناهضة للأنظمة العلمانية داخل المدن، وبالتزامن مع ذلك يوجهوا حملاتهم ضدّ الأعداء الأجانب عنيتُ إسرائيل والولايات المتحدة وذلك لزيادة الدعم العام لهم. في الحقيقة، يمكن توظيف سياسة العنف كأسلوب مدوّي يمكن لفئة صغيرة متطرّفة من خلاله أن تشعل جهاداً عظيماً ضدّ الكفار فتكسب دعم الجماهير المسلمة وتأييدها(3).

ص: 394


1- میشل پولي و خالد دوران، المصدر السابق ص 41
2- منصور میر احمدي، المصدر السابق ص 182
3- يعقوب نعمتی وروجنی، «القاعده، تاریخچه و ریشه هاي فکري» http://www.bashgah.net/fa/content/show/36948

وفي مقابلة صحفية أجراها معه أحد الصحفيين الأكراد قال أيمن الظواهري: إنّ أفراد الجيش والشرطة العراقية مرتدّون ولا يوجد أدنى شكّ في جواز قتلهم، وكل من يساعد الولايات المتحدة دمه مباح. وخلال المقابلة المذكورة أعرب الظواهري عن سروره للحرب ضدّ الولايات المتحدة قائلاً: «لقد قُصم ظهر الولايات المتحدة والعراق على يد المجاهدين، إنّهم لا يعلنون عن خسائرهم، إنّنا سنجاهد حتى آخر مجاهد سواء في داخل الولايات المتحدة أو خارجها»(1).

وحول أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر قال:

«لقد قصمت تلك الأحداث ظهر أمريكا الصليبية فجعلتها تحار في أمرها ولذلك أرسلت جيوشها إلى كل نقطة في العالم للقضاء على ما تسميه

القاعدة. لأنّ القاعدة تحوّلت إلى أحد الأصول بالنسبة للجهاد الإسلامي». برأي الظواهري أنّه لا بدّ من نقل الجهاد إلى الساحة الدولية وعلى عدّة جبهات لا

سيّما الولايات المتحدة وحلفائها أي إسرائيل والأنظمة العلمانية في الشرق الأوسط(2).

لقد لعب الظواهري إلى جانب بن لادن دوراً مؤثراً للغاية في تقوية تنظيم القاعدة

ومساعدة زعيمه. ومن منطلق إيمانه بأنّ المعركة أصبحت عالمية يستعرض عدّة وظائف للمتطرّفين التكفيريين هي كالتالي:

«الثبات على الأصول العقدية، التقرّب أكثر من الجماهير، الولاء لفكرة إقامة الدولة الإسلامية في جميع أرجاء العالم، اختیار استراتيجيات مختلفة لمراحل الصراع المتعدّدة، عدم اليأس، محاربة الحركة الإسلامية وطلائعها الجهادية للأعداء الأصليين وهم الولايات المتحدة وروسية وإسرائيل، نقل المعركة مع الاتحاد اليهودي النصراني إلى نقاط العالم كافة، الوحدة في مقابل العدو الواحد، تجديد التنظيم ودعم الدول المناضلة، تغيير أساليب الجهاد»(3).

ص: 395


1- جامعه اهل سنت غرب 2010 م http://www. Blogsky.Com/1387/04/02/ post - /172
2- المصدر نفسه
3- شیخ احمد المصدر السابق، الصفحات 70 - 73

بعد موت بن لادن، قام أيمن الظواهري بوصفه الرجل الأول في تنظيم القاعدة إلى جانب السلفيين في سورية بدعم المعارضين للحكومة السورية والقتال إلى جانبهم ضدّ قوات بشار الأسد. وقد اقتضت الظروف هذه المرة أن يحارب تنظيم القاعدة العدو القريب. كان هدف الظواهري والقاعدة هو، بالإضافة إلى إسقاط نظام بشار الأسد وجميع الأنظمة العلمانية الموالية للغرب، مواصلة الحرب ضدّ الغرب في جميع أنحاء العالم.

4. الظروف الموضوعية لسياسة العنف

لا شك في أنّ سياسة العنف تحتاج إلى ظروف موضوعية خاصة لكي تنشأ وتترعرع

فيها، وبالنسبة للعالم الإسلامي، فإنّ هذه السياسة نشأت في ظل سلوكيات ساهمت بعض العوامل والدول في المنطقة وخارجها في بلورتها تجاه البلدان الإسلامية. في الحقيقة، إنّ سلوكيات هذه الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي هيّأت الأرضية لبلورة سياسة العنف. سنناقش في هذا الجزء من المقال دور هذه الدول في التهيئة لسياسة العنف في بعض البلدان الإسلامية. بعبارة أخرى، سنتناول الصيرورة التي تشكّلت على مرّ الزمن، لأنّ أبعاد سياسة العنف تتبلور مع الوقت.

4.1. الولايات المتحدة وبعض البلدان الغربية

عدا الدعم الغربي للصهاينة، يضاف عامل الاستعمار إلى العوامل الأخرى التي أدّت إلى استثارة ردّة فعل عنيفة ضدّ الغرب من قبل بعض الجماعات في البلدان الإسلامية. فحين تبيّن أنّ الدول الغربية كلّها متواطئة في الاعتداء على الشرق، وأنّ مزاعمها في الحرية مجرّد خدعة استعمارية، برزت آثار التشکیک لدى المسلمين والبلدان العربية في الحضارة والقيم الغربية، وترسّخ هذا الظنّ رويداً رويداً من أنّ الأدب والفلسفة والفن والموضة الغربية ما هي إلاّ واجهات لتثبيت الهيمنة السياسية للغرب، فبدأت الحملة الاستعمارية الغربية على العالم الإسلامي تأخذ أشكالاً جديدة من الحروب الصليبية(1).

يعتقد المسلمون أنّ سيطرة الغرب على البلاد الإسلامية تمّت بعد أن نشر ثقافته في أوساط المسلمين، ونفذ إلى أصولهم الدينية وسننهم العريقة. ولهذا السبب فإنّ الشرط

ص: 396


1- حمید عنایت، «سیری در اندیشه سیاسی عرب»، ط. 3. طهران: سپهر، 1984 م صص 243

الأول لانتصارهم هو محاربة الاستعمار ونبذ الثقافة الغربية. لقد طرح المفكّرون المسلمون ومن بينهم سيد قطب هذه المسألة، كما مرّ شرحه، وهي أنّ الوصفتين الرأسمالية والشيوعية لا تناسبان البلدان الإسلامية(1).

لقد ترتّب على الحضور الاستعماري الغربي في بلدان المنطقة تبعيّة حكّام هذه البلدان للدول الاستعمارية ما يعني غياب العدالة والحرية والديمقراطية في هذه المجتمعات. كما أدّت هذه الظاهرة إلى فقدان الأمة الإسلامية لعزّتها وكبريائها، وتزايد السخط وعدم الرضا. ومن نتائج فشل النماذج الإرشادية والأيديولوجيات الغربية والشرقية مثل الليبرالية والاشتراكية والشيوعية في المجتمعات الإسلامية ظهور حاضنة لنشأة الراديكالية والتطرّف وسياسة العنف.

لقد أبدت الليبرالية الإسلامية مهادنة للغرب، وسارعت إلى مساندتها في ذروة الصعود الاستعماري، بينما لم تكن عاقبة الاشتراكية العربية في حال أفضل حيث تسبّبت في اقتطاع المزيد من أراضي البلدان الإسلامية من قِبل إسرائيل والبلدان الغربية، وتمخّض عن ذلک ظهور طبقة نخبوية جديدة وازدياد أعداد السجناء السياسيين والإسلاميين، ما ترتّب عليه حاكمية الفساد والتضييق على الحريات المدنية(2).

ظلّت اقتصادات البلدان الإسلامية خاضعة لهيمنة القوى الصناعية، وعلى حدّ تعبير

لينين

«يمتلک الرأسمال سلطة كبيرة بحيث يمكن القول أنّ له نفوذاً حاسماً في جميع المفاصل الاقتصادية والدولية يتيح له إخضاع حتى الدول المستقلة سياسياً لنفوذه(3). وحتى في البلدان التي كانت تحكمها حكومات شعبية ترفض الهيمنة الغربية فإنّ الخطر كان محدقاً بالجميع من كلّ الأطراف(4). إنّ فرض شروط الحرب والسلام على البلدان له

السجن

ص: 397


1- المصدر نفسه ص 244
2- اسماعيلي، المصدر السابق، صص40 - 44
3- جاک وودیس، «مقدمه اي بر استعمار نو»، ترجمة: سعید روحاني، طهران: پیروز، 1980 م صص 48 - 140
4- المصدر نفسه ص 141

تاريخ طويل، فالقوى الكبرى بما تملك من «قوات التدخل السريع» و«نصب الصواريخ الحديثة متعدّدة الرؤوس النووية» ومتعدّدة التطبيقات ذات التقنية المتطوّرة جداً والقدرة التدميرية الهائلة، ومباغتة العالم والسيطرة العسكرية عليه من خلال امتلاك تقنية حربية معقّدة، أقول أصبحت هذه القوي قادرة على الاحتلال العسكري للبلدان وحقول النفط والمناجم والمصافي والمصانع الكبرى والطرق المائية

والنقاط الاستراتيجية في العالم وفي وقت قصير جداً(1).

ولا ننسى كيف شنّ النظام البعثي في العراق حرباً على إيران ومن ثمّ على الكويت من خلال الضوء الأخضر الذي أعطته هذه البلدان القوية أو من خلال صمتها وذلك من أجل تحقيق مصالحها والسيطرة على المزيد من ثروات البلدان الإسلامية، هذا في حين أنّه كان بإمكانها تجنّب وقوع هذه الحوادث عبر إطلاق التحذيرات الجدية للرئيس العراقي المقبور صدام حسين، لكنّها لم تفعل ذلك بغرض تعزيز تواجدها في منطقة الشرق الأوسط والهيمنة بشكل أكبر على الثروات والمنابع في البلدان الإسلامية. في هذا السياق، ومع تبلور نظرة سلبية لدى المسلمين تجاه الولايات المتحدة والغرب، استغلّت الجماعات السلفية المتطرّفة هذه الأوضاع وراحت تستقطب بعض الأفراد، واعتبرت أنّ سياسة العنف هي الحل المناسب للتعامل مع الغرب والحكومات الموالية له.

والجدير بالذكر أنّ بين السياسة الأمريكان من يعتقد بخطأ سياسة محاربة الإرهاب التي تتبعها بلادهم واصفين هذه السياسة ب«خطر دخول الولايات المتحدة إلى العالم الإسلامي»، لأنّها أدّت إلى ظهور مواقف وتوجّهات معادية للأمريكان والإرهاب. وعلى هذا الأساس، يعترف الأمريكان أنفسهم بشكل أو بآخر بأنّ سياستهم في العالم الإسلامي أفضت إلى تقوية سياسة العنف للتيارات التكفيرية. يقول «ريتشارد کلارک» تحت عنوان:

«لقد خلق ريغان معادلات جديدة من خلال مواجهته للاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وإرسال قوات إلى الخليج الفارسي وتعزيز قدرة

ص: 398


1- رضا آیرملو، «استراتژي استعمار نو»، طهران: سپهر، 1987 م صص 54 - 55

إسرائيل كقاعدة لقوات جنوب أمريكا في مقابل الاتحاد السوفيتي. لقد أدّى الحظر النفطي الذي فرضه العرب على الولايات المتحدة في عام 1973 م إلى أن تعي هذه الأخيرة أهمية منطقة الخليج الفارسي على الصعيد العالمي. إنّ علاقاتنا المميّزة بإسرائيل ... أغضبت الشعوب العربية فنجم عن ذلک ظهور جماعات إرهابية معادية للولايات

المتحدة»(1).

وفي تخطئته لسياسات حكومته في مكافحة الإرهاب يقول هذا المسؤول الأمريكي الكبير:

«بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر لم يكن احتلال العراق يشكّل ضرورة، كان على الرئيس الأمريكي أن يعالج نقاط الضعف الداخلية أولاً وتعزيز الأمن القومي الأمريكي، ومن ثمّ الشروع في خطوات لمواجهة أيديولوجية القاعدة في أنحاء العالم كافة، وبمساعدة الدول الصديقة من أجل استئصال جذور تنظيم القاعدة وتجفيف منابعه

المالية ...»(2).

لقد دعمت الولايات المتحدة تنظيم القاعدة أثناء غزو الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان من أجل إضعاف الشيوعية وذلك عبر إرسال صواريخ ستينجر المضادة للطائرات إلى أسامة بن لادن وإرسال مساعدات مالية إليه عبر بنك الاستثمار الدولي في أفغانستان، ومن جهة أخرى كان دعمها للقاعدة يدخل في نطاق تحجيم إيران وأيديولوجية الثورة الإسلامية، عن طريق إيصال المساعدات إلى الحركات الراديكالية المعادية للشيعة مثل القاعدة. الهدف الآخر لواشنطن من دعم تنظيم القاعدة كان تغيير بوصلة الصراع في الشرق الأوسط من فلسطين إلى أفغانستان واعتبارها بؤرة الصراع الجديدة(3).

ص: 399


1- ريتشارد. آ. کلارک، «علیه همه دشمنان (جنگ داخلي آمریکا با ترور)»، ترجمة: کیوان افخمي نیا طهران: روشنگران و مطالعات زنان 2005 م صص 60 - 74)
2- (المصدر نفسه ص 309)
3- حمید رضا اسماعيلي، «القاعده؛ از پندار تا پدیدار»، طهران اندیشه سازان نور 2007 م صص 58 - 59

كما استطاعت الولايات المتحدة إلى حدّ بعيد أن تُلحق دولاً عربية عديدة مثل العربية السعودية ومصر بجبهة القوى المعادية للروس، لكنّها لم تأخذ في اعتبارها ماذا سيكون مصير السلفيين الإرهابيين بعد انسحاب روسية من أفغانستان.

على الرغم من أنّ السلفيين المتطرّفين كانوا يكنّون كرهاً شديداً للأيديولوجية الغربية، إلاّ أنّهم مع ذلك استلموا صواريخ ستينجر من الولايات المتحدة لمواجهة العدو المشترك، عنيتُ، الاتحاد السوفيتي. ففي الوقت الذي كانوا يصرّحون بتصريحات معادية للأمريكان، كانوا يتسلّمون الأسلحة منها، فحتى عندما كان عبد الله عزّام في الولايات المتحدة لجمع التبرعات من رفاقه في النضال لم يكفّ عن توجيه الانتقادات لهذا البلد(1).

بناءً عليه، وعلى الرغم من تلقّيهم المساعدات من الولايات المتحدة في مرحلة سابقة وبسبب انتهاء المصالح المشتركة التي كانت تجمعهما بمرور الوقت، وجّه السلفيون المتطرّفون أسنّة حرابهم صوب الولايات المتحدة بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان مباشرة لاعتقادهم أنّها الداعم الرئيسي للأنظمة العلمانية في البلدان الإسلامية ومسؤولة عن أعمال العنف التي تقوم بها إسرائيل.

4.2. بعض البلدان الإسلامية

بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية، لا يخفى الدور المؤثّر الذي لعبته بعض البلدان الإسلامية في مجال التمهيد لسياسة العنف في العالم الإسلامي. وتأتي العربية السعودية في مقدمة هذه البلدان، وبالدرجة الثانية يمكن الحديث عن دور الباكستان في هذا الموضوع.

1- العربية السعودية:

كان هدف العربية السعودية من دعم التيار التكفيري هو مواجهة النفوذ السياسي والديني لإيران، وتعزيز مركز السعودية بوصفها داعية الخلافة الإسلامية وقطب العالم الإسلامي، وفي الحقيقة كان دور السعودية مهماً جداً في ترسيخ سياسة العنف وذلك في إطار سعيها الحثيث في ضخّ الدعم المالي والتعليم الديني إلى جانب تقديم المشورة إلى

ص: 400


1- میشل پولي و خالد دوران المصدر السابق ص 47

المسؤولين الأمريكان لشراء السلاح الذي يحتاجه تنظيم القاعدة. وبهذه السياسة استطاعت السعودية تصدير أزمتها من الداخل إلى الخارج حتى تستريح من المتاعب المحتملة التي قد يتسبّب بها بن لادن والقاعدة في المستقبل(1).

ليس للعربية السعودية تخصيصات مالية للشبكات الإرهابية، غير أنّ الأربعة آلاف أمير الذين يحكمون البلاد يدعمون الحركات الإسلامية مالياً. وقد قامت السعودية باستحداث شبكة مصرفية بهدف تقديم الدعم المالي لمشروعات التنمية في الدول الفقيرة، في مقابل شرط واحد وهو أن لا تضع تلك البلدان العراقيل أمام نشر المذهب الحنبلي على أراضيها(2).

ويوفّر تأسيس الجمعيات الخيرية المدعومة من قبل السعوديين في الولايات المتحدة

وسائر نقاط العالم الأرضية لتعزيز سياسة العنف والتيارات التكفيرية وتأمين الاعتبارات المالية للإرهابيين. وفي هذا الإطار أجبرت الولايات المتحدة المسؤولين السعوديين على تعطيل بعض

تلك الجمعيات. ففي عام 2004 أعلن المسؤولون الأمريكان والسعوديون خلال مؤتمر صحفي مشترک عقد في واشنطن تعطيل خمسة فروع لمؤسسة «الحرمين» وهي إحدى الجمعيات الخيرية السعودية المعروفة، ثمّ أعقب هذه الخطوة تعطيل عشرة فروع في مختلف أنحاء العالم، بدءاً بأندونيسيا وانتهاءً بهولندا وذلك بتهمة تقديم الدعم المالي للإرهابيين. وقامت هذه المؤسسة ببناء المئات من المساجد وكانت تدير عدداً من دور الأيتام، بالإضافة إلى تجهيز عدد من المستوصفات والمشافي(3).

2- الباکستان:

الباكستان أيضاً لعبت دوراً مهماً في خلق الظروف المناسبة لسياسة العنف. فبعد هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان وانسحاب قواته من هذا البلد في عام 1979 م، همّت القبائل الأفغانية بإسقاط النظام العميل للروس في كابول والاستيلاء على السلطة.

ص: 401


1- میشل پولي و خالد دوران، المصدر السابق ص 61
2- جان شارل بریزار، «بن لادن؛ حقیقت ممنوع»، ترجمة: عبدالحسین نیک گهر، طهران: آگاه 2002 م ص 87
3- روجر هاردي، «جهاد و دلارهای نفتی عربستان»، 117/ http://islamworld2020.persianblog.ir/post

وقد وظّفت وزارة الاستخبارات الباكستانية التي كان لها نفوذ واسع في أفغانستان، قدراتها

لإحلال القوة الجديدة، عنيتُ طالبان محل النظام السابق(1).

كانت المساعدات المقدّمة من قبل الولايات المتحدة تصل إلى المقاتلين الأفغان عبر جهاز الاستخبارات الباكستانية، وقد ارتفعت من 35 مليون دولار في عام 1982م إلى 600 مليون دولار في عام 1987 م، وشملت هذه المساعدات التدريبات الأولية لهؤلاء المقاتلين على يد خبراء من الولايات المتحدة والباكستان وتعليمهم كيفية استخدام الأسلحة المتطورة، وكانت صواريخ ستينجر تُهرّب إلى أفغانستان حتى أيلول / سبتمبر عام 1986 م. بالإضافة إلى الدعم الأمريكي، كان جهاز الاستخبارات في الجيش الباكستاني يتلقّى المساعدات المالية من العربية السعودية ومن جهات أخرى أيضاً، لتقوم بمهمّتها في تنظيم القبائل الأفغانية والمتطوعين العرب القادمين من المنطقة(2).

كانت الباكستان تأمل من خلال وصول دولة دينية سنّية في أفغانستان أن تتمكّن من إيجاد حل ينهي نزاعاتها الحدودية مع هذا البلد على منطقة پشتونستان التي استولت عليها الحكومة الباكستانية طبقاً لمعاهد "ديوراند" بضغطٍ من الإنجليز، وكانت الحكومات الأفغانية المتعاقبة تطالب بضمّها إلى سيادتها، وأتاح وصول جماعة طالبان إلى السلطة فرصة للباكستانيين ليعملوا على إنساء الأفغان قضية پشتونستان وقد دعمت الجماعة هذه السياسة. أمّا الأهداف الأخرى للباكستان فتمثّلت في المصالح الاقتصادية وعبور البضائع والطاقة، والمنافسة مع الهند والتصدّي لنفوذ إيران ومواكبة الغرب لا سيّما الولايات المتحدة، ونشر الراديكالية السلفية و تأسيس المدارس الدينية وتقديم الدعم لها(3).

3- تركية:

لقد دعمت تركية وبعض البلدان العربية مثل قطر والأردن والعربية السعودية التيار التكفيري وبقية المعارضين لحكومة بشار الأسد خلال الأزمة السورية. فبعد الغزو العسكري الأمريكي للعراق توحّدت الحركة السلفية السورية مع الحركة السلفية العراقية

ص: 402


1- ريتشارد. آ. کلارک، المصدر السابق ص82)
2- المصدر نفسه ص 78
3- اسماعيلي المصدر السابق ص 60

في قتال المحتلين وإعلان الجهاد، وبعد أن بدأت القوى العربية السنية في المنطقة مثل السعودية وقطر بإرسال مساعداتها العسكرية والمالية إلى معارضي بشار الأسد، تحوّل الجاران السنّيان الآخران لسورية عنيتُ تركية والأردن إلى معابر لإيصال تلك المساعدات لأولئك المعارضين، وتقاطرت الجماعات التكفيرية في المنطقة على سورية(1). وفي تلک الأثناء أكّد وزير الخارجية التركي على أنّ شرق أوسط جديد في طور التبلور، وصرّح: «نحن أصحاب هذا الشرق الأوسط الجديد وطلائعه والساهرون عليه». وسمحت تركيا للمعارضين السوريين بفتح مكاتب لهم في أسطنبول وتدريبهم على السلاح وتزويدهم بالتجهيزات العسكرية. كان هدفها النهائي إقامة نموذج سنّي محض في سورية، لذلک كانت تشجّع على المواجهة مع الحكومة العلوية السورية. من ناحية ثانية، كانت تستحضر المنافسة التاريخية والجيوسياسية مع إيران في سورية، وكان أهمّ دافع لتركيا في دعم المعارضين السوريين هو الدافع القومي ودعم السنّة(2).

4- قطر:

تلعب دولة قطر دوراً مشبوهاً في التطورات الجديدة في المنطقة، وهي إحدى البلدان التي تقود التيار السلفي. المذهب الرسمي فيها هو المذهب الوهابي، لكنّها في صراع وعداء مع العربية السعودية. تأوي قطر زعماء مثل القرضاوي وهو سلفي اجتهادي وتفصله عن الوهابية السعودية مسافة كبيرة. وهي تتوق إلى الخروج من مظلة العربية السعودية إذا شعرت بعدم وجود تهديد من جانب إيران. لذلك، ينبغي للسياسة الخارجية الإيرانية أن تزيد من اهتمامها بهذه الدولة(3).

ص: 403


1- سلفي گرایی در سوریه و آینده بحران، معهد دراسات العلاقات الدولية http://riirpolitics.com/?q=fa/node/1564
2- «چرا ترکیه به دنبال تغییر رژیم در سوریه است؟ الأربعاء 2014 http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13910508001196
3- داوود فیرحي، « مسائل جهان اسلام و تحولات اخیر کشورهاي عربي از نقطه نظرات مختلف»، Lemonpress.ir/fa/news/29804

الدولة قطر علاقات وثيقة مع الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة ما وفّر لها قوة أكبر لدعم سياسة العنف. لقد أوجدت هذه الدولة بدعم من الولايات المتحدة نطاقاً أمنياً

حولها، وأكثر من ذلك، كان لها الدور الأهم في توفير الدعم المالي والتسليحي المباشر للسلفيين التكفيريين في سورية. وفي إطار دعم سياسة العنف، أسّست قطر والسعودية وتركيا قواعد لتدريب المقاتلين (التكفيريين وغير التكفيريين) وإرسالهم إلى الأراضي السورية. وينتمي هؤلاء المقاتلين إلى مختلف البلدان الإسلامية والعربية، ويتلقّون تدريباتهم على يد القوات الأمريكية والتركية، ثمّ يتمّ إرسالهم إلى سورية لتنفيذ مخططاتهم في مقابل منحهم مكافآت مجزية. كما أوجدت [هذه الدول] محطات لنقل السلاح إلى داخل سورية، من جملتها المناطق الخاضعة لسيطرة رئيس تيار المستقبل في لبنان سعد الحريري وسمير جعجع رئيس القوات اللبنانية، وبتمويل من العربية السعودية وقطر(1).

5. مستويات سياسة العنف

يتّفق أنصار التيار التكفيري على وجوب تطبيق سياسة العنف على مستويين رئيسيين، وهم إن اختلفوا على أولوية كل مستوى، لكنّهم لا يخرجون عن جواز اتباع هذه السياسة على هذين المستويين.

5.1. المستوى الإقليمي

يتبنّى التيار التكفيري، قياساً بسائر المذاهب الإسلامية، رؤية شمولية تتعارض مع المسار التقليدي أو الحديث في الانفتاح على الحوار والتعامل، ويتّخذ سياسة قاطعة عبر الرفض غير العقلاني لجميع البدائل. يحاول هذا التيار فرض نفسه على المجتمعات الإسلامية من خلال دغدغة بعض العناصر الإسلامية مثل الجهاد أو توظيف الدعم القومي. إنّ التأثيرات المفجعة التي تسبّبت بها سياسة العنف جعلت من التيار التكفيري الوارث لحلقة العنف الباطلة في العلاقات السياسية والاجتماعية.

ص: 404


1- قطر در رؤياي دستيابي به قدرت منطقه اي، نقلاً عن صحيفة جمهوري اسلامي 2011/12/21 م http://www.bashgah net/fa/content/show/92941

لقد شكّلت تجربة طالبان في أفغانستان ومفاهيمهم عن الإسلام والجهاد والتحولات الاجتماعية في هذا البلد أمراً غريباً وغير مألوف، ذلك أنّ ظهور هذه الحركة لا يشبه أيّاً من الجماعات الرئيسية الإسلامية التي عملت طيلة فترة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان. لقد خلق سقوط مشروعية جميع التيارات إبّان الصراع على السلطة فراغاً أيديولوجياً مهّد لظهور حركة طالبان التي تبنّت قراءتها الخاصة عن الإسلام ورفضت كلّ القراءات الأخرى(1).

كان سقوط نظام نجيب الله الموالي للروس في أفغانستان يؤذن بنهاية حقبة البشتونية،

لكنّها بُعثت من جديد مع ظهور حركة طالبان، وبالنتيجة تحوّلت أفغانستان إلى أرض الإرهاب ومحاربة التمدّن والحضارة في العالم. لقد نفذت دوامة العنف المفرغة في هذا البلد والتي لم تخلّف سوى الفشل إلى أعماق العلاقات الاجتماعية والطبقات الداخلية للمجتمع الأفغاني. وقد تجسّد هذا العنف في الصورة التي نُشرت على غلاف مجلة تايم الأمريكية لسيدة أفغانية اسمها عائشة تبلغ من العمر 18 سنة، وقد تزوّجت في سنّ مبكرة وتعرّضت للتعذيب من قبل أسرة زوجها ما اضطرّها إلى الفرار، فقضت محكمة طالبان بجدع أنفها وقطع أذنها على فعلتها تلک، على أن يقوم زوجها بتنفيذ هذه العقوبة(2).

يشكّل تأثير سياسة العنف على المجتمع الأفغاني من خلال زرع الهلع والفزع في إطار تطبيق أهداف طالبان و آراءها الدينية ظاهرة عامة سرت في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية. لقد رسّخت طالبان حكمها عبر توظيف العنف كأداة رئيسية بيد الحكومة. وتسبّب هذا التزمّت الطالباني بنزاعات خطيرة في داخل أفغانستان وخارجها، على سبيل المثال احتجازها للدبلوماسيين وأحد الصحفيين وعمال الإغاثة الإيرانيين وضربها للمعاهدات الدولية وبروتوكول الحصانة الدبلوماسية عرض الحائط، وقامت طالبان بهذا العمل في 11 آب / أغسطس

عام 1998 م وذلك خلال هجوم نفّذته على

ص: 405


1- احمد رشید، طالبان، اسلام، نفت و بازی بزرگ جدید»، ترجمة: اسد الله نشايي و صادق باقري، طهران: دانش هستي 2000 م صص 143 - 144
2- (ن. م آرمانپور، بدبختي افغانستان را باید در وابستگي پشتونیسم به استعمار جستجو نمود، آذار / مارس 2009 م. Http://www. Jawedan. Com

القنصلية الإيرانية في مدينة مزار شریف قُتل على أثره 8 دبلوماسيين وصحفي إيراني(1). كان لهذه الأعمال وقعاً سيئاً عکس وحشية سياسة العنف التي تنفذّها طالبان داخل المجتمع الأفغاني وفي المنطقة.

كما أنّ الهجوم الإرهابي الذي وقع في الحادي عشر من أيلول / سبتمبر دفع الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى احتلال أفغانستان بذريعة محاربة الإرهاب، وقد أنهى هذا الاحتلال حكم طالبان في أفغانستان، لكنّه لم يستطع إنهاء أسباب عدم الاستقرار والعمليات الانتحارية لطالبان.

ولا يخفى على أحد استخدام طالبان لسياسة العنف وزرع الرعب والفزع في الشعب الأفغاني، حيث أغلقت مراراً طريق كابول. غزنه وقامت بتفتيش السيارات والتحقيق مع المسافرين. وكانت تُنزل النساء والفتيات اللائي لا يلتزمن بلبس «البرقع» من السيارة وتقيم عليهنّ الحدّ بجلدهنّ(2).

وعلى هذا النحو، استمرّت سياسة العنف للتيار التكفيري في سائر البلدان الإسلامية،

حيث أعلن المقبور أبو مصعب الزرقاوي العقل المدبّر لسلسلة العمليات الانتحارية في کربلاء الحرب على الشيعة بشكل صريح. ونفس السياسة تمّ اتباعها في سورية أيضاً، وكان الزرقاوي يعتقد بوجود مسافة تفصل بين الكفر والإيمان في الشام، ولا بدّ من السعي للحصول على موطئ قدم هناك، وكان يعتبر الشيعة مفتاح النجاح بالنسبة للتيار التكفيري في العالم، وكان يقول إذا نجحنا في جرّ الشيعة إلى حرب مذهبية، حينئذ يمكن إيقاظ أهل السنّة الغافلين وجرّهم إلى ساحة القتال(3).

تستحضر هذه المسألة في الذهن إحدى الخصوصيات المهمة في سياسة العنف لهذا التيار: الانتحار وزرع العبوات الناسفة في أوساط الشيعة لاستقطاب أهل السنّة والتأثير

ص: 406


1- علي خسرو شيري، شهادت دیپلمات هاي ايراني در افغانستان، 2008 م، مرکز وثائق الثورة الإسلامية 2010 م http://irdC.ir/fa/conten/6417/default.aspx
2- المصدر نفسه
3- محمد رضا تاجیک، بررسی ساختار و تشکیلات گروه های تروریستي (مطالعه موردي سازمان القاعده)، طهران: مکتب نشر إنتاج العلم 2008 م صص 138 - 135

عليهم. أحياناً يقوم الإرهابيون بزرع الفزع والهلع بين الناس الأبرياء، واستهدافهم لإيصال رسائل إلى الطرف الآخر.

5.2. المستوى العالمي:

لا تقتصر سياسة العنف على البلدان الإسلامية فقط، بل تشمل آفاقاً أوسع لتشكّل تهديداً كبيراً للغرب والولايات المتحدة أيضاً. ولكي لا تتوقّف عجلة سياسة العنف عن الدوران، و تحافظ إلى حدّ ما على رونقها وجاذبيتها بعد هزيمة الروس في أفغانستان، تطلّبت هذه السياسة اللجوء إلى استراتيجية جديدة، ففيما يتعلّق بأسباب فشل المشاريع الجهادية سابقاً، توصّل التيار التكفيري إلى هذه النتيجة وهي استحالة إسقاط الأنظمة السياسة العربية ما دام الحكّام العرب يتمتّعون بدعم الولايات المتحدة، لذا، لا بدّ من جرّ هذه الأخيرة إلى حلبة الصراع مع الإسلاميين، لإجبار الأنظمة العربية على الدفاع عن الأمريكان وبالتالي إسقاط مشروعيتهم في أعين الشعوب العربية. وفي المقابل، تستفيد الأنظمة العربية الاستبدادية الفاشلة من تقوية التيار التكفيري لتأليب المشاعر المعادية للأمريكان والإسرائيليين، بهدف تغيير حالة عدم الرضا، أي، إنّ الطرفين يسعيان إلى تحقيق أهدافهما عبر استغلال ورقة الولايات المتحدة وإسرائيل(1).

وعليه، فإنّ مشروع ابن لادن كان يستوجب نقل الصراع من ساحة العدو القريب إلى العدو البعيد، لذلك أعلن كزعيم لتنظيم القاعدة عن تشکیل جبهة عالمية لقتال اليهود والصليبيين في 23 شباط / فبراير عام 1998 م، وبعد عدّة أشهر أخذت الجبهة طابعاً عملانياً من خلال تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في نایروبي ودار السلام(2).

ولكن يبدو أنّ موت أسامة بن لادن وضع بعض العراقيل في طريق التيار التكفيري، لهذا السبب آثرت سياسة العنف تدوير زاوية الصراع نحو العدو القريب، لتشتبك معه

ص: 407


1- کریستوفر هویت، درک تروریسم در آمریکا: از کوکلوس کلان تا القاعده؛ ترجمة: مؤسسه مطالعات اندیشه سازان نور، طهران: 2005 م ص 98)
2- مجيد مرادي، روايتي مستند از طالبان / نگاهی به کتاب "القاعده و هم پیمانانش" مجله پگاه حوزه، 2008 م العدد 230، 89 Www.hawzah.net

بشكل أكبر من العدو البعيد. فقد جاء في جزء من الإعلان الذي صدر عن أيمن الظواهري:

«إنّ استهداف عملاء أمريكا له شروطه الخاصة في كل بلد، والأساس هو عدم الدخول في صراع مباشر معهم عدا في بعض البلدان مثل سورية وأفغانستان والعراق واليمن والصومال حيث لا مفرّ من الصراع مع هؤلاء»(1).

مرة أخرى تبدو المسافة بين التيار التكفيري والولايات المتحدة قد تقلّصت في

سورية، على غرار ما حصل في الحرب ضدّ الروس في أفغانستان، ذلك أنّ الهدف المشترك والمصالح المشتركة المتمثّلة في إسقاط نظام بشار الأسد قد قرّبت بينهما.

فمن جهة، إنّ استهداف العدو القريب في خضم الأزمة السورية وفّر فرصة للحضور وممارسة سياسة العنف من جديد، وإثبات أنّ التيار ما زال ناشطاً حتى بعد موت بن لادن، ومن جهة ثانية، وفّر فرصة للغربيين لإلهاء التكفيريين من خلال خلق ظروف خاصة. ومعلوم أنّ تحويل الحرب في سورية إلى حرب استنزاف يتمّ فيها إضعاف طرفي الصراع عنيتُ الحكومة السورية والمعارضين التكفيريين هو أمرٌ يصب في صالح الغرب.

لقد استقطب التيار التكفيري عندما كان في أفغانستان اهتمام العالم الإسلامي الذي

اعتقد أنّه يقاتل الشيوعيين، ولكن عندما وضعت الحرب أوزارها استخدم سياسة العنف ضدّ بقية المذاهب الإسلامية، ما أضعف مكانته في العالم الإسلامي. لقد ذهب أبو مصعب الزرقاوي إلى العراق لمقاتلة الصليبيين، لكنّه في الحقيقة استهدف السنّة والشيعة معاً، وواصل هذا التيار سياسة العنف بأسلوب خاص في العراق والجزائر وفي قطار الأنفاق في أسبانيا وفي سورية وفي أماكن أخرى(2).

وكذلك فعل أسامة بن لادن في أيلول / سبتمبر في عام 2001 م عندما ضرب الداخل الأمريكي ولم يصغ إلى نصائح المعترضين داخل تشکیلاته نظير مضيفه الملا عمر في

ص: 408


1- ایمن الظواهري، ارشادهاي عمومي درباره فعالیت های جهادي، الثلاثاء 2013 م - 14: 48: 33 http://fa.alalam.ir/news/1517574
2- سيد مهدي علي زاده موسوي، جریان هاي درون وهابیت http://www.vahhabiyat.com/showdata.aspx?dataid=5607siteid=1

أفغانستان الذي حذّره من استهداف الأمريكان والاكتفاء بالهجوم على اليهود. وقد وجدت العجلة المفرغة لسياسة العنف ذريعة مناسبة في الغزو الأمريكي لأفغانستان، حيث أبيد وشُرّد جيل كامل من زعماء الجهاديين ومتطوعي المعسكرات الأفغانية، وطويت معه صفحة طالبان(1).

وفي تصريح خاص لجريدة "الأنصار" الألكترونية اعترفت أحد العناصر المقرّبة من أسامة بن لادن ولأول مرة بمسؤوليتها عن حوادث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر. فقد کتب هذا العنصر ويدعى "أبو عبيد القرشي" وكان أحد المساعدين المقرّبين من زعيم القاعدة، في مقال له ما يلي:

«يكفي تنظيم القاعدة فخراً أنّه حطّم في هجماته في الحادي عشر من سبتمبر الأسس الاستراتيجية الدفاعية للولايات المتحدة ... الأسس التي عجز حتى الاتحاد السوفيتي السابق عن تحطيمها ...»(2).

إنّ إلقاء نظرة على قائمة الهجمات الإرهابية الرئيسية التي يُعتقد بمسؤولية تنظيم القاعدة عن تنفيذها منذ عقد التسعينات سوف يساعدنا كثيراً على معرفة جوهر سياسة العنف. تتضمّن هذه القائمة ما يلي:

«في عام 1993 م الضلوع في تفجير مركز التجارة العالمية وأدّى إلى مقتل 6 أشخاص

في عام 1996 م قتل الجنود الأمريكان بالاشتراك مع الميليشيات الصومالية؛ تفجير المجمع السكني في الخُبر في الظهران بالعربية السعودية ومقتل 19 عسكري أمريكي؛ في عام 1998 م تفجير السفارتين الأمريكيتين في نایروبي ودار السلام وقُتل فيها 224 شخصاً، 12 شخصاً منهم فقط من الأمريكان في عام 1999 م تفجير المدمرة الأمريكية في شواطئ اليمن ومقتل 17 عسكرياً؛ في عام 2001 م هجمات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر في نيويورك وواشنطن؛ في عام 2002 م انفجار في موقع أثري في تونس ومقتل 17 شخصاً منهم 11

ص: 409


1- مجید مرادي، المصدر السابق www.hawzah.net
2- محمد رضا تاجیک، المصدر السابق، ص 100)

سائحاً ألمانياً. وفي نفس السنة حدث انفجار في باحة السفارة الأمريكية في كراتشي وقُتل فيه 12 شخصاً: انفجار في ملهى ليلي في مدينة بالي الأندونيسية ومقتل 202 شخص

معظمهم من المواطنين الأستراليين؛ في عام 2003 م تفجير المجمع السكني في مدينة الرياض بالسعودية ومقتل 18 أمريكياً؛ في عام 2004 م انفجار عشرة قنابل ضخمة في مدريد

ومقتل 191 شخصاً ...».

لقد اعترف أسامة بن لادن في وصيته التي نُشرت بعد موته بمسؤولية تنظيم القاعدة عن بعض التفجيرات التي نفذها، وأكّد في وصيته على سياسة العنف، ووصف العلماء السلفيين الذين لم يتماشوا مع نهجه بخونة الأمة وكتب يقول

لقد استدلّ الشيخ (...) وأتباعه أنّه لا بدّ من إرضاء اليهود والمسيحيين والرأي العام، وقد نسي أنّه بكلامه هذا يخالف قول الله سبحانه و تعالی

«وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ». أمثال هؤلاء العلماء خانوا رسالتهم المتمثلة في خدمة الأمة، وتولّوا أعداءها، وناصبوا العداء الطلائع المجاهدين الذين أذاقوا أمريكا طعم الهزيمة التاريخية. أحداث نیویورک وواشنطن هي ثالث ضربة قاصمة تتلقاها أمريكا، الضربة الأولى هي تفجيرات مقرّ المارينز في لبنان، والضربة الثانية تفجير السفارة الأمريكية في نایروبي ... وصيتي الأخيرة لجميع المجاهدين طهّروا صفوفكم من هؤلاء العلماء الأذلاء! وخاصة العلماء الذين

تخلّفوا عن الجهاد ويسعون في خنوع هذه الأمة ...»(1).

بناءً على ما تقدّم من كلام حول مستويات سياسة العنف في نشاطات التيار التكفيري يمكن أن نلخّص بعض الخصوصيات لهذه السياسة والتي في حال تشابهها مع

ص: 410


1- فردا نیوز، وصیت نامه بن لادن، الجمعه 28 رمضان 1423 ه http://www.fardanews.com/fa/news/146289/%D9%88%D8%B5%DB%8C%D8%AA-%D9%. 86%D8%A7%D9%85%D9%87-%D8%A8%D9%86-%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%86

خصوصيات الإرهاب، نكون قد برهنّا على فرضية أنّ سياسة العنف بمعناها الخاص

الإرهاب.

خلاصة البحث:

تبيّن لنا من المقال الحاضر أنّ التيار التكفيري يعتبر أنّ كل ما يفكّره ويعتقده يشكّل جزءاً لا يتجزأ من أصول الإسلام. ويلجأ هذا التيار إلى التكفير كوسيلة لتحقيق أهدافه بدلاً من الحجاج والبرهان. ويرى أنّ أفكاره هي الميزان للحكم على كفر الآخرين وإيمانهم.

یُقَسَّم التكفيريين إلى فئتين رئيسيتين، حكومية وغير حكومية، يعارض الحكوميون تشكيل الأحزاب والتنظيمات ويعتبرونها بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان، ويبرّر هؤلاء أداء حكوماتهم وتعاونها مع البلدان الغربية. في المقابل، يشکّک التكفيريون غير الحكوميين في مسألة تقليد رجال الدين السلفيين، ويمهّدون لانتقاد الحكّام والخروج على ولاة الأمر. ويعتبرون أنّ التقليد من أسباب الهلاک وله تأثير على الأفكار الإسلامية، وأنّ نتيجته إهمال النص الشرعي وتعطيل العقل البشري. أمّا نتائج هذا النهج هي أن قام كل شخص باستنباط الحكم الشرعي بصورة مستقلة فتمخّض عن ذلك تهيئة أسباب التطرّف. بالإضافة إلى الترويج لفردية الحكم والفتاوي إلى جانب التطرّف الفكري الذي يرتقي بالجهاد من مستوى الجهاد الدفاعي إلى الجهاد الابتدائي، وأخيراً المساعدات المالية والعسكرية التي تقدّمها البلدان مهّد الظروف لظهور سياسة العنف.

وعلى أيّ حال، فقد تخطّت سياسة العنف مستوى الجهاد الابتدائي أيضاً وتجاهلت الحقوق الابتدائية للبشر وقامت بإجراءات لاإنسانية، إذ وضعت هذه التيارات الهجوم على السفارات والمناطق المدنية ضمن لائحة نشاطاتها. على هذا الأساس، تتشابه سياسة العنف إلى حد بعيد مع نظام مفهومي خاص هو «الإرهاب». وهذا يعني أنّ سياسة العنف تشكّل مرکز دائرة تحيط بها خصوصيات من قبيل العنف، بثّ الرعب والهلع، الهدف الغائي، البعد السياسي، التنظيم، عدم القانونية وغير ذلك من الخصوصيات. وإذا كان الإرهاب يعني الرعب والهلع، وهدفه الغائي هو التأثير على الرأي العام، أو أنّ العنف

ص: 411

والبعد السياسي من خصوصيات الإرهاب(1)، فإنّ سياسة العنف تشكّل قلب هذه الخصوصيات في سلوك التيارات التكفيرية.

من ناحية، يستحضر بروز خصوصيات سياسة العنف معنىً خاصاً في الأذهان ينزع بشدّة نحو الإرهاب، ومن ناحية أخرى، لئن كانت سياسة العنف ترتبط ارتباطاً ذا معنی بالدين عبر مفهوم الجهاد بحسب رؤية التكفيريين، فإنّه من خلال نظرة فاحصة لمفهوم الجهاد يتبيّن لنا عدم ارتباطهما مفهومياً. ذلك أنّه لا نشاطات سياسة العنف تندرج ضمن دائرة الجهاد، ولا الأعمال اللاعقلانية للتكفيريين تتناسب مع السلوك الجهادي. فنشاطاتهم لا ترقى إلى مستوى الجهاد، لأنّها بنحوٍ ما منفصلة عن الرأي الفقهي والعقدي لغالبية المسلمين لأنّ العقيدة الغالبة لدى المسلمين تقوم على الجهاد الدفاعي. كما تصنّف نشاطاتهم على أنّها غير عقلانية لأنّهم يقتلون الأبرياء دون جريرة، ويرتكبون أعمالاً غير قانونية، ويتصرّفون أقبح التصرّفات تجاه الآخرين، تصرفات لا تضع مجالاً للشكّ في قبحها ولا عقلانيّتها.

ص: 412


1- محمد علي اردبيلي، تروریسم و دفاع مشروع از نظر اسلام (مجموعه مقالات) كلية العلوم القضائية، طهران: الصحيفة الرسمية 2002 م ص 119

المصادر:

الفارسية

1. البوطي، محمد سعيد رمضان، سلفيه بدعت یا مذهب، ترجمة: حسین صابري،

مشهد: آستان قدس رضوي 1375

2. صفا تاج، مجيد، تكفير، طهران: نشر اسلامي 2001 م

3. کوپل، جیل، پیامبر و فرعون، ترجمة: حمید رسایی، طهران: كيهان 1987 م

4. برزگر، ابراهیم، استعاره صراط در اندیشه سیاسي سيد قطب، طهران: جامعة

الإمام الصادق (ع) 2011 م

5. میر احمدي، منصور، مقایسه ویژگی معرفت شناختي جريان هاي فکري سیاسي معاصر در جهان اسلام، فصلية رهیافت سیاسی و بین الملل، العدد 8 شتاء 2006 م

6. قطب، سید، ادعانامه اي عليه تمدن غرب، ترجمة: السيد علي الخامنئي

والسيد هادي الخامنئي، مشهد: طوس 1972 م.

7. ------------، اسلام و عملکرد استعمار، ترجمة: اسد الله محمودي،

طهران: ناصر خسرو 1982 م.

8. ------------، ویژگیهای ایدئولوژي اسلامي، ترجمة: السيد محمد

الخامنئي، طهران: کیهان 1990 م.

9. ------------، اسلام و استعمار، ترجمة: محمد جعفر امامي، قم: امید، بلا

تاریخ.

10. مارسدن، پیتر، طالبان (جنگ، مذهب و نظم نوین در افغانستان)، طهران:

وزارة الخارجيه 2000 م

11. پولي، میشیل، دوران، خالد، بن لادن کیست؟ ترجمة: مهشید میر معزي،

طهران: روزنه 2001 م

ص: 413

12. فدوي، عبد القيوم، اسامه بن لادن و ماجراها، کابول: مفاخر، 2002 م.

13. عنایت، حمید، سیری در اندیشه سیاسی عرب، ط. 3، طهران: سپهر، 1984 م.

14. وودیس، جک، مقدمه اي بر استعمار نو، ترجمة: سعيد روحاني، طهران:

پیروز، 1980 م.

15. آیرملو، رضا، استراتژي استعمار نو، طهران: سپهر، 1987.

16. آ. کلارک، ریچارد، علیه همه دشمنان (جنگ داخلي آمریکا با ترور)، ترجمة:

کیوان افخمي نيا طهران: روشنگران و مطالعات زنان 2005 م.

17. اسماعیلی، حمید رضا، القاعده؛ از پندار تا پدیدار، طهران اندیشه سازان نور 2007 م.

18. بریزار، جان شارل بن لادن؛ حقیقت ممنوع، ترجمة: عبد الحسین نیک گهر،

طهران: آگاه 2002 م.

19. رشید، احمد، طالبان، اسلام، نفت و بازي بزرگ جدید، ترجمة: اسد الله

نشايي و صادق باقري، طهران: دانش هستي 2000 م.

20. تاجیک، محمد رضا، بررسی ساختار و تشکیلات گروههای تروریستي

(دراسة أحادية الموضوع لتنظيم القاعدة)، طهران: مکتب نشر إنتاج العلم 2008 م.

21. هيويت، کریستوفر، درک تروریسم در آمریکا: از کوکلوس کلان تا القاعده؛

ترجمة: مؤسسه مطالعات اندیشه سازان نور، طهران: 2005 م.

22. علي زاده، حسن، فرهنگ خاص علوم سياسي، طهران: روزنه 1998 م.

23. طلوعي، محمود، فرهنگ جامع سیاسي، ط. 2، طهران: علمي 1998 م.

24. اردبيلي، محمد علي، مفهوم تروریسم، در «تروریسم و دفاع مشروع از منظر

اسلام و حقوق بین الملل (مجموعة مقالات وكلمات المؤتمرين الخامس والسادس كانون الثاني / يناير 2001 م) طهران: الصحيفة الرسمية لكلية العلوم القضائية، 2002 م.

25. ره پیک، سیامک، تحليل تروریسم در نسبيت مفهومي امنیت و منافع ملي،

في «تروریسم و دفاع مشروع از نظر اسلام و حقوق بین الملل» (مجموعة مقالات)

ص: 414

26. عبدالله خاني، علي، تروریسم شناسي، طهران: ابرار معاصر، 2007 م.

27. اردبيلي، محمد علي، تروریسم و دفاع مشروع از نظر اسلام (مجموعه

مقالات) كلية العلوم القضائية، طهران: الصحيفة الرسمية 2002 م.

28. شیخ احمد، مهدي بخشي، بررسي و عوامل انديشه اي و عيني شکل گیري القاعده، أطروحة جامعية لمرحلة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة العلامة الطباطبائي، 2006 م ص 105.

المواقع الألكترونية

1. احمد نجمي، سيد قطب؛ طلایه دار بيداري اسلامي، مرکز وثائق الثورة الإسلامية،

http://www.irdc. ir/fa/content/5190/default.aspx

2. علي شقير، القاعده، نحوه شکل گیری و توسعه عقيدتي / عبد الله عزام که بود؟،

صحيفة السفير اللبنانية، الموقع الخبري عماد

http://emadnews.com/?p=133708

3. عصام العماد، جریان هاي جديد وهابیت 2008 م.

http://www.shia - news.com/fa/print/10717

4. وحيد مجده، چرا طالبان به ملا کشي روي آورده اند؟

http://www.zendagi.com/new_page_473.htm

5.یعقوب نعمتي وروجني، القاعده، تاریخچه و ریشه هاي فکري

http://www.bashgah.net/fa/content/show/36948

6. جامعة أهل السنة في الغرب 2010 م

http://www. Blogsky.Com/1387/04/02/ post - 172

7. روجر هاردي، جهاد و دلارهاي نفتي عربستان

http://islamworld2020.persianblog.ir/post/117

8. سلفي گرايي در سوریه و آینده بحران، مركز دراسات العلاقات الدولية

ص: 415

http://riirpolitics.com/?q=fa/node/1564

9. چرا ترکیه به دنبال تغییر رژیم در سوریه است؟ الأربعاء

2014/5/7 م

http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13910508001196

10. داوود فیرحي، مسائل جهان اسلام و تحولات اخیر کشورهاي عربي از نقطه

نظرات مختلف

Lemonpress.ir/fa/news/29804

11. قطر در رؤياي دستيابي به قدرت منطقه اي، نقلاً عن صحيفة جمهوري اسلامي

http://www.bashgah.net/fa/content/show/92941

12. ن. م آرمانپور، بدبختي افغانستان را باید در وابستگي پشتونیسم به استعمار

جستجو نمود، آذار / مارس 2009 م

Http: //www. Jawedan. Com

13. علي خسرو شیري، شهادت دیپلمات هاي ايراني در افغانستان، 2008 م، مرکز

وثائق الثورة الإسلامية 2010 م

http://irdC.ir/fa/conten/6417/default.aspx

14. مجيد مرادي، روایتی مستند از طالبان / نگاهی به کتاب "القاعده و هم

پیمانانش" مجلة پگاه حوزه، 2008 م العدد 230، 2010 م

www.hawzah.net

15. ایمن الظواهري، ارشادهاي عمومي درباره فعاليت هاي جهادي، الثلاثاء

2013/9/21

م - 14: 48: 33

http://fa.alalam.ir/news/1517574

16. سيد مهدي علي زاده موسوي، جریان های درون وهابیت

http://www.vahhabiyat.com/showdata.aspx?dataid=5607siteid=1

17. فردا نیوز، وصیت نامه بن لادن، الجمعه 28 رمضان 1422 ه

ص: 416

http://www.fardanews.com/fa/news/14628977.D9%88%D8 %B5%DB%8C%D8%AA-%D9%86%D8%A7%D9%85%D9%87-%D8%.

A8%D9%86-%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%86

المواقع الألكترونية العربية

1. الصويان، احمد بن عبد الرحمن، منهج اهل السنة و الجماعة في التقويم

الرجال و مؤلفاتهم (الرياض: شارع العليا العام) ص 18

http://books.google.com/books/about//.D9%85%D9%86%D97.871 D8%AC_%D8%A3%D9%87%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8 6%D8.A9_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7

2. سمير المغربي، أبو البراء، اقوال علماء السنه في جماعه اخوان المسلمين.

http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=29824

3. عزام، عبد الله، عملاق الفكر الاسلامي؛ الشهيد سيد قطب

http://www.tawhed.ws/r?i=k57givt8

4. ------------، سید قطب؛ عشرون عاما علي الشهاده

http://www.tawhed.ws/r?i=zeq020tn

5. ربيع الهادي مدخلي، منهج اهل السنة في النقد الرجال والكتب والطوائف،

صص 127 - 126

http://www.rabee.net/show_des.aspx?pid=1id=15

ص: 417

ص: 418

تشكيلة الحكومة في الفكر السلفي التكفيري

تأليف: محمد إسماعيل نباتیان(1)

ترجمة: رعد الحجاج

نبذة:

على الرغم من أنّ الحركات السلفية و التيارات التكفيرية قد نمت و ترعرعت في أحضان الفكر السني، لكنّها ابتعدت عن مذاهب أهل السنة و انفصلت عنهم على الصعيد العقائدي و السياسي و الاجتماعي بطموحاتها الرامية إلى إحياء الخلافة الراشدة و جهودها المرتكزة على ضرورة الخروج من الوضع القائم و الرجوع إلى عصر السلف الصالح، فالحكومة التي تتطلع لها التيارات السلفية التكفيرية مستمدة في تركيبتها و أدائها من العصور السابقة و من الخلافة الراشدة تحديداً، بل حتى أساليب الوصول إلى السلطة و كسب الاقتدار السياسي تتلخص برأي هذه التنظيمات في الجهاد أو اختيار أهل الحل و العقد. و من هنا فهي ترفض بشدة التمسك بالتجارب البشرية الحديثة في صياغة أسس الحكومة و الأطر التي تستند عليها، خلافاً لشكل الحكومة في الفكر الإسلامي المعاصر، فكانت سمتها التحجر و التعصب و الأخذ بالظواهر و اعتماد التفسير بالرأي للآيات و الروايات؛ لطرح أنموذج مستبد للحكومة و غير ملبٍّ للاحتياجات على أساس قوانين الشريعة بحسب فهمهم و تفسيرهم، كما أنّ الشعب برأيهم مسؤول تجاه هذا النوع من الحكومة فقط؛ و لذا فهم يحاربون بشدة العناصر الحديثة في الحكومة، خصوصاً دور الشعب في السلطة.

الكلمات المفتاحية: السلفيون، التكفيريون، الحكومة، الخلافة، الجهاد.

ص: 419


1- خريج الحوزة العلمية في قم و حاصل على شهادة الدكتوراه في الثورة الإسلامية

المقدمة:

إنّ دراسة تشكيلة الحكومة في الفكر السلفي التكفيري دراسة دقيقة و منطقية يستلزم اتخاذ إطار نظري صائب. و حيث إنّ هناك اختلافاً بين شكل الحكومة في فكر هذه التيارات و الحركات و بين باقي التيارات الإسلامية، لا سيما في مجال التركيبة و الأداء للنظام السياسي، فقد استفدنا في تحليل الموضوع من أسلوب التحليل النظامي. و في هذا السياق، بحثنا في قسم التركيبة عناصر السلطة و حدودها و مؤسسة السلطة، و سلطنا الضوء في قسم الأداء على مركز القيادة و نطاق السلطة و اتجاهها.

وحيث إنّ مفهوم «السلفية التكفيرية» من المفاهيم الأساسية في هذا المقال لا بد لنا

من أن نبين المعنى المراد من هذا المفهوم.

يطلق مفهوم «السلفية التكفيرية» على جماعة السلفيين الذين يكفّرون المخالفين لهم، و يؤمن السلفيون بحسب مبانيهم الفكرية بوجود تلازم بين الإيمان و العمل، بمعنى أنّه لو ارتكب الإنسان المؤمن الكبائر فإنّ ذلك يوجب خروجه من الدين و صيرورته کافراً، بل يجب مجاهدته إن كان كفره من الكفر الأكبر، و كان الخوارج هم الفرقة الوحيدة في التاريخ الإسلامي التي تؤمن بعقيدة التكفير(1).

وقبل الشروع في التفاصيل، لا بأس بالإشارة إلى أنّ هذا المقال تطرق إلى تحليل الحكومة في الفكر السلفي التكفيري على أساس النظرة من الداخل، و حاول التمسك بنتاجات المفكرين و القادة في التيار السلفي التكفيري لبيان و تحلیل رؤيتهم إلى الحكومة و السياسية.

نبذة تاريخية عن الحركة السلفية التكفيرية، السياسية الدينية

من نقاط التحول المهمة في تاريخ نشوء و تطور الفكر السياسي للحركة السلفية التكفيرية و التي تشكل انعطافة و انطلاقة لهذا الفكر في العالم الإسلامي، موضوع إلغاء الخلافة العثمانية

ص: 420


1- انظر: علي زادة موسوي، سید مهدی، تبارشناسی سلفی گری و وهابیت، ج 1، ص 94

عام 1924 م بحكم من المجلس الوطني في تركيا(1). و من التداعيات المهمة التي نجمت عن إلغاء الخلافة، بروز الطموح إلى الخلافة و العودة إلى عهد السلف الصالح و الخلافة الراشدة في عالم أهل السنة. وسنبحث هنا النقاط الرئيسة في المسيرة السياسية و العقائدية للتيار السلفي التكفيري ضمن أربعة مراحل جوهرية. و من الجدير بالذكر أنّ ابن تيمية، أحد علماء القرن السابع الهجري، يمثل منشأ انبثاق الحركة السلفية التكفيرية و يعد المنظر الرئيس لها(2)، و كانت توجهاته عقائدية أكثر من كونها سياسية. ثم تلاه في القرن الثاني عشر الهجري محمد بن عبد الوهاب، الذي انبرى لنشر هذا الفكر المنحرف في العالم الإسلامي و ربطه بالسياسة، فكانت الحصيلة هي الوهابية السياسية التي تجسدت بالنظام القَبلي لآل سعود في المملكة العربية السعودية(3). و قد انتهج الفكر السلفي سياسة التكفير على أساس العقيدة و ركز على تكفير الشيعة أكثر من غيرهم.

1- المرحلة الأولى: سقوط الخلافة العثمانية و بروز الطموح إلى الخلافة

أسفر سقوط الخلافة العثمانية عن ظهور الطموح إلى إحياء الخلافة الإسلامية و العودة إلى عصر السلف الصالح، و قد كان هناك دور مؤثر لبعض المفكرين من أمثال رشید رضا و جمعية الإخوان المسلمين في نهضة الفكر السلفي و بسطه في مناطق مختلفة

(الفكر السلفي بطابع سلفي دعوي). و في هذا السياق و بهدف إحياء الخلافة الراشدة، قدم رشيد رضا مشروعاً عملياً لإحياء الخلافة المقترحة، حدد فيها الخليفة و مرکز الخلافة (مدينة الموصل) و طريقة تعيين الخليفة (أهل الحل و العقد و مجلس الشوری) و شروط الخليفة (أن يكون مجتهداً و قرشياً)(4). كما كانت حركة الإخوان المسلمين بصدد إحياء مقولة السلف الصالح و العودة إلى عهد الخلافة الراشدة من خلال توجهها السلفي

ص: 421


1- انظر : عنایت، حمید، اندیشه سیاسی در اسلام معاصر، ص 115
2- انظر: علي زادة موسوی، سید مهدی، تبارشناسی سلفی گری و وهابیت، ج 1، ص 31
3- انظر: مؤسسة اندیشه سازان نور للدراسات، و هابیت سیاسی، ص 105 و 159
4- عنایت، حمید، اندیشه سیاسی در اسلام معاصر، ص 132؛ و انظر كذلك: أبو مصعب السوري، عمر عبد الحکیم، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، ص 444

الدعوي(1). و من الخصائص المهمة لهذه المرحلة، التأكيد على السلفية دون تكفير باقي المذاهب الإسلامية، و منهج الدعوة، و جواز الاستفادة من المؤسسات و الوسائل الحديثة کالبرلمان و الانتخابات و غيرها لنيل الأهداف المتوخاة(2).

2- المرحلة الثانية: معالم في الطريق و رسم الطريق إلى الجهاد التكفيري

فتح سيد قطب صفحة جديدة و أوجد نقطة تحول في الفكر السلفي التكفيري، خصوصاً التكفير السياسي(3). فيعتبر کتابه «معالم في الطريق» مرشداً إلى التحول المذكور و الدخول في الخطاب السلفي التكفيري الذي يشيد کيانه على أنقاض تكفير الآخرين

(العلمانيين على وجه الخصوص). فكان تصنيف المجتمعات إلى «مجتمع جاهلي و مجتمع إسلامي» و التأكيد على ضرورة الخروج من المجتمع الجاهلي (الذي يشمل جميع المجتمعات المسلمة و غير المسلمة أيضاً) عن طريق الهجرة أو الجهاد، كان ذلك بمثابة إطلاق استراتيجية لتأسيس مجتمع إسلامي، و كان سيد قطب يؤمن بأنّ الخروج من المجتمع الجاهلي يستلزم ثورة حقيقية بزعامة قائد الأمة و بتأثير من الجيل القرآني الذي يقصد به الصحابة(4). وفي هذا الإطار، حين يبلغ المؤمنون بهذه العقيدة ثلاثة نفر يتكون مجتمع إسلامي مستقل، منفصل عن المجتمع الجاهلي الذي لا يدين لهذه العقيدة..... و الثلاثة يصبحون عشرة، و العشرة يصبحون مائة، و المائة ألفاً، و الألف يصبحون اثني عشر ألف، و يبرز و يتقرر و جود المجتمع الإسلامي. و يكون القتال في هذا المسار دائمياً و يبقى الجهاد قائماً حتى يوم القيامة(5).

ص: 422


1- عنایت، حمید، اندیشه سیاسی در جهان عرب، ص 125؛ و انظر كذلك: خدوری، مجید، گرایش هاي سياسي در جهان عرب
2- انظر : عنایت، حمید، اندیشه سیاسی در جهان عرب، ص 125
3- انظر: الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 11 - 12؛ حسین بن محمود، مراحل التطور الفكري لحياة سید قطب، ص 49؛ عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 12
4- انظر: معالم في الطريق، ص 22
5- انظر: سيد قطب، معالم في الطريق، ص 105 - 106

وقد تجلت تداعيات أفكار سيد قطب بعد إعدامه عام 1966 م، حيث مال أتباعه إلى الهجرة و الجهاد ضد المجتمع الجاهلي الموجود(1)، و تشكلت فئتان متطرفتان هما جماعة المسلمين (الهجرة و التكفير) بقيادة أحمد شكري مصطفى(2)، و جماعة الجهاد بزعامة محمد عبد السلام فرج. فألّف الأخير، و هو المؤسس و المنظّر لجماعة الجهاد، کتاب «الجهاد الفريضة الغائبة»، و بيّن فيه طريقة القيام على المجتمع الجاهلي و أشار إلى أولوية الجهاد ضد الحكومات العلمانية (العدو القريب)، فتجلى ذلك عملياً باغتيال أنور السادات، الرئيس المصري السابق، عام 1980 م، على يد أعضاء جماعة الجهاد(3).

ومما امتازت به هذه المرحلة، دخول مفهوم التكفير إلى دائرة العقائد السياسية - الدينية للحركة السلفية، ليشمل جميع شؤون الحياة الاجتماعية و السياسية أيضاً، بما فيها شكل الحكومة و الديمقراطية، خلافاً للتكفير في المفهوم الوهابي الذي يقتصر على العقائد الفردية مثل التوسل و الزيارة(4).

3- المرحلة الثالثة: أفغانستان موضع تأسيس

تنظيم القاعدة و الشبكة العنكبوتية

التكفيرية

أدى هجوم الاتحاد السوفيتي على دولة أفغانستان المسلمة عام 1979 م من جهة، و القمع الشديد و التضييق على الحركة السلفية التكفيرية في مصر و باقي البلدان العربية من جهة ثانية، أدى إلى نزوح المجاهدين العرب تدريجياً إلى أفغانستان من أجل الجهاد ضد الكفار(5). و إلى جانب الحضور المتقطع للمجاهدين في أفغانستان، تحولت جماعة الجهاد (بقيادة الدكتور المصري أيمن الظواهري، المقرب من محمد عبد السلام فرج، و الذي أطلق سراحه من السجن عام 1985 م)، في ظل تجربتها و خبرتها في فنون القتال إلى مركز للتأثير على الشباب، و أضحت تضم الحلقة الأساسية لأنصار أسامة بن لادن، ثم

ص: 423


1- انظر: الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 13
2- انظر: کوبل، جیل، پیامبر و فرعون، ص 87 - 101
3- انظر: كوبل، جیل، پیامبر و فرعون، ص 233 - 240؛ عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 14 - 18
4- انظر: ضحى الخطيب، ضوابط التكفير بين الأمس و اليوم، ص 85 و 112 و 192
5- انظر: عبد الله عزام، إعلان الجهاد، ص 5: عبد الله عزام، جهاد الشعب المسلم، ص 12

مهدت بمرور الزمن لهيمنة الأفكار السلفية التكفيرية على العرب الأفغان(1)، و تحولت في عقدي الثمانيات و التسعينات من القرن العشرين إلى عدو بعيد لأمريكا و الصهيونية، و هو ما أفرز تشکیل

جبهة الإسلام العالمية المناهضة للصهيونية عام 1988 م، أعقبها تفجيرات سفارتي أمريكا في كل من كينيا و تنزانيا في العام ذاته، ثم حادثة الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا(2). و ترتكز استراتيجية القاعدة على إيجاد شبكة واسعة في العالم و الجهاد لتأسيس إمارات، فكان أول مصاديقها تأسيس إمارة طالبان في أفغانستان عام

1995 م.

4- المرحلة الرابعة: خلافة داعش

أسفر هجوم القوى الغربية على العراق و سقوط صدام حسين عام 2003 م عن إحداث فراغ في السلطة هناك، الأمر الذي مهد الطريق لظهور بعض الفرق السلفية التكفيرية التابعة لتنظيم القاعدة، و من العوامل الأخرى المؤثرة في هذا المجال سيطرة الشيعة على مقاليد الحكم في العراق باعتبار أنّهم كفرة تُهدر دماؤهم من وجهة نظر التكفيريين، و كذلك تواجد أمريكا (بصفتها عدواً بعيداً) في العراق أيضاً.

وفي عام 2006 م، تأسس تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين (جماعة التوحيد و الجهاد) بقيادة أبي مصعب الزرقاوي (من أبرز القادة في القاعدة و أمير فرعها في العراق)(3). وفي عام 2008 م، و تمشياً مع استراتيجية القاعدة القائمة على تأسيس إمارات و دول صغيرة و متنقلة، تشكلت الدولة الإسلامية في العراق. و بمقتل أمراء هذه الدولة، أبو مصعب الزرقاوي عام 2006 م و أبو عمر البغدادي عام 2010 م، تم تنصيب إبراهيم عواد إبراهيم البدري السامرائي، المعروف بأبي بكر البغدادي، أميراً على الدولة الإسلامية في العراق من قبل مجلس الشورى في تنظيم القاعدة. و على الرغم من مخالفة تنظيم القاعدة المركزي، وسع البغدادي دائرة عملياته لتمتد إلى سوريا، فاحتل أجزاء من الأراضي

ص: 424


1- انظر: الطويل، كميل، القاعدة و أخواتها، ص 293 و 388؛ أبو قتادة الفلسطيني، حكيم الحركة الإسلامية، ص 3 - 4
2- انظر: الطويل، کمیل، القاعدة و أخواتها، ص 402 - 403
3- انظر: کرمي، کامران، سلفی گری و خاور میانه عربی، ص 26 - 29

السورية و أطلق على التنظيم الذي يقوده اسم «الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش)»، ثم هاجم مدينة الموصل و احتلها عام 2014 م، معلناً الخلافة الإسلامية و مطالباً جميع المسلمين بمبايعته و الهجرة إلى العراق(1).

والنقطة الهامة في إعلان الخلافة من قبل البغدادي هي تغيير استراتيجية القاعدة من تأسيس إمارات إلى إرساء الخلافة؛ ولهذا السبب قوبل برد فعل عنيف من السلفية الموالين للقاعدة، و لكن في ضوء التطلع إلى عودة الخلافة التي غدت محط اهتمام كبير منذ سقوط الخلافة العثمانية، كانت بعض الحركات و التيارات التفكيرية تصبو إلى إعلان الخلافة و إذابة جميع الحدود الجغرافية بين البلدان باعتباره هدفاً استراتيجياً، إلى درجة أنّ هذه التيارات دعت أتباعها من أندونيسيا حتى المغرب إلى مبايعة داعش، و إن انبری

علماء أهل السنة و بعض التيارات السلفية التكفيرية إلى التصدي لهذه الفكرة.

خصائص الحكومة في الفكر السلفي التكفيري

إنّ إلقاء نظرة إلى الآراء التي يتبناها زعماء الحركة السلفية التكفيرية و أدائهم السياسي يكشف عن وجود شبَه كبير بينها و بين النظام السياسي القديم عند أهل السنة، خصوصاً أن هناك انسجاماً بين مختصات الحاكم في تجربة خلافة الخلفاء الراشدين و بین الحكومات التقليدية السلطوية بالنظر إلى هدف هذه الحركة في إعادة تأسيس خلافة الخلفاء الراشدين. و مع ذلك، فإنّ هناك و جوه اختلاف كثيرة بين الاثنين. و قبل بیان خصائص الحكومة في الفكر السلفي التكفيري، لا بد من التعرض إلى ضرورة الحكومة و مشروعيتها من وجهة نظر الحركة المذكورة.

ضرورة تأسيس حكومة إسلامية

إنّ النظرة السلبية التي يحملها السلفيون للمجتمع الحالي و اعتباره مجتمعاً جاهلياً من جهة، و تبعاً لذلك كونهم يحملون انطباعاً مثالياً لعصر الخلفاء الراشدين و السلف الصالح من جهة ثانية، دفعهم إلى التأمل في سبل الخروج من المجتمع الجاهلي المعاصر و بلوغ أنموذج

ص: 425


1- انظر: الأثري، أبو همام بکر بن عبد العزيز، مدّ الأيادي البيعة البغدادي، ص 2 - 5

الحیاة الاجتماعية و السياسية للسلف الصالح، لا سيما الخلافة الراشدة. و من القضايا المجمع عليها تقريباً بين قادة التيار السلفي التكفيري و مفکریه، ضرورة تشكيل الخلافة على منهاج النبي صلی الله علیه و آله وسلم، و إن كان هناك خلاف في وجهات النظر بين قادة السلفيين حول سبل تحقيق هذا الهدف. و من هنا، قال محمد عبد السلام فرج، أحد مؤسسي التيار السلفي التكفيري في مصر، في كتابه «الجهاد الفريضة الغائبة» حول ضرورة إقامة الحكومة:

«إنّ حكم إقامة حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين، و تكون أحكام الله فرضاً على المسلمين و بالتالي قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين؛ لأنّ ما لم يتم الواجب إلا به فهو و اجب، و أيضاً إذا كانت الدولة لن تقوم إلا بقتال فواجب علينا القتال، و لقد أجمع المسلمون على فرضية إقامة الخلافة الإسلامية، و إعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة و

هي الدولة الإسلامية... فعلى كل مسلم السعي لإعادة الخلافة»(1). إنّ الهدف النهائي للإيديولوجية السلفية التكفيرية لتنظيم القاعدة هو تشكيل حكومة دينية على غرار السلف الصالح، تبسط هيمنتها على العالم بأسره. على أنّ هذه الحكومة الدينية التي تشكل المجتمع الديني تمثل أهم مطالب القاعدة و القوة المحركة لها(2). وفي الحقيقة، فإنّ إمارة طالبان في أفغانستان هي المظهر الحي و المصادق الجلي للحكومة التي تنشدها القاعدة؛ و على هذا الأساس، قال أسامة بن لادن: خرجنا من أوطاننا لنجاهد في سبيل الله القادر المتعال... هدفنا و ما تصبو إليه قلوبنا هو أن نجاهد في طريق إرساء الحكومة الإسلامية و تطبيق الأحكام الإسلامية، هذا هو هدفنا(3).

وقال رفاعي سرور، و هو من منظري السلفية التكفيرية: الهدف الأساس الذي ترمي الحركة الإسلامية إلى تحقيقه هو تأسیس مجتمع إسلامي قائم على التوحيد و الجهاد و إقامة دولة تؤسس للخلافة الإسلامية(4).

ص: 426


1- عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 4
2- انظر: الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 231 - 232
3- انظر: الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 174 - 177
4- انظر: سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 198

إنّ تجربة الإسلام التاريخية حول أول خليفتين، و كذلك تأكيد القرآن على لزوم التشاور، دفع إلى تعزيز النظريات النخبوية بنظر قادة التيارات السلفية التكفيرية و اعتقادهم بضرورة المشورة مع أهل الحل و العقد و الصفوة من علماء السلف، و لكن لا يمكن تعميم هذه المشورة على جميع الأفراد و الجماعات الأخرى مطلقاً، و لذا أكل الظواهري على أنّه ليس للمجاهدين الحكم بالقوة أو الأخذ بزمام الحكومة مباشرة، بل يجب على الحكومة العمل بمبدأ الشورى الإسلامي و تطبيق فريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما يجب أن تكون مستندة إلى رأي أهل الحل و العقد و الأخذ بآراء

العلماء بصفتهم خبراء الشريعة(1).

ومع ذلك، فإنّ الحكومة التي تطمح هذه التيارات و الحركات إلى إقامتها متماهية مع الخلافة من النوع الثاني، أي الخلافة الفعلية، التي أشار لها رشيد رضا، على الرغم من نظرتها المثالية لخلافة الخلفاء الراشدين. حيث فرّق رشید رضا بين الخلافة المثالية (التي كانت موجودة في عصر الخلفاء الراشدين) و الخلافة الفعلية (التي غطت الجزء الأكبر من تاريخ المسلمين)، ثم قسّم الأخيرة إلى إمامة الضرورة و التغلب بالقوة، و أثبت أنّ هذه الخلافة ممكنة بعنوان ضرورة مؤقتة ضمن شروط معينة(2). و كما ورد في حديث رفاعي سرور، فإنّ هدف هذه الحركات هو إقامة دولة إسلامية للتمهيد لتأسيس الخلافة الإسلامية، و الدولة الإسلامية تتفق مع الخلافة الفعلية التي طرحها رشید رضا أكثر من غيرها.

ومن هذا المنطلق، رفضت جميع التيارات و التنظيمات التابعة للقاعدة في البلدان المختلفة تقريباً الخلافة الإسلامية لداعش في العراق و الشام، مشددين على أنّ هدفهم هو تأسيس إمارة إسلامية مشابهة لحكومة طالبان في أفغانستان(3).

ص: 427


1- انظر: افشار، حسام، کالبدشکافی تفکر و هابیت و القاعده، ص 12
2- انظر : عنایت، حمید، اندیشه سیاسی در اسلام معاصر، ص 132
3- انظر: الفلسطيني، أبو قتادة، ثياب الخليفة، ص 3: عبد الحليم، طارق، الخلافة بين السنية و العبثية، ص 5؛ الظواهري، أيمن، رسالة الشيخ د. أيمن الظواهري و جوابه على المشايخ بشأن تنظيم «الدولة»، ص 2

الجهاد هو السبيل الوحيد لإقامة الحكومة المشروعة و الضرورية

يعتبر الجهاد - بصفته الحل الوحيد للعبور من المجتمع الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي - من العناصر الأساسية و الجوهرية في الفكر السياسي للحركة السلفية التكفيرية(1)؛ و لذا فقد اعتُبر الجهاد من أوجب الواجبات و أسمى العبادات. قال عبد السلام فرج في كتاب «الجهاد الفريضة الغائبة»: «من يريد حقاً أن ينشغل بأعلى درجات الطاعة و أن يكون في قمة العبادة فعليه بالجهاد في سبيل الله»(2)، و ذلك في ضوء الدور الكبير الذي يلعبه الجهاد بنظر هذه التيارات و الحركات التي تطلق على نفسها اسم «السلفية الجهادية»(3).

وقد قسّم محمد عبد السلام فرج أعداء الإسلام إلى عدو قريب (الحكام الذين يحكمون في العالم الإسلامي) و العدو البعيد (الاستعمار و إسرائيل)، مؤكداً على أنّ جهاد العدو القريب أولى من البعيد، قائلاً: «إنّ قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد؛ لأنّ سبب و جود الاستعمار (العدو البعيد) في البلدان الإسلامية هم حكام المسلمين؛ و لذا فإنّ الشروع بقتال الاستعمار غیر مجدٍ و مضيعة للوقت»(4). معولاً في هذا القول على رأي ابن تيمية، حيث نقل أنّه يقول: «كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنّه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين، و إن تكلمت بالشهادتين»(5).

على أنّ هذا التيار يسعى إلى إعطاء معنى ضيق للجهاد مباین للمفهوم الواسع له في المصادر الإسلامية؛ فعلى سبيل المثال، ذهب الدكتور الشيخ عبد الله عزام، أحد كبار القادة و المفكرين في الحركة السلفية إلى أنّ ثمة فهماً غير صحيح لكلمة الجهاد بين المسلمين(6) و قال أيضاً: «الجهاد عبادة من أرفع الفرائض و أفضلها عند الله»(7)

ص: 428


1- انظر: السوري، أبو مصعب، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 888 - 893؛ عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 11
2- عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 11
3- انظر: الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 19
4- عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 15 - 16
5- ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، باب الجهاد، ص 281
6- انظر: عزام، عبد الله، في خضم المعركة، ص 1 - 2
7- عزام، عبد الله، إعالان الجهاد،ص 1

والجهاد في الفكر السلفي التكفيري - كما ذكرنا آنفاً - يشكل طريقاً للخروج من العالم الجاهلي و نيل الحكومة و الخلافة الإسلامية، و لذا قال رفاعي سرور في هذا الصدد: «باعتبار أنّ للسلطة حداً نهائياً و هو الخلافة؛ أصبحت الخلافة هي الصيغة السياسية لغاية الهداية، و لكن إقامة السلطة ابتداًء، و الخلافة كحد نهائي لها تقتضي القوة، و القوة تقتضي الشهادة، و الشهادة تقتضي الجنة»(1).

وأكد الظواهري، أمير جماعة القاعدة،

بشأن استراتيجية هذا التنظيم في الاستفادة من الجهاد على أنّ استراتيجية الحركة الجهادية لا بد أن تقوم على أساس السيطرة على جزء من الأراضي في قلب العالم الإسلامي لإقامة الدولة الإسلامية التي تمهد لعودة الخلافة الراشدة وفقاً للمنهج النبوي، فالنصر لا يتحقق إلا باحتلال الأراضي، كما حصل لحركة طالبان في أفغانستان(2).

المشروعية الإلهية

لما كانت الحركة السلفية التكفيرية تعتبر حكومة الخلفاء الراشدين هي الحكومة المثالية و النموذجية للحكم، فإنّها رفضت كل أشكال الأنظمة السياسية الأخرى لتمثيل الخلافة الدينية؛ ولذا فهي ترى أنّ الحكومات القائمة في البلدان الإسلامية - و التي و جدت عن طريق الغلبة - مرتدة و كافرة، بل من الواجب العيني القيام بوجهها باعتبارها من العدو القريب. و بطبيعة الحال فإنّ هذه الرؤية مخالفة لنظرية الخلافة القديمة و الحديثة أيضاً لأهل السنة؛ إذ ذهبت النظرية القديمة إلى أنّ الاستيلاء و الغلبة أحد أهم مصادر المشروعية، فلا تجوز محاربة الحكومة و الثورة عليها، و أقرت النظرية الحديثة لأهل السنة بأنظمة الحكم الحديثة مثل الديمقراطية.

ص: 429


1- سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 82
2- انظر: الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 231

ويؤمن هؤلاء بأنّ مشروعية الحكام من العالم العلوي، ولا بد من وجود منشأ ديني مستمد من الشرع لقادة المجتمعات(1). و حتى لو كان التغلب و الغلبة أساس المشروعية، لا مشروعية للحكومات الموجودة المنبثقة عن تلك الغلبة من وجهة نظر الحكومة التكفيرية؛ بل هي مرتدة و كافرة، و الثورة عليها و اجب عيني؛ لأنّها لم تنهض لإجراء الأحكام الإسلامية.

جدير ذكره أنّ هذه الحركات ترتكز إلى العقيدة في إطلاق هذه الأفكار؛ و عليه فالمشروعية إلهية فقط؛ و في المحصلة لا دور للإنسان في هذا المجال، و يترتب على ذلك المخالفة الشديدة للأفكار التي تتمحور حول الإنسان؛ و لهذا السبب تناهض الديمقراطية و متطلباتها مثل الانتخابات و الفصل بين السلطات، و تعدّ ذلك من الشرك و الكفر(2).

وفيما يلي نسلط الضوء على خصائص الخلافة و الحكومة بنظر التيار السلفي

التكفيري.

1- الاستئثار بالسلطة

تمثل خلافة الخلفاء الراشدين الحكومة النموذجية للسلفيين التكفيريين، و يتسم هذا النحو من السلطة بالاستئثار بالسلطة و الاستحواذ على مقاليد الحكم الذي تميزت به الحكومات التالية في العالم الإسلامي. و يؤمن هذا التيار بالمرجعية السياسية للسلف، و يقول: يجب إقامة الخلافة بشكلها الأول أي الخلافة الراشدة، لكنّ بعض المنتمين لهذا التيار يرون عدم إمكان تطبيق خلافة الخلفاء الراشدين في العصر الحالي، و يؤكدون على أنّ عصر و قوعه يأتي بعد ظهور المهدي الموعود (شروط الخلافة الراشدة و إثبات أنّها لا تكون إلا للمهدي في آخر الزمان)؛ و لذا فهم بصدد تأسيس إمارات أو دولة إسلامية كإمارة طالبان في أفغانستان، و لا غرو في أنّ نظام الإمارة أو الدولة الإسلامية شكل من

ص: 430


1- انظر: السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 1079
2- انظر: السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 1021؛ الطرطوسي، أبو بصیر، حکم الإسلام في الديمقراطية، ص 5: الزرقاوي، أبو مصعب، الديمقراطية، ص 3

أشكال السلطوية و نزعة الاستئثار بالسلطة، فتهيمن هذه النزعة على القائلين بهذا النظام السياسي حتى لا يبقى مجال للحديث عن الحرية و المشاركة السياسية للشعب؛ الأمر الذي جعل الحركة السلفية التكفيرية تنهي بشدة عن مظاهر المشاركة التي تتجسد بالديمقراطية و الانتخابات و الفصل بين السلطات، بل عدوّها من مظاهر الشرك و الكفر التي تقود صاحبها إلى الخروج عن الدين، فقال أحدهم في هذا المجال، لاشك في أنّ الديمقراطية من الكفر الذي تأباه النفوس السليمة و المؤمنة(1). و قال أيضاً: الديمقراطية فتنة العصر حيث تؤلّه المخلوق بدل الخالق.

وقال عمر عبد الحكيم (أبو مصعب السوري)، وهو أحد مفكري السلفية التكفيرية،

في كتاب «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، الذي يعدّ من أهم كتب هذا التيار:

-يعتبر الجهاديون الديمقراطية فلسفة و نظاماً كفرياً يتناقض مع دین الإسلام جملة و تفصيلاً... و يعتبر جمهور الجهاديين الديمقراطيين من الإسلاميين بدخولهم البرلمان و المشاركة في السلطة التشريعية أو الوزارات و الحكومات، و هي السلطات التنفيذية، يعتبرونهم متلبسين

بعمل من أعمال الكفر»(2).

وقد بلغت هذه النظرة السلبية إلى الديمقراطية حداً اعتبرها تنظيم داعش مسوغاً لقتل

1000 شخص

من أهل السنة تابعين للجيش السوري الحر، بدعوى أنّهم يساعدون الجيش الحر الذي يصرح بإقامة الديمقراطية، و هي بنظر علمائهم كفر؛ لأنّها مبنية على العلمانية(3).

ويرى قادة الحركة السلفية التكفيرية أنّ الديمقراطية قائمة على أساس رأي الأكثرية، بمعنى لزوم القبول برأي الأكثرية مهما كان، حتى لو كان باطلاً و كفراً. و عليه، فالديمقراطية تعتبر الحقيقة مع الأكثرية، و هو مبدأ باطل بنظر الإسلام؛ إذ الحقيقة من و جهة نظره هي المطابقة للكتاب و السنة، سواء آمن بها الأكثرية أم الأقلية؛ و لذا فكل ما

ص: 431


1- الطرطوسي، أبو بصير، حكم الإسلام في الديمقراطية، ص 7
2- السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 794
3- انظر: أبو الزبير، مختار، الدولة الإسلامية باقية، ص 5

يخالف الكتاب و السنة باطل، و إن وافقت عليه الدنيا كلها(1). و بعبارة أخرى: السبب في معارضتهم للديمقراطية هو تشكيل الحكومة فيها بغير ما أنزل الله، و أنّ الحكم فيها مطابق للقوانين الوضعية البشرية أو الأعراف و التقاليد، و هو کفر و شرك(2).

بيد أنّ هذا الكاتب عمد في موضع آخر إلى تلطيف رأيه إلى حدٍّ ما، فقال:

ليس للمجاهدين تولي الحكومة بالقوة أو الأخذ بزمام السلطة بصورة مباشرة، بل لا بد من الرجوع إلى مبدأ الشورى الإسلامي و تطبيق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما يجب مراعاة رأي أهل الحل و

العقد و ملاحظة رأي العلماء باعتبارهم خبراء الشريعة(3).

وفي هذا السياق، جاء في رسالة إلى الزرقاوي، أمير القاعدة في العراق، نُشرت في 9 تموز 2005 م، في خصوص ضرورة الاهتمام بالمقتضيات و المصالح السياسية و التحذير من تكرار أخطاء طالبان: لا يمكن أن يتم الجهاد في العراق دون الحصول على الحد الأدنى من الدعم الشعبي(4).

وبهذا يتبين من أفكار زعماء التيار السلفي التكفيري و من آثارهم و نتاجاتهم أنّ الفكر السلفي أساساً يعتمد على مبدأ الغلبة، و إذا ما أشير إلى رأي أهل الحل والعقد أو رأي الشعب فإنّ ذلك من باب المقتضيات السياسية.

2- العلم و الاجتهاد

من الشروط الأساسية للحاكم في الفكر السياسي للحركة السلفية التكفيرية المتأثرة بالفكر السياسي القديم لأهل السنة، تحلي شخص الخليفة أو الأمير بالعلم؛ و لذا اشترطت نظريات العلماء أن تتوافر فيه خصلتي العلم و الاجتهاد. وفي ضوء آراء العلماء القدماء،

ص: 432


1- الزرقاوي، أبو مصعب، كلمات مضيئة، ص 5 - 7
2- انظر: خضير الخضير، علي، فتوى المفتي الشيخ علي بن خضير الخضير
3- انظر: عبد الحليم طارق، الخلافة بين السنية و العبثية، ص 1: عبد الحليم طارق، قيام الدولة الإسلامية بين الواقع و الأوهام، القسم 8
4- انظر: عبد الحليم طارق، الخلافة بين السنية و العبثية، ص 1؛ عبد الحليم طارق، قيام الدولة الإسلامية بين الواقع و الأوهام، القسم 8

اشترط في الحاكم الإسلامي أن يكون أفضل قريش في العلم و الدين(1)، كما حاولوا التركيز على صفتي الفضل و القرشية(2). فعلى سبيل المثال، لما أعلنت داعش الخلافة نسبت إلى خليفتها أبو بكر البغدادي أنّه مجتهد و أنّه من قريش(3).

3- الولاية العامة

إنّ الولاية العامة - كباقي الخصال الأخرى في النظام السياسي القديم لأهل السنة - يمكن أن تشاهد بوضوح في الفكر السلفي التكفيري أيضاً، فالأمير أو الخليفة السلفي هو المسؤول عن جميع الشؤون السياسية و الدينية و الاجتماعية و القضائية و غيرها في المجتمع الإسلامي. على أنّ تجربة الإسلام التاريخية حول أول خليفتين، و كذلك تأكيد القرآن على لزوم التشاور، دفع إلى تعزيز النظريات النخبوية بنظر قادة التيارات السلفية التكفيرية و اعتقادهم بضرورة المشورة مع أهل الحل و العقد و النخب من علماء السلف، و لكن لا يمكن تعميم هذه المشورة على جميع الأفراد و الجماعات الأخرى مطلقاً. و على هذا الأساس، ما إن تأسست الدولة الإسلامية في العراق عام 2008 م، ثم اشتهرت لاحقاً باسم داعش، حتى شكلت مجلساً الشورى، تُطرح فيه آراء و ملاحظات شوری المجاهدين و القادة الجهاديين، و بتعبيرهم أهل الحل و العقد، كما يُعيّن الخليفة الداعشي - وفقاً للبيان الصادر عن هذا المجلس - من قبل مجلس الشورى ضمن الشروط اللازم توفرها في الفكر السياسي لأهل السنة(4).

ومن هنا، قال الدكتور عبد الله عزام في كتاب «إعلان الجهاد» حول منزلة الإمام و

الخليفة و حدود صلاحياته و مسؤولياته:

«والإمام إنّما جُعل إماماً لحفظ الدين، و حماية الديار، و سد الثغور، و إقامة الحدود، و حفظ الحقوق، و صيانة الأعراض، و تقسيم الغنائم، و

ص: 433


1- انظر: فيرحي، داود، نظام سیاسی و دولت در اسلام، ص 53
2- انظر: أبو زبير، مختار، دولة الإسلام باقية، ص 3 - 4؛ سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 280 و 289؛ السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 793
3- انظر: الأثري، أبو همام بكر عبد العزيز، مدّ الأيادي لبيعة البغدادي، ص 4 و 5
4- انظر: الأثري، أبو همام بکر عبد العزيز، مد الأيادي البيعة البغدادي، ص 6

إقامة الشعائر الإسلامية؛ كالصلاة و الحج و الصيام و جمع الزكاة و ردع أهل الفساد»(1).

4- الامبراطورية

لا أصالة لأي إنسان - مسلماً كان أم غير مسلم - في الإيديولوجيا السلفية التكفيرية، و

إنّما الأصالة للحكومة و للإيديولوجيا السلفية نفسها، و تُوجَّه محاولات نيل الحكم بهدف الهداية: «وباعتبار أنّ السلطة هي الوسيلة الأساسية لتحقيق الهداية ... و باعتبار أنّ للسلطة

حداً نهائياً و هو الخلافة؛ أصبحت الخلافة هي الصيغة السياسية لغاية الهداية»(2).

وكما ذكر أيمن الظواهري في كتاب «فرسان تحت راية النبي»، فإنّ أساس تكوين الدولة الإسلامية هو العقيدة، و إنّما و جب الجهاد لتحقيق العقيدة و الشريعة في المجتمع؛ و لذا لا تلازم من وجهة نظر التكفيريين بين ثغور الدولة الإسلامية و مكان سكن المسلمين. و من هذا المنطلق، قال رفاعي سرور، و هو من الزعماء الفكريين لهذا التيار:

«فالدولة الإسلامية أساسها نشر الدعوة و العقيدة... فالدولة وظيفتها الدفاع عن العقيدة، و أساس شرعية السلطة و محور و سبب وجودها هو نشر الدعوة فيها... و هكذا فإن شرعية السلطة هي الدين و أداة

الدين هي السلطة»(3). ثم اعتبر الدولة هي الأداة الأساسية لإقامة الدين(4).

وذهب عبد الله عزام في تعريف دار الإسلام إلى أنّها الأرض التي تكون فيها السلطة السياسية الحاكمة بيد المسلمين، و تقام فيها الشعائر، و تطبق فيها أحكام الإسلام، و أما لو خضعت للقوانين البشرية بدل الأحكام الدينية فتخرج عن كونها دار إسلام. و طبقاً الرأي جمهور الفقهاء من المالكي و الشافعي و أحمد و الصاحبين من الحنفية، لو حُكم

ص: 434


1- عزّام، عبد الله، إعلان الجهاد، ص 4، و انظر كذلك: السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 794 - 795
2- سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 83
3- سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 86
4- انظر: سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 88 و 89 و 90

في دار الإسلام بغير ما أنزل الله و تعطل شرع الله و نُفّذ فيها شرع آخر من صنع أهواء البشر لا تبقى دار إسلام، بل تكون حينئذ دار حرب(1).

وربما كان أكثر الأحاديث صراحة في فكر الحكومة السلفية التكفيرية الشاملة هو

حديث أيمن الظواهري (أمير تنظيم القاعدة) في كتابه «فرسان تحت راية النبي»، حيث شدد على تأسيس دولة إسلامية في قلب العالم الإسلامي و لزوم التمهيد لعودة الخلافة الراشدة على أساس السيرة النبوية، من دون لحاظ الحدود الجغرافية و التقسيمات الإدارية الموجودة(2).

وعلى هذا الأساس، فالعقيدة هي الركيزة التي يعتمد عليها التيار السلفي التكفيري في التقسيمات السياسية، خصوصاً و أنّ بعض التنظيمات التابعة لهذا التيار ترى أنّ دائرة العقيدة ضيقة جداً، و - بتأثير من أفكار سيد قطب - تضع المجتمعات المسلمة التي لا تتفق معها في الفكر و المعتقد في خانة المجتمع الجاهلي أو الكافر (في دار الكفر أو دار الحرب) المستوحى من أفكار قطب(3).

فدار الإسلام التي يؤمن بها هذا التيار مغايرة للحدود الجغرافية الحالية بسبب إيمانه بوحدة العقيدة؛ ولذا لما قدّم رشيد رضا مقترحاً حول الخلافة، دعا إلى إقامة مركز الخلافة الإسلامية في منطقة محايدة، و من ثم يهاجر إليها المسلمون تدريجياً(4)، و كذلك سعی تنظیم داعش خلال دعوته إلى الخلافة الإسلامية الراشدة في دولته المزعومة إلى أخذ البيعة من المسلمين، فبايعته المجاميع و الفئات السلفية من أندونيسيا إلى المغرب

العربي(5).

ص: 435


1- انظر : عزّام، عبدالله، إعلان الحرب، ص 5
2- انظر: الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 231
3- انظر: سید قطب، معالم في الطريق، ص 105 - 106؛ الزرقاوي، أبو مصعب، كلمات مضيئة، ص 34؛ السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، ص 964 و 985 و 1071
4- انظر: عنایت، حمید، اندیشه سیاسی در اسلام معاصر، ص 132
5- انظر: رمضاني، صادق، «داعش در تونس» و میر خلیلی، سید جواد، «داعش در اندونزی»، المدرجة في: نباتیان، محمد إسماعيل، تحلیلی بر جریان بعثی تکفیری داعش، ص 92 - 97

إنّ تنظيم القاعدة يدعو إلى خارطة عالمية لا تتقيد بالحدود الجغرافية القومية(1)، و من هنا أكد تنظيم داعش في خارطته السياسية التي نشرها تحت مسمى الخلافة الإسلامية على أنّها تستوعب جميع البلدان الإسلامية، من غرب الصين حتى الأندلس. ولا شك في أنّ توجهات التكفيريين، لا سيما تنظيم داعش، ناظرة إلى العصر السابق و السلف الصالح، فنرى أنّها تستفيد في تسمية المناطق و الإمارات الإسلامية التي تخضع إلى تصرفها بأسماء تعود إلى تلك الفترات الزمنية، فهم - بحسب تعبير الدكتور فيرحي - بصدد إحياء عصر هارون الرشید(2).

تشكيلة الحكومة في الفكر السلفي التكفيري

إنّ إلقاء نظرة إلى آثار الحركات التكفيرية يكشف عن أنّ التشكيلة و التركيبة المثالية لديهم هي خلافة الخلفاء الراشدين التي تشبه إلى حد بعيد تركيبة الخلافة القديمة عند أهل السنة، فيمكن أن نشاهد في بياناتهم و كتبهم عناصر و حدود و شبکات للسلطة مشابهة للعناصر و الحدود و الشبكات القديمة، و إن لوحظ فيها اختلافات مهمة، كما سيأتي بيان ذلك.

1- عناصر السلطة: لما كان هدف السلفيين التكفيريين، و خاصة التيارات المرتبطة بتنظيم القاعدة، هو تأسيس حكومة قائمة على أساس عناصر خلافة الخلفاء الراشدين، يمكن وضع اليد على مفاهيم الخلافة القديمة عند بحث عناصر السلطة في رؤية التنظيم المذكور. و أهم هذه العناصر و المؤسسات هي:

أ) الخليفة: لا ريب في أنّ الخليفة هو أهم عناصر السلطة في هذه النظريات، و حيث إنّه يخلف رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فهو قائد المسلمين و زعيمهم الذي يقوم بتدبير أمورهم المختلفة. و قد ذكر قدماء مفكري أهل السنة شروطاً و خصائص للخليفة، منها ما ذكره

ص: 436


1- انظر: السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 191 و 1079؛ الزرقاوي، أبو مصعب، كلمات مضيئة، ص 21؛ الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 143
2- فيرحي، داود، «داعش در پی احیای عصر هارون است»، http://www.isna.ir

الماوردي من اتصافه بخصال سبع هي: العدالة، العلم، سلامة الحواس، سلامة الأعضاء، التدبير السياسي، الشجاعة، النسب القرشي(1).

وذهب رشيد رضا، و هو من القادة الفكريين للتيار السلفي، في كتاب «الخلافة أو

الإمامة العظمى» إلى أنّ الاجتهاد من الشروط اللازمة للخليفة(2).

ولا يخفى أنّ الفصائل الجهادية و التكفيرية - خلافاً للتنظيمات السلفية غير التكفيرية كالإخوان المسلمين - لا ترتضي الوسائل الحديثة في الحصول على السلطة و إقامة الحكومة الإسلامية، فتمسكت بالسبل التي دعا لها سيد قطب و آراء محمد عبد السلام فرج، حيث

طالبا بحركات ثورية و حثّا على إصلاح أمور المسلمين عن طريق الجهاد لا بصورة تدريجية، وسعت تلك الفصائل إلى تحويل المجتمع الكافر إلى مجتمع مسلم بسرعة و بواسطة الأعمال الثورية، و عمدت إلى إحياء الحكومة الإسلامية عبر الجهاد المداوم(3). و على هذا الأساس، أكد الظواهري على أنّ النصر (إقامة الدولة الإسلامية) لن يتحقق إلا باحتلال البلدان، مشيراً إلى إمارة طالبان في أفغانستان کمثال بارز في هذا المجال(4).

إنّ هؤلاء يبايعون الخليفة (ولي الأمر) عادة، و يحاولون إظهار وجود خليفة مهاجر يقود الأمة الإسلامية، و يمكن مشاهدة المصداق البارز على هذا النوع من السلوك في بيعة الفصائل الجهادية و التكفيرية المختلفة في سائر بقاع الوطن العربي لأسامة بن لادن، أمير تنظيم القاعدة(5).

وفي تطور كبير على مستوى العقيدة، احتل تنظيم داعش (الدولة الإسلامية في العراق و الشام) مدينة الموصل في العراق، و أعلن الخلافة الراشدة، داعياً المسلمين كافة إلى مبايعته(6)، و الحال أنّ هذا الأمر مغاير لفكر التيار السلفي في تنظيم القاعدة الذي انتهج استراتيجية تأسيس الإمارات و الدولة الإسلامية تمهيداً لعودة الخلافة الراشدة(7).

ص: 437


1- انظر: فيرحي، داود، نظام سیاسی و دولت در اسلام، ص 104
2- انظر: عنایت، حمید، اندیشه سیاسی اسلام معاصر، ص 132
3- انظر: کوبل، جیل، پیامبر و فرعون، ص 341 - 344
4- انظر: الظواهري، أيمن فرسان تحت راية النبي، ص 231
5- انظر: الطويل، کمیل، القاعدة و أخواتها، ص 391 - 393
6- انظر: الأثري، أبو همام بكر بن عبد العزيز، مدّ الأيادي لبيعة البغدادي، ص 1 - 2
7- انظر: الفلسطيني، أبو قتادة، ثياب الخليفة، ص 1: الظواهري، أيمن، رسالة الشيخ د. أيمن الظواهري و جوابه على المشايخ، ص 1 - 2؛ عبد الحليم، طارق، دولة الإسلام بين الواقع و الأوهام، القسم 8

فادعى تنظيم داعش في بياناته أنّه تم انتخاب الخليفة أبي بكر البغدادي (إبراهيم عواد إبراهيم البدري السامرائي) من قبل أهل الحل و العقد و طبقاً لمبدأ الخلافة الراشدة بعدما اجتمعت فيه جميع شروط الخليفة، أي الاجتهاد و العدالة و التدبير و النسب القرشي، بل الفقوا له شجرة النسب القرشي الدقيق، فقالوا:

«أبو بكر القرشي الحسيني البغدادي من أحفاد عرموش بن علي بن عيد بن بدري بن بدر الدين بن خليل بن حسين بن عبد الله بن إبراهيم الأواه بن الشريف يحيي عز الدين بن الشريف بشیر بن ماجد بن عطية بن يعلى بن دوید بن ماجد بن عبد الرحمن بن قاسم بن الشريف إدريس بن جعفر الزكي بن الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي

بن أبي طالب و فاطمة بنت محمد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم»(1).

وقد أكد مؤلف هذا الكتاب على توفر جميع خصال الخليفة الواردة في الكتب المختلفة

لأهل السنة في المدعو أبي بكر البغدادي، منها الخصال العشر التي ذكرها ابن جماعة:

«قال الإمام بدر الدين بن جماعة رحمه الله في شروط الإمامة: فلأهليتها عشر شروط وهي: أن يكون الإمام ذکراً, حراً, بالغاً, عاقلاً, مسلماً, عدلاً, شجاعاً, قرشياً, عالماً, كافياً لما يتولاه من سياسة الأمة و مصالحها. فمتى عقدت البيعة لمن هذه صفته. و لم يكن ثمة إمام غيره -

انعقدت بیعته و إمامته؛ و لزمت طاعته في غير معصية الله و رسوله»(2). بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك، و ادعوا أنّ لديه صفات لا يمتلكها سواه: «ولقد اجتمع في الشيخ أبي بكر ما تفرق في غيره: علم ينتهي إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم، و نسب ينتهي إلى النبی صلی الله علیه و آله وسلم(3).

ص: 438


1- الأثري، أبو همام بكر بن عبد العزيز، مدّ الأيادي لبيعة البغدادي، ص 2
2- الأثري، أبو همام بكر بن عبد العزيز، نقلاً عن الماوردي، أبو الحسن، الأحكام السلطانية، ص 6
3- الأثري، أبو همام بکر بن عبد العزيز، مد الأيادي لبيعة البغدادي، ص 5

وأشاروا في هذا الكتاب إلى تاريخ هذا الخليفة في محاولة لإظهار انطباق الشروط

عليه: «فمن التدريس فالإمامة و الخطابة في عدد من مساجد العراق, فالإمرة لبعض المجموعات الجهادية في العراق, فالعضوية في مجلس شورى المجاهدين, فالرئاسة على اللجان الشرعية و القضاء في دولة العراق الإسلامية, ثم أميراً لدولة العراق الإسلامية بمبايعة مجلس شورتها و أهل الحل و العقد فيها»(1).

ذلك على الرغم من أنّ أيمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة، رفض في بيان صادر عنه الخلافة الإسلامية لداعش، وعبّر عن نفسه و عن أبي بكر البغدادي بالأمير، قائلاً: «إنّ الدولةَ الإسلاميةَ في العراقِ فرع تابع لجماعة قاعدة الجهاد، و إنّ أميرها و جنودها في عنقهم بيعة لجماعة قاعدة الجهاد و أميرها الشيخ أسامة بن لادن - رحمه الله - ثم شخصي الضعيف»(2).

ب) الوزارة و الوزير

تعتبر الوزارة أعلى مؤسسة تنفيذية في نظام الخلافة الإسلامي، و قد تأسست في عهد الدولة العباسية، و تنقسم المؤسسة الوزارية في هذه النظرية إلى وزارة التفويض و وزارة التنفيذ، وفي و زراة التفويض يفوض الخليفة جميع صلاحياته أو بعضها إلى الوزير، أما وزارة التنفيذ فتقوم بعملها ضمن لجان، و تنحصر مهمتها بتنفيذ أوامر الخليفة فقط، فهي لیست مختارة على الإطلاق(3).

وبما أنّ الفصائل التكفيرية لم يسبق لها ممارسة العمل الحكومي، فهي تستقي آراءها و سياساتها من العلماء القدماء، على الخصوص ابن تيمية و ابن جماعة و ابن قیم و غيرهم، فيعتمدون في نتاجاتهم و نصوصهم على آراء العلماء المذكورين(4).

ص: 439


1- الأثري، أبو همام بكر بن عبد العزيز، مد الأيادي البيعة البغدادي، ص 5
2- http://www.almaqreze net
3- انظر: فيرحي، داود، نظام سیاسی و دولت در اسلام، ص 105
4- انظر: سيد قطب، معالم في الطريق؛ عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 1؛ الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 5 - 6؛ السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 793

ومع ذلك، فقد أقدمت هذه الفصائل على تأسیس و زارات مختلفة في الإمارات و

الدول التي شكلتها في أفغانستان و الصومال و العراق؛ فعلى سبيل المثال أعلن مجلس الشورى في تنظيم داعش في البيان الصادر عنه تعيين الشيخ المجاهد أبي عبد الله الحسني القرشي و زيراً أول و نائباً للخليفة، كما أنّ دولة داعش عينت أبو حمرة و زيراً للحرب قبل إعلانها الخلافة(1)

و قد عين الخليفة في تنظيم داعش أميراً لكل ولاية يحكمها، مثل الموصل و الرقة و تكریت

و دير الزور و غيرها، يتولى إدارة جميع الأمور السياسية و العسكرية و الأمنية و الشرعية(2).

ولما كانت العقيدة تمثل رکناً ركيناً في إيديولوجيا التيار السلفي التكفيري، فإنّ وزارة الأمور الشرعية من بين أهم الوزارات التي شكلها في دوله، و تتولى إدارة القضاء و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و الإرشاد و ضم الأفراد إلى تنظيم داعش و الدعوة و القضايا الإعلامية و تنفيذ الأحكام الدينية(3).

2- حدود السلطة: صبّت التنظيمات السلفية الجهادية التكفيرية المتمثلة بتنظيم القاعدة جل اهتمامها على مفهوم الأمة الإسلامية و دار الإسلام، فلا تحوي المنظومة الفكرية للفصائل الجهادية كالقاعدة شيئاً باسم التعددية في أي مجال من المجالات، سواء على مستوى الفكر و البيان أم في مجال الدين و الدولة و الشعب. فالمفاهيم الواردة في البيانات الصادرة عن قادة القاعدة و كذلك المقابلات معهم تؤكد على مفاهيم عامة مستوحاة من مفهوم الأمة الواحدة أكثر من تأكيدها على الشعب و القومية؛ و لذا فهي تخاطب العالم الإسلامي و جميع المسلمين(4).

من هنا، شدد الدكتور عبد الله عزام في تعريف تلك الحدود على اعتماد العقيدة

كأساس رصين، فقال

ص: 440


1- انظر : أبو حمزة المهاجر، زاد المجاهد
2- مشرق نیوز، «نگاهی به ساختار گروهک تروریستی داعش» mashreghnews.ir
3- بيان ديوان القضاء، موقع الجهاد ضد أصول العلمانية
4- انظر: الأثري أبو همام بكر بن عبد العزيز، مدّ الأيادي البيعة البغدادي، ص 1؛ السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 794

«أما إذا كانت الدار دار إسلام، و استولى عليها أناس عطلوا شرع الله، و نفذوا فيها شرعاً آخر من صنع أهواء البشر، أو خلطوا شرع الله بشرائع البشر و نفذوها، فإنّ الدار لا تبقى دار إسلام... و هذا رأي مالك و الشافعي و أحمد و الصاحبين من الحنفية [محمد و أبو يوسف]، إذ إنّهم قالوا: تصير الدار دار حرب بإجراء أحكام الشرك فيها فقط؛ لإنّ ظهور الإسلام بظهور أحكامه، فإذا زالت منها هذه الأحكام لم تبقّ دار

إسلام»(1). وتساءل محمد عبد السلام فرج، مؤسس جماعة الجهاد:

هل نحن نعيش في دولة إسلامية؟ و قال مبيناً شروط الدولة الإسلامية و دار الإسلام: «من شروط الدولة أن تعلوها أحكام الإسلام... و أفتی الإمام محمد و الإمام أبو يوسف صاحبا أبي حنيفة بأن حكم الدار تابع للأحكام التي تعلوها، فإن كانت الأحكام التي تعلوها هي أحكام الإسلام فهي دار إسلام، و إن كانت الأحكام التي تعلوها هي أحكام

كفر فهي دار کفر»(2).

ثم أشار إلى فتوى ابن تيمية حول بلدة تسمى ماردين بأنّها ليست بمنزلة دار السلم و لا بمنزلة دار الحرب؛ بسبب تحولها من حكم الإسلام إلى حكم الكفر، و خلص إلى التأكيد على كلام ابن تيمية حيث يقول: «كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين و إن تكلمت بالشهادتين»(3).

وقال المفكر السلفي رفاعي سرور في هذا الصدد: «إنّ حقيقة دولة الدعوة لا تتجلی إلا في التجربة الإسلامية؛ لأنّ دار الإسلام هي الدار التي تعلوها أحكام الإسلام، و عندما لا تعلوها أحكام الإسلام لا تكون إسلامية، و تصير خارج نطاق التجربة»(4).

ص: 441


1- عزام، عبد الله، إعلان الجهاد، ص 5
2- عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 5
3- عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 6
4- سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 15

3- مؤسسة السلطة: على الرغم من أنّ مؤسسة السلطة في الرؤية التكفيرية تشبه إلى حد كبير نظرية الخلافة القديمة لدى أهل السنة، لكنّها تختلف عنها في موارد متعددة، منها أنّ أفراد المجتمع في هذا النظام السياسي يقسمون إلى ثلاثة أقسام: 1- المسلمون؛ 2- غير المسلمين؛ 3- المرتدون و المنافقون و المشركون مثل الشيعة و العلمانيين(1).

وذهب بعض زعماء هذا التيار، خصوصاً تنظيم القاعدة، إلى تقسيم المسلمين - القسم

الأول من أقسام المجتمع الثلاثة - إلى خمسة أقسام:

1- العامة: هؤلاء الدهماء هم الكثرة الصامتة و الحاضر الغائب، و هم فريسة سهلة

لإعلام ماکر و خلب سیاسي.

2- المشايخ و العلماء.

3- الإخوان: و هم ممتهنون التجارة بدم الشهداء و يبنون مجدهم الزائف

على جماجم المخلصين، قد أذالوا الخيل و وضعوا السلاح و قالوا: لا جهاد، و كذبوا... فدينهم زئبقي ليس لهم أصول ثابته و لا ينطلقون من قواعد شرعية مستقرة.

4- المجاهدون: هؤلاء هم خلاصة أهل السنة و عصارة الخير في هذا البلد، و هم ينتسبون في الجملة إلى عقيدة أهل السنة و الجماعة و إلى مذهب السلف، و هؤلاء المجاهدون في الجملة يمتازون بميزتين: أكثرهم قليلو الخبرة و التجربة و خاصة في العمل الجماعي المنظم. الجهاد و هو ألغام تُزرع وصواريخ تُطلق و هاون يضرب من بعيد، ولازال الأخوة يؤثرون السلامة و أن ينقلبوا إلى أحضان أزواجهم.

5- المجاهدون المهاجرون (السلفيون الراديكاليون): و هم المسلمون الحقيقيون، و

هؤلاء مازالت أعدادهم نزرة(2).

وعلى هذا الأساس، فالقسم الخامس فقط هم المدافعون السياسيون الفاعلون عن الدولة، و بعبارة أدق: هم أهل الحل و العقد؛ و لذا فهم من يعين الخليفة في تنظيم داعش، و أكدوا على أنّ هذا ما دأب عليه الخلفاء الراشدون(3).

ص: 442


1- انظر: الطويل، كميل، القاعدة و أخواتها؛ أبو عبد القدوس بدر الدين مناصرة، دولة الخلافة الإسلامية و أبو بصير رضوان الله علیه؛ السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 628 و 964 و 985
2- الزرقاوي، أبو مصعب، كلمات مضيئة، ص 69
3- انظر: الأثري، أبو همام بكر بن عبد العزيز، مدّ الأيادي لبيعة البغدادي

ويمكن اعتبار القسم الثالث - أي المرتدون و المشركون وهم المسلمون الشيعة و

العلمانيون - من الناشطين السياسيين أيضاً، و لكن في الاتجاه المخالف و المعارض للنظام و الدولة و خلافة التكفيريين؛ و ذلك لوجود اختلاف بنيوي و تباین جوهري بين ماهية النظام السياسي للشيعة و العلمانيين و بين نظام الخلافة، ما حدا بهما إلى العمل على تغيير هذا النظام. و لهذا السبب يرفض نظام الخلافة التكفيري الاعتراف بالمواطنة للشيعة على وجه الخصوص، و يفتي بهدر دمهم و لزوم قتلهم بفعل شركهم(1). إلى درجة أنّ محمد بن عبد الوهاب أكد في أحد كتبه أكثر من 25 مرة على أنّ المسلمين من غير الوهابيين (وهو يقصد الشيعة تحديداً) مشرکون و کفار و مرتدون و منکرون للتوحید و ما شابه هذه الأوصاف(2).

وفي هذا الإطار، لا يلعب غير المسلمين ولا النساء أي دور في مؤسسة السلطة، تأسياً بعصر الخلفاء الراشدين الذي يحتذي به هذا التيار، حيث لم يشارك غير المسلمين و النساء في أي منصب سياسي و حكومي آنذاك، كما لم يشر علماء أهل السنة في مصنفاتهم سابقاً ولاحقاً إلى أي دور للمرأة، بل حتى في العبارة القائلة: «بايع الخلفاءَ جميعُ أهل المدينة من الصغار و الكبار» أكدوا على أنّ المرأة غير مرادة مطلقاً من أهل المدينة أو الناس أو أهل الحل و العقد أو الصحابة(3).

أداء الحكومة في الفكر السلفي التكفيري

المقصود بأداء الحكومة هو الوظائف و المساعدة التي يقدمها كل جزء أو قسم من نظام الخلافة إلى المؤسسة السياسية و النظام السياسي عموماً، و يمكن مشاهدة ثلاثة مفاهيم أساسية في أداء الحكومة: مؤسسة القيادة و اتخاذ القرارات، و نطاق سلطة الحكومة، و منهج السلطة و اتجاهها.

ص: 443


1- انظر: الزرقاوي، أبو مصعب، كلمات مضيئة، ص 495؛ منبر التوحيد و الجهاد، حكم الشيعة الروافض؛ موثقي، أحمد، جنبش های اسلامی معاصر، ص 161 - 170
2- انظر: موثقي، أحمد، جنبش های اسلامی معاصر، ص 161 - 170
3- انظر: فيرحي، نظام سیاسي اسلام، ص 123

1- القيادة و مركز اتخاذ القرارات: بإلقاء نظرة إلى الآثار المكتوبة و البيانات الصادرة عن التيارات التكفيرية يتبين أنّ الدور الأساس في اتخاذ القرارات يعود إلى القائد، فتصدر الأوامر المختلفة من شخص الأمير (في الدولة أو الإمارة مثل طالبان أو تنظيم القاعدة) أو الخليفة (في خلافة داعش). و ربما يسري دور الأمير في التصرف إلى الأمور الخاصة كالنكاح في بعض الأحيان، نحو دور شكري مصطفى (أمير جماعة المسلمين المشهورة بالتكفير و الهجرة) في تعيين الزوج أو الزوجة و كذلك الطلاق لأعضاء المجتمع الإسلامي في الهجرة الذي أقامه أطراف مدينة القاهرة(1).

وفي الحقيقة، منصب الأمير أو الخليفة في هذه التنظيمات هو نفس منصب الخليفة في الفكر القديم لأهل السنة، بحيث يجمع الأمير أو الخليفة بالسلطات كافة، و يستأثر بجميع أشكال العزل و النصب أيضاً. و إلى جانب الدور المتميز للأمير أو الخليفة، ثمة دور كبير لمجلس شوری دولة العراق الإسلامية أو شورى المجاهدين في اتخاذ القرارات اللازمة، من تعيين الخليفة أو الأمير إلى تقديم المشورة في انتخاب القادة الميدانيين(2)، و الذي يبدو أنّ الأمر يتجه أحياناً صوب ثلة من النخب التي تُخرج السلطة المطلقة من أيدي الخليفة.

2- نطاق السلطة: تركز إيديولوجيا التيارات التكفيرية كتنظيم القاعدة على الجهاد و تشكيل الخلافة الإسلامية، و لذا لا أصالة للإنسان مطلقاً - سواء المسلم أم غير المسلم - في هذه الإيديولوجيا، بل الأصالة فيها للعقيدة السلفية و الحكومة، أي إنّ الخلافة الإسلامية قائمة على أساس الشريعة، و الحكومة ما هي إلا وسيلة إلى ذلك(3).

وعلى هذا الأساس، فإنّ دائرة سلطة الحكومة و اسعة جداً و لا تتقيد بالأمور العامة و حسب، بل تشمل الأمور الخاصة أيضاً، ذلك أنّه أساساً لم يجرِ فرز و اضح بين الأمور

العامة و الأمور الخاصة في هذا النظام(4).

ص: 444


1- انظر: كوبل، جیل، پیامبر و فرعون، ص 97 - 99
2- انظر: الأثري، أبو همام بکر بن عبد العزيز، مدّ الأيادي لبيعة البغدادي، ص 6
3- انظر: سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 65 و 88
4- انظر : سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 65 و 88؛ السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 794 - 796؛ الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 6

والمتحصل من بيانات زعماء هذه التنظيمات أنّ للخليفة أو الأمير ولاية مطلقة على شؤون الأمة، فتمتد من حفظ الدين و تنفيذ الشريعة و الأحكام القضائية و الأمن و حماية الثغور و الجهاد ضد الكافرين إلى جباية الضرائب و أخذ الخراج و تعيين الأمراء على الصعيد العسكري و الاقتصادي و الديني(1).

وذكر عبد الله عزام، أحد أبرز زعماء و منظري التيار التكفيري، أنّ الواجبات التي تلقى على عاتق الخليفة عشرة و اجبات، حسبما يستفاد من الماوردي و ابن جماعة و أبي يعلى الفراء، و هي:

1- حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة؛ 2- تنفيذ الأحكام و إقامة العدل بين الناس؛ 3- نشر الأمن في الداخل؛ 4- إقامة الحدود لتصان محارم الله عن الانتهاك؛ 5- تحصين الثغور بالعدة المانعة؛ 6- جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة؛ 7- جباية الفيء و الصدقات على ما أوجبه الشرع؛ 8- تقدير العطاء و ما يُستحق في بيت المال، 9- استكفاء الأمناء و تقلید العظماء فيما يفوضه إليهم من الأعمال، 10- أن يباشر بنفسه مشارفة

الأمور و تصفح الأحوال ليهتم بسياسة الأمة و حراسة الملة(2).

وهناك من الفصائل التابعة لهذا التيار من صرح بولاية الأمير أو الخليفة على الأمور الخاصة أيضاً، بل و أكدوا على ذلك، مثل دور شکري مصطفى (أمير جماعة التكفير و الهجرة) في تعيين الزوج أو الزوجة، و كذلك الطلاق لأعضاء المجتمع الإسلامي في الهجرة(3)؛ و جهاد النكاح بين أعضاء جبهة النصرة و تنظیم داعش حيث يتم النكاح أو الطلاق و فقاً لما يراه أمير الولاية أو الجهاد(4).

ص: 445


1- انظر: الزرقاوي، أبو مصعب، كلمات مضيئة، ص 21 - 23
2- عزام، عبد الله، إعلان الجهاد، ص 8
3- انظر: كوبل، جیل، پیامبر و فرعون، ص 97 - 99
4- مشرق نیوز، «نگاهی به ساختار گروهک تروریستی داعش»، mashreghnews.ir

3- اتجاه السلطة: إنّ الحكومة - كما ذُكر في النظريات القديمة للخلافة و يشاهَد في السلوك النظري و العملي للتيارات التكفيرية أيضاً - ليست أداة لتحقيق إرادة المؤمنين بقدر ما هي واجبة كأداة لتنفيذ الشريعة و مراقبة أعمال الأمة؛ و لذا لا يسوغ تقییم القرارات الحكومية و نقل التوجهات المخالفة إلى مركز صناعة القرار(1).

على أنّ هذه التيارات ترفض بشدة آليات مثل الانتخابات و رأي الأكثرية و الديمقراطية و غيرها مما يساعد على تحقيق إرادة الشعب، و تعتبرها من الكفر و الارتداد(2). و من هنا، قال عمر عبد الحكيم (أبو مصعب السوري) بشأن الديمقراطية: «يعتبر الجهاديون الديمقراطية فلسفة و نظاماً كفرياً يتناقض مع دين الإسلام جملةً و تفصيلاً»(3). وقال فيها أبو بصير الطرطوسي، أحد المفتين في التيار السلفي التكفيري:

«وكذلك الديمقراطية .. فتنة هذا العصر.. التي تُكرس ألوهية المخلوق و حاکميته.. و تردّ له خاصية الحكم و التشريع من دون الله.. و تُعلي إرادته و حكمه على إرادة و حكم الله تعالى.. هي كفر بواح و مروق من الدين، فمن اعتقد بها بمفهومها هذا، و المعمول به في بلاد الغرب و غيرها من الأمصار.. أو دعا إليها، أو حكم بها.. فهو كافر مرتد مهما

زعم بلسانه أنّه من المسلمين»(4).

ويؤمن التيار السلفي التكفيري أنّ الأحزاب السياسية لا تحظى بتأييد الإسلام؛ لأنّها تساعد على توسيع نشاطات العناصر غير الدينية، و لهذا السبب يرفضونها بشدة. كما أنّ حرية المعتقد باطلة من حيث إنّها قد تؤول إلى الارتداد و الإلحاد، و كذلك حرية التعبير لأنّها قد تؤدي إلى سب الله و التطاول على القوانين الإلهية(5).

ص: 446


1- انظر: الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 231 - 232
2- انظر: السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 794 و 1021 و 1078 - 1080؛ سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 88؛ الطرطوسي، أبو بصیر، ديمقراطية قذرة
3- السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 794
4- الطرطوسي، أبو بصير، هذه عقيدتنا و هذا الذي ندعو إليه، ص 2
5- انظر: السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 794 و 1021 و 1078 - 1080؛ سرور، رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 88؛ الطرطوسي، أبو بصير، حكم الديمقراطية في الإسلام؛ الزرقاوي، أبو مصعب، كلمات مضيئة، ص 43

ويتضح من تتبع أفكار الزعماء الفكريين لهذا التيار من أمثال سيد قطب و محمد عبد السلام فرج و الظواهري أنّهم يدعون إلى حركات ثورية و إصلاح أمور المسلمين عبر الجهاد لا بصورة تدريجية. فهؤلاء يبايعون الخليفة (ولي الأمر) عادة، و يحاولون إظهار و جود خليفة مهاجر يقود الأمة الإسلامية(1)، و يمكن مشاهدة المصداق البارز على هذا النوع من السلوك في بيعة الفصائل الجهادية و التكفيرية المختلفة في سائر بقاع الوطن العربي

لأسامة بن لادن، أمير تنظيم القاعدة(2).

التحزب و العمل السياسي

من الأبحاث المهمة التي احتلت مساحة واسعة من الفكر السياسي للحركات الإسلامية السلفية، موضوع التحزب و التعددية في المجتمع الإسلامي في سياق الحكومة الإسلامية؛ و لذا فإنّ أساس الرؤية السلفية لا يرتضي وجود أحزاب في الحكومة الإسلامية و لا يوافق على أن تلعب دوراً في العملية السياسية. فنرى أنّ التنظيمات السلفية الجهادية التكفيرية المتمثلة بتنظيم القاعدة صبت جل اهتمامها على مفهوم الأمة الإسلامية و دار الإسلام، فلا تحوي المنظومة الفكرية للفصائل الجهادية كالقاعدة شيئاً باسم التعددية في أي مجال من المجالات، سواء على مستوى الفكر و البيان أم في مجال الدين و الدولة و الشعب. فالمفاهيم الواردة في البيانات الصادرة عن زعماء القاعدة و كذلك المقابلات معهم تؤكد على مفاهيم عامة مستوحاة من مفهوم الأمة الواحدة أكثر من تأكيدها على الشعب و القومية؛ و لذا فهي تخاطب العالم الإسلامي و جميع المسلمين(3).

وعليه، رفضت هذه الحركات و التيارات نظام الديمقراطية، و اعتبرته من مظاهر الشرك؛ ذلك أنّ الديمقراطية تبتني على أفكار و عقائد مختلفة بمقتضى الحرية في تشكيل الأحزاب السياسية و الدوائر و المؤسسات المتنوعة، و هذا باطل طبقاً لبعض

ص: 447


1- انظر: سيد قطب، معالم في الطريق، ص 98؛ عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 2 - 3؛ الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 231
2- انظر: الطويل، کمیل، القاعدة و أخواتها، ص 403
3- انظر: سرور رفاعي، التصور السياسي للحركة الإسلامية، ص 88 - 89: السوري، أبو مصعب، عمر عبد الحكيم، دعوة المقاومة الإسلامية، ص 794 و 1021؛ الطرطوسي، أبو بصير، ديمقراطية قذرة

الأدلة الشرعية، و من ذلك أنّ الأحزاب و الفصائل السياسية التي تحمل أفكاراً و عقائد أقرب إلى الشرك تحصل على الاعتراف الرسمي بسهولة، و تتمكن من نشر أمورها الباطلة بين العباد و الترويج لها في البلاد، و هذا الأمر مخالف تماماً للنصوص الدينية؛ إذ يجب إنكار كل ما يفيد الكفر و العمل على تغييره، لا الاعتراف به. بناء على ذلك، فالاعتراف بشرعية الأحزاب الكافرة بمثابة الرضا بالكفر، و الرضا بالكفر عين الكفر(1).

وبذا خالف سید قطب، و هو أحد منظري السلفية و أقطابها، مفهوم التحزب، ذاهباً إلى أنّ طبيعة الحكومة القائمة على الانتخابات و التحزب مغايرة لروح الإسلام و الشريعة، كما أنّ الفصائل الجهادية و التكفيرية تناهض مفهوم التحزب و التعددية في المجتمع الإسلامي و في الحكومة أساساً(2).

وقال محمد عبد السلام فرج في رسالة «الجهاد الفريضة الغائبة» في هذا الصدد: «الأحكام التي تعلو المسلمين اليوم هي أحكام الكفر، بل هي قوانین و ضعها كفار، و سیّروا عليها المسلمين»(3). و من هذا المنطلق، اعتبر هو و جمهور السلفيين الجهاديين تحزب المسلمين مخالفاً للشرع، و رفضوه لهذا السبب، بل لم يتمكنوا من إخفاء امتعاضهم و سخطهم من الحكومة المبنية على أساس الانتخابات و المشكّلة عن طريق الأحزاب و التي تفوض حاکمية الله إلى الناس.

وحيث إنّ السلفيين الجهاديين و التكفيريين، و على رأسهم تنظيم القاعدة، يطلقون تفسيراً خاصاً للديمقراطية و التعددية، يؤكدون على أنّها مخالفة للشريعة مطلقاً، و لذا فهم يناهضون كل أشكال التحزب و حرية التعبير. و في ضوء النظام السياسي الذي تدعو له القاعدة، و بالنظر إلى المنزلة الخاصة التي تحظى بها الخلافة، و بما أنّ فقهاء و علماء التيار السلفي هم من يتولى وضع القوانين و تفسيرها عبر التأسي بالأحكام الإلهية و الاستمداد منها، لم يعد هناك مجال في هذا النظام لبروز الأحزاب أو التعددية السياسية أو العقائدية.

ص: 448


1- انظر: الزرقاوي، أبو مصعب، کلمات مضيئة، ص 5 - 7
2- انظر : سيد قطب، معالم في الطريق، ص 6
3- عبد السلام فرج، محمد، الجهاد الفريضة الغائبة، ص 5

دور الأمة و الشعب في الفكر السلفي التكفيري

إن أردنا التعبير بدقة عن هذا الدور فلا بد من أن نقول: من بين الأنظمة السياسية القائمة، لا زالت القاعدة ترى أنّ أفضل نظام للحكم هو نظام السلطنة، تأسياً بالامبراطوريتين العظيمتين الأموية و العباسية، و ترفض الديمقراطية لسببين: أفكارها الإيديولوجية الخاصة و فشلها في كسب الرأي العام لجمهور المسلمين.

نعم، أدت التجربة التاريخية للإسلام إبان خلافة أول خليفتين، مضافاً إلى تأكيد القرآن على ضرورة المشورة و التشاور، إلى تعزيز النظريات النخبوية في صفوف هذه التنظيمات، و الإيمان بأهمية التشاور مع أهل الحل و العقد و النخب من العلماء السلفيين، بيد أنّ هذا التشاور لا يقبل التعميم على جميع الناس و التنظيمات الأخرى مطلقاً. و من هنا، شدد الظواهري على أنّه ليس للمجاهدين تولي الحكومة بالقوة أو الأخذ بزمام السلطة بصورة مباشرة، بل لا بد من الرجوع إلى مبدأ الشورى الإسلامي و تطبيق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما يجب مراعاة رأي أهل الحل و العقد و ملاحظة رأي العلماء باعتبارهم خبراء الشريعة(1).

وفي الحقيقة، لا يولي الإسلاميون السلفيون أهمية تذكر لمفهوم الأمة، و إنما يؤكدون على مفهوم الأمة مقابل النزعة القومية، و لهذا السبب ذم سيد قطب القومية، لا سيما القومية العربية، معتبراً أنّها مفهوم مستورد من الغرب للإساءة إلى قوام الأمة الإسلامية، كما عدّ القومية من معالم الجاهلية. و من خلال التأكيد على مفهوم الأمة الإسلامية إزاء النزعة القومية، حدد إيديولوجيا الإسلاميين و أساس عقيدتهم مقابل هذا النحو من المفاهيم، ثم وافقه الرأي إلى حدَّ ما جميع الإسلاميين السلفيين، و منهم الإخوان المسلمون و السلفيون الجهاديون التكفيريون(2)

ومن الأسباب التي يذكرها التكفيريون لرفض الديمقراطية هو اعتمادها مبدأ الأكثرية،

فقال الزرقاوي في هذا الخصوص:

:تقوم الديمقراطية على مبدأ اعتبار موقف الأكثرية، و تبَنّي ما تجتمع عليه الأكثرية، و لو اجتمعت على الباطل و الضلال و الكفر البواح، فالحق في نظر الديمقراطية - الذي لا يجوز الاستدراك أو التعقيب عليه - هو ما تقرره الأكثرية و تجتمع عليه، لا غير.

ص: 449


1- انظر: الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، ص 98 و 168
2- انظر: كوبل، جیل، پیامبر و فرعون، ص 53 و 76 - 82

وهذا مبدأ باطل لا يصح على إطلاقه، حيث إنّ الحق في نظر الإسلام هو ما يوافق الكتاب و السنة، قلّ أنصاره أو كثروا، و ما يخالف الكتاب و السنة فهو الباطل، ولو اجتمعت عليه أهل الأرض قاطبة»(1).

خلاصة البحث:

لا غرو في أنّ الحركات السلفية و التيارات التكفيرية قد نمت و ترعرعت في أحضان الفكر السني، لكنّها ابتعدت عن مذاهب أهل السنة و انفصلت عنهم على الصعيد العقائدي و السياسي و الاجتماعي بطموحاتها الرامية إلى إحياء الخلافة الراشدة و جهودها المرتكزة على ضرورة الخروج من الوضع القائم و الرجوع إلى عصر السلف الصالح، فالحكومة التي تتطلع لها التيارات السلفية التكفيرية مستمدة في تركيبتها و أدائها من العصور السابقة و من الخلافة الراشدة تحديداً، بل حتى أساليب الوصول إلى السلطة و كسب الاقتدار السياسي تتلخص برأي هذه التنظيمات في الجهاد أو اختيار أهل الحل و العقد. و من هنا، فهي ترفض بشدة التمسك بالتجارب البشرية الحديثة في صياغة أسس الحكومة و الأطر التي تستند عليها، خلافاً لشكل الحكومة في الفكر الإسلامي المعاصر.

وقد استفدنا في تحليل الموضوع من أسلوب التحليل النظامي. وفي هذا السياق،

بحثنا في قسم التركيبة عناصر السلطة و حدودها و مؤسسة السلطة، و سلطنا الضوء في قسم الأداء على مركز القيادة و نطاق السلطة و اتجاهها.

وانطلاقاً من التأكيد الشديد للفكر التكفيري على أسلوب الحكم القديم، فإنّنا نجد أنّ خصائص النظام السياسي المنشود و تركيبته و أداءه متميزة تماماً، منها على سبيل المثال التأكيد على عناصر السلطة القديمة كالخليفة و الوزير، و عدم الاعتراف بالحدود الجغرافية، و تقسيم العالم عقائدياً إلى دار الإِسلام و دار الكفر، و منهج السلطة، و اقتصار العلاقات السياسية على المسلمين، الخ.

ص: 450


1- الزرقاوي، أبو مصعب، الديمقراطية، ص 5 - 7

المصادر:

الكتب

1- ابن تيمية، 1435 ه الفتاوى الكبری، باب الجهاد، موقع روح الإسلام.

2- أبو الزبير، مختار، 1431 ه دولة الإسلام باقية، مؤسسة الكتائب.

3- أبو قتادة الفلسطيني، عمر محمود عثمان، بدون تاریخ، حكم الله تعالى في

الحكام المبدلين لشريعة الرحمن، منبر التوحيد و الجهاد.

4- أبو قتادة الفلسطيني، عمر محمود عثمان، بدون تاریخ، حکیم الحركة الإسلامية

الدكتور أيمن الظواهري، منبر التوحيد و الجهاد.

5- أبو قتادة الفلسطيني، 1435 ه ثياب الخليفة، منبر التوحيد و الجهاد.

6- الأثري، أبو همام بكر بن عبد العزيز، 1435ه مدّ الأيادي البيعة البغدادي،

بدون ناشر.

7- حسین بن محمود، 1429 ه مراحل التطور الفكري في حياة سيد قطب، دار

الجبهة للنشر و التوزيع.

8- خدوري، مجید، 1993 م، گرایش های سیاسی در جهان عرب، ترجمة: عبد

الرحمن عالم، طهران: مكتب الدراسات السياسية و الدولية.

9- الخطيب، ضحی، 1428 ه ضوابط التكفير بين الأمس و اليوم، بإشراف: كمال

السيد، بیروت، دار البراق.

10- الزرقاوي، أبو مصعب، 1427 ه

كلمات مضيئة، الكتاب الجامع لخطب و

كلمات الشيخ المعتز بدينه، شبكة البراق الإسلامية.

11- سرور، رفاعي، 1433 ه التصور السياسي للحركة الإسلامية، نخبة الإعلام

الجهادي، الطبعة الثانية.

12- سيد إمام الشريف، عبد القادر عبد العزيز، العمدة في إعداد العدة للجهاد في

سبيل الله.

ص: 451

13- الطرطوسي، أبو بصير، ديمقراطية قذرة، منبر التوحيد و الجهاد.

14- الطرطوسي، أبو بصير، 1435 ه. هذه عقيدتنا و هذا الذي ندعو إليه، منبر

التوحيد و الجهاد.

15- الطويل، كميل، 2012 م، القاعدة و خواهرانش [القاعدة و أخواتها]، ترجمة:

محمد علي پویشی و محمد رضا بلوردی، طهران، اندیشه سازان نور.

16- الظواهري، أيمن، 1423 ه الولاء و البراء؛ عقيدة منقولة و واقع مفقود، بدون

ناشر.

17- الظواهري، أيمن، رسالة الشيخ د. أيمن الظواهري و جوابه على المشايخ

بشأن تنظيم «الدولة»، منبر التوحيد و الجهاد.

18- الظواهري، أيمن، فرسان تحت راية النبي، منبر التوحيد و الجهاد.

19- عبد الحكيم، عمر (أبو مصعب السوري)، بدون تاریخ، دعوة المقاومة

الإسلامية العالمية، بدون ناشر.

20- عبد الحليم، طارق، 1435 ه الخلافة بين السنية و العبثية، منبر التوحيد و

الجهاد.

21- عبد الحليم، طارق، 1435 ه قيام الدولة الإسلامية بين الواقع و الأوهام،

الموقع الإلكتروني للدكتور طارق عبد الحليم:

www.tariqabdelhaleem.net

22- عزّام، عبد الله، بدون تاریخ، إعلان الجهاد، منبر التوحيد و الجهاد.

23- عزّام، عبد الله، بدون تاریخ، جهاد الشعب المسلم، منبر التوحيد و الجهاد.

24- عزّام، عبد الله، بدون تاریخ، في خضمّ المعركة، منبر التوحيد و الجهاد.

25- عطوان، کمیل، 2012 م، سازمان سری القاعده، طهران، اندیشه سازان نور.

26- علي زادة موسوی، سید مهدی، 2014 م، تبارشناسی سلفی گری و و هابیت،

قم، دار نشر آواي منجي، الطبعة السادسة.

27- عنایت، حمید، 1984 م، سیری در اندیشه سیاسی عرب، طهران، دار نشر أمیر

کبیر.

ص: 452

28- عنایت، حمید، 1993 م، اندیشه سیاسی اسلام معاصر، طهران: دار الخوارزمي

للنشر.

29- الفوزان، صالح بن فوزان، الولاء و البراء في الإسلام، مركز البحث العلمي و

جمعية دار الكتاب و السنة، لواء غزة - فلسطين.

30- فیرحی، داود، «داعش به دنبال احیای عصر هارون الرشید است»

http://www.isna.ir

31- فیرحی، داود، 2003 م، نظام سیاسی و دولت در اسلام، طهران، دار نشر

سمت.

32- قطب، سید، 1435 ه معالم في الطريق، منبر التوحيد و الجهاد.

33- کرمی چرمه، کامران، 2014 م، سلفی گری و خاورمیانه عربی، طهران، و كالة

فارس للأنباء

34- کوبل، جیل، 2003 م، پیامبر و فرعون، ترجمة: حمید احمدی، طهران، دار نشر

کیهان.

35- مشرق نیوز، «نگاهی به ساختار گروهک تروریستی داعش»

mashreghnews.ir

36- موثقي، احمد، 2010 م، جنبشهاي اسلامي معاصر، طهران، دار نشر سمت.

37- مؤسسة اندیشه سازان نور للدراسات، 2012 م، وهابیت سیاسی، طهران،

منشورات اندیشه سازان نور.

38- نباتیان، محمد إسماعيل و مسعود معینی پور، 2014 م، تحلیلی بر جریان بعثی

تکفیری داعش، التقرير الاستراتيجي رقم 5، قم، مجمع أهل البيت علیهم السلام العالمي.

المقالات

39- افشار، حسام، «کالبد شکافی تفکر و هابیت و القاعده»، موقع بانک مقالات

جهان اسلام

ص: 453

40- جوکار، محمد صادق، 2007 م، «چیستی نوبنیادگرايي اسلامي»، موقع باشگاه

اندیشه.

المواقع الإلكترونية:

http://www.alboraq.info http://www.almaqdese.com http://www.alsunnah.info http://www.jameataleman.org http://www.nadyelfikr.com http://www.tawhed.ws

ص: 454

الاسس الفكرية لمعادة الغرب للدين الاسلامي "السياسات الغربية و التيارات التكفيرية"

تأليف: أ. د. ستار جبار الجابري(1)

المقدمة:

يعاني العالم من ظاهرة الارهاب و الارهابيين، بحيث غدت تلك الظاهرة خطراً يهدد المجتمعات الإنسانية جمعاء، ولاسيما في العالم الاسلامي، حيث زرعت التيارات التكفيرية و ترعرعت بارادات مشبوهة، و لابد من البحث و الدراسة في الاسباب التي كانت وراء ذلك، و من خلال الاراء التي يتبادلها المفكرون و الباحثون، يبدو ان سياسات الدول الغربية تاتي في المقدمة.

و هذا البحث سيركز على بيان الدوافع التي جعلت الغرب ينظر إلى الدين الاسلامي، کونه الخطر الذي يهددها بالزوال و بالتالي سعت إلى دعم الارهاب في العالم الاسلامي، و ذلك وفق المنهج العلمي، و سيكون مقسماً على ما يأتي: اولا: الاسس الفكرية لمعاداة الدين الاسلامي، و فيه سنبحث في الاسباب التي تجعل الدين الاسلامي العدو الاول الذي يهدد الحضارة الغربية، و سنركز على اطروحة صدام الحضارات لصاموئيل هنتنغتون، كونها أبرز الشواهد و الاطروحات التي اعتمدها الغرب ولايزال في التنظير لاي مواجهة مع الاسلام و المسلمين، و اصبحت الاساس الفكري الذي تدور حوله الطروحات الغربية. ثانياً: السياسة الغربية و التيارات التكفيرية، على ابرز الاسباب التي دعت الدول الغربية لدعم التيارات التكفيرية في العالم الاسلامي. ثالثاً: حوار الحضارات و تحدي العولمة، الذي يركز على اهمية حوار الحضارات الذي من خلاله يقدم المسلمون

ص: 455


1- استاذ مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية - جامعة بغداد

الصورة الزاهية لدينهم الحنيف، و المشكلة الأساسية التي تواجه ذلك الحوار، الا و هي تحدي العولمة، و محاولات الغرب تجاهل ذلك الحوار، في اطار الراسمالية العالمية.

اولاً: الاسس الفكرية لمعاداة الغرب للدين الاسلامي

في العام 1996 صدر کتاب "صدام الحضارات و اعادة بناء النظام العالمي"(1) لمؤلفه صموئيل هنتنغتون، و فكرة الكتاب الاساسية تتمثل في أن الثقافة أو الهوية الحضارية هي الاساس في تشكيل نماذج التماسك و التفكك و الصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة. و ان اكثر الصراعات انتشاراً و اهمية و خطورة ستكون بين شعوب تنتمي إلى هويات ثقافية مختلفة، و ان هذا الصراع حتمي لانه سيكون ليس بين القوي العظمی، و لكن بين الحضارات التي يقسمها هنتنغتون على ثلاثة اصناف، و الذي يهمنا منها هو الحضارات المتحدية، وهما الحضارتين الاسلامية و الصينية، و العلاقة بين الحضارتين المتحدية و الغربية، هي ان العلاقات بينهما تكون متوترة و مشدودة، و في الاعم الاغلب عدائية. فالاسلام بنظره هو العدو الاول، لانه يريان الاحياء الاسلامي قد اعطي للمسلمين الثقة في اهمية حضارتهم و قيمهم، مقارنة بالحضارة الغربية(2).

و يستند - هنتنغتون - في طروحاته، إلى فرضية رئيسة مفادها، ان المصدر الرئيس للصراعات القادمة سيكون ثقافياً. و مع ان الدولة القومية ستستمر في القيام بدور اساسي في الشوون العالمية، فان الصراعات المهمة في السياسة الدولية ستكون بين الحضارات المختلفة، التي ستعمل بتكوين علاقات التماسك و التفكك و الصراع. و عليه، فان الصراعات السياسية التي ستبرز هي الصراعات العرقية و الاثنية، في حين سيكون الصراع

ص: 456


1- صدام الحضارات "Clash of Civilizations" هي النظرية التي نادى بها استاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد الامريكية "صموئيل هنتنغون" و المعروفة ب "صدام الحضارات Clash of Civilizations" و التي ترتكز قاعدتها الاساسية بأن الصراعات المهمة في السياسة الدولية، ستكون بين الدول و الجماعات التي تنتمي الي حضارات مختلفة و ستهيمن الصدامات الحضارية علي السياسة العالمية، و ستكون ساحتها الاساسية، خطوط التماس بين هذه الحضارات. ينظر: - صموئيل هنتنغتون - صدام الحضارة و اعادة بناء النظام العالمي، ط 1 - ترجمة مالك ابوشهيوه و محمود خلف - الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع - مصراته / ليبيا 1999 - ص: 246
2- المرجع نفسه، ص 14 و مابعدها

المقبل على المستوي العالمي، صراع الحضارات، كما ان القضايا الجوهرية على الساحة الدولية سترتبط بشكل مباشر بالاختلاف بين الحضارات(1).

یری. هنتنغتون. في طرحه ان الصراع الرئيس، سيكون بين الغرب و حضاراته و نوع من التحالف الكبير بين الحضارتين الاسلامية و الصينية. التي غير اسمها من الكونفوشيوسية. الاخيرة بقوتها الصناعية و العسكرية، و الحضارة الاسلامية باحتياطياتها النفطية و قربها الجغرافي من الغرب. كما انه يشدد على ان الاسلام، هو الد و اشد خصوم الحضارة الارثوذكسية، و يوصي بان تكون روسيا الممزقة بين دعاة التغريب و دعاة السلافية حليفاً طبيعياً للغرب في مواجهة التحالف الرئيس بين الحضارتين الاسلامية و الصينية.

كما انه يؤكد، ان التحدي الذي تكونه هاتان الحضارتان للحضارة الغربية، ابرز اوجه ضعفها فيما تدعية بشان العالمية. ان مستقبل الحضارات، يعتمد على مستقبل الحضارة الغربية و تحديداً بالاعتماد على الولايات المتحدة الامريكية و الشعب الامريكي، الذي يطالبه بتوثيق هويته الغربية. و بهذا الطرح، فانه يوحي ان العقيدة الامريكية، هي المحتوى الجديد للحضارة الغربية، من اجل المحافظة عليها و تجديدها في وجه الحضارات المتحدية، مع تأكيده ان يعي الغربيون ان حضارتهم فريدة و ليست حضارة عالمية(2).

و يصف. هنتنغتون. علاقة الاسلام بالغرب، بانها علاقة عدائية بشكل عام، اسهمت في تكوينها عوامل اختلال التوازن السكاني و التنمية الاقتصادية و التطور الثقافي و درجة الالتزام الديني، بسبب ظاهرة ازدياد الهجرة إلى الغرب، التي تسعإلی تاکید عالمية القيم الغربية، و فرض التفوق الاقتصاديو العسكري، زائداً سقوط منظومة المعسكر الاشتراكي السياسية و العسكرية، مما اوجد فراغاً من الضروري ملؤه. كما ان الغرب يستشعر من الاسلام اخطار جمة، اهمها: امتلاك الاسلحة غير التقليدية في بعض الدول الاسلامية، بما فيها الاسلحة النووية، و موضوع الهجرة غير المرغوب فيها في الغرب الاورو. امريكي، و موضوع مايطلقوا عليه الحرب على الارهاب(3).

و هنتنغتون، ذهب بعيداً في اظهار اختلافه و تزمته، حينما وصف الحالة العدائية. التي

ص: 457


1- صموئيل هنتنغون، صدام الحضارات، ص 251
2- المرجع نفسه، ص 256
3- المرجع نفسه، ص 266

افترضها. بين الاسلام و الغرب، بانها شبه حالة حرب "Quais war" بسبب عدم خضوع بعض الدول لمبدأ الهيمنة الامريكية، الذي تريد الولايات المتحدة، تطبيقه على العالم وفقاً للقياس الامريكي، حتى و ان تطلب الامر الفرض بالقوة، مما اوجد اساليب جديدة في مقاومة هذه النزعات، يصل بعضها إلى العنف او المقاطعة الاقتصادية(1)، و هذا ماحصل في العراق بين اعوام 1990 . 2003، وكذلك محاولة استهداف

الجمهورية

الاسلامية الايرانية الآن، مع فارق التجربتين.

ويبدو ان موقف. هنغون. المتشدد، بل و العدواني ضد الاسلام، متأتّ من التقاليد الاستشراقية، كما هي مستمدة من قطبية الشرق. الغرب الثقافية، التي تميل لتأزيم الأوضاع و اغلاق افتق الحلول لكونها تتسم بالطابع العنيف و الدموي(2). فهذه المدرسة الفكرية، التي بنت قاعدة ارتكازها الفكري و السياسي بضوء المعطيات السياسية التي تفاعلت معها، سلباً و ایجاباً، دفعها ان تتجه للتمرکز نحو الذات بحجة الدفاع عن قيمها و تراثها الحضاري، و النظر إلى الآخرين بشكل فوقي، كونهم "برابرة" لايستقيم الحوار و العيش معهم.

وقد استحوذت طروحات. هنتنغتون. على القبول من الداخل الامريكي، ازاء نجاحها في النفاذ لعمق الثقافة الامريكية السائدة، من خلال دغدغة المناطق الهشة فيها، من خلال تصفيحها بالمساند الداعمة لها، و فلسفة ما تراكم فيها من اشكال "استعلائية" على كونها سیاق عام و لا ضير فيه. فمعظم الامريكيين يؤمنون بمفهوم "التدبير الالهي للكون"، و هو مفهوم شاع منذ الخطوات الاولى للآباء المؤسسين للدولة الامريكية، اذ يجدون ان الله قد هيأهم إلى صياغة الكون و تصحيحه، و لذلك اطلقوا على انفسهم بانهم "الشعب المختار". كما انهم يرون ان الله، وضع للولايات المتحدة مهمة مقدسة خاصة بها، بمعنی ان هناك تصميم الهي في صياغة الكون، و ان الولايات المتحدة الامريكية، وفق هذه الصياغة مكلفة برسالة ربانية لان تكون قائدة لهذا العالم(3).

ص: 458


1- المرجع نفسه، ص 268
2- جانیس ج. تیري، السياسة الخارجية الامريكية: دور جماعات الضغط و المجموعات ذات الاهتمامات الخاصة، ترجمة احسان البستاني - الدار العربية للعلوم ناشرون بیروت، 2006، ص 146
3- حمید حمد السعدون، صدام الهويات، بغداد، 2013، ص 33

و قطعاً ان ذلك الطرح و تبريره فلسفياً و نظريا، لاينم الا عن منطق استعماري و عنصري، كونه ذو ملامح استعلائية مغرورة، لا تقيم وزناً "الآخر" اياً كان، كما انه يشكل تهديداً للعالم و للجنس البشري، لانه يعبر عن "الذات" بطريقة نرجسية لاتستقيم و المجتمع الانساني المعاصر(1).

هذه القناعات المرتبكة و المليئة بحشد الصور، اوصلت. هنتنغتون. إلى حكم قيمي مرتبك، خلاصته، بان المشكلة الاساسية للغرب، ليست الاصولية الاسلامية، و انما الاسلام الذي يمثل حضارة مختلفة و يقتنع اتباعه بتفوق حضارتهم، مع استمكان هاجس لديهم، او عقدة نقص، حيال ضعفهم مقابل الغرب. و لذلك فانه يرى ان الاسلام متصادم و معاد تجاه الحضارات الاخرى، من خلال استعماله تعبير "حدود الاسلام الدموية

Islain's "Bloody Borders"(2). و بالمقابل، يرى بعض المتطرفين الاسلاميين، ان المشكلة هي الغرب بكامله، لانه يمثل حضارة مختلفة و يؤمن اتباعه بانهم يحملون ثقافة عالمية و يعتقدون بتفوقهم الذي يفرض عليهم مسؤولية نشر هذه الثقافة في العالم حتى و ان تطلب الامر، استخدام القوة و القسر و الاجبار(3).

لذلك بدأ الغرب من مفکرین و مراكز بحثية و سياسيين في البحث في الآليات التي تبعد عنهم تلك النزعات، و ایجاد صراعات داخلية، اسلامية. اسلامية، و محاولة تدمير الاسلاممن الداخل، من خلال ایجاد تیارات فكرية متطرفة، تبدا صدامها مع الداخل الاسلامي، و ان تكون تصفية حساباتها مع المسلمين انفسهم، قبل ان ينشغلوا بالغرب(4).

ان اطروحة. هنتنغتون. الفكرية و المتمثلة بصدام الحضارات، باتت قنديل طریق للسياسات الخارجية الامريكية منذ اعلاها، التي تجد منطلقاتها من الوجدان الجمعي للمجتمع الامريكي، كونها ليست اسهاما فكريا و نظريا فحسب، بل انها دراسة نظرية فلسفية حول تطور

ص: 459


1- المرجع نفسه
2- المرجع نفسه، ص 38
3- مجموعة مؤلفين، صراع الحضارات ام حوار الثقافات، تحرير فخري لبيب، القاهرة 1997، ص 88 و مابعدها
4- ستار جبار الجابري، اُي حوار نرید، مجلة المرصد الدولي، مركز الدراسات الدولية - جامعة بغداد، العدد الرابع، حزيران - 2007، ص 22

المسار التاريخي، او رياضة فكرية في التاريخ و الاجتماع و السياسية. و هذه النظرية، اعتمدتها السياسة الخارجية الامريكية في تعاملها مع المجتمع الدولي، بل ان ادارة السياسة الامريكية، تجد ان هذه النظرية تصلح ان تكون محتوى عملياً للاستراتيجية الامريكية، تتعامل عبرها مع العالم في العصر الجديد و قواه التقليدية او الناشئة، كونها تمثل الاساس الايديولوجي الذي يمكن السياسة الخارجية الامريكية من النجاح والتفوق(1).

كما ان هذه النظرية قد ضخمت من نزعة "الذات" الامريكية، ولاسيما نظرتها الدونية "الآخر" لا لشيء، الا لكون ثقافته و اتجاهاته لاتتشابه مع السائد و المشهور عن الامريكيين، الامر الذي يعني الاختلاف و من ثم الافتراق الذي قد يكون عنيفاً. كما عدت هذه النظرية، ان "فرادة" القيم الامريكية، لايمكن لها ان تتشابه او تتوارى مع ما تقدمه الحضارات الاخرى من قيم، لكونها قديمة و لا تصلح للمواصلة مع حياة هذا العصر(2).

مثل هذا المنطق الاستعماري و العنصري و الاستعلائي يشكل تهديداً للعالم و للجنس البشري، بحكم هذه النزعة التسلطية التي باتت اكثر من خطرة في ظل العصر النووي، و الذي وجد له قبولاً واسعاً ايام ادارة الرئيس الامريكي السابق "جورج بوش الابن" و فريق المحافظين الجدد المحيطين به، بعدما وجدوا ان ما جاء به. هنتنغتون. يشكل اأداة رئيسة و فاعلة في فهم المحيط الدولي. و قد عبر عن ذلك الفهم الفكري و السياسي المشوه و الاستعلائي ما اصطلح على تسميته بمرحلة المحافظين الجدد التي ارادت ان يدور العالم حول واشنطن و ما تقرره حتى وان كان ذلك يتخذ مظهر القوة الخشنة دون ان يدركوا انهم بافعالهم تلك دقوا اسفين الهدم في هذه الامبراطورية الباذخة التي باتت هيمنتها المطلقة على المسرح السياسي الدولي يؤذن بالزوال(3).

لقد شغلت هذه النظرية المثقفين فصدرت حولها تعليقات مؤيدة لها او ضدها، و بما ا العرب هم اكثر المستهدفين في هذه النظرية، بل ان نصف الكتاب تقريباً يتحدث عنهم، و السبب في ذلك ان صاحبها يربان توازن القوى بين الحضارات سائر نحو التغيير،

ص: 460


1- حميد السعدون، صدام الهويات، ص 41
2- المرجع نفسه، ص 44
3- المرجع نفسه، ص 46

فالحضارة الغربية تتراجع في نفوذها النسبي و الحضارات الآسيوية تسير نحو التقدم و التوسع في قواعدها الاقتصادية و العسكرية و السياسية، و الاسلام يتفجر سكانياً، الامر الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار للدول الاسلامية و جاراتها و الحضارات غير الغربية بشكل عام، وهي الآن تریان ثقافاتها ذات قيمة عالية.

اما الحضارة الغربية فان اطروحتها العالمية تجعلها في صراع مع الحضارات الاخرى، و بشكل اكثر خطورة مع الاسلام و الصين، و الذي يهمنا في بحثنا هذا الاسلام. ذلك ان كل العلماء الكبار يعترفون بوجود حضارة اسلامية متميزة، و لدى بروزها في شبه الجزيرة العريبية في القرن السابع الميلادي، انتشر الاسلام بسرعة عبر شمال افريقيا و شبه الجزيرة الايبيرية و كذلك شرقا إلى شبه القارة الهندية و جنوب شرقي آسيا، و نتيجة لتوسع الرقعة السياسية وجدت ثقافات عديدة متميزة او فروع حضارية داخل الاسلام بما في ذلك العرب و الاتراك و الفرس و الملاويين(1).

وفيما يتعلق بالحركات الإسلاموية التي يسميها هنتنغتون بالاحياء الإسلامي، فان الحركات الاسلاموية في الوطن العربي خاصة، و الاسلامي عامة، يجب النظر اليها بانها استجابة للمشكلات الجارية في مجتمعاتها في الحياة اليومية، و منها الدولة التسلطية، و التحضر السريع، و التغييرات الاجتماعية و الثقافية و التعليمية، و حقيقة التبعية و تخلف الدولة و ضعفها، هي الاسباب وراء ذلك الإحياء.

يبقى الاسلام و المسلمون العدو الاول الذي يريد ان يكرسه هنتنغتون في اذهان مجتمعات الحضارة الغربية و خطراً حقيقيا، لان الشعوب الاسلامية تحاول البحث عن مشروع حضاري، يكون الاسلام جوهره و المعطيات الحضارية العالمية اساسه، لذلك

ربان الاسلام و حضارته يشكل تهديداً للحضارة الغربية(2).

فنظرية صدام الحضارات تؤمن بمركزية الحضارة الغربية، و الانحياز ثقافياً و قيمياً لتلك الحضارة و مصالحها الاستراتيجية السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الثقافية، فهي تؤمن بالمصالح الغربية فقط، و تجعل للاسلام "حدوداً دامية"، و الاسلام مرتبط بالعنف

ص: 461


1- غازي سعيد سليمان، المنهج الاسلامي في التعايش السلمي مع غير المسلمين، بغداد، 2009
2- و جدان فريق عناد، القرآن الكريم طريقنا لتجاوز العجز الحضاري، مجلة المصباح، العدد 10، سنة 2012

منذ ظهوره، و تاریخ الاسلام کله صراع و عنف مع اطرافه الخارجية، و بین اقسامه الداخلية. فهذه النظرية محاولة لاقناع الغرب بان المسلمين يتحدون الغرب، و قد اختار هنتنغتون امثلة و احداث بطريقة انتقائية، و فسرها بالشكل الذي يجعلها ملائمة مع افكاره و نتائجه، مع العلم ان افكاره و تحليلاته متناقضة(1).

و من نظرية صراع الحضارات يمكن معرفة ان احد اهم اسباب التوترات القائمة في العلاقة بين المسلمين و المجتمع الاورو. امريكي، يكمن في الاخطاء القاتلة في فهم الطرفين لبعضهما. و لعل في الصور النمطية عند الغرب، و تحديداً في الولايات المتحدة الامريكية عن اسلام و المسلمين، صور عدوانية و مشوهة، كما ان النظرة المختزنة في المخيلة الجماعية، التي هي مكونة من الايديولوجيا و عناصر من الديانة المسيحية. اليهودية، تشكل ارضية اسناد لكل القرارات الظالمة و غير المنصفة التي اتخذتها الولايات المتحدة، ضد الكثير من القضايا الاسلامية، بحكم ما تراكم من نظرة مسبقة و تقليدية، شكلت خليفة صلدة لدى صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة الامريكية(2).

ولعل في وصف الرئيس الامريكي. بوش الابن. للدين الاسلامي، بانه "فاشية اسلامية" و كانه بذلك يريد الباسه لبوساً لم تالفه المجتمعات الاسلامية، بقدر ما كان وليد المجتمعات الغربية، شكلا من اشكال الفهم المسبق و المعبأ بايديولوجيا الكراهية و البغض للطرف الآخر، وهذا الوصف، و بطريقة التعميم التي استعملت، امر خطیر و مدمر، بسبب ان الرئيس الامريكي، صاحب اقوى سلطة في العالم في الوقت الحاضر(3).

ثانياً: السياسة الغربية و التيارات التكفيرية

طغت على سطح المشهد الثقافي و الاجتماعي في السنوات الاخيرة افكار مشحونة بالغلو والتطرف، و ممارسات ارهابية فيها الحد الاقصى من حالات استخدام العنف.

ص: 462


1- ينظر: حمید حمد السعدون، الغرب و الاسلام و الصراع الحضاري، ص 84
2- حميد السعدون، صدام الهويات، ص 26
3- المرجع نفسه، ص 28

فالافكار التي جندت لها أقلام، و مواقع تاهيل، و اعلام متنوع الادوات و الاساليب، يضاف إلى ذلك مبالغ مالية هائلة، هذه الافكار انما هي افكار تذهب إلباقصى حد في التعصب، و قد وصل قسم منها إلى مواقف تكفيرية اعطياصحابها - مع قصورهم الفكري - لانفسهم محاكمة الآخر و الحكم عليه.

ولابد ان هناك مجموعة من العوامل ساهمت في بروز تلك التيارات منها ماهو ذاتي،

و منها ما تشكل بتاثير الفضاء الثقافي، او انماط العيش القاسية، و منها ما يكون لاسباب معرفية، او سیاسية. اما عن العوامل التي تساعد على انتشار تلك التيارات فمنها: الجهل، و الفهم المغلوط للنصوص و الاحكام الشرعية، و التعصب، و الاحياء المهمشة و الفقر و البطالة، و الاستبداد و الاستعباد، و الاستعمار و الصهيونية، و الاعلام و قمع الحريات(1).

و سوف نركز على الاسباب التي جعلت السياسات الغربية تدعم هذه التيارات التكفيرية و يبدو من ذلك ان احد اهم اسباب التوترات القائمة في العلاقة بين المسلمين و المجتمع الاورو . امريكي، يكمن في الاخطاء القاتلة في فهم الطرفين لبعضهما. و لعل في الصور النمطية عند الغرب، و تحديداً في الولايات المتحدة الامريكية عن الاسلام و المسلمين، صور عدوانية و مشوهة، كما ان النظرة المختزنة في المخيلة الجماعية، التي هي مكونة من الايديولوجيا و عناصر من الديانة المسيحية. اليهودية، تشكل ارضية اسناد لكل القرارات الظالمة و غير المنصفة التي اتخذها الولايات المتحدة، ضد الكثير من القضايا الاسلامية، بحكم ما تراكم من نظرة مسبقة و تقليدية، شكلت خليفة صلدة لدي صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة الامريكية(2).

و بهذا الاتجاه فان لافتات العولمة و النظام النيو ليرالي المعولم و المسلح الذي تؤدي فيه الولايات المتحدة الامريكية الدور الرئيس و الفعال، هي العناوين الرئيسة التي سيتمسك بها العقل الاورو - امريكي للايام المقبلة، لاسيما ان الانفراد الامريكي بتقرير مصير العالم يكاد يكون حاسما، لذلك فان اندفاع الولايات المتحده الامريكية للانحياز

ص: 463


1- اسعد السحمراني، مكونات شخصية الارهابي وسبل المعالجة، مركز آفاق للدراسات و البحوث، منشور علي الرابط: 2029/ http://aafaqcenter.com/index.php/post
2- حميد السعدون، صدام الهويات، ص 28

المطلق للعدو الصهيوني، مع اسلمة الارهاب، يكونان اعوجاجاً واضحاً في كل مسارات المنطق الذي يستوجب ان تتصف به الدولة الاقوى في هذا الوقت. فالاسلام ليس بؤرة او مكاناً حاضناً للارهاب، بل انه اكثر الديانات دعوة إلى السلام و التعايش و الالفة و الاخوة العالمية، لكن ما حدث من العنف الذي درج على تسميته بالارهاب و الصاقه به، متأتّ من الظلم الواقع على اهله و في ديارهم من القوى المهيمنة و النافذة. لذا فعلى الولايات المتحدة الامريكية ان كانت صادقة فعلاً في ان تقطع و تجفف منابت و منابع الارهاب الدولي، و ان تبادر للاتصال بالوعي العام للمسلمين و العرب، و الذي يركز على الكرامة الانسانية و الابتعاد عن العجرفة و جنون العظمة. مغترة بصلف القوة و جبروتها - وان تكون منصفة مع الاخرين بعيداً عن التحيز و الاراء المسبقة و في المقدمة من ذلك القضية الفلسطينية و حقوق شعبها و بما يجعل من العالم (قرية كونية) يعيش سكانها بامان و استقرار و طمانينة(1).

فتلك الفجوة التفاهمية بين الاسلام و الغرب حيث ان القيادات الغربية. في اغلب الاحيان - تشکل فكرتها عن الاسلام من خلال المرجعيات الاستشراقية الشريرة المعادية لاسلام .. و من اشهر هذه المرجعيات: المستشرق دیلاس اوليري، و الاب لامانس، فضلا عن اللوبي الصهيوني. المحرك الفعلي للنظام الامريكي -(2).

ان هؤلاء الباحثين المستشرقين و غيرهم يعطون لصناع القرار الغربي صورة وقحة عن الاسلام و المسلمین، انهم "يحرفون آيات القرآن" و يحذفون من كتب المسلمين، ما لا يروق لهم، و يخلطون الآيات بابيات الشعر، و يجعلون الاحاديث النبوية من كلام بعضهم، و ما تحرجوا قط من اقتطاع جملة واحدة من نص طويل ليبنوا عليها ما يتخيلونه(3). و من ثم يخرجون بابحاث تقدم لصناع القرار الغربي على طبق من ذهب، کنتائج علمية بحتة.

ص: 464


1- ينظر: روجيه غارودي، من أجل حوار بين الحضارات، تعریب عادل العوا، ط 4، عويدات للنشر و الطباعة بیروت، 1999؛ ستار جبار الجابري، أي حوار نرید، ص 24
2- محمد مسعد ياقوت، حوار الحضارات و خناجر في جسد الاسلام، ينظر الرابط: http: www.nabilrahma.com
3- محمد مسعد ياقوت، حوار الحضارات و خناجر في جسد الاسلام؛ ينظر : - علي حسن الخربوطلي، المستشرقون و التاريخ الاسلامي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988، ص 109 - 110؛ عبدالله ناصح علوان، معالم الحضارة في الاسلام و أثرها في النهضة الاوربية، دار السلام، ط 2، 1984، ص 155 - 156

وعلى سبيل المثال يؤكد عصمت عبدالمجيد على دور الباحثين المستشرقين في تشکیل فكر صناع القرار نحو الاسلام و المسلمين، فعصمت عبد المجيد، الامين العام السابق لجامعة الدول العربية في قاعة الموُتمر الدولي الاورو - متوسطي، ابان انعقاد المؤتمر الدولي للتعاون الاورو. متوسطي، الذي شهدته مارسيليا بجنوب فرنسا، عندما طلب الكلمة ليعلق على مداخلة نائبة فرنسية في البرلمان الاوربي تدعى "فرنسواز جروستیت"؛ اتهمت الاسلام بمعادأة المراة، و تکریس دونيتها، بالمقارنة بالرجل.

وفي لغة فرنسية محكمة اخذ الدكتور عصمت يفند مزاعم النائبة الاوربية الواحدة تلو الاخرى، و يرشقها بحججه المنطقية، فابدی دهشته من اصرار الغرب و اوروبا على معاداة الاسلام، و اعتباره العدو رقم واحد فقال: الدكتور عصمت رداً على النائبة: "ان الاسلام الذي تتحدثين عنه يا سيدتي، ليس هو اسلامنا الصحيح، و انما هو اسلامكم انتم الذي صنعتموه لانفسكم من محض افتراءات و اکاذیب لا علاقة لها بواقع الدين الاسلامي، " ولا بحياة المسلمين.. و ارجو هنا ان تسمعي ما اقول لكي تصححي ما براسك حول الاسلام و اهله.. فديننا الحنيف هو دين التسامح و التراحم و الرافة، و لكن الموُسف انكم عندما تتحدثون عنه تتناسون ذلك، ولا ترونه الا من منظور الاصولية و التطرف، و هو ما يجعلني ان اتساءل: لماذا لم نسمح احدكم. معشر الباحثين - الاوربيين - يتحدث عن الاصولية و التطرف عند الصرب الذين فتكوا بمسلمي البوسنة و استباحوا لانفسهم من دمائهم و عرضهم ما لا يقره عقل او دين او منطق سوي؟!، ام ان الاصولية و التطرف و التعصب هي. في شريعتكم المغلوطة. ليست الا من نصيب الاسلام و المسلمین فقط؟! لا يا سيدتي..! الاسلام الصحيح ليس هو الذي ما تتحدثين عنه.(1)

بعد ذلك صعدت السيدة النائبة إلى المنصة مرة اخرى لتعلن اعتذارها إلى الدكتور عصمت عبدالمجيد، و كل المسلمين بالقاعة، و قالت: "انها استندت في كل ما قالت إلى دراسة اعدها احد الباحثين خصيصاً، للاتحاد الاوربی"(2).

ص: 465


1- عصمت عبدالمجید، مواقف و تحديات في العالم العربي، القاهرة، دار الشرق، 2003، ص 31 - 32. نقلا عن محمد مسعد ياقوت، حوار الحضارات و خناجر في جسد الاسلام
2- محمد مسعد ياقوت، حوار الحضارات خناجر في جسد الاسلام

كلمات النائبة الفرنسية تشير إلى شيء خطير جداً مفاده ان الاتحاد الاوربي يعتمد

على دراسات الباحثين الحاقدين كمرجعيات لادبيات و قرارات الاتحاد الاوربي، ينطبق الشيء ذاته على الامم المتحدة و من ثم مجلس الامن.. يعتمدون على مثل هذه الدراسات التي اشارت النائبة فرانسواز إلى نموذج منهم..

و بهذا الفهم الاستعلائي و المغرض للاسلام يبدو الحوار مستحيلا، و في هذا السياق بالضبط؛ تجيء التدخلات العسكرية الامريكية. و فرض مشاريع الاصلاح من نوع مبادرة الشرق الاوسط الكبير. و هي مبادرة تستهدف بالدرجة الاساس ازاحة العقيدة الاسلامية عن كل طابع للحياة الاجتماعية، و ایجاد ما يعرف حالياً في اواسط المثقفين بالدين الليبرالي(1).

ان دور الغرب في تبلور الفكر الوهابي اصبح من الثوابت التاريخية التي لا تحتمل الدجل، و التيارات التكفيرية و السلفية لا علاقة لها اطلاقا بالاسلام، بل هي فرق مصطنعة من قبل الغرب لاضعاف المجتمعات الاسلامية.

ان اخفاق الولايات المتحدة و اذنابها في اسقاط سورية جعلها تتجه نحو معركة جديدة تم بموجبها اعلان "دولة الخلافة" عبر الارهاب التكفيري الذي يتصدره تنظيم "دولة العراق و الشام" الارهابي لتحقق ما ارادته الولايات المتحدة للمنطقة كي تختزلها في مجموعات ارهابية تنفذ أجندتها الهادفة إلى تفتيتها عبر نشر الفوضى الهدامة التي لا تبقي ولا تذر.

ان الهدف الحقيقي وراء ما يحدث اليوم في الدول العربية من صور الموت و القتل هو اضعاف هذه الدول بعد استنزاف جيوشها و تدمير موسساتها و تمزيق النسيج الاجتماعي فيها و هو مخطط يستهدف منع اي مقاومة ضد الاستعمار الغربي الجديد الملتحف بالصهيونية و الحيلولة بينها و بين تحقيق اي نجاح يطلع إلى كسر التبعية(2).

و ذكرت احدى الباحثات العربيات:

ان "الغرب الذي تقوده امیر کا استغل (الربيع العربي) لاستهداف دول المنطقة عبر تغيير الانظمة و نشر الفوضى، فرأينا تونس و مصر و اليمن و ليبيا و سورية التي حظيت باستهداف اکبر، بيد ان المشروع تعثر

ص: 466


1- محمد حسنين هيكل، نهايات الطرق العربي التائه، 2001، القاهرة، ط 2، 2002، ص 125
2- سناء السعيد، راس الافعي، جريدة الوفد المصرية، 7 تموز 2014

فكان ان لجأ الغرب و من يدعمه کتركيا وقطر و الاخوان المسلمين و

التيارات التكفيرية إلى البحث عن خيارات اخرى". واكدت سناء السعيد ان امیر کا هي راس الافعى في المنطقة فهي التي نشرت الارهاب و دعمته و اثبتت بذلك ان حربها على الارهاب هي حرب مزعومة ولا ادل على ذلك من انها هي التي زرعت القاعدة لتكون راس حربة ضد الاتحاد السوفييتي السابق في افغانستان.

كما عدت ان ما يحدث في العراق اليوم من سيطرة "داعش" على مناطق فيه هو نتاج سياسة امیر کا منذ ان قامت بغزو العراق في 2003 إلى ان اجبرت على سحب قواتها قبل نهاية 2011 فلقد خلف

غزوها تركة امنية تقلية للجيش العراقي الذي يواجه الارهاب

التكفيري المدعوم من الغرب و تركيا و دول خليجية كقطر.

و قالت الاعلامية المصرية ان مايدعو اليه تنظيم "دولة العراق و الشام" الارهابي من مواصلة (الجهاد) وصولا إلى بغداد و لا سيما بعد ان اعلن قيام ما تسمى (دولة الخلافة) و تنصيب ابو بكر البغدادي (خليفة) هو ما يعني انها لن تقبل باقل من اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط من جديد وهو ما سعت اليه الولايات المتحدة نفسها(1).

ثالثاً: حوار الحضارات و تحدي العولمة

تعد الدعوة إلى حوار الحضارات هي السبيل الموضوعي و الايجابي لاطروحة صدام الحضارات التي قدمها صموئيل هنتنغتون، و حاول الكثير من مفكري الغرب ان يوسسوا عليها و يؤصّلوا لها، لاسيما عقب انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي و الراسمالي. و تعددت تفسيرات هذه النظرية ما بين افتراض ان الدعوة لمواجهة عدو جديد على اسس حضارية و لیست ايديولوجية توفر رؤية مشتركة للغرب، و سببا للحفاظ على تماسك تحالفه السياسي و الثقافي خوفا من منافسات اقتصادية فيما بين دوله قد تؤدي إلى صدامات تطيح بالتحالف الغربي، و مابين الافتراض ان الدعوة تعكس

ص: 467


1- سناء السعيد، راس الافعی، جريدة الوفد المصرية، 7 تموز 2014

احقادا و عداوات قديمة و دفينة لدى بعض الدوائر الغربية ضد بعض الحضارات الشرقية، ولاسيما الاسلامية، و ذلك لاعتبارات تاريخية و عقائدية و سياسية و ثقافية.

و في كل الاحوال، و ايا كانت دوافع اطروحة صدام الحضارات، فقد كان رد الفعل المتوازن و العاقل في آن واحد هو الداعي إلى حوار الحضارات، و هي دعوة تبنتها دوائر كثيرة عبر العالم، لاسيما في العالم الاسلامي، كما تبنتها اصوات عاقلة في الغرب، و كانت موضوعات هذه الدعوة هي اهمية ازالة سوء الفهم المتبادل من خلال معرفة افضل و اكثر عمقا و اتساعا و شمولا بالآخر، و التخلص من الصورة النمطية السلبية التي تروج لها احيانا بعض وسائل الاعلام و بعض المنظمات السياسية و المدنية عن الآخر كونه الخطر و التهديد و العدو. و كذلك توظيف وسائل الاعلام و مناهج التعليم و تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات الحديثة لتحقيق رؤية واقعية محايدة لفكر و عاداتو تقاليد و سلوك و ممارسات الآخر، ذلك انه لا توجد ثقافة عليا و ثقافة دنيا، و انما جميع الثقافات متساوية، و ينبغي ان تحترم خصوصياتها و اختلافها(1).

اما فيما يتعلق بمحددات حوار الحضارات فهي تعكس رغبة متبادلة في التعايش و التفاهم و التعاون انطلاقا من قناعة مؤداها ان العالم يواجه مشکلات و ازمات اكبر من ان تدعي حضارة ما انها تمتلك المفتاح السحري لحلها، او تدعي ايديولوجية ما انها تحتكر الحقيقة بصددها، و انما يستلزم الامر اقرار كل طرف بانه يملك جزءا من الحقيقة، ولا

ینکر على الاطراف الاخرى امتلاك اجزاء منها، و الاقرار ايضا بقدرة الجميع على المساهمة بشكل او بآخر في تقديم الحلول لتلك المشكلات، و ضمان تواصل مسيرة الحضارات الانسانية دون اخلال باحد مكوناتها قد يؤدي إلى حالة عدم توازن تدخل البشرية في مرحلة جديدة من الاضطرابات و الفوضى و الحروب العرقية و القومية و الدينية تفضي إلى الخراب و الدمار.

ص: 468


1- محمد العربي الخطابي، من اجل حوار بين الحضارات، مجلة المناهل، العدد العاشر، السنة الرابعة 1397 ه / 1977؛ محمد خاقاني، اصولنا في حوار الحضارات، مجلة المرصد الدولي، مركز الدراسات الدولية - جامعة بغداد، العدد الثالث، آذار - نیسان 2007

المصادر:

1. تیری، جانیس ج.، السياسة الخارجيّة أمريكية: دور جماعات الضغط و المجموعات ذات الاهتمامات الخاصّة (سیاست خارجی آمریکا: نقش گروه های فشار و مجموعه های دارای تلاش های ویژه)، تعريب: إحسان البستانيّ، الدار العربية للعلوم ناشرون، بیروت 2006.

2. الجابریّ، ستّار جبّار، «أيّ حوار نرید (چه گفت و گویی را می خواهیم)»، مجله بین المللی المرصد، مركز الدراسات الدولية في جامعة بغداد، العدد الرابع، حزیران، 2007.

3. خاقانی، محمد، «أصولنا في حوار الحضارات (اصول ما در گفت و گوی تمدن ها)»، مجله بین المللی المرصد، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد 3، آذار - نیسان 2007.

4. خطابی، محمد عربی، «من أجل حوار بين الحضارات (به خاطر گفت و گویی میان

تمدن ها)»، مجله المناهل، العدد 10، السنة الرابعة، 1397 ه / 1977م.

5. سحمرانی، اسعد، مكوّنات شخصيّة الإرهابيّ و سبل المعالجة (مؤلّفه های شخصیّت

تروریست و راههای بررسی آن)، مركز آفاق الدراسات و البحوث:

http://aafaqcenter.com/index.php/post/2029

6. سعدون، حميد، الغرب و الإسلام و الصراع الحضاري (غرب و اسلام و جنگ

تمدنی)، دار وائل للطباعة و النشر، عمان، 2002.

7. السعدون، حمید، صدام الهويّات (برخورد هویت ها)، بغداد 2013 [بدون ناشر].

8. سلیمان، غازی سعید، المنهج الإسلاميّ في التعايش السلميّ مع غير المسلمين (سبک زندگی اسلامی در همزیستی مسالمت آمیز با غیر مسلمانان)، بغداد، 2009، [بدون ناشر].

9. سناء السعيد، «رأس الأفعى (سر افعی)»، صحيفة الوفد مصر، 7 تموز، 2014.

10. عبد المجيد، عصمت، مواقف و تحدّيات في العالم العربىّ (دیدگاه ها و

چالش ها در جهان عرب)، دار الشرق، القاهرة 2003.

ص: 469

11. عناد، وجدان فريق، «القرآن الكريم طريقنا لتجاوز العجز الحضاري (قرآن کریم

راه ما برای عبور از نبوِد تمدن)»، مجله المصباح، العدد 10، 2012 م.

12. غارودی، روجيه، من أجل حوار بين الحضارات (با هدف گفتگو بین تمدن -

ها)، تعريب: عادل العوا، ط. 41 عويدات للنشر و الطباعة، بیروت، 1999 م.

13. هنتينغتون، صاموئيل، برخورد تمدّن و بازسازی نظم جهانی، ط. 1، تعريب: مالک

ابو شهيوه و محمود خلف، الدار الجماهيريّة للنشر و التوزيع، مصراته - لیبی 1999 م.

14. هیکل، محمّد حسنین، نهايات الطرق العربيّ التائه (سرانجام راه های سرگردان

عربی)، ط. 2: القاهرة 2002 م.

15. یاقوت، محمد مسعد، حوار الحضارات

و خناجر في جسد الإسلام

(گفت و گوی تمدن ها و خنجرهای در پیکره اسلام)، انظر:

http://www.nabilrahma.com

ص: 470

داعش والعنف الصّارخ مزيج من تفسير غير عقلانيّ للدين وتقنيات حديثة

تأليف: محمود شفيعي(1)

ترجمة: عباس صافي

نبذة:

(داعش) هي الحروف الأولى لعبارة (الدولة الاسلامية في العراق و الشام) و هو التنظيم الذي ظهر في العراق و قاده المدعو (أبو بكر البغدادي) أحد زعماء الجناح العراقي الأكثر تطرّفاً لتنظيم القاعدة بعد احتلال أجزاء من سورية و العراق فغيّر اسمها إلى ما يُعرَف اليوم بالدولة الإسلامية.

وقد أدّى العنف الوحشيّ المتكرّر الذي مارسته و ما زالت هذه الجماعة بأبشع أنواعه و البعيد عن كلّ ما يمتّ إلى الأخلاق بصِلة ضدّ العسكريين و المواطنين العاديين من رجال و نساء و أطفال و شيوخ في كلّ من العراق و سورية بل و منطقة الشرق الأوسط بأكملها، كلّ ذاك أدّى إلى إقحام المنطقة في أزمة خانقة و ويلات محزنة. و بالنظر إلى هذه المسألة الحساسة فإنّ موضوع هذه المقالة سيكون الجواب على السؤال التالي: "كيف يمكن لجماعة تدّعي التديّن بدين الإسلام و تتشدّق بالإيمان أن تقترف كلّ ذلك العنف غير المُبرّر و الذي لا ينسجم مع أيّ من المبادئ الدينية و العقلية و الإنسانية و الوجدانية ضدّ إخوانهم في الدين و المؤمنين و الشيعة في العراق و سورية و اتّهامهم بالارتداد و الكُفر؟"

ص: 471


1- دکتراي علوم سياسي و عضو هيات علمي دانشگاه مفید

وأمّا الفرضية التي يضعها هذا المقال فتتمثّل في شغف (داعش) بالتقنيات الحديثة و اغترارها بها ثمّ هوسها بتكوين توليفة تضمّ تلك التقنية مع المعتقدات الدينية الساذجة و غير المهذّبة إلى جانب التأملات العقلية و التجارب الاجتماعية و الإنسانية لتُوجِد خليطاً جنونياً من التقنية الحديثة تستخدمه ضدّ العالم الإسلامي الشيعي بل و السنيّ كذلك، و ربما الإنسانية جمعاء. و من أجل إثبات هذه الفرضية قمنا بمطالعة بعض البحوث الثانوية، إلّا أنّنا سلّطنا الضوء على أبرز التعاليم الدينية و تعابيرها التي استخدمها القادة السابقين و الجُدد لتنظيم القاعدة و التي كان لها الأثر البالغ في أعمال العنف التي يقومون بها. و في هذا الصّدد فقد آلينا الإشارة هنا إلى بحثين أساسيّين هما الكُفر و الإيمان من جهة ثمّ الجهاد من جهة أخرى بدءاً بالماضي و انتهاءً بالحاضر، بالإضافة إلى العلاقة القائمة بين تقنية القطعات أو الأجهزة مع التأكيد على الجانب العسكريّ و بين البرامج الحاسوبية مع التركيز على العالم المجازي في الشبكة العنكبوتية و استخدام ذلك من جانب الجماعات المتشدّدة في تنظيم القاعدة و (داعش)، و هذا ما أردنا بيانه في هذه المقالة.

ثمّ في الخطوة الثالثة أشرنا إلى انعكاسات تلك التعاليم الدينية و ردود الفعل التي تسبّبت بها و كذلك شغف هذه الجماعات بالتقنية في البيئة الحياتية فخصائص البيئة الحياتية لتنظيم (داعش) بعد تعريفها تُمثّل الأفق المعنوي لها. و تتألّف البيئة الحياتية لداعش من خصائص تجلّت في استخدامها أعمال العنف العسكرية ضدّ الشيعة في العراق و سورية، و قد أوردنا الاستدلال على ذلك في إمكانية تبرير أعمال العنف المستخدمة و إرجاعها إلى البيئة العقلانية المحالة. وفي نهاية المطاف و بعد استجماع المسائل و النقاط، عرضنا مجموعة من التوصيات الثقافية التي تكفل لنا قطع جذور التطرّف الدينيّ العنيف.

الكلمات المفتاحية: داعش؛ الكُفر و الإيمان؛ الجهاد؛ التقنية البيئة الحياتية؛ العُنف.

ص: 472

المقدّمة:

لا شكّ في أنّ ظهور ما يُسمّى بتنظيم (داعش) على مسرح التغييرات شبه الثورية في العقد الأخير في الشرق الأوسط العربي، يُمثّل أسوأ حدث سياسيّ و اجتماعيّ وقع حتى الآن، فلم يقتصر ظهور تلك الجماعة على بَعث الإحباط في بعض التغييرات المؤمّلة و حسب بل وضع ذلك التنظيم العالمَ الإسلاميّ أمام محنة كبيرة و فتنة كارثية لا يمكن التنبّؤ بعواقبها.

وبدأت هذه الجماعة المتمسّكة بظاهر الدين و التي أطلقت على نفسها اسم (الدولة الإسلامية في العراق و الشام) بذَبح و قتل إخوتها في الدين دون أن تتقيّد بأيّة مبادئ إنسانية أو عقلانية أو وجدانية أو أخلاقية أو تلتزم بأيّ من التعاليم الدينية الأساسية، فأوجدت بذلك مصيبة كبرى داخل الإطار الإسلامي فكان الرابح في هذا الاقتتال الظالم الأشرار و الوصوليين الذين لم تَعُد تربطهم بالإسلام ولا بالمسلمين أيّ علاقة إنسانية أو دينية تُذکَر، بل و كانت تلك الجماعات و لقرون عديدة صاحبة اليَد الطولى في كلّ المحافل الدولية و استطاعت الحفاظ على علاقات متينة بينها و بين بعض الدول الإسلامية رغم كلّ التغيرات.

ولا ريب في أنّ دراسة و بيان هذه الظاهرة السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الدينية الخطيرة و المثيرة للفتَن التي إن لم تُسارع الشعوب الإسلامية و دول المنطقة إلى التصدّي لها فإنّها ستُصبح إسرائيل أخرى بل و أخطر بكثير، و ستُفرَض على الجميع شاءوا أم أبَوا، أقول: لا ريب في أنّ دراسة هذه الظاهرة و بيانها يلزمه التركيز على الجوانب المتعددة و المعقّدة في الشرق الأوسط (ونقصد بذلك التركيز الهوّة الموجودة بين السنّة و الشيعة، و بين الاعتدال و التطرّف، و بين الشعوب و الحكومات، بین داخل الشعوب و خارجها، و بين الإقليم و العالم بشكل عامّ، بين المحافظين و الثوريين، بين العرب و الفرس، و القومية – القومية).

لكنّ الإلمام بكلّ تلك المسائل ليس أمراً يسيراً لأيّ باحث أو كاتب، فعلى سبيل المثال، فإنّ الدور الذي تلعبه القوى العظمى في العالم و في المنطقة من أجل الفوز في

ص: 473

اللعبة الاقتصادية السياسية الرئيسية و المستمرّة و المربحة، و استخدامها لجميع الأوراق المشروعة و غير المشروعة في تلك اللعبة، لم يَعُد يخفى على أحد، و على الرّغم من ذلك ينبغي الاعتراف بصعوبة أن تتحوّل جماعة ما إلى أداة و وسيلة لتحقيق مصالح الآخرين من خلال استخدام كلّ ذلك العنف الوحشيّ و الصارخ، دون وجود خلفية ذهنية و فكرية لهذه الجماعة في المسائل الإنسانية.

وتحاول مقالتنا هذه الإجابة عن السؤال التالي: "ما هي العوامل و العلل الداخلية الفكرية و العملية التي تُمثّل أساس السلوك العنيف و المتطرّف و الوحشي الذي تعتمده جماعة (داعش) وراء القناع الدينيّ؟"

ولإثبات الفرضية التي أشرنا إليها آنفاً - وهي: شغف (داعش) بالتقنيات الحديثة و اغترارها بها ثمّ هوسها بتكوين توليفة تضمّ تلك التقنية مع المعتقدات الدينية الساذجة و غير المهذّبة إلى جانب التأملات العقلية و التجارب الاجتماعية و الإنسانية لإيجاد خليط جنونيّ من التقنية الحديثة - ينبغي علينا أوّلاً طرح بعض الأسئلة الثانوية ثمّ الإجابة عنها. فالسؤال الثانويّ الأوّل هنا هو: "ما هي التصوّرات و الأفكار التي تحملها هذه الجماعة عن الإسلام و تعاليمه لا سيّما فيما يتعلّق بموضوع الكُفر و الإيمان و كذلك الجهاد؟" و في المرحلة الثانية سنحاول الإجابة عن السؤال التالي: "ما هي نظرة (داعش) تجاه التقنية الحديثة و ما هي تبريراتها الذهنية التي سوّلت لها استخدام الإنجازات الحضارية و خصوصاً في المجال العسكريّ؟" و بعد ذلك سنقدّم بحثاً موجزاً حول (البيئة الحياتية) كإطار مفهوميّ مناسب لفَهم العالم الذهني المشترك المكوّن للأفعال الجماعية من خلال السؤال و الجواب على خصائص البيئة الحياتية السلفية لتنظيم (داعش).

وأمّا السؤال الأخير و جوابه في هذا البحث فيتناول مُقتضيات البيئة الحياتية لداعش

في استخدامها للعنف الصارخ و اللاإنسانيّ.

لكن، و قبل الإجابة عن الأسئلة الثانوية، سنتطرّق باختصار إلى بحث مسألة تشكّل

جماعة (داعش) من خلال اقتفاء المسائل التالية:

أ) عملية تكوّن تنظيم (داعش)

ب) التصوّرات التي تحملها جماعة (داعش) حول التعاليم الدينية

ص: 474

ج) مُعتقدات تنظيم (داعش) و شغفه بالتقنيات الحديثة

د) ماهية البيئة الحياتية عموماً و معالم البيئة الحياتية السلفية - الداعشية خصوصاً

ه) البيئة الحياتية العقلانية المتوقّعة و العنف اللاإنسانيّ

و) الخلاصة و الاستنتاج

أ) عملية تكون تنظيم (داعش)

تُعتبر الدولة الإسلامية في العراق و الشام أو (داعش) و التي تُعرَف اختصاراً في اللغة الإنجليزية ب(ISIS) و اتّخذت لنفسها مؤخّراً اسماً جديداً هو (الدولة الإسلامية)، تُعتبر جماعة جهادية سنّية تابعة لتنظيم (القاعدة) تسعى إلى إيجاد دولة تضمّ المذاهب الإسلامية على أساس الشريعة، و هي منظمة تكوّنت من بقايا ما سُمي ب(تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) - في العراق - و استخدمت حرب العصابات ضدّ قوات التحالف الدولية بعد انهيار نظام الطاغية صدّام في العراق(1). و بعد خروج القوات الأميركية من العراق في أواخر عام (2010 م)، عمد تنظيم القاعدة إلى استهداف الأماكن و المناطق الشيعية لإشعال نيران الفتنة الطائفية بين الأقليّة السنية في العراق و بين حكومة نوري المالكي الشيعية. و قد غيّر

(تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) اسمه ليصبح (الدولة الإسلامية في العراق و شرق المتوسط - ISIL) أو (الدولة الإسلامية في العراق و الشام - ISIS) فأشعل الحرب في البداية في سورية لإسقاط نظام الأسد. وفي حزيران من عام (2014) استطاعت هذه

ص: 475


1- في الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤها ضدّ العراق في 20 مارس / آذار 2003 م فإنّ معظم القوات التي دخلت العراق كانت من الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا، إلّا أنّ (29) دولة أخرى انضمّت إلى الائتلاف الدولي وشاركت في الحرب المذكورة ومنها اليابان وكوريا الجنوبية وإيطاليا وأسبانيا وكانت المهمّة الرئيسية لهذه الدول هي تقديم الدّعم العسكري واللوجستي. وانتهت الحرب رسمياً بخروج آخر القطعات الأميركية في 19 أغسطس / آب 2010 م، لكن آخر الجنود الأميركيين تركوا العراق في أواخر عام (2011 م) وذلك بناءً على الاتفاقية التي كانت معقودة بين البلدين. وأمّا التبرير الذي قدّمه الرئيس الأميركيّ (جورج بوش) لاجتياح العراق فهو ارتباط نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة ولذلك لم تكن هناك حاجة إلى ذكر امتلاكه لأسلحة الدمار کسبب للاجتياح. الحرب - العراق / Fa.wikipedia.org/wiki تاريخ العراق _ (2011_ إلى _2003)/ Fa.wikipedia.org/wiki

الجماعة السيطرة على المؤسسات الحكومية و الإقليمية على الحدود بين العراق و سورية بعد انسحاب الجيش العراقي من محافظتَي الموصل و الفلوجة.

وكان الهدف الذي سعى المدعو (أبو بكر البغدادي) - قائد تنظيم داعش - إلى تحقيقه في أوّل الأمر يتمثّل في إنشاء دولته المزعومة في العراق، إلّا أنّ الأزمة السورية أدّت إلى ازدياد شهيّته و رغبته ما دعاه إلى تغيير اسم التنظيم ليكون (الدولة الإسلامية في العراق و الشام - داعش). ولم يكتف تنظيم (داعش) باعتماد أسلوب حرب العصابات على غرار سلفه (تنظيم القاعدة) بل كانت مسألة الاستيلاء على المناطق و المدن على رأس لائحة الأهداف العسكرية للتنظيم المذكور.

وكان أوّل زعيم لهذه الجماعة الوقحة قبل تكوينها هو المسمّى بأبي مصعب الزرقاوي الأردني الذي كان يرأس في بداية أمره بعض الميليشيات المتطوعة في منطقة (هرات) بأفغانستان. و في عام (2001 م) هرب الزرقاوي إلى شمال العراق و انضمّ إلى جماعة تسمّى (أنصار الإسلام) - وهي حركة تُطالب بانفصال الأكراد عن العراق - ثمّ تزعّم الجناح العربي في تلك الجماعة. و تجدر الإشارة إلى أنّ جماعة الزرقاوي في باكستان و أفغانستان كانت تُعتبر جزءاً من التشكيل العامّ لتنظيم القاعدة في العراق ثمّ انضمّت إليه أعداد أخرى من المقاتلين من سورية و العراق و بعض الدول المجاورة الأخرى حتى اتّخذ التنظيم المذكور هويّته العراقية في عام (2006 م).

وعلى أيّة حال، كانت نهاية أبي مصعب الزرقاوي الذي اختلف مع أيمن الظواهريّ بسبب طموحات الأوّل و روحه الوصولية في العراق، كانت نهايته على يَد القوات الأميركية و ذلك خلال غارة جويّة على مقرّه في حزيران من عام (2006 م).

وبعد مقتل أبي مصعب الزرقاوي عيّن أيمن الظواهري - الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة - المدعو أبي أيوب المصري كخليفة للزرقاوي لقيادة تنظيم القاعدة (فرع العراق)، و أبو أيوب هذا كان خبيراً بصناعة القنابل و المتفجّرات، فقام أبو أيوب المصري في نفس السنة باتّخاذ اسم جديد للجماعة التي يرأسها في العراق و هو (الدولة الإسلامية في العراق) و هو ما أشعر الظواهري بالقلق و الخشية! و أمّا تنظيم (داعش) فيقوده اليوم المدعو (أبو بكر البغدادي) - المعروف أيضاً ب(أبو دعاء).

ص: 476

وُلِد أبو بكر البغدادي (واسمه الحقيقيّ إبراهيم عوّاد) في سامراء عام (1971 م) و حصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية ببغداد و كاد يكون عضواً في الهيأة العلمية في الجامعة المذكورة. و رغم المعلومات التي تشير إلى أنّ المدعو أبو بكر البغدادي كانت هادئ الطبع خلال دراسته و الفترة التي تَلت المرحلة الدراسية، إلّا أنّ اجتياح الولايات المتحدة للعراق عام (2003 م) دفعه إلى محاربة القوات الأميريكة إلى جانب فلول صدّام و بعض رفاقه عندما كان في مدينة الفلوجة في تلك الفترة، إلى أن اعتقلته القوات المذكورة و اُدخِل المعتقل.

وبعد خروجه من السجن انضمّ أبو بكر البغدادي إلى صفوف المجاهدين تحت إمرة أسامة بن لادن الذين كانوا يُسمّون آنذاك بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. إلّا أنّ مُعظم قادة ذلك التنظيم و زعمائه تمّ قتلهم يوماً بعد آخر من قبل القوات الأميركية و على رأسهم الزعيمين الرئيسيّين و هما أبو عمر البغدادي و أبو حمزة المهاجر، و بعد مقتل هذين الزعيمين، تمّ تنصيب أبي بكر البغدادي رئيساً للتنظيم. وقد استطاع أبو بكر البغدادي استقطاب مُعظم الذين كانوا يعارضون الوجود الأميركيّ في العراق و هكذا تحوّل تنظيمه إلى أخطر مجموعة إرهابية بل و أقواها ضدّ القوات الأميركية.

وفي عام (2011 م) خصّصت الولايات المتحدة الأميركية جائزة مقدارها (10) ملايين

دولار من أجل القبض

على أبي بكر البغدادي إلى جانب تخصيصها (25) مليون دولار

کجائزة أخرى لمَن يساعدها على القبض على أيمن الظواهري.

وبعد نشوب الحرب الداخلية في سورية اتّخذت هذه الجماعة لنفسها اسم (الدولة الإسلامية في العراق و الشام) و شرعت في القتال ضدّ حكومة بشّار الأسد كمنظمة تابعة لتنظيم القاعدة. و في عام (2013 م) انضمّ المئات من الذين كانوا معتقلين في سجن (أبو

غريب) و استطاعوا الهروب منه إلى الجماعة المذكورة.

ومع مرور الوقت وقع خلاف بين أبي بكر البغدادي و بين ما يُعرَف بجبهة النصرة في سورية - وهي منظمة تابعة لتنظيم القاعدة - و خرج عن طاعة أيمن الظواهري مُعلناً أنّه لا يعترف بأيّ زعيم لتنظيم القاعدة سوى أسامة بن لادن.

ص: 477

ومن الذين تزعّموا تنظيم (داعش) شخص يسمّى فاضل أحمد عبد الله الحيالي، المنسّق لشؤون (إمارة العراق)، و الذي يُعرَف كذلك بأبي المعتزّ و هو الشخص الذي كان مشرفاً على المعارك التي وقعت في محافظة الموصل. ثمّ عدنان لطيف حمدي السويداويّ و يحمل منصب (والي الأنبار) و عضو مجلس الشورى العسكريّ لتنظيم (داعش)، و شخص آخر يُدعى أحمد حسن (المعروف بأبي فاطمة) المعيّن (من قِبل التنظيم المذكور) والياً على محافظات جنوب الفرات المركزيّ؛ ثمّ موفقّ مصطفی محمّد الكرموش (والذي يُسمّى أيضاً بأبي صلاح)، و هو المسؤول المالي لِما يُدعي بإمارات العراق؛ و محمّد حميد الدليميّ المعروف ب(أبو هاجر العسافي) منسّق أمور البريد بين المحافظات (أو الولايات على حدّ تعبير التنظيم)؛ ثمّ عوف عبد الرحمن العفري

(المسمّى أيضاً أبو سجی) و هو مسؤول تنسيق شؤون الأرامل من النساء و اُسَر المقتولین و الأسرى، و فارس رياض النعيميّ المعروف بأبي شيماء و هو المسؤول عن الأمور البريدية كذلك و ما يسمّى بالخزائن، و عبد محمود الطائي المشهور بأبي كفاح المسؤول عن المواد المتفجّرة و التفخيخ.

هذا و يبدو أنّ تنظيم (داعش) يمتلك (18) زعيماً مهمّاً يتوزّعون بين أركانه، و أمّا أهمّ كوادر هذا التنظيم فيتألّف من القادة و المُدراء في زمن الحكم البعثيّ بالإضافة إلى الشخصيات التي كانت مُقرّبة إلى الرئيس السابق صدام حسین و بعض العسكريين الفارّين أو المطرودين من الجيش العراقي و السوريّ و مجموعة من المحاربين و المقاتلين من أوروبا و الشيشان و البوسنة و شرق ترکستان و ليبيا و أفغانستان و بعض الدول الأخرى.

ومهما يكن من أمر فإنّ تنظيم (داعش) اليوم يعتبر نفسه في صدارة قيادة الجماعات الجهادية الأخرى فيما ينظر البغدادي إلى موضوع الجهاد نظرة عالمية، و عليه، فإذا كان أحد المقاتلين الشيشان يعرف القرآن الكريم فإنّ له حقّ إعطاء الأوامر إلى العراقي أو العربي بشكل عامّ، و لذلك فإنّ أفراد هذه الجماعة - وخلافاً لتنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري - لا يعيرون أيّة أهمية لسياسة الخطوة خطوة أو محاباة قوم أو طائفة أو مُراعاة

ص: 478

المسائل الأخلاقية في القتل و النّهب أو تقسيم الأعمال و التمرکز و الاستقرار في منطقة مُعيّنة و ما إلى ذلك(1).

ب) تصوّرات (داعش) عن التعاليم الدينية

تُعتبر الجماعات الإسلامية المتشدّدة - ومنها (داعش) - استمراراً للنّظرة الظاهرية المتشددة و المتعصّبة و السطحية التي كان الخوارج من قَبل ينتهجونها في صدر الإسلام، فما زالت المبادئ السطحية للخوارج قديماً موجودة و تجري في عروق الخوارج الجُدد في الوقت الحاضر، في الوقت الذي كان فيه التقسيم بين عاملَي الكُفر و الإيمان في صدر الإسلام يعتمد الفصل بين المحاربين و المعاندين الذين دخلوا الإسلام حديثاً - وكانوا يصرّون على الشّرك و لم يُطيقوا العيش في فضاء التوحيد و لم يفتأوا يقاومونه كلّما سنحت لهم الفرصة بذلك - و بين أولئك الذين كانوا قد أسلموا من قَبل. و بعد انتشار رقعة الإسلام و تقويض سلطان الكُفر و الشّرك للمحاربين في جزيرة العرب لم يَعُد التقسيم المذكور يحتلّ مكانته السابقة داخل العالم الإسلامي حتى لاحت رؤوس الخوارج شيئاً فشيئاً في التاريخ بعد مرور فترة على ظهور الإسلام و خلال عملية تكوّن النِحَل و الفِرَق الكلامية، فرجعت هذه الفرقة الجزمية غير العقلانية إلى التقسيم السابق الذي كان يُفرّق بين الكافر و المسلم في العالم الإسلامي لكن بشكل مختلف هذه المرة. و استناداً إلى نظرة الخوارج السابقين الذين أورثوا أجيالهم من بعدهم مُعتقداتهم، فإنّ المسلم الذي يرتكب الكبائر لن يعد مسلماً بعد ذلك و ينبغي اعتباره كافراً مستحقاً لنار جهنّم، بل و يُعتبر قَتله جائزاً كذلك. و بالنظر إلى مرونة مفهوم (ارتكاب الكبائر) دخل التفسير لهذا العامل المصيريّ و الخطير عالماً بيئياً جديداً للدين لكن بشكل أكثر تطرّفاً و تشدّداً - وسنتحدّث عن العالم البيئيّ فيما بَعد - و أصبح بالإمكان توسيع دائرة معنی

ص: 479


1- تمّ اقتباس معظم أجزاء البحث (وتلخيصه والتصرّف فيه) من موقع: http://www.taghadom.com/technology - it/cartech/427 - special - report/212411 أنظر المواقع التالية حول نفس الموضوع: fa.alalam.ir/news/1601742 http://www.aparat.com/v/9ETG2/

الكبائر باستمرار و في عدّة اتّجاهات مختلفة دون هوادة ليشمل كلّ ما لا ينسجم و طبع الخارجيّ. على سبيل المثال، ورد في سنن الترمذي أنّ مَن يُفسّر القرآن الكريم برأيه فهو كافر! وقد أصبحت مثل تلك الاتّهامات التي تُكال إلى الأفراد و الجماعات باسم الإسلام و الرّسول صلی الله علیه و آله وسلم تدخل حياة بعض المسلمين و تتفاقم بشكل مستمرّ فبدأت جذور أوّل صِدام داخلي بالظهور في الفترة المذكورة(1)، و شرع الخوارج في عصرنا هذا و هم يحملون مثل تلك التصوّرات و الأفكار و كردّ فعل على الإهانة التي يتعرّض لها العالَم الإسلامي من قِبَل الاستعمار في الخارج و الاستبداد في الداخل، شرعوا باتّهام المسلمين

(من الشيعة و السنّة) بالارتداد لأبسط الأسباب و أتفَه العِلل بذهنيّتهم المتشدّدة، و اعتباره کافراً بل و أعظم کُفراً من الكافر الحربي اليهوديّ أو المسيحيّ و بذلك يستحلّون دَمه، و إن كان تعاملهم مع أبناء الشيعة أكثر حقداً و أشدّ عنفاً مقارنة بأتباع المذاهب الأخرى.

وبعد موضوع الكُفر و الإيمان أصبحت مسألة الجهاد و الفهم التاريخيّ الخاطئ له جزءاً لا يتجزّأ من البرنامج السياسي و العسكري للإيديولوجية الإسلامية الراديكالية لتنظيم (داعش) باعتباره واحداً من أكثر أجنحة تنظيم القاعدة تطرّفاً و تشدّداً حيث استلهم أفراد (داعش) هذه الأفكار و التعاليم من ثلّة من قادتها الكلاسيكيين الجُدد. و يُعتبر أسامة بن لادن - أهمّ شخصية معنوية و سياسية في تنظيم القاعدة - المرجع الدينيّ الوحيد لتنظيم (داعش)، بينما يُمثّل ابن تيمية و ابن قيّم الجوزية وهما من المفکّرین الأصيلين للتيار السلفيّ و الوهابي، يمثّلان المرجع الإيديولوجيّ الأوّل لأسامة بن لادن، و في الوقت نفسه لم يكن هذا الأخير متأثّراً لا بمحمّد بن عبد الوهاب (وهو من الموالين لابن تيمية) ولا بالإسلام الوهابيّ المحافظ الشائع في المملكة العربية السعودية(2)، و سنشير لاحقاً إلى الاختلافات بین مُعتقدات بن لادن و عقائد الوهابية المعاصرة.

ص: 480


1- توشهیکو، إيزوتسو، الله و الإنسان في القرآن، ترجمه إلى الفارسية: أحمد آرام، ص 5 - 63
2- DeLong - Bas, Natana (2007). Wahhabi Islam. London: I. B. Tauris. pp. 266, 273, 279 http://en.wikipedia.org/wiki/Beliefs_and_ideology_of_Osama_bin_Laden

ولكي ندرك ذهنية تنظيم (داعش) لا بدّ لنا من البحث في مُعتقدات أسامة بن لادن و بعض قادة تنظيم القاعدة السابقين و الحاليين فيما يتعلّق بباب الاجتهاد، و سنقوم أوّلاً بالخوض في الآراء و الإيديولوجية الدينية الكلاسيكية التي تأثّر بها بن لادن.

إلى جانب المنظّرين الكلاسيكيّين المذكورين، يُمثّل سيد قطب - وهو أحد المنظّرين المحسوبين على الإخوان المسلمين - و عبد السلام فرج - المنظر الرئيسيّ لمنظمة الجهاد و الجماعة الإسلامية في مصر - و كذلك عبد الله عزّام(1)، يمثّل هؤلاء أساتذة أسامة بن لادن و مُلهميه دون مضارع الذين وضعوا بصمات واضحة على شخصية بن لادن و

خاصّة فيما يتعلّق بمبدأ الجهاد و أهميّته في أصول الدين و ضرورة تطبيقه في العمل الإسلامي(2) حيث سنشير كذلك إلى العقائد السطحية و غير العقلانية لهذه المجموعة في تصوير أسلوب طرح فريضة الجهاد الإسلامية. وفي نهاية البحث سنتطرّق إلى مُعتقدات بن لادن و آرائه بالإضافة إلى مُعتقدات القاعدة الحاليين لتنظيم (داعش) - ونعني بذلك أبي بكر البغدادي الذي يفخر باتّباعه منهج أسامة بن لادن لا أيمن الظواهري (الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة).

يحتل مفهوم (الجهاد) و طريقة تفسيره و تحويله إلى عمل سياسيّ و نشاط جماعيّ المكانة المحورية الثانية - بعد مفهوم (التوحيد) - في منظومة المبادئ الإيديولوجية الأساسية للإسلام الراديكاليّ لتنظيم القاعدة و زعمائه، و قد خصّص أبرز المفکّرین و الإيديولوجيين المسلمين الراديكاليين جزءاً مهمّاً من آثارهم لتفسير مفهوم الجهاد و کيفية تطبيقه على أرض الواقع في الحركات الإسلامية. و يُعتبر ابن تيمية من أوائل الذين خاضوا في موضوع الجهاد بالتفصيل في التاريخ الإسلامي حيث قام باستخدام أسلوبه هذا بالفعل إبّان الفترة التي كان فيها المغول يحتلّون مركز الخلافة الإسلامية آنذاك (وهي

ص: 481


1- عبد الله يوسف عزام: شخصية إسلامية فلسطينية يوصف بأنه رائد الجهاد الأفغاني ومن أعلام الإخوان المسلمين. وُلد عبد الله عزام في جنين وأنهى دراسته الابتدائية والثانوية في قريته ثمّ واصل تعليمه بكلية (خضورية الزراعية) ونال منها الدبلوم بدرجة (امتیاز) ثمّ عمل في سلك التعليم، وواصل طلبه للعلم الشرعي حتى انتسب إلى كلية الشريعة في جامعة دمشق، ونال منها شهادة الليسانس في الشريعة بتقدير (جيد جدا)
2- ريتشارد بوني، جهاد: از قرآن تا بن لادن، نقد: حميد أحمدي، منشورات (مطالعات راهبردي)، (صيف 2006 م، العدد 32)، صص 421 إلى 429

بغداد) خلال القرن الهجريّ السابع و كذلك الصليبيين الذين كانوا يسيطرون على أجزاء أخرى من العالم الإسلامي. و قد أشارَ ابن تيمية في مصنّفاته إلى كون الجهاد مُقدَّم على جميع الفرائض الأخرى لأهميّته الاستثنائية و بيّن في استدلالاته المتنوعة أنّ الشهادة تُمثّل أبسط أشكال الموت، و كان يرى أنّ المسلم الذي لا يشارك في الجهاد هو في الحقيقة کافر، و أنّ الذين لا يطيعون أوامر الإسلام و تعاليمه هم كفّار أيضاً و إن نطقوا بالشهادتين و أنّه ينبغي محاربتهم، و هكذا تُعتبر نظریات ابن تيمية القاعدة الأساسية لصرح الإسلام الراديكاليّ بامتياز(1).

ومن بين المفكّرين الإسلاميين الراديكاليين سيد قطب الذي بحث في موضوع الجهاد بشكل تفصيليّ، و يعتقد قطب أنّ المسلم الحقيقي هو الذي يجاهد في سبيل إعلاء كلمة الحقّ. و من خلال نقله لكلام ابن قيّم الجوزية ادّعى سيد قطب أنّ الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم

كان قد اُمِرَ بالقتال و الجهاد عندما كان في المدينة إلى جانب تصريحه بالدعوة الإسلامية، لكن مع الذين يحاربونه فقط. و بعد تلك المرحلة - والكلام لسيد قطب - و كختام لتعاليم الله عزوجل اُمِرَ المسلمين بمحاربة جميع المشركين حتى الاستقرار النهائيّ للدين الإسلامي. و يرى سيد قطب أنّ عملية قيام الحكومة الإلهية و تطبيق القوانين الدينية و إزالة الطاغوت و القضاء على كلّ القوانين الوضعية التي سنّها البشر لا يمكن أن تتمّ بالموعظة فقط لأنّ الذين يحتلون موقع الإله لن يتخلّوا بسهولة عن السلطان الذي أحرزوه، فالدين ليس فلسفة بل هو عمل لا يمكن تحقيقه بمجرّد الموعظة بل لا بدّ من أن تصاحبه حركة. ولا يمكن التبليغ عن الإسلام و نشر تعاليمه إلّا بالسيف و الكتاب حيث يُمثّل كلّ منهما اللازم و الملزوم للآخر(2)، و يخبرنا التاريخ أنّ السّيف كان الوسيلة المثلى لفَتح البلدان غير الإسلامية و القضاء على المشركين في الداخل، أمّا الكتاب فهو لإدخال النصارى و اليهود إلى حظيرة الإسلام بعدما فشلت جميع المحاولات لإدخالهم إلى الإسلام بالقوّة.

ص: 482


1- مهدي بخشي شيخ أحمد، جهاد: از ابن تیمیه تا بن لادن، منشورات (علوم سیاسی)، (صيف 2006 م، العدد 34)، صص 169 - 194
2- «قوام الدّين بكتاب يهدي وسيف ينتصر». [المترجم]

وفي معرض انتقاده لأولئك الذين يعتبرون الجهاد في الإسلام وسيلة دفاعية، يقول سید قطب أنّ هؤلاء في الحقيقة هم مستشرقون يريدون تغيير ماهية الإسلام و أهدافه، و أنّ الذين لا يرون الجهاد إلّا دفاعاً عن البلاد الإسلامية قد نسوا الهدف الأصلي للإسلام و أنّهم باعتقادهم هذا إنّما ينتقصون من شأن الإسلام مقارنة بالبلدان الإسلامية.

وعَبر تقديمه لمعنى خاصّ للسلام يعتقد سيد قطب بضرورة أن يؤدّي التعايش و

السلام الإلهيّ إلى تحقيق العدالة الاجتماعية و الأمان و الاستقرار لكلّ الناس، و ليس مجرّد تجنّب الانخراط في الحرب مهما كان الثّمن، حتى مع سيطرة الظلم و الاضطهاد على الناس.

واستند سيد قطب إلى بعض الآيات القرآنية كأدلّة على أهمية الجهاد، و منها:

1- ترسيخ حاكمية الله

2- تنظیم و توطيد المسائل الإنسانية بواسطة الهداية الإلهية

3- محو آثار القوي و العناصر و الأنظمة الشيطانية الموجودة في الجاهلية الحديثة - بزعمه

4- إزالة حاكمية الفرد أو بعض الأفراد على البلاد و الاستعاضة عنها بحاكمية الله و تطبيق قوانينه(1).

وأمّا عبد السلام فرج، مهندس الكهرباء و زعيم الجهاد الإسلامي في مصر الذي ينتمي إليه المدعو خالد الإسلامبوليّ أحد الذين اشتركوا في عملية اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عام (1981 م)، فيُعرّف (الجهاد) في كرّاسه المسمّى (الجهاد، الفريضة الغائبة) قائلاً أنّه الوسيلة المقدّسة الوحيدة التي يمكن استخدامها ضدّ الحاكم الظالم و هي فريضة دأب العلماء - على حدّ قوله - على إخفائها و تجاهلها. و يعتقد فرج أنّ السبيل الوحيد للعودة إلى الإسلام الذي كان مزدهراً في الماضي هو (الجهاد) و أنّه لا ريب في كون السيف هو الوسيلة المثلى للقضاء على الأصنام في العالم المعاصر.

وباستشهاده بالرواية التي ذكرها أبو حنيفة، يقول عبد السلام فرج أنّ البلاد الإسلامية

إذا دخلت أيّاً من المراحل أو الظروف التالية فإنّها تُعتبر بلاد الكُفّار و ليس المسلمين:

ص: 483


1- المصدر السابق

1- تطبيق القوانين غير الإسلامية و اعتبارها أساساً للتشريع

2- فقدان الأمن و الاستقرار

3- تعرّض البلاد الإسلامية للخطر و التهدید

وهنا يستنتج عبد السلام فرج أنّ مصر تُعتبر بلاداً للكفّار بسبب تطبيقها للقوانين غير الإسلامية، و أنّ الحكّام الحاليين في البلدان الإسلامية قد ارتدّوا عن الدين الإسلامي و أنّهم ينتهجون منهج الإمبريالية أو الشيوعية أو الصهيونية.

كما صرّح عبد السلام فرج اتّباعه لأئمّة الفقه و قال أنّ عقوبة الذين يرتدّون أكبر منها في حال كون الشخص کافراً منذ البداية و لذلك ينبغي محاربة المرتدّين و القضاء عليهم

حتى و إن كانوا عُزّلاً لا يحملون أيّة أسلحة.

وباستناده إلى كلام ابن تيمية يستنتج عبد السلام فرج أنّ حكّام البلدان الإسلامية في الوقت الحاضر لا يختلفون عن التتار بسبب تجاوزهم للقوانين الإلهية و تطبيقهم القوانين الوضعية. و كان فرج يرى أنّه على الرّغم من ضرورة أن يكون جهاد المسلمين في العصر الحديث منصبّاً على تحرير القدس إلّا أنّه ينبغي التركيز على بعض النقاط المهمّة و الضرورية، و هي أنّ محاربة العدو الأقرب أوجب من محاربة العدو الأبعد، و أن تكون الحرب تحت راية الإسلام، و يعتقد أنّ الحكّام المسلمين في الظاهر في الدول الإسلامية هم ركائز للإمبريالية التي تكرّس وجودهم في تلك البلدان، لذلك يجب أوّلاً القضاء على أولئك الحكّام كبداية للجهاد الأكبر.

ويؤكّد عبد السلام فرج على ضرورة أن يلبّي المسلمون دعوة إمامهم إذا ما دعاهم إلى الجهاد ولا حاجة للبعض منهم إلى الحصول على إذن من والديهم في المشاركة إذ في هذه الحالة يصبح مَثل الجهاد کمثل الصلاة و الصّوم. و من وجهة نظره فإنّ الإسلام لم يتّسع و لم ينتشر أبداً إلّا بقوّة السيف و أمّا الجهاد الدفاعي فهو أمر مرفوض تماماً، و أنّ الجهاد يُعتبر عملية مستمرّة إلى قيام الساعة(1).

ص: 484


1- المصدر السابق

ويستنتج عبد السلام فرج و الإسلاميون الراديكاليين كذلك أنّ تفسيرهم المتطرّف هذا للحديث المذكور يُفنّد ما ورد في الحديث المعروف القائل بأنّ جهاد النّفس أعظم من جهاد العدو، بل و أنّ هذا الحديث الأخير هو حديث موضوع(1).

هذا، و يُعتبر احتلال الاتّحاد السوفياتي سابقاً لأفغانستان عام (1979 م) عاملاً مهمّاً لتقرّب الجهاد و الجهاديين إلى الراديكالية الأمر الذي دفع ببعض علماء السنّة إلى إصدار فتاواهم للجهاد ضدّ القوات الشيوعية. و قد أدّت هذه الحادثة إلى اعتراف بعض الدول و على رأسها المملكة العربية السعودية بشرعية الحرب و الجهاد في أفغانستان. و خلال تلك الأحداث كان عبد الله عزّام ممّن ترك الدراسة في جامعة الملك عبد العزيز في السعودية و رحل إلى باكستان عام (1985 م) ليتدرّب على فنون القتال إلى

جانب المجاهدين، و هناك استطاع تأسيس منظمة باسم (مكتب الخدمات للمجاهدين العرب) بالتعاون مع الهلال الأحمر الكويتيّ و السعوديّ و كذلك أسامة بن لادن بهدف تقديم المساعدات الإنسانية للمجاهدين الأفغان. فأصبح عزّام الزعيم و الواعظ الكاريزميّ و المنظّر الأصليّ للعرب و الأفغان و كان من قَبل أستاذاً لأسامة بن لادن في الجامعة، حيث رحل بعد ذلك إلى الأردن وسورية و حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة دمشق في الحقوق الإسلامية.

وفي أواخر عام (1960 م) سافر عزّام إلى مصر و التحق بجامعة الأزهر و أكمل فيها

دراسته ثمّ عاد إلى السعودية سنة (1973 م) و بدأ بممارسة التدريس في جامعة جدّة.

لقد كان عزّام من أوائل الذين هبّوا لمساعدة المجاهدين الأفغان و لهذا جعل مقرّه

في مدينة بيشاور في باكستان بعد أن توصّل إلى نتيجة مفادها أنّ الجهاد هو السبيل الوحيد لاستقرار المجتمع الإسلامي، و من خلال تأليفه لبعض الكتب أضحى عبد الله عزّام من أهمّ زعماء الجهاد، لكن ما لبث أن أغتيل في مقرّ إقامته (بیشاور) عام (1989 م) في طريق عودته إلى مسجد (سبع الليل).

ويُذكَر أنّ عزّام كان قد أشار في كتبه إلى العديد من الأسباب و العلل التي تحثّ على

الجهاد و منها:

ص: 485


1- المصدر السابق

1- منع سيادة الكَفار و تسلّطهم على المسلمين 2- قلّة أعداد المسلمين المستعدين للتضحية بأنفسهم في سبيل الإسلام

3- الاستمرار على منهج السّلف الصالح

4- بناء المجتمع الإسلامي و استقراره

5- الشهادة و دخول الجنّة

6- الحفاظ على بلاد الإسلام و الحيلولة دون وقوعها في هاوية الفساد

7- يُعتبر (الجهاد) قمّة الفرائض في الإسلام

8- الجهاد هو رأس العبادات

ویری عزّام أنّ (الجهاد) يأتي في المرتبة الثانية بعد الإيمان لكنّه ظلّ فريضة غائبة و

منسيّة و هذا هو السبب الذي أدّى إلى بقاء المسلمين في حالة الذلّ و الهوان.

ويتّفق عزّام مع الآخرين حول وجود نوعين من الجهاد: الجهاد الهجوميّ على أرض العدو و الجهاد الدفاعي، و أنّ من بين العوامل التي توجِب القيام بالجهاد الدفاعي قيام الكفّار بأسر عدد من المسلمين و سجنهم. و للجهاد ضدّ الكفّار الذين يحتلّون بلاد المسلمين فإنّه لا ضرورة إلى الحصول على إذن من الوالدين، و إنّ ترك الجهاد يشبه ترك الصلاة و الصوم بل و أسوأ من ذلك أيضاً.

وقد كانت للنظريات التي وضعها عبد الله عزّام تأثيراً كبيراً على المنظمات الجهادية الحديثة العهد فأصبحت كتاباته برنامج عمل للمجاهدين يقتدون بها إذا ما أرادوا إعلان الجهاد العالمي ضدّ الغرب و إسقاط الحكومات العميلة في الشرق الأوسط.

وتجدر الإشارة إلى أنّ عبد الله عزّام كان له الأثر الأكبر على شخصية أسامة بن لادن و أفكاره فكان الملهم بلا منازع له لسنوات طويلة. و أدّت آراء عزّام إلى إنشاء منظمة عالمية لاستقطاب المتطوّعين من شتّى بقاع الإسلام للجهاد في أفغانستان، و من هنا

تشكّلت الخلايا العالمية للاغتيالات التي حظيت بدَعم مُعظم الحركات الراديكالية لها(1).

ويُذكَر أنّ أسامة بن لادن (1957 - 2011 م) - مؤسّس تنظيم القاعدة - كان قد أصدر فتوتين في عامَي (1996 م) و (1998 م) حول ضرورة الجهاد ضد إسرائيل و الأنظمة الإسلامية التي تُؤوي القواعد العسكرية الغربية، و سوف نشير إلى تلكما الفتوتين لاحقاً.

ص: 486


1- المصدر السابق

ویری بن لادن أنّ فكرة جهاد الأعداء و محاربتهم تشمل الأفراد غير العسكريين و العسكريين في الولايات المتحدة و حلفائها(1). و خلال فترة حكم الملا عُمر في أفغانستان كان أسامة بن لادن يؤمن بالفكر المتطرّف القائل بأنّ أفغانستان هي الدولة الإسلامية الحقّة الوحيدة في العالم الإسلامي(2)، و رغم أنّ أفكاره بشكل عامّ تشبه إلى حدّ كبير العقيدة الإسلامية الوهابية إلّا أنّ عقيدته تختلف عن عقيدة الوهابية في ثلاث مواضع هي:

1- تعتبر الفرقة الوهابية أنّ أمر الجهاد منوط بالزعيم السياسيّ، في حين كان بن لادن

يرى نفسه المفتي الوحيد للجهاد دون حاجة منه إلى قائد سياسي أو حكوميّ.

2- ثمّة علاقة وثيقة تربط بين الفرقة الوهابية و العائلة المالكة السعودية(3) في حين

طالما صرّح بن لادن بضرورة إسقاط السلالة الحاكمة في السعودية.

3- في الوقت الذي تعتبر فيه الوهابية عبادة الله سبحانه و نَبذ الأصنام و ضرورة اتّباع الشريعة هي المسألة الرئيسية، فإنّ الهدف الرئيسيّ بالنسبة لابن لادن هو التصدّي للسياسة الغربية و محاربة الأنظمة التي لا تحكم وفقاً لشريعة الإسلام(4).

وفيما يتعلّق بالحكومة السعودية فإنّه و بالنظر إلى الإشكالات الكثيرة التي تؤخذ على تصرّفاتها و أفعالها من خلال النظرة الإيديولوجية، فقد أعلن أسامة بن لادن مراراً

ص: 487


1- http://en.wikipedia.org/wiki/Beliefs_and_ideology_of_Osama_bin_Laden
2- Bruce Lawrence (2005). Messages to the World: The Statements of Osama bin Laden. Verso. pp. p143. http://en.wikipedia.org/wiki/Beliefs_and_ideology_of_Osama_bin_Laden
3- استمرّ اتّحاد الوهابيين و آل سعود منذ تأسيس هذه الفرقة وحتى القرون الأخيرة، إلّا أنّ الاتّحاد المذكور لا یعنی عدم وجود اختلافات بينهما في المسائل السياسية والاجتماعية، وقد أدّت تلك الاختلافات إلى انفصال الوهابية تدريجياً عن آل سعود. ونشرت في جامعة (المفيد) مؤخّراً أطروحة بعنوان «سیاستهاي دولت عربستان در قبال شیعیان این کشور، حيث تناول أحد فصولها بالتفصيل كيفية نشوء المملكة السعودية من خلال اتّحادها مع الفرقة الوهابية بالاستناد إلى الكثير من المصادر
4- Commins, David (2006). The Wahhabi Mission and Saudi Arabia. I. B. Tauris. pp. 185, 190 http://en.wikipedia.org/wiki/Beliefs_and_ideology_of_Osama_bin_Laden

معارضته للحكومة السعودية و الوقوف ضدّ سياساتها(1). ففي الفترة التي كان الاتّحاد السوفياتي (سابقاً) يحتلّ فيها أفغانستان خصّص أسامة بن لادن جزءاً كبيراً من ثروته الشخصية لتشجيع المتطوّعين و جذبهم من الأقطار الإسلامية المختلفة إلى أفغانستان لمقاتلة القوات السوفياتية، مُعلناً تأييده المؤقّت للتدخل الأميركيّ آنذاك في أفغانستان ضدّ الاتّحاد السوفياتي، إلّا أنّ علاقته الطيبة مع الولايات المتحدة لم تَدُم طويلاً لا سيّما بعد

خروج القوات السوفياتية من أفغانستان حيث وصلت إلى أسوأ حالاتها(2).

وقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول بدأ أسامة بن لادن بتنبيه حلفائه إلى وجود حرب بين العالم الإسلامي و الولايات المتحدة الأميركية بسبب ما أسماه ب(الحرب الصليبية الأميركية ضدّ الشعوب الإسلامية)، فعلى الصعيد الداخلي كان بن لادن يوصي المسلمين بضرورة اتباعهم لزعيم يعمل على توحيدهم و يقيم لهم الخلافة الإسلامية. و يمكننا توضيح النواة الأصلية لفلسفة أسامة بن لادن من خلال البيانين اللذين أصدرهما في الجهاد ضدّ الولايات المتحدة: ففي بيانه الأوّل الصادر بتاريخ (1996/8/26 م)(3) أشار بن لادن إلى سببين رئيسيّين حول عدم شرعية حكم آل سعود: السبب الأوّل هو نَبذهم للشريعة الإسلامية، و السبب الثاني أنّ المملكة العربية السعودية مُحتلّة في الواقع من قِبَل الصليبيين الأميركان.

وكان بن لادن يرى أنّ الولايات المتحدة تسيطر على منطقتين مقدّستين في السعودية و هما مكّة المكرّمة و المدينة المنوّرة و أنّ على المسلمين أن يطردوا أولئك الكفّار - على حدّ تعبيره - من بلادهم بإعلان الحرب عليهم. و يعتقد بن لادن - کسلفه ابن تيمية - أنّ الفريضة الأساسية التي تقع على عاتق المسلمين بعد إيمانهم هي الجهاد الهجوميّ

ص: 488


1- http://en.wikipedia.org/wiki/Beliefs_and_ideology_of_Osama_bin_Laden
2- Ibid
3- Christopher M. Blanchard (Analyst in Middle Eastern Affairs Foreign Affairs, Defense, and Trade Division), Al Qaeda: statements and Evolving Ideology (CRS - Congressional Research Service - Report for congress, Order Code RL 32779, Updated July 9, 2007) Prepared for Members and Committees of Congress, pp: 5-6

لإقامة حكومة الله في الأرض و ذلك بطرد الأمير كان من الأرض المقدّسة - بزعمه. و يقول بن لادن أنّه لا وجود لأيّ شرط أو حالة استثنائية لأداء فريضة الجهاد.

وأمّا فَتواه أو بيانه الثاني فقد صدر بتاريخ (

1998/2/23 م) و هو يتعلّق باليهود و النصّارى، و فيه يُعلن تأييده و تضامنه مع المجاهدين في مصر و باکستان و بنغلادش في حربهم ضدّ الولايات المتحدة الأميركية و حلفائها الذين يحادّون الله و رسوله و المسلمين.

وفي بيانه المذكور يشير بن لادن إلى ثلاثة جرائم اقترفتها الولايات المتحدة و هي:

1- احتلالها لأرض

المملكة العربية السعودية المقدّسة ونَهب ثرواتها الوطنية و

تذليلها لحكّامها و شعبها.

2- فرض الحصار على العراق و التسبّب بمقتل أكثر من مليون مواطن عراقي.

3- دعمها المطلق للكيان اليهودي - على حدّ تعبيره - و قتل المسلمين.

وبناءً على ذلك، يصبح الجهاد العينيّ الدفاعيّ ضدّ النصارى و اليهود و خصوصاً

الولايات المتحدة، واجباً على كلّ مسلم.

ويعتقد أسامة بن لادن أنّه ينبغى نسيان ما قد فات بالنظر إلى الفرصة المؤاتية في الوقت الحاضر لإعلان الجهاد و محاربة أعداء الإسلام لا سيّما الأعداء الخارجيين من النصارى و اليهود. و پری بن لادن أنّ تجارب الانتصار التي تحقّقت في أفغانستان على القوات السوفياتية آنذاك تشير بشهادة المقاتلين الصوماليين إلى أنّ الأميركان أضعف قوّة و أقلّ احتمالاً من السوفيات(1).

وفي الجانب الآخر يعتقد أيمن الظواهري - زعيم منظمة الجهاد الإسلامي في مصر و

الرجل الثاني لتنظيم القاعدة و أحد الموقّعين على بيان عام (1998 م) - أنّ الهدف الرئيسيّ من الحرب الحالية التي يخوضها المقاتلون الإسلاميون هو إسقاط الأنظمة و

ص: 489


1- مهدي بخشي شيخ أحمد، المصدر السابق. أنظر مصادر أخرى حول الموضوع: DeLong - Bas, Natana (2007). Wahhabi Islam. London: I.B. Tauris. p. 272 http://en.wikipedia.org/wiki/Beliefs_and_ideology_of_Osama_bin_Laden

الحكومات غير المشروعة و إنشاء حكومة إلهية. و يرى الظواهريّ كذلك أنّ الحرب ضدّ التحالف اليهودي - الأميركيّ هو المصير المحتوم للمسلمين و باستناده إلى روايتين يذكرهما في حديثه يعتقد الظواهري بأنّ الموت أشرف من الذلّ و الخنوع. ثمّ ينقل کلاماً لسيّد قطب يقول فيه: يا أخي! تحرّك إلى الأمام، و لا تلتفت يمنة و لا يسرة، أنظر فقط

إلى الجنة!(1)

وبعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول، أعلن تنظيم القاعدة الأسباب الشرعية لتبنّيه هذا العمل و منها - بزعم التنظيم - أنّ الله أعان الشباب المؤمن في هذه العملية ليتسنّى لهم الشرب من دماء الصليبيين بعد أن ظلّ هؤلاء يمتصّون دماء المسلمين لعقود طويلة! و أضاف التنظيم قائلاً أنّ هؤلاء الشبيبة لم يقوموا بهذه العملية طلباً للمال أو جَرياً وراء الشهرة أو اللذات الزائلة بل دفاعاً عن الدين و عن المسلمين كافّة لأنّ أولئك الصليبيين قاموا بالعديد من المذابح في فلسطين على مدى نصف قرن و عمدوا إلى قتل العراقيين بشكل غير مسبوق، ناهيك عمّا فعله الصّرب في البوسنة و الهرسك من إبادة جماعية و اقترفه عَبَدة البقر في كشمير من قتل و ذبح للمسلمين، فضلاً عن أنّ الشعوب في الشيشان و أفغانستان و مُعظم جمهوريّات آسيا الوسطى تمّت إبادتها و تشريدها من قِبَل الصليبيين الطغاة في الاتّحاد السوفياتي. و كذلك فعلت الولايات المتحدة في أفغانستان كما قامت بقتل المسلمين الأبرياء في تيمور الشرقية، و بحجّة تطبيقها لقرارات الأمم المتحدة ارتكبت المجازر بحقّ الشعب الصوماليّ. إنّ الجبهة الصليبية اليهودية - بزعم تنظيم القاعدة - تسعى إلى إبادة المسلمين لا لشيء إلّا لكونهم يعبدون الله سبحانه.

ولتبرير قتله للضحايا الأبرياء من المسلمين الذين لقوا حتفهم في أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول، أعلن التنظيم المذكور أنّ قَتل المدنيين العزّل ليس محرّماً تماماً، بل يجوز قتلهم في حالات مُعيّنة:

ص: 490


1- مهدي بخشي شيخ أحمد، المصدر السابق

1- المقابلة بالمثل وفقاً للآية الشريفة: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»(1) و بالتالي مواجهة العدو بأسلوبه و طريقته هو. فهم يقتلون المواطنين العاديين في فلسطين، إذن، فباستطاعتنا نحن كذلك فعل الشيء نفسه.

2- من الصعوبة بمكان التمييز بين المقاتل و الشخص العادي عند الهجوم على قلعة

أو مركز عسكريّ.

3- إنّ مشاركة المواطن العادي في الفعل أو القول أو التفكير (ومَيله القلبيّ إلى

العدوّ) يضفي الشرعية على محاربته و القتال ضدّه.

4- كان مركز التجارية العالمية قلعة من قلاع العدوّ التي أعلنت مُعاداتها لنا بشكل

مباشر.

5- وفقاً لرواية عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم فإنّ استخدام المنجنيق للهجوم على العدو المؤلّف من المقاتلين و الأشخاص العاديين هو أمر مشروع(2)؛ إذن فالهجوم على العدو بأسلحة الدمار الشامل و الطائرات على أبراجه لا يختلف عن استخدام المنجنيق.

6- إذا استخدم العدو النساءً و الأطفال أو أيّ أشخاص آخرين كدروع بشرية له

عندئذ لا مفرّ من قتل الجميع.

7- إنّ نقض العدو للعهود و المواثيق يجيز قتله في أيّة صورة كانت.

8- إنّ المسلمين الذين قُتلوا خلال تلك الأحداث إمّا أنّ ذلك كان اضطراراً و عندئذ

تُدفَع لهم الديّة أو أنّ ذلك كان من باب العقوبة لكي لا يعملوا لصالح العدو.

هذا، و يعتقد أفراد تنظيم القاعدة أنّ التاريخ قد أثبت أنّ استخدام القوّة و العنف كان

له أثره الفعّال في القضاء على الحكّام المشركين، و كما أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم كان قد فتح أبواب عصر جديد من الهداية و العدالة للبشرية جمعاء عند دخوله مكّة فاتحاً، فإنّ تنظيم القاعدة يرغب أيضاً في إنقاذ الناس من ظلمة الجاهلية و سوقهم إلى نور الهداية(3).

ص: 491


1- (سورة البقرة: 194)
2- في إشارة على ما يبدو إلى محاصرة المسلمين للطائف وأخذ النبي صلی الله علیه و آله وسلم برأي سلمان المحمّدي الذي اقترح نصب المنجنيق حتى يحدث في الحصن ثغرة ينفذ منها المسلمون إلى المشركين. [المترجم]
3- مهدي بخشي شيخ أحمد، المصدر السابق

ويصرّ مؤسّسو تنظیم القاعدة و المرتبطون به و الموالون له على اعتبار كلّ مَن يختلف معهم في العقيدة أو يعترض على إنشاء الدولة الإسلامية التي يرومون تأسيسها و

كذلك الذين يدعمون الحكومات الحالية و يشاركون الآخرين في العالم الإسلامي

نشاطاتهم و فعّالياتهم، يعتبرون أولئك جميعاً مرتدّین و کفّار(1).

وعندما اجتاحت الولايات المتحدة العراق و حظيت بدَعم الدول الإسلامية السنيّة لهذا الاجتياح و تأسّست حكومة جديدة كانت للأغلبية الشيعية فيها اليَد الطولى، حدث

خلاف بين زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبي مصعب الزرقاويّ و أيمن الظواهري القائد العامّ للتنظيم إذ كان هذا الأخير يرى أنّه لا ينبغي الصّدام مع الشيعة أو قتلهم و الدخول معهم في جهاد لم يُكتَب إلّا ضدّ الكفار و ليس ضدّ فرقة من الفِرَق الإسلامية، لكنّ الزرقاوي لم يوافق على مثل هذا التفسير مُعتبراً أنّ مَثَل الشيعة في العراق كمَثل قوات الحلفاء و الولايات المتحدة، و أنّهم كُفّار تجب محاربتهم و الجهاد ضدّهم(2). وقد أدّى هذا الخلاف بعد مقتل الزرقاوي إلى انفصال (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) عن تنظيم القاعدة الرئيسيّ بزعامة أيمن الظواهريّ و تمخّض عن هذا الخلاف ولادة تشکیل جدید باسم تنظيم (داعش) بقيادة المدعو أبي بكر البغدادي الذي فضّل استلهام أفعاله و أقواله من أسامة بن لادن مباشرة.

والحقيقة أنّ مستوى التفكير الجاهل و المتطرّف لهذه الجماعة هو أكثر تعصّباً و تشدّداً من الآراء الساذجة لتنظيم القاعدة. و قال أحد ولاة تنظيم (داعش) الإرهابيّ الذي ألقت القوات العراقية القبض عليه: "أنّ الوهابيين من وجهة نظرنا هم الوحيدون الذين يمكنهم العيش بسلام و أمان!" و أضاف هذا الشخص كذلك قائلاً: "إنّنا نعتقد بأنّ الشيعة و السنّة کُفّار حتى يتوبوا و يُبايعوا أبي عمر البغدادي!"(3)

ص: 492


1- Christopher M. Blanchard, Al Qaeda: statements and Evolving Ideology, p: 19
2- Christopher M. Blanchar, Al Qaeda: statements and Evolving Ideology, p: 12
3- http://www.iribnews.ir/NewsBody.aspx?ID=52818 http://behtarinkhabar.ir/ http://news.wikipg.com/news_tag

ج) معتقدات تنظيم (داعش) و شغفه بالتقنيات الحديثة

لكي نفهم نظرة تنظيم (داعش) الدوغمائية إزاء التقنية الحديثة ينبغي لنا أوّلاً استعراض العقائد الكلامية السلفية الوهابية باعتبارها أساس تصوّر هذه الجماعة للحداثة و المدنية، و كذلك مكانة التقنية الحديثة في أعماق مُعتقداتها.

فالسلفيون مثلاً لا يعتقدون بالمجرّدات و يعتبرون أنّ العالَم بأكمله و كذلك الله عزوجل

يمكن الإحساس به، و هم لا يقولون بأنّ الله سبحانه جسم لكنّهم يؤمنون بأنّه محسوس و يمكن رؤيته يوم القيامة بالعين الطبيعية. و ما كان السلفيون ليؤمنوا بالغيب لولا ورود شواهد كثيرة عنه في القرآن الكريم، ورغم ذلك فهم لا يرون أنّ الغيب معناه الموجودات التي تكون خارج المادّة كالعقول و ما شابهها. و أمّا ما يتعلّق بالملائكة فهي - على حدّ قولهم - أجسام مخلوقة من النور، و الروح مادية و ليست خارج البدن. و من الناحية المعرفية فإنّ السلفيين لا يقبلون إلّا بالنّقل و هم بذلك يتهرّبون من العقل و الشهود لأنّهما بزعمهم لا يشيران سوى إلى الباطل، كما أنّهم يؤكّدون على الرّجوع إلى الوحي المتمثّل بالكتاب و السنّة و الإجماع، و أمّا التجربة فيتّفقون على كونها سبيل آخر للمعرفة ما لَم تتعارض مع النّقل.

وعلى خطى ابن تيمية، يؤمن السلفيون بعدم وجود أيّ تعارض بين العقل و النّقل بدعوى أنّه لا سبيل للعقل إلى العالَم العلويّ و أنّ النّقل وحده الذي يشتمل على التعاليم القدسية، وفي حال وجود تعارض بين العقل و النّقل فإنّ ذلك يعني أنّ هذا العقل هو عقل يونانيّ لا يؤدّي سوى إلى البدعة.

ومن الناحية المنهجية يؤكّد السلفيون على أفضلية علم السّلف لأنّه الوحيد الذي يتّسم بالخلوص و النّقاء، و أمّا أنواع العلوم الأخرى - علم المتكلّمين و الفلاسفة و العرفاء و غيرهم - فلا علاقة بينها و بين الإسلام إطلاقاً، بل هي علوم ضالَة مضلّلة. يُضاف إلى هذا تعتقد السلفية أنّ جميع ألفاظ القرآن الكريم حقيقة و لا تتضمّن أيّ نوع من المجاز(1).

ص: 493


1- http://tehranpress.com/fa/news - details/48496 مهدي فرمانیان؛ مباني فکري سلفيه (أطروحة الدكتوراه، مركز إعداد المعلمين في جامعة قم، 2009 م)

ومع وجود هذه العقبة الكأداء في الفكر و الكلام فإنّ ثمّة صراعاً قوياً يتجاذب تنظیم (داعش) في الوقت الحاضر بشأن الجوانب العقلانية للتجدّد و الحداثة و خاصّة في مجال الإنجازات السياسية كالديمقراطية و حقوق الإنسان و تقدّم المجتمعات و تحكّم الشعوب بمصائرها، فما كان من هذه الفئة التي تحمل مثل هذه التصوّرات الضيّقة و الآراء المظلمة إلّا نسبة القصور إلى الدين الإسلامي للتغطية على نظرتها الرّجعية و فشلها الذريع(1).

وأمّا موازين هذه الجماعة و معاييرها فقد اعتادت على شطب حقيقة التأمّلات التاريخية لدى أفراد البشر المؤهّلين، ولم يَعُد بمقدور میزانها سوى قياس و تقییم المسائل المحسوسة عندما يتعلّق الأمر بالإنجازات المادية للحضارة التي تُعتبر وليدة الحسّ و التجارب و التي يُشار إليها في عصرنا الحاضر بالتقنية. هذه الجماعة لا تستند إلى الشريعة سوى لتقييم مثل هذه الأمور المحسوسة، و هي لا تنجذب إلّا لكلّ ما كان له مصداق لمفهوم دينيّ ما دون قدرتها على إدراك العقبة الفكرية لهذا الأمر، وهي العقبة الفكرية التي طالما كانت مرفوضة و غير مقبولة.

هذا، و يسعى مرتزقة تنظيم (داعش) في الظروف التاريخية المعاصرة حيث وصل التقدّم التكنولوجيّ قمّة ازدهاره، يسعون إلى تأسيس مجتمع بدويّ باسم الدين و المذهب عن طريق التوليف و المزج بين الجهل (المقدّس لديهم بالباطل) و بين الوسائل و التقنيات الحديثة في مجال المعدّات العسكرية و البرامج الإعلامية، ثمّ تنصيب أنفسهم خلفاء على العالم الإسلاميّ.

وتعتقد هذه الجماعة أنّه إذا أتى العلم الحديث بمُنجزات تتعارض مع ظاهر القرآن الكريم و السنّة فإنّه لا يُعتبر علماً بل جهلاً، و عليه، يمكن الاستعانة بالتقنيات الحديثة طالما أنّها لا تتعارض لا مع القرآن الكريم ولا مع السنّة(2).

وعلى سبيل المثال، فقد نُقِل عن زعيم هذا التنظيم المقبور أسامة بن لادن أنّ شعوره حيال التقنيات كان ازدواجياً، فمن جهة كان مولعاً بالمعدات الثقيلة و كذلك هندسة

ص: 494


1- http://kordestanweb.ir/
2- http://tehranpress.com/fa/news - details/48496

الجينات النباتية، و من الجهة الأخرى كان يكره استخدام جهاز تبريد المياه(1)، و يُذكَر أنّ هذا الشعور المزدوَج كان يُمكن ملاحظته كذلك بشكل أو بآخر في تصرّفات أتباعه من الشباب المسلم المُحبَط الذين التحقوا بالتنظيم من أوروبا و أمیرکا و حتى أولئك الذين قَدموا من البلدان الإسلامية.

ومن غير المستبعد أنّ أتباع بن لادن أرادوا تقديم عرض يتضمّن مزيجاً من الشغف بالتقنية الحديثة و الكراهية للغرب من خلال هجومهم الانتحاريّ الذي نفّذوه على بُرجَي مركز التجارة العالمية باعتباره - بزعمهم - قلب الاقتصاد الرأسماليّ الذي تسيطر عليه الجماعات اليهودية و الصهيونية. و الحقيقة أنّ أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول

تُمثّل نموذجاً حيّاً للتركيبة الغريبة التي تضمّ العصبية و التقنية معاً، و كان مُهندسو العملية مؤمنين بما يقومون به؛ فهم مهندسون بارعون في الهندسة العَدَمية و التخريب، و هي هندسة لا تعرف فنّاً سوى الدّمار و الدّعوة إلى الهَدم بسبب الحقد المفرَط الممزوج مع اليأس و القنوط المفرطين(2).

فهؤلاء المهندسين كانوا يحتذون أحذية (أديداس) و پرتدون ثياباً مزيّنة بالماركات و العلامات الغربية و يأكلون السندويتشات العامرة في مطاعم (ماك دونالد) ثمّ يشربون معها الكوكا كولا، لكنّهم مع ذلك كانوا أشخاصاً تفيض من عيونهم الكراهية و من قلوبهم الحقد إزاء الحداثة و العصرنة التي تحيط بهم، و كانت مقوّمات النفور و الهيام معاً حيال التجدّد و الحداثة تتصارع داخلهم، و مثل هذه الازدواجية و الفُصام في الشخصية كان مشهوداً أيضاً في تصرّفات جماعة (طالبان) في أفغانستان و سلوكيّاتهم، فقد كان هؤلاء يُعارضون بشدّة التعامل مع التقنيات و خصوصاً التلفاز و السينما بالإضافة إلى مُعاداتهم لبعض مظاهر الحضارة الحديثة و التقدّم العصريّ، لكنّهم لم يُخفوا ولعهم الشديد و رغبتهم الملحّة في الحصول على آخر ما توصّل إليه العلم الحديث في مجال صناعة الأسلحة و أساليب التعذيب و القمع. و عندها يمكننا إدراك الأسباب التي أدّت و بسهولة

ص: 495


1- Wikipedia, beliefs and ideology of Osama bin laden, Technology
2- محمد رضا نيك فر؛ ایمان و تكنيك، موقع (نیلگون)، 27 تشرين الثاني 2005، ص 22. تمّ التصرّف بالمادة المقتبسة من المصدر في هذه المقالة بحسب كاتبها

إلى جمع شمل الإسلام السياسيّ غير العقلانيّ و الوصوليّ لتنظيم القاعدة مع التقنية الحديثة و الطُرق العصرية في تطبيق التعذيب و القهر(1).

وبشكل عامّ، فعند خلط العقلية التقنية مع الإيمان الإسلاميّ السطحيّ و قليل من التأمّلات العقلية و بعض المقادير من التعبّد الجاهليّ، فإنّنا سنحصل على تركيبة من مجموعة من التقنيات الكارثية بدلاً من أن تكون تحرّرية و مزدهرة، و عندها فقط سيسهل على هؤلاء التعامل مع العالم المجازي لكلّ أنواع الاغتيالات الفردية و الجماعية مهما بَعُدت الشقّة بينهم و بين مَن يريدون اغتياله، فيتمّ تصويب الأسلحة النارية باتّجاه المؤمنين، و عندها أيضاً سيقوم هذا الدين الذي أصبح جداراً يمنع کشف الحقيقة و يحول دون بيانها بتحويل تلك الأسلحة التي يمكنها أن تكون نافعة و مفيدة إذا ما تمّ استخدامها بالشكل الصحيح إلى أكثر الوسائل شرّاً و وحشية.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى نقطة أخرى لا تقلّ أهميّة عمّا قلناه حتى الآن، و هي أنّ نشوء العالم المجازي نفسه كنتاج لأرقی مراحل التقدّم التقنيّ الذي حقّقه الإنسان، كان له الأثر البالغ في ابتعاد أفراد البشر عن التفكير العقلانيّ إزاء الدين و الترويج لِما سَخُفَ من الكلام و تردّى من التعاليم ونشر ذلك في مختلف مواقع الشبكة العنكبوتية و الاستعاضة به عن المُعلّمين الحقيقيين للدين، و قد سُحِر به بعض الشباب المسلم في عصرنا الحاضر و راح يلهث وراء خلق عالم دينيّ كاذب له من دون أن يُجهد نفسه في تقييم تلك التعاليم السطحية و المرتجلة. ولا عَجب بعد ذلك إذا ما شهدنا اليوم أكثر من أيّ وقت مضى تكاثر الفِرَق و ازدياد أعداد المذاهب التي يصنعها البشر و التي لا يُعرَف لها أصل بالمرّة.

إنّ التقنية في العصر الحديث تعني رأس المال، و الولع في تقليد التقنية الحديثة و الاقتباس منها معناه الهيام في إنتاج رؤوس الأموال قبل أيّ شيء آخر و بعده، و هذا بالذات يخلق حالة تؤدّي إلى تلوّث الإيمان بمتاع الدنيا القليل، و قد يصل تعظيم الإيمان و تقديره حدّاً يكون فيه أقرب إلى العَدَم منه إلى الوجود أصلاً لأنّ التقنية هي سلاح ذو

ص: 496


1- المصدر السابق، ص 26

حدّين، ففي الوقت الذي تكون فيه وسيلة إلى الحياة يمكن أن تكون كذلك سبيلاً نحو القتل، و آلة للتعذيب، و أسلوباً للتحقيق، و فنّاً لإدارة السجون، و نظاماً للملاحقة و المراقبة و التجسّس و القمع و التصريحات الكاذبة.

فالنظام هو نوع من التقنية، و كذلك الجيش و البندقية و المفاعل النووي و القنبلة الذرية، كلّ واحدة من تلك هي نوع من أنواع التقنية(1)، و لهذا تشير جميع التقارير الواردة مثلاً من العراق إلى أنّ جميع الذين يقاتلون تحت لواء تنظيم (داعش) ليسوا مسلمين خوارج و جهلاء وحسب، بل إنّ بين ظهرانيهم كذلك الكثير من الوصوليين و العاطلين عن العمل و الجُناة الدوليين و عبيد الشهوات و التعصّب و الغضب و طلّاب السلطة و الأموال، رغم كلّ المحاولات التي تبذلها هذه الجماعة للتمظهر بصورة المؤمن المخادع المنافق المختفي وراء ستار الجهل بهذا الأمور.

د) ماهية البيئة الحياتية عموماً و معالم البيئة الحياتية السلفية - الداعشية خصوصاً(2)

قبل الخوض في معالم البيئة الحياتية السلفية الداعشية لا بدّ أوّلاً من توضيح ثلاثة أمور بشأن البيئة الحياتية: ما هي البيئة الحياتية؟ كيف تتكوّن؟ و كيف يمكن التمييز بين البيئة الحياتية المعتبرة عن غير المعتبرة.

ص: 497


1- المصدر السابق، ص 14. يمكننا استنتاج بعض النقاط من البحوث التي كتبها (نيك فر) حول موضوع عدمية الإسلاميين المتطرفين، منها: نفيهم للقيَم الأخلاقية المعروفة وحصر الخير في فئة أو جماعة مُعيّنة (ويعنون بذلك أنفسهم)؛ حصر الحقيقة في إدراك جماعة مُعيّنة (ويعنون بذلك أنفسهم أيضاً)؛ حصر رحمة الله على فئة مُعيّنة (ويعنون بذلك أنفسهم كذلك)؛ حصر الدين بهم واقتصاره عليهم ونسبة الكفر إلى غيرهم. ومن خلال هذه النظرة فإنّهم لا يرون عالماً خارج عالمهم الصغير والضيق سوى عالم الشياطين ولهذا فإنّهم يرفضون مثل ذلك العالم. وهكذا نلاحظ أنّ العدمية الدينية لم تسعف آلام الناس العاديين بل مرض المهندسين من النخبة المسلمة، فهؤلاء هم الذين يصنعون من الدين تعاليم دينية سياسية قاتلة، فهم متعطّشون للسلطة التي لا يمكنهم الوصول إليها بالرفض الميئوس للآخرين فقط. المصدر السابق، ص 21 - 22
2- «life world» وقد ورد مفهوم البيئة الحياتية لأوّل مرّة في نظرية «فعل التواصل» للفيلسوف الألماني المعروف (يورغن هابرماس). ورغم أنّ موضوع (البيئة الحياتية) تتّصف بالتعقيد في نظرية (فعل التواصل) وقد كُتبت حولها الكثير من البحوث المفصلة إلّا أنّنا راعينا استخدامها في هذا البحث بأبسط صورها

والبيئة الحياتية للأُفق لها معنى مشترك تقوم بإيجاد عالم مشترك للفئات الاجتماعية من أصغر وحدة فيها إلى أكبرها في المستويات المختلفة. و هذا الأُفق المعنائي الهادي هو الذي يمنح المعنى و يجعل جميع الأفعال الاجتماعية للأفراد في المجتمع ممكنة، و ليس بإمكان أيّ فرد الخروج خارج حدود البيئة الحياتية، و ما من فعل يمكن أن يتحقّق من دون وجود معیار خاصّ (الأوامر والنواهي الخاصّة التي تقوم بإظهار فعل خاصّ في إطار الفعل أو ترك الكلام أو الفعل أو الفكرة)، و ما من معیار كذلك يمكنه أن يكون أساساً لأيّ عمل ما لَم يصل إلى المرحلة الوجودية للبيئة الحياتية (أي تحوّله إلى أفق معنائي مشترك).

وتتضمّن البيئة الحياتية مجموعة من المعايير المستبطنة في مرتبة شهودية لفئة صغيرة أو كبيرة، و تُعتبر بالنسبة لمجموعتها أمراً مألوفاً و واضحاً و أساساً لاعتبار أيّ فعل اجتماعيّ.

وتعمل البيئة الحياتية في أيّ مجتمع على إيجاد التضامن و الانسجام الاجتماعيّين على المستوى البسيط و المعقّد لتتحول بالتالي إلى تكوين الهوية الاجتماعية لكلّ فرد. و كلّ فعل في أيّة علاقة متبادلة في مستوى من مستويات الحياة الصغيرة أو الكبيرة يمكنه أن يظهر من داخل البيئة الحياتية في الوقت الذي تكون فيه البيئة الحياتية المذكورة قد تشكّلت في عملية الحياة الاجتماعية تدريجياً و تأصّلت فيها و بدأت تنتقل بشكل مستمرّ إلى الأجيال الأخرى.

وتتعدّد البيئة الحياتية - ونعني بها الأُفق المعنائي - التي تُعتبر السبب في تسهيل كلّ فعل جماعيّ، فكلّ عمل اجتماعيّ له انعکاس في البيئة الحياتية، و بناءً على ذلك يبدو جزءاً من عناصر البيئة الحياتية من أسلوب الحياة في العالم العينيّ محسوساً، و بالتالي تحمل خصوصيّات المعرفة البيئية لكلّ فرد و البيئات المختلفة التي مرّ بها، و هي الخصوصيّات التي ورثها على شكل جینات و أصبح يمتلك بسببها قدرات فيزيائية، تحمل تلك الخصوصيات جميعاً انعكاساتها في البيئة الحياتية.

والمقصود بذلك هو ظهور المعايير في كلّ مجال من تلك المجالات و التي ترتقي لدى الشخص ضمن جماعة ما لتصل إلى مرحلة (الأفق المعنائي)، إلّا أنّ أهمّ مصدر

ص: 498

للبيئة الحياتية لا يمكن إيجاده في الحياة الخارجية المحسوسة النابعة من عالَم القيَم الذهنية الخارجية، بل في الحياة غير المحسوسة، و لا شكّ في أنّ عالَم القيَم غير المحسوس هذا هو نفسه صادر عن التعاليم الدينية و المعارف العقلانية.

وبشكل عامّ فإنّ كلّ واحدة من التعاليم التجريبية و العقلية و الدينية تتّخذ لنفسها جانباً معيارياً خلال عملية من العمليات و من ثَمّ تنتقل إلى البيئة الحياتية لتكوّن بعدها

أجزاءه البنّاءة. و في المجتمعات الدينية فإنّ أكبر دور في خصائص البيئة الحياتية يُسنَد إلى التعاليم الدينية، و يكون الأفراد في مثل تلك المجتمعات أكثر المتأثّرين بتلك التعاليم، و لذلك تتشكّل لديهم الآفاق المعنائية التي لا تنشأ فقط من أسلوب الحياة الدنيوية بل و من التعاليم الدينية أيضاً.

وأمّا البحث الآخر المتعلّق بالبيئة الحياتية فيتمثّل في تقسيمه من حيث العقلانية إذ ينقسم إلى قسمين اثنين: البيئة الحياتية العقلانية المعتبرة و البيئة الحياتية غير العقلانية و غير المعتبرة. الأولى تتكون خلال عملية المناقشة المستمرة بين الأفراد حول مجموعة من القَيم المقبولة و المتّفق عليها و التي أصبحت الشكوك تحوم حولها في الوقت الحاضر ليتمّ قبولها و الاتّفاق عليها من جديد بعد عرض الاستدلالات المقنعة أثناء المباحثات الجماعية. وفي الحقيقة فإنّ هذا النوع من البيئة الحياتية يُمثّل أفقاً معنائياً قابل للدّفاع بالعقل الجماعيّ التاريخيّ حيث تتمتّع عناصره الثابتة و المتغيرة و بشكل كاف بالدّعم العقلاني الجماعيّ. وفي مقابل ذلك تشير البيئة الحياتية غير العقلانية و غير المعتبرة إلى مجموعة من المعايير التي لا تكون موضع ثقة العقل الجماعيّ خلال عملية البحوث الحرّة و الّادلة، لكن، و بعد صعود تلك المعايير إلى مرتبة الأفت المعنائي، ظهرت بشكل متشدّد و جازم في مبادئ الفعل و السلوك الاجتماعيّ للأفراد(1).

ص: 499


1- حول موضوع (البيئة الحياتية) يمكن للقارئ الكريم أن يراجع كتابنا: محمود شفيعي؛ جامعه شناسی سیاسی ایران، طهران: جامعة الإمام الصادق علیه السلام، 2010 م، ص 44 - 59. وهناك مصادر أخرى حول نفس الموضوع مثل: مایكل بيوزي، يورغن هابرماس، ترجمة: أحمد تدیّن، طهران، منشورات (هرمس)، 1999 م. حسين علي نوذري، باز خواني هابرماس، طهران، منشورات (چشمه)، 2002 م. رابر هولاب ويورغن هابرماس، نقد رد حوزه عمومي، ترجمة: حسین بشیریه، طهران، منشورات (ني)، 1996م. Jougen Habermas, The Theory of Communicative Action, vol, 1. by: Thomas Mccarthy (Beacon press, 1984) Jourgen Habermas, The Theory of Communicative Action(life world and system: A Critique Of Functionalist Reason) vol, 2: Trans by: Thomas Mccarthy (Beacon press, 1987)

وبعد هذه المقدّمة حول البيئة الحياتية، سنقوم ببحث خصائص البيئة الحياتية لتنظيم (داعش) باعتباره فئة اجتماعية إسلاموية، و سنركّز في كلامنا على الإشارة إلى المصادر الدينية للبيئة الحياتية لداعش و بيان أهمّ خصائص تلك البيئة التي تنتمي إليها هذه الجماعة و النابعة عن التعاليم الدينية، دون أن ننسى أصول العناصر الأخرى التي تنتمي إلى العالم المحسوس للتقنية.

بالنظر إلى البحوث السابقة حول المعتقدات الدينية لتنظيم (داعش) و ولعه بالتقنيات، يمكننا الإشارة إلى خمسة مفاهيم ترتبط ببيئة (داعش) الحياتية وصلت إلى مرحلة العناصر الوجودية للبيئة الحياتية ببعض الدلالات و أصبحت تشكّل الأفق المعنائي لكلّ من تنظيمَي (القاعدة) و (داعش) فارتبطت بتلك المفاهيم كلّ أعمالهما و تصرّفاتهما الخارجية في حربهما ضدّ معارضيهما. و أمّا المفاهيم الخمسة المذكورة فهي: الكفّار؛ الجهاد؛ التقنية العسكرية؛ تقنية الاتّصالات؛ و أخيراً ستراتيجية الحرب.

والحقيقة أنّ المفاهيم المذكورة ليست مفاهیم معرفية صرفة بالنسبة لتنظيم (داعش) بل يقوم التنظيم كذلك باستخراج مجموعة من المعايير و القيّم من تلك المفاهیم، و الأكثر من ذلك أنّ هذه المفاهيم أصبحت عناصر مهمّة تؤلّف البيئة الحياتية لهذه الجماعة، ثمّ ارتقت من الناحية المعرفية و القيَميّة إلى الناحية الوجودية و اتّخذت جميع الأفعال و التصرفات العنيفة و المخيفة لهذا التنظيم معانيها و تفاسيرها بالارتباط مع البيئة المذكورة.

وفيما يأتي الدلالات الخبرية و المعيارية لتلك المفاهيم وفي الختام سنحاول بیان

البيئة الحياتية النابعة عن تلك المعايير.

ص: 500

1- الكفّار:

تُعتبر الولايات المتحدة الأميركية و المواطنين من اليهود و المسيحيين الذين يعيشون فوق أراضيها و الفِرَق و المذاهب الأخرى هناك، كُفّاراً تجب محاربتهم لعدة أسباب، منها:

* حمایتهم و دعمهم لإسرائيل التي تقتل المسلمين من أبناء فلسطين منذ عدّة عقود.

* عند احتلال الولايات المتحدة للعراق و اجتياحها له قُتِلَ على أثر ذلك الآلاف من

المسلمين العراقيين.

* و خلال الحرب في أفغانستان تمّت إبادة الآلاف من المسلمين الأفغان.

يُعتبر الاتّحاد السوفياتي (سابقاً) و روسية (حالياً) و مواطنيها من المسيحيين و غير

المسيحيين المقيمين فيها كُفّاراً ينبغي محاربتهم و الجهاد ضدّهم لأسباب عديدة منها:

* حمایتها و دَعمها ليوغسلافيا السابقة حيث قُتِل بسبب ذلك الآلاف من المسلمين

في البوسنة و تمّت إبادتهم.

* احتلالها لأفغانستان و مقتل الآلاف من المسلمين الأفغان بسبب ذلك.

* ما زالت روسية تتسبّب بمقتل الآلاف من المسلمين في الشيشان.

تُعتبر دولة إسرائيل و جميع اليهود الذين يسكنون فلسطين المحتلّة تحت مظلّة

الحكومة الإسرائيلية كفّاراً و ذلك لاحتلالهم أرض المسلمين و قتلهم الآلاف منهم.

تُعتبر حكومة لبنان التي وقعت معاهدة السلام مع إسرائيل كافرة أيضاً و ينبغي محاربة

هذه الحكومة.

يُعتبر نظام الأسد الشيعيّ في سورية و جميع أبناء الشيعة الذين يدعمون هذا النظام كفّاراً كذلك لأنّ هذا النظام قام بإبادة الآلاف من المواطنين السوريين من غير الشيعة بمعونة جنوده من الشيعة.

تُعتبر حكومة نوري المالكي في العراق و الشيعة الذين يسكنون في تلك البلاد ممّن يدعمون الحكومة المذكورة لدعمها الولايات المتحدة في حربها ضدّ صدام حسین و

إقامة تلك الحكومة العلاقات مع الولايات المتحدة و توقيع المعاهدات معها، كلّ هؤلاء كُفّار، و ينبغي محاربة الشيعة و الحكومة الشيعية في تلك البلاد.

ص: 501

إنّ حكومة و شعب إيران و خاصة الأغلبية المطلقة من الشيعة فيها هم كفار لحربهم مع نظام صدام حسین و كذلك بسبب دعمهم للحكومة الشيعية في العراق و النظام البعثي الشيعي في سورية في حربه الداخلية، و لهذا ينبغي محاربة إيران.

2- فريضة الجهاد:

- الجهاد واجب من الواجبات الدينية للمسلم.

- تفوق أهمية الجهاد كلّ واجب آخر بما في ذلك الصلاة و الصوم.

- لا علاقة أبداً بين الجهاد الدفاعي أو الهجوميّ و بين الحصول على إذن الحكومة أو

الرئيس، بل هو واجب يتعلّق مباشرة بكلّ واحد من المسلمين.

- يُعتبر الجهاد الدفاعيّ واجباً عينياً ولا يحقّ لأحد تركه أو التغاضي عنه إطلاقاً.

- يُمثّل الجهاد واجباً مطلقاً كالصلاة و الصوم و بناءً عليه، لا يشترط فيه الحصول

على موافقة الوالدين.

- بعد إعلان الجهاد من قِبَل خليفة المسلمين السابق و هو أسامة بن لادن ثمّ من بعده أيمن الظواهريّ و بعد الخلاف الحاصل بين هذا الأخير و بين أبي بكر البغدادي، أصبح هذا الأخير خليفة المسلمين، بعد إعلان الجهاد من قِبل هذا الخليفة لا يحقّ لأحد العصيان أو التخلّف عن الامتثال لأمر الخليفة.

- كلّ مَن يعصي أمر الجهاد من المسلمين بما فيهم أهل السنّة و لا يمتثل له فهو

کافر و يجب الجهاد ضدّ الساكتين أو المتخلّفين عنه.

3- فنون البرامج (التكنولوجيا العسكرية)

- يعتبر أتباع التنظيم أنّ جزءاً من التقنية التي تتعارض مع التعاليم الإسلامية، من خلال النظرة الدينية الحسيّة، مرفوضاً، و لذلك فهم يمتلكون نظرة مزدوجة إزاء تلك التقنيات.

- تُعتبر تقنية القطعات و المُعدّات عموماً و التقنية العسكرية خصوصاً من الأمور الحسيّة، فما كان منها ينسجم مع التعاليم الدينية من خلال النظرة الظاهرية فهي مقبولة و

ص: 502

محبّذة لدى كلّ من تنظيم القاعدة و تنظيم (داعش) و لذلك تراهم يميلون بشدّة إلى استخدام تلك التقنيات.

- إنّ علم التقنيات بشكل عامّ يُعتبر أمراً محبوباً لدى تنظيمَي القاعدة و (داعش) بل إنّ مُعظم زعماء تنظيم القاعدة و الإسلاميين المتطرّفين هم في الأصل أشخاص كانوا قد درسوا العلوم الهندسية قبل دخولهم مجال العلوم الدينية.

- على الرّغم من انجذاب تنظيم القاعدة و (داعش) إلى الأبعاد الظاهرية للتقدّم الحضاريّ إلّا أنّهم يمقتون الأبعاد الإنسانية و الاجتماعية لذلك التقدّم لا سيّما أبعاده السياسية كالديمقراطية و حقوق الإنسان و حقّ تقرير المصير و ما شابه ذلك.

4- تقنيات البرامج (تكنولوجيا الاتصالات)

- يرى أتباع التنظيم أنّه لا بأس في استخدام تقنية الاتّصالات و خاصة العالم المجازي للإنترنت بنظرة أداتية و باعتبارها وسيلة يمكن استخدامها لمحاربة العدو. و الجدير بالذكر أنّ أفراد تنظيم القاعدة و أجنحته المتعددة و منها تنظيم (داعش) يحاولون البقاء على اتّصال دائم بينهم و بين زملائهم و الموالين لهم في أقصى بقاع الأرض من خلال الإنترنت و يبدو أنّ ذلك كان يساعدهم على تسديد الضربات المستمرّة لأعدائهم و مخالفيهم.

- يحاول أفراد التنظيم إدخال أقصى درجات الرّعب و الخوف في نفوس أعدائهم من خلال نشر الصّور و الأفلام في الإنترنت على المستوى العالميّ و هو أمر محبوب لديهم حيث استطاعوا بهذه الطريقة إيصال الخوف و الرّعب إلى الذروة و الكشف عن عالمهم الخفيّ للناس.

- يقوم تنظيما القاعدة و (داعش) بتدريب الأعضاء و إيصال أغلب التعليمات إليهم و كذلك الأشخاص الذين يبدون رغبتهم في الالتحاق بهما، بشكل سريع و عابر من خلال تهيئة تلك التعليمات و إنتاجها و توزيعها عبر شبكة الإنترنت مستغنين بذلك عن المدارس أو الدقّة العلمية المطلوبة.

ص: 503

5- ستراتيجية الحرب و الجهاد

- يعتقد أفراد التنظيم الأمّ (القاعدة) و التنظيم الخلف (داعش) أنّه من الضروري البدء بمحاربة العدوّ الأقرب لهم، و أنّ الشيعة في العراق و سورية هم العدوّ الأقرب بالنسبة إليهم في الوقت الحاضر.

- ينبغي القيام بالحرب من أضعف نقطة لدى العدو، و يُعتبر الشيعة اليوم في كلّ من

العراق و سورية النقطة الأضعف و ذلك لضعف الحكومة المركزية فيهما.

- لا بدّ من البدء بمقاتلة أضعف فريق في العدو، فالمواطنين العاديين من الشيعة في كلا البلدين هم أضعف الأفراد و أقلّهم استعداداً لعدم امتلاكهم لأيّ نوع من أنواع السلاح و فقدانهم لحكومة قادرة على حمايتهم.

- يجب البدء بمحاربة أسوأ الأعداء ما أمكن ذلك و أنّ أسوأ هؤلاء الأعداء - وحتى أسوأ من اليهود و النصاری - هم المرتدّين و الشيعة في العراق و سورية (بزعمهم)، و أنّ هؤلاء هم ألدّ أعداء الإسلام على الإطلاق.

- و لكي ينتصر أفراد التنظيم في حربهم هذه لا بدّ - برأيهم - من استخدام أقوى الوسائل و أكثرها وحشية و دمويّة في كلّ عملية من العمليّات و ذلك لإدخال أبشع صور الخوف و الرّعب في قلوب العدوّ ما سيضطرّهم إلى الاستسلام و الخنوع دون مقاومة تُذكَر. و عليه، ينبغي مواصلة قتل الشيعة العُزّل و ذبحهم بأبشع صورة و أقسى أسلوب ممكن.

- لكي ينتصر أفراد التنظيم المذكور في حربهم كذلك فإنّهم يؤكّدون على عدم التقيّد بأيّ مبدأ أخلاقيّ، بل ليس للأخلاق أيّ منزلة لدى هذه الجماعة رغم كونها أمراً مقدّماً على الدّين، و لذلك فهم يُبرّرون كلّ الوسائل من أجل كسب الحرب حتى إذا أدّى ذلك إلى قتل الأطفال و الشيوخ و العجائز و قمع و إبادة كلّ مواطن عادّي غافل.

إذا أمعنا النّظر في المقتضيات المعيارية لكلّ مفهوم من المفاهيم الخمسة المذكورة التي بلغت مرحلة البيئة الحياتية فسنلاحظ أنّ عناصر البيئة الحياتية هذه مرفوضة من قِبَل العقلاء بل ولا يمكن الدفاع عن تلك العناصر بهذه الحالة بأيّ استدلال عقلي متّفق عليه من قِبَل الجميع، و هناك الكثير من التساؤلات التي تشكّك في صحّة كلّ واحد من تلك

المفاهیم.

ص: 504

وبعد مقارنة تلك المفاهيم مع القيَم الإسلامية التي يتّفق عليها غالبية المسلمين و كذلك القيَم المعروفة دولياً فإنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ خصائص البيئة الحياتية لتنظيم (داعش) هي خصائص غير عقلانية بالمرّة، فدناءة تلك البيئة و سخفها واضحين و بديهيّين، و مع ذلك فما زلنا - للأسف الشديد - نشهد الخوارج في عصرنا هذا و هم أبناء تنظيم القاعدة و تنظيم (داعش) يعيشون داخل تلك القوقعة و يحاولون تبرير أعمالهم الوحشية اللاإنسانية بالاستناد إلى التعاليم البغيضة الموجودة في تلك القوقعة.

لا شكّ في أنّ هذا الأفق المعنويّ الذي يفرضه تنظيم (داعش) على نفسه هو الذي

جعله مستعدّاً للقيام بأبشع الأعمال ضدّ مَن يُخالفه و يعترض عليه.

وسنشير باختصار إلى بعض ما قام به التنظيم المذكور ممّا لا يستوعبه أيّ إطار

إنسانيّ أو أخلاقيّ أو وجدانيّ، و بمعنى أدقّ بعيداً عن كلّ ما هو دینيّ على الإطلاق.

ه) البيئة الحياتية العقلانية المتوقّعة و العنف اللاإنسانيّ

بعد كلّ ما بيّناه حول تیّار القاعدة إلى الآن و بعد كلّ ما ذكرناه عن البيئة الحياتية لتنظيم (داعش)، لن يبقَ هناك مَن سيتعجّب أو يندهش إزاء استخدام ذينك التنظيمين لكلّ ذلك العنف و الإرهاب؛ لكن، و قبل الخوض في أنواع العنف و استخداماته من قبل هؤلاء الإسلامويين المتطرّفين، لا بدّ من الإشارة هنا إلى الشكل العامّ للتيّار الداعي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في القرن العشرين، و الحقيقة أن جناحاً منفرداً واحداً من هذا التيار هو الذي فضّل سلوك سبيل التطرّف و لذلك ليس من العدل تعميم هذه الحالة الشاذّة على التيّار كلّه. و ينبغي الاعتراف أنّ هذا النوع من التطرّف بدأ بالتدريج بإفساد قطاع و إن بدا صغيراً من الإسلاميين، و فيما يأتي بيان ملخّص لهذه الحركة التدريجية نحو التطرّف.

استطاع تيار الإسلاميين بآرائه المتمثّلة في العودة إلى الذات و مقاومة الحكومات الديكتاتورية الاستعمارية، استطاع تحقيق بعض الانتصارات من خلال طرحه للقوانين الإسلامية كحلّ أمثل في سبيل التخلّص من استعمار العالم الغربيّ و الشعوبية التي نادت بها الشيوعية. و قد بدأت هذه المرحلة في إطار الإنسجام الفكري و العقائديّ و السياسيّ دون اللجوء إلى أفعال أو تصرّفات عنيفة.

ص: 505

وفي المرحلة الثانية بدأت الراديكالية تفرض نفسها مكان الإسلاميّين الأوائل و بدأت تقلّ معها نسبة التوافق الفكريّ العقائديّ و الانسجام السياسي لدى بعض الأجنحة؛ ثمّ في المرحلة الثالثة بدأت بالتدريج تظهر على مسرح الإسلام معالم راديكالية مختلفة في بعض أجزاء العالم الإسلاميّ لكن هذه المرة في أحضان التقنية الحديثة في مجال الاتّصالات و مجيء عالم الإنترنت. و هكذا لوحظ ابتعاد الإسلاميين الأوائل1 في النصف الثاني من القرن العشرين عن شعاراتهم و أهدافهم الأساسية شيئاً فشيئاً و لجوئهم إلى أهداف قومية و مُعتقدات دينية خاصّة و اتّجاهات شعوبية و طائفية مثيرة للخلافات. و لهذا، فضّل الإسلاميون اختيار منطقة معيّنة بدلاً من الشعار الذي كانوا يرفعونه في البداية و هو العالم الإسلاميّ، فعلى سبيل المثال تبنّي الإسلاميون في شبه القارة الهندية برنامجاً خاصّاً بهم يتمثّل في إيجاد باكستان جديدة و (إخوان مسلمين) آخرين في كلّ بلد من البلدان بحيث ابتعد بعضهم عن الميول الدينية القابلة للتعميم فظلّت فكرة (العالم الإسلامي) و

(الأمّة الإسلامية) كشعار أجوف خالٍ من أيّ مضمون، ثمّ أصبح العنف جزءاً من حياة

الإسلاميين.

والجدير بالذكر أنّ الإسلاميين الأوائل كانوا أوّل الضحايا لذلك العنف و لم يستخدموا العنف إلّا في حالات قليلة في ميدان المعركة، لكنّهم في الواقع لم يتمادوا في استخدام العنف مطلقاً.

وكذلك الحال مع الثورة الإسلامية في إيران التي رفعت شعار (الجندي أخي) و دافعت عن مبدئها المتمثّل في شعارها الثاني (الوردة في مقابل الرصاصة). و تجدر الإشارة إلى أنّ الإسلاميين الأوائل و الإسلاميين الذين جاءوا من بعدهم كانوا متّفقين

.. ومن أبرز الدّعاة الإسلاميين في العصر الحديث السيد جمال الدين الأسد آبادي الأفغاني وإقبال لاهوري والدكتور علي شريعتي والإمام الخميني، حيث دعا كلّ منهم إلى العودة للتعاليم الإسلامية السمحاء بأسلوبه الخاصّ به، وأمّا أساليبهم في الوصول إلى أهدافهم فتمثّلت في التوعية والتثقيف والنشاطات الدقيقة والمدروسة المقبولة عرفاً وشرعاً. لكنّ مجموعة من الإسلاميين والدعاة من أصحاب الاتجاهات والتيارات الخاصّة انفصلت عن هذه المدرسة واتّبعت أسلوبها الخاصّ بها.

ص: 506

على أنّ الإسلام هو الحلّ الوحيد، ولم يعتبر الإمام [الخميني] - وهو قائد الجيل الأوّل من الإسلاميين - أنّ العنف هو الأصل.

وهكذا ترعرع شكل من أشكال التطرّف و الانحراف في رَحم التيار الراديكاليّ فولَد ما يُسمّى اليوم بتنظيم القاعدة الذي يُمثّل ذلك التطرّف بكلّ أنواعه و تنظيم (داعش) و هو قمّة الانحراف و التطرّف في العقائد و الأفعال و السلوكيّات البشعة.

وبشكل عامّ فإنّ نفسية الداعشيين لا تختلف كثيراً عن نفسية التنظيم الأم (القاعدة) إن لم نَقُل بأنّها أبشع صورة منها و أكثر عنفاً، فأساس الفكر الداعشيّ مستوحى من الفكر السلفيّ الذي نهل منه تنظيم القاعدة.

هذا، وقد قسّمت شبكة حقوق الإنسان السورية مجموع أعمال العنف التي مارسها

أفراد (داعش) إلى عدة محاور:

1- القتل خارج نطاق القانون

2- الاختطاف

3- الاعتقال

4- التعذيب

5- استخدام العنف و الإرهاب ضدّ المراكز الإعلامية و النشطاء و العاملين في تلك

المراكز

6- استخدام العنف حتى مع المستخدَمين في المستشفيات و المراكز الطبية

7- الحصار

7- الانفجارات

8- التضييق على سكان المناطق المسيطر عليها و تقييد نشاطاتهم و تحرّكاتهم(1).

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ أفراد تنظيم (داعش) يستخدمون طُرقاً غير إنسانية و لا قانونية

تتناقض مع تعاليم الشريعة السمحاء في المناطق التي يسيطرون عليها، و منها:

1- قطع رؤوس المخالفين

ص: 507


1- www.sn - hr.org, Syrian Network For Human Rights, Islamic State of Iraq and Levant Organization (ISIL)

2- تعذيب الناس و جَلدهم علناً

3- منع النساء و الرجال ذوي الخُصور النحيفة من ارتداء بنطلونات (الجينز)

4- منع حلق الشعر

5- منع أصحاب المتاجر من عرض الألبسة النسائية في واجهات المحال و عدم

السماح للرجال بالعمل في المتاجر التي تبيع الأغراض النسائية

6- منع الرجال من الدخول إلى محالّ الخياطة النسائية

7- منع الإعلان عن البضائع أو الأغراض

الخاصّة بالنساء

8- منع استخدام كلمة (داعش) لإطلاقها على التنظيم منعاً باتّاً

9- منع النساء من مراجعة الأطباء الأخصائيين في الأمراض النسائية و الولادة، و إن

کنّ طبیبات

10- منع الرجال من تصفيف شعورهم و تمشيطها أو حلق شعر الوجه

11- منع تدخين السجائر و الشيشة

12- منع جلوس النساء على الكراسي

وغير ذلك من القوانين و الأوامر التي جعلت الحياة العادية للناس صعبة و عسيرة و

فرضت حصاراً خانقاً عليهم جميعاً.

لقد أوجد تنظيم (داعش) أجواءً إرهابية و مخيفة تفوق كثيراً ما قام و يقوم به أقرانه من التنظيمات المتطرّفة و الإرهابية الأخرى مثل جماعة (طالبان) و القاعدة و منظمة

(بوکو حرام)، و أشعل ناراً مُستعرة داخل كلّ أسرة لم تفرز سوى القتل و الذّبح و الإبادة و إهلاك الحرث و النّسل في بلاد المسلمين، فكانت نتيجة أفعالهم تلك إيجاد صورة بشعة للإسلام و المسلمين في أذهان العالم.

وما زال التكفيريون - وعلى رأسهم تنظيم (داعش) - في الأيام الأخيرة يفسدون أفكار و أذهان الآلاف من الأفراد السّذج بالأوهام و الخرافات و قد قادوا آلافاً غيرهم قبل ذلک إلى المجازر تدفعهم إلى ذلك شهواتهم الحيوانية و عصبيّتهم المقيتة، و لعبوا بمصائر عدد آخر لا يحصى من الأبرياء من الناس العزّل.

ص: 508

واليوم، تلوح عند حدود بلادنا العزيزة نيران السلفية و التطرّف، و هي تتنامى و ترتفع في كلّ لحظة، و على الرّغم من أنّ أولى الضحايا التي امتدّت إليها يَد الفتنة و الإرهاب هم من الشيعة و السنّة على حدّ سواء، إلّا أنّ كلّ ذلك لا يشير سوى إلى محاربة العقلانية و مُعاداة الإنسانية و مقاومة الدين و المذهب، فإذا لم تتمّ السيطرة على هذه الموجات العاتية فلا محالة أنّها ستتجاوز حدود العراق و الشام مُعرّضة أمن و استقرار جميع البلدان في العالم إلى خطر حقيقيّ و مصير مجهول.

هذا، و لم يكفِ الإسلاميين المتطرّفين ما يعرضونه على صفحات الإنترنت من مشاهد العنف الصارخ و الإرهاب المقزّز حتى أصبح جزءاً لا يتجزّأ من وجودهم و شخصيّتهم، فنراهم في عالمهم الواقعي المشهود و في ظلّ الجهالة العمياء التي اُبتُلوا بها و ظاهر الإسلام الذي تشدّقوا به، نراهم يقومون بقَتل مَن يعتبرونهم ألدّ أعدائهم - وهم الشيعة في الشرق الأوسط (بزعمهم) - بأفضع أسلوب و أشدّ تنكيل.

ويبدو أنّ التقنيات الحديثة ساعدت هؤلاء على تصوير بطولاتهم و شجاعتهم و تصرّفاتهم وسلوكيّاتهم الوحشية و اللاإنسانية و إخراجها و عرضها على شاشات الانترنت و صفحاته، لكي يبدو أمراً طبيعياً للعراقيين، فتصويرهم لأبطالهم و هم ممسکین برؤوس الأعداء الخياليين لهم إنّما هو جزء من هذه اللعبة الوحشية(1).

إنّ الأساليب القمعية و البربرية التي يمارسها أفراد (داعش) أكبر من أن تُحكي بهذه

العجالة أو حتى يُشار إليها بإيجاز، و ممّا يُؤسَف له أنّ هذه الممارسات ما زالت تُرتَكَب باستمرار في كلّ شبر احتلّه هؤلاء من أرض العراق و سورية.

خلاصة البحث:

لقد أشار الإمام علي علیه السلام و هو يخاطب الخوارج في زمانه إلى أنّ تعالیم القرآن الكريم صامتة و ليست ناطقة. ولا شكّ في أنّ عدم التأمّل في تلك التعاليم و مجانبة العقل و التفكير و إخراجهما من حوزة الدين أدّى إلى نموّ أولى بذور الفكر الذهني الديني لدى الخوارج قديماً و أحفادهم حديثاً حيث يُمثّل تنظيم القاعدة في الوقت

ص: 509


1- يمكننا مشاهدة الكثير من نماذج العنف هذه على صفحات الإنترنت على شكل صور أو أفلام معروضة للجميع

الحاضر و جميع أجنحته خاصّة المتطرّفة منها و على رأسها رَبيب الخوارج (داعش)، يمثّلون الورثة الحقيقيين لتلك الظاهرة المريرة في تاريخ الإسلام.

إنّ العالم المعاصر بكلّ تعقيداته التي لم تُطلعنا التقنيات و البرمجيات الحديثة سوى على مظهرها الخارجيّ، هو واقع مُستحدث يحاول الجميع تجربة حياتهم اليومية فيه عَبر المقتضيات المفروضة، و من المعلوم أنّ السيطرة على مثل هذا العالم المعقّد تتطلّب التأمّل الكامل و المستقلّ في مسألة التجدّد و الحضارة بجميع أبعادهما، ولا ريب في أنّ الرغبة في تجربة العيش المتجدّد و العصريّ بعيداً عن الإمعان و التأمّل في ماهية تلك التجربة سيجعل الحياة الداخلية و العالم الاجتماعيّ كالطائر المحبوس داخل قفصه الحديديّ و لن يكون بالإمكان الاستفادة من تلك التجربة بشكلها الإنسانيّ المطلوب.

فعداء الإسلاميين عبيد الظواهر الإسلامية لم يقتصر على التعاليم الدينية و حسب بل كانت لهم صولاتهم و جولاتهم غير العقلانية مع التقنيات الحديثة و التقدّم كذلك. و قد أدّت التركيبة غير النقية من الإيمان الدينيّ و التقنية الحديثة في عالم اليوم إلى تسهيل قيام بعض أتباع هذه الزّمرة من الإسلاميين المتطرّفين بارتكاب أعمال العنف الوحشية ضدّ المؤمنين الأبرياء.

وعلى الرّغم من وجود حاجّة ملحّة و ضرورة قصوى تحتّم على حكومة العراق و شعبها و شعوب و حكومات الدول الإسلامية و كذلك المنظمات الدولية مواجهة هذا الزّحف المخيف لتنظيم (داعش) على أرض العراق و سورية، فإنّنا في أمسّ الحاجة أيضاً إلى نهضة ثقافية عميقة و جذرية تضمن لنا استئصال هذه الغدّة السرطانية التي أصابت

جسم العالم الإسلامي و حرقها و إتلافها بشكل كامل.

ومن شروط تلك النهضة الثقافية ما يلي:

أ) طرح حوار دائميّ و واسع على المستوى العالميّ و الإقليميّ حول أهمّ

الموضوعات الدينية إذ إنّ مناقشة البحوث الدينية في فضاءات مُغلقة على المستوى النظريّ ثمّ فتحها على المستوى العمليّ و عدم اقتصارها على الحياة العينية، سيعرّض هدف التعاليم الدينية - وهو الهداية - في الحياة اليومية إلى مشاكل عديدة. فمن خلال الحوار الوطنيّ و العالميّ الحُرّ ستّتضح التعاليم الدينية و تتبين شيئاً فشيئاً و بالتالي تنسجم

ص: 510

مع العقلانية التاريخية لكلّ فترة من الفترات الماضية، و ستزداد نسبة فهم الدين و إدراکه و سيكون باستطاعة الأجيال المعاصرة و القادمة إيصال نسبة التناقض بين الحياتين الدينية و الدنيوية في كلّ مرحلة إلى أقلّ حدّ ممکن.

على سبيل المثال، تتضمّن مسألة (الجهاد) العديد من المسائل المختلفة التي يمكن الحديث بشأنها، و مناقشة معنى الجهاد في الإسلام و القرآن الكريم و ما إذا كان الجهاد يعني الحرب أم إنّه يمثّل أيّ نشاط يقود المجتمع إلى شاطئ السعادة و السؤدد؟ ثمّ البحث في أنواع الجهاد و هل يمتلك الجهاد الهجوميّ استدلالات كافية لإقراره أم لا؟ و إذا كان الجواب هو (نعم)، فما هي شروطه و مدياته؟

ما هي القيود الأخلاقية و الحقوق الإنسانية الواجب اتّباعها في الجهاد من الناحية الدينية؟ هل يمكن القيام بالجهاد من أقرب نقطة إلى أبعد نقطة في العالم تحت ذريعة (الجهاد) فنقوم بقمع و استئصال الجميع؟ و غيرها من المسائل الأخرى.

ب) تبدیل وسائل الإعلام المرئية و المسموعة في الدول الإسلامية من وسائل محتكرة و فردية إلى خصوصية و حرّة. فالشبكات التلفزيونية و الإذاعية التي اعتادت في تلك الدول على التبليغ عن فكر دينيّ مُعيّن و غالباً ما يكون ذلك التبليغ استفزازياً و مثيراً للأحقاد دون أيّة استدلالات و من الواضح أنّ مثل هذا التبليغ لا يمكنه أن يساهم في تطوير الفهم الدينيّ للمسلمين. و تبقى وسائل الإعلام الحرّة هي الوحيدة التي تستطيع توجيه النّقد و تهيئة السُّبُل أمام حضور التيارات الفكرية المتعددة ما يؤدي بالنتيجة إلى نموّ الفكر الدينيّ و الاجتماعيّ.

والحقيقة هي أنّ الحكومات في أغلب الدول الإسلامية تسيطر بشكل كامل على وسائل الإعلام بشتى أنواعها و لم يتسنّ بَعد إيجاد الوضع الإيجابيّ الذي تنشده الشعوب الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك لا يمكن للفضاء الدينيّ أن يصبح عقلانياً إلّا بخصخصة وسائل الإعلام المرئية و المسموعة، و عقد الحوارات الحرّة و العادلة و المنصفة و التبليغ غير المثير.

إنّ الديكتاتورية في الدول الإسلامية هي السائدة في الوقت الحاضر و تمنع إيجاد مثل تلك الأجواء الحضارية، فالتطوّر الفكري و الثقافي و تعزيز الحياة الإيمانية في هذه الدنيا المليئة بالتعقيدات و الصراعات أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً من دون القدرة على استخدام وسائل الإعلام بحريّة.

ص: 511

ج) طرح الحوار و النقاش المستمرّ على المستوى الوطنيّ و العالميّ في الموضوعات الأساسية المتعلّقة بأبعاد و ماهية الحداثة و ملامحها الظاهرة و الخفيّة. فكلّنا نعلم أنّه من الصعوبة بمكان إجراء مقارنة بين حياة البشر في الوقت الحاضر في جميع مجالاتها الشخصية و العامّة و الفردية و الجماعية و السياسية و الاقتصادية بكلّ عناوينها الثانوية، و بين الحياة البسيطة التي عاشها الإنسان في العصور الماضية، سيّما بعد أن سيطرت مظاهر الحضارة و المدنية و التجدّد على جميع جوانب حياتها بشكل عامّ. و تقتضي إرادة الإنسان و اختياره و إنسانيّته أن يقوم بالاستفادة القصوى من حياته الجديدة لكن مع الفهم و الإدراك الكاملين و القدرة على تنظيم حياته و توجيهها بشكل عقلانيّ.

وممّا لا شكّ فيه أنّ الحياة التقنية في عصرنا هذا تُعتبر عاملاً مسهّلاً و مُقلّلاً في نفس الوقت، و لا يمكن فهم أيّ بُعد من أبعاد الحداثة و التجدّد الإيجابية و السلبية إلّا من خلال عملية مستمرّة للحوار الحرّ و المنصف.

من الواضح أنّ لمعاداة الحداثة و الانبهار بها دون تأمّل و تفكير على حدّ سواء آثار

سيئة على العلاقات الاجتماعية في الظروف الحالية.

د) بذل كافّة الجهود للتقليل من الصدامات العاطفية بين المذاهب الدينية في العالم الإسلاميّ: لا شكّ في أنّ عالم الثبوت لا يسعه سوى احتضان مذهب حقّ واحد، لكنّ البشر عاجز عن كشف عالم الثبوت ذاك، و في عالم الإثبات فإنّ كلّ فرقة من الفِرَق أو مذهب من المذاهب يحاول إثبات الحقّ لنفسه. و في مثل هذه الظروف فإنّ المنطق و التجارب التاريخية الحلوة و المرّة تقتضي عدم الدّفاع عن شرعية هجوم مذهب ما على آخر في أيّ مستوى من المستويات النطرية أو العملية. و لا ريب في أنّ جرح المشاعر الدينية للمذاهب و الفرق الأخرى على مستوى الرأي سؤدّي إلى حدوث النزاعات الدينية على مستوى العمل و الفعل، ولا تنس أنّ الحروب الدينية في الماضي كانت جزءاً من التاريخ الاجتماعيّ المرير للبشرية. و هكذا، فإنّ الرجوع إلى تكرار تلك التجارب معناه تكرار نفس النتائج و العواقب المريرة العارية عن أيّة إيجابيات، بل ستكون العواقب الماضية هذه المرّة أبشع و أقسى ممّا كانت عليه في السابق بالنظر إلى وجود الوسائل الحديثة الأكثر عنفاً و وحشية.

ص: 512

المصادر:

1. ایزوتسو، توشهیکو؛ خدا و انسان در قرآن، ترجمة: أحمد آرام، طهران،

منشورات (مركز النشر الثقافي الإسلامي، 1995م.

2. بونی، ریتشارد، جهاد: از قرآن تا بن لادن، نقد: حميد أحمدي، منشورات

(مطالعات راهبردي)، صیف 2006 م، العدد (32).

3. بخشي شيخ أحمد، مهدي، جهاد: از ابن تیمیه تا بن لادن، منشورات (علوم

سیاسي)، صیف 2006 م، العدد (34).

4. بیوزی، مایکل، يورغن هابرماس، ترجمة: أحمد تدیّن، طهران، منشورات

(هرمس)، 1999 م.

5. شفيعي، محمود؛ جامعه شناسی سیاسی ایران، طهران، منشورات (جامعة الإمام

الصادق «عليه السلام»)، 2010 م.

6. فرمانیان، مهدي، مباني فکري سلفيه (أطروحة الدكتوراه)، مركز إعداد

المعلمين في جامعة قم، 2009 م.

7. نوذري، حسين علي، باز خواني هابرماس، طهران، منشورات (چشمه)، 2002 م.

8. نیک فر، محمد رضا، ایمان و تکنیک، موقع (نیلگون)،

2005/11/27 م.

9. هولاب، رابرت و يورغن هابرماس، نقد در حوزه عمومي، ترجمة: حسین

بشیریه، طهران، منشورات (ني)، 1996 م.

10. DeLong - Bas, Natana (2007). Wahhabi Islam. London: I. B. Tauris.

the World: the 11.

Bruce Lawrence (2005). Messages to Statements of Osama bin Laden. Verso.

12. Commins, David (2006). The Wahhabi Mission and Saudi Arabia. London: I. B. Tauris.

ص: 513

13. Christopher M. Blanchard, Al Qaeda: statements and Evolving Ideology (CRS - Congressional Research Service - Report for congress, Order Code RL 32779, Updated July 9, 2007)

14. Jougen Habermas, The Theory of Communicative Action, vol, 1, by: Thomas Mccarthy (Beacon press, 1984)

15. Jougen Habermas, The Theory of Communicative Action(life world and system: A Critique Of Functionalist Reason) vol, 2: Trans by: Thomas Mccarthy (Beacon press, 1987)

16. http:

//behtarinkhabar.ir/

http: //en.wikipedia.org/wiki/Beliefs_and_ideology_of_Osama_bin_Laden

17. http://kordestanweb.ir/

18. http://news.wikipg.com/news_tag/ 19. http://tehranpress.com/fa/news - details/48496 http://www.aparat.com/v/9ETG2/ .20

21. http://www.iribnews.ir/NewsBody.aspax ID=52818

22. http://www.taghadom.com/technology - it/cartech/427 - special _report/212411

23. fa.alalam.ir/news/1601742.

24. جنگ - عراق /Fa.wikipedia.org/wiki

25. تاریخ - عراق /Fa.wikipedia.org/wiki

26. Wikipedia, beliefs and ideology of Osama bin laden, Technology

27. www.sn - hr.org, Syrian Network For Human Rights, Islamic State of Iraq and Levant Organization (ISIL)

ص: 514

دور القوى الدوليّة في نموّ التّيارات التكفيريّة و انتشارها وانعكاسات ذلك على العالم الإسلامي

تأليف: مختار شيخ حسيني(1)

تأليف: محمد جواد خليلي(2)

ترجمة: ياسر الخيرو

نبذة:

تعود نشأة السلفيّة التكفيريّة و انتشارها الذي تحوّل في يومنا هذا إلى أهمّ و أكبر المشاكل التييواجهها العالم الإسلامي، إلى عوامل و أسباب مختلفة. حيث يكشف لنا البحث في الأسباب الداخليّة و الفكريّة لهذا التيّارعن قسم كبير من الحقائق المتعلّقة بهذا التيّار التكفيريّ، غير أنّ التحليل الشامل لأنشطته السابقة و الحاليّة لا يتأتّى إلا إذا أخذنا في اعتباراتنا دور عوامل کالاستعمار و القوى الدوليّة العظمى في تعزيز هذا التيّار و نشره. فمن الناحيّة التاريخيّة نجد أنّ الفكر السلفيّ التكفيريّبزعامة محمد بن عبد الوهاب قد نشأ من خلال ارتباطه بالسطوة السياسيّة لآل سعود و قيادة بريطانيا و دعمها و ذلك بقصد التصدّيللدولة العثمانيّة، فلطالما كانت تصرّفات هذا التيّار و سلوكياته في منطقة شبه جزيرة العرب تصبّ لصالح منافع الاستعمار البريطانيّ. كما أنّ الدعم الأمريكيّ لتنظيم القاعدة في أفغانستان من اجل مواجهة النفوذ السوفييتيإبّان عهد الحرب الباردة هو منالحقائق التاريخيّة، حيثإنّ المعسكر الغربي قد استفاد من قدرات هذا التيّار من أجل تحقيق مصالحه الاستعماريّة، و كذلك نجد في عصرنا الحاليأنّ انتشار نشاطات التيّارات

ص: 515


1- خریج حوزوة قم العلمية و طالب مرحلة الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة باقر العلوم في قم
2- خريج حوزوة قم العلمية و طالب مرحلة الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة یاسوج

التكفيريّة في بعض

البلدان الإسلاميّة من قبيل العراق و سوريا قد حظي بدعم هذه القوى

العظمی.

لقد أتاح انتشار و تنامي الفكر التكفيريّ فرصاً ثمينةً لتحقيق مصالح القوى الاستعماريّة،

و لذلك نجدهميقومون بدعمه في بعض مناطق العالم الإسلامي بينما يتصدّون له في مناطق أخرى. فمن خلال هذا النهج الانتقائيّ؛ قام المستعمرون بدعم التّيارات التكفيريّة في مراحل معينة، و لكنّهم في مراحل أخرى استندوا إلى الأنشطة الإرهابيّة و أعمال العنف التي تقوم بها هذه التيّارات، من أجل تمهيد الطريق نحو غزو البلدان الإسلامية بحجّة الحرب على الإرهاب. فسندرس في هذا المقال، الجانب التاريخیّللدور الذي لعبتهالقوى العظمى في تعزيز التيّار التكفيريّ و نشره، حيث سنتناول العلاقة بين هذين العاملين و انعكاساتهما على العالم الإسلامي.

الكلمات المفتاحية: السلفيّة، المستعمرون، الإسلام، القاعدة، الوهابيّة، أمريكا.

ص: 516

المقدّمة:

إنّ التيّار التكفيريّ الذييعتبر أهمّالتحديات التييواجهها العالم الإسلامیالیوم، قد نمی و ترعرع في ظلّ فكر و ظروف معيّنة. و على الرغم من أنّ أهم العوامل التي مهّدت الطريق للفكر التكفيريّ هو التفسير المتصلّب و الظاهريّ للنصوص الدينيّة، إلا أن تحوّل هذا الفكر الى الأفعل و الأعمال العنيفة كان بسبب بعض الأمور العينيّة التيهيّأت الأجواء المناسبة لظهور هذا الفكر. حيث إنّمجرّد التحليل الفكريّلا يكشف إلا جزءاً من حقيقة التيّار التكفيريّ، فقد توجّهت أغلب الأبحاث التي تمّت في مجال تاریخ و تحوّلات التيّارات التكفيريّة إلى الجانب الكلاميّ و العقائديّ لهذا التيّار، في حين أنّ تحليل الوقائع و الظروف البيئيّة والأوضاع الإقليميّة و العالميّة لنمو هذه الفكر و تحوّله إلى ارتكاب أعمال العنف؛ قد لعبت جميعها دوراً كبيراً في كشف أسباب نموّ و انتشار هذا التيّار و تناميه.

تعتبر الجوانب الفكريّة لنمو التيّارات التكفيريّة أكثر من مجرّد نظريّة، و هي البنية التحتيّة الأيدولوجية لهذا التيّار، فقد أدّت إعادة مطالعة هذا الفكر في كل عصر إلى

ظهور تشكّل جديد له، حيث إنّ ادعاءه اظهار صورة الإسلام الحقيقيّ و الدين الحقّأمر يجذب الكثير من مسلمي العصر الحديث. و يشير تاريخ التيّار التكفيريّإلى مدى تأثير الظروف الموضوعيّة (البيئيّة، و الإقليميّة، و الدوليّة) في نمو و تطبيق هذا الفكر من الناحيّة العمليّة. ففي واقع الأمر؛ نجد أنّ الفكر و الأصول فوق النظريّة لهذا التيّار لم تتحقّق على الصعيد العملي إلا عندما هيّأت الظروف الموضوعيّة الأرضية اللازمة لهذا الفكر.

لقد كانت القوى العظمى الإقليميّة و الدوليّة إحدى العوامل الملموسة التي لعبت دوراً في انتشار و تنامي التيّارات التكفيريّة، حيث كان تاريخ الفكر التكفيريّ أيضاً مؤشّراً إلى دور هذا العامل في عدّة مراحل تاريخيّة. فلقد كان أهمّ أهداف القوى العظمى فيما يرتبط بالعلاقة مع التيّارات التكفيريّة هو استخدام قدرات هذه التيّارات من أجل اختراق العالم الإسلاميّ و ضمان الوصول إلى تحقيق مصالحهم الوطنيّة و الدوليّة. ففي الحقيقة؛ نجد أنّ التيّارات التكفيريّة قد حظيت دائماً بدعم مباشر و غير مباشر من القوى العظمی ما دامت

ص: 517

أنشطتها تصبّ في مصلحة سياسات القوى العظمی، و لكن متى ما تمّ تهديد مصالح القوى العظمى من قبل تلك المجموعات؛ فإنّ القوى العظمستعمل على قمعها بشدّة. و نظراً الى الأوضاع الفوضويّة القائمة في النظام العالميّ (عدم وجود قوة عظمى واحدة)؛ فإن القوى العظمى و استناداً إلى المصادر الماديّة تتمتّع بنصيب أوفر من القدرات التي تعينها على الوصول إلى أهدافها الوطنيّة. ففي كلّ مرحلة من تاريخالعلاقات الدوليّة نجد أنّ بعض القوى قد لعبت دوراً أكبر مما سبق فيتحديد السلوك و التصرّفات الدوليّة. فقد كانت بداية نموّ التيّارات التكفيريّة في منطقة نجد في القرن التاسع عشر الميلادي، مدعومة بموافقة و دعمبريطانيا باعتبارها أكبر القوى العظمى العالميّة آنذاک، و كذلك كانالدعم الأمريكي لتنظيم القاعدة و تقويته في مقابل الاتحاد السوفييتي في القرن العشرينالميلاديمؤشّراً لأهميّة التيّارات التكفيريّة في سياسات القوى العظمی، و كذا هو الحال اليوم أيضاً، حيث إن الدور الذي تلعبه القوى العظمى الدوليّة (أمريكا، الاتّحاد الأوروبي و ..) و الإقليميّة (السعوديّة، قطر و تركيا) في انتشار و تنامي هذه التيّارات أمر لا يمكن إنكاره. و في هذا المقال سنشير باختصار الى الخلفيّات الفكريّة لنمو التيّار التكفيريّ في ثلاث مراحل؛ وهي: (وهابيّة نجد، القاعدة في أفغانستان و مجموعة داعش) و من ثم سنتطرّق إلى دور القوى العظمى في انتشار و تنامي هذه التيّارات من خلال استخدامالإطار النظري للواقعية البنيويّة.

الواقعيّة البنيويّة كإطار نظريّ

إنّ الواقعيّة الحديثة هي من النظريّات التي اعتبرت أنّ تأثير النظام الدوليّ على تصرّفات بعض الدول و تأثّر الوحدات المختلفة في النظام الدوليّيقع ضمن نظريّة الواقعيّة البنيويّة. إنّ كينيث و التز و هو أهمّ علماء هذه النظريّة و قد شرحها في كتاب نظريّة السياسة الدوليّة، يعتقد بأنّ السياسة الخارجيّة للبلدان تتأثّر بالنظام الدوليّ، حيث يبيّن في هذه النظريّة أن ليس للحكومة ولا الفرد دور كبير في اتّخاذ القرارات، بل إنّهيكل النظام الدوليّ و بنيته هي التي تفرض حدوداً على السياسات الخارجيّة للبلدان و المجموعات. و يعتبر في هذه النظريّة أنّ النظام الدوليّ و هیکلهيؤثّران على سياسات الدول، و إنّ

ص: 518

القيود و العراقيل التيفرضها هذا النظام على سياسات الحكومات هي التي تصوغ العلاقات الدوليّة، و تجعل سياسات الحكومات متشابهة مع بعضها البعض و متطابقة.(1)

ففي هذه النظريّة، يتضمّن هيكل النظام الدوليّ ثلاث صفات مهمّة:

المبدأ الأول أو المبدأ التنظيمي هو نظام متسلسل رتبیّا فيفوضويّة في النظام العالميّ؛ و الفوضويّة هنا تعني عدم اشتماله على سلطة مركزيّة(2). و من هذا المنطلق؛ لا وجود لقوّة عظمى تكون هي من يفرض النظم في النظام العالميّ.

المبدأ الثاني هو الأعمال المختصّة بالوحدات أو الحكومات. على الرغم من أنّ الحكومات تختلف عن بعضها البعض من ناحية القوّة و السلطة، إلا أنّ لها تصرّفات متشابهة و موحّدة. حيث إنّ هذه التصرّفات المتشابهة نابعة من التأثير و القيود و العراقيل التبيفرضها المبدأ التنظيميّ للنظام أي الفوضويّة.(3) ففي الواقع و لعدم وجود أيّ قوة مركزيّة في البيئة الدوليّة؛ فإنّ كلّ وحدة مضطرّة إلى حفظ أمنها بنفسها، و ذلك لعدم وجود أيّ مرجع يضمن أمن أعضائه. و عليه فإنّ محافظة الأعضاء على أمنهم بأنفسهم أمر ضروريّو حيويّ(4). ففي هذه البيئة يمثّل البقاء أهمّ و أقيم شيء، و من أجل أن تظلّ البلدان باقية؛ يجب أن تعزّز قوّاتها العسكريّة، أو أن تشكّل تحالفات مع بعضها حتّى تتمكّن من ضمان الحصول على مصالحها في هذا النظام الفوضويّ. المبدأ الثالث هو توزيع السلطات. إنّ توزيع القدرة بين وحدات النظام الدوليّ هو العامل الرئيس في اختلافها عن بعضها. هذا المبدأ هو الذي يحدّد مدى السلطة التي تحتاجها كل وحدة من أجل المحافظة على أمنها.(5)

على الرغم من تشابه تصرّفات الدول إلا أنها تختلف من ناحية السلطات،(6) و بما أنّ توزيع السلطات و التغييرات التي تطرأ عليها يمثّل أهمية بالنسبة إلى و التز؛ فقد تناول عدة

ص: 519


1- أحمدي، حمید، ساختار گرایی در نظریه روابط بین الملل، ص 122
2- مشیر زادة، حمیرا، تحول در نظریه های روابط بین الملل، ص 114
3- أحمدي، حمید، ساختار گرایی در نظریه روابط بین الملل، ص 123
4- Waltz, 1979:126
5- مشیر زادة، حمیرا، تحول در نظریه های روابط بین الملل، ص 114
6- احمدي، المصدر السابق، ص 124

أشكال مختلفة من الأنظمة التي تحصل بسبب التغيير في تقسيم السلطة. و يعتبر و التز أن البنية ثنائيّة الأقطاب هي أكثر أنواع هذه الأنظمة ثباتاً. في حين أنّ مورغانتا يعتقد بأنّ النظام المتعدّد الأقطاب المقرون بعامل لإيجاد التوازن هو الأكثر ثباتاً.(1)

قام و التز و بالاعتماد على نظريّة الأنظمة و التأثر بالمدرسة السلوكيّة بطرح نظريّة تؤيّد بعض المبادئ الرئيسة لنظريّة مورغنتا في الواقعيّة، و تعزّز القوانين الشائعة فيها، و لكنّها تضع بعض صفات و خصائص القوانين الشائعة، و من ثم يقوم بتحديد قوانین أخرى. ففي مقابل نظرية الواقعيّة و التي كانت قائمة على المبادئ الثلاثة: الدولانيّة، و البقاء و الاعتماد على النفس، كان و التز ملتزماً بمحوريّة و أهميّة مفهوم النظام الحاكم على النظام الدوليّ، و اعتبر أنّبنية النظام الدوليّ هي التي تمثّلالأصل الحاكم و الناظم؛ لا الأشخاص و الحكومات. كما اعتبر و التز بأنّنظريّته هي الأفضل في تحليل النظام الدوليّ.(2)

ووفقاً لهذه النظريّة؛ فإن اللاعب الذييملك قوّة أكبر هو الذي سيستطيع أن يؤمّن لنفسه المزيد من المصالحعلى المستوى العالمي، ففي هذه النظريّة يتم توفيرنظم و رتابة النظاممؤقّتاً على يد اللاعبين الأقوى. و عليه؛ يكون النظام مبنياً على التسلسل الرتبيّفي عهد الإمبراطوريات، و أمّا في عهد الأقطاب الثنائيّة، فإن المعسكرين هما من يرسمان معالم النظام، و أمّا في حالة تعدّد القوى العظمى في النظام الدوليّ؛ فإن اللاعب الأقوى هو الذي سيحصل على أكبر مقدار من المصالح. و من خلال توسيع مفهوم هذه النظريّة و تعميمه؛ يمكن تطبيقها في ما يتعلّقبموضوع هذا المقال، أي المراحل التاريخيّة الثلاثة لانتشار و تنامي التيّار التكفيريّ و ارتباطه بالنظام العالميّ. ففي المرحلة الأولى؛ أي في القرن التاسع عشر حينما كانت امبراطورية بريطانيا العظمى هي أهمّ قوّة في النظام العالميّ؛ كان نظم و رتابة النظام متعلّقاً إلى حدّ ما بهذه القوّة العظمی، و بناءً على هذا؛ فإنّ النظام الدوليّ و النظام الإقليميّ فيمنطقة الشرق الأوسط كان أيضاًيتبع المصالح

ص: 520


1- مشير زادة، المصدر السابق، ص 116
2- فروزي، علي رضا، مبانی انسان شناختی نظریه های روابط بین الملل (واقع گرایی و لیبرالیسم) و اسلام، عام 2013

البريطانيّة، و عليه فإنّالتشكيل المبدئي لحكومة آل سعود بالاعتماد على القوة الدينيّة الوهابيّة و ارتباطها ببريطانيا قد مهّد الدرب نحو نموّ هذا التيّار. كما نشهد في المرحلة الثانية تدفّق الدعم الأمريكي لتقوية تنظيم القاعدة في أفغانستان بقصد مواجهة النفوذ السوفييتي، و في المرحلة الثالثة، أي في القرن 21 فإنّ دعم القوى العظمى و القوى الإقليميّة لتنمية التيّارات التكفيريّة في العراق و سوریا و زيادة انتشارها يعكسان تأثير هذا العامل (القوى العظمى) في انتشار هذا التيّار و تناميه. و وفقاً للواقعيّة البنيويّة فإن عدم وجود قوى حاكمة على مستوى كلّ البنية؛ فإن القوى العظمى تستغل هذه المجموعات من اجل تحقيق مصالحها كلّ حسب مقدار قوّته.

الخلفيّات (الذهنيّة) الفكريّة لانتشار التيّارات التكفيريّة (من الوهابيّة حتى داعش)

إنّمصطلح السلفيّة هو مصطلح حديث الظهور في تاريخ الفكر الإسلاميّ، حيث اختارته مجموعة من أهل الحديث، و أتباع أحمد بن حنبل و ابن تيميّة و محمد بن عبد الوهاب. تتّبعهذه المجموعة النصوص المنقولة فيمنهجهم المعرفي و تلتزم بالظاهر في فهمهم لهذه النصوص، و يرون أنّ العقل لا يستطيع فهم الأمور الإلهيّة، و يختزلون القدرة العقلية في فهم كلام السلف بصورة صحيحة.(1) فيجب أن نبحث عن الجذور الفكريّة للوهابيّة فيأفكار ابن تيميّة و محمد بن عبد الوهاب الذي قام بتفسير هذه الأفكار و نشرها بعد قرون من ابن تيميّة، فلم تكن الظروف في عهد ابن تيميّة لتسمح له بأن يفرض على المجتمع تعاليمه الشاذّة. أمّا في عهد محمد بن عبد الوهّاب، فقد أدّت الظروف الاجتماعيّة و الثقافيّة القائمة فيمنطقة نجد و علاقته بسطوة آل سعود السياسيّة، الى نشر هذه الأفكار.

يعدّ ابن تيمية أحد المفكرين الذين قاموا بالتنظير خلال غياب الخلافة و ذلك بعد سقوط الخلافة العباسيّة فيإثر الغزو المغولي في عام 656 للهجرة. فإنّالميزة المهمّة في هذا العصر هي غزو المغول لدار الإسلام، و أمّا أهميّة هذا العصر بالنسبة الى المفكرين، فتعود الى تسلّط الكفّار على بلاد الإسلام. فكان أهمّ مُؤلّفاتابن تيميّة فيالفكر السياسيّ هو

ص: 521


1- اله بداشتي، نقد مبانی سلفیه در توحید، ص 169

کتاب (السياسة الشرعيّة في اصلاح الراعي و الرعيّة)، و الذي تمّتأليفه في السنوات ما بين 709 إلى 714 للهجرة(1). و بلا شكّ أنّ السلفيّة ليست بالمفهوم البسيط و المنسجم، بل أنّها تضمّ في طيّاتها اتّجاهات و توجّهات مختلفة. فبعض من هذه التوجّهات قد تمسكت بالسلف من أجل توحيد الصفوف و إقامة الانسجام بين المسلمين، و حاولت عبر تمسّكها هذا أن تجدّد القيم الإسلاميّة الساميّة؛ أمّا البعض الآخر فاختار لنفسه طريق التحجّر العقلي و التكفير من خلال التمسّك بالماضي (الماضويّة) و الرجعيّة و محاربة التعقّل.(2) يمكن أن نعتبر التيّار الوهابيّ أوّل جيل للفكر التكفيريّ في العالم الإسلاميّ، حيث أنّ أجزاء كبيرة من العالم الإسلامية تعرضت للغزو ولاعتداء من خلال فتاوی محمد بن عبد الوهاب و أفكار ابن تيميّة. كما يمكن اعتبار أفكار تنظيم القاعدة الإرهابيّعلى أنّه الجيل الثاني لهذا التيّار المتطرّف. فلقد تأثّر ابن لادن منذ البداية بمدرسة الإسلام السلفيّ، غير أنّه تأثّر بعبد الله عزام و أيمن الظواهري أكثر من الآخرين(3). و تُعدّ الأعمال الإرهابيّة التي قامت بها هذه المجموعة في البلدان الإسلاميّة، رمزاً للتطرّف. و يمكن أن نعتبر الجيل الثالث للتيّار التكفيریّالمتطرّف الذي يتجسّد في المجموعة المسمّاة ب«داعش»(4) و دراسته وفقاً لذلك، و التي تأثّرت من الناحية الفكريّة بسيّد قطب و عبد السلام فرج و أمّا من المتأخّرينفقد تأثّرت بعبد الله عزام أكثر من غيرهم. و على الرغم من أنّ هذا التیّاريتعاون مع السعوديّة من الناحية السياسيّة، و يحصل على القسم الأكبر من الدعم المالي و العسكري منها، و لكنه من الناحية الفكريّة مرتبط بالجيلين الثاني و الثالث للسلفيّة. فإذا اعتبرنا أنّ محمد بن عبد الوهاب و ابن تيميّة هما الجيل الأول لهذا التيّار و سید قطب و عبد السلام فرج هم أهمّ منظريّ الجيل الثاني للتطرّف في الشرق الأوسط، فإنّ مجموعة داعش هي حاملة لواء الجيل الثالث لهذا التيّار الذييتبع أفكار ابن لادن و أيمن الظواهري و عبد الله عزام، و حسب التصنيف المعاصر للسلفيّة إلى سروريّة و

ص: 522


1- قادري، حاتم، اندیشه های سیاسی در اسلام و ایران، ص 105
2- علي زادة موسوي، سيد مهدي، تبارشناسی سلفی گری و وهابیت، ص 142
3- عطوان، عبد الباري، سازمان سری القاعده، ص 80
4- شیخ حسيني، مختار، زمینه های ذهنی - عینی رشد داعش در عراق

جهاديّة و جامية؛ تُعدّ داعش من بينتيّارات الجهاديّة و لها اختلافات عن النوعين المعروفين للسلفيّة. فإنّ هذا الفكر يؤمن بفكرة العدوّ البعيد (الحضارة الماديّة الغربيّة) و العدو القريب (الحكومات و المجموعات الموجودة في البلدان الإسلاميّة و التي لا تؤمن برؤية و تفسير هذه المجموعة للدين) حيث يرى هذا الفكر وجوب الهجوم على كلا العدوّین، و لكنّ بسبب عدم توفّر إمكانّية مهاجمة العدوّ البعيد حالياً، فإنّهم اقتصروا هجماتهم و توجهوا بأسلحتهم نحو العدوّ القريب، أي أنّ هجماتهم موجهة ضدّ المسلمين فقط.

يؤمن هذا التيّارمن الناحية الفكريّة بأنّ البلدان الإسلاميّة الحاليّة لا تطبق شرائع الإسلام، و أنّ حُكام هذه البلدان منافقون يدّعون الإسلام، و على أساس ذات المنطق قاموا باغتيال أنور السادات في مصر. إنهم يدّعون تجديد الخلافة الإسلامية عن طريق الجهاد و الهجرة، و قد تمّ التنظير لهذه المفاهيم في كتب سيد قطب و عبد السلام فرج و عبد الله عزام، و التي أصبحت في يومنا هذا ممهّداً و داعماً للتصرّفات السياسيّة لداعش و التيّارات التكفيريّة الأخرى. فمشاركة أشخاص من جنسيّات مختلفة في التشكيلة العسكريّة لداعش و انضمامهم إلى صفوفها؛ يشير إلى مدى أهميّة الهجرة في هذا الفكر، حيث إنّ أتباعها يلتحقون بهذه المجموعة مدّعين الهجرة من المجتمعات الجاهلة، و هدفهم هو تجديد الخلافة الإسلامية.

إنّ دراسة كلام قادة داعش و المجموعات التكفيريّة الأخرى و رسائلهم، يشير إلى ما کانمن تأثير لأفكار سيد قطب و عبد السلام فرج و عبد الله عزام و الدور الرئيس الذي لعبته في نشأة هذه التيّارات. كما أنّ التفسير المتحجّر و السطحي للمفاهيم الإسلامية؛ مثل مفهوم الجهاد، قد زاد من فرص لجوء هذه المجموعاتإلى العنف، كما أنّهم من خلال تكفيرهم لمعارضيهم قد زادوا من عدد أعدائهم ليشملوا الكثير من أهل السنة أيضاً. فبإمكان هذا التيّارممارسة أعمال العنف والتطرّف بطريقة شبكيّة و حتى من دون الحاجة الى وجود قائد، و يكفي وجود الحدّ الأدنى لأتباعه ليقوموا بذلك.(1)

ص: 523


1- المصدر السابق

دور القوى الدوليّة في نمو و انتشار التيّارات التكفيريّة

على الرغم من الدور المهمّ الذي لعبتهالخلفيّات الفكريّة في نشر التيّار التكفيريّ؛ لا يمكن تقديم رؤية شاملة و تحلیل جامع لهذه التيّارات من دونالالتفات إلى الخلفيّات الداخليّة للعالم الإسلاميّ، و لكن النمو المطّرد الفطري لمثل هذه التيّارات في مراحل تاريخية مختلفة يشير الى تأثير نابع من وجود عامل آخر جديد (دور القوى العظمی) في انتشار هذا التيّار. و يقول الدكتور فيرحي: "على الرغم من أنّ بعض المحلّلين يرون أنّ السلفيّة هي فکر خاوٍ و من صنع الأجانب؛ غير أنّ أبحاثي تشير إلى أنّ السلفية هيتیّارينبع من صميم الأزمة في العالم الإسلامي، و لكن إذا استطاعت البلدان الأخرى أن تستغّل ذلك، فهم يتقنون الاستغلال و يعرفون كيفية استخدام التيّارات النابعة من داخل العالم الإسلاميّ... من الطبيعيّ أن يستغل كل بلد هذه التيّارات المحليّة وفقاً لسياسته الخارجيّة و قوّته و خبرته، أنا أرى أنّهذه التحولات لها جذور محلية و لكنّهایتمّ استغلالها من الخارج. و أسباب ذلك هي: أولاً، أنّ لهذا التيّارات القابليّة لذلك، ثانياً؛ أنّ الذين يقومون باستغلالها لديهم دبلوماسيّة حاذقة تمتدّ لمئات السنين، و يعلمون كيف يجب أن يستغلّوا هذه التيّارات المحليّة و يستخدموها لصالحهم."(1) و على هذا الأساس؛ يلاحظ أنّ للقوى الأجنبيّة من خارج العالم الإسلامیّ دوراً مهمّاً في نمو و انتشار هذه التيّارات، حتّى أنّ آية الله الآصفي و هو من علماء النجف الأشرف يقول في هذا الصدد: "قد أدّت مجالات مختلفة الى استعار نار الفتنة المذهبيّة في العالم الإسلامي، ولا يغفل شخص دور الاستكبار العالميّ فيهذا الموضوعسوبذوي النظرة السطحيّة فقط، حيث أنّ خبرة المستعمرين مثل فرنسا، البرتغال، إيطاليا و البلدان الأخرى تشير الى قدراتهم في استخدام إثارة الفتن الدينيّة بين أبناء الشعب الواحد من أجل تحقيق الأهداف الاستعماريّة. إنّ الحروب الدينيّة و بسبب سرعة استعار جذوتها تلعب دوراً مهمّاً في سياسة الاستكبار العالميّ، كما أنّ خبرة مستعمري القرون السابقة تمّ وضعها في متناول أمريكا(2)" و في عصرنا هذا تلعب أمريكا ذلك الدور الرئيس فيخلق العنف الدينيّ و

ص: 524


1- http://feirahi.halghe.ir/1392/12/25
2- راجع: آصفي، محمد مهدي، الأمة الواحدة و الموقف من الفتنة الطائفية، ص 22

اشعال نيرانه، و اليوم قد تمّ اثبات هذا الأمر في العراق، حيث تلعب أمريكا دور رئيس في هذا المجال، كما أنّها تسعى الى إيجاد فجوة كبيرة بين أهل السنة و الشيعة من أجل حضهم على خوض حرب دينيّة، و إن أفضل فرصة لأمريكا لتبسط نفوذها و سلطتها هي عندما يدخل المسلمين هذه اللعبة التي صمّمها الاستكبار العالمي، ولا توجد أداة تتيح لأمريكا الفرصة للسيطرة على العالم الإسلاميّ كما تفعل الحرب الدينية."(1) مع الالتفات إلى تأثير هذا العامل (دور القوى العظمی) في انتشار و تنامي التيّارات التكفيريّة، سوف نتناول دارسة تأثيرات هذا العامل في ثلاث مراحل زمنيّة لنشاطات المجموعاتالتكفيريّة (الوهابية في نجد، القاعدة و داعش) و سنشير في النهايّة الى تأثيرات تنامي هذه التيّارات على العالم الإسلاميّ.

بريطانيا العظمى و التيّار التكفيريّ

كان آل سعود قبيلة تعيش في نجد، و بسبب وجود الكثير من المنافسين و عدم امتلاكهم لأيّ قاعدة اجتماعية، كانوا يواجهون تحديات حقيقيّة في سعيهم الحثيث المبني على توسيع منطقة نفوذهم. و مع التفطّن الى كون أرض نجد في ذلك العهد بعيدة كل البعد عن رقعة لعب القوى الكبرى، فإنّ أفضل طريقة تتّبعها القبيلة التي تحلم بالإمساك بزمام القيادة في المناطق المحيطة بها هي استخدام أيديولوجيّة تمتلك القدرة الكافية لحشد الجموع. و من الجهة الأخرينجد محمد بن عبد الوهاب الذيقدّم تفسيراً جديدتً للدين و تبعاً له استعرض استنباطات جديدة لموضوع التوحيد و الشفاعة و ... و كان بحاجة إلى دعم سياسيّ لكييتمكّن من نشر نفوذه العقائديّتحت مظلّته. إنّ هذه الحاجة ثنائيّة الجانب قرّبت الوهابيّة من آل سعود، و أدّى ارتباط السلطة بالدين إلى توسيع نفوذ كلا المجموعتين.

إنّ نشر آراء و أفكار ابن تيميّة على يد محمد بن عبد الوهاب قد تمّ في الظروف التي كانت قائمة في العقود الأولى من القرنين الثالث عشر الهجري الموافق للقرن التاسع عشر الميلادي؛ في وقت كانت الأمّة الإسلاميّة تتعرض لحملة استعماريّة صليبيّة من جميع

ص: 525


1- راجع: المصدر السابق، ص 23

الجهات. حيث إنّ البريطانيّين كانوا قد انتزعوا جزءاً كبيراً من الهند من يد المسلمين، و كانوا قد بدأوا تحرّكهم نحو جنوب إيران، أمّا الفرنسيون فكانوا قد دخلوا في منافسة بسط نفوذ مع الدولة العثمانيّة من خلال احتلالهم لسوريا و مصر و فلسطين، و أمّا الروس فقد قاموا بالعديد من الهجمات على إيران و الدولة العثمانية من أجل التوسّع في العالم الإسلاميّ و أمّا الأمريكان فكانوا ينظرون بشغف و طمع الى بلدان شمال أفريقيا، في مثل هذه الظروف و التي كان العالم الإسلامي فيها بحاجة إلى الوحدة و الانسجام، أعلن محمد بن عبد الوهاب جميع المسلمين كفاراً بسبب "طلب الشفاعة من الطاهرين" و "زيارة قبور أولياء الله" و حكم بشركهم و أنّهم يعبدون الأصنام، فحرّض أعراب البوادي و أثارهم ليهجموا على المناطق السنيّة و الشيعيّة فحرق الأخضر واليابس و أغار على أموال المسلمين باعتبارها غنائم.(1)

لقد كان مثلث القوّة في شبه الجزيرة العربية في تلك الظروف على النحو التالي: حکم الشريف حسين في مكة و المدينة، و كان يحظى بالدعم العثماني، و كان المسلمون يقرّونله بالحياديّة، و آل رشيد وهم من القوى الأخرى التي كانت لها حضور في شبه الجزيرة العربيّة و كانوا يخضعون للسلطة العثمانية المباشرة، و أمّا التيّار الوهابي في نجد، فقد كانيحظى بالدعم البريطاني. حيث أنّ السياسة البريطانيّة نصّت على دعم آل سعود لزعزعة الدولة العثمانية و ذلك باعتبارهم معارضين للعثمانيين في المنطقة. دخل عبد الوهاب في حرب ضدّ جميع المذاهب الإسلاميّة (إلا الحنبلي)؛ و بما أن العثمانيين كانوا قد بسطوا سيطرتهم فيذلك العصر على بلاد العرب و من جملتها شبه الجزيرة العربيّة؛ فإنّ حركته اتّخذت طابعاً مضاداً للعثمانيين و أتّسمتبواجهة سياسيّة.(2) بالنظر الى النظام الدوليّ القائم في القرن التاسع عشر الميلادي و حتّى الحرب العالميّة الثانيّة؛ كانت بريطانيا تُعدّ تقريباً أهمّ قوّة في النظام العالميّ، وفي موازنة القوى كانت تلعب دور المحافظة على التوازن بين القوى، نظراً إلى قوتّها العسكريّة و البحريّة فقد كانت تمتلك مصالحدوليّة كبيرة و كانت تسعى الى تحقيقها.

ص: 526


1- السبحاني، جعفر، و هابیت مبانی فکری و کارنامه عملی، ص 35 - 36
2- الحلبي، علي أصغر، تاریخ نهضت های دینی سیاسی معاصر، ص 98

ومع ملاحظة أنّ السياسة البريطانيّة كانت قائمة على استغلال هذا التيّار من أجل تحقيق أهدافها فقط، نجدها قامت بقمع هذا التيّار بشدّة في المراحل التي تحرّك فيها ضدّ البريطانيين، ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في عام 1921 للميلاد، و ذلك بعد أن قام اجتماع العلماء و أبناء القبائل في الرياض و الذي اعتبروا فيه ابن سعود ملكاً لنجد و جميع الأراضي المتعلقة بها، اتّجه فيصل بن سعود نحو احتلال "أبها" عاصمة عسير، و عند ذلك دخل البريطانيين الحرب بصورة مباشرة و اتّجهوا نحو نجد من العراق و الأردن، و هزموا الوهابيّين عدّة مرّات.(1)

وكذا الحال عندما كان الشريف حسين في مواجهة مع الوهابيّة؛ نجد أنّ البريطانيين تنصلوا من دعمهم له، و بالمقابل وعدوه بحكم أبنائه للعراق و الأردن، و لكن بسبب رفض آل سعود لهذه الخطّة، خشي البريطانيّون من أن تفشل خطّتهم و أجبروا على تقديم امتیاز لابن سعود و في معاهدة عام 1927 م التي تمّ توقيعها بين الطرفين، اعترفت بريطانيا بالاستقلال الكامل و المطلق لابن سعود(2)

ومع بداية الحرب العالميّة الأولى حثّ البريطانيّون عائلتي سعود و الشريف حسین على قتال العثمانيين، و أرسلوا توماس ادورد لورانس الى معسكر الشريف حسین و ويليام شكسبير الى معسكر السعوديين، بعد اتفاقية مع آل سعود استطاعوا منع نفوذ الشباب الأتراك و الألمان من بسط سيطرتهم على سواحل الخليج الفارسي(3).

في آذار عام 1934 م قرّرت حكومة آل سعود أن تهاجم اليمن، فقد كان لديها عاملان يحركانها إلى الهجوم؛ الأول هو المنابع الاقتصاديّة اليمنيّة و التي حظيت بأهميّة في نظر السعوديّين، و الثاني هو تحريض علماء الوهابيّة من منطلق تكفير الزيديّة، نظراً الى عدم امتلاك اليمن القوة اللازمة لمواجهة آل سعود؛ فقد طلبوا المساعدة من بريطانيا، و التي وافقت بدورها على طلب الإمام يحيي، و ذلك لأنّ أمن عدن و مضيق باب المندب من الاستراتيجيّات المهمّة جداً لبريطانيا، حيث تحتاجهما في تحريك قوّاتها، ولأنّ ميناء

ص: 527


1- المصدر السابق ص 31
2- المصدر السابق، ص 32
3- مسجد جامعي، زهرا، نظرة الى تاريخ الوهابية، ص 90

عدن كانيخضع في ذلك الزمان للسيطرة البريطانيّة منذ قرن، و من ناحية أخرى فإنّ إيطاليا كانت قلقة من سيطرة آل سعود على هذه المنطقة، و قلقها كان بسبب مستعمراتها؛ أي: أرتيرية و الصومال، و لذلك أرسلت مائة و خمسين من جنودها الى منطقة مجاورة لباب المندب، لتسيطر على مدخل البحر الأحمر. فوجد ابن سعود أنّ موازين القوى لا

تصبّ فیمصلحته؛ فوافق على خوض مفاوضات مع اليمن.(1)

كذلك كان المنطقة الخليج الفارسيّ أهميّة كبيرة بالنسبة الى بريطانيا، فبالإضافة الى المنافسة مع العثمانيين، و أنّ خسارة هذه المنطقة تعني خسارة سوق اقتصاديّ و مناجم هذا علاوة على أهمّ نقطة و هي خسارة الهند. و عليه؛ يمكن أن نعتبر السياسية البريطانية مع ابن سعود معادلة تعتمد على مدى خلافها مع الدولة العثمانيّة؛ حيث أنّها في ما قبل انهيار الدولة العثمانيّة، كانتتستخدم ابن سعود كأداة ضغط لتحصل من خلاله على امتیازات من العثمانيّين، و على هذا الأساس، كانتتضطر في بعض الأحيان على دعم عبد العزيز دعماً شاملاً و على جميع الأصعدة، و غير أنّهابعد سقوط الدولة العثمانيّة، قد دخلت في حرب ضد آل سعود بصورة مباشرة في بعض الأحيان التي يصبح آل سعود فيها منافسا لبريطانيا في المنطقة. و يمكن ملاحظة مسيرة هذه المواقف المتفاوتة من خلال معاهدة کو کس 1915 م التي انعقدت بين بريطانيا و ابن سعود، حيث تمّ في هذه المعاهدة تحديد التزامات كلّ من الطرفين؛ و هي:

1. أن لا يهاجم ابن سعود الأراضي الخاضعة للحماية البريطانيّة في شبه جزيرة العرب (والمقصود بذلك هي أراضي الشريف حسين الحليف الآخر لبريطانيا و الذي كان واقعاً تحت تهديد آل سعود. و لكن وجود لاعب آخر منافس لهم مثل الشريف حسین في الحجاز، لم يكن أمراً مقبولاً لآل سعود، و لهذا تمّ التخلّص منه على أيديهمفي نهاية المطاف).

2. يجب ألا يمنح آل سعود امتیازات لأعداء بريطانيا في نجد (ربما يكون المقصود

بذلك هم الألمان و العثمانيّون).

ص: 528


1- شیرازي، نور الدين، ص 65

3. يجب أن يجعل آل سعود سياساتهم الخارجيّة منسجمة مع السياسة البريطانيّة (وبهذا منع البريطانيون أل سعود من إقامة علاقات مع القوى الأخرى، و في الحقيقة

احتجزوهم داخل إطار سطوتهم).

4. تتعهّد بريطانيا بتقديم 60000 ليرة الى آل سعود في مقابل الالتزام بهذه الاتفاقية(1).

وعلى هذا الأساس؛ يمكن القول بأنّ العلاقات بين بريطانيا و الوهابيّة كانت بمثابة معادلة تتبع النظام الدوليّ في تلك الحقبة الزمنيّة، حيث أنّ أعظم قوّة في النظام الدوليّ

(بريطانيا) استغلّت هذه المجموعة؛ و لكنّها قامت بقمعها بقوّة و حزم كلّما فكّرت هذه

المجموعة في تهديد مصالح بريطانيا.

أمريكا و القاعدة

بعد الحرب العالمية الثانية و بسبب تغيّر اللاعبين، ظهر كلّ من أمريكا و الاتّحاد السوفييتيكأهمّ لاعبين في النظام الدوليّ، و مع ظهور التركيبة ثنائيّة الأقطاب؛ أصبحت جميع الموضوعات و التحدّيات في المجتمع الدوليّ تدور حول المواجهة بين مصالح هذين اللاعبين. و ظلّ هذا النظام قائماً منذ نهايات عقد الأربعينيّات و حتى نهايات عقد الثمانينيّات من القرن العشرين، و كانت الخصلة المميّزة لهذا النظام في النزاع و المنافسة بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة و الاتّحاد السوفييتي،(2) و وفقاً لنظريّة الواقعيّة البنيويّة لوالتز؛ يكون اللاعبالأوفر قوة في هذا النظام من يحقّق عددا أكبر من الأهداف، و يحصل على السلطة لقيادة النظام. لهذا فإنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة و التي كان الاتحاد السوفييتييشكل أكبر تحدياً لها في هذه الحقبة الزمنيّة، لم تر بدّاً من استخدام المجموعات التكفيريّة و المتطرّفة في سبيل تحقيق أهدافها و تأمین مصالحها. و تنظیم القاعدة هو إحدى التنظيمات التكفيريّة المعاصرة، و قد ظهر هذا التنظيم في عام 1988 للميلاد في مدينة بيشاور الباكستانيّة، من مكتب خدمات يسمّى "بيت الأنصار" و الذي كان يقوم بمهمّة الدعم اللّوجستي للمجاهدين الأفغان، و كانت أنشطة هذا التنظيم مقتصرة على

ص: 529


1- موسوعة العلوم الإسلامية الكبيرة، ص 30
2- حاجي يوسفي، امیر محمد، السياسات الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في ظل التحولات الإقليمية، ص 61

أفغانستان و السودان منذ العام 1988 م و حتّى 1995 م، و لكن و منذ عام 1995 م فما بعد و بالتزامن مع انفجارات مدينة الرياض و عدد آخر من الانفجارات في شرق قارة أفريقيا؛ شاع اسم هذا التنظيم و أصبح معروفاً.(1)

دخل المقاتلون العرب منذ عام 1986 م حتى 1989 م في الكثير من المواجهات إلى جانب المقاتلين الأفغان في حربهم ضدّ الروس، و كانت هذه أفضل حقبة للمجاهدين العرب؛ لعدم تعرّضهم لأيّ ضغوط من حكومات السعودية و باکستان و أمریکا و

حسب؛ بل و تمّ تشجيعهم على الاستمرار في ذلك. حيث إنّ الاستراتيجيّة الأمريكيّة فيتلك الحقبة كانت مبنيّة على دعم المجاهدين الأفغان و أيّ مجموعة أخرى تستطيع الوقوف بوجه المدّ الشيوعي، فقدّمت أمريكا من هذا المنطلق الكثير من المساعدات الماليّة - العسكريّة على نحو لافت للأنظار، و وضعتها تحت تصرّف المقاتلين الأفغان و العرب في أفغانستان.(2) ففي هذه الحقبة كانت السياسة الأمريكية قائمة على دعم تيّار القاعدة التكفيريّ، و وفقاً لهذا كانت سياسة كل من أمريكا و السعودية و باکستان مبنيّة على تكوين اتّحاد غير معلنلدعم الفكر الوهابيّفي سبيل تحجيم الخطر المتمثّل في نفوذ الاتّحاد السوفييتي و ذلك بتأجيج حرب بالوكالة ضدّه.(3)

لقد مهّدت هزيمة الاتّحاد السوفييتي في أفغانستان و تفكّك الكتلة الشرقيّة، الطريق نحو حصول الولايات المتّحدة على المزيد من القوّة. ففي هذه الحقبة الزمنيّة، و بسبب عدم وجود الاتّحاد السوفييتي، لم تعد أنشطة المجموعات التكفيريّة تصبّ في مصلحة أمريكا، و إنّما كانت أمريكا تسعى الى إقامة نوع معيّن من الحكوماتیكون موالياً لها. فهذا النوع من بناء الحكومات في أدب العلاقات الدوليّة يُعد نوعاًخاصّاً من عمليّات تشكيل الحكومات و قد شاع بعد الحرب العالميّة الثانية، و تمّ في بلدان مثل ألمانيا و اليابان و أفغانستان و الصومال و العراق؛ بتدخّل من الولايات المتّحدة.(4) لقد اتجهت المجموعات التكفيريّة بعد عودتها من أفغانستان

ص: 530


1- محمودیان، محمد، تأثير الفكر السلفي الحديث على فكر القاعدة و ايديولوجياتها، ص 81
2- محمودیان، محمد، تأثير الفكر السلفي الحديث على فكر القاعدة و ايديولوجياتها، ص 85
3- عباس زاده فتح ابادي، مهدي، ص 114
4- حاجي يوسفي، الاستقرار السياسي في العراق الجديد، ص 92

نحو التطرّف(1) و في هذه الحقبة أصبحتبمثابة الخطر الذييهدّد السياسات الأمريكيّة في البلدان الإسلاميّة. أمّا حادثة 11 أيلو لفقد هيّأت حجة دامغة قدّمتها التيّارات التكفيريّة هديّة لأمريكا لكي تغزو العالم الإسلاميّ عن طريق الحرب على أفغانستان و العراق. إنّ تاريخ العلاقات الأمريكيّة بتنظيم القاعدة يبيّن أنّ هذا التيّار حصل على الدعم الأمريكيّ عندما كان يخدم مصالح أمريكا، و لكنّه عندما قام بمهاجمة المصالح الأمريكيّة؛ تمّ قمعه بقوّة. حيث قامت أمريكا خلال حرب الاتّحاد السوفييتيعلي أفغانستان بدعم هذا التيّارات، و لكنّهافي الحرب على العراق و افغانستان اتّخذت أفعال هذه التيّارات حجّة لها لغزو العالم الإسلاميّ، فقد مهّد مثلث أولويّات السياسة الخارجيّة الأمريكيّة، و الذييتكوّن من ثلاثة عناصر، هي: الإرهاب و الحكومات المناوئة و أسلحة الدمار الشامل، الطريق إلى حصول أزمة في الاقتصاد الأمريكي؛ لا تستطيع أمريكا الخروج منها من خلال استخدام القوي و الأدوات العاديّة، و كنتيجة لذلك أضحى استخدام الأسلوب الوقائي لمنع حدوث عناصر المثلث مسبقاً أمراً ضروريّاًفي سبيل مواجهة هذهالأمور. و كان تطبيق هذا الأمر على أرض الواقع مفتقداً لحدوث تغییرات، فكانت حادثة 11 أيلول خير ممهّد لتلك التغييرات.(2) و كانت سياسات الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) و انتقاد المسلمين باعتبارهم إرهابيّين، من نتائج أنشطة تيّار القاعدة التكفيريّ الذي وضع هذه الحجّة بين يدي أمريكا، كما أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية و وفقاً إلى قدراتها العسكريّة و ما لديها من إمكانات إعلامية، لن تدّخر وسعاً في سبيل فعل كلّ ما يلزملتأمين مصالحها.

داعش و النزاع بين القوى الدوليّة

إن انهيار النظام ثنائيّ الأقطاب و اتّجاه النظام الدوليّ نحو نظام أحادي - متعدّد الأقطاب و ظهور القوى العظمى الحديثة، على الرغم من أنّه قلّل من استبداد أمريكا من باب كونها القوة العظمى الوحيدة؛ و لكنّها من ناحية القوّة العسكريّة ما تزال أهمّ قوّة على الصعيد الدوليّ، و لأجل ذلك فإنّها تحظى أكثر من غيرها بفرصة استغلال التيّارات

ص: 531


1- عباس زاده فتح آبادي، مهدي: القاعدة بعد 11 أيلول مع التركيز على القضية العراقية، ص 151
2- خلجي، عباس، مقاربة السياسة الخارجية الأمريكية للإرهاب، ص 131 - 132

التكفيريّة. فتجربة داعش اليوم تعكس مدى نفوذ القوى الدوليّة، مثل أمريكا، و القوى الإقليميّة؛ مثل تركيا و السعودية في هذا التيّار التكفيريّ، فكلّ قوّة من هذه القوى تستغلّ هذا التّيار التكفيريّ بما يتناسب مع ثرواتها وقوّتها و قدراتها على استغلاله.

و فيما يتعلق بنموّ داعش، على الرغم من أنّ البيئة الداخلية للعراق، من قبيل: استشراء الطائفيّة، ضعف الجيش و عدم سيطرة الحكومة على جميع أنحاء البلاد، كانت من العوامل التي أدّت إلى نموّ هذه المجموعة التكفيريّة، إلا أنّ انتخابات مجلس النوّاب الأخيرة في العراق و عدد الأصوات الكبير الذي حصل عليه ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي؛ أدّى إلى شعور أهل السنة بالقلق حيال تشكيل حكومة شيعيّة ثالثة في العراق. إنّ عدم الإقرار برأي أغلبيّة الشعب العراقيّ التي أدلت بأصواتها، و الدعم الإقليميّ السعوديّ لمجموعة داعش و التحاق فلول حزب البعث بهذه المجموعة الإرهابيّة، جميعها عوامل تسعى إلى تحقيق شيء واحد في العراق، و هو جعل حكومة نوري المالكي الشيعيّة تبدو فاشلة، حيث تتزامن هذه الأحداث مع اقتراب تشكيل حكومة جديدة، ليحول ذلك دون استلام رئیس و زراء شيعيّ آخر مقاليد الحكم.

تعد قطر على المستوى الإقليميأحد أهمّداعمي هذا التيّار، و التي لا تتردّد أبداً بتقديم أيّ نوع من الدعم لهذه التيّارات التكفيريّة و ذلك في سبيل منافسة السعوديّة على قيادة البلدان العربيّة. و أمّا السعودية و باعتبارها أهمّ داعم للتيّارات التكفيريّة في الشرق الأوسط، فقد قامت بتحديد نشاطات هذه المجموعاتعلى أراضيها إلى حد كبير، لا سيّما أنّ تواجد شركات النفط و المصانع الغربيّة و الأمريكيّة على وجه الخصوص في هذا البلد يحتاج الى وسط آمن لكي تمارس هذه الشركات نشاطاتها، قامت السعوديّة - ومن جرّاء إدراكها لهذه الأوضاع - بتسيير التيّارات المتطرّفة (الراديكاليّة) الموجودة فيها نحو بلدان المنطقة الأخرى، حيث إن اختيار البلدان المستهدفة يتمّ حسب السياسات الاستراتيجيّة لهذا البلد، فعلى سبيل المثال، لم تقم هذه التيّارات التكفيريّة بأيّ أعمال

ص: 532

عنف تستهدف الحكومة في البحرين، أما في بلدان مثل العراق و اليمن و سوریا و لبنان، فإنّها هي الدول التييتّجه إليها أعضاء هذه المجموعات.(1)

وعلى الصعيد الدوليّ فإنّ الأمريكيّين يعلمون جيداً أنإمساك المجموعات التكفيريّة لزمام السلطة لن يؤدّيإلى ضمان مصالحهم، لأنّ هذه المجموعات سوف تؤدّي اليانعدام الأمن، و انعدام الأمن هذا سينعكسعلى المنطقة التي تعتبر أهم طريق لنقل الطاقة في العالم؛ و إن هذا سيضر بالمصالح الأمريكيّة. من ناحية أخرى يعلم الأمريكيّون بتوجهات هذه التيّارات الفكريّة المعادية للغرب، و يعلمون أنّ هذه التيّارات في حال استلامها لزمام الأمور، فإنّ اليهود و المسيحيّين هم العدو البعيد لهذه التيّارات، وفي حال انتصار هذه التيّارات على العدو القريب (المسلمين و الحكومات الإسلاميّة الحاليّة المعارضة لهذه التيّارات) فإنّها ستّتجه نحو العدوّ البعيد. في المؤتمر الذي عقد فيعمان عاصمة الأردن تحت عنوان "الموقف الأمريكي تجاه الأزمة في سوريا: المحددات و التحولات"، في تاریخ 2014/5/11

أكدّ الخبراء على أنّ انتشار التيّارات التكفيريّة و الإرهابيّة في سوريا و البلدان الإسلاميّة سيؤدّي الى زعزعة استقرار البلدان الإسلامية، و إن هذا الأمر سيضمن الأمن الإسرائيلیبشكل أكبر. إن التخلّص من الأسلحة الكيمائيّة السورية يصبّ في اتّجاه هذه السياسة الأمريكيّة. كي لا تؤدّي هذه الأسلحة في المستقبل الى تهديد أمريكا، و نجد في سياسة أمريكا في دعم التيّارات التكفيريّة تناقضاً، حيث إنّها من جهة تدافع عن الحرية و الديمقراطية و من ناحية أخرى تدعم التيّارات الإرهابيّة في العراق و سوریا، و إنّ السياسة العامة لأمريكا في هذه المنطقة هي نشر المجموعات الإرهابية و التكفيريّة و

جعل العالم الإسلامي ضعيفاً الى درجة عدم بقاء أي خطر يهدّد إسرائيل.(2) لذلك فإنّ أمريكا تحاول دعم هذا التيّار ما دام ذلك يؤدّي الى ضمان مصالحها الوطنية. إنّ تصدير النفط العراقي و الشركات الاقتصاديّة الأمريكيّة هيأكثر ما يثير القلق الأمريكيّ في هذا البلد، و إنّ دعم هذه المجموعات على المدى البعيد لن يصبّفي صالحها، أمّا على المدى القصير فإنّها بصورة عملية لا تعارض داعش، من أجل زعزعة حكومة نوري المالكي و

ص: 533


1- شیخ حسيني، مختار، الأسباب الفكرية و الملموسة لنمو داعش في العراق
2- http://mesc.com.jo/Activities/Act_Saloon/Act_Saloon_17.html

تمهيد الطريق لتواجد عسكريّ ثانٍ و محّدد في العراق. بعد رحيل أمريكا عسكرياً من العراق عام 2011 و تسليم أمن البلاد للحكومة المركزية العراقية، فإنها ستسعد بلا شك بفشل حكومة نوري المالكي في توفير الأمن في البلاد، و إنّ زرع عدم الاستقرار الداخليّ قد يؤدي الى طلبات لعودة أمريكا الى هذه البلاد بكلفة أقلّ. إن تجربة الدعم الأمريكي للقاعدة خلال حقبة معيّنة من الحرب السوفيتية على أفغانستان و من ثم المعارضة الشديدة لهذا التنظيم عن طريق غزو أفغانستان عام 2001، يشير الى أن التيّارات التكفيريّة هي أدوات للمصالح الأمريكية، وهي تحصل على الدعم ما دامت تعمل بما يخدم الأهداف الأمريكية، و لكن الاستراتجيّة الأمريكيّة لا تنصّ أبداً على دعم أمريكيبعيد الأمد لهذه المجموعات.(1) في الاستراتيجيّة الشاملة في العصر الحالي، يسمي العرب التيّارات المعادية للغرب و الرافضة له باسم التيّارات السلفيّة و هو يسعى الى تصنيف المجموعات الإسلامية المعارضة للغرب على أنها متخلّفة و سلّفية، لكي تتعرض هذه التيّارات الى هجمة دعائيّة و عسكريّة غربيّة، و يتمّ رفضها من قبل العالم الإسلاميّ باعتبارها مجموعات سلفيّة و متطرفة(2).

انعكاسات انتشار التيّارات التكفيريّة على العالم الإسلامي

1. نسیان آمال الأّمّة الإسلاميّة

في حال تطبيق العالم الإسلامي لتعاليم الدين و القرآن، فإنّه سيصبح أمّة واحدة. إنّ العالم الإسلاميّ بصورة أمّة واحدة مع انسجام جميع طاقاته البشريّة و مصادر الطاقة الكثيرة التييمتلكها سوف يتحدّى جميع القوى الدوليّة. لقد تم تشكيل حركات في العالم الإسلاميّ في هذا المجال مثل المؤتمر الإسلاميّ، حركات التقريب و ... وفقاً لهذا الأساس. و لكن أهمّأمر يمكن أن يمنع العالم الإسلامي من تحقيق هذه الآمال هو الصدامات الدينيّة و التشتّت الداخليّ. فإنّ قرع طبول التكفير و التطرّف، يسحب العالم

ص: 534


1- شیخ حسيني، المصدر السابق
2- علي زادة موسوي، سيد مهدي، تبارشناسی سلفی گری و وهابیت، ص 91

الإسلامي نحو الصدامات الداخليّة و ستبقى الاُمّة الواحدة أمل لا يمكن تحقيقه في حين أنّ القرآن الكريم يقول (إن هذه أمتكم أمة واحدة)(1).

2. نسیان فلسطين كأولويّة

إنّ القضيّة الفلسطينيّة هي من أكبر التحديّات التي تواجه العالم الإسلاميّ في العقود الأخيرة. فاحتلال جزء من العالم الإسلامي، قد واجه ردود أفعال مختلفة من المسلمين

حيث أنّ أربعة حروب قامت بسبب هذه القضية و هي تسمى بالحروب العربية الإسرائيلية. شيئا فشيئاً حذف بعض قادة البلاد الإسلاميّة القضيّة الفلسطينيّة من قائمة أولويّاتهم في السياسة الخارجيّة، و وضعوا في لائحة أعمالهم تطبيع العلاقات مع إسرائيل. فحكومة حسني مبارك في مصر خير مثال على التذبذب في مجال القضيّة الفلسطينيّة. على الرغم من قيام الحكومات الإسلاميّة بتغيير مواقفها السياسيّة بالنسبة إلى القضيّة الفلسطينيّة إلا أنّ مكانة القضية الفلسطينية لا تزال كبيرة بين الشعوب المسلمة باعتبارها قضية حساسة، و لطالما عبر المسلمون عن تعاطفهم مع الفلسطينيين في مناسبات مختلفة. إنّ نمو التيّارات التكفيريّة و انشغال العالم الإسلاميّ بالمواجهات الداخليّة أدّى إلى نسيان القضيّة الفلسطينيّة و خروجها من قائمة أولويّات الحكومات و الشعوب في العالم الإسلاميّ. إنّ نسيان فلسطين أدّى الى تمهيد الطريق نحو هجمات صهيونيّة أشدّ وقعاًّ على غزة، و إنّ العالم الإسلاميّ بسبب انشغاله بموضوع التكفير لم يستطع أن يعثر على حلّ عمليّ من أجل دعم الشعب المظلوم.

3. اغلاق الطرق التي تؤدّي الى التقارب بين المسلمين

تعدّ حركات التقريب من العوامل التي تؤدّي الى الاتّحاد في العالم الإسلاميّ، و يهتم به عدد كبير من علماء اهل السنة والشيعة. إن علماءً من أمثال الشيخ شلتوت، آية الله البروجردي، الإمام الخميني و غيرهم اتبعوا توجهات فكرية تؤدّي الى التقريب في العالم الإسلاميّ، و إنّ الاهتمام بالقواسم المشتركة العقائديّة أتاح أمام العالم الإسلاميّ الكثير من الفرص. و لكن شحذ همم التيّارات التكفيريّة و حصولها على الدعم من القوى العالميّة

ص: 535


1- سورة الأنبياء الآية 92

يؤدّي إلى الإضرار بهذه السنة الفكرية و العملية في تاريخ المسلمين. إنّ نمو الفكر التكفيريّيؤدّي الى بروز الخلافات بين مجموعات المسلمين المختلفة و نسيان المحاور المشتركة و في النهاية فشل استراتيجيّات التقريب.

4. زعزعة أمن العالم الإسلامي

في عصرنا الحاليّيعبّر عن الاستقرار الأمنيّبالدعامة الأساسيّة لتطور ونموّ أيّ بلد. في الحقيقة يُعتبر الأمان حاجة ضروريّة أساسيّة جدّاً للبشر. و إن الحكومات تعتبر أنّ توفير الأمان هو أهم و اجبتها. إنّ عدم وجود استثمار طويل الأمد في البلدان الإسلامية يؤدي الى التخلف و عدم حصول التنمية فيها. إن من نتائج التيّارات التكفيريّة زعزعة أمن و استقرار العالم الإسلاميّ و هو ما ترتّب عليه الكثير من النتائج السلبيّة. و إن عدم رغبة الشركات الدوليّة الكبرى في الاستثمار في العالم الإسلاميّ هي احدی نتائج هذا الأمر. و النتيجة الأخرى لزعزعة استقرار العالم الإسلاميّهي قيام سوق لبيع الأسلحة في بلدان العالم الإسلامي، و بزعزعة أمن المنطقة بسبب التيّارات التكفيريّة، فإنّ بلدان المنطقة ستتجه نحو شراء الأسلحة من الغرب، و إن تكديس الأسلحة هو أحد أسباب الإحساس بعدم الاستقرار في العالم الإسلامي.

5. نشر الإسلاموفوبيا

بعد سقوط الشيوعية و المعسكر و الشرقي و انتهاء الحرب الباردة بين الغرب و الشرق و التيّارين الفكريين الليبرالي و الشيوعيّ، اعتبر النظام الرأسمالي أن منافسه الوحيد هو الإسلام، و هو يعتبر أن الشرق الأوسط هو المنطلق الأساسيّ لانتشار الإسلام، حيث أن اغلب بلدانه إسلاميّة. و من أجل أن تشوّه وسائل الإعلام الغربيّة صورة الإسلام، قامت بتصوير التكفيريّين الذين يلجأون الى العنف و الإرهاب على أنّهم مسلمي الشرق الأوسط، و باستخدام هذه الأدوات الإعلاميّة القويّة حاولوا القاء فكرة أنّ الشرق الأوسط هو مركز أزمة بالنسبة الى العالم، و إن سبب قيام الأزمة في هذه المنطقة هو وجود المسلمين فيها، و اليوم يعتبرون الإسلام في الدعاية الغربيّة العدو الجديد للنظام الرأسمالي بعد الشيوعية. و من أجل هذه الدعاية يحتاجون داعماً، و للأسف فإن التيّارات

ص: 536

التكفيريّة توفّر لهم هذه الحجة. إنّ نتيجة ذلك هي عرض صورة عنيفة و متصلبة للإسلام الرحماني، مما يبعد شعوب العالم عن الإسلام الحقيقيّ الخالص.

خلاصة البحث:

وفقا للإطار الذي حدّدته مقالة "نظريّة الواقعيّة البنيويّة لكنيث و التز" فإن النظام الدوليّ فوضويّ، ولا توجد قوّة حاكمة تقوم بالتنظيم على الصعيد الدوليّ. في مثل هذا النظام يُعدّ البقاء هو المبدأ الأوّل للحكومات، و كل دولة تسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنيّة في جو يسوده الصراع. إنّ نفوذ هذه البلدان في هذا النظام يتم تقديره عن طريق القوّة الماديّة مع التركيز على القدرات العسكريّة، و إنّ البلد الذييملك مقدار أكبر من القدرات العسكريّة و البنيوية يستطيع تحقيق أكبر عدد من أهدافه و ضمان مصالحه الوطنية. لذلك فإن ضمان المصالح الوطنية يعتبر مبدئا في هذا النظام، و إن الدول العظمی بسبب امتلاكها ثروات مادية كبيرة تستطيع التأثير اكثر فتضمن مقداراً من مصالحها أكبر مما تفعل باقي الدول إنّ تحليل نشوء و تنامي التيّارات التكفيريّة على المستوى الدوليّيشير الى أن قوی دوليّة مختلفة قد استغلّت هذه التيّارات عبر حقب زمنيّة مختلفة من أجل ضمان مصالحها الوطنيّة، و فيالحقيقة تُعدّ التيّارات التكفيريّة عاملاً مهمّاً جداًفي السياسات الإقليميّة لكلّ من القوى العظمی و بصورة خاصّة بريطانيا و أمريكا.

إنّ ما توصّل له هذا المقال يشير إلى أنّه على الرغم من كون العوامل الفكرية و الملموسة لنمو هذه التيّارات موجودة في المجتمعات الإسلامية، إلا أنّ المصالح التي ضمنتها هذه التيّارات التكفيريّة للقوى العظمی، جعلتها أداة فييد السياسة الخارجيّة للقوى الدوليّة. بعد وضع حجر الأساس للتيّار الوهابيّ في منطقة نجد و ارتباطه بالسلطة السياسيّة لابن سعود، استخدمت بريطانيا هذا التيّار من أجل مواجهة النفوذ العثمانيّ في شبه الجزيرة العربيّة، و عبر بناء علاقة بين هذه المجموعات و آل سعود و تقديم المساعدات الماليّة و العسكريّة لهم، فقد مهّدت الطريق من أجل رشد و انتشار هذا التيّار و شيئاً فشيئاً بالاعتماد على قدرات هذا التيّار التكفيريّ أنهت النفوذ العثمانيّ في شبه الجزيرة العربية مع سقوط آل رشيد.

ص: 537

إنّ تجربة الحرب الباردة في القرن العشرين، تشير إلى أنّ أمريكا باعتبارها من القوى المهمة في النظام الدوليّ، قامت بدعم التيّار التكفيريّ مالياً وعسكريّاً في إطار تنظيم القاعدة في أفغانستان من أجل تحقيق مصالحها الوطنية و الدوليّة في صراعها مع الاتّحاد السوفييتي، و استطاعت التغلّب على منافسها على الصعيد الدوليّ؛ أي الاتّحاد السوفييتي، و هذه كانت ثاني تجربة تستخدم فيها القوى العظمى التيّارات التكفيريّة من أجل تحقيق أهدافها و ضمان مصالحها.

إنّ ثالث تجربة في استخدام التيّارات التكفيريّة كانت في مجال الإسلاموفوبيا و مواجهة انتشار الإسلام في الغرب، في هذا المشروع استخدمت القوى الدوليّة أسلوب وسائل الاعلام من أجل عرض صورة عنيفة للإسلام للتقليل من عوامل نفوذ الإسلام في العالم المعاصر، و آخر تجربة لهم هي الدعم الدوليّ و الإقليمي للتيّارات التكفيريّة في سوريا و العراق من أجل زعزعة محور المقاومة في المنطقة (إيران - العراق - سوريا - حزب الله و حماس) و لكن التيّار التكفيريّ لم يكن أبداً حليفاً استراتيجيّاً و بعيد الأمد للقوى العظمى، بل أنّه كان مجرّد أداة لتحقيق أهدافهم و لذلك حظي بالدعم.

ص: 538

المصادر:

1. اله بداشتي، 2003،، نقد أسس السلفية في التوحيد، مقالات و أبحاث، العدد 74.

2. احمدي، حمید، 1997: البنيويّة فينظريّة العلاقات الدوليّة، مجلة حقوق و علوم

سیاسي، جامعة طهران.

3. آصفي، محمد مهدي، الأمة الواحدة و الموقف

من الفتنة الطائفية، 1432

للهجرة، النجف: مجمع اهل البيت العالمي.

4. امین، محسن، 2008، کشف الارتياب، ترجمة علي أكبر فائزییور تهراني، قم: دار

نشر مطبوعات ديني.

5. بخشي شیخ احمد، مهدي، 2005، الجهاد من ابن تيمية الى بن لادن، راهبرد،

العدد 39.

6. حاجي يوسفي (2004) السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في

ظل التغيرات الإقليمية، طهران: مكتب الدراسات السياسية الدوليّة.

7. حاجي يوسفي، امیر محمد و سلطاني نجاد، احمد (2008) الاستقرار السياسي

في العراق الجديد، مكتب الدراسات السياسية و الدوليّة.

8. حلبي، على أصغر، تاريخ الحركات الدينية المعاصرة، 2011، الطبعة الرابعة،

طهران، دار نشر زوار، ص 98.

9. سبحاني جعفر، الوهابية، الأصول الفكرية و صحيفة الأعمال، 2011، قم، دار

نشر توحيد.

10. سبحاني، جعفر، 2009، المذهب الوهابي، قم، مكتب النشر الإسلامي.

11. خلجي، عباس، 2003، مقاربة السياسة الخارجية الأمريكية للإرهاب، مجلة

الدفاع السياسي الفصلية، العام 11، العدد 46، تشرين الأول.

12. علي زادة موسوي، سيد مهدي، نسابية السلفية و الوهابية، الطبعة السادسة،

2014، قم، دار نشر آواي منجي

13. عباس زاده فتح آبادي، مهدي، 2010 القاعدة بعد 11 أيلول مع التركيز على

القضية العراقية، مجلة السياسية الفصلية، الفصل 401، العدد 2.

ص: 539

14. شیرازي، نور الدين، نظام آل سعود، 1988، دار نشر: فرا اندیش

15. مجموعة من المؤلفين، الوهابية السياسية، 2011، طهران، دار نشر اندیشه سازان نور.

16. شیخ حسيني، مختار، 2014، العوالم الفكرية و الملموسة لنمو داعش

في

العراق، المجلة الأسبوعية بنجرة، العدد 199.

17. شیخ حسيني، مختار، 2014، ثالوث نمو داعش في العراق، في نشرة خاصة

تحليليلة للتيّار البعثي التكفري لداعش، قم، مجمع أهل البيت العالمي.

18. قادري حاتم، 2006 الفكر السياسي في الإسلام و إيران، طهران، دار نشر سمت.

19. کرماني، طوبي، نظرة الالوهابية، مقالات و أبحاث، صيف 1994.

20. کاظمي دينان، سيد مرتضي 2009، أسباب ثورة شيعة السواحل الجنوبية

للخليج الفارسي في العربية السعودية، بحرین، کویت، مؤسسة علم التشيع.

21. قادري حاتم، 2006، الفكر السياسي في الإسلام و إيران، دار نشر سمت.

22. عطوان، عبد الباري، تنظيم القاعدة السري، ترجمة فرزان شهيدي، 2012،

طهران، دار نشر اندیشه سازان نور.

23. فروزي، علي رضا، رسالة التخرج من مرحلة الماجستير من جامعة علامه طباطبائي،

أصول علم الإنسان فينظريّات العلاقات الدوليّة (الواقعيّة و الليبرالية) و الإسلام، 2013.

24. محمودیان، محمد، تأثير الفكر السلفي الحديث على فكر القاعدة و

ايديولوجياتها، تقرير العلوم السياسية، العام السابع، العدد الثالث، الصيف.

25. مشير زادة، حمیرا ( 2009). التغيير فينظريّات العلاقات الدوليّة، طهران: دار نشر سمت.

26. مسجد جامعي، زهرا، نظرة الى تاريخ الوهابية، 2001، طهران، الوزارة الثقافة و

الإرشاد الإسلامي.

27. موسوي مبلغ، سید محمد حسین موسوي 1384، مبلغ، مشکوه العدد 86 الربيع

Waltz, K .(1979)Theory Of International Politcs, New York: Random House.

http://feirahi.halghe.ir/1392/12/25 http://mesc.com.jo/Activities/Act_Saloon/Act_Saloon_17.html

ص: 540

الأثر العكسي للارهاب على الدول الراعية له

مقاربة تحليلية

تأليف: د. محمد هاشم البطاط(1)

المقدمة:

كان و مايزال الفعل الارهابي يمثل احد ابرز الموضوعات الاشكالية حول تفسير العناصر المشكلة لها و الاسباب التي تدفع إلى القيام بها، و كلما ارتفعت مديات التأثير التي يؤثر عبرها الارهاب على مجتمعات العالم المختلفة ازداد السعي صوب تفسير هذه الظاهرة التي ما انفكت عن قتل و ترويع الناس الأبرياء بذريعة التمسك بالدين أو تطهير الارض من الشرك و الانحراف، و على الرغم من كثرة الدراسات و البحوث الساعية إلى مقاربة الفعل الارهابي من زوايا متباينة، بيد ان هناك ثمة نقض في المقاربات الهادفة إلى تحليله من لحاظ الرعاية Sponsorship التي تقدمها جملة من الدول للارهابيين؛ بغية توظيف النتائج المترتبة على اعمالهم الارهابية، و على هذا الأساس يهدف هذا البحث إلى القيام بمقاربة تحليلية للاثر العكسي الذي ينجم عن تمثل مجموعة من الدول المعاصرة لدور الراعي للجماعات الارهابية بطريقة تسهم في بيان كيفية انعکاس اثر الرعاية هذه على نفس الدول التي تقوم بها، لا سيما في ظل میکانزم التحليل المتقوم باسس علم النفس السياسي و الهادف إلى تقديم قراءة علمية لكيفية الانتقال الذهني / النفسي - السياسي للارهابيين من شن الهجمات على دول معينة ارادت الدول الراعية للارهاب من توجيه الارهابيين إلى محاربتها إلى شن الهجمات على نفس الدول الراعية، ومن هنا ينطلق البحث من فرضية مفادها ان هناك ثمة اثر عكسي لرعاية

ص: 541


1- استاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية - العراق

الارهاب الذي تقوم به بعض الدول، و انه سينعكس على هذه الدول في المستقبل، و بغية اثبات هذه الفرضية فقد تم تقسيم البحث إلى المحاور الآتية:

المحور الاول: دلالة و اهداف الدول الراعية للارهاب.

المحور الثاني: الفعل الارهابي و الاثر العكسي على رعاته.

المحور الثالث: مستقبل الاثر العكسي للارهاب على الدول الراعية له.

سيتم خلال هذا المحور تقدیم فهم ماهوي / دلالي للدول التي ترعى الارهاب، و

كذلك مقاربة الاهداف التي تدفعها إلى المخاطرة برعاية جماعات خطيرة تنتهج العنف کوسيلة احادية في التغيير و التعامل مع الآخرين كالارهابيين.

اولاً: دلالة الدول الراعية للارهاب Sposor States of Terrorism: تكشف دلالة الدول الراعية للارهاب عن تبني خيار التعاون و تقديم الدعم للجماعات الارهابية من قبل جملة من الدول، و تلجأ هذه الدول إلى تبني هذا الخيار و انتهاجه بعدما تعتقد ان مصلحتها القومية يمكن ان تتحقق عبر هذا التعاون(1)، و تبدأ الدولالراعية للارهاب بتقديم الدعم و المساعدة اللوجستية و كل ما يسهم في نجاح الارهابيين في تنفيذ العمليات التي تسهم في اضعاف الطرف الآخر الذي يشكل تهديداً للدول الراعية للارهاب، و لعل من الجدير ذكره ان هذه الدول الراعية سترزح تحت وطأة حالة اشکالية معقدة ترتبط في كيفية اقناع الارهابيين بان هذه الدول لاتشكل تناقضاً مع المعتقد الارهابي الذي يعتنقه الارهابيون في الوقت الذي تختلف ایدئولوجيات الكثير من هذه الدول مع ايديولوجية الارهاب، الامر الذي يجعل من الدول الراعية للارهاب في نطاق تحديد مفهومها ترزح تحت و طاة من التناقض الإيديولوجي مع المعتقد الارهابي، وهو ما سيفضي إلى تشخیص جنبة من جنبات البعد الدلالي و المتمثلة بان هذه الدول مستعدة لتبني مختلف الخيارات الشرعية و غير الشرعية في تنفيذ مصلحتها القومية حتى لو قاد الامر إلى تعارض كبير مع مقررات المجتمع الدولي و طبيعة القواعد القانونية التي تحدد خيارات

ص: 542


1- احمد زيدان، الارهاب - دراسة في الاسباب و الأبعاد، ط 2005 م، دار الامل، بیروت، ص 32

تسيير العلاقات بين الدول و هو ما يشي بان هذه الدول تتناقض كلياً مع ما تعلنه من انها مناهضة للارهاب في تعاملاتها و علاقاتها الخارجية مع الدول الاخرى.

و يسعى ديفيد بيترسون إلى تحديد مفهوم الدول الراعية للارهاب بانها

"مجموعة من الدول التي تؤمن بان مصلحتها القومية يجب ان تتحقق بغض النظر عن الوسائل و الآليات التي تنتهجها في سبيل ذلك، و هو ما يدفعها إلى ان تضع يدها بيد الارهابيين و تقدم لهم كل ما يحتاجوه في سبيل تنفيذ عمليات يؤمن الارهابيون انها تعبر عن نزوعهم العقائدي في تنفيذ ما يعتقدون انه جهاد، و في الوقت نفسه تخدم هذه العمليات المصلحة الخاصة للدول

الراعية"(1)،

اي ان تلاقي المصالح بين هذه الدول و الارهابيين يدفع الدول إلى ان تتولى مهمة توفير متطلبات تنفيذ العمليات الارهابية و تقديم الدعم و المشورة إلى الجماعات الارهابية من اجل تحقيق مصلحة مشترکه بین طرفین قد يكونا على اتفاق ايديولوجي في الاسس و قد لا يكونا كذلك(2).

ويشير و ليام سون إلى ان التحديد الدلالي للدول الراعية للارهاب يتمثل في انها تقوم برعاية العمل الارهابي و تقديم الدعم و المشورة و التخطيط للارهابيين ينبغي ان لا يدفعنا إلى اغفال الكيفية التي تتعاطى بها هذه الدول مع الارهابيين و اقناعهم بقبول الرعاية و التعاون معها، الامر الذي يكشف على ان الدول الراعية للارهاب هي دول اما تقترب ايديولوجياً من المعتقد الارهابي كالمملكة العربية السعودية أو انها دول تقوم بتجنيد وكلاء لهذه الدول مهمة التقرب من الارهابيين و الانضمام اليهم کافراد مؤمنين بهذا الفكر، و من ثم تقوم هذه الدول برعاية الارهابيين و عملياتهم من خلال وكلائها، و هذا ما تقوم به الولايات المتحدة

ص: 543


1- David Peterson, Sponsor states of Terrorism.19'Edtion, New York Printing Home 2002. P321
2- يوسف فرج، العمليات الارهابية في ضوء القانون الدولي الانساني، مجلة (القانون الدولي الإنساني) عدد 15 بیروت 2010 م، ص 21

الامريكية(1)، و هكذا لا ينبغي ان يغفل الفهم الدلالي للدول الراعية الارهاب اختلافها الايديولوجي و التخطيطي في القيام بفعل الرعاية، و ذلك لان احد عناصر التاثير في العمليات الارهابية التي يتم تنفيذها انها تقوم على مرتكز الترويع - الترهيب Terror، بشكل يتطلب في كثير من الاحيان القيام بالعمليات الانتحارية التي تودي اولا بروح الارهابي الذي ينفذ العملية، و هو ما يدفع الدول الراعية الى انتهاج آلية تقنع من خلالها الارهابيين - بشكل مباشر أو غير مباشر - إلى انها تؤمن بصحة المعتقد التكفيري، و ان المنهجية التكفيرية في التعاطي مع الآخرين هي الأكثر نجاعة في تحقيق المراد، و نتيجة لتعاظم انتهاج میکانزم رعاية الارهاب من قبل بعض الدول ظهر مصطلح "الارهاب المدعم بالدولة Terrorismn Sponsored by State"الذي يشير إلى عين مضمون الدولة الراعية للارهاب، و الكاشف عن "اتخاذ دولة ما من الارهاب وسيلة بديلة عن الحرب النظامية أو الحرب المعلنة، و توجه انشطتها ضد دولة كبریأو اي دولة اخرى تناصبها العداء و تتصارع معها سياسياً أو عرقياً، و يهدف هذا الأسلوب إلى تحقيق مكاسب سياسية أو غيرها"(2).

و كيما تكتمل دلالة موضوعة البحث يكون من الاهمية بمكان الإشارة إلى الفرق بين مصلحتي "الرعاية Sponsorship" و الدعم Supporting"، فالداعمة تتولى تقديم الدعم للجماعات الارهابية، اي ان الجماعات قد تشكلت و تكونت من عدد من الخلايا الارهابية، و هذا يعني استبعاد دور هذه الدول التاصيلي و اتاسيسي للجماعات الارهابية، في حين ان مصطلح "الراعية" يشمل دور التاسيس و التاصيل و الدعم اللوجستي و

غيره، و هذا ما دفع بنا إلى استخدامه بدلاً من المصطلح الآخر.

ثانيا: اهداف الدول الراعية للارهاب:

تتباين اهداف الدول للارهاب نتيجة جملة من المحددات التي وفقها تهدف هذه

الدول إلى رعاية الفعل الارهابي و الاستعداد للمخاطرة بالتعاون مع الارهابيين، و لعل بالامكان ایراد ابرز الاهداف التي وفقها تلجا الدول إلى تبني خيار رعاية الارهاب:

ص: 544


1- William Son. Terrorism - Study in Thought and Conduct, Second Edition, William House for Printing Service, 2014.p52
2- ماجد موريس، الارهاب - الظاهرة و ابعادها النفسية، ط 1 2005 م، دار الفارابي، بیروت، ص 29

1- التعانق و الارتباط الايديولوجي بين الدولة الراعية للارهاب و الارهابيين، اذ يفضي هذا التواشج في المعتقد إلى ان تقوم هذه الدول إلى رعاية الفعل الارهابي و تقديم المعونة للارهابيين، بل و في أحيان كثيرة، بتاسيس جماعات ارهابية و تولي مسؤولية هندسة الخلايا الارهابية داخل هذه الجماعات، و ربما يمكن القول ان هذا المحدد يعد من المحددات القوية لجملة من الاسباب من اهمها ان التعانق و التمازج الايديولوجي يسهل على هذه الدول مهمة التقرب من الارهابيين و تجنيدهم و شرح كيفية التعاون بينهم، لان التشابه في المعتقد لن يجعلها بحاجة إلى البحث عن آلية التفاف على العقل الارهابي، بل الدخول اليه بشكل مباشر و فتح التنسيق المشترك / المباشر معه، و ايضاً ان هذه الدول لن ترزح تحت وطأة الخشية من تبني الخيارات المتناقضة مع ايديولوجيتها الذاتية، بعبارة اخرى، لن تكون هذه الدول في تناقض بين ما تدعيه في العلن، أو ما تؤمن به من معتقدات، و بین طريقه الرعاية للارهابيين، الامر الذي لن يجعلها في تناقض كما هو الحال عند غيرها من الدول التي تختلف في ايديولوجياتها أو في متبنياتها في العلن مع ما يؤمن به الارهابيون، و لعل من ابرز الأمثلة على الدول التي تتطابق ايديولوجياً مع الإرهاب هو المملكة العربية السعودية(1).

2- التطابق المصلحي بين الدول الراعية للارهاب و الأعمال الارهابية بالشكل الذي يدفع هذه الدول إلى رعاية الارهابيين و تقديم كل ما يحتاجون اليه من دعم، حيث تقتنع هذه الدول بان المحصلة الناجمة عن تنفيذ عمليات ارهابية في مكان ما من العالم سيقود، بشكل أو بآخر، إلى تحقيق مصلحة قومية لها، الامر الذي يدفعها إلى القيام بدور الراعي للارهابيين، و لعل من اوضح الامثلة على ذلك قيام الولايات المتحدة الامريكية برعاية جماعة طالبان الارهابية ابان الاحتلال السوفيتي لافغانستان لدرجة انها كانت تطلق عليهم "مقالتلو الحرية Freedom Fighters" قبل ان تنقلب العلاقة بين الطرفين إلى الصدام و الاحتراب فيما بعد كموشر على الاثر العكسي للارهاب، فعلى الرغم من التباين

ص: 545


1- Daniel brown, the Conflict between East and West, 2nd Edition Chicago University, 2002.0351

الايديولوجي بين امریکا و جماعة طالبان الا ان الأولى سعت و بجهد إلى رعاية الثانية نتيجة التطابق المصلحي بين الاثنين الا و هو محاربة الاتحاد السوفيتي(1).

3- احداث خلل داخل الجسد الارهابي نتيجة السعي إلى احداث تغيير في ميزان القوى داخل الجماعات الارهابية، اذ يكشف هذا المحدد عن ان بعض الدول قد تلجا إلى رعاية الارهاب لاسباب معينة، لكن ضمن محدد توازن القوى داخل الجماعات الارهابية، اذ ليس هدفها الحقيقي هو التوازن بعينه، و انما الاخير هو الهدف اللجوء إلى رعاية الإرهاب سعياً وراء تحقيق الارهاب، و لهذا سعت امارة قطر إلى رعاية تنظيم داعش في سوريا بغية اضعاف الدور السعودي الذي يرعى جبهة النصرة(2).

4- الحاق الاذى بالاعداء: اذ تعمد جملة من الدول الراعية للارهاب إلى القيام بالرعاية بغية الحاق اكبر قدر من الاذى بالدول التي تعاديها دون الحاجة إلى الدخول معها في حرب معلنة، فمن خلال رعاية الارهابيين سيقوم هؤلاء بتحقيق ما تصبو اليه هذه الدول دون الحاجة إلى الدخول في مواجهة معلنة تكون خسائرها فادحة(3).

5- تحصيل القوة الدبلوماسية للتفاوض: تهدف الدول في ضوء هذا الهدف

إلى تحقيق اكبر قدر من القوة الدبلوماسية ابان ولوجها مسرح التفاوض مع الدول التي تعاديها من خلال الضغط عليها بورقة الارهابيين(4)، و ان على الدول المعادية لها الاستجابة لمطالبها في مقابل الكف عن رعاية الارهاب، و هكذا تهدف بعض الدول إلى تقوية

اوراقها التفاوضية من خلال رعاية الارهاب.

6- منع الدول الاخرى من ان تكون قوية: عندما تعتقد بعض

الدول إلى ان مصلحتها القومية ترتبط ایما ارتباط في اضعاف الدول الاخرى و منعها من ان تكون قوية، لايمانها بان قوة هذه الدول سيقود إلى تحجيم دورها اقليميا أو دولياً، و على هذا الأساس تسعى

ص: 546


1- John Houseman, the Contemporary State and Society,3"Edition, Joseph Park Printing 2004, p17
2- William son, op.cit p55
3- Daniel L. Byman, the Changing nature - State sponsorship of Terrorism - Analysis, paper.theSaban Center for Middle East Policy, 2008, p25
4- Ibid, p25

جهد امكانها إلى منع الآخرين من ان يكونوا اقوياء، و لعل من انجح الطرقإلى اضعاف الخصوم يكمن - في اعتقاد هذه الدول - في استنزاف قواها من خلال اذكاء العمليات الارهابية داخل اراضيها، و بالتالي ستستنزف القوى في حرب طويلة على الارهاب، لا سيما في ظل طبيعة قواعد الاشتباك مع الارهاب التي تختلف عن قواعد الاشتباك بين الجيوش في الحروب النظامية، لان الجماعات الارهابية تعتمد كلية الحرب الاستنزافية - الطويلة.

7- تحقيق السيطرة على جزء من دولة الاخرى: من خلال رعاية الارهاب تهدف بعض الدول إلى السيطرة على جزء من دولة تعادیها، اذ بسيطرة الارهابيين على جزء من الدولة المعادية ستتمكن الدولة الراعية للارهاب من التحكم بمقررات الجغرافية التي تمت السيطرة عليها، و فرض ارادتها على الدولة الاخرى، الامر الذي يجعل من الدولة الراعية للارهاب ذات سيادة على جزء من الدولة الاخرى، و بالتالي ستكون الاخرى ترزح تحت وطأة شكل من اشكال الخضوع للدولة الراعية.

8- تحصيل قوة الردع: عندما تشعر بعض الدول بانها تحت ضغط من قبل دولة أو دول اخرى فانها قد تلجا إلى رعاية الارهاب في بعض الدول المعادية أو في المناطق التي تعتبر محطات للنفوذ الاستراتيجي للدول المعادية، مما يمنحها قوة ردع مهمة تسهم في القضاء أو تقليل مخاطر تعرضها للهجوم أو العقوبات من قبل الدول المعادية لها(1).

المحور الثاني: الفعل الارهابي و الاثر العكسي على رعاته

لا يمكن استيعاب طبيعة المجازفة في الفعل الارهابي الا من خلال الولوج إلى طريقة التكفير التي يتداول عبرها الارهابيون نظرتهم إلى الوجود / الدين - المستقبل، اذ ينطلق العقل الارهابي من مسلمة الرجوع إلى نقاوة عبر آلية الارتداد التاريخي إلى سيرة السلف البعيدة عن ملابسات الادخال (البدعي) للدين من قبل المسلمين، و الانطلاق - حسب العقلية الارهابية - إلى تنقية الدين، و بالتالي الوجود و من ثم ضمان المستقبل الالهي على الارض في تمثل المصادیق الدينية، من خلال القيام

ص: 547


1- Ibid p25

بعمليات تطهيرية لحالات الشرك التي هيمنت على الشعوب الاسلامية، و السعي تجاه التخلص منها بآليات القتل - الترهيب - الترويع.

لذا فان الادراك للذهنية الارهابية يتقوم بمجموعة من الاسس الاستيعابية لطريقة تفكير موغلة في التسطيح و انعدام التعمق في تحليل المسائل اي اننا امام رؤية نكوصية لميكانزم التفكير الانفتاحي في التعاطي مع قضايا الدين و الوجود، من هنا سعي الدول الراعية للارهاب إلى تعشيق طريقة التفكير هذه و تنميتها كونها ستسهم في استفحال الحنة الارهابي على الخصوم، سواءاً أكان هؤلاء الخصوم ينتمون إلى الداخل الاسلامي، اي مسلمون يختلفون مع المنظومة التكفيرية للارهابيين، ام من خارج الحيز الاسلامي، اي الذين ينتمون إلى ديانات اخرى، و تسعى الدول الراعية للارهاب إلى توظيف و تعظيم التعارض الفكري أو السلوكي أو الاثنين معاً بين الارهابيين و خصومهم من أجل کسب المنجز السياسي الناجم عن العمليات الإرهابية التي ينفذها الارهابيون(1)، و لعل من الاهمية بمكان الاشارة إلى ان الدول الراعية للارهاب لم تستوعب ان موضوعة التفكير الارهابي لا يمكن التفاهم معه حول قضايا الصداقة و العداوة الا في اطار الممارسة التشابهية مع الفكر و السلوك الارهابيين، و هو امر سيقود في اية لحظة مستقبلية إلى تعارض و تناقض، لاسيما مع الاقرار بان المنحى التكفيري لا يجيد غير آلية العنف في التعامل مع الآخرين وهو امر لا يمكن ان ينجح دائماً في تسيير الدول لعلاقاتها فيما بینها، الامر الذي يعني ان الصدام سيحصل في مطلق الاحوال بين الدول الراعية للارهاب و بين الارهابيين، حيث ان العقلية الإرهابية "تفكر بطريقة ان من معنا هو الخير كله، و من ليس معنا حتى لو لم يكن علينا هو الشر كله، و من اجل ان الاخر هو الشر كله فلا يوجد اي مبرر يمنع من استعمال كل ما يمكن من عنف كي نقصيه عن الوجود ندمره و ننفيه"(2)، في سياق هذه العقلية لا يمكن ضمان الوفاق و الصداقة مع الارهابيين، و هو امر لم تدركه الدول الراعية للإرهاب، أو على الاقل ادركته بيد انها ظنت و تظن انها عبر

ص: 548


1- يوسف سليمان، الارهاب و العنف السياسي - مدخل الى التحليل النفسي، ط 2، 2010 م، موسسة الفكر الديمقراطي، بیروت، ص 82
2- ماجد موریس، مصدر سابق، ص 269

التوافق مع الفعل الارهابي و رعايته انها ستكون بمأمن منه، و هو امر لا يمكن ان يتحقق الجملة من الاسباب لعل من ابرزها، ان فداحة المجازفة و المخاطرة في العمليات الارهابية ناجمة عن اعتقاد الارهابيين ان ما يقومون به في سبيل تطهير الاسلام من مظاهر الشرك التي لحقت به حسب زعمهم باستخدام الترهيب تجاه الآخرين بغض النظر عن الوسائل و العواقب و النتائج، و انهم يطلبون الشهادة من اجل تحقيق هذه الغاية هذا الامر يجعل من الارهابي، ضمن اطار علم النفس السياسي، عبارة عن عقلية منغلقة غير قابلة التفهم طبيعة التغييرات في العلاقات بين الافراد و الجماعات و الامم و الدول فالعنف تجاه الاخر هو الملجا الاول و الاخير في تسيير العلاقة مع الآخرين، و ان الصديق هو من يتوافق مع طريقة التفكير هذه، و العدو من يختلف معها، و بطبيعة الحال فان اية دولة دولة مهما كانت مغرقة في التطرف في سياستها الخارجية لا يمكنها ان تستمر في التعامل مع الدول الاخرى بهذه الآلية، لاسيما وان عالم السياسة متغير بسرعة كبيرة، و العداوة و الصداقة ترتبط بموضوعة الثوابت و الاولويات و المصالح، و التغيير يحصل في اية لحظة لتنتقل دولة ما إلى صديقة الدولة اخرى بعد ان كانت في عداوة معها، هذا الامر لا ينفع مع الارهابيين الذين يفكرون بان الآخر يجب ان يقضي، و ان التحولات بين الصداقة و العداوة ترزح تحت وطأة ضروب كثيرة من الصعوبة و التشدد، و لهذا يشير جوزيف وینسلت إلى ان مشكلة الدول التي رعت الارهاب انها لم تتامل في النتائج اللاحقة التي ستترتب على عمل الرعاية هذا، اذ لا يمكن الاستمرار في كسب ود الارهابيين عبر تقديم الدعم لهم، فالارهابي يفكر بطريقة منغلقة سرعان ما ينقلب خلالها اي شيء إلى عدو له، و ما يزيد من تعقيد الامر ان جميع دول العالم، حتى تلك التي تكشف عن حالة من الاصولية الدينية المتشددة كالمملكة العربية السعودية غير قادرة في المستقبل ان تتماشى مع السياسة الارهابية في التعاطي مع الامور، و بالتالي فان الاختلاف الذي يتم تمريره اليوم بذرائع الاتفاق الاستراتيجي بين الدول الراعية للارهاب و بين الارهابيين سرعان ما سيظهر بشكل يصعب معه تحصيل اي منحى من مناحي التوافق بين الطرفين، و سينقلب

ص: 549

الوفاق إلى صدام، و من التحاشي الاستراتيجي إلى الاحتراب و الاقتتال(1)، و لعل من اجلى الامثلة على هذا الامر الانتقال الذي حصل في العلاقات من التلاقي إلى الاحتراب بين الولايات المتحدة الامريكية و جماعة طالبان الارهابية، فبعد ان كانت امریکا تسمیهم "مقاتلو الحرية Freedom Fighters" تحولوا بين ليلة وضحاها إلى اعداء لها حد الاقتتال، و بطبيعة الحال فان الاعمال، كما يرى المفكر على حرب، ترتد على اصحابها(2)، انقلب الارهابيون الذين رعتهم امريکا عليها، و اضحوا في حرب معها، و ما احداث الحادي عشر من ايلول / سبتمبر الا دليل على هذا الامر، و ليس هذا فحسب بل ان التقارير كشفت عن حجم كبير من التهديد الذي قام و يقوم به الارهابيون داخل الولايات المتحدة الامريكية(3).

ان الاثر العكسي للفعل الارهابي على رعاته ينطلق من ذاتية الانغلاق الفكري الذي يعتري الارهابيين، و الايمان المطلق بالعنف كوسيلة في التعامل الآخر، و تضييق مساحة التزاحم بين الاصدقاء و الاعداء داخل المنظومة الارهابية، الامر الذي جعل الكثير من الدول التي رعت الارهاب، و ايقنت ان رعايتها للاخير ستفضي إلى تحقيق جزء أو كل الاهداف التي دفعتها إلى القيام بهذا الامر، جعلها تعاني العديد من الآثار العكسية التي ردت عليها، فقد كشفت التقارير المسربة ضمن وثائق و يكيلكس إلى وجود العديد من المخططات لتنظيم القاعدة لتنفيذ هجماتداخل السعودية و قطر وتركيا و الاردن و امریکا و اسرائیل و غيرها من الدول تعد من ابرز الدول الراعية للارهاب(4)

ص: 550


1- Joseph Wenslete, the International Policies - an Introduction, 2nd Edition George Grahajre Home. Washington, 2010, p321
2- علي حرب، ثورات القوة الناعمة في الوطن العربي - من المنظومة الى الشبكة، ط 3 1434 ه / 2013 م، الدار العربية للعلوم - ناشرون، بیروت ص 46
3- Stephen downs and others, inventing terrorists - the law fare of preemptive prosecution, study by project salam and NCPCF.2014.P13
4- Michele stockman, terrorism in twenty on century, 1st edition, Nuremburg widen printing home, 2011, p163

و يتعلق الاثر العكسي للارهاب على الدول الراعية له إلى ان السبب في مشكلة الارهاب الحديث تتمثل في طابعها الانتقالي، اي ان الارهاب ظاهرة متنقلة، بحيث انها تتخطى الحدود القومية و تتجاوز سيطرة الحكومات(1)، هذا الانتقال، و الذي يكون في كثير من احيانه سريعاً، يتم تمريره داخل العقلية الارهابية من خاصية متعدد الجوانب، احد جوانبها يعبر عن اقتناع الارهابيين بان الدول بجملتها كافرة ولا تطبق الشريعة الاسلامية بالفهم التكفيري لهذه الشريعة، و في جانب آخر ایمان العقل الجمعي الارهابي بان الحدود التي تحد الدول الاسلامية لا ينبغي لها ان تبقى لانها صنيعة الاستعمار الذي مزق جسد الامة، وبالتالي فان العمليات الارهابية يجب ان تنفذ في مختلف الدول و ليس في دولة ما دون اخرى، و هذا ما يكشف سيطرة تنظيم داعش الارهابي على اجزاء من العراق و سوریا و اعلانه عن نيته السيطرة على اجزاء لبنانية و اردنية، و من ثم التوجه صوب الكويت و السعودية و سائر الدول الخليج العربي، و هكذا ينتقل الارهاب الى داخل دول لطالما رعت الارهاب و قدمت له امکانات هائلة ظنا منها انها ستكون بمنجی منه، و انها ستوظفه لصالحها کسباً للتأثير الاستراتيجي في صنع القرار الداخلي للدول الاخرى.

وقد تمكن الكاتب دانييل بايمان من ان يتوصل في كتابه (الاتصالات المميتة - الدول الراعية للارهاب) إلى تحليل طبيعة العلاقة بين الطرفين، ليذهب إلى ان امكانية انتقال الارهاب إلى هذه الدول يبقى متاحاً، بل وعلى درجة كبيرة من المنطقية لان رعاية الارهاب، في خضم آلية التفكير التكفيرية التي يفكر بها الارهابيون، ستؤدي إلى انقلاب العلاقة من الوئام إلى الصدام(2).

في حين ذهب جوزيف هارت إلى ان الاثر العكسي للفعل الارهابي يتشكل عبر

الدوال الآتية(3):

ص: 551


1- Martha Crenshaw, the psychology of political terrorism, in (political psychology) edited by: Margaret G. herman. 1st edition, p383
2- Daniel L. byman, deadly connections: states that sponsor terrorism, 1 s edition.p
3- Joseph heart, the international terrorism - historical understanding, 2nd edition, London institution for publishing. 2014. p15 - 16

1- وجود قناعة ارهابية بان لا دولة اليوم تحظى بالشرعية الدينية في ممارسة حكامها

للسلطة السياسية و طريقة مباشرة الامور في الدول القائمة.

2- مهما كانت الطريقة التي من خلالها تقوم الدول الراعية للارهاب برعاية الاخير،

فانها عاجزة عن اقناع العقل الجمعي الارهابي بشرعية نظام الحكم فيها، أو دفعه على مجاوزتها و الابتعاد عن التفكير في تنفيذ العمليات و شن الهجمات فيها.

3- كلما كانت الدول الرعاية للارهاب تعتبر دولة اسلامية فان دخولها إلى المجال الانتقامي الذي يمارسه الارهاب وارد بقوة، صحيح ان هذا لا يعني ان الدول غير المسلمة ستكون بمامن من الانتقام الارهابي، بيد انه لا يمنع ايضا من الاقرار بان الدول الاسلامية ستكون اكثر عرضة لخطر الارهاب لجملة من الاسباب، منها قناعة الجماعات الارهابية بان الدول الاسلامية التي تعتبرها منحرفة اخطر من الدول الكافرة؛ لكونها - حسب اعتقاد الارهابيين - تاكل و تنخر بالدين الاسلامي من داخله، و ايضا لكونها قريبة من العمق الاستراتيجي الذي ينطلق منه الارهابيون، و في الوقت نفسه من هذه الدول ما يشكل مجالاً حيوياً للفعل الارهابي، بالاضافة إلى وجود القاعدة الاجتماعية التي تشكل المصدر الاساسي للتجنيد بغية توفير العماد الاجتماعي للتنظيمات الارهابية.

4- في كثير من الاحيان تسعى الدول الراعية للارهاب إلى توظيف

المنجز المتحقق من العمليات الارهابية بالخاصية السياسية، بعبارة اخرى، انها تسعإلى تحقيق مكسب سیاسي مهم عبر رعاية الارهاب، وهو ما اخذ الارهابيون بالالتفات اليه موخراً، و بما ان التفكير الذي يفكر به الارهابيون ضيق و محدود لذا فانهم وضعوا هذه الدول في حساب المناطق المرشحة لحروب استنزاف عبر میکانزمات الاشغال الارهابي الذي يشغل به خصومه، و الغاية من ذلك عدم تقوية الدول الراعية له على حساب قوة التنظيمات الارهابية.

5- و استناداً إلى ما سبق فان الارهابيين بداوا يبحثون عن مصادر تمويل خاصة بهم، و هذا ما يكشف عن سيطرة الجماعات الارهابية على بعض مصادر الطاقة في سوريا کالنفط و الغاز و بيعها و تحقيق التمويل الخاص بها بعيداً عن تأثيرات الدول الراعية و

ص: 552

السعیإلى اضعافها من خلال تنفيذ العمليات الارهابية و ادخال هذه الدول في مفتوحة بنمط الاستنزاف الطويل الذي تجيده التنظيمات الارهابية.

المحور الثالث: مستقبل الاثر العكسي للارهاب على الدول الراعية له.

مازالت العديد من الدول التي عمدت إلى القيام برعاية الارهاب غير مدركة بفداحة الخطر المحدق بها جراء اقدامها على هكذا خيار خطير اذ ان ذاتية العنف عند الجماعات الارهابية تجعلها غير قادرة على التمييز في التعامل مع الاعداء باكثر من آلية، بعبارة اخرى، مهما كانت درجة العداء و الاختلافات الايديولوجية لهذه الدولة أو تلك عن عقيدة هذه الجماعات، فان الاخيرة لا تميز بين حجم التفاوت و المنهج العنفي المستخدم في قتال الخصوم، و بالتالي فان القسوة الارهابية لن تقل تجاه الدول التي رعتها، لاسيما و ان اعتماد هذه الجماعات على العمليات الانتحارية التي يضحي عبرها الارهابي بحياته دفع بالكثير من الدول إلى ممارسة رعاية الارهاب بطريقة خفية و غير مباشرة، و السبب في ذلك ان الارهابيين لا يبحثون عن المال لانفسهم لانهم مقدمون على التضحية بارواحهم تحقيقاً لما توهموا انه الحق، الامر الذي دفع الدول إلى استبعاد الاتفاق العلني مع هذه الجماعات، و اللجوء، في كثير من الأحيان، إلى التعامل السري مع القيادات العليا للجماعات الإرهابية، و ابقاء الامر سراً عن سائر افراد الجماعات، هذا الامر بدات بعض الدول الراعية، كما يرى اسماعيل فادي، بعد ان لاحظت هذه الدول ان الخلايا الارهابية وضعتخططاً و نفذت جزءاً منها داخل الدول الراعية للارهاب، بالشكل الذي اظهر ضرباً من ضروب انقلاب السحر على الساحر(1)، هذا الانقلاب الذي سيقود إلى مستقبل خطر يحدق بالدول التي رعت و ترعى الارهاب، و يجعلها على حافة الهاوية فيما يتعلق بدخولها تحت وطاة العمليات الارهابية، ان العنصر الجوهري الذي يفاقم خطر الارهابيين هو اعتکازهم على مرتكز الحرب الاستنزافية، و تجنب الحروب المباشرة مع الجيوش

ص: 553


1- سلیمان فادي، العقل الارهابي - دراسة في ضوء علم النفس السياسي، مجلة (علم النفس) عدد 26 2011 م، القاهرة، ص 153

النظامية(1)، و بالتالي ستكون الدول الراعية امام حرب استنزافية تقوم على وسائل المباغتة في التفجير أو الهجومأو غيرها من آليات التعبئة العسكرية، هذا الامر يثبت ما حصل في

بعض الدول الراعية كامريكا التي حصل فيها موخراً انفجار مدوي في ماراثون بوسطن Marathon of Boston في عام 2013، أو ما حصل في قطر من انفجار احد

الموسسات عام 2013 و تم الاعلان عن انه انفجار لاحد الانابيب الغازية، و كذلك الانفجار الذي حصل في السعودية عام 2014 م، و غيرها الكثير من التفجيرات التي

حصلت في دول لطالما اعتقدت انها ستكون بمامن من طائلة الارهاب، و قد اعلن ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام "داعش" انه يسعإلى اسقاط انظمة الحكم في الخليج لكونها غير شرعية و انه يسعإلی مد جغرافية دولته غرباً و جنوباً، اذن احد موشرات مستقبل الاثر العكسي للارهاب على هذه الدول انها مقدمة على الدخول في قضايا هي في غنى عنها لو لم تتدخل و ترعى الارهاب تجاه الدول الاخرى(2).

بيد ان الاشكالية المركزية في هذا السياق ترتبط في مديات الادراك عند القرار في هذه الدول تجاه هذا المستقبل الذي تتجه صوبه، يبدو انها ما زالت غير مقتنعة تماماً بطبيعة الملابسات التي هي مقبلة عليها، و لذلك يلاحظ ان العديد من هذه الدول ما زالت راغبة في ديمومة رعايتها للارهاب بالشكل الذي يزيد من مستقبل الاثر العكسي للارهاب عليها على غير ما تروم، خصوصاً في اطار التحليلات المعاصرة للعقلية الارهابية في ضوء منجزات علم النفس السياسي التي توصلت على ان هذه العقلية تنظر إلى المستقبل في الارض بعين السوداوية منطلقة من مسلمة ان السماء / العالم الآخر هو الحياة الحقيقية، و لا ضير في قتل من في الارض جميعاً ما دام سيسهم ذلك في الاسراع بالكافر إلى النار و بالمومن إلى الجنة، و ان العقلية الارهابية لا تومن في داخلها بجميع الانظمة السياسية القائمة اليوم، مهما حاولت بعض الانظمة ان تعلن عن انتسابها للشريعة

ص: 554


1- مع وجود بعض الاستثناءات كما هو الحال في العراق و سوریا و ليبيا حيث هناك مواجهات مباشرة بين الجيوش النظامية و الارهابيين
2- محمد احمد فوزي، الارهاب و الارهاب المضاد، صحيفة الفارس الالكترونية، على الانترنت: WWW.alfaris net

الاسلامية، فالجماعات الارهابية، كما يرى و لیام کراون، تظهر تحليلاتها في ضوء علم النفس السياسي انها جماعات تعيش الحنق تجاه الاخر، وهي غير قابلة لان تتغافل أو تغض النظر عن كفر الآخر بذريعة انه رعاها أو قدم دعماً لها، ولا يمكن اقناع العقلية الارهابية بامكانية تكوين صداقات أو علاقات ودية مع الآخر / المختلف؛ لانها في عجز عن ادراك طبيعة العلاقات الودية خارج دالة العنف و القتل، فاما الحياة مع الاتفاق المطلق، وهذا امر صعب جداً - ان لم يكن مستحيلاً - و اما الترهيب و القتل للآخر الذي وفي عقيدتهم كافر، و بالتالي فان المستقبل الذي ينتظر الدول الراعية للارهاب لا تحمد عقباه(1)، ليقدم الكاتب بعد ذلك نصيحة إلى هذه الدول بالكف عن رعاية الارهاب ان لم يكن لاجل الدول التي تعاني من ويلاته، فعلى الاقل من اجلها هي قبل ان ياتي المستقبل عليها بايام عصيبة، لاسيما وان العنف الذي تنتهجه الجماعات الارهابية على درجة كبيرة من الايلام من اجل تحقيق اكبر قدر من الاستجابة لمطالبها(2).

و ربما يمكن القول ان الجماعات الارهابية تخطط في المستقبل إلى شن هجمات قوية على الدول التي رعتها بعد ان تمكنت من تمويل نفسها ذاتياً، لاسيما بعد سيطرة تنظيم داعش على مصادر نفطية جعلت من اغنى التنظيمات الارهابية - ان لم يكن اغناها على الاطلاق - اذ اشار الخبراء إلى ان وارداته المالية بلغت مليون دولار في اليوم(3)، ما يعني ان التنظيم لم يعد بحاجة إلى الرعاية التي تقوم بها بعض الدول له، و سيكون منعتقاً من الخضوع إلى مطالبها، و الملفت في الامر ان تنظيم داعش، على سبيل امثال، اعلن انه سيضم إلى دولته الجديدة دول شبه الجزيرة العربية مباشرة بعد ان تمكن من بيع النفط المستخرج من حقول العراق و سوريا، و هذا يعني تهديداً لهذه الدول التي منها من قدم رعايةً كبيرة لهذا التنظيم و غيره.

ص: 555


1- Wiliam grown, the future of terrorism in next decade, western studies magazine, Issue 64 2012, cambrige.P26
2- Lbid.p28
3- ينظر التقرير الدولي الذي اعتمدته الامم المتحدة و حذرت من خلاله العالم من خطر هذا التنظيم، و المنشور کملحق في: the democratic magazine - Issue 14.2014,U_K p31

و على هذا الأساس يمكن القول أن مستقبل الأثر العكسي للارهاب على الدول الراعية سيعني انتقال هذه الدول من حالة السلمية التي عاشت تحتها إلى حالة الانشغال بالاستنزاف المتواصل الذي ستداخلها فيها الجماعات الارهابية، و ربما إلى حالة الاشتباك المباشر كما هو الحال في العراق و سوريا، و هذا ما يثبت ان لا مامن من الارهاب و ان الدول الراعية له سيطالها ما كانت تعتقد انها بمنای عنه، و اذا كانت الدول البعيدة في

جغرافيتها عن العمل الاستراتيجي للجماعات الارهابية لم تكن بمعزل عن الأثر العكسي

للارهاب، فان الدول القريبة عليه ستكون بطریق اولی اکثر عرضة لهذا الاثر.

خلاصة البحث:

سعى هذا البحث إلى تقديم مقاربة تحليلية للاثر العكسي للارهاب على الدول الراعية ليتوصل الباحث من خلاله إلى ان اعتقاد الدول التي قدمت رعاية للارهاب بانها ستكون بمنای عنه اثبت خطاه، و ان عليها ان تكف عن قيامها بالتاثير على الدول الاخرى و التدخل في شوونها الداخلية عبر هكذا آلية غير شرعية، لا سيما وان الارهاب يعد ظاهرة لطالما اقلقت العالم، و انها تمتاز بخاصية الانتقال السريع و التمدد من دولة إلى اخرى، و ان العقلية الارهابية غير قابلة للانفتاح و تقبل الآخر مهما قدم لها من رعاية، الامر الذي يجعل الدول الراعية للارهاب امام اشكالية المعاناة و التعرض إلى ما تعرضت له الدول الاخرى، و هو ما يفرض عليها - منطقياً - الكف عن رعايته و التوجه بجدية كبيرة تجاه كل الممكنات التي تسهم في مكافحة الارهاب و درء خطره، ذلك الخطر الذي لن تنجو منه اية دولة مهما اعتقد انها بمامن، خصوصاً بعد ظهور الكثير من البوادر الكاشفة عن تعرض عدة دول تعد راعية للارهاب لهجمات نفذتها الجماعات الارهابية، فضلاً عن التهديدات العلنية التي وجهها اكثر من تنظيم ارهابي إلى هذه الدول في اشارة إلى حصول تغيير في سياسة هذه التنظيمات تجاه الدول التي شكلت تحالفاً مع الارهابيين عبر رعايتها اياهم، و لعل المستقبل بايامه الحبلی سیکشف المزيد من المعاناة و الانتكاس لهذه الدول ما لم تتخل عن رعاية الارهاب و تتجه بصدق و جدية نحو الكف عما قامت و تقوم به تجاه الدول الاخرى.

ص: 556

المصادر: اولاً: الكتب العربية

1. احمد زيدان، الارهاب - دراسة في الاسباب و الأبعاد، ط 1 2005 م، دار الامل، بيروت.

2. على حرب، ثورات القوة الناعمة في الوطن العربي - من المنظومة إلى

الشبكة، ط 3 1434 ه / 2013 م، الدار العربية للعلوم - ناشرون، بيروت.

3. ماجد موريس، الارهاب - الظاهرة و ابعادها النفسية، ط 1 2005 م، دار الفارابي،

بيروت.

4. يوسف سليمان، الارهاب و العنف السياسي - مدخل إلى التحليل النفسي، ط 2

2010 م، موسسة الفكر الديمقراطي، بيروت.

ثانياً: المجلات

1. سلیمان فادي، العقل الارهابي - دراسة في ضوء علم النفس السياسي،

مجلة (علم النفس) عدد 26 2011 م، القاهرة.

2. يوسف فرج، العمليات الارهابية في ضوء القانون الدولي الإنساني،

مجلة (القانون الدولي الإنساني) عدد 15 2010 م، بیروت.

ثالثاً: الانترنت

1. محمد احمد فوزي، الارهاب و الارهاب المضاد، صحيفة الفارس الالكترونية،

على الانترنت:

www.alfaris.net

English Resource: Books:

1. Daniel Brown, the Conflict between East and West, 2nd Edition, Chicago University, 2002.

ص: 557

2 - Daniel L. Brown, the changing nature - state sponsorship of terrorism - analysis paper, the Saban center for Middle East Policy, 2008

3 - Daniel L. Byman, Deadly Connections; States that Sponsor Terrorism, 1st Edition. U.S.A

4 - David Peterson, Sponsor States of Terrorism, 1st Edition, New York Printing Home 2002.

5 - John Houseman, the Contemporary State and Society, 3rd Edition Joseph Park Printing, 2004.

6 - Joseph Heart, the International Terrorism - Historical Understading, 2nd Edition, London Institution for Publishing, 2014.

7 - Joseph Wenslete, the International Policies - an Introduction, 2nd Edition, George GrahajreHome Washington, 2010.

8 - Martha Crenshaw, the Psychology of Political Terrorism, in (Political Psychology) Edited by: Margaret G. Herman. 1STEdition.

9 - Michele Stockman, Terrorism in Twenty one Century, 1st Edition, Nuremburg Widen Printing Home, 2011.

10 - Stephen Downs and Others, Inventing Terrorist - the Law fare of Preemptive Prosecution, Study by Project Salam and NCPCF, 2014

11 - William Son, Terrorism - Study in Thought and Condoct, Second Edition, William House for Printing service, 2014.

1. William Grown, the Future of Terrorism in next Decade, Western Studies Magazine, Issue 64 2012, Cambridge.

K. - Issue 14 .2014 ,U - The Democratic World Magazine - 2

ص: 558

الفصل الرابع: سبل الخلاص والتصدّي للتيارات التكفيرية

ص: 559

ص: 560

سبل الخروج من لعبة الربح والخسارة في التصدي للتطرف الإسلامي في الشرق الأوسط

تأليف: حسین بوراحمدي(1)

تأليف: حامد اسفندیاري(2)

ترجمة: رعد الحجاج

نبذة:

من أهم عوامل تنامي التيارات المتطرفة المحسوبة على الإسلام، الفرص التي توفرها تلك التيارات نفسها لبعض اللاعبين الإيديولوجيين. فعلى سبيل المثال، توفر السعودية و قطر - باعتبارهما أبرز حماة التيارات السلفية و الوهابية - دعماً كبيراً للتيارات المذكورة بهدف تغيير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط لصالح أهل السنة مقابل الشيعة. و في هذا السياق استطاعت السعودية و حلفاؤها في المنطقة - عبر إنفاق أموال طائلة و إقامة علاقات استراتيجية وطيدة مع الدول الغربية و أمريكا - قيادة حملة لمواجهة التشيع، حتى أضحى الوقوف بوجه الشيعة محوراً للنشاطات الاستراتيجية للقوى الإقليمية و الدولية في الشرق الأوسط.

و باتخاذ هذه السياسة من قبل اللاعبين المؤثرين في المنطقة، لن تتحقق الوحدة و الانسجام المنشودان بين دولها في مجال مواجهة التطرف؛ ذلك أنّ دعم التيارات الراديكالية يمثل الورقة الرابحة بيد هؤلاء اللاعبين في سجالهم مع الخصوم. و يبدو أنّ الحل المؤثر في التصدي للتطرف الديني هو العمل على الحدّ من دعم التطرف الديني،

ص: 561


1- أستاذ مساعد و عضو الهيئة العلمية في جامعة الشهيد بهشتي
2- طالب دكتوراه في جامعة الشهيد بهشتي

باعتباره استراتيجية ناجعة و مؤثرة في تهيئة ظروف الربح و الخسارة في مجال العلاقات الإقليمية بين اللاعبين النافذين.

ولا بد من أن يخرج التطرف الديني عن دائرة الضغوطات من خلال التوعية و التثقيف و بلورة آليات مشدِّدة على وظائف اللاعبين و مسؤولياتهم. و سنحاول في هذا البحث معرفة سبل تدوین استراتيجية للخروج من حالة الربح و الخسارة في التصدي للتطرف الديني بين اللاعبين الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط، من خلال الاستفادة من الأسلوب المكتبي و المصادر الإلكترونية.

الكلمات المفتاحية: التطرف، الشرق الأوسط، الإسلام، الربح و الخسارة، الحركات

الدينية.

ص: 562

المقدمة:

إنّ للصراع الديني و المذهبي تاريخاً حافلاً وطويلاً، فتضرب جذوره في عمق التاريخ، و قد كانت دائرة هذا الصراع ضيقة تارة و واسعة أخرى، تمثلت الأولى بالصراع المذهبي و الثانية بالصراع الديني. و في ضوء الأحداث التي ضربت منطقة الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة، خصوصاً بعد مجريات الأحداث في سوريا، و ظهور أبشع أشكال الإرهاب في سوريا و العراق، لم يعد مجرد التأكيد على أسس انطلاق التيارات المتطرفة في المنطقة بمقدوره أن يساعدنا على معرفة أسباب تأسيسها و عوامل استمرار تواجدها و كيفية التصدي لها.

والسياسة الرئيسة التي تعتمدها الدراسة التي بين أيدينا في بحث التطرف الديني في الشرق الأوسط هي التطرق إلى القضايا السياسية و الاستراتيجية و القانونية و الفرضية العملية لهذه الدراسة هي شكل معدل من النظرية الواقعية، تلك النظرية التي تعتبر الدولة في الشرق الأوسط أهم لاعب على مستوى السياسة الخارجية و مصالح النخب الحكومية في تحقيق أكبر قدر من الاستقلال و الأمن.

وتتفق هذه الفرضية مع ادعاء النظرية الواقعية بأنّ الفوضوية - وهي الخصلة الداخلية للنظام الحكومي - تؤدي إلى زعزعة الأمن و خوض حرب واسعة من أجل الحصول على السلطة. وفي ظل غياب الوحدة بين دول المنطقة على الصعيد السياسي و الثقافي و الديني، و توظيف بعض اللاعبين للتيارات المتطرفة و استخدامها كأدوات للضغط، لا يجدي التعاون الإقليمي الصرف في القضاء على خطر التطرف الإسلامي في الشرق الأوسط؛ لأنّ دول المنطقة، و خصوصاً اللاعبون الأساسيون الذين يتمتعون بقابلية كبيرة على المناورة، إما بدافع اقتدارهم الداخلي و إما بسبب الدعم الخارجي - طبقاً لفرضيات هذه الدراسة طبعاً - بصدد مواجهة التحديات و المخاطر التي تهددهم عن طريق إعادة بناء توازن القوى. و لا ريب في أنّ دحر التطرف الديني بحاجة إلى الاهتمام بالأهداف الحقوقية و المؤسساتية و السياسية و الأمنية، فضلاً عن ضرورة تبنّي استراتيجيات ثقافية و إعلامية معينة.

ص: 563

و سنشير في هذه الدراسة بداية إلى عوامل نشوء التطرف الإسلامي في الشرق الأوسط بمقتضى الفرضيات المعتمدة فيها، ثم نستعرض الظروف المتوافرة لحذف استراتيجية الربح و الخسارة من السلطة، دعماً للتطرف الإسلامي في الشرق الأوسط.

1- التطرف في الشرق الأوسط، ظاهرة أم مشروع؟

إنّ التطرف الإسلامي في شكله الحالي، و في سياق انطلاق تنظیمات تكفيرية، يعدّ

تهدیداً جاداً على السلم و الاستقرار في المنطقة، بل في العالم أجمع، و على هذا الأساس أيضاً، ثمة تحديات كبيرة تعترض سبيل هوية الإسلام السياسي في المنطقة، كما أنّ نشر العنف و إضفاء المشروعية على محاربته قد يشكل مقدمة لتحقق الرؤى الغربية في إقصاء الإسلام عن العلاقات السياسية بين البلدان الإسلامية و علاقاتها الخارجية.

على أنّ الأنموذج الغربي يرى الإسلام دائماً في النقطة المقابلة لتوجهاته الحضارية، و ربما يعود ذلك إلى الصراع التاريخي العريق، حيث يمكن مشاهدة أمثلة عليه في الحروب الصليبية. و في إطار مساعي المفكرين المسلمين في استكناه أسباب تخلف المسلمين، يُلاحَظ اهتمام كبير منهم بالاستراتيجيات الغربية الرامية إلى مواجهة العالم الإسلامي. و مع تأسيس الكيان الصهيوني في المنطقة و في مركز المتغيرات الإسلامية، و بالتحديد في أرض مقدسة باسم فلسطین، ازدادت حدة الصراع و احتدمت المواجهة بين الحركات الإسلامية و بين إسرائيل و حماته الغربيين. وفي خضم ذلك الصراع بين الشعوب المسلمة و الكيان الصهيوني من جهة و المؤامرات الغربية من جهة ثانية، نری بعض دول المنطقة الموالية للغرب تعمل على وضع العصي في دواليب تلك الحركة، الأمر الذي أسفر عن بروز توجهات في سياق الحركات الجهادية؛ ولذا فعند البحث عن أسباب نشوء الفصائل الجهادية في البيئة الإسلامية، لا بد من التأكيد على أنّ المنشأ الأول لهذه الفصائل و الحركات هو المقاربات المتنوعة الاتجاهات و المتعددة الأطراف.

أما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، و في ظل إدارة الجبهة الغربية - العربية - الإسرائيلية، تحول ذلك الصراع إلى صراع داخلي ضيق في سياق التطرف الديني. و في الحقيقة، يتخذ الجهاد الابتدائي الذي يعدّ من مقومات الإسلام طابع الدفاع مقابل الكفار الذين يهدفون إلى الاستيلاء على المجتمع الإسلامي. و بمقتضى الآيات القرآنية الخارجة

ص: 564

عن دائرة البحث في هذه المقالة، يكتسب الجهاد المشروعية في مواجهة الكفار الحربيين، ما يعني أنّه يجب على المسلمين أن ينتهجوا سبيل الصلح و الاعتدال حتى مع الكفار غير الحربيين. غير أننا اليوم نشاهد أنّ المتطرفين ممن يسمون بالمجاهدين من أهل السنة المنتحلين لصفة الإسلام يتشدقون بالجهاد ضد الفرق الإسلامية المختلفة، و خاصة الشيعة، و سنبين في الأسطر القادمة العوامل وراء استمرار بقاء هذا التيار في العالم الإسلامي خصوصاً و الشرق الأوسط عموماً.

1- 1- الصراع متعدد الأطراف: النزعة الإسلامية تيار ذو هوية متميزة

إن اعتبرنا النزعة الإسلامية بمثابة الالتزام بالإسلام بصفته مصدراً ذا هوية متميزة مقابل بعض التوجهات، مثل الاستبداد الداخلي و الغرب و الاستعمار، مما قد يتزامن مع اللجوء إلى الأعمال الجهادية و يُعرف في أدبيات الساسة و الكتّاب الغربيين بالراديكالية الإسلامية، فلا بد من أن نقول بأنّ العامل الرئيس لتشكيل مثل هذه التيارات في العصر الحالي هو الصراع مع الغرب و النماذج السياسية المرتبطة بها في البلدان الإسلامية. و في هذا الإطار، أكد لهود و جونز في تعريفهما للنزعة الإسلامية على الوجه المميز للإسلام في صراعه مع الآخر، مشددين على التعريف الذي يعتمد على الجانب الديني لا المذهبي:

«تكشف النزعة الإسلامية عن الالتزام بالإسلام على مستوى إيديولوجية معينة، و تشير إلى فئة من الأشخاص يستفيدون من الإسلام للتعريف بهوياتهم السياسية. و تؤمن المجاميع الراديكالية بأنّه يجب إعادة العالم السائر باتجاه الظلم و عدم الاتزان إلى المسار الصائب عن طريق الإيديولوجية الإسلامية. و بالتالي، فهي تستخدم هذه الذريعة لتبرير اللجوء إلى السلاح و ممارسة أعمال العنف

التحقيق أهدافها»(1).

ص: 565


1- Nelly Lahoud and Anthony H. Johns (2005) Islam in World Politics, United States: Palgrave P: 16

وقد تناول انوشیروان احتشامي في مقال حمل عنوان «الإسلام كقوة سياسية في السياسات الدولية» في كتاب «الإسلام في السياسات الدولية» شرح أبرز التوجهات في مجال أسباب نشوء الحركات الأصولية في البيئة الإسلامية، و بيّن أنّ العوامل الخارجية تشكل أهم مناشئ هذه الحركة(1).

وكان الزعماء الفكريون للتيارات الإسلامية يدعون إلى تعزيز النزعة الإسلامية في مجال التصدي لتحديات الأنظمة الاستبدادية الغربية و الاستعمارية؛ و لذا يمكن الادعاء بأنّ تأسیس و نمو النزعة الإسلامية التي اتخذت طابعاً جهادياً ما هو إلا ردة فعل تجاه الأزمات التي أفرزتها مشاريع صناعة الحكومات و تشکیل الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، أزمات من قبيل الفقر المتزايد، و الحرمان الاجتماعي، و الفساد، و الخروج عن القانون، و تبعية الحكومات للغرب لتوفير الأمن، و التبعية الاقتصادية للغرب، و انحدار الشرعية السياسية، وعدم الاستقرار السياسي بفعل عدم تطبيق أنظمة سياسية فاعلة، و الأنظمة السياسية غير الملبية للطموحات. وفي الحقيقة، وظّف المسلمون الإسلام لإعادة بناء النظام العام الحديث(2).

كما أنّ النزعة الإسلامية في سياقها متعدد الأطراف تعدّ شكلاً من أشكال القومية الثقافية التي تمثل رداً محلياً على ضعف الاقتدار الاجتماعي و السياسي التقليدي. و على هذا الأساس، أكد مایکل فیشر على أنّ تبني منهج الراديكالية ما هو إلا رد فعل على انحطاط الثقافة الإسلامية(3). و على حد زعم بعض المحللين، فإنّ النزعة الإسلامية قد تكون ردة فعل تجاه ظاهرة العولمة بعدما جرت محاولات لتحدي مقومات الحياة في المجتمعات غير الغربية في جميع شؤونها الاقتصادية و السياسية و الثقافية.

ص: 566


1- Nelly Lahoud and Anthony H. Johns (2005) Islam in World Politics, United States: Palgrave, P: 31
2- Taylor, A. (1988) The Islamic Question in Middle East Politics, Boulder: West view Press
3- Fischer, M. (1982) 'Islam and the Revolt of the Petit Bourgeoisie’. Daedalus, vol. 111, no. 1, pp. 101 - 125

وذهب احتشامي في كتابه الآنف إلى أنّ السبب الرئيس لظهور النزعة الإسلامية الراديكالية هو النزعة القومية الثقافية الرامية إلى تحدي غرينة العالم. فإلى جانب مساعي الولايات المتحدة في فرض قيمها على جميع نقاط العالم و اعتبارها قيم عالمية، مضت التوجهات الإسلامية في صراعها مع السنن و القوانين السائدة و عملت على منع تغلغلها إلى المجتمعات الإسلامية(1).

قال نیلي لهود و أنطونيو جونز بشأن استمرار وجود النزعة الإسلامية في المنطقة: «لا زالت تداعيات الاستعمار الأوربي ماثلة إلى اليوم في مجال إعادة بناء نظام جديد في المنطقة، فثمة اختلافات جادة بين الإسلاميين و الغربيين بسبب المشاكل المتعلقة بالحدود و الاقتصاد و القومية و غيرها مما فرضته القوى الكبرى على هذه الدول»(2).

وفي أبرز تقييم في هذا المجال، يعود ظهور النزعة الإسلامية إلى صراع الحضارات بین دار الإسلام و العالم المسيحي الغربي. و كان برنارد لويس أول من أثار هذه القضية عام 1990 م، غير أنّ صاموئيل هنتنغتون أضفى على هذا الموضوع طابعاً عاماً في عام 1993 م، و أثبت أنّ الصدام بين الحضارات سيطغى على الإيديولوجيات المختلفة و سيتغلب على كل أشكال الصراع الأخرى.

وكما هو واضح من الاستدلالات المذكورة، يمكن القول: إنّ أول ظهور للنزعة الإسلامية بمعنى الالتزام بالإسلام من حيث كونه مصدراً ذا هوية متميزة مقابل الخصم في العصر المعاصر، و الذي يتخذ في بعض الأحيان طابعاً جهادياً، يعود إلى المواجهة مع الغرب و النماذج السياسية التابعة له في البلدان الإسلامية. بيد أنّ هذا الموضوع تحول بمرور الزمن و بواسطة إدراك أمريكا و إسرائيل لمخاطر النزعة الإسلامية إلى مشروع داخلي، بمعنى أنّه بتشظي الإسلام برزت فيه هويات مختلفة أضحت فيما بعد منشأ للصراعات المتطرفة. و سنبحث في السطور القامة أسباب نشوء و تفاقم هذه الأزمة في الحياة السياسية و الاجتماعية في الشرق الأوسط.

ص: 567


1- Fischer, M. (1982) *Islam and the Revolt of the Petit Bourgeoisie’, Daedalus, vol. 111, no. 1, pp. 45
2- Fischer, M. (1982) *Islam and the Revolt of the Petit Bourgeoisie’. Daedalus, vol. 111, no. 1, pp.9

1- 2- تحول الأصولية الإسلامية إلى تطرف داخلي

إنّ السبب الرئيس لنشوء الحركات الإسلامية - كما اعترف بذلك أبرز الخبراء في الشرق الأوسط - هو التصدي للغرب و إسرائيل، و كان هذا الأمر يشكل خطراً كبيراً على مصالح الغرب و الكيان الصهيوني الذي لم يمضِ على تأسيسه الكثير؛ و من هنا ما إن انتصرت الثورة الإسلامية في إيران ذات الهوية الشيعية حتى توفرت الفرصة المناسبة لانطلاق التطرف الديني لدى أهل السنة تجاه الشيعة و إيران. و كان الهدف من هذا الأمر هو التصدي للتهديد الإيراني من جهة، ثم احتواء احتجاجات الشعوب المسلمة في المنطقة ضد الغرب و إسرائيل من جهة ثانية.

وحول الأسباب الكامنة وراء عداء الغرب، و أمريكا على وجه الخصوص، مع الإسلام، لا بد من القول إنّ المزايا الثقافية لمنطقة الشرق الأوسط تشكل تهديداً لمصالح الليبرالية الديمقراطية للغرب و النظام الرأسمالي في العالم بقيادة أمریکا؛ و لذا فإنّ مساعي أمريكا للقضاء على هذه التهديدات يعدّ أمراً استراتيجياً للبيت الأبيض(1).

وقد أشار الكتّاب و المفكرون إلى الأسباب الأخرى لنشوء التطرف الداخلي - فضلاً عن دور أمريكا و إسرائيل في هذا الأمر - منها ماهية منطقة الشرق الأوسط، و القضايا المتعلقة بالهوية، و مقتضيات السلطة. ولم تتشكل أية معادلة مستقرة في الشرق الأوسط تقريباً، و يمكن اعتبار سبب ذلك هو تدخل بعض الدول و القوى المؤثرة في هذه المنطقة. فكانت أمريكا بصدد تحجيم الدور السياسي لإيران و التقليل من شأنها عن طريق دول الخليج الفارسي، خصوصاً تحالف العراق و السعودية(2). و هذا دفع أمريكا إلى دعم اللاعبين الأساسيين في المنطقة، و على رأسهم السعودية التي تختلف إيديولوجياً مع الجمهورية الإسلامية و تشعر بالخطر الداهم من انتشار الإسلام السياسي الذي تدعو له إيران و تتعامل معه كتهديد جدّي.

ص: 568


1- دهشیار، حسین، (2003 م)، سیاست خارجی آمریکا در آسیا، طهران: منشورات مؤسسة أبرار للثقافة و الدراسات الدولية في طهران، ص 23 - 41
2- Hurd, Jerald (2010) Legitimacy and Strategic Behavior. The Instrumental Use of Norms in World Politics, December, www.World Public Opionion.org, P: 35

وعلى الرغم من ذلك، ترجح الولايات المتحدة الأمريكية الوقوف إلى جانب هذه الدول على الصعيد المادي و المعنوي؛ بغية تعزيز الانقسام في المنطقة لتحقيق مآربها التي منها الجم التهديد الإيراني و منع إيران من تصدير القيم الثورية إلى البلدان الأخرى، و شغل دول المنطقة بالنزاعات القومية و الدينية لتبديد طاقاتهم و الحيلولة دون تشکیل وحدة استراتيجية و تصميم أنموذج من الإسلام السياسي الناجح و المناهض لأنموذج الحضارة الغربية، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، لا ينبغي تجاهل الظروف السائدة في المنطقة التي فاقمت من التطرف الديني، فلا يخفى أنّ منطقة الشرق الأوسط تحولت في العصر الراهن إلى مركز للأزمات العالمية، بعدما كانت حبلى بالحروب الطويلة. فتُشاهَد فيها الفوضى و عدم الاستقرار أكثر من أي منطقة أخرى، علماً بأنّ الفوضى و عدم الاستقرار من أهم

خصائص نظام الحكومات من وجهة نظر المذهب الواقعي في السياسة الدولية(1).

و قد ذهب بعض الباحثين إلى أنّ الاختلافات في الشرق الأوسط دائمية بسبب وجود بعض العوامل، و منها التكوين الناقص للأنظمة، مؤكدين على أنّها تعاني على الدوام من النقص في الطاقات الأخلاقية المنسجمة(2). و من أهم أسباب هذا النقص التعارض في الهوية و دخول السلطات على الخط. على أنّ الهوية القومية توجد الشعور بالوفاء و تعزز الارتباط العاطفي العميق(3). فليس بمقدور الحدود الجغرافية بين الدول المختلفة إجبار من يؤمن بالنزعة القومية على الإغضاء عن هواجسه تجاه الوضع الذي يعيشه أبناء جلدته في سائر الدول ولا سيما الدول المجاورة، و قطع ارتباطه العاطفي بهم. و من المسلّم به أنّ استمرار هذا الارتباط و زيادته يترك تأثير كبيراً على قرارات الساسة و توجهات الدوائر الحكومية على صعيد السياسة الخارجية(4).

ص: 569


1- حنّا بوش، ریموند و احتشامی، انوشیروان، (2010 م)، سیاست خارجی کشورهای خاورمیانه، ترجمة: رحمن قهرمان پور و مرتضی مسماح، طهران: منشورات جامعة الإمام الصادق علیه السلام، ص 1
2- عابدي، مهدی، (2009 م)، باز تولید بحران در ساختار امنیتی خاورمیانه: به سوی شناسایی یک ابر بحران، الجامعة الإسلامية الحرة في شهر رضا، دورية: تحقیقات سیاسی و بین المللی، العدد الأول الربيع، ص 65 - 90
3- Horowitz, Donald, ethnics Group in conflict, Berekly: University of California Press, 1985,P: 21
4- حق بناه، جعفر، (2011 م)، هویت، قومیت، و سیاست خارجی در خاورمیانه، طهران، دورية: سیاست، مجلة: معهد الحقوق و العلوم السياسية، الدورة 41، العدد 1، ص 81 - 95

و على هذا الأساس، لا بد من فهم المشاكل المتعلقة بالهوية و جعلها من الأولويات في منطقة الشرق الأوسط. وفي الحقيقة، أدى تشتت الأقوام و المذاهب المختلفة في هذه المنطقة و توزيعها في بلدان مختلفة إلى توفير الفرصة لبعض اللاعبين فيها لاستغلال هذا العنصر و اعتماده كأداة لنيل السلطة في سبيل تعزيز دائرة نفوذه. و بهذا فإنّ معضلة الهوية مهدت لتجاذبات إقليمية في سياق التطرف الديني في المنطقة.

ذكرت حنّا بوش في كتابها نقلاً عن غاوس(1) أنّ أحد المظاهر البارزة لضعف الارتباط بين دول المنطقة و شعوبها هو مبدأ التحررية(2) الشائعة و الذاتية في تلك المنطقة، و المقصود بمبدأ التحررية هو السخط من التوافق على الخطوط الحدودية أو «الحدود المتصوَّرة للمجتمعات»، وهو ناشئ من الانقسام المستمر للمجتمعات (العرقية أو الدينية)، فيؤدي إلى نشوب النزاع على الأراضي، و في النتيجة، تشكك كل دولة بحدود الدولة الأخرى و تدعم التجمعات الناقمة على بعضها، ما يدفع إلى التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، و قد يصل الأمر إلى المواجهة العسكرية بين دولتين(3).

2- عوامل إخفاق نشر التطرف الديني في الشرق الأوسط

يمكن أن يستفاد بصورة قطعية من مجموع الشواهد المتوافرة أنّ هناك شبكات إقليمية و دولية تقوم بقيادة التيارات الدينية المتطرفة. و في الحقيقة، ينفي أغلب الخبراء في الشرق الأوسط الأصالة عن الحركات المتطرفة في المنطقة؛ لأنّهم يرون أنّ التيارات التقليدية المرتبطة بالحركات الراديكالية في العالم الإسلامي ستقوم - من خلال لعب أدوار سياسية و اجتماعية - بإجراء تعديلات جادة تفضي إلى الانحلال في الإسلام السياسي العلماني أو - بدرجة أقل - الإسلام السياسي المدني.

ص: 570


1- Gause
2- Irredentism
3- هنّا بوش، ریموند و احتشامی، انوشیروان، (2010 م)، سیاست خارجی کشورهای خاورمیانه، ترجمة: رحمن قهرمان پور و مرتضی مسماح، طهران: منشورات جامعة الإمام الصادق علیه السلام، ص 28 - 29

2- 1- نفي الأصالة الذاتية عن الحركات المتطرفة

قال أحمد ممتاز في مجال عدم أصالة التطرف المنسوب إلى الإسلام بين الجماهير

المسلمة في المنطقة و الأحزاب السياسية الإسلامية:

«من أهم أسباب الإقبال النسبي على الأصوليين في بعض الدول الإسلامية، بُعدهم عن الساحة العملية للسياسة و الأمور التنفيذية اليومية في الدولة، و بسبب التعليمات غير المدونة لهؤلاء الأصوليين تكوّن لهم تاريخ ناصع و جذاب من جهة، و اكتسبوا أنصاراً و أتباعاً كثيرين من بين الناقمين على سياسات الدول الحاكمة بفعل انتقاداتهم المثالية الشديدة من جهة أخرى. و بما أنّهم لا يستطيعون تشکیل حکومة، فإنّهم سيحافظون على هذه الصورة الناصعة. و في الموارد التي تمكنوا من بلوغ السلطة، سلكوا أحد طريقين: إما غيّروا اتجاه حركتهم بسرعة صوب العقلانية و تعديل الشعارات المتطرفة و المثالية و القبول باللوازم العرفية لإدارة الجهاز التنفيذي، و إما فقدوا شعبيتهم بمنتهی السرعة بسبب الإخفاق و الفشل. و من الأمثلة على الفئة الأخيرة، يمكن الإشارة إلى الجماعة الإسلامية في باكستان التي حصلت في حكومة ضیاء الحق عام 1978 م على أربع وزارات هي: الاستخبارات،

الإذاعة و التلفزيون، الماء و الكهرباء، التخطيط و التنمية. لكنّ ثلاث وزارات منها سرعان ما أثبتت فشلها الذريع ولم تستطع مواصلة

إدارتها بالشكل المطلوب»(1).

كما أنّ احتشامي لا يرى أصالة أنساق النزعة الإسلامية ذات التوجهات العدائية في

المنطقة في إقامة أنظمة سياسية، و قال في خصوص استمرار التطرف:

«يكفينا الإشارة إلى مثال واحد لإثبات فقدان الرؤية الإسلامية للسياسات الدولية، فكانت ردود الفعل تجاه تدخل القوى الغربية في

ص: 571


1- Ahmad, Mumtaz (1990) Islamic Fundamentalist in South Asia, Chicago: University of Chicago Press, p: 408

شؤون الدول الإسلامية في كل من العراق و افغانستان مخالفة لطبيعة النزعة الإسلامية الراديكالية، إلى درجة أنّ بعض الحكومات الإسلامية مثل باكستان الداعمة لحركة طالبان بقوة وقفت إلى جانب أمريكا في

هجومها على أفغانستان»(1).

و رفض لهود و جونز أيضاً الأصالة الذاتية للتطرف في الفكر الإسلامي، و قالا:

«الموضوع المهم هو هل الإسلام دين السلام أم الاعتداء؟ و هل المحصول النهائي لهذا الدين هو السلام أم الحرب؟ فالإسلام كسائر الأديان الأخرى من الممكن أن يقود إلى أيٍّ من التوجهين المذكورين. و من المحتمل بروز توجهات و تصورات جديدة في الفكر الإسلامي مثلما هو الحال في الأديان الأخرى أيضاً، لكنّ النقطة الجوهرية تتمثل بأنّ بعض التوجهات الموجودة في هذا الدين أدرجت بعض الأبعاد

غير الدينية في دائرة العلاقات الدولية ضمن دائرة الدين»(2).

على أنّ نفي أصالة التطرف في سياقه الديني أو المذهبي يفتح مجالاً أمام تقدير آخر لعوامل استمرار الحركات المتطرفة في الشرق الأوسط في سياق استراتيجية موازنة القوى.

2- 2- عدم جدوى دعم التطرف الديني کاستراتيجية لموازنة القوى

تخضع الجغرافية السياسية في الخليج الفارسي بعد انهيار العراق إلى نفوذ أقوى دولتين في المنطقة، و هما إيران و السعودية اللتان تمتلكان مزايا فريدة من نوعها مقارنة بباقي بلدان المنطقة، ما جعلهما يتر كان تأثيراً عميقاً على الأحداث الجارية في المنطقة و الأجواء السياسية السائدة فيها(3).

هذا، و لم تكن للسعودية القدرة الكافية لتوسيع دائرة نفوذها خارج حدودها الجغرافية في عقد الخمسينات من القرن الماضي، لكنّها استطاعت فرض نفسها على واقع الاقتصاد العالمي بعد عام 1973 م، بفعل ارتفاع قيمة البترول الأمر الذي أسفر عن زيادة نفوذها في

ص: 572


1- Nelly Lahoud and Anthony H. Johns 2005:45
2- Nelly Lahoud and Anthony H. Johns 2005: 24
3- Christin, Marschall (2003): Iran's Persian Gulf Policy, Routledge Curzon Pub, P: 70

المنطقة إلى حدٍّ ما. و في السياق ذاته، عمدت السعودية عام 1981 م إلى توسيع دائرة نفوذها أكثر من ذي قبل عن طريق تأسیس «مجلس التعاون الخليجي»، هذا من جهة. و من جهة ثانية و إلى جانب ذلك، بذلت السعودية جهوداً كبيرة لزيادة نفوذها في دول العالم الإسلامي و العالم العربي اعتماداً على مليارات الدولارت من العائدات النفطية و إصدار الصحف و المجلات المختلفة و إطلاق الإذاعات و القنوات الفضائية و تأسیس مراكز للطباعة و النشر و مدارس دینية متعددة. و كان الهدف الرئيس من هذه الأمور يتمثل بإشاعة الأفكار و الآراء الوهابية السلفية إزاء الإيديولوجيات العلمانية و القومية و الليبرالية بل و الشيعية أيضاً، مما كان يشكل تهديداً للسعودية(1).

و بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 م، توفرت للسعودية فرصة أكبر من إيران لتنفيذ سياسة موازنة القوى من خلال مواكبة الاستراتيجيات العدائية لأمريكا تجاه الجمهورية الإسلامية.

لقد سيطر الهلع على قادة الرياض نتيجة تعزيز مكانة إيران في المنطقة عبر تشکیل دولة شيعية في العراق و قوة حزب الله في لبنان و الأسد في سوريا، الأمر الذي دفعهم إلى سياسة الاحتواء تجاه ما أسموه ب-

«الهلال الشيعي». و لا ريب في أنّ هذه السياسة التي تنتهجها السعودية بمعية بعض دول المنطقة كقطر وتركيا تحتم دعم الحركات المتطرفة في سوريا و العراق و لبنان و اليمن و مساندة الديكتاتورية في البحرين. و يرى المسؤولون السعوديون أنّ دعم هذه الشبكات المتطرفة لا بد من أن يشكل استراتيجية، وهو ما عبّرت عنه قناة العربية الفضائية ب «هلال داعش»(2).

ص: 573


1- حاتمي، محمد رضا، (2011 م)، تحولات و ساختار منطقه خاورمیانه، طهران، دورية: روابط خارجی، السنة الثالثة ، الثالثة، العدد الرابع، ص 218 - 219
2- http://www.alarabiya.net/ar/arab - and - world/2014/06/13

ولا يخفى أنّ جزءاً مهماً من أسباب شيوع التطرف الديني في المنطقة مرتبط بدعم القوى الأجنبية. و في هذا المجال، قال روبرت هفنر حول دور القوى الخارجية في زيادة تطرف الحركات الإسلامية:

«أصيبت الولايات المتحدة بالرعب بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م المعروفة بتوجهاتها الشيعية، فعملت على منع انتقال هذا التغيير إلى باقي البلدان الإسلامية، و كان الهدف من ذلك هو التصدي للإيديولوجية الشيعية؛ و لذا توفر دعم كبير من السعودية لتعزيز الشبكات الوهابية في البلدان الأخرى ليتسني من خلال ذلك الحدّ من الحركة الشيعية في المنطقة. و لم تكن أمريكا تعي بأنّ الحركة الوهابية تعلّم أتباعها

خطابة متطرفاً جداً، ولم تكن تتساهل مع الآخرين مطلقاً»(1).

وأكد راي تکيه و ولي نصر في مقال تحليلي نُشر عام 2008 م و حمل عنوان «ثمن احتواء إيران: السياسات الخاطئة لأمريكا في الشرق الأوسط» على أنّ أمريكا لا زالت تدعم بعض الحركات و التيارات الداعية إلى التطرف الديني في المنطقة في إطار تصديها للثورة الإسلامية في إيران ذات الماهية الإيديولوجية و الشيعية، في حين أنّه لم يسبق وجود حركات إرهابية شيعية في المنطقة مطلقاً(2).

إنّ أمريكا وحلفاءها في المنطقة يحاولون إدارة معادلة التغيير الحاصل لصالحهم؛ لأنّ الولايات المتحدة ترى أنّ تغيير توازن القوى في الشرق الأوسط يتقاطع مع مصالحها بسبب سرعة الأحداث المتلاحقة و لعب الشعوب المسلمة دوراً في التغيير. كما أنّ السلوك المنطقي للجمهورية الإسلامية أسهم في تغيير ميزان القوى لصالح إيران خلافاً المحور أمريكا و الكيان الصهيوني(3).

ص: 574


1- Robert W. Hefner (2005) Remaking Muslim politics: pluralism, contestation, and democratization, Princeton University Press, P: 22
2- http://www.foreignaffairs.com/articles/63048/vali - nasr - and - ray - takeyh/the costs - of - containing - iran
3- عبد اللهيان، أمير، (2011 م)، ناکامی طرح خاورمیانه بزرگ و خیزیش بیداری اسلامی در جهان عرب: دراسة خاصة بالبحرين، دورية: مطالعات راهبردی، السنة الرابعة عشرة، العدد الثاني، ص 21

وقد تجلى إخفاق سياسة دعم التطرف التي تنتهجها أمريكا و بعض اللاعبين في المنطقة طيلة السنوات الماضية، و في الحقيقة استطاعت الجمهورية الإسلامية في إيران إثبات عدم جدوى دعم التطرف و التعويل عليه كأداة ضغط من قبل القوى الإقليمية و الخارجية، و ذلك اعتماداً على قدراتها الداخلية و طاقة القوى الشعبية المتزايدة في المنطقة.

2- 3- ترحيب شعوب المنطقة بالإسلام المعتدل و الفاعل

من الأمور الأخرى التي ساعدت على إفشال استراتيجية دعم التطرف، الإقبال الشعبي الواسع من المسلمين على أنموذج حكومة الديمقراطية الدينية التي أفرزت نظاماً سیاسياً، يرفض اللجوء إلى استراتيجية العنف، و يلبي تطلعات جميع شرائح المجتمع، و يدعو إلى تنمية قدراته و النهوض بواقعه. و من هنا، فإنّ حركة التجديد الإسلامي أو التيار المعتدل - على الرغم من وجود آراء مختلفة داخل الأحزاب المنضوية تحت لواء هذا التيار - تنبذ العنف و ترفض استعمال القوة و اللجوء إلى الصراع المسلح لتشكيل نظام إسلامي و حكومة إسلامية، و تؤمن بتشكيلها عن طريق الانتخابات. كما تتحدث عن إيمانها بالديمقراطية و التزامها بالتعدد السياسي.

إنّ حركة التجديد الإسلامي و الإسلام المعتدل بصدد مزج الدين بالأفكار العصرية، و هي تضم نسيجاً متنوعاً و واسعاً، بعضه متطرف و الآخر معتدل، ابتداءً بأنصار الحكومة الإسلامية المعتدلة و انتهاءً بأتباع الفصل بين الدين و الدولة أو فقل: العلمانية السياسية، حيث يؤمن من يندرج في القسم الأخير بأغلب خصائص الحداثة، من المساواة بين الرجل و المرأة إلى التعددية السياسية. فحزب النهضة في السودان، و حزب العدالة و التنمية في تركيا، و التركيبة الأساسية للإخوان المسلمين في مصر، و حزب النهضة في تونس، و النهضة الإسلامية في طاجيكستان، و الجمعية الإسلامية في أفغانستان أو بعض أقسامها، و عدد آخر من الأحزاب الإسلامية في البلدان الإسلامية المختلفة، تمثل حركة التجديد الإسلامي أو الإسلام المعتدل.

وقد أبرز بعض الكتاب الغربيين دور القوى الأجنبية في زيادة إقبال الأحزاب و القوى الاجتماعية في الدول الإسلامية على الإسلام المعتدل و ذلك من جهتين: الأولى تتعلق

ص: 575

بالآثار المترتبة على صعود الإسلاميين المعتدلين، و الثانية بحث هذه الآثار بالنسبة إلى الدول الغربية. قال روبرت هفنر بشأن الجهة الأولى:

«أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الآن أموالاً طائلة لتأسيس مدارس دينية تروج للإسلام المعتدل»(1). «إنّ تكامل التغيير في المنطقة و اتجاهه صوب الرؤى المعتدلة و المشاركة الإسلامية دون اللجوء إلى القوة، أمور أسس لها حزب العدالة و التنمية في تركيا»(2). «لقد استطاع الإسلام المعتدل من خلال اعتماده السياسات الديمقراطية كسب

القدرات اللازمة للمشاركة الاجتماعية الواسعة»(3).

و - كما أشرنا سابقاً - بحثت الجهة الثانية دور القوى الأجنبية في إشاعة الإسلام

المعتدل بالنسبة إلى آثار ذلك على المجتمع الغربي. و في هذا المجال، قال هیلل فریش:

«أقدمت الدول الأوربية على دعم الحركات الوسطية و القادة المعتدلين في الإسلام بغية تحييد التوجهات الإسلامية المتطرفة و إلغاء تأثيرها في تلك الدول، فعلى سبيل المثال جسدت فرنسا ذلك بتقديم مساعدة مالية لبناء مسجد أبو بكر في باريس عام 2003 م»(4).

وأضاف قائلاً:

«إنّ المدّ الإسلامي يشكل تحدياً خطيراً على المجتمعات الغربية يفوق سائر التحديات الأخرى؛ و لذا يجب إخضاع شرائح واسعة من المسلمين الأوربيين و أولئك الذين اندمجوا حديثاً في المجتمعات الغربية إلى تعليم القيم العلمانية للغرب بشدة. ولا بد من أن تسفر تلك التعاليم الغربية عن شعور المسلمين بمزيد من الاندماج في

ص: 576


1- Hefner 2005: 81
2- Hefner 2005: 95
3- Hefner 2005: 277
4- Hillel Frisch and EfraimInbar (2008) Radical Islam and International Security Challenges and res Julie, P: 112

المجتمع الغربي. و من هنا، تسعى الدول الغربية إلى التواصل المستمر مع الحركات الإسلامية المعتدلة و التيارات الوسطية من أجل الحدّ من التطرف، الأمر الذي دفع كثير من القادة الإسلاميين في الدول الأوربية إلى سلوك سياسات أكثر انفتاحاً و اعتدالاً بهدف تطمين الدول الغربية

و تحقيق مزيد من التعاون معها»(1).

قال تشرنوف في مجال الشروط اللازمة لإرساء الإسلام المعتدل:

«ثمة تأثير كبير للدول المشاركة على التكتلات و الأحزاب الإسلامية لاتخاذ سياسات

سلمية و تعبئة القوى سلمياً و التقليل من الإقبال على أعمال العنف»(2).

ثم سلط الضوء على ثلاثة أساليب تنتهجها بعض الدول لحثّ الإسلاميين على اتخاذ

سياسات سلمية، هي:

• إطلاق آليات لتوسيع المشاركة السياسية.

• ضمان اعتماد القانون و النظام في كل مكان بحيث لا تبقى أي منطقة مفتقرة إلى ذلك.

• توفير الخدمات الاجتماعية لكسب القيمة و الاعتبار بين الناس و منع الإسلاميين

الراديكاليين من استغلال هذا الأمر، كما هو الحال في تركيا و ماليزيا.

على أنّ دراسة تاريخ هذه الدول يكشف عن أنّ اتخاذ الحكومات لسياسات المشاركة أسهم بشكل كبير جداً في تعبئة الإسلاميين بصورة سلمية. ففي تركيا، استطاع الحزب الإسلامي المعتدل و حزب العدالة و التنمية الإمساك بزمام السلطة منذ عام 2002 م، من خلال الاستفادة من القوانين الموجودة في النظام السياسي لهذا البلد.

والنتيجة المهمة الأخرى التي أشار لها هذا الكاتب هي أنّ الدول المشاركة قطعت الطريق أمام التدخل الأجنبي بتوفيرها الأرضية المناسبة لمشاركة سائر الحركات و الأحزاب الاجتماعية و السياسية في السلطة مشاركة فاعلة.

ص: 577


1- Frisch 2008: 117
2- Chernov Hwang (2009) Peaceful Islamist Mobilization in the Muslim World, United States: Palgrave Macmillan ponses, USA: Routledge, P: 161

ویری تشرنوف أنّ الشغف بالعملية الديمقراطية التي يمكن أن تشكل ميزة الإسلام

المعتدل نابع من عمق الفكر السياسي في الإسلام، و يقول:

«ليس الدين الإسلامي هو السبب في مشاكل العالم الإسلامي و ارتباطه بالديكتاتورية، فالإسلام - كسائر الأديان الأخرى - يدعو إلى النهج الديمقراطي و يحتوي على عناصر الديمقراطية، من قبيل الإجماع و الشورى و الاجتهاد. و على هذا الأساس، تبدي الحركات المتطرفة أيضاً رغبة شديدة في ممارسة نشاطها في النظام السياسي، فنرى أنّ الحزبين المتطرفين في أندونيسيا أعربا عن استعدادهما لأن يتعلم

أفرادهما التعاليم المتعلقة بالجهاد»(1).

لقد تحول الإسلام في بداية النصف الثاني من القرن العشرين إلى قوة اجتماعية - سياسية في العالم الإسلامي، و ذهب كبار المفكرين المسلمين من أمثال حسن البنا و أبو الأعلى المودودي و سيد قطب إلى التأكيد على امتلاك الإسلام حلاً للمشاكل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في العالم الإسلامي. و كانت الشريعة في تلك الفترة تمثل المشروع الأساس بالنسبة إلى المجتمعات الإسلامية، فكان هذا هو حجر الأساس لفكر جيل الرواد من الأحزاب السياسية الإسلامية.

وتزامن ظهور السياسة الجديدة لأمريكا حيال الإسلام السياسي مع ظهور الجيل الثاني من الأحزاب السياسية الإسلامية في تركيا و ماليزيا و أندونيسيا. فصحيح أنّ هوية هذه الأحزاب إسلامية، لكنّها شيدت مشاريعها السياسية على أساس المبادئ المعترف بها عالمياً، من قبيل: الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و حاکمية القانون و حقوق الإنسان و التعددية و مساءلة الحكومات، فاعتبرت هذه المبادئ الجديدة بديلاً لتطبيق قوانین الشريعة بصورة جافة. و خلافاً للجيل الأول من الأحزاب السياسية الإسلامية، دعا الجيل الثاني إلى علاقات إيجابية و بناءة مع الغرب، و لم يناهض المصالح الاستراتيجية و

ص: 578


1- Chernov 2009: 161 - 169

الأمنية لأمريكا(1). و سعی بنحوٍ ما إلى الاعتراف بالنظام القائم و تحديد دائرة المصالح بشكل لايتقاطع مع مصالح القوى الإقليمية و الدولية.

وثمة تهدیدات و فرص متبادلة في إطار تنامي النزعة الإسلامية المعتدلة في العالم.

فمن جهة لا شك في أنّ الإسلام يسير وفق أنموذج النظام الإسلامي المتكامل الذي يولي أهمية كبيرة للمشاركة الشعبية الواسعة، و من جهة أخرى لا ريب في أنّ نشر هذا الأنموذج من الإسلام السياسي من شأنه الحيلولة دون انتشار الاستراتيجيات المتطرفة؛ و لكن في الوقت ذاته لا بد من الالتفات أيضاً إلى التداعيات و التهديدات الناتجة في مجال تأثير ذلك على ردود الأفعال في العالم الإسلامي.

2- 4- اتساع دائرة تهديد التطرف: توفر فرصة التعاون للمواجهة

بات التطرف هذه الأيام أكثر سرعة على التحرك و المناورة بفعل الدعم المالي و المخابراتي الذي يتلقاه من بعض اللاعبين الإقليميين و الدوليين، وهو ما يفرض اتساع دائرة التهديد الأمني للمتطرفين، فيشمل - فضلاً عن دول الشرق الأوسط - الدول الواقعة في آسيا الوسطى و القفقاز و روسیا و الصين و أوربا كذلك.

ومن هنا، على الرغم من أنّ دول آسيا الوسطى أعلنت الحياد و عدم التدخل في الأزمة السورية، إلا أنّ القلق يساورها اليوم بشدة من عودة الجماعات التكفيرية التي انخرطت في القتال و شاركت في الحرب على الحكومة السورية، و أخذت تمنّي نفسها بوعود مختلفة و عناوین متنوعة من الجهاد المقدس و جهاد النكاح إلى الوعد بالجنة، و كذلك القتال لاستعادة الحقوق المسلوبة. فعلى سبيل المثال، أكدت بعض المصادر الخبرية من دولة أذربيجان، و هي من دول القفقاز الجنوبية، على أنّ هناك أكثر من 250 مقاتلاً من هذا البلد في سوريا، انخرطوا إجمالاً في تنظيم جبهة النصرة الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة.

ص: 579


1- ISLAMIST POLITICAL TRENDS IN 1. Halim, Rane, (2010) EMERGING THOUGHT Implications for Islam - West Relations, Australia: National Centre of Excellence for Islamic Studies, Griffith University

ومن بين دول آسيا المركزية، نجد أنّ دول أوزبكستان و طاجيكستان و قرغيزستان لها الحظ الأوفر للمشاركة في الأعمال الإرهابية، خصوصاً تلك الدول المطلة على وادي فرغانة. و على سبيل المثال، تعتبر مدينة أوش في قرغيزستان من المناطق التي يجنّد منها الأشخاص للالتحاق بالمنظمات الإرهابية الدولية، و أغلب الشباب القرغيزيين الذين أرسلتهم التيارات السلفية للمشاركة في الأزمة السورية إنّما تمّ ذلك من المنطقة المذكورة. و قد أثار ذلك سخط و مخاوف بيشكك، فأعلن العلماء فيها عن حرمة المشاركة في الحرب على سوريا. هذا في الوقت الذي يشدد عدد من الخبراء في آسيا الوسطى على وجود 1500 شخص

كحدّ أدنى من المليشيات في هذه المنطقة يقاتلون إلى جانب المعارضة السورية. و لا ريب في أنّ مشاركة مواطنين من هذه الدول في الحرب الدائرة في سوريا و التدريبات الإرهابية التي يتلقونها هناك يشكل خطراً كبيراً و وشيكاً على دول هذه المنطقة(1).

على أنّ التوجس من عودة المجاميع الإرهابية وتوسيع دائرة تهديدهم الأمني لا يقتصر على الدول المذكورة آنفاً و حسب، فورد في تقرير لصحيفة غارديان البريطانية أنّ توني بلير - رئيس وزراء انجلترا السابق من حزب العمال - حذر من شيوع التطرف في أوربا، داعياً إلى تعزيز تعاون الدول الأوربية مع روسيا و الصين من خلال مجموعة 20 من أجل التصدي لإثارة البلبلة و القلاقل في أوربا. و أكدت هذه الصحيفة على أنّ بلير قال مشيراً إلى السعودية: إنّ هذا يعني لزوم أن ننفق مليارات الدولارات على الترتيبات الأمنية لبلداننا، و نعمل على الحفاظ على علاقاتنا الدفاعية و الأمنية مع دول تروج في مدارسها و مؤسساتها المدنية للإيديولوجية المناهضة للأمن(2).

كما حذر فلاديمير بوتين - الرئيس الحالي لروسيا - في مقال له نشر في صحيفة نيويورك تايمز عام 2013م من مخاطر التطرف في العالم وفي الحدود الروسية أيضاً، فأعرب عن قلقه الجسيم من تنامي ظاهرة التطرف و الحركات المتطرفة و ما تشكله من

ص: 580


1- http://www.teror - victims.com/fa/index.php?
2- Page=definitionUID=9034897. http://www.theguardian.com/politics/2014/apr/23/tony - blair - west _ take - sides - growing - threat _ radical _ islam.

مخاطر في آسيا الوسطى و القفقاز، و خاطب الشعب الأمريكي منتقداً السياسة الأمريكيين لدعمهم الجماعات الإرهابية في سوريا، و كشف عن مخاوفه من خطر عودة التنظيمات الإرهابية التي انطلقت من الدول المجاورة لروسيا و الشيشان إلى القتال في سوريا. و شدد الرئيس الروسي على أنّ السبيل إلى مواجهة تلك التنظيمات يتمثل بالتعاون بين البلدان المختلفة، مطالباً قادة الدول الإسلامية بالتعاون لمواجهة هذه التيارات المتطرفة(1).

وأشارت مؤسسة هريتيج أيضا إلى العواقب الوخيمة لتصاعد وتيرة التطرف في الشرق

الأوسط وفي الحدود الروسية، محذرة أمريكا من تداعيات ذلك(2).

وفي ضوء المخاوف الأمنية لدول المنطقة و دول العالم أجمع من خطر شیوع الإرهاب في سياق التطرف الديني و المذهبي، يمكن صياغة خطط للتعاون الإقليمي و الدولي في إطار تأسيس أنظمة لمكافحة الإرهاب. و تتجلى أهمية هذا الموضوع في أنّ أي شكل من أشكال الغطرسة الدولية و الإقليمية من الممكن أن تؤدي إلى آثار مدمرة على أمن المنطقة. فلا شك في أنّ الضرورات الأمنية لدول المنطقة تقتضي أن يستفيدوا من التعاون البناء و المشترك لتجاوز تلك التهديدات الإقليمية(3).

إنّ ضرورة توفير الأمن في منطقة الخليج الفارسي و الشرق الأوسط بحاجة إلى طاقات كبرى و إصلاحات بنيوية، و المقصود بالطاقات الكبری عموماً أن تتمكن الجهات السياسية المعنية من توظيف قابلياتها الاستراتيجية للقيام بالدور الإقليمي اللازم، و تتجسد تلك القابليات في المجال الاقتصادي و التكنولوجي و الثقافي و السياسة الخارجية(4).

ص: 581


1- http://www.nytimes.com/2013/09/12/opinion/putin - plea - for - caution - from - russia -
2- on - Syria.html?pagewanted=all. http://www.heritage.org/research/reports/03/2012/a - threat - to - the - west - the - rise - of - islamist - insurgency - in - the northern - caucasus
3- مصلي نجاد، عباس، (2012 م)، پیامدهای بی ثباتی امنیتی بر موازنه قدرت در خاورمیانه، طهران: دورية: ژئوپلیتیک، السنة الثامنة، العدد الثالث، ص 55
4- مصلي نجاد، عباس، (2012 م)، پیامدهای بی ثباتی امنیتی بر موازنه قدرت در خاورمیانه، طهران: دورية: ژئوپلیتیک، السنة الثامنة، العدد الثالث، ص 56

وإلى جانب الضرورة الأمنية و السياسية لتحقيق التعاون الإقليمي المنشود، لا بد من الإشارة إلى أنّ الوشائج الثقافية و الأواصر القومية و العالمية في الدين الإسلامي تلعب دوراً كبيراً في إيجاد التعاون و التضامن الدولي، أكثر من جميع الأديان العالمية الأخرى.

وفي هذا الإطار، قال باري بوزان و غونزالس بشأن التحديات أمام دول الشرق الأوسط في مسيرة التعاون و تشکيل أنظمة سياسية متحدة: مثلما اندمجت كل من اليابان و الصين في المجتمع الدولي، و سادتهما القيم الغربية، فإنّ دول الشرق الأوسط أيضاً لا تستثنى من هذه القاعدة، لكنّ هناك عوامل من قبيل وجود إسرائيل و موضوع النفط و مصالح القوى الأجنبية في المنطقة فرضت على الأعضاء المساومة على السلطة(1).

و مع وجود تحدیات من هذا القبيل، فإنّ ضرورة التوصل إلى تعاون متبادل لمواجهة التطرف سيدفع اللاعبين في المنطقة إلى تصحيح مسارهم و مراجعة علاقاتهم، و يساعدهم على وضع تدابير عاجلة في مجال إنشاء أنظمة للتعاون المشترك. و من المتوقع عندئذ حدوث عرقلة من بعض اللاعبين في المنطقة ممن يرون أنفسهم الأفضل في هذا الموضوع، غير أنّ تنشيط السياسة الخارجية يسهم في الإسراع بتنظيم برنامج لتأسيس أنظمة التعاون بين دول المنطقة نفسها و مع الدول الأخرى أيضاً.

أما أولئك اللاعبون الإقليميون الذين يُحتمل سعيهم للاستفادة من التطرف الديني كأداة للسلطة على فرض شعورهم بالأفضلية، فلا بد لهم من أن يدركوا بأنّ ما يميز هوية الشرق الأوسط في العصر الراهن هو تاريخ هويته الدولية العريقة. و حيث إنّ النظام الدولي قائم على وحدة ثقافية و لغوية موجودة مسبقاً، ولا تزال موجودة إلى اليوم، يتضاءل ولاء الجماهير إلى الدولة، خصوصاً حينما يقتصر على قومية خاصة في العالم العربي، و يكون مهدداً بهوية أكبر كالقومية العربية و الأمة الإسلامية(2).

ص: 582


1- Buzan, Barry Ana Gonzalez - Pelaez (2009) International Society and the Middle East English School Theory at the Regional Level, London: Palgrave. 1. Hudson, Michael, (1977) Arab Politics: The Search for Legitimacy, New Haven, CT: Yale University Press, pp. 33 - 55; BahgatKorany, “The Dialectics of Inter - Arab Relations, 1967 - 1987." in Abdullah Battah and Yehuda Lukas, eds., The Arab _Israeli Conflict: Two Decades of Change, Boulder, CO : Westview Press, 1988, pp. 164 - 178. 1. Eberhard Kienle (1990) Ba’th versus Ba’th: The Conflict Between Syria and Iraq, London: I.B. Tauris, pp. 1 - 30
2- فولر، غراهام، و لسر، یان، (2005 م)، احساس محاصره ژئوپلیتیک اسلام و غرب، ترجمة: على رضا فرشچی و علی اکبر کرمی، طهران: الدورة العليا للحرب في معهد القيادة و لجنة الحرس الثوري، ص 260

و نتيجة هذا الأمر - بحسب قول کینلي - نظام من الدول القطرية، لا الدول الجماهيرية (إلى الآن على أقل التقادير)1، و استمرار هذا الأمر يعني تحرر المجاميع الإرهابية من قيد

الهويات القومية، و هناك من اللاعبين الإقليميين من يحاول الاستفادة من ذلك.

و من هنا، فإنّ توحید استراتيجيات دول الشرق الأوسط، و كذلك بعض الدول الآسيوية كالصين، و آسيا الوسطى و القفقاز و روسيا، في إطار تعريف أنظمة التعاون، يمكن أن يشكل العوامل المهمة و الآنية لمواجهة التطرف.

خلاصة البحث:

إنّ التطرف الديني ينهل في نشوئه و استمراره في الأزمان و الأماكن المختلفة من مناشئ متعددة و يتأثر بعوامل متباينة جعلت مواجهته و التصدي له أمراً عسيراً. و قد اهتمت أغلب الدراسات التي عالجت موضوع التطرف بالمناشئ الأولية لهذا التحدي الخطير، و حاولت إيضاح أبعاده في سياق الهوية و العقيدة، و إن كان مردّه إلى الفهم المتباين و المتعارض أحياناً لأصول الشريعة بلا ريب. و لكن لو لم نبحث عن المبالغة في دور العوامل الأخرى من خارج الدين في إبراز هذا الأمر، لأمكن الاعتراف بأنّه يمكن إدراك أسباب استمرار هذه الظاهرة في العصر الراهن في إطار العلاقات الأمنية و السياسية للقوى الإقليمية و الدولية.

وقد تجاوز التطرف الديني في الشرق الأوسط حدود القضية المرتبطة بالهوية و ظهر بشكل أداة للضغط. و بعبارة أوضح ينبغي أن نقول: ينظر سائر اللاعبين الإقليميين و الدوليين إلى هوية بعض اللاعبين في المنطقة التي تتجلى في سياق نماذج دينية على أنّها تهديد لتلك المنطقة، و من هذا المنطلق يجري استحداث هويات معارضة - و إن لم

ص: 583

تكن ذات مناشئ و جذور عقائدية - لتشكيل جبهة في الاتجاه المعاكس. ولا شك في أنّ الحلول تختلف باختلاف الزاوية المنظور منها، ففرق بين علاج التطرف الذي يعدّ هوية للحركات الاجتماعية و التيارات السياسية و بین اعتباره ناشئاً من عوامل الاستحواذ على السلطة. على أنّ هذه الدراسة لا تنفي انبثاق التطرف الديني في الشرق الأوسط من أسباب مرتبطة بالهوية، بيد أنّها تركز في الظروف الراهنة على المناشئ السياسية و الأمنية

لأسباب استمرار التيارات المتطرفة.

و النقطة المهمة في هذا المضمار هي أنّ كل واحد من اللاعبين الإقليميين الداعمين للتطرف يمارس سياسته وفقاً لما تقتضيه مصلحته المختلفة عن مصلحة الآخر، و يمتلك القدرة اللازمة لإشاعة عدم الاستقرار في المنطقة، و من الجلي أنّ عدم الاستقرار هذا سيؤدي على المدى البعيد إلى تقوية التيارات المتطرقة التي تعيق عمل الحكومات و تعرقل تحركات الشعوب في ظل غياب المسؤوليات الدولية، كما أنّه لا يساعد على تحقيق فكرة الحضارة الإسلامية - الإيرانية المنشودة. و عليه، يمكن اعتبار السلام و الأمن القومي و الاستقرار و التوازن الإقليمي من أهم أهداف السياسة الخارجية لبلدان المنطقة، و من المسلّم به أنّه لا يمكن تحقيق هذا الأمر من جانب واحد فقط.

و عموماً، فإنّ القوة اللازمة لمواجهة الحركات الدينية المتطرفة بدأت بالظهور و التنامي، كما أنّ هناك نهوضاً في رؤية المسلمين في المنطقة لأنموذج الإسلام السياسي الأكثر ديمقراطية و تحملاً للمسوؤلية و القادر على تحقيق أهداف الدولة بفاعلية؛ فمن

جهة أخفق اللاعبون الإقليميون في تنفيذ سياساتهم عن طريق دعم هذه الحركات المتطرفة، و بدأوا يدركون مغبة الوقوف إلى جانبها و حمایتها، ويعون ضرورة تصحيح وجهات نظرهم لتصبح أكثر واقعية، بعد عدم جدوى إشاعة التطرف في المنطقة، و يبدون مزيداً من الاستعداد لحل الاختلافات في ضوء القوانين السياسية و الحقوقية. و من جهة أخرى، لم يعد التطرف الديني يشكل تهديداً للشرق الأوسط فقط، بل إنّ اتساع دائرة مخاطر هذه الحركات إلى دول آسيا الوسطى و القفقاز و أوربا، و شمول تهديدها لمصالح دول مثل الصين وروسيا و أهم الدول الأوربية، يمكن أن يمثل مقدمة لتشكيل حلف إقليمي و دولي لمواجهة هذا الخطر الداهم.

ص: 584

فصحيح أنّه لا يمكن محو الفكر المتطرف من الوجود، إلا أنّه يمكن الحدّ من سرعة و تأثير هذه الحركات المتطرفة من خلال اتخاذ التدابير القانونية و السياسية و الأمنية و الإجراءات التنظيمية المناسبة، و عبر صياغة أنظمة جماعية منبثقة من المصالح و الهموم المشتركة لدول المنطقة. و على الرغم من عدم إمكان القطع بتحقيق هذه الفكرة برمتها، و لكن ربما يكون هذا هو الإجراء الأفضل لمواجهة هذه الحركات و التيارات؛ إذ إنّ التهاون في التصدي لها سيبدد الطاقات الكبيرة في دول المنطقة، و يفضي إلى استمرار الفوضى و عدم الاستقرار فيها، الأمر الذي يتعارض تماماً مع التطلعات المستقبلية للجمهورية الإسلامية في إيران في بناء الحضارة الإسلامية.

و على هذا الأساس، فإنّ تنشيط السياسة الخارجية في إطار بلورة مشاركة إقليمية واسعة، خصوصاً مع دول مثل تركيا و روسیا و حتى الصين، و انتهاج دبلوماسية الإقناع الحثّ الساسة السعوديين على المشاركة الفاعلة - حيث يلاحّظ عزم جاد في الحكومة الإيرانية الحالية على تحقيق هذا الأمر - من شأنه الحيلولة دون اتخاذ الجمهورية الإسلامية لسياسات انفعالية إزاء التهديدات الأمنية، و تعبئة الطاقات الكبرى في هذا البلد لإحياء

الحضارة الإسلامية - الإيرانية.

و بصورة إجمالية، ثمة دلالات على سعي اللاعبيين الإقليميين لتجاوز موضوع التوازن دائماً، و بطبيعة الحال فإنّ اتخاذ أي نحو من السياسة المؤدية إلى عدم الاتزان الأمني في مثل هذه المنطقة من شأنه أن يخلق مخاطر استراتيجية مؤكدة. و من هنا، ينبغي لجميع اللاعبين في المنطقة رعاية المصالح الاستراتيجية لبعضهم البعض و تجنب الإخلال بميزان القوى في المنطقة بما يعود بالنفع لهم.

ص: 585

المصادر:

1- حاتمي، محمد رضا، (2011 م)، تحولات و ساختار منطقه خاورمیانه، طهران:

مجلة: روابط خارجی، السنة الثالثة، العدد الرابع، ص

203 - 237.

2- حتى بناه، جعفر، (2011 م)، هویت، قومیت، و سیاست خارجی در خاورمیانه،

طهران: دورية: سیاست، مجلة: معهد الحقوق و العلوم السياسية، الدورة 41، العدد 1، ص

81 - 95.

3- دهشیار، حسین، (2003 م)، سیاست خارجی آمریکا در آسیا، طهران:

منشورات مؤسسة أبرار للثقافة و الدراسات الدولية في طهران.

4- عابدي، مهدي، (2009 م)، از تولید بحران در ساختار امنیتی خاورمیانه: به سوی شناسایی یک ابر بحران، الجامعة الإسلامية الحرة في شهر رضا: دورية: تحقیقات سیاسی و بین المللی، العدد الأول الصيف، ص 65 - 90.

5- عبد اللهيان، أمير (2011 م)، ناکامی

طرح خاورمیانه بزرگ و خیزیش بیداری اسلامی در جهان عرب: دارسة خاصة بالبحرین، دورية: مطالعات راهبردی، السنة الرابعة عشرة، العدد الثاني.

6- فولر، غراهام، و لسر، یان، (2000 م)، احساس محاصره ژئوپلیتیک اسلام و غرب، ترجمة: علي رضا فرشجی و علی اکبر کرمی، طهران: الدورة العليا للحرب في معهد القيادة و لجنة الحرس الثوري.

7- مصلی نجاد، عباس، (2012 م)، پیامدهای بی ثباتی امنیتی بر موازنه قدرت

در خاورمیانه، طهران: دورية: ژئوپلیتیک، السنة الثامنة، العدد الثالث.

8- هنّا بوش، ریموند و احتشامی، انوشیروان، (2010 م)، سیاست خارجی کشورهای خاورمیانه، ترجمة: رحمن قهرمان پور و مرتضی مسماح، طهران: منشورات جامعة الإمام الصادق علیه السلام.

ص: 586

9- Ahmad, Mumtaz (1990) Islamic Fundamentalist in South Asia, Chicago: University of Chicago Press.

10- Buzan, Barry Ana Gonzalez - Pelaez (2009) International Society and the Middle East English School Theory at the Regional Level, London: Palgrave.

11- Christin, Mars chall (2003): Iran's Persian Gulf Policy, Routledge Curzon Pub.

12- Eberhard Kienle (1999), Ba'th versus Ba'th: The Conflict Between Syria and Iraq, London: I. B. Tauris, pp. 1-30.

13- Fischer, M. (1982) 'Islam and the Revolt of the Petit Bourgeoisie’, Daedalus, vol. 111.no. 1pp. 101 - 125.

14- Halim, Rane, (2010) EMERGING TRENDS IN ISLAMIST POLITICAL THOUGHT Implications for Islam - West Relations, Australia: National Centre of Excellence for Islamic Studies, Griffith University.

15- Hillel Frisch and EfraimInbar(2008) Radical Islam and International Security Challenges and res Julie Chernov Hwang (2009) Peaceful Islamist Mobilization in the Muslim World, United States: Palgrave Macmillan ponses, USA: Routledge.

16- Horowitz, Donald, ethnics Group in conflict, Berekly: University of California Press, 1985.

17- Hurd, Jerald (2010) Legitimacy and Strategic Behavior. The Instrumental Use of Norms in World Politics, December, www.World PublicOpionion.org

ص: 587

18- Hudson, Michael, (1977) Arab Politics: The Search for Legitimacy, New Haven, CT: Yale University Press, pp. 33 - 55; BahgatKorany, “The Dialectics of Inter - Arab Relations, 1967 - 1987," in Abdullah Battah and Yehuda Lukas, eds., The Arab - Israeli Conflict: Two Decades of Change, Boulder, CO: West view Press, 1988, pp. 164 - 178.

19- Nelly Lahoud and Anthony H. Johns (2005) Islam in World Politics, United States: Palgrave.

20- Robert W. Hefner(2005) Remaking Muslim politics: pluralism, contestation, democratization, Princeton University

Press.

21- Taylor, A. (1988) The Islamic Question in Middle East Politics, Boulder: West view Press. http://www.foreignaffairs.com/articles/63048/vali - nasr - and - ray - takeyh/the - costs - of - containing - ira

ص: 588

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.